المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري (رحمه الله)

عبد الأول بن حماد الأنصاري

المجلد الأول

المجلد الأول ترجمة موجزة ... ترجمة موجزة بقلم عبد الأول بن حماد الأنصاري عفا الله عنه الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه أهل الوفى. أما بعد: فاعلم أيها القارئ الكريم: أن الوالد الشيخ حماد بن محمد الأنصاري الخزرجي السعدي ـ نسبة إلى سعد بن عبادة الأنصاري الصحابي الجليل رضي الله عنه ـ خرج من أفريقيا ـ وبالأخص دولة (مالي) ـ بسبب الاستعمار المهيمن على أفريقيا في ذلك الوقت؛ وكان هذا الاستعمار الفرنسي بطّاشا خبيثا معانِدًا، يأكل الأخضرَ واليابس ويمنع التديّن والعلم، ويهضم أهلَ الإسلام حقَّهم وغير ذلك من المعضلات والمفاسد. فلما رأى الوالد ـ رحمه الله تعالى ذلك ـ وكان عمرُه عندها ستة عشر عامًا ـ عزم على الهجرة من أفريقيا إلى الحرمين، وقام بالتخطيط لهذه الهجرة مع بعض أصحابه الملاصقين به ملاصقةً قوية في طلب العلم والمرح والنزهة وغير ذلك؛ وهم: الشيخ عمّار "حفظه الله" الموجود بمكة والآن، والشيخ أُحيد الموجود ببلاد (مالي) في صحرائها التي تختلف عن صحارى الجزيرة؛ فصحراء أفريقيا يوجد فيها العلماء في كل فنّ ـ وبالذّات اللغة العربية وفروعها والشعر العربي الفصيح مما يشابه شعر امرئ القيس وعنترة والبحتري من شعراء الجاهلية وشعراء ما بعد الإسلام؛ فلا تكاد تخلو صحراء أفريقيا من قول الشعر، وينظم لهم شيوخهم ما يتعلّمونه من العلم الشرعي وعلوم الآلة وأصول الفقه والبلاغة بأنواعها من بيانٍ ومعاني وبديع. فقام الوالد بالإشارة عليهم بالهجرة إلى الحرمين الشريفين لأكثر من سببٍ، من ذلك: طلب العلم على شيوخ الحرمين، والهجرة من الاستعمار الباغي، وغير ذلك. وقد طرأت على الوالد هذه الفكرة في زهرة شبابِه وفي سنٍّ لا يكاد يُذْكَرُ

صاحبه في هذا الزمن إلا بلعبٍ وعبث. وقد كان الوالد "رحمه الله تعالى" من بيت علمٍ وفضل وقضاء؛ فمنذ نعومة أظفاره وأهله مهتمّون به، ويعلِّمونه؛ فقد كان عمُّه الملقّب بالبحر عالمَ أفريقيا قاطبةً ومفتيها؛ ولقّب بالبحر لسعة علمِه ودقّة فهمه وندور مثله في صحراء أفريقيا وحاضرتها. قام عمُّ الوالد هذا بإنشاء الوالد على حفظ القرآن مبكرًا وحفظ علوم الآلة، وكذلك الحديث، والفقه المالكي "مختصر خليل". وقد يتساءل القارئ: أين والدُ الشيخ؟. فأقول له: إنّ أباه مات عنه وهو ابنُ ثمان سنوات؛ فقد كان يتيمًا عاش في كنف عمِّه وأخواله ووالدته؛ فقد كان مَن حوله من أقربائه من جهة أبيه وأمه فيهم طلبة العلم والعالم والمفتي والقاضي. فنشأ في هذه البيئة العلميّة المحضة في جوٍّ ليس فيه من أمور الحضارة الموجودة اليوم شيء لا كهرباء ولا سيّارات ولا طائرات. عاش في بيئة من أجمل ما تكون فيها الخضرة، والغابات، والماء الصافي، والنسيم الجميل، والهواء النقي؛ فقد سمعتُه أكثرَ من مرّة يقول: "إن الوقت الذي كنت فيه في إفريقيا لا يتمنّى أحدٌ أن يخرج منها لما فيها من الخيرات التي لا تحصى من مأكل ومشرب ونزهة وغير ذلك". حفظ الوالد "رحمه الله تعالى" القرآنَ وعمرُه ثماني سنوات، ثم أخذ في علم القراءات فعرفها، وأتقن حفظَ القرآن عليها. وقد كان الناس في وقته يحفظون القرآن على اللوح: يكتب لهم شيخ الكتاتيب الآية والثلاثة فيذهب الطالب يحفظها ثم يُسَمِّعُها للمعلم، ثم يمحوها

ويكتب له المعلم غيرها، وهكذا حتى يحفظ القرآنَ كاملاً. وبعد حفظه يذهب إلى حلقات العلم الأخرى فيحفظ من علوم اللغة وغير ذلك. فلم يبلغ الوالد سنّ الرشد حتى أصبح يحفظ شيئًا كثيرًا من المنظومات؛ فقد كان يحفظ "الملحة" للحريري، و "الشافية" لابن مالك، و "الألفية" له؛ ويحفظ أكثرَ من منظومة في الصرف. ويحفظ "الألفية" في أصول الفقه للسيوطي، وكذلك "جمع الجوامع" في الأصول ـ المتن ـ للسبكي، ويحفظ "المعلّقات السبع"، وقصائد الجاهليين، و "مقصورة ابن دُريد"، ويحفظ منظومة في حروف الجُمَّل؛ وهذه المنظومة لقّنها كثيرًا من طلبة العلم في هذه البلاد وشرحها لهم وكتبوها عنه. كما يحفظ منظومةً طويلة في التنجيم، كان يذكرُ لنا من ناظمها عندما يذكرها (نسيت ما اسمه) . ويحفظ "مختصر خليل" مثل الفاتحة. كما كان يقول لنا: أن له "ديوان شعر" تركَه في أفريقيا لم يحضره معه لَمّا هاجر إلى هذه البلاد المباركة؛ لأنّه خرج من أفريقيا متسلّلاً لا يحمل معه سوى مصحف خوفًا من الاستعمار الفرنسي والبريطاني؛ فقد كان المستعمر لا يسمح لأحدٍ من أهل أفريقيا أن يخرج منها إلى الحرمين كما كان يذكر لنا "رحمه الله تعالى" أنه عندما جَهّزَ نفسَه للرحيل هو وزميلاه الاثنان خرج ليلاً ممتطيًا كلّ واحد منهم جملَه، فخرجوا؛ ومكثوا في رحلتهم هذه سنتين حتى وصلوا إلى ميناء جدة. مرّوا فيها بكثيرٍ من البلاد مثل: (النيجر) و (نيجيريا) و (السودان) وغيرها.

وقد التقى الوالدُ "رحمه الله تعالى" ببعض أهل العلم؛ ففي نيجيريا التقى بالشيخ المجدِّد العالم السلفي عبد الله بن المحمود الشريف الحسني الذي نشر الدعوة السلفيّة في صحراء (مالي) . وأخرج الله على يده أممًا من الناس من ضلال عبادة القبور والتوسل بالصالحين والخرافات والبدع المنتشرة آن ذلك في بعض صحراء أفريقيا. والشيخ عبد الله الذي التقى به الوالد "رحمه الله تعالى" في نيجيريا كان قادمًا من هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية ـ حرسها الله تعالى وشرّفها ـ؛ فقد كان حياته من صغره بالمدينة النبوية، وكان إمامًا للمسجد النبوي الشريف ومدرِّسًا فيه. وقد أفرد الوالدُ "رحمه الله تعالى" له ترجمةً بلغت في مجلّد لطيف (مطبوع) . فلما التقى به الوالد في نيجيريا أخذ عنه نصائحَ كثيرة، أهمُّها قوله: "يا بنيّ إذا وصلتَ إلى بلاد الحرمين فعليك بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وعليك بنشر عقيدة السلف ونشر كتبهم، وعليك بتعليم الناس العقيدة والعلم". وقد سمعتُ الوالدَ يقول: "لقد تأثّرتُ بنصيحته هذه جدًّا وأخذت بها، وبلغت من قلبي مبلغًا عظيمًا، وعزمت على العمل بها". كما التقى بالشيخ طاهر السواكني في دولة السودان، وأخذ عنه علم الحديث، وعرف على يديه كتب الحديث؛ فقد كان الشيخ طاهر عالمًا من علماء السودان في الحديث وغيرِه، وكان له الاهتمام الكبير بعلم الحديث؛ فقد سمعتُ الوالدَ يقول: "لقد تأثّرت بالشيخ طاهر السواكني في علم الحديث؛ فقد نصحني بتعلّمه واقتناء كتبه، والسير على منهج أهلِه".

فكان لهاتين النصيحتين تأثيرٌ بالغٌ في حياة الوالد العلمية إلى أن انتقلَ إلى "رحمه الله تعالى". وعندما وصل الوالدُ إلى جدة سارع إلى الذهاب إلى مكة المكرمة، وكان عمره عندما دخل هذه البلاد المباركة "بلاد التوحيد" تسعة عشر عامًا. والتقى بالشيخ حامد فقي بمكة، وتأثّر به جدًّا من أكثر من جهة سواء بعلمه أو نشره لعقيدة السلف وحبّه لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكذلك كتب أئمة الدعوة بدءًا من إمامها محمد بن عبد الوهاب التميمي "رحمه الله تعالى". وتلقّى على يده العلم في العقيدة والحديث، وتأثّر به جدًّا. وكذلك التقى بالشيخ محمد حمزة، وأخذ عنه العلم. وكذلك الشيخ يحيى المعلِّمي المحدِّث الجهبذ عالم عصره في علم الحديث؛ لازمَه وأخذ عنه حبّ علم الحديث وتعلّمه. ولازم الشيخ تقيّ الدين الهلالي ملازمةً طويلة استفاد منه في أكثر من فن من فنون العلم. وسمعتُ الوالدَ يقول: "لازمتُ الشيخ يحيى المعلّمي أثناء إقامته بمكتبة الحرم المكي، واستفدت منه كثيرً". كما استفاد من علماء الحرم المكي وحضرَ دروسَهم، وأجازَه بعضهم ممن يهتم بالإجازات. وكذلك استفاد من الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في مجال العقيدة وكتبها؛ وهو الذي أشار عليه أن يذهب إلى الرياض للعمل هناك، وكتب له رسالةً إلى أخيه الشيخ محمد بن إبراهيم "رحمه الله تعالى" فيها توصية به.

ولما سافر إلى الرياض سنة 1373هـ‍ التقى بالشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المفتي العام لهذه البلاد المباركة، فلازمَه وأحبّه وقرّبه إليه لما رأى فيه من حبّ العلم ونشره، وحثّه على أن يكون له درسٌ في الجامع بالرياض؛ فكان الوالدُ يدرِّس طلبة العلم الصغار بالمسجد الجامع، والشيخ محمد يدرس الكبار منهم؛ وكان الوالد يدرّس كتب العقيدة والحديث للصغار بأمر من الشيخ لما رأى فيه من العلم والفهم والذكاء والنباهة والغيرة للعقيدة السلفية. وكان الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ يكني الوالد بأبي زيد ممازحًا له، وكان يقرّبه في مجلسه العام. وكان الشيخ محمد بن إبراهيم يأمر بعض أبنائه أن يدرُس على الوالد علوم الآلة في اللغة وكذلك الحديث وغيرهما من العلوم؛ وكان الوالد يقضي الإجازة بمكة فكان الشيخ محمد بن إبراهيم يرسل أحد أبنائه مع الوالد يتلقى العلم عليه. ومكث الوالد في الرياض إحدى عشرة سنة متعلِّمًا وعالمًا يدرس بمعهد الدعوة بالرياض، تخرّج على يده منه ناسٌ كثير جدًّا بعضهم من العلماء، بل من كبار العلماء في دار الإفتاء بهذه البلاد المباركة. وقد تأثّر الوالد بالشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ "رحمه الله تعالى" في العقيدة والعلم، وأحبّ الوالدُ الشيخ محمد بن إبراهيم حبًا كبيرًا وكان يذكره في مجلسه العامر بالمدينة النبوية ويثني عليه، ويقول: "لم نر مثلَه في هذه البلاد علمًا، وتواضعًا، وزهدًا، وحبًّا لطلبة العلم وإحسانًا لهم". وكذلك عندما كان الوالدُ بالمدينة قبل ذهابه إلى الرياض التقى بالشيخ ابن تركي "وهو من علماء المدينة في ذلك الوقت"، وقرأ عليه "صحيح البخاري" وفي عقيدة السلف وتأثّر به، وكان الشيخ ابن تركي فيه شدّة واضحة ظاهرة

للجميع، وكان عالمًا زاهدًا قلّ نظيرُه في الزهد في المدينة النبوية في ذلك الوقت كما يذكره الوالد وشيخنا الشيخ محمد أحمد بن عبد القادر القرشي الشنقيطي المتوفى سنة 1418هـ‍. كما كان يحضر دروس الشيخ محمد الأمين صاحب تفسير "أضواء البيان" في المدينة، وتأثّر به وبعلمِه، وناظر الشيخ في كذا مسألة من مسائل المنطق والفلسفة مناظرة عالمٍ بهذا الفن الذي كان يحفظ فيه منظومات مع شروحها. ودرس على عددٍ من علماء المدينة النبوية في دار العلوم الشرعية منهم: عبد الغفار حسن، والشيخ أبو بكر الشريف التنبكتي "المدرس بالمسجد النبوي الشريف قرب الروضة"، وقد أجازه الشيخان عبد الغفار وأبو بكر الشريف التنبكتي. كما أنه درس النحو و "سنن النسائي" على الشيخ محمد الحافظ القاضي، وأجازه هو أيضًا في علم الحديث إجازة عامّة. وكان الوالد "رحمه الله تعالى" حريصًا على أخذ الإجازة في علم الحديث عمّن كان أهلاً للإجازة من العلماء الفحول في عصره. ومن أقدم من أجازه عمه الملقّب بالبحر عندما كان في البلاد صغيرًا في السن. وبعد انتقاله من الرياض إلى المدينة سنة 85هـ‍ للتدريس في الجامعة الإسلامية. استقرّ من هذا العام بالمدينة النبوية إلى أن انتقل إلى "رحمه الله تعالى" سنة 1418هـ‍، بعد أن مكث فيها ثلاثًا وثلاثين سنة ناشرًا للعلم فاتاً قلبه ومكتبته للناس. وقد كانت هناك بعثات من الجامعة لمن في ضواحي المدينة من أهل

البادية لتعليمهم شؤون الإسلام؛ فكان يشارك فيها "رحمه الله تعالى". وسكن قريبًا من المسجد النبوي في حيّ المصانع، وفتح مكتبة متواضعةً في بيته كان يجتمع فيها مَن كان فيه حرصٌ من طلبة العلم، منهم: الشيخ صالح الفهد، والشيخ يوسف الدخيل، والشيخ عمر محمد فلاّته "رحمه الله تعالى" الذي كان بينَه وبين الوالد محبّةٌ كبرى. وكان الشيخ عمر بن محمد فلاّته يحب الوالد ويقول: "أتمنّى أن يرزقني الله مثل علم الشيخ حمّاد الأنصاري"، قال ذلك في شريط ألقاه في ترجمة الوالد فقد "رحمه الله تعالى". وكانت بينهما مدارسة للعلم ومعرفة لأحوال بعض معرفة كبيرة جدًّا. وعندما توفي الوالد ذهب إليه الشيخ عمر محمد في المستشفى وكان الوالد عليه شرشفٌ أبيض مسجّى عليه فكشف عنه الشيخ عمر وعندما رأى وجهَ الوالد وهو متوفى أخذ يبكي، لم يتماسك عن البكاء والنحيب؛ فرحم الله هذين الشيخين المحبيبين لبعضهما رحمةً واسعة. كما كان يحضر عنده في المصانع الشيخ عمر حسن فلاته، والشيخ عبد الرحمن الفريوائي، وغيرهم من طلبة العلم المحبيين للوالد ممن لا أستحضره الآن. ومكث في المصانع قرابة عشر سنين "أو تزيد بقليل" فاتحًا مكتبته المتواضعة للناس على قلّة ذات يده في ذلك الوقت من المال. وكان مسخّرًا ماله لشراء الكتب ووضعها في المكتبة لينتفع طلبة العلم الغرباء وغيرهم منها في القراءة والبحث. وكان يدرس في المسجد النبوي "سنن الترمذي" حتى ختمه كاملاً، كما

درّس النحو، والصرف، وبعض علوم الآلة والحديث. ثم انتقل من حيّ المصانع إلى الحرة الشرقية، ووسع مكتبته السابقة الذكر وملأها بالكتب، واستقبل طلبة العلم فيها يعلّمهم؛ وكان يحثّهم على نشر العلم وبالأخصّ علم الحديث ـ الذي كان في ذلك الوقت قليل طلاّبه والباحثون عنه، وكان يُعير هؤلاء الطلبة كتبه للانتفاع بها، وكان يُعيرهم حتى النادر من المخطوطات ويسمح لهم بتصوير المخطوطات؛ ولم يكن في ذلك الوقت من يهتم بالمخطوطات سواه في المدينة النبوية فيما أعلم. وكان شرطُه في المخطوطات: أن لا يجمع منها إلاّ ما كان في علم الحديث والعقيدة السلفية وبالأخصّ المخطوط الذي لم يطبع أو المخطوط الذي طبعتُه رديئة. ولم تمنعه قلة المال عن شراء الكتب وتصوير المخطوطات؛ فقد كان أغلب ماله مسخرًا في شراء الكتب المطبوعة وتصوير المخطوط. وقد تسبب الوالد في نشر الكثير من كتب الحديث والعقيدة السلفية؛ فمن ذلك: كتاب "السنة" للالكائي، فهو الذي أعطى مخطوطه لمحققه بعد أن طلبه من ألمانيا من طريق نظام يعقوبي فأحضر نسخة رائعة من هذا الكتاب دفعه الوالد للمحقق فحققه وطبعه؛ وكذلك زوّد المحقق بنسخة لهذا الكتاب مكتوبة بخطِّه هو حيث إنّ الوالد قام بنسخه كاملاً من هذا المخطوط، فأعطى المحقِّق المخطوط وأعطاه هذا المخطوط منسوخاً بخطِّه الواضح المنسّق المرتّب؛ فما كان من المحقِّق إلاّ أن علّق على حواشيه ونحو ذلك فأخرجَ الكتاب وأخذ عليه الدكتواره؛ ولم يذكر هذا المحقِّق هذا المعروف من الوالد في مقدّمة تحقيق هذا الكتاب؛ والأجرُ عند الله لا عند الناس؛ والله المستعان. ومن يفعل المعروف لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العُرْفُ بين الله والناس

فليعم القارئ: أن الوالد سخّر نفسَه منذ أن جاء لهذه البلاد المباركة لخدمة علم الحديث والعقيدة السلفية؛ فقد كان الوالدُ مدرِّساً في الجامعة الإسلامية في معاهدها وكليّاتها وفي الدراسات العليا. وكان يحثّ طلبة العلم على نشر العقيدة السلفية وتعليمِها وتعلّمها، وكان يوضّح لهم العقيدة السلفية أحسنَ توضيح وما يرد من الإشكالات حولَها، وكذلك التشكيكات، ويذكر شبه المناوئين لها ويردّ عليهم. كما كان يلقي المحاضرات في خارج الجامعة وفي الجامعة في العقيدة السلفية والحثّ عليها؛ ويُعَرَّف عداوة غير السلفيين للعقيدة السلفية وما هم عليه، سواء من الأشاعرة أو الماتردية أو المتعصّبة من أهل المذاهب الأربعة؛ وقد أشار على تلميذه عبد الإله الأحمدي "التلميذ النبيل" أن يكتب رسالة في الدكتوراه في مسائل الإمام أحمد ومروياته في العقيدة يكون هو المشرف عليه فيها، وقد فعل وطبع الكتاب. كلُّ ذلك من أجل نشر عقيدة أهل السنة الذي كان الإمام أحمد وأصحابه من دعاتها والذّابين عنها؛ فقد قضى الوالد "رحمه الله تعالى" عمرَه في نشر عقيدة السلف، وجمع في مكتبته من كتب السلف في العقيدة والحديث ما لم يجمعه غيرُه، كان يطلبُها حيثما تكون من الدنيا، سواء مطبوع أو مخطوط؛ ولا يخفى هذا على من كان يعرف الوالد من الملازمين له وغير الملازمنين؛ وكان يقول: "لا أسمعُ بكتاب في العقيدة السلفية أو الحديث إلاّ وأحرص على اقتنائه". وقد جمع "رحمه الله تعالى" مؤلَّفاً في كل ما يُنسب إلى الإمام أحمد وأصحابه من كتب العقيدة السلفية فبلغت مجلّدًا كبيرًا. وكان الوالدُ في مجلسه في مكتبته يحثُّ كلَّ من يأتيه من طلبة العلم على التمسّك بعقيدة أهل السنة ونشرها والذبّ عنها.

وقد كان باذلاً لمخطوطاته لمن أراد الاستفادة منها؛ فقد قامت جامعة الإمام بالرياض بتصويرها كلها، وكذلك الجامعة الإسلامية، ومركز خدمة السنة بالمدينة النبوية، وكذلك صوّرها من الأفراد الشيخ مساعد الرّاشد، والشيخ صالح آل الشيخ. وبعد انتقاله إلى بيته في حيّ الفيصليّة توسّعت مكتبتُه وقام بزيادة الكتب المطبوع والمخطوط حتى بلغ المخطوط خمسة آلاف مخطوط كلّها بتوفيق الله جمعها بمالِه، لم يشاركه في ذلك أحدٌ؛ وكان يقول: "عندي في مكتبتي جميع أنواع علم الحديث التي ذكرها العلماء في كتب المصطلح ـ يعني: عندي المؤلفات فيها ـ". وكان يرحل إليه طلبة العلم من كلّ الدنيا يطلبون منه الإجازة في علم الحديث، ويأخذون من علمه الغزير؛ فلا يوجد علم إلاّ وعندَه منه طرف حتى علم التنجيم والمنطق والجغرافيا الحديثة؛ وأما التاريخ فكان يعرفه معرفة لا نظيرَ لها، وتأتي معرفته له بعد علم الحديث والعقيدة السلفية. وكان المشايخ في هذه البلاد المباركة يتّصلون عليه هاتفيًّا للاستفسار عن بعض الإشكالات في الحديث والعقيدة والفقه مثل الشيخ ابن باز، واللحيدان، والشيخ محمد أمان، والشيخ الجزائري، والشيخ عطيّة، والشيخ بكر أبو زيد، وكذلك القضاة في المحاكم الشرعية. وكان واسعَ الصدر رحبه للجميع، يجلس في مكتبته لاستقبال طلبة العلم والمشايخ من بعد صلاة العصر إلى العشاء يوميًّا بدون انقطاع منذ أن دخل المدينة سنة 1385هـ‍ إلى قبيل مرضه بأيّام معدودة، وكان الطلاّب يأتون من كلّ مكان كُلٌّ له حاجته فيعطي هذا حاجته من المال ويشفع لهذا، وهذا حاجته من الكتب، وهكذا لا يملّ ولا يسأم. وبجانب هذا يؤلِّف ويردّ على الرسائل التي تأتيه من دار الإفتاء في بعض

المعضلات والإشكالات في العقيدة والحديث، ويردّ على الاستفسارات في الهاتف التي تأتيه من كلّ مكان في الدنيا. وكان يزوره في مجلسه الأمراء والوزراء فيخرجون من مجلسه وقد ازدادوا حبًّا له وإكبارًا له. فليعلم القارئ: أن الوالدَ "رحمه الله تعالى" بذل ماله ووقتَه وعمرَه منذ نعومة أظفاره إلى أن لقيَ الله تعالى بعد معاناة من خطأٍ طبِّي أدّى إلى غيبوبة دامت تسعة أشهر، ثم مات ودُفن بالقُرب من قبور بنات النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته في أول بقيع الغرقد على يسار الداخل إليه مخلِّفُا علماُ جماُ في صدور طلبته ومكتبة عامرة وذكرًا حسناً. وقد قُبر في هذا المكان من المقبرة بسعاية من الشيخ العالم عمر بن محمد فلاّته الذي كان يحبُّه ويجلّه ويعرف قدره وعلمه وسعة اطلاعه ومحبته لنشر عقيدة السلف وعلم الحديث. كاتب هذه السطور هو: ابن المترجَم: عبد الأول بن حمّاد بن محمد الأنصاري الخزرجي "عفا الله عنه" / / 1420هـ‍.

ما جاء في صفحة مشكاة الرأي

ما جاء في صفحة مشكاة الرأي كلمة المشرف على الصفحة ... ما جاء في صفحة "مشكاة الرأي" بإشراف: عبد الرزاق الشايجي - من جريدة (الوطن) الكويتية العدد: 7794/2240 السنة 36 بتاريخ: الاثنين: 26/جمادى الآخرة عام 1418هـ - الموافق: 27/ أكتوبر عام 1997م. كلمة المشرف على الصفحة: (عبد الرزاق الشايجي) فجعت الأوساط العلمية بنبأ وفاة محمد الحجاز العلاّمة حمّاد بن محمد الأنصاري الذي توفي يوم الأربعاء المنصرم. وكدأب (مشكاة الرأي) في التفاعُل مع الأحداث ورصدها فها نحنُ نقدِّمُ للقرّاء عامة ولطلبة العلم خاصة إصدارًا خاصًّا عن حياة الفقيد، استكتبنا فيه نخبة من طلبة العلم الذين تتلمذوا على يد الشيخ الأنصاري، ونهلوا من علمه، واستفادوا من مكتبته العامرة بالمخطوطات. إن المآثر التي امتاز بها شيخُنا الأنصاري عن بقية أقران عصره: فتحُه لمكتبته العامرة الزاخرة بنفائس المخطوطات والكتب النادرة لأجيالٍ من طلبة العلم. إننا إذْ نقدِّم هذا الإصدارَ وفاءً للمحدّث الأنصاري فإننا نتوجه بالشكر لكل مَن ساهم في إعداد هذا الإصدار. تغمّد الله الفقيدَ بواسع رحمته، وألهم أهلَه وطلبتَه الصبرَ والسلوان {إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} . عبد الرزاق

توجع وعزاء

توجُّعٌ وعزاء بقلم: رياض الخليفي. "العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهما، وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر". بهذا نطق رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم" فيما صحّ عنه، ليؤكّد على أن من أخص سمات العلماء الإعراضُ عن الدنيا والإقبال على الآخرة، وأنهم إنما يتقربون إلى الله تعالى بإشراف العبادات، ألا وهي عبادة العلم؛ ولذلك كانت منزلتهم عند الله عالية ومقاماتهم سامية كما قال تعالى: {يَرْفَعُ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذِيْنَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ} ؛ وأقرّ سبحانه شهادة العلماء تكريما لهم في أعظم قضايا الدين وأساس الملّة ألا وهي قضية التوحيد فقال عز وجل: {شَهِد اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ والمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا العِلْم قَائِما بالقسط} . فالعلماء الصادقون الناصحون هم مصابيح الدجى، ومنارات الهدى بهم يهتدي السالكون إلى فهم شريعة الله والعمل بها {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْر إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ؛ وبهم يفتح الله قلوبا غُلفا وأعينا عميا وآذانا صمًّا؛ هم ركن الملة، وعضد الدين، وحرّاس شريعة رب العالمين؛ حفظ الله بهم القرآن، وصان بهم سنة خير الأنام. ولَكَمْ كان خبرًا مفزعا ذلك الذي نعى إلينا أفول كوكبٍ ساطع في

السماء معدود من العلماء الأتقياء وبقية السلف الأذكياء؛ بوفاة العلامة المحدث حماد بن محمد الأنصاري. فو الله إن القلبَ ليحزن، وإن العينَ لتدمع على فوات أولئك الأعلام؛ فبالأمس القريب فجع العالم الإسلامي بوفاة علمين جليلين هما: شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق، وفضيلة الشيخ محمد الغزالي؛ وقدّر اللهُ وفاتهما في أسبوع واحد ليعظم المصاب بفقدهما؛ وقبلهما فقدت الكويت فقيهها الأول العالم الجليل محمد بن جراح؛ ثم وفي الأسابيع القليلة الماضية فقدت الأمة حامي لغة القرآن وفارس العربية وإمام البيان العلامة محمود شاكر. وهنا نحن اليومَ نصاب بمقتل، بوفاة مسند وقتِه، ومحدّث عصره الأنصاري؛ فإذا خلت الديار من أولئك الأحبار الأخيار فمن للعلم ومَن للفقه ومَن للحديث ومَن للغة ومَن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إن عزائنا بحفظ الله لهذا الدين الذي ننتمي إليه لكبير، وإن رجاءنا في أن تنتج الأمة أمثال هؤلاء الأفذاذ لعظيم، وإن الأفق ليلوح بالبشائر والحمد لله. وإن الواجب على الدعاة والمصلحين ألا يتخذوا من تلك النكبات عوائق، بل عليهم أن يوظفوا هذه الأقدار إلى عدة وعتاد يصنعون بها مستقبل أمتهم وينبنون أجيالاً في العلم والخلق راسخة، تحمل الأمانة وتواصل المسير بلا كلل أو سآمة؛ فلتكن سير أولئك الأعلام نماذج حية تعيش في قلوبنا ونقتدي بها في واقعنا وتشعل فينا جذوة الجلد والحرص على طلب العلم، وتوقظ فينا العزائم والهمم التي ربما ماتت لدى بعض طلاب العلم أو كادت. إن حياة هؤلاء العلماء وتحصيلهم وصبرهم وجهادهم ثم وفاتهم لحجة قائمة على المتقاعسين الكسالى من طلاب العلم الذين طابت لهم الحياة، فركنوا إليها، وازينت لهم الدنيا فتكالبوا عليها، فلا تراهم يعبأون بضياع الأوقات، ولا

يكلفون بإهدار الجهود والطاقات فيما لا ينفع أو يجدي. وإن مما يدعو إلى الأسى والحزن ما نراه من تغييب متعمّد لأولئك العلماء وسيرهم، بل وحتى وفاتهم عن واقع الإعلام المعاصر؛ فيا ليت شعري كيف يجازى أمثال هؤلاء الأعلام بهذا التجاهل المريب والصمت الغريب الذي ربما فاق صمت القبور في الوقت الذي توجع الأسماع وتشق الأبصار وتطمس الفضائل والآداب برسم القدوات الكافرة والشخصيات الماجنة المنح رفة وتخليد ذكراهم وسيرتهم، بل فجورهم وانحطاطهم. أرأيتَ لو كان المتوفى مطرِبا لامعا ملأ الدنيا بفاحش القول ورخيص المعاني لوجدنا أن الإعلام الوفي لا يقرّ له قرار بل يندب ويصيح ويبدئ ويعيد في ذكراه، وربما أنفقت الأموال الطائلة من أجل السبق إلى إعداد برنامج خاص عن حياة المغني الفلاني. أرأيت لو كان المتوفى فنانا ساقطا أو لاعبا فاشلاً في كل شيء إلا في اللعب، أو كاعباً لعوبا على أدنى المستويات هل سيبخل الإعلام بساعة أو ساعات للإشادة بهذا الفالح العظيم؟، أم هل ستبخل الصحافة بالمساحات الواسعة من أجل تغطية هذه النكبة التي تمر بها الأمة من جرّاء وفاة أحد التافهين؟. إن هذا غيضٌ من فيض الحضارة المادية وانقلاب المفاهيم الذي نعيشُه. فحريٌّ بنا أن نقوم بواجبنا إزاء المخلصين من أبناء أمتنا من العلماء العاملين والدعاة المصلحين، فنعطّر التاريخ بسيرهم وأخبارهم، يتداولها الصغار والكبار، وتروى ولا تُطوى، وندوّنها في سجلّ الخالدين أمثلةً طاهرة نقية، يحتذى بها على مرّ السنين. وختاما: نسأل الله العليَّ القدير أن يتقبل الفقيد بواسع رحمته، وأن يُعلي درجته، وأن يخلف له الخير في عقبه..، وأن يلهم أهلَه الصبر والاحتساب.. و {إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} .

الأنصاري والحافظة العجيبة

الأنصاري والحافظة العجيبة لمحمد المجذوب ولاستكمال الصورة العلمية للشيخ نرى لزامًا أن نعرض للقارئ انطباعاتنا عن ثقافته بصورة أكثر تركيزًا؛ ففي رحلة جامعية صحبناه فيها إلى ينبع "على الساحل ما بين مكة والمدينة" وفي إحدى الندوات العلمية بالمخيّم استمعنا إلى فضيلته يحدّثنا عن فاتحة الكتاب. وأشهد لقد تدفّق كالسيل الهادر يقذف أفانين الدرر.. فما تلكّأ ولا ارتج عليه، فكأنما يقرأ في كتاب، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من كنوز هذه السورة؛ فهو يتحف سامعيه من هذه الكنوز بما تتسع له المناسبة. وربما أورد خلالَ حديث ما يتسع لأكثر من تفسير، فاكتفى بوجهة منه لا يقرّه عليه بعض الحضور، ولكنه لم يدع قلبًا هناك إلا ملأه رضىً وانفعالاً وإعجابًا. وبعد عام أو أكثر حدّثني فضيلة الأستاذ محمد الصبَّاغ "المدرس في جامعة الرياض" عن مثل إعجابنا به؛ وذلك أنه سمعه يحاضر في مخيم الجامع عن معاني الفاتحة فسحر وبهر. وقد لاحظت من خلال حديث الأستاذ الصبّاغ من خيّل إليّ أنني أقع على ميزة أخرى للشيخ حماد، هي قوة الحافظة التي تسعفه باستحضار كل ما يعلمه عن الموضوع الواحد في المناسبات المتباعدة؛ وهي ميزة يكاد ينفرد بها بعض المتفوقين من علماء الإسلام في أفريقية الغربية.. وهي بقية من الخصائص التي

عرفت في سلف هذه الأمة؛ حتى كان منهم من يحفظ نصف مليون حديث بأسانيدها.. وقصة الإمام البخاري مع علماء بغداد أشهر من أن تذكر في هذا الصدد. وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطي صاحب "أضواء البيان" ـ تغمده الله بواسع برحمته ـ أنموذجًا عجيبًا لهذا الحفظ. وقصارى القول في ثقافة الشيخ أنه واحد من بقية الجيل الذي نقل ولا يزال ينقل إلينا تراث الإسلام الحيّ وفق النظام التعليمي الذي امتاز به أهلُ العلم في حضارة الإسلام. وبهذا كان أنموذجًا للرجل الذي وقف وجوده كله على خدمة العلم، فلا ينفكّ بين تحقيق لكتاب، واستنباط لحكم، واستقصاء لدليل.. حتى ليكاد ينسى حق نفسه.. بل حق أي فن آخر في هذا المضمار. الشيخ الأديب: محمد المجذوب "رحمه الله تعالى".

عالم فقدناه

عالمٌ فقدناه - بقلم الشيخ المحقق: محمد بن ناصر العجمي. فجع العالم الإسلامي بعامة والحرَمان الشريفان بخاصة بوفاة شيخنا العلامة المتقن المحدّث حماد بن محمد الأنصاري. حيث وافاه أجله المحتوم بعض مرض ألمّ به منذ السنة الماضية؛ وقد صلي عليه في المسجد النبوي يوم الأربعاء 21 من جمادى الآخرة 1418هـ ـ الموافق: 22/10/1997م. عرفتُ شيخنا العلامة حماد الأنصاري منذ أكثر من اثني عشر عامًا، وقد فتح مكتبته لطلاّب العلم، فما من طالب علم في المدينة النبوية أو قادم إليها من أهل العلم إلا وزار الشيخ حماد الأنصاري واستفاد من مكتبته العامرة بنفائس الكتب والمخطوطات، وكذلك طلاب الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية، بل وفي غيرها من الجامعات قلما يستغنون عن هذه المكتبة، وعن مشاورة صاحبها، فيفيدهم من فيض علمه الواسع، وينير لهم الطريق. هذا، وقد رزق شيخنا الإطلاع الواسعَ على علم الحديث، ومعرفة صحيحه من سقيمه؛ وكان "رحمه الله" وجهًا للسنة النبوية في المدينة المنورة؛ يشهد له بذلك أهل العلم والفضل: يقول المحدِّث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في معرض كلامٍ له: "مع اعترافي بعلمه وفضله وإفادته للطلبة وبخاصة في الجامعة الإسلامية؛ جزاه الله خيرًا". "الأحاديث الضعيفة" (3/319) . هذا فضلاً عن معرفته لعلوم أخرى كان مشاركًا فيها وعلى رأسِها علم التوحيد الذي كان من المبرزين فيه، كما كان "رحمه الله" آيةً في الحرص على

المخطوطات وتتبّع أخبارِها وتصوير ما يمكن تصويره منها. ولد "رحمه الله تعالى" بـ"تاد مكة" من بلاد "مالي" من عام 1344هـ؛ وأخذ العلومَ في بلاده من مشايخ عدة، ثم رحل إلى الحرمين الشريفين، وأخذ عن علمائها؛ فأخذ في مكة عن العلاّمة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، والشيخ حسن المشّاط؛ واستجاز جماعةً من العلماء الواردين على مكة المكرمة كالشيخ المحدث عبد الشكور الهندي، والشيخ عبد الحق العمري، والشيخ محمد بن عيسى الفاداني، وعبد الحفيظ الفلسطيني، وغيرهم. ودرَس "رحمه الله" في دار العلوم الشرعية بالمدينة المنورة على الشيخ عمر بري، حيث درس عليه الفقه الحنفي و "صحيح مسلم" و "ديوان المتنبي" و "ألفية ابن مالك"؛ ودرس على الشيخ محمد بن تركي النجدي "الموطأ" للإمام مالك، و "المغني" لابن قدامة. كما أن من الشيوخ الذين تركوا أثرًا في حياته: الشيخ محمد عبد الله بن محمود المدني "إمام المسجد النبوي"، والمفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ "رحم اللهُ الجميع". عمل الشيخ حماد الأنصاري مدرسًا في المدرسة الصولتية بمكة المكرمة، ثم انتقل مدرّسًا إلى المعهد العلمي بالرياض سنة 1374هـ، ثم في معهد إمام الدعوة سنة 1375هـ، ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1385هـ؛ وقد حضر عنده الطلبة صغارهم وكبارهم إلى أن بلغ سن التقاعد عام 1407هـ. أما عن مؤلفات الشيخ حماد فليست على قدر علمه وإفادته للطلبة؛ فمن مؤلفاته:

1- "بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني". 2- "سبيل الرشد في تخريج أحاديث ابن رشد". 3- "فتح الوهاب في الألقاب". 4- "إتحاف ذوي الرسوخ بمن دلس من الشيوخ". 5- "ذيل ديوان الضعفاء والمتروكين" للذهبي "تحقيق وتعليق". وغيرها من الكتب والرسائل. أما حافظة الشيخ وقدرته العلمية على استخراج ما يسأل عنه فهذا أمرٌ مشهورٌ عنه؛ يقول الشيخ الأديب محمد المجذوب في كتابه "علماء ومفكرون عرفتهم" (1/59) : "في رحلة جامعية صحبناه فيها استمعنا إليه يحدثنا عن فاتحة الكتاب، وأشهدُ لقد تدفّق كالسيل الهادي، يقذف أفانين الدرر؛ فما تلكأ، ولا ارتجّ عليه؛ فكأنما يقرأ في كتاب، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من كنوز هذه السورة؛ فهو يتحف سامعيه من هذه الكنوز". رحم الله شيخنا العلامة حماد الأنصاري؛ فلقد غاب وفي صدره علم كثير؛ وإنا والله بفراقه لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي الرب. الشيخ المحقق: محمد بن ناصر العجمي.

شيخنا كلمات في ذكراك

شيخنا كلمات في ذكراك - بقلم الشيخ: عواد الخلف، المعيد بكلية الشريعة جامعة الكويت. ترقرق الدمع من العيون الباكيات على وفاة الشيخ العلامة أديب المحدثين ومحدث الأدباء الشيخ حماد بن محمد الأنصاري "رحمه الله تعالى رحمةً واسعة بفضله ومنّه". قال "صلى الله عليه وسلم": "إن الله لا يقبض العلمَ انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء". ووالله إن مصيبتنا بهذا الإمام لعظيمة جدّ عظيمة لا يعزينا فيها إلا ما عرفناه عن هذا الشيخ من خدمة للسنة علمًا وعملاً؛ فقد كان "رحمه الله" موسوعة للعلوم الشرعية في شتى الفروع، كالبحر المتلاطم الذي لا ساحلَ له؛ فإذا ذكر الحديثُ فهو نجم يهتدي به، وإذا ذكر الأدب فهو إمامٌ يقتدى به؛ وكم سارت بذكره الركبان سير الشمس في البلدان؛ فكثير من أصحاب الشهادات العلياء تخرّج من بين يديه ونهل من معينه، بل منهم من تتلمذ على تلامذته؛ وإليك أيها القارئ الكريم هذه الترجمة التي قرئت على الشيخ وأنا أسمع: فقيدُنا هو: حماد بن محمد بن محمد بن حنة بن المختار بن محمد البشير، من ذرية سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري. ولد سنة 1344هـ في بلدة "تادمكة" في أفريقيا الغربية، من بلاد "ملي" " (مالي) كما تسمى اليوم". نشأ في بيت علم وقضاء وفتوى، وتلقّى العلمَ في بلده عن أجلة المشايخ؛

وقد شرع في السنة العاشرة من عمره في حفظ القرآن غيبًا وتجويده على خاله المقرئ محمد أحمد بن تقي الأنصاري الملقب بـ (أستاذ الأطفال) لاعتنائه بإقرائهم القرآن؛ فأكملَه حفظًا وتجويدًا وهو ابن خمس عشر سنة. ثم قرأ على شيخ المذكور في علم التوحيد "رسالة ابن أبي زيد القرواني" "مالك الأصغر"، وكذلك تلقى عنه في علم النحو والتصريف: "الآجرومية"، ثم "ملحة الإعراب" للحريري، ثم "ألفية ابن مالك"، ثم "زوائد الكافية على الألفية"، ثم "لامية الأفعال في تصريف الأفعال"، ثم "الزوائد على لامية الأفعال" لابن إسحاق الملقب ميدو؛ وقد أجاد هذين العلمين حتى برز على أقرانه فيهما. وأخذ علم البلاغة عن شيخه علامة عصره الفهامة المحقق موسى بن الكسائي الأنصاري؛ درس عليه "الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون" المعاني، والبيان، والبديع ـ نظمٌ للأخضري في خمسمائة بيت؛ ثم "عقود الجمان" نظمٌ للسيوطي في ألف بيت. وأخذ علم الأصول عن بحر العلوم عمه محمد أحمد الملقب بالبحر لتبحره في العلوم، درس عليه "الورقات" لإمام الحرمين الجويني، ثم "جمع الجوامع" للتاج السبكي مع البناني والمحلي والعطار، ثم نظمه "الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع" للسيوطي حفظه بعد أن درس أصله "جمع الجوامع"؛ ثم طالع "نشر البنو على مراقي الصعود". وأخذ عن عمّه أيضًا في التفسير "الجلالين" مع "حاشية الجمل"، ثم البغوي، ثم الخازن. وفي الحديث سمع "الموطأ" و "الصحيحين" و "سنن أبي داود"؛ ولم يكن يوجد في بلده في ذلك الوقت غير هذه الكتب مما يتعلق بالحديث.

وتلقّى عنه دواوين اللغة الست، وهي: "ديوان امرئ القيس"، و "ديوان النابغة الذبياني"، و "ديوان زهير بن أبي سلمى"، و"ديوان علقمة الفحل"، و"ديوان طرفة"، و "ديوان عنترة". ودرس عليه في الفقه "مختصر خليل بن إسحاق الجندي التركي" وملحقاته، و "التبصرة" لابن سلمون الحنفي، و "الطليحية"، و "مصطلحات الفقه المالكي" لابن بهرام؛ وسمع عنه "المدونة". وأخذ الفرائض عن أستاذه الجليل الشريف الإدريسي الحسني حمود بن محمود، درس عليه "الرحبية" مع "شرح الشنشورية"؛ وعنه أخذ في المنطق "السلم المَرونَق" للأخضري، وايساغوجي، و"الشمسية"، وفي علم المنازل "المنظومة السوسية" للأخضري، ومطلعها: ومن يرد مدخل شهر ينشد ... ينيرئ فيريرد ومرسد ابريل مايب وهاء يونيُه ... يليوز غشتجَ شتمروفُه ودرس عليه أيضًا علم الأصول الفقيهة، وفي علم المصلح "النخبة" للحافظ ابن حجر العسقلاني مع شرح "النزهة" و "ألفية السيوطي". وفي علم الأصول التفسيرية أبوابًا من "الإتقان" للسيوطي مع مقدمته. هذا، وقد أخذ تلك العلوم عن أولئك العلماء بالأسانيد المتصلة إلى المؤلفين. وبعد ذلك أكبّ على مطالعة الكتب والتدريس في بلده "مناقَه" إلى أن

اشتدت رغبته في الهجرة من بلاده بعد أن استولى الاستعمار الفرنسي عليها ودبّ الإفسادُ فيها، إلى بلاد الإسلام؛ فهاجر سنة ست وستين وثلاثمائة وألف للهجرة؛ فلما وصل إلى الحرم الشريف (مكة المكرمة) سنة سبع وستين انضم إلى الحلقات العلمية في الحرم آنذاك التي كانت حول بعض العلماء منهم الشيخ عبد الرزاق حمزة المصري، وكان يدرس في "تفسير ابن كثير"، والشيخ محمد أمني الحنفي ويدرس في "صحيح البخاري"، والشيخ حسن مشّاط ويدرس في "الترمذي"؛ وغيرهم من المشايخ المدرسين في الحرم المكي حواهم كلهم ثَبَتُه في الذين أخذ عنهم في الجزيرة العربية في رحلته الثانية إلى آسيا. وأما في المدينة النبوية فقد سمع من الشيخ محمد بن تركي النجدي درس عليه "الموطأ"، والشيخ محمد خيال قاضي المستعجلة آنذاك، درس عليه "صحيح البخاري" و "فتح المجيد"؛ والشيخ عمار المغربي درس عليه في "البخاري"، والشيخ حبيب الرحمن الهندي، وهو من أساتذة دار العلوم الشرعية درس عليه في الترمذي وأبي داود؛ وغيرهم من علماء الحرمين. وأجازه غير واحد، منهم الشيخان المحدّثان الهنديان عبد الشكور الهندي، وعبد الحق العمري، وهما في باكستان بعد التقسيم؛ ومحمد بن عيسى الفاداني الجاوي، وعبد الحفيظ الفلسطيني، لقيه في مِنى سنة سبع وستين وأجازه في الستة، والسيد قاسم بن عبد الجبار الفرغاني الأندجاني صاحب كتاب "المصباح في أصول الحديث" أعطاه إجازتين: سمع منه حديث المسلسل بالأولية، ثم أجازه في الستة، وغيرها من اكتب الحديث والرواة والمصطلح والفقه بجميع المذاهب الأربعة؛ والأستاذ محمد الشعراني البتجري المرتفوري الإندونيسي

أجازه في الستة، والعتيق بن سعد الدين التنبكتي القاوي "بتخفيف القاف" أجازه في الستة أيضًا، والشيخ أبو بكر التنبكتي عن طريق الشيخ الطيب في الستة؛ وآخرون من علماء نجد، والعراق، والشام، واليمن، وأفريقيا الشرقية، والهند بقسميه، وجاوا بأقسامها. وجميع السماعات والإجازات المذكورة كلها بالأسانيد المتصلة إلى أصحاب الكتب مجموعة في دفاتر كثيرة يحويها ثبت سماه: "إتحاف القاري بثبت الأنصاري". كما أنه التحق بدار العلوم الشرعية في المدينة النبوية في قسم التخصص سنة 1369هـ إلى نهاية 70هـ. ومن أشهر شيوخه في دار العلوم الشرعية: عمر بري؛ درس عليه "الهداية" للمرغيناني في الفقه الحني، و "صحيح مسلم"، و "ديوان المتنبي"، و "ألفية بان مالك"؛ والشيخ محمد بن ركي: درس عنه "الموطأ"، و "المغني" لابن قدامة، والشيخ محمد الحافظ درس عليه "النسائي". انتقل من المدينة إلى مكة سنة 1371هـ، وباشر التدريس فيها بالمدرسة الصولتية (نسبة إلى المرأة الهندية المؤسسة لها، واسمها صولة النساء) ؛ وهذه المدرسة هي الواقعة بحارة الباب؛ وقد بدأ بها التدريس بعد يومين خليا من شهر صفر، واستمر فيها مدرسًا في الابتدائية والثانية والعالي إلى نهاية سنة 1374هـ؛ وفي هذه المدرسة التقى بواضع أصل هذه الترجمة ابن عمه الشيخ إسماعيل الأنصاري، واستفاد كل منهما من الآخر؛ حيث اشتغلا ببحوث لا

تحصر، إلى أن اختير "رحمه الله" للتدريس بالرياض في المعهد العلمي التابع لإدارة المعاهد العلمية والكليات، وذلك في شعبان سنة 1374هـ، ثم نقل مدرسًا بمعهد إمام الدعوة بالرياض سنة 1375هـ، واستمر فيه يدرس في جميع مراحله: الابتدائي والثاني والعالي إلى نهاية سنة 1382هـ؛ حيث نقل في شهر رجب للتدريس بكلية الشريعة التابعة للإدارة العامة للمعاهد والكليات، وذلك في شعبان سنة 1374هـ، ثم نقل مدرسًا بمعهد إمام الدعوة بالرياض سنة 1375هـ، واستمرَّ فيه يدرس في جميع مراحله: الابتدائي والثانوي والعالي إلى نهاية سنة 1382هـ؛ حيث نقل في شهر رجب للتدريس بكلية الشريعة التابعة للإدارة العامة للمعاهد والكليات بالرياض؛ واستمرّ إلى نهاية سنة 1384هـ، حيث نقل في مستهلّ عام 1385هـ للتدريس في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، ودار مدرسًا في جميع كليات الجامعة التي فتحت بعد، منها: (كلية الحديث) و (كلية القرآن) ، و (كلية اللغة) ، و (كلية الدعوة) ؛ إلى أن انتقل إلى الدراسات العليا بالجامعة سنة 1396ـ باسم (أستاذ مشارك) ؛ وقد باشر التدريس في الدراسات العليا في قسمي السنة والعقيدة؛ وبعد تمام ثلاث سنوات من رئاسته قسم العقيدة عيّن رئيسًا لقسم السنة إلى سنة 1405هـ، ثم عاد إلى رئاسة قسم السنة مرة أخرى سنة 1408، وعيّن برتبة (أستاذ) سنة 1409هـ. وقد شرع في التأليف في فنون مختلفة؛ فقد ألّف في النحو كتابًا سماه "الأجوبة النونية على أسئلة الألفية"، وفي التوحيد كتاب سماه "أبو الحسن الأشعري وعقيدته"، وفي الفقه رسالة سماها: "تحفة السائل عن صوم المرضع والحامل"، ورسالة "الإعلان بأن لَعَمْري ليست من الأيمان". وألّف فيما يتعلق بالحديث كتبًا كثيرة، وهي: "بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني"، و "فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدثين بالألقاب"، و "إتحاف ذوي الرسوخ بمن دلس من الشيوخ"، و "تعليق الأنواط في التذييل على صاحب الاغتباط"، و "سبيل الرشد في تخريج أحاديث ابن رشد"، و "إعلام الزمرة في أحكام الهجرة"، و "إعلام الحميم بأقسام العلوم"، و "يانع الثمر في

مصطلح أهل الأثر". ونظَم "المختلف" للأزدي، ومطلعه: اقرأ سيدنا بضم الهمز منحصرا ... في أربع تستفد ما يشبه الدررا ومبادي في أصول التفسير، و "تاريخ ملّي "أي: مالي" في القديم والحديث" جزآن، و "كشف اللثام عما ورد في دخول مكة بلا إحرام"، و "كشف الستر عما جاء في شد الرحل إلى القبر"، و "كشف الستور في نهي النساء عن زيارة القبور"؛ وفي السيرة النبوية رسالة بعنوان "تحقيق السيرة النبوية"، وغيرها من الرسائل المفيدة. ومن الجدير بالذكر أن مكتبة الشيخ الخاصة تحوي أهم كتب الحديث بأنواعه المختلفة مطبوعًا ومخطوطات تقدّر بأكثر من خمسة آلاف مجلّد بما فيها كتب التوحيد وفقًا لسيرة السلف. وقد فتح الشيخ صدرَه وبيتَه ومكتبته للقاصدين من طلبة العلم؛ فأصبحت مكتبته مهوى أفئدتهم، يقصدونها من شتى الأنحاء يستفيدون من الشيخ نفسه، توجيهًا، وعلمًا، وظرفًا، وأدبًا؛ وينهلون من معين ما حوت مكتبته من كنوز المخطوطات والمطبوعات، مما كان له جميل الأثر في نفوس أبنائه طلاب العلم ومحبيه. ختامًا هذه كلمات كتبتُها بدموعي وفاءً لذلك الشيخ الذي كان وما زال ملء السمع والقلب؛ فرحمه الله وجعل الجنة مثواه.

بلغة القاصي والداني

"بلغة القاصي والداني" للعلامة المحدث حماد الأنصاري. عرض الشيخ الأديب: جاسم الفهيد الدوسري. للعلامة المحدث حماد الأنصاري "رحمه الله" عنايةٌ فائقة وحفاوة بالغة بعلم الأسانيد، وهو العلم الذي يتوصل به العارف بقواعده المتمكن من أدواته إلى الحكم على أحوال الأخبار صحة وضعفًا، وبيان أحوال رواتها جرحًا وتعديلاً. وعناية الشيخ لا تقف عند حدّ التأليف في أحوال رواة الأسانيد ونشر الكتب المتصلة بذلك، بل تعدى إلى الأخذ بنصيب وافر من الرواية نفسها؛ فالفقيد أحد الأفراد المعدودين الذين لهم شرف الاتصال بالنبي "صلى الله عليه وسلم" بأسانيد عالية ينظم فيها سلسلة من كبار الحفّاظ وأئمة المحدثين؛ وقد كان من مشايخه في هذا الفن: عبد الحي الكتاني (1) ، صاحب كتاب "فهرس الفهارس". نعود إلى كتابنا موضع التعريف: فنقول: هو كتاب "بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني" الذي يعد من أحب مؤلفات الفقيد إلى نفسه؛ فقد صرف في تأليفِه وقتًا طويلاً وجهدًا جليلاً ليتمكن من التعريف بأحوال مشايخ

_ (1) قال عبد الأول: إنَّ الشيخ عبد الحي يروي عنه الوالدُ بواسطة أحد تلاميذه؛ حيث سمعته أكثرَ من مرَّةٍ يقولُ ذلك.

الحافظ الكبير سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة 360هـ صاحب المعاجم الثلاثة "الكبير" و "الأوسط" و "الصغير". ولا يخفى على العارف ما يلاقيه المعتنون بالأسانيد من العنت والتعب في سبيل العثور على تراجم مشايح الحفاظ من أهل القرن الرابع وما بعده؛ فتراجمهم مبثوثة في تضاعيف كتب الرجال بخلاف مشايخ الكتب الستة المشهورة؛ فقد حظوا بعناية خاصة في التعريف بهم، حيث يسهل الوقوف على أحوالهم عبر كتاب "التهذيب" ومختصراته ومبسوطاته. وقد تصدى الفقيد "أعظم الله مثوبته" لهذه المهمة "أعني: التعريف بمشايخ الطبراني" فعمد إلى تجريد أسمائهم من كتابه "المعجم الصغير"، وقد بلغت عدتهم (1253) شيخًا، ثم اجتهد في البحث عن تراجمهم في كتب الرجال وتواريخ الرواة، وجمعَ ما وقف عليه من ذلك في هذا الكتاب، وقام بترتيب أسماء المشايخ على حروف المعجم تيسيرًا للباحثين. يشرح الشيخُ منهجَه في هذا الكتاب فيقول: "هذا وقد ذكرتُ في هذا المصنف الوجيز من طعن فيه ومن وثّق، مع بيان سبب الضعف عازيًا كلَّ قولٍ إلى قائلِه؛ ومن لم أجد فيه تعديلاً ولا تجريحًا بأنْ سكت عنه من ترجم له من الحفّاظ ألحقتُه بالمجاهيل، كما أنّ من لم أجد له ترجمةً في "الميزان" للذهبي أو "لسانه" لابن حجر ألحقتُه بالثقات لما ذكر الحافظ نورُ الدين الهيثمي في مقدمة كتابه "مجمع الزوائد". ونلمسُ تواضعَ الشيخ وهضمَه لنفسِه حين يقول: "إن هذا العملَ الكبير لم أدخل فيه إلا وأنا على علم بأني لستُ أهلاً له، كما أن أهل زماني قلّ اعتناؤهم بهذا الفن المهم، ولكن لما آملُ من ثواب ونجاة في اليوم المشهود تجرأتُ على هذا الشأن الكؤود". وقد صدر من الكتاب الجزء الأول سنة 1415هـ ـ 1995م؛ وهو يقع في (394 صفحة) مقاس (16×24سم) عن مكتبة الغرباء بالمدينة النبوية.

كلية الشريعة تنعى فضيلة الشيخ حماد الأنصاري

كلية الشريعة تنعى فضيلة الشيخ حماد الأنصاري تنعى كلية الشريعة والدراسات الإسلامية وفاةَ فضيلة الشيخ حماد الأنصاري الذي بفقده فقدت الأمة علَماً من أعلامِها ورجلاً من خيرة رجالاتها الذين خدموا السنة النبوية خدمةً جليلة. وقال عميد كلية الشرعية د. محمد عبد الغفار الشريف في تصريحٍ له: "أنه مما يذكر للفقيد أنه فتح مكتبته العامرة التي تحوي أهم كتب الحديث بأنواعها المختلفة المطبوعة والمخطوطة للقاصدين من طلبة العلم، ينهلون من معين ما حوت مكتبته من كنوز المخطوطات والمطبوعات؛ مما كان له جميلُ الأثر في نفوس أبنائه طلاب العلم ومحبيه". رحم الله الفقيد وأسكنَه فسيح جناته، وألهمنا وسائر طلبته الصبرَ والسلوان. إنه سميعٌ مجيب الدعوات.

نجم غاب عن سماء طيبة

نجم غاب عن سماء طيبة. بقلم: عبد الرحمن محمد الأنصاري. جريدة "المدينة": العدد (12616) السنة الثالثة والستون. الأربعاء: 28 جمادى الآخرة عام 1418هـ. الموافق: 29 أكتوبر 1997م. ودّعت مدينة المصطفى "صلى الله عليه وسلم" فضيلة الأستاذ الشيخ أبا عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري الذي كتب الله له شرف الانضمام إلى أفضل جيرة "جيرة الأخيار الأبرار الذين يضمهم بقيع الغرقد من الصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا". فقد انتقل إلى جوار ربه بعد معاناة مع المرض والغيبوبة التي استمرت معه زهاء تسعة أشهر نتيجة لخطأ طبّي.. إذْ أُصيب بتجلّط في الدم في أوردة إحدى ساقيه، فكان التشخيص لحالته أنها إصابة لتجلّط في الرأس، فأعطي علاجًا لتسييل الدم في شرايين المخ، فَقَدَ بعد تعاطيه وعيَه، وتم نقلُه بعد ذلك بأمرٍ من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز "حفظه الله" بطائرة الإخلاء الطبي من المدينة المنورة إلى مستشفى الملك فيصل التخصّصي بالرياض الذي تم فيه اكتشاف التشخيص الخاطئ الذي تم من قبل لحالته. ومكث في المستشفى تسعة شهور، إلى أن استقر الرأي والقرار على إعادته إلى المدينة المنورة بين أهلِه وذويه، ليلقى ربَّه صبيحةَ يوم الأربعاء 21/6/1418هـ عن 74 سنة؛ وصلي عليه في المسجد النبوي الشريف، ودُفن جثمانُه في بقيع الغرقد. لم يكن فضيلة الأستاذ الشيخ حماد بن محمد الأنصاري الخزرجي عالمًا عاديًّا كالكثيرين من أقرانه الذين يقف بهم طلب العلم عند حدّ معيّن، أو يقفون عند حدود بعينِها في إبلاغ وتعليم ما علموه؛ فلم يكن عند الشيخ حدّ يقف عنده في الاستزادة من مناهل العلم والمعرفة، والعبّ من صافي نميرها العذب. عرف عن فضيلة الشيخ عند السواد الأعظم من طلاّب العلم أنه أحد الذين يُشار إليهم بالبنان في الحديث النبوي الشريف وعلومِه، ولكنه ما إن

يخوضَ في أيّ فن من علوم الشريعة الأخرى واللغة وفقهها ونحوها وصرفها إلا ويتوهّم السامع أنه لا يعرف سوى هذا الفن، من كثرة ما يورد من دقائقه التي قد تستعصي حتى على المختصين فيه. بل وإن الأمر قد بلغ به شأوًا أبعدَ من ذلك: فقد أستطيعُ أن أزعم أنه ما من فنّ من الفنون إلاّ وله فيه مشاركات محمودة. أما حبُّه لطلبة العلم وتفانيه في الأخذ بأيديهم ومساعدتهم فذلك أمرٌ حدِّث عنه ولا حرج، ولاينبئك عنه مثل خبير؛ وهم طلبتُه الذين يستقبلهم في مكتبته العامرة من ساعات الصباح الأولى حتى صلاة الظهر، ومن بعد صلاة العصر حتى صلاة العشاء؛ وكان ذلك دأبُه لا ينقطع عنه إلا لعارضٍ خارج عن الإرادة. أما كرمُه فأمرٌ حدّث عنه ولا حرج: فليس له شيء من متاع الدنيا يستأثر به لنفسه عن طالبيه، وما من يوم إلا وله فيه ضيوف يكرمهم ببشره وطلعته البهية مثلما يكرمهم بِوَفَرِه. أما الشيءُ الذي أفنى الشيخُ حياتَه في جمعه إلى جانب العلم الذي أودعه الله ما بين جنبيه فهو: الكتب؛ فقد خلّف مكتبةً من أندر وأجمع وأشمل المكتبات الخاصة؛ ففيها ما أبلغني ابنُه عبد الباري أكثر من خمسة آلاف عنوان، والآلاف من المجلدات، ومثلها من المخطوطات النادرة. ومن حسن الطالع وبديع الاتفاق أن يكون هذا العلم الذي خلّفه الشيخ والمتمثل في هذه المكتبة القيِّمة ومؤلفاته العديدة والعشرات من الذين تلقوا عليه العلم؛ من حسن الطالع أنه مقرونٌ بأبناء بررة، جهد الشيخُ في تنشئتهم على المحجة البيضاء، ومنهم من يحذوا حذوَ أبيه ويقفو آثاره من منهجه العلمي؛ وهم جميعًا "إن شاء الله تعالى" خير خلفٍ لخير سلف؛ وجملتهم ثمانية من الأبناء

الذكور وثلاث إناث؛ فأما الذكور فهم: عبد اللطيف، وعبد الحليم، وأحمد، وعبد الباري، وعبد الغني، وعبد الأول، وعبد الإله، وعاصم. وهم جميعًا أشقّاء من زوجته الفاضلة أم عبد اللطيف بنت محمد الحسن الهاشمي، التي كان الشيخُ كثيرًا ما يثني عليها خيرًا بما هيأته له من أجواء التفرُّغ للعلم. وبعد.. فإن ما تقدم لا يمثّل إلا خواطر مقتضبَة عن الحياة الحافلة للشيخ حماد الأنصاري "رحمه الله"؛ إذ لم يكن ترجمة له ولا شبيهًا بها؛ ولذلك فإني لم أتحدّث عن مولده ونشأته، ولا عن دراسته وعن من أخذ العلم، ومن تلقّاه منه، ولا كذلك عن مؤلفاته؛ ولم أضرب الصفح عن كل ذلك بسبب الشحّ في المعلومات، بل لأمرين اثنين: أحدهما: أن الحَيِّز لا يسع كل ذلك، والآخر: أن الحديث عن أية جزئية من تلك الجزئيات يستدعي الحديث عن أخواتِها. وقد بلغني أنّ أحد تلامذة الشيخ قد أعدّ ترجمةً وافية له عنونها بـ"إتحاف السامع والقاري بترجمة المحدث الأنصاري" فلعل ما يتطلع قارئ هذه الزاوية إلى معرفته عن الشيخ ولم يجده فيها يجده بتفاصيله في الترجمة المذكورة. رحم اللهُ الفقيدَ الغالي، وأحسنَ عزاء آله وطلاّبه وسائر محبّيه، وأجزل للجميع المثوبة فيه {إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} .

رجال العلم في رثاء

رجال العلم في رثاء علاّمة الحديث والشيخ الصالح فقدانهما خسارة عظيمة ... وتاريخهما حافلٌ بالأعمال الفاضلة. إعداد: أحمد الدوس (المدينة المنورة) وهاني اللحياني (مكة المكرمة) جريدة "عكاظ" العدد: 11405، بتاريخ: الجمعة 7/ رجب من عام 1418هـ الموافق: 7/ نوفمبر 1997م. "ص 19". على مدى الأسبوعين الماضيين فقدت المدينة المنورة عالمين من كبار علمائها ممن عرف عنهم البحث والاجتهاد والهمة العالية في مجال الدعوة وتخرّج على أيديهما عددٌ غيرُ قليلٍ من كبار العلماء بالمملكة: فقد رحل عن عالمنا فضيلة الشيخ العلامة المحدث حماد بن محمد الأنصاري بعد معاناة مع المرض كما رحل أيضًا فضيلة الشيخ القاضي عبد العزيز بن محمد الشبل، والذي لقي وجهَ ربِّه وهو ساجدٌ في الروضة الشريفة بالمسجد النبوي الشريف. وبدءًا بالعلامة المحدث الشيخ حماد الأنصاري: فقد تحدث عنه عددٌ من كبار العلماء بالمملكة: حيث قال عنه فضيلة الشيخ عبد الله البسّام "عضو هيئة كبار العلماء": "لقد عرفتُ الشيخ حماد بقوة معلوماته عن علم الحديث؛ حيث كان ضليعًا فيه ومرجعًا لكل سؤال ... وقد عرفتُه سلفيَّ العقيدة على منهج السلف، وله جهودٌ عظيمة في التعليم والتدريس وتحقيق الكتب؛ وأسأل اللهَ أن يغفر له، وأن يعوض طلبة العلم عنه". كما تحدّث عنه فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع "عضو هيئة كبار العلماء" قائلاً: "لقد فجعنا بوفاة عالم كبير وشيخ من مشايخنا الأجلاء هو فضيلة الشيخ العالم العلامة الحافظ الشيخ حماد بن محمد الأنصاري، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم. نسأل اللهَ سبحانه وتعالى أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يجعل الجنّة مثواه، وأن يجزيَه عن الإسلام والمسلمين وعن خدمته لسنة رسول رب العالمين خيرَ الجزاء وأتَمَّه. إن فضيلة الشيخ حماد علَمٌ من أعلام المسلمين، وعالمٌ من أفذاذ علمائهم، بذل حياتَه في التعلم والتحصيل؛ وبعد أن اشتدّ عوده وقوي ساعدُه ونضج في علمه اتّجه إلى التعليم والتدريس فأفاد وأثمر؛ حيث تخرّج على يديه مجموعةٌ من طلبة العلم داخل البلاد وخارجها.

لقد كان "رحمه الله" عالمًا مبرزًا لا سيّما في علوم الحديث دراية ورواية وتعديلاً وتجريحًا وشرحًا؛ وهو يعتبر من الأفذاذ القادرين، ممن له مزيد اختصاص وعناية بسنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم"؛ حيث كان مرجعًا لمجموعة من طلبة العلم في هذا الفن الشريف "الحديث وعلومه"؛ فرحمه الله رحمةً واسعةً؛ ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يصل حياته الآخرة بحياته الدينا بما قدمه لأهل العلم من تعليم وتوجه؛ ونرجو الله تعالى أن يكون ما قدمه مقبولاً عنده سبحانه؛ حيثُ ثبت عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قولُه: "إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا منْ ثلاث: علم يُنتفع به، وولد صالح يدعو له، وصدقة جارية" ... رحم الله شيخَنا رحمةً واسعة، وعوّضنا الله عنه بمن يسدّ الفراغ الذي تركه في مجال خدمة سنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم". وقد تحدث عبد الباري "أحدُ أبناء الفقيد" لـ (عكاظ) مؤكّدًا أن مكتبة والده ستظلّ مفتوحة بإذن الله أمام طلاّب العلم كما كانت في حياته. من جهته تحدّث فضيلة الشيخ جابر الطيب بن علي "عضو هيئة التمييز بالمنطقة الغربية (سابقًا) ، والواعظ بالمسجد الحرام" عن مناقب الشيخ حماد فقال: (ماذا عساي أن أقول؟؛ لقد فقدنا داعية من الدعاة إلى الله تعالى كانت حياة حافلة بالعلم والبحث والاجتهاد في ميادين العلم عاشرته لفترة بسيطة جند كل حياته لخدمة الإسلام وبوفاته خسر المسلمون عالمًا فذًّا وداعية متميّز؛ كان همُّه الأول إرشاد الناس إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم يبيّن لهم الطريق المضيء الذي يوصلهم إلى رضوان ربهم؛ ولن تذهب أعمال هذا الجهبذ سدى، وإنما سيلقى "إن شاء الله" خير الجزاء عند رب العباد على ما قدّمه لإصلاح الناس. تغمّده الله بواسع رحمته، {وإنا لله وإنا إليه راجعون} . فيما اعتبر الشيخ محمد فيصل السباعي مدير إدارة النشر بجامعة أم القرى

وإمام وخطيب جامع ابن عبيد بالعاصمة بالمقدسة وفاة الشيخ الأنصاري خسارة عظيمة للأمة الإسلامية، والتي هي في أمس الحاجة لمثل هذا العالِم الفذّ. وقال الشيخ السباعي: (لقد جمعتني مع الشيخ حماد الأنصاري علاقة جوار استمرّت ثلاث سنوات بالمدينة المنورة أثناء عملي كواعظ بالمسجد النبوي، لازمتُه في كثير من المناسبات وعرفت فيه حبّه الجمّ للعلم والعلماء وجلسات الذكر والدارسة؛ فهو يعتبر من أشهر علماء الحديث على الإطلاق دراية ورواية؛ وهو طال. ب علم من نوع فريد؛ وكان فضله زاخرًا بالمجاميع إضافة إلى الحافظة التي وهبه الله إياها؛ وبفقده فقد العالم الإسلامي مشعلاً من مشاعل العلم، وخاصة علم الحديث؛ وتدعو الله عز وجل أن يتغمّد الفقيد بواسع رحمته، وأن يرزق الأمة الإسلامية علماء أجلاّء مثل فقيدِنا الراحل) . جديرٌ بالذكر: أن عددًا من أصحاب السمو الملكي الأمراء والعلماء والوجهاء والمسئولين وطلاّب العلم قد قاموا بتقديم واجب العزاء في الفقيد الشيخ حماد الأنصاري؛ حيث بعث ببرقية عزاء صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز "وزير الداخلية"، وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز، وسمو الأمير ممدوح بن عبد العزيز، ومعالي وزير الأوقاف والشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد الدكتور عبد الله التركي، ومعالي رئيس البنك الإسلامي الدكتور أحمد محمد علي، ومعالي الدكتور صالح العبود رئيس الجامعة الإسلامية. وعددٌ كبيرٌ من المسئولين. كما اتصل هاتفيًّا فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي الديار السعودية، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، والدكتور الشيخ صالح بن عبد العزيز بن آل الشيخ نائب وزير الأوقاف والشئون الإسلامية، وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين. وأعدادٌ كبيرة من طلاّب العلم وتلامذة الشيخ.

الأنصاري علامة الحديث المعاصر

الأنصاري.. علامة الحديث المعاصر. بقلم: عبد المؤمن محمد النعمان. جريدة "المدينة": العدد (12621) السنة الثالثة والستون. الاثنين: 3 رجب عام 1418هـ. الموافق: 3 نوفمبر 1997م. "ص 10". وقفتُ متأمّلاً ما شاهدته بعيني عصر يوم الأربعاء قبل الماضي أثناء تشيع جنازة فضيلة علامة الحديث بالمدينة المنورة الشيخ حماد الأنصاري "رحمه الله"، وقلتُ في نفسي: إنّ مكانة علماء الإسلام في نفوس المسلمين لا تزالُ بخيرٍ ولله الحمد. فالمشهد كان مؤثّرًا إذْ تجمع الناسُ في ساحة المسجد النبوي في موكب يجلله الصمت وتعلوه سحابة الحزن ويحفه العبق الإيماني، كل شخص يتبع الجنازة، والأيدي تتشابك لتشارك في حمل النعش، وكلُّ فردٍ يحتضن الأخر ويقول له بتأثّر: (أعظم الله أجرَك) ؛ وكان المسجّى فوق النعش والد لكل فرد يتلقى فيه التعزية. وعنِّي شخصيًّا فقد كنت أتقبل العبارة من القائلين كما لو كنت أسير في جنازة والدي؛ إذْ لم أرَ فرقًا بين ذلك اليوم الذي ودّعتُ فيه والدي "رحمه الله" وقد كان صديقًا وحبيبًا للشيخ حماد لا تربطه به إلا علاقة التوحيد، وبين هذا اليوم وأنا أقف في نفس الموقف. لا أريدُ أن أسترسل كثيرًا في هذا الجانب فالمصاب جلل، والجرح عميق، والمشهد مؤثّر، ولكن قضاء الله نافذ، وليس أمامَنا إلا التسليم والرضى؛ فقد أُصيبت الأمة الإسلامية بفقدان سيد الخلق "صلى الله عليه وسلم"، وكلُّ مصيبة بعدَ رسول الله جلل "وكلمة جلل من ألفاظ التضاد كما هو معروف". الشاهد: أن المدينة المنورة فقدت عالمًا من خيرة علمائها في الوقت الحاضر، حفظ السنة النبوية، وتألّق في معرفة علم الحديث؛ وقد كان حُجّة في ذلك، ويمثّل بقيّة من علماء السلف بما هو معروفٌ عنهم من حفظ ودراية وإلمامٍ بعلم الحديث؛ جعله يكادُ يكون متفرّدًا، إذْ لا يدانيه إلا القلة في عالمنا الإسلامي اليوم؛ وهو في نفس الوقت من حملة لواء التوحيد من العلماء الذين يُشار إليهم

بالبنان لعقيدته الصافية وحرصه على تحقيق التوحيد ونبذ كل ما يتعارض معه من معتقدات باطلة وخرافات وبدع وغلوّ في الدين أهلكَ من كان قبلَنا؛ ومن هذا الجانب أحبّه الناسُ واحترموه. والذي أعلمُه بمعلوماتي المتواضعة عن ترجمة حياته: أن الشيخ تجشّم الصعاب في رحلة قدومه إلى المدينة من مالي بغرض السكنى بها، فكان له ما أراد بعد رحلة مضنية، لكن المدينة المنورة ظفرت به عالمًا من علمائها الأفذاذ؛ والمدينةُ دار العلم، ومأرز الإيمان، فقد احتضنت قبل ذلك إمامَ دار الهجرة مالك بن أنس "رحمه الله" على عمله وفضله؛ فليس غريبًا أن يتربع في مسجدِها عالمٌ جليل في عصرنا الحاضر كفضيلة الشيخ حماد، وأن يموتَ فيها، ويدفن في بقيعِها المبارك. ولعل من الواجب هنا: أن أعرّج بشيءٍ من اللوم على ما تعودنا عليه من بعض صحفنا ومن بعض كتّابنا تجاه علماء الإسلام بالذات من صمت وتجاهُل يختلف عما نشاهده تجاه من هم دونَهم ولا يعدلون معشار القيمة الاعتبارية التي لهم؛ ومع ذلك تنال أخبار وفاتهم تغطية إعلامية كبيرة وتتناولهم الأقلام بكلمات التأبين ما لا يمكن أن يوصف؛ وسواء رردنا ذلك للعلاقات أو للمكانة التي يراها الدهماء بعواطفهم الثائرة تجاه فلان أو فلان أو علاّن أو علاّنة مما ينتج عنه اهتمام صحفي بارز؛ فإن واجبَ الصحافة الإسلامية أن تقدّر العلماء وتعطيهم جزءًا مما يستحقونه، وتراعي بذلك مشاهر الجمهور الطويل العريض من طلاّب العلم ومحبي العلماء الذين هم بطبعهم بعيدون عن إمكانية المشاركات الإعلامية؛ ولكنه يسوؤهم ويزعجهم هذا الجحود. بقي لي أن أُشير بشيء من الاقتضاب إلى إمكانية إحياء ذكر الشيخ حماد بما يبقيه في الذاكرة كعلم يُشير إلى اسمه في طيبة، وهو أن يبادر أبناؤُه البررة

بتذليل كل إمكانياتهم الفكرية والمادية في سبيل تهيئة مكتبة الشيخ الثرية بالنفائس من أمهات الكتب والمخطوطات لتكون دار علم يؤمها العلماء وطلبة العلم والدارسون من أهل التخصص، على أن يتفرغ أحد أبنائه القادرين ليكون أمينًا عامًّا للمكتبة، مع تخصيص موظّفين مؤهلين بما يبقي كيان المكتبة العلمي كما لو كان الشيخُ موجودًا، ويحفظها من الضياع ومخاطر الإعارة؛ فقد خدم الشيخُ العلمَ في حياته، فلا أقلّ من أن تبقى مكتبته قائمة تحمل اسمَه وترجمة مختصرة عن حياته بما يحفظ ذكرَه بعد مماته على غرار مكتبة الشيخ عارف حكمت التي بقيت قرونًا وهي تحمل اسمَه في طيبة الطيّبة ضمن مكتبات الحرم النبوي الشريف؛ وإنْ كانت الآن ضُمّت إلى مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة كأم رؤوم تحتضن شتات مكتبات المدينة (1) ا. هـ.

_ (1) إن كاتب هذه السطور انتقل إلى رحمة الله تعالى قبل ظهور هذا الكتاب؛ وذلك عام 1420هـ؛ وهو رجلٌ فاضل، متواضعٌ جدًّا. عبد الأول.

من هو حماد الأنصاري

من هو حماد الأنصاري جريدة (عكاظ) العدد: 11405 بتاريخ: الجمعة 7/ رجب من عام 1418هـ الموافق: 7/ نوفمبر 1997م. "ص 19". ولد الشيخ "رحمه الله تعالى" عام 1344هـ بـ (تاد مكة) إحدى مدن بلاد مالي بأفريقيا الغربية. وقد تلقّى الشيخُ "رحمه الله تعالى" العلوم الشرعية والعربية وغيرها منذ نعومة أظفاره على علماء بلاده، وأكثر من الرحلة والتنقُّل في طلب العلم في مشارق الأرض ومغاربها. وتتلمذ على مشايخ عدة لا يُحصون كثرة؛ فممن أخذ عنهم بمكة المكرمة: الشيخ عبد الرزاق حمزة، والشيخ حسن المشاط. وممن أخذ عنهم بالمدينة المنورة: الشيخ محمد بن تركي، والشيخ عبيد الرحمن المباركفوري الهندي. وقد اعتنى الشيخُ "رحمه الله تعالى" بدارسة المصنفات الحديثية والكتب الفقهية والعلوم العربية؛ فقرأ "صحيح مسلم" و "الهداية" للمرغيني "في الفقه الحنفي"، و "ألفية ابن مالك"، و "ديوان المتنبي" على الشيخ عمر بري، كما قرأ "موطأ مالك"، و "المغني" لابن قدامة على الشيخ محمد بن تركي. وقرأ "سنن النسائي" على الشيخ محمد الحافظ. كما حظي الشيخ "رحمه الله تعالى" بكثير من الإجازات الحديثية؛ فممن أجازه: المحدِّث الشيخ عبد الشكور الهندي، والمحدِّث الشيخ عبد الحق العمري، وكذا الشيخ محمد بن عيسى الفاداني، والشيخ عبد الحفيظ الفلسطيني، والشيخ قاسم بن عبد الجبار الأنديجاني الفرغاني. وقد تبوّأ الشيخ عددًا من المناصب العلمية؛ حيث عمل في مدرسة الصولتية بمكة المكرمة، وفي عام 1374هـ انتقل إلى الرياض حيث عمل فيها مدرسًا في المعهد العلمي، وفي عام 1375هـ انتقل إلى معهد إمام الدعوة، وفي

عام 1385هـ انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة؛ واستمرّ بالتدريس فيها إلى عام 1407هـ؛ وقد أشرفَ خلالَها على عددٍ كبيرً من الرسائل العلمية المقيدة لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه في كلٍّ من قسمي العقيدة وعلوم الحديث. وقد خلّف الشيخ "رحمه الله تعالى" وراءَه تصانيف كثيرة، وتعاليق مفيدة في الفروع والأصول، كمل منها جملة وطبعت وجملة كثيرة كملها، ولكنها لم تطبع بعد. يسّر اللهُ إخراجَها لعموم الانتفاع بها؛ ومن بعض مؤلفاته المطبوعة: 1ـ "بلغية القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني". 2ـ "رفع الأسى عن المضطر إلى رمي الجمار بالمسا". 3ـ "رفع الاشتباه عن حديث من صلى في مسجدي أربعين صلاة". 4ـ "تحقيق القول في حديث: "من مضت عليه خمسة أعوام أو أربعة أعوام وهو غني ولم يحج ولم يعتمر". 5ـ "كشف الستر عما ورد في السفر إلى القبر". 6ـ "الإعلان بأن لعمري ليست من الأيمان". 7ـ "عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري". 8ـ "الأجوبة الوفية على أسئلة الألفية". 9ـ "فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدثين بالألقاب". 10ـ "إتحاف ذوي الرسوخ بمن عرف بالتدليس من الشيوخ". 11ـ "يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر". 12ـ تحقيق "ديوان الضعفاء" للذهبي.

13ـ تحقيق "ذيل الديوان" للذهبي. وقد قام الشيخ "رحمه الله تعالى" بتدريس جملة من المصنفات العلمية، لا سيّما ما كان منها في علمي العقيدة والحديث؛ ومن ذلك: 1ـ "صحيح الإمام البخاري". 2ـ "صحيح الإمام مسلم". 3ـ "جامع الترمذي". وكانت للشيخ "رحمه الله تعالى" عنايةٌ بالغة به إبان تدريسه له في المسجد النبوي الشريف. 4ـ "كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب" للإمام ابن خزيمة. 5ـ "شرح العقيدة الطحاوية". 6ـ شرح "يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر". وقد تتلمذ على الشيخ كوكبةٌ من كبار طلبة العلم في العالم الإسلامي وخيارهم، لا تستوعب هذه الترجمة حصرهم؛ ومن أبرزهم في المملكة العربية السعودية: 1- فضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد: عضو هيئة كبار العلماء. 2- فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي: رئيس قيم السنة بكلية الحديث بالجامعة الإسلامية سابقًا. 3- معالي مدير الجامعة الإسلامية فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله العبود. 4ـ معالي نائب وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد فضيلة

الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ. 5ـ فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي: عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية سابقًا، والمستشار بجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. 6ـ فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد السحيمي: رئيس قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية. 7ـ فضيلة الشيخ الدكتور مرزوق بن هياس الزهراني: مدير مركز خدمة السنة والسيرة النبوية. 8ـ فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ: عميد كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية سابقًا. 9ـ فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف: عضو هيئة التدريس بقسم علوم الحديث بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية. 10ـ فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن محمد الفهد المزيد: عضو هيئة التدريس بقسم الفقه بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية. 11ـ فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن خليفة بن علي التميمي: عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية. 12- فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن العبّاد البدر: عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية. 13ـ فضيلة الشيخ الدكتور مساعد بن سليمان الراشد الحميد. ومن أبرزهم في خارج المملكة العربية السعودية:

أولاً: شبه الجزيرة العربية: 1ـ فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حامد الرفاعي اليمني. 2ـ فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن علي عائض الشيخ اليمني. 3ـ فضيلة الشيخ الدكتور فلاح بن إسماعيل مندكار الكويتي. 4ـ فضيلة الشيخ فلاح بن ثان السعيدي الكويتي. 5ـ فضيلة الشيخ الدكتور مبارك بن سيف الهاجري الكويتي. 6ـ فضيلة الشيخ بدر بن عبد الله البدر الكويتي. 7ـ فضيلة الشيخ محمد بن ناصر العجمي الكويتي. ثانيًا: المغرب العربي: 8ـ فضيلة الشيخ الدكتور زين العابدي بلا فريج المغربي. 9ـ فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي المغربي. ثالثًا: القارة الهندية: 10ـ فضيلة الشيخ الدكتور شمس الدين بن محمد أشرف الأفغاني. 11ـ فضيلة الشيخ الدكتور عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي. وللشيخ حماد "رحمه الله تعالى" من الذرية أحد عشر ولدًا؛ ثمانية من الذكور، وهم: عبد اللطيف، وعبد الحليم، وأحمد، وعبد الباري، وعبد الغني، وعبد الأول، وعبد الإله، وعاصم؛ ومن الإناث ثلاث؛ وهم جميعًا إخوة خلّص من زوجته الصالحة أم عبد اللطيف؛ وكان شيخُنا "رحمه الله تعالى" كثيرًا ما يثني عليها خيرًا.

حجة في الحديث وعلومه

حجة في الحديث وعلومه من (تدا مكة) إلى بلاد الحرمين ... حجة في الحديث وعلومه المدينة المنورة تودع الشيخ: حماد الأنصاري - الرياض - المدينة المنورة - القصيم: عقيل العقيل، حامد الفريدي، خالد الحسين. جريدة "المسلمون" العدد (665) بتاريخ: الجمعة 30 جمادى الآخرة 1418هـ الموافق: 31 اكتوبر عام 1997م (صفحة 14) . من (تدا مكة) إلى بلاد الحرمين ولد الشيخ حماد بن محمد الأنصاري سنة 1344هـ ببلدة تسمى بـ (تدا مكة) بأفريقيا؛ وكانت دراستُه الأوليّة ببلدة تسمى (مناقة) ، وهي مركز صغير "ومعنى (مناقة) أي: عطن الإبل". فبدأ بالحروف الهجائية حتى يتهيأ بعدها لحفظ القرآن، ثم بدأ في حفظ القرآن الكريم وأتم حفظه وهو ابن عشر سنين. ثم بدأ بالمبادي الفقهية في المذهب المالكي وهو كتاب يسمى (متن الأخضري) ، وهي مبادئ يتعلم الإنسان من خلالها كيف يتوضأ، وكيف يصلي؛ ثم بعد ذلك بدأ بالمذهب المالكي "يسمى ابن عاشر"؛ ثم استمر في هذا ودرس "رسالة ابن أبي زيد القيروان" فحفظها غيبًا، وبعد أن وصل إلى نهاية هذا الكتاب انتقل إلى التفسير، فدرس "تفسير الجلالين" حتى انتهى منه، انتقل إلى "البغوي"، بعدها انتقل إلى الفرائض ودرس "الرحبية" "وهي منظومة"، و "الرحبية" التي في الفقه الشافعي ليست هي التي في الفقه المالكي"؛ فتحول بعدَها إلى النحو، فدرس "الآجرومية" و "الملحة" و "الكافية" و "الألفية" لابن مالك؛ هذه الكتب الأربعة جميعها درسها وحفظ منها ثلاثة: "الآجرومي" و "الملحة"، "ألفية ابن مالك"، أما "الكافية" فكانت عرضًا فقط؛ لأن "الألفية" من "الكافية". ثم انتقل بعد ذلك إلى أصول الفقه؛ حيث كان لا يوجد في أفريقنا في ذلك

الوقت كتاب في أصول الفقه المالكي مثل الفرائض؛ ولهذا درس أصول الفقه الشافعي، ودرس "الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع" للسيوطي، مع عرضه على الأصل؛ وأصول الفقه حفظ كتبه. ثم انتقل إلى البلاغة ودرس "الجوهر المكنون" وهي خمسمائة بيت حفظها غيبًا. ثم بعد البلاغة درس المنطق وحفظه أيضًا، ودرس "السلم المرونق في علم المنطق"؛ ثم علم التنجيم؛ وهذه العلوم تحفظ غيبًا، وهو من التنجيم المشروع الذي يتحدّث عن الفصول الأربعة والبرد والحر، ومعرفة القبلة. وبعدَ هذا بدأ بالحديث؛ لأن البلاد كانت في ذلك الوقت يقرأون الحديث تبرّكًا؛ حيث كانوا يأتون بـ"صحيح البخاري" ويقرأ وهم يستمعون إليه؛ وهذه من الأسباب التي أخرجته من أفريقيا كونهم لا يركزون على قراءة الحديث كما يركزون على قراءة الفنون الأخرى؛ وهنا رأى أنه لا بد من الخروج من هذه البلاد والبحث عن البلاد التي تعتمد على الحديث؛ وخرج من البلاد سنة خمس وستين هجرية (65هـ) وهو ابنُ 18 سنة؛ وهذه هي حياتُه في أفريقيا.

أفنى حياته في سبيل العلم ونشره

أفنى حياته في سبيل العلم ونشره توفي الشيخ حماد بن محمد الأنصاري: أحد علماء المدينة المنورة، ورئيس قسم السنة والعقيدة سابقًا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. عن عمر يناهز (74) عامًا، قضى أكثرَها ما بين طلب العلم والبحث والتحقيق حتى أنه كان يعدّ حجة في الحديث الشريف بالإضافة العلوم الشرعية الأخرى كعلم الفرائض، والتوحيد، وأصول الفقه. ولد الشيخ حماد الأنصاري ببلدة (تاد مكة) عام 1344هـ، ونشأ به وترعرع؛ حيث عاش في وسط يحفّه الالتزام بهدى الإسلام ويحوطه التطلُّع إلى

العلم الشرعي، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة منذ نعومة أظافره على علماء بلده؛ فحفظ القرآن الكريم وهو ابن عشر سنين، وظهرت عليه أمارات الذكاء والنجابة منذ حداثته؛ ولما بلغ أشدّه أكثر من الرحلة والتنقّل في طلب العلم؛ حيث انتقل إلى بلاد الحرمين الشريفين، فتلقى علوم الدين واللغة على كبار المشايخ هناك في ذلك الوقت؛ فأخذ في مكة المكرمة عن العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، والشيخ حسن المشّاط. واستجاز جماعةً من العلماء الواردين على مكة المكرمة كالشيخ المحدث عبد الشكور الهندي، والشيخ عبد الحق العمري، والشيخ محمد بن عيسى الفاداني، والشيخ عبد الحفيظ الفلسطيني، وغيرهم. كما درَس "رحمه الله" في دار العلوم الشرعية بالمدينة المنورة على الشيخ عمر بري؛ يحث درس عليه الفقه الحنفي، و "صحيح مسلم"، و "ديوان المتنبي"، و "ألفية ابن مالك"، ودرس على الشيخ محمد بن تركي النجدي "الموطأ" للإمام مالك، و "المغني" لابن قدامة. ومن الشيوخ الذين تركوا أثرًا طيّبًا أيضًا في حياتِه الشيخ محمد عبد الله بن محمود المدني إمام المسجد النبوي، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي السعودية سابقًا "رحمهم الله تعالى". ولم يكتفِ بذلك، بل راح ينمي معارفَه ويدرّس كل ما يقع عليه بصرُه من مؤلفات ومصنفات حديثيّة، وكتب فقهية، وعلوم عربية، ومخطوطات في الحديث والعقيدة؛ حتى صار علَمًا من أعلام المحدِّثين مما أهّله إلى أن يتبوّأ عددًا من المناصب العلمية؛ ففي عام 1374هـ انتقل إلى الرياض حيث عمل فيها مدرّسًا في المعهد العلمي؛ وفي عام 1375هـ انتقل إلى معهد إمام الدعوة، وفي عام 1385هـ انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة؛ واستمرّ بالتدريس

فيها إلى عام 1407هـ؛ وقد أشرف خلال تلك المدة على عدد كبيرة من الرسائل العلمية المقدمة لنيل الماجستير والدكتوراة في كل من قسمي العقيدة وعلوم الحديث.

كان محبا للسنة

كان محبًّا للسنة والفقيدُ كما يصفه طلاّبه والمقربون إليه ومن عمل معه ولازمه أنه كان حسن السيرة، طيّب المعشر، حيب طلبة العلم حتى أنه كان يخصص معظم وقتِه معهم في النقاش والتدارُس فيما يعود عليهم بالنفع والفائدة؛ بالإضافة إلى ذلك كان يجب سؤال العيي، ويفتي المستفتي، وكان يقصده العلماء والوجهاء وطلبة العلم من شتى أنحاء المعمورة. د. الوليد بن عبد الرحمن الفريّان "عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بالرياض" يذكر مآثر الفقيد فيقول: (لم تكن حياة الشيخ حماد الأنصاري حياة لهو وعبث أو حياة دعة وخمول، وإنما كانت مثالاً حيًّا لسيرة العالم الجاد الذي رفض متع الحياة ومباهجها، وبذل وقتَه وجهده للعلم والتهليم؛ وكان "رحمه الله" يمتثّل هدى السلف الصالح في هيئته، ومظهرِه، وسمتِه، وأدبه، وحسن خلقه، وتواضعه، وإعراضه عن كل ما يخدش جلال العلم وهيبة العلماء؛ كان ورعًا، زاهدًا، ذا عفّة في اللسان، وطهارة في القلب، وسلامة صدر. رحم الله الفقيدَ رحمةً واسعة) .

ترك فراغا

ترك فراغًا: د. عبد الله عبد الرحيم عسيلان "أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية" تحدّث عن الفقيد موصيًا بالاستسلام والرضى بقضاء الله تعالى فقال: (قضاء الله نافذ، وإذا حلّ الأجل فلا مردّ له، والموت حق، وهو سبيلُ كل حي؛ ومن عناية الله بالمؤمن: طلب منه أن يسلم ويرضى بقضاء الله

وقدره. إنه لا شك أن فقد العلماء من أمثاله يترك فراغًا كبيرًا قد لا يتهيأ من يسده) . ويقول: وكأني أنظرُ إلى وجه الشيخ "يرحمه الله" وأشهد فيه ذلك السمت الذي يتكلم عن طيب القلب، وصفاء النفس، ونقاء السريرة، والوقار الذي يملأ النفس إجلالاً وتقديرًا؛ وأستروح ذلك الحب الذي يفيضُ منه على كل من له صلة به من طلابه ومحبيه؛ تجالسُه فتراه طلق المحيّا هاشًّا باشًّا في وجه من يجالسه ويقصده طلاب العلم والفائدة؛ أحبَّ العلمَ ونذر له نفسَه وكرّس له كل جهده ووقته، وكأنه لا يرغب في أن تفوت لحظةٌ واحدة أو يمر نفَسٌ دون أن يكون قد شغلَه في الحصول على معلومة أو كتاب؛ فقد ملك عليه حبّ الكتب واقتناؤها شغافَ قلبِه. ولم يقتصر الأمر في عطائه على التدريس في أروقة الجامعة الإسلامية، بل كان الطلاّب يتوافدون عليه زرافات ووحدانًا كلَّ يومٍ في بيتِه العامر بالعلم، وخُلق العلماء، وبذلهم وعطائهم؛ وكانوا يجدون عندَه بغيتهم؛ إذْ يتلقّاهم بأخلاق العالم الذي يحرص على إفادة طلاّبه وتوجيههم التوجيه السديد. ويشير العسيلان إلى أن الفقيد كان مدرسةً في الحديث وعلومِه، تخرّج فيها الكثيرون، وتأثّروا بمنهجه وتوجيهاته في دراسة الحديث النبوي؛ ويعدّ ذلك من آثاره الجليلة. د. محمد بن ربيع المدخلي "أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة" دعا للفقيد بالرحمة والغفران، وأن يُسكنه فسيح جنّاته، وأكّد أن الموت حقٌّ لا مفرّ منه؛ ولكن موت العالم العامل مصيبةٌ على المسلمين بصفة عامّة. ويقول: إنه غرس فينا حب عقيدة السلف الصالح، وكان له أسلوبه الخاص في التنفير من الفرق الضالة في أسماء الله وصفاته؛ وأسال الله المولى عز وجل أن

يجزيَه عنا معشر طلاّب العلم خير الجزاء.

رحابة ولين وتواضع

رحابة ولين وتواضع د. عبد الرحمن نواب الدين "عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة" أكّد أن الفقيد كان مرجعًا في علم الحديث ومصطلحه ردحًا طويلاً من الزمن. ويصفه بأنه كان على الفطرة والسجية بعيدًا عن التكلّف والمصانعة؛ فبقدر ما وهبه الله تعالى من باعٍ طويل في كثيرٍ من علوم الشريعة بقد ما كان بسيطًا سهلاً متواضعًا، إذا سألته عن مسألة وجدت عندَه البُغية في أسلوبه المتميّز. رحم الله الفقيد، ونسّأ في أجل البقية من أعمدة العلم في هذه البلاد المباركة خاصة وغيرها عامّة.

موسوعة علمية

موسوعة علمية أما د. صالح بن سعد السحيمي "رئيس قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة" فقد وصفَه بأنه موسوعة يرجع إليه كبار طلاّب العلم في المعارف والعلوم المختلفة، كان أنه له اطلاعٌ واسعٌ فيما يتعلق في معرفة الفرق المختلفة التي تنسب إلى الإسلام؛ وله باعٌ طويل في الرد على تلك الفرق ودحض شبهاتها والرد على أباطيلِها، معتمدًا في ذلك على الكتاب والسنة وهدْي السلف الصالح؛ وله خبرة طويلة في علوم الحديث وأحوال الرجال دراية ورواية. وخلاصة القول أنني أحب أن جد جهابذة العلماء الربّانيين الذين فقدهم طلاّب العلم في هذه الأيام. ونسأل اللهَ الكريم أن يسكنه فسيح جنّاتِه. وتحدّث الشيخُ عبد الرحمن أبو بكر الجزائري عن مآثر الفقيد فقال

عنه: (إنه حقًا كاد أن يلقب بعالم الحديث بالمدينة المنورة؛ فقد كان "رحمه الله تعالى" مدرسةً دينية جامعة طلاب الحديث وعلومه؛ فمكتبتُه مفتوحة دائمًا لا ترد زوارها ولا تغلق أبوابها؛ فقد كان يمتاز بصفاء السريرة وحسن السيرة كان يقضي معظم وقتِه بين أورقة المكتبات العامة ورفوف المخطوطات النادرة حتى كان مولعًا باقتنائها وتصويرِها ودراستها؛ فلم يثنه المرض عن ذلك؛ وكان يمتاز بحسن العقيدة وسلامة المنهج. ندعو الله تعالى له الرحمة والمغفرة) . الوليد بن محمد بن عبد الله العلي "أحد تلامذة الشيخ المقربين" يقول عنه: (إنه كان رجلاً وقورًا مهيبًا، دمث الخلق، لين الجانب، بشوشًا محبًّا للخير) . الشيخ محمد بن ناصر العجمي "أحد تلامذة الشيخ بالكويت" قال: (إن الفقيد رزق اطلاعًا واسعًا على علم الحديث صحيحه وسقيمِه؛ وكان "رحمه الله" وجهًا للسنة النبوية في المدينة المنورة، يشهد بذلك له أهل العلم والفضل) . ويقول المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في معرض كلامٍ له: "مع اعترافي بعلمه وفضله وإفادته للطلبة وبخاصة في الجامعة الإسلامية؛ جزاه الله خيرًا". "الأحاديث الضعيفة" (3/319) : هذا فضلاً عن معرفته لعلوم أخرى كان مشارِكًا فيها، وعلى رأسها: علم التوحيد الذي كان من المبرزين فيه. كما كان "رحمه الله" آية في الحرص على المخطوطات وتتبع أخبارِها، وتصوير ما يمكن تصويره منها؛ وقد حضر عنده الطلبة صغارهم وكبارهم إلى أن بلغ سنّ التقاعُد عام 1407هـ.

مؤلفات الشيخ

مؤلفات الشيخ أثرى الفقيد مكتبته بعدة كتب قيّمة في علم الحديث النبوي، ومخطوطات مصورة نادرة؛ ومن أهم ما طبع تلك المؤلفات: "بلغة القاصي والداني في تراجم مشايخ الطبراني"، "إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس من الشيوخ"، "فتح الوهاب فيما للمحدثين من الألقاب"، "رفع الأسى عن المضطر إلى رمي الجمار بالمسا"، و "رفع الاشتباه عن حديث من صلى في مسجدي أربعين صلاة"، "تحقيق القول في حديث "من مضت عليه خمسة أعوام أو أربعة أعوام وهو غني ولم يحج ولم يعتمر"، "كشف الستر عما ورد في السفر إلى القبر"، "الإعلان بأن لعمري ليست من الأيمان"، "عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري"، "الأجوبة الوفية على أسئلة الألفية"، "يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر"، تحقيق "ديوان الضعفاء" للذهبي، تحقيق كتاب "ديوان الضعفاء" للحافظ الذهبي، وكذا "ذيل الديوان"، "إتحاف الخلان فيما ورد في ليلة النصف في شعبان"، "تحفة القاري في الردّ على الغماري"، "سبيل الرشد في تخريج أحاديث ابن رشد".

أبناؤه

أبناؤه عقّب الشيخ حماد بن محمد الأنصاري ثمانية ذكور، وثلاث إناث: أكبر أبنائه: عبد اللطيف "وهو يعمل بشركة عبد اللطيف جميل للسيارات"، وعبد الحليم "وهو حاصل على دبلوم في التسويق من الولايات المتحدة الأمريكية"، ثم أحمد "وهو صاحب أعمال حرة"، عبد الباري "حاصل على الماجستير في علوم الحديث النبوي"، عبد الغني "وهو في السنة الأخيرة في كلية التربية قسم الدراسات الإسلامية"، عبد الأول "وهو متخرّج في كلية الحديث الشريف، ويعمل باحثًا في مركز خدمة السنة النبوية"، عبد الإله "وهو منتسب بجامعة

الملك عبد العزيز كلية اللغة العربية -، وعاصم - وهو طالب في المعهد العلمي بالمرحلة الثانوية.

ماذا قالوا عنه؟ اشتهر بالعلم ومكتبته مفتوحة لطلبة العلم.

ماذا قالوا عنه؟ اشتهر بالعلم ومكتبته مفتوحة لطلبة العلم. وصف عددٌ من العلماء الشيخ حماد الأنصاري بالاستقامة وحسن المعتقد، وأكّدوا أنه كان كريمًا مع طلاّبه، ولم يبخل عليهم بعلمه، وأنه كان دائمًا مع الحق ويعدل، ولا يميل مع أحد، ولا يقبل الحكايات المكذوبة التي تقال عن الصحابة أو نحوهم. فقد وصفه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ "نائب المفتي العام" بأنه رجلٌ معروف بعمله واستقامته وبذله لعلمه، ومكتبتُه مفتوحة لطلبة العلم يستفيدون منها، وينهلون منها؛ وهو معروف بحسن المعتقد ومحبة السنة والتمسك بها، وهو رجلٌ صالح وذو تقى كما علمناه. الشيخ صالح بن محمد اللحيدان "رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالسعودية، وعضو هيئة كبار العلماء" قال: (إذا سألتموني عن الشيخ حماد الأنصاري "رحمه الله" فقد عرفتُه وقتَ تدريسِه في معهد إمام الدعوة في الرياض، كنت يومَها سكرتيراً لسماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم "رحمه الله"؛ فقد عرفتُ في الشيخ حماد حبّ الحديث وعلومه والحرص على جمع كتبه الخاصة بعلوم الحديث وفقهه، وما يتعلق برجاله، ويسعى لجمع مخطوطاته، ويبذل في ذلك الجهد والمال؛ فإذا وجدَ شيئًا نادرًا اتصل بي "رحمه الله" إما مخبِرًا وإما مبيّنًا كبر فائدة ما وجه من هذا النوع من الكتب؛ وربما سألني عن شيء من هذا

النوع من الكتب إنْ كنتُ اطلعت على شيء منها، وربما طلب تزويدي بصور من مثل ذلك؛ وقد منحه الله التحمُّل والصبرَ على من يراجعه من الطلاّب) . ويضيف الشيخ اللحيدان: "أن الذي كان محل إعجابي وعجبي منه: صبرُه على الناس طلاب العلم، وبذل جهده ومكتبته العامرة للمراجعة، وتسامحه في كل ما يتعلق بتصوير كل ما في مكتبته، بل كان ييسر إذا رغب أحدٌ تصوير شيء من كتبه؛ وكان يتألم ممن يبادله بالشح والبخل في تصوير ما يطلب تصويرَه. فالشاهد: أنه يتعجب ممن يشحّ؛ لأنه كان يقيسُ الناسَ على نفسه، وكان معتنيًا بالحديث، وله بعض المؤلفات. والخلاصة: أن الرجلَ من العلماء ولا سيما في الحديث وفنونه؛ فأسأل الله أن يرحم الشيخ حماد، وأن يحسن العاقبة لذريته، ويجعلهم ذرية مباركة، ويحسن الخلَف للطلاب الذين يرجعون إليه؛ وكما أسألُه سبحانه أن يكون ما بذلَه من جهد في سبيل العلم في ميزان حسناتِه، وأن يحسن لنا جميعًا الخاتمة والعاقبة. الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين "عضو الإفتاء بالسعودية" قال عن الفقيد إنه اشتهر بالعلم الشرعي؛ وهو عالمٌ من علماء الحديث، حيث يعرف شرح الكلمات، ويعرف الرجل، ويعرف ما يستنبط حول علم الحديث، ويبحث فيما يتعلق بلغة الحديث وبفوائده وما أشبه ذلك؛ وهكذا يدرس في أصول الحديث الذي هو علم المصطلح؛ فتجد فيه أيضًا المعرفة بالرجال، والمعرفة بمصطلح الحديث وما يدورُ حوله وكأنه شغله الشاغل؛ وهكذا تدريسُه في التوحيد فإنه أيضًا على علم بالعقيدة الصحيحة، ورسخت العقيدة السنية السلفية في قلبه، وكذلك علم التوحيد. وأما عن علم التفسير وما يدورُ حولَه فيقول الشيخ الجبرين بأنه كان إذا

درس في علم التفسير رأيتَ أنه متوغّل في علمه، وأنه متمكن من معرفة ما يدورُ حولَه، وما قيل في الآيات وأسباب النزول وما أشببها. ودرس أيضًا في التاريخ؛ وكان عمله دليلاً على أنه يقول الحق ويعدل، ولا يميلُ مع أحد، ولا يقبل الحكايات المكذوبة التي تُقال عن الصحابة أو نحوهم. وقد عرفنا أيضًا من مجالسته ومن كثرة البحث معه أنه يرجع إلى الحق متى عرفَه ولو كان مع خصمه؛ فإذا اتضحَ له الحق فإنه يقول به ولا يردّ قولاً قال به غيرُه إذا كان صوابًا، بل يتقبّلُه؛ وهذه من شيَم طلبة العلم وحملة العلم. ولا شكّ أنه كان "رحمه الله" سهل الجانب، ليّن الطبيعة الوفاء، يحب الاخوة ويتودّد إليهم، وكلُّ من عرفه وجالسه أنِسَ به. وكان أيضًا قويّ الذاكرة، كل من عرفه قديمًا لا يذهب عن ذاكرتِه، سريع الحفظ، قوياً بجانب ذلك؛ فإنه كان متواضعًا للصغير والكبير، بحيث أنه يجالس ويؤانس تلامذته المبتدئين ويتبسط معهم؛ وكان شغوفًا بالعلم الصحيح. ثم إن كتبه التي تضمُّها تلك المكتبة الكبيرة لم يكن يهجرها، بل يطلع عليها؛ بحيث لا يكون فيها كتابٌ إلا وهو يعرف محتوياته، ويعرف ما يتضمنه من المعلومات التي تحتوي عليها تلك الكتب في أيِّ فنٍّ من الفنون، وحتى علوم الكلام وعلوم المنطق وشبهها، وإذا اقتنى شيئًا منها فإنه يتقنه لغرض مهم ونحو ذلك. وكلُّ ذلك دليلٌ على أنه رزقه الله الفهمَ وقوة الإدراك. وكان الفقيدُ أيضًا على جانبٍ من الزهدِ في الدنيا والتعفّف والتقلّل منها. رحمه الله وأكرم مثواه) .

الشيخ إبراهيم الخضيري "القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض" وصف الفقيد بأنه علَمٌ من أعلام الإسلام، وكان حريصًا على نشر العلم بين طلاّبه، وعلى أداء الرسالة التي يجب أن يؤديها كلُّ مسلم في حياته. كان من أهل العبادة والتقى، وكان من الأحباب الموثقين لدى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وأوصى ورثتَه بشكل خاص وأحبابَه من طلاب العلم بشكل عام أن يدعوا له بالمغفرة والرحمة، وأن يعتنوا بكتبه ومصنّفاتِه، وأن يستفيدوا من علمه، وأن يتخذوا من صبره واحتسابِه وجدِّه وجهاده نبراسًا يهتدون به في مثل هذه الأيام. الشيخ عبد الباري الثبيتي "إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف" رثاه بقوله: "لقد فقدت الأمة الإسلامية عالمًا جليلاً وجهبذًا ضليعًا، أفنى حياتَه في سبيل العلم ونشرِه؛ كان يلتقي حول مائدتِه العلمية طلاب العلم، وينهلون من معينِه؛ فيؤنسهم بحديثِه ورحابة صدرِه وسعة علمه. فرحمه الله رحمةً واسعة".

الشيخ حماد الأنصاري محدث المدينة النبوية

الشيخ حماد الأنصاري محدث المدينة النبوية. بقلم: الدكتور/ عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان. أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. نُشرت في جريدة (الرياض) العدد: (10728) بتاريخ: 7 رجب عام 1418هـ، الموافق: 7 نوفمبر 1997م. قضاء الله نافذ، وإذا حلّ الأجل فلا مردّ له، والموتُ حقٌّ، وهو سبيلُ كلّ حي؛ ومن عناية الله بالمؤمن طلب منه أن يسلم ويرضى بقضاء الله وقدره؛ وقطارُ الحياة يموجُ بالأحياء والأموات، وفي كلِّ لحظة مولد ينبض بالحياة فيضاف إلى رصيدها، أو ميت يغادر الفانية إلى الباقية؛ وكم من الأحياء الذين يعيشون في عداد الأموات؛ لأنهم يعيشون على هامش الحياة، حيث إنهم لم يعيشوا فيها كما أراد الله لهم دينًا وخلقًا وعلمًا وعملاً وكدًّا وسعيًا وصلاحًا. وكم من الأموات الذين يغادرون هذه الدنيا، ولكنهم يعيشون في قلوب الناس جميعًا بأخلاقهم وصلاحهم وأعمالهم؛ ومن هذا الصنف: شيخ الحديث، وعالم المدينة النبوية الشيخ حماد بن محمد الأنصاري "يرحمه الله" الذي وافته المنية منذ أيّام؛ وقد تألّم وحزن لفقده كلُّ من عرفه من طلاّب العلم ومحبيه، ولا شكّ أن فقد العلماء من أمثاله يترك فراغًا كبيرًا قد لا يتهيّأ من يسده. وكأني أنظر إلى وجه الشيخ "يرحمه الله" وأشهد فيه ذلك السمْت الذي ينمّ عن طيبة القلب، وصفاء النفس، ونقاء السريرة والوقار الذي يملأ النفسَ إجلالاً وتقديرًا، واستروح ذلك الحب الذي يفيض منه على كل من له صلة به من طلابه ومحبيه؛ تجالسه فتراه طلق المحيّا، هاشًّا، باشًّا في وجه من يجالسه، أو يقصده طلبًا للعلم والفائدة. أحبَّ العلمَ، ونذرَ له نفسه، وكرّس له كل جهده ووقته؛ وكأنه لا يرغب في أن تفوت لحظةٌ واحدة أو يمرّ نفس دون أن يكون قد شغلَه في الحصول على معلومة أو كتاب. وملَك عليه حبّ الكتب واقتناؤها شغاف قلبه؛ وإذا سمع بكتاب جيّد يدخل دائرة اهتمامِه لا يهدأُ له بال، ولا يغمض له جفن، ويظلّ يلحّ ويدأَب

ليلَه ونهارَه حتى يتحصّل عليه في أيِّ مكان، أو بأيِّ ثمن؛ بل كان يقتطع من قوته ليؤمن ما يحتاجه من الكتب، أو يصور ما يختاره من المخطوطات النادرة في الحديث وعلومه. وارتحل شرقًا وغربًا، وطوّف في بلادٍ كثيرة لا لكي يتنزّه أو يستجم، ولكنه يتكبّد عناء السفر ومشاق الترحال بحثًا عن كنوز تراثنا الإسلامي المحفوظ في مكتبات العالم. ويقتضي المقام أن أقدم نبذة موجزة عن حياته الشخصية، وآثاره العلمية: فهو أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري، ولد في (تاد مكة) من بلاد (مالي) بأفريقيا الغربية عام 1344؛ وينتهي نسبُه إلى سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري. ونشأ وترعرع في مسقط رأسه، وعاش في وسط يحفّه الالتزام بهدي الإسلام، ويحوطه التطلُّع إلى العلم الشرعي؛ إذْ من أسرته مَن اشتغل بالعلم والفتيا والقضاء؛ فلا غرو إذًا أن يتجّه الشيخ منذ نعومة أظفاره إلى العلم، ويحرص على مجالسة العلماء، والإفادة منهم، وتهيّأ له أن يحفظ كتاب الله وهو في الخامسة عشرة من عمره. وأخذ يتدرّج في مدارج العلم حتى تمكّن من حفظ قدر وافرٍ من المتون في شتّى صنوف العلوم والفنون، ونال حظًّا كبيرًا من العلوم الشرعية والعربية في بلاده مع التركيز في هذه المرحلة على علوم العربية، تمّ له ذلك من خلال ملازمته بعض المشايخ والعلماء، ومنهم عمّه الشيخ محمد أحمد بن محمد الذي يلقّب بالبحر لتبحّره في العلوم، وخاله محمد أحمد تقي، وابن عمه موسى بن الكسائي.

ولم تمنعه الظروف القاسية في بلاده من إشباع نهمه في التزوّد بالعلم من فطانة متعددة؛ فكم سهر من الليالي الطوال على ضوء القمر أو السراج يقرأ ويكتب ويحفظ. وحينما قدِم إلى المملكة العربية السعودية تطلّع إلى الاستزادة من العلم؛ فلازم بعض علماء الحرمين، ودرس على بعضهم الحديث وعلومَه، منهم الشيخ عبد الرزاق حمزة، والشيخ حسن المشّاط بمكة، والشيخ محمد بن تركي، والشيخ حبيب الرحمن الهندي بالمدينة المنورة، والمحدث الشيخ عبد الشكور الهندي، وعبد الحق العمري، ومحمد بن عيسى الفاداني، والشيخ قاسم بن عبد الجبار الانديجاني الفرغاني صاحب كتاب "المصباح في علوم الحديث"؛ وحصل من بعضهم على إجازات، وسمع بالأسانيد المتصلة إلى المؤلفين فيما تلقاه عنهم من أحاديث؛ ومن ذلك: الحديث المسلسل بالأولية الذي أجازه به الشيخ قاسم الإنديجاني، ثم أجازه في الكتب الستة المشهورة؛ ومن شيوخه الذين كان لهم تأثيرٌ واضحٌ عليه: الشيخ محمد عبد الله بن محمود المدني "أحد أئمة المسجد النبوي"، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ "مفتي المملكة العربية السعودية". وكان "يرحمه الله" يشيد في مجالسه بشيوخه هؤلاء، ويذكر فضلَهم عليه؛ ويبدو أن جلّ ما درسه وناله من العلم إنما كان على أيدي العلماء والمشايخ، وعكوفه على الكتب حفظًا وقراءة واستيعابًا؛ وكان له بذلك الإدراك الراسخ والإطلاع الواسع والعلم الغزير في علوم الحديث، والتفسير، والفقه، والعقيدة، واللغة العربية، وغيرها من علوم الآلة. وهذا المسلك هو الذي كان ينتهجه علماؤنا السابقون الذين يطلبون العلم لذات العلم وحبًّا ورغبةً في التزوّد منه، وليس لغرض أو عرض دنيوي. ولا شكّ أن هذا المسلك في تلقّي العلم كان له أثرٌ واضح في تكوين

شخصية الشيخ العلمية من حيث التعمّق والتبحُّر فيما درسه من علوم جعلت منه عالمًا متبحرًا، ولا سيما في علم الحديث وأصوله الذي أولاه جلّ اهتمامِه وعنايته وأصبح شغله الشاغل دراسة وقراءة وتأليفًا وتدريسًا. وجمع في الحديث وعلومه مكتبة شاملةً لكل ما يتّصلُ بهذا العلم من مطبوعات ومخطوطات نادرة؛ وتعدّ مكتبتُه بحقٍّ من أنفس وأوسع المكتبات في هذا الباب؛ وليس العبرة بجمع الكتب، ولكن باستعياب ما في بطونها من درر العلم وكنوزه. وقد تمّ ذلك للشيخ مما جعله ذا دراية واسعة بما اشتملت عليه مصادر العلم على تعدد جوانبه وكثرة فروعه وفنونه؛ وتألّق الشيخُ في علم الحديث وأصبح حجّة ومرجعًا للعلماء وطلاّب العلم في هذا الباب. ولم يُعرف عن الشيخ أنه نال شهادة من جهة تعليمية رسمية سوى ما عرف من التحاقه بدار العلوم الشرعية بالمدينة المنورة عام 1369هـ في قسم الحديث النبوي، ولم يدرس في جامعة، ولم ينل شهادة الدكتوراه، ولكن جامعته وشهادته الكبرى علمه الفيّاض، وأخلاقُه، وهمّته، وحرصُه على العلم وطلاّبه، وآثاره المتمثلة في طلاّبه، ومؤلفاته المفيدة. وقد كرّس جلّ سنين عمره لطلاب العلم والتدريس؛ حيث عمل مدرسًا في المدرسة الصولتية بمكة المكرمة، ثم انتقل إلى التدريس بالرياض في المعهد العلمي عام 1375هـ، ومنه انتقلَ إلى التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1385هـ، واستمرّ بها أستاذً للحديث وعلومه حتى عام 1410هـ، حيث بلغ سن التقاعُد؛ وأشرف في هذه الفترة على عددٍ كبيرً من طلاب الجامعة الإسلامية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وناقش عددًا كبيرًا من الرسائل المقدّمة في تلك المرحلتين.

ولم يقتصر الأمر في عطائه الثرّ على التدريس في أروقة الجامعة الإسلامية، بل كان الطلاّب يتوافدون عليه زرافات ووحدانًا كل يوم في بيته العامر بالعلم وخلق العلماء وبذلهم وعطائهم؛ وكانوا يجدون عندَه "يرحمه الله" بغيتهم، إذْ يتلقّاهم بأخلاق العالم الذي يحرص على إفادة طلاّبه وتوجيههم التوجيه السديد الذي ينير لهم دروب العلم والمعرفة، ويبعدهم عن الشطط؛ كما يجدون عندَه الأب الحاني على أبنائه، ولم يكن يبخل بوقته على أي راغبٍ في الإفادة الحقّة، بل يتلقّاه بالرعاية والعناية والاهتمام؛ ويمضى معه الساعات الطوال موجهًا ومعلّمًا؛ ولهذا الغرض كان باب مكتبته في بيتِه مفتوحًا كل يوم بعد صلاة العصر مباشرةً إلى أذان العشاء لكل قاصد من طلاّب العلم والعلماء؛ ومع أن ذلك قد يشغله عن أمور كثيرة تخصُّه وتخص مراجعة مؤلفاته أو متابعة بعض البحوث والدراسات، إلا أنه كان يشعر بالراحة التامّة وهو يؤدِّي رسالته نحو طلاّبه والراغبين في الإفادة من عمله. والحق أنه كان مدرسةً في الحديث وعلومه، وتخرّج منها الكثيرون، وتأثروا بمنهجه وتوجهاته في دراسة الحديث النبوي وبعد ذلك من آثاره الجليلة. أما آثاره المتمثلة في الكتب والمؤلفات فهي عديدة يدور جلّها حول الحديث النبوي وعلومه وحول العقيدة؛ ومنها: 1- الفتح الكبير في تراجم شيوخ الطبراني في المعجم الكبير. 2- فتح الوهّاب فيمن اشتهر من المحدِّثين بالألقاب. 3- سبيل الرشد في تخريج أحاديث بداية ابن رشد. 4- إعلام الزمرة بأحكام الهجرة. 5- إتحاف ذوي الرسوخ بمن دلّس من الشيوخ.

6- كشف الستر عما جاء في شدّ الرحل إلى القبر. 7- دفع الاشتباه عن حديث "من صلى في مسجدي أربعين صلاة". 8- الإعلان بأن (لعمري) ليس من الأيمان. 9- كشف اللثام عما ورد في دخول مكة بلا إحرام. 10- البت في الطواغيت الست. وآن لي أنْ ألويَ عنان القلم عند هذا الحد؛ فإنّ الحديث عن الشيخ حماد "يرحمه الله" ذو شجون، وفي النفس يختلج الشيءُ الكثير عنه. وفي نهاية المطاف لا أملكُ إلا أن قول: يرحمك الله أيها الشيخُ الجليل؛ وما أقسى فراقك على القلوب المتعطِّشة إلى عطائك، ولكنها إرادة الله ولا رادّ لقضائه؛ وحسبُك ما تركتَ من آثار جليلة في نفوس طلاب العلم تحيي ذكراك؛ واللهُ وليُّ التوفيق، وهو القادرُ على أن يجزيك خيرَ الجزاء على ما قدّمتَ.

ما جاء في مجلة (المجلة العربية)

ما جاء في مجلة (المجلة العربية) نبذة عن حياته ... ما جاء في مجلة (المجلة العربية) العدد (؟) بتاريخ رجب 1419هـ: شخصيات العالم المحقق. الشيخ حماد بن محمد الأنصاري. بقلم: عبد اللطيف بن محمد الجيلاني ـ المغرب. فقدت الأمة الإسلامية مؤخّرًا علمًا بارزًا من علماء الأمة الإسلامية، ألا وهو الشيخ المحدِّث العلامة أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري؛ فبذهاب العلماء يذهب العلم، والعلماء هم ورثة الأنبياء، فضلهم عظيم، مجالسهم تفيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهلُ الغفلة، وهم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة؛ بهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ؛ قال أحد السلف: "عليكم بالعلم قبل أن يذهب؛ فإنّ ذهاب العلم موت أهلِه"، وفي "الصحيح" عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء؛ حتى إذا لم يترك عالمًا اتخذ الناسُ رؤساء جهّالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علمٍ فضلّوا وأضلوا". كان الشيخ حماد الأنصاري إلى حدود شهر رمضان 1417هـ مستمرًّا في مسيرته العلمية يحيي نفوس تلاميذه وروّاده بتوجيهه الحكيم ودروسه السلفية وعلمه الصحيح، ثم فاجأه مرضٌ عضال في العشر الأواخر من رمضان، واستمرّ به إلى يوم وفاته؛ وإبان مرضه تنقّل بين مستشفى الملك فهد بالمدينة النبوية ومستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، ثم عاد مرة أخرى إلى المدينة في مستشفى طيبة؛ حيث لفظ أنفاسَه الأخيرة. وتعودُ آخرُ زيارة قمتُ بها إليه قبل يومين من وفاته؛ فرأيت الشيخ حينها على غير ما عهدناه عليه، قد تغيّرت حالته، فأصبح لا يكادُ يعرف مَن حولَه، وصار جسمُه نحيلاً، وابيضت لحيتُه بعدما ذهب عنه الخضاب، وافتقدنا بابتسامته التي لم تكن تفارقه كلما لقيناه. وقد وضع بجانب رأسه مذياع لفت انتباهي حينما انبعث منه صوت القارئ وهو يتلو قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ

ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِّمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . وكانت الصلاةُ عليه بالمسجد النبوي الشريف، ودُفن بالبقيع، وحضر جنازته جمْعٌ غفير من الناس، يتقدمهم المشايخ والطلبة في موكبٍ مهيب. نسأل الله العلي القدير أن يجزيَه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وأن يتغمّده بواسع رحمته. وتعريفًا بشيخنا الجليل ووفاءً ببعض حقه علينا، وتعبيرًا عما نكنُّه له من عميق الحق والتقدير أسطّر له هذه الترجمة الموجزة مراعيًا في ذلك الإيجاز إلى أن تسنح فرصة أخرى لكتابة ترجمة موسعة عنه. نبذة عن حياته: هو: أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري، من ذرية سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري. ولد عام 1344هـ في بلدة (تاد مكة) التي كانت تعرف بالسوق في أفريقيا الغربية من بلاد (ملي) المسماة اليوم بمالي. و (تاد مكة) معناها: هذه مكة، لكونها مثلها تقعُ بين أربعة جبال.

نشأته وبداية طلبه العلم

نشأتُه وبداية طلبه العلم نشأ الشيخُ ببلدة تاد مكة في بيت علم ودين، وقد عرفت هذه الأسرة في مالي بالعلم والفتيا والقضاء. وكان حفظَ القرآنَ الكريم أول ما بدأ به الشيخ مسيرته التعليمية؛ فأنهى حفظَه على خالِه المقرئ محمد أحمد بن تقي الأنصاري "الملقب بأستاذ الأطفال"، وهو آنذاك ابن خمس عشر سنة.

ثم قرأ على شيخه المذكور "رسالة ابن أبي زيد القيرواني"، كذلك تلقّى عنه في علم النحو والتصريف "الآجرومية"، ثم "ملحة الإعراب" للحريري، ثم "ألفية ابن مالك"، ثم "زوائد الكافية على الألفية"، ثم "لامية الأفعال في تصريف الأفعال"، ثم "الزوائد على لامية الأفعال" لابن إسحاق "الملقب ميدو". وأخذ علم البلاغة عن شيخه العلامة فريدِ عصرِه موسى بن الكسائي الأنصاري، فدرس عليه "الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون" "وهي: المعاني، والبيان، والبديع نظمٌ للأخضري في خمسمائة بيت"، ثم "عقود الجمان" نظم للسيوطي في ألف بيت. وأخذ علم الأصول عن بحر العلوم عمه محمد أحمد الملقب بـ (البحر) ، ودرس عليه "الورقات" لإمام الحرمين الجويني، وغيرها من العلوم والفنون. وأخذ عن عمه أيضًا في التفسير "الجلالين" ثم "تفسير البغوي" ثم "تفسير الخازن". وفي الحديث سمع "الموطأ" والصحيحين، و "سنن أبي داود"؛ ولم يكن يوجد في بلده في ذلك الوقت غير هذه الكتب من أمهات كتب السنة. ودرس عليه في الفقه "مختصر خليل بن إسحاق الجندي"،و "التبصرة" لابن فرحون اليعمري المالكي، و "التبصرة" لابن سلمون الحنفي، و "الطليحية"،و "مصطلحات الفقه المالكي" لابن بهرام؛ كما سمع منه "المدونة". وأخذ الفرائض عن شيخه الجليل الشريف الإدريسي الحسني حمود بن محمود؛ درس عليه "الرحبية" مع شرح "الشنشورية". وأخذ عنه أيضًا المنطق؛ فدرس عليه "السلم المورنق" للأخضري، و "إيساغوجي"، و "الشمسية".

وفي علم المنازل: "المنظومة السوسية" للأخضري. كما درس عليه أيضًا علم أصول الفقه، وعلم مصطلح الحديث؛ حديث درس "النخبة" لابن حجر مع شرح "النزهة"، و "ألفية السيوطي". وفي أصول التفسير درس أبوابًا من "الإتقان" للسيوطي مع مقدمته. ونُشيرُ هنا أنه أخذ العلوم المذكورة عن علماء بلده بالأسانيد المتصلة إلى المؤلفين، وحصل منهم على الإجازة فيما سواها. ثم أكبّ بعد ذلك على مطالعة الكتب والتدريس في بلده.

هجرته إلى الحجاز ومواصلته طلب العلم

هجرته إلى الحجاز ومواصلته طلب العلم بعد أن استولى الفرنسيون على بلاد مالي وضاعفوا ضغطهم عليها أيام الحرب العالمية الثانية، واشتد تضييقهم على المسلمين عزم الشيخُ على الهجرة من بلده، ودعا قومَه إلى ذلك، وألّف رسالته الموسومة بـ"إعلام الزمرة بأحكام الهجرة"، وكانت وجهته نحو المملكة العربية السعودية لكونها مهبط الوحي وبلاد الحرمين الشريفين. وعند وصول الشيخ إلى مكة المكرمة سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف للهجرة واصل طلبه للعلم، وجلس في الحلقات العلمية بالحرم المكي، فحضر دروس الشيخ عبد الرزاق حمزة في "تفسير ابن كثير"، ودروس الشيخ أمين الحنفي في "صحيح البخاري"، والشيخ حسن المشاط في "جامع الترمذي"، وغيرهم ممن كان يدرس بالمسجد الحرام. وفي المدينة النبوية درس "الموطأ" على الشيخ محمد بن تركي النجدي، و "صحيح البخاري"، و "فتح المجيد" على الشيخ القاضي محمد الخيال. كما أجازَه جمعٌ من أهل العلم، جمعَ أسماءهم في ثبت سماه "إتحاف القاري

بثتب الأنصاري"، نذكر منهم الشيخ محمد بن عبد الشكور الهندي، والشيخ محمد ابن عيسى الفاداني الجاوي، والشيخ عبد الحفيظ الفلسطيني، والشيخ قاسم بن عبد الجبار الفرغني الأندجاني، والشيخ عبد الغافر بن عبد الستار الرحماني، والشيخ حمود بن عبد الله التويجري؛ وغيرهم من علماء نجد، والعراق، والشام، واليمن، والمغرب، والهند، وباكستان، وجاوا. كما أنه درس بدار العلوم الشرعية بالمدينة النبوية في قسم التخصص، وتخرج فيها عام 1370هـ.

أهم أعماله ووظائفه

أهم أعماله ووظائفه تولى الشيخُ حماد التدريسَ بالمدرسة الصولتية بمكة في شهر صفر سنة 1371هـ، واستمرّ بها مدرسًا في الابتدائية والثانوية والعالي، إلى نهاية سنة 1374هـ. وفي شعبان من السنة نفسها اختير للتدريس بالرياض في المعهد العلمي التابع آنذاك لإدارة المعاهد العلمية والكليّات. ثم انتقل سنة 1375هـ للتدريس بمعهد إمام الدعوة، ودرّس بجميع مراحلِه إلى نهاية عام 1384هـ حيث نقل للتدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية؛ وباشر التدريس بها منذ عام 1385هـ. وخلالَ هذه الفترة تنقل بين مختلف كليات الجامعة؛ فدرّس بكلية الشريعة، والدعوة، واللغة، والقرآن، والحديث. ولما فتحت الدراسات العليا عام 1396هـ تولى التدريس بها برتبة (أستاذ مشارك) في قسمي السنة والعقيدة، وترأّس قسم العقيدة مدة ثلاث سنوات، ثم عيّن بعد ذلك رئيسًا لقسم السنة إلى غاية عام 1405هـ، ثم عاد لرئاسة القسم

المذكور مرة أخرى عام 1408هـ؛ وفي سنة 1409هـ عيّن برتبة (أستاذ) ، ثم أُحيل بعد ذلك على التقاعُد.

دروسه ومجالسه

دروسه ومجالسُه أدّى الشيخ رسالة العلم خير أداء عبر دروسه التي كان يلقيها بقاعات الدرس في الجامعة ومن خلال المحاضرات العامة والكلمات التوجيهية التي كان يشارك بها في أنشطة الجامعة أو في خارج الجامعة، وكذلك من خلال المجالس العلمية التي كان يعقدها بيته. وقد جعل مكتبتَه مفتوحة أمام الطلبة والأساتذة الباحثين. وكان في السنين الأخيرة (1) يجلس فيها يوميًّا من العصر حتى العشاء. وقد انتفع بمكتبته خلْق عظيمٌ من الباحثين؛ حيث كانوا يجدون بها ضالّتهم من الكتب، خصوصًا كتب الحديث والعقيدة، سواء المطبوع منها أو المخطوط. ومن المفيد هنا: أن نشير إلى الكمّ الهائل من المخطوطات المصورة التي تزخر بها مكتبه؛ حيث بلغ عددها قرابة الأفين مخطوطة، وكان الشيخُ شديد الاهتمام باقتناء الكتب الحديثية، لا يجارى في ذلك ولا يبارى، يشغل تتبعها والسؤال عنها حيّزًا كبيرًا من وقته وجهده؛ فما يكاد يسمع بكتابٍ حتى يسرع في البحث عنه ومحاولة الحصول عليه، باذلاً في ذلك الغالي والنفيس، يظل مشغول البال والضمير حتى يتم له الحصول عليه، ثم يعكف عليه قراءة (1) بل إنّ الوالد كان يفتح مكتبته منذ أن قطن المدينة النبوية واتخذها مسكنًا من عام 1385هـ إلى بداية مرض الوفاة عام 1417هـ آخر شهر رمضان؛ وبذلك يكون عدد السنين التي أعلمُها أنا (32 سنة) . والله أعلم. (عبد الأول) .

ودرسًا، ويكبّ عليه انكبابًا؛ وقد عشنا معه هذا الاهتمام مدة تردّدنا عليه. ومن خلال دروس الشيخ يظهر بكل جلاء تمكّنه من علم الحديث رواية ودراية، وكذلك تبحّره في العقيدة السلفية ومعرفته بالفرق المنحرفة والأديان. ويضاف إلى ذلك: إلمامُه الواسع بالتاريخ، والتراجم، وعلوم اللغة. ويلاحظ أثناء تدريسه قدرته على توظيف معرفته بالعلوم المذكورة أحسن توظيف مع حسن الاستطراد، والبعدُ عن التكلّف؛ ولا أدلَّ على ذلك من درسه في تفسير الفاتحة، فكلُّ من استمع إليه يشهد للشيخ بقوة الحافظة والاتساع في العلوم.

آثاره العلمية

آثاره العلمية لم يخل الشيخ حياته من التصنيف؛ فاهتم به منذ شبابه، ومؤلفاتُه كثيرة ومتنوعة، على أنّ أغلبَها في علم الحديث ومتعلقاته. وفيما يلي ذكر مصنفاته المطبوعة: 1- أبو الحسن الأشعري وعقيدته وهي رسالة صغيرة، طبعت عام 1382هـ، وأعيد طبعها مرات كثيرة. 2- إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس من الشيوخ طبع بمكتبة المعلا بالكويت عام 1406هـ. 3- إسعاف الخلاّن بما ورد في ليلة النصف من شعبان رسالة صغيرة، طبعت بالكويت عام 1406هـ. 4- بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني، وكان يؤثر هذا الكاب على سائر مؤلفاتِه، لما لاقاه من عناء في تأليفِه؛ وقد طُبع منه المجلد الأولى

في مكتبة الغرباء الأثرية بالمدينة عام 1415هـ؛ وقد بلغ عدد الشيوخ في المجلد الأول حوالي سبعمائة شيخ. 5- تحفة القاري في الرد على الغماري. وهي رسالةٌ صغيرة، ردّ فيها على المذكور، وأبطل دعاواه بالتوسل بذوات الصالحين؛ وقد طبعت بالكويت عام 1406هـ. 6- رفع الأسى عن المضطر إلى رمي الجمار بالمساء. 7- فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدثين بالألقاب. نشر في مؤسسة الرسالة، بيروت، عام 1406هـ. 8- كشف الستر عما ورد في السفر إلى القبر. وهي رسالة صغيرة أجاب فيها عن سؤال في حكم السفر لمجرد زيادة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. 9- كشف الستور في نهي النساء عن زيارة القبور. وأما مصنفات الشيخ المخطوطة فكثيرة جدًّا؛ وكان في الآونة الأخيرة حريصًا على إعادة النظر فيها من أجل تهيئتها للطبع؛ وقد أوعز إليّ بقراءتها عليه، وقد قرأتُ عليه بعضَها؛ وبعض هذه المصنفات مشروعات لم تكتمل، وأكثرها رسائل صغيرة قد تتجاوز المائة؛ وفيما يلي ذكر بعضها: ـ سبيل الرشد في تخريج أحاديث بداية ابن رشد. في أربعة أجزاء؛ ويتميّز هذا الكتاب بتخريجه بعض الآثار التي تضمنها الكتاب المذكور. ـ إعلام الحميم بأقسام العلوم. ـ تحقيق السيرة النبوية. ـ الأجوبة الوفية على أسئلة الألفية.

ـ تاريخ ملي (مالي) في القديم والحديث. ـ تحفة السائل عن صوم المرضع والحامل. ـ البت في الطواغيت الست. ـ كشف اللثام عما ورد في دخول مكة بلا إحرام. وللشيخ العديدُ من المقالات، أغلبُها منشورٌ في مجلة الجامعة الإسلامية؛ كما أنه قدم للعديد من الكتب ألفها تلامذته؛ وله جهود في الإشراف على الكثير من الرسائل الجامعية ومناقشتها. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنّاته.

الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله

الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله ترجمة الشيخ ... الشيخ حماد الأنصاري "رحمه الله" مقال بقلم: عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد "الرياض". نُشر في مجلة (الدعوة) العدد (1618) بتاريخ:20رجب عام 1418هـ الموافق 20 نوفمبر 1997م. في يوم الأربعاء 21/6/1418هـ فقدت المدينة المنورة أحد أئمتها وأعلامها الكبار، وهو الشيخ حماد الأنصاري، وفقده أهل العلم وطلابه في هذه البلاد وفي أنحاء العالم الإسلامي ممن لهم صلة بالعلم وأهله؛ فكان طيلة حياته مثالاً للعالم والمتعلم، صورة حية لفضلاء المشايخ، نظيف السريرة، صادق الود، محبوبًا لدى الجميع، مجالسُه عامرة، يتدفق إلى مجلسه العلماء قبل الطلاب، لِمَا يجدونه فيه من المباحث العلمية والمشاركة في فنون العلم، صابرًا على هذا الكم الهائل من رواد العلم، محتسبًا في نفعهم وإيصال العلم بأنواعه إليهم، باذلاً مكتبته النفيسة التي لا تكاد توجد عند غيرِه، بذلها لطلاب العلم، شكرَه على ذلك القريب والبعيد؛ نسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناته. ترجمة الشيخ: هو: أبو عبد اللطيف حماد بن محمد بن محمد الأنصاري الخزرجي، من ولد سعيد بن سعد عبادة الأنصاري الخزرجي "رضي الله عنهم"؛ وهذا بخطّ الشيخ "رحمه الله". ولد سنة 1344هـ ببلدة تسمى (تاد مكة) بأفريقيا الغربية؛ فنشأ بها وطلب العلم بفنونه على مشايخها، وقد عانى في طلبة العلم في بلاده أشد المعاناة؛ حيث إن الظروف العلمية بأدواتها المختلفة صعبة للغاية؛ إلا أن الهمة قوية والرغبة في طلب العلم شديدة؛ فحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره، ثم لازم مشايخ بلده، وقد خص الشيخ حماد منهم: عمه الشيخ محمد أحمد بن محمد الذي يلقب هناك بـ (البحر) لتبحّره في العلوم، ثم خاله محمد أحمد بن تقي، وابن عمه موسى بن الكسائي، والفرضي حمود بن محمد الشريف الحسني. ولما سمت همته ورغب في التوسع في العلم وبالأخص علم الحديث

والارتحال في طلبه عزم على الرحلة إلى الحرمين الشريفين للأخذ عمن بقيَ من المشايخ ممن يتقن هذا العلم الشريف، فرحل للحرمين عالمًا ومتعلِّمًا ولم يبلغ عمره إذْ ذاك العشرين عامًا؛ فرحل عام 1365هـ. ووصل مكّة المكرمة عام 1366هـ، فحطّ الرحل فيها، وأقبل على المشايخ إقبالاً كليًّا، فلازم مشايخ الحرمين، وبارك الله في نيته، فتعلم علم الحديث، وعلم الاعتقاد على مشايخ أهل السنة في ذلك الوقت، ومنهم العلامة الشيخ سليمان بن حمدان، والشيخ عبد الرزاق حمزة، والشيخ حامد الفقي؛ حيث كانت له جلسات في الحرم المكي للتدريس، وغيرهم من المشايخ؛ فتمكنت العقيدة الصحيحة من قلبه فاعتقدَها وسعى لتعلمها وتعليمِها من وقته. وبرع في علم الحديث، وتمكّن فيه، وأجازه فيه غيرُ واحدٍ من مشايخ الحرم وغيرهم من الوافدين؛ وممن أجازه منهم الشيخ المحدث عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي العمري، وهو من كبار المحدثين بالحجاز، وقد استجازَه كبار المشايخ كسماحة المفتي الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ "رحمه الله" وسماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن باز "رحمه الله تعالى"، والشيخ المحدث العالم الجليل إسماعيل الأنصاري "رحمه الله تعالى"؛ وقد أخبرني الشيخ إسماعيل "رحمه الله" أن الشيخ عبد الحق أجازَه هو والشيخ حماد معًا سنة 1373هـ، مع أن الشيخ حماد كان قدومه للحرمين قديمًا، وقد أخبرني الشيخ حماد أن الشيخ عبد الحق أجازه سنة 1376هـ؛ وأجازه أيضًا من المشايخ: الشيخ قاسم بن عبد الجبار الفرغاني، والشيخ عبد الحفيظ الفلسطيني، والشيخ عبد الشكور الهندي. ولعلم الشيخ وتمكّنه وسعة اطلاعِه تمّ التعاقُد معه للتدريس بالمدرسة الصولتية. وهنا لا يفوتني "والحديث عن الشيخ أثناء إقامته بمكة" أن الشيخ

حماد "رحمه الله" حدثنا أنه أثناء إقامته بمكة وبعد طلبه العلم وتحصيله واقتناء الكب النفيسة فيه كتب إليه عمه من بلده في إفريقيا الغربية "وهو شيخه وعمه ومن له حقٌّ عليه" بأنه يرغب من الشيخ حماد أن يبعث إليه بمكتبة تحوي الكتب المهمة، وذلك لإغناء أهل تلك البلاد الفقيرة التي لا توجد فيها من الكتب المهمة إلا القليل. وجودًا من الشيخ حماد "رحمه الله" وإيثاره طلبة العلم على نفسه ولتقديره ما يعانيه أهل بلده، فاستخار الله، وعزم على تلبية الطلب، وسعى في إرسال كامل مكتبته القيِّمة التي بذل في جمعها كل ما يملك؛ فتم شحن المكتبة بكاملها في إحدى البواخر حتى تم تسليمها لعم الشيخ هناك، ولله الحمد. وضرب الشيخ حماد بهذا أروعَ الأمثلة في الإخلاص في طلب العلم، وأن المقصود في طلب العلم هو عموم نفعه لعامة المسلمين؛ ولذا بارك الله في الشيخ حماد وأخلفه مكتبة تحدّث بنفائسها القاصي والداني؛ وسيأتي الحديثُ عنها إن شاء الله. فكان أثناء إقامته بالحرم المكي يدرس العلم حتى رحل للمدينة النبوية بعد أن أقام بمكة أربع سنوات، وهناك أخذ عن عدد من المشايخ وتلقّى عنهم العلم، وانتظم في الدراسة أيضًا بدار العلوم الشرعية بالمدينة. وممن أخذ العلم عنهم: الشيخ محمد بن تركي النجدي، والشيخ محمد الخيال، والشيخ محمد الحافظ، وغيرهم. ولما افتتح المعهد العلمي بالرياض، ورغب سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم في جلب المشايخ للتدريس فيه كان ممن وقع الاختيار عليه هو الشيخ حماد؛ فانتقل للرياض عام 1374هـ للتدريس بالمعهد العلمي.

وفي عام 1375هـ تحول للتدريس بمعهد إمام الدعوة، وذلك حتى عام 1384هـ، وكان أثناء إقامته بالرياض للتدريس اجتهد أيضًا في الأخذ عن المشايخ الكبار كسماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ "رحمه الله"، فدرس عليه وعلى غيره من كبار المشايخ، وأيضًا كانت له لقاءات بأهل العلم وجالس الشيخ حمود التويجري "رحمه الله"، وأجازه الشيخ حمود بالرواية عنه. وقد ساهم الشيخ حماد بإنشاء مكتبة الرياض السعودية، وشارك فيها بإهداء بعض الكتب من مكتبته الخاصة. وبعد هذه السنوات العشر التي قضاها في الرياض قفل آيبًا للمدينة، وذلك عام 1385هـ مدرِّسًا بالجامعة الإسلامية فنفع الله به؛ واستفاد منه الجمّ الغفير من طلبة العلم، واستمرّ في الجامعة حتى أصبحَ رئيسًا لقسم السنة والعقيدة. وفي عام 1410هـ أحيل للتقاعُد بعد عمرٍ مديد في العلم وخدمة أهله. وأخبرنا الشيخ أنه بعد تقاعده يذهب يوميًّا للجامعة ويجلس بمكتبتها لإفادة طلاّب العلم والاستفادة من جديدِها. والشيخُ "رحمه الله" قد كان مندوبًا للجامعة أثناء تدريسه فيها للسفر لكثير من البلاد التي حوت أروقتها المخطوطات الإسلامية لجلب المخطوطات المهمة وتصويرها للجامعة؛ وهذا لما عرفوه عن الشيخ من تمرّسه في المخطوطات ومعرفته التامة بها.

مميزات الشيخ حماد رحمه الله

مميزات الشيخ حماد "رحمه الله". لقد اجتمع في الشيخ حماد "رحمه الله تعالى" عدة أمور ميّزته عن كثيرٍ من أهل العلم؛ فقلَّ أن تجتمع هذه الأمور إلا عند القليل النادر من أهل العلم؛

هذا بخلاف ما أتقنه من فنون العلم عامة. ومن أبرز هذه الأمور: أولاً: اعتناء الشيخ حماد بعقيدة السلف الصحيحة دراسة وتدريسًا وتأليفًا: فقد أمضى عمره في تحقيق التوحيد بعد أن تلقّاه عن مشايخ هذه البلاد، فنفع الله به في ذلك واستفاد منه ذلك جلّ طلبته. ومما ألّفه الشيخ في ذلك: "كشف الستر عما ورد في السفر إلى القبر"، و "عقيدة أبي الحسن الأشعري"، وغير ذلك مما سيأتي في مؤلفاته. ثانيًا: اشتهر الشيخ حماد بعلم الحديث وقدمه ومشاركته الدرس والتدريس لهذا العلم الشريف حتى أصبحَ علَمًا فيه: ذكره بذلك الموافق والمخالف؛ فأمضى حياته في طلب العلم، فتعلمه وبرع فيه؛ وكان يبذل في طلبه كل وقته حتى حصل منه، فاستفاد وأفاد، وشارك في التأليف في علوم الحديث بأكثر مؤلفاته "كما سيأتي". وصار الشيخُ مرجعًا لعلوم الحديث، وأشرف فيه على رسائل لطلاب الدراسات العليا بالجامعات الإسلامية، وبقيت كتبه شاهدةً على توسّعه وصبره في هذا العلم. ثالثًا: تكون لدى الشيخ حماد مكتبة قيِّمة فيها من نفائس الكتب والمخطوطات الشيء الكثير، ولم يكن هذا إلا بعد بذل ماله وراحته في جمعِها واقتنائها والسفر لتحصيلِها؛ فاجتمع لديه من مهمات المخطوطات ما جعله منارًا في هذا الباب، وجعل طلاب العلم يفدون إلى مكتبته للنهل من معينِها والاستفادة من عيونها؛ فأصبح الشيخُ حماد علَمًا في المخطوطات، فلا تذكر إلا ويذكر معها؛ ومع هذا بذل هذه المكتبة لطلاّب العلم وفتح بابها طيلة الأيام؛

نسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناته. رابعًا: إن الشيخ قد حاز في هذا الزمان النصيب الوافر في باب الإجازة والرواية التي هي سنة عن سلفنا الصالح. وباب الإجازة والرواية قد اعتني به سلفُنا وأقبلوا عليه بالارتحال والسماع، وألّفوا في ذلك المؤلفات الكبيرة؛ وممن اشتهر في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية "رحمه الله"، حيث إنه أول من أجاز بالألفية في السند وهو في السجن، وكتب إجازة لبعض من طلبه في ورقات من حفظه؛ قال عنها الحافظ الذهبي: "عجز عن كتابة بعضها كبار الحفّاظ"؛ وكذلك كان السلفُ في هذا؛ فكان الشيخ حماد "رحمه الله" ممن اعتنى بذلك فاستجاز وأجاز. فاستجاز من الشيخ حماد عددٌ من العلماء الأفاضل وطلاب العلم؛ وقد تميّز إجازة بعدة أمور، من أهمها: 1- أنه جمع الرواية والدراية؛ فكان عالمًا بخلاف بعض من اهتم بالإجازة والرواية ممن لم يكن من أهل العلم. 2- أنه ممن اتصف بالعقيدة الصحيحة التي هي مناط الأمر، وهي الأصلُ في كل شيء. 3- أن الإجازة عند الشيخ حماد تمثل الإجازة رواية ودراية؛ ولذا لم يكن يجيز إلا من اتصف بالعلم، وذلك بأحد أمرين: أحدهما: أن يختبر علم المستجيز، ويطلع مبلغ عمله وتمكّنه من ذلك. والثاني: أن يزكي المستجيز بعض أهل العلم ممن يثق فيهم الشيخ. 4- أن الشيخ حماد روى عن عددٍ من كبار علماء العصر ممن له اعتناء بعلم الحديث والاعتقاد الصحيح.

وغير ذلك مما امتاز به الشيخ حماد "رحمه الله" في باب الإجازة والرواية. خامسًا: (مجلس المدينة) لعل هذا الوصف ينطبقُ على مجلس الشيخ حماد؛ إذْ كان مجلسُه يمثل علماء المدينة وطلاّب العلم بها، وهو محطّ رحال الطلاب والعلماء من أهل المدينة وغيرها، ومجلسه العامر بالعلم والفوائد، الذي قلَّ أن يوجد مثله؛ ويعزى أهل المدينة في فقده، فبوفاة الشيخ حماد فقَد أهلُ المدينة مجلسها؛ أخلفهم الله في ذلك.

مؤلفات الشيخ

مؤلفات الشيخ وبعد هذا نذكرُ مؤلفات الشيخ، وهي في الحقيقة مجهودات جليلة تذكر في حسنات الشيخ "رحمه الله"؛ حيث إن الشيخ انفرد بأسلوب غريب في التأليف، وهو غالبًا لا يؤلف إلا فيما لم يؤلّف فيه؛ وكان هذا منهجًا للشيخ، إلا فيما دعت الحاجة. وسرد مؤلفاته كالتالي: 1- بلغة القاصي والداني في تراجم مشايخ الطبراني (طبع المجلد الأول منه) . 2- كشف اللثام عما ورد في دخول مكة بلا إحرام. 3- البتّ في الطواغيت الستّ. 4- فتح الوهاب فيما للمحدثين من الألقاب. 5- تحقيق القول في الحديث: "من مضت عليه خمسة أعوام أو أربعة وهي غني ولم يحج". 6- رفع الأسى عن المضطر في رمي الجمار بالمسا.

7- إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس من الشيوخ. 8- كشف الستر عما ورد في السفر إلى القبر. 9- الإعلان بأن (لعمري) ليست من الأيمان. 10- عقيدة أبي الحسن الأشعري. 11- الأجوبة الوفية على أسئلة الألفية. 12- يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر. 13- إتحاف الخلاّن فيما ورد في ليلة النصف من شعبان. 14- تحفة القارئ في الرد على الغماري. 15- رفع الاشتباه عن الحديث: "من صلى في مسجدي أربعين صلاة". 16- سبيل الرشد في تخريج أحاديث ابن رشد (ولم يكمله الشيخ) . 17- ثبته المسمى "إتحاف القاري بثبت الأنصاري" (ولم يطبع) . 18- إجازة عامة، وفيها الإجازة بحديث الأولية (وتقع في أربع عشرة صفحة) ، وقد قرأتها عليه كاملة.

تلاميذه

تلاميذه: هذا وقد أخذ العلمَ عن الشيخِ تلامذة كثر بمكة والمدينة والرياض، يعجز المقام عن حصرهم وذكرهم؛ ومن أبرزهم: 1- فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد ـ رئيس الجامعة الإسلامية سابقًا. 2- الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد ـ عضو هيئة كبار العلماء. 3- الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبّار الفِرْيَوائِي ـ أستاذ الحديث بجامعة

الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 4- الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي ـ أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية. وغيرهم كثير.

وفاته

وفاته: وتوفي الشيخ "رحمه الله" في صباح الأربعاء 21/6/1418هـ بعد أن ألمّ به المرض في أواخر شهر رمضان من عام 1417هـ حتى توفاه الله. رحمه الله رحمةً واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وبارك في أهلِه وأولادِه، وأخلفَهم والمسلمين خيرًا. كتبه: عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد ـ الرياض.

ترجمة الشيخ رحمة الله عليه بقلم: عبد العزيز آل حسين

ترجمة الشيخ "رحمة الله عليه" بقلم: عبد العزيز آل حسين. بسم الله الرحمن الرحيم فقدت المدينة صباح يوم الأربعاء الموافق:21/6/1418هـ محدثها وأحد علمائها الأجلاء العلامة المحقق الرحالة الشيخ حماد الأنصاري؛ فبفقده فقد العالم أحد أبرز رجالات العلم والمعرفة، ممن بذل في العلم وتحصيله تعلما وتعليما النفس بالنفس حتى اقتنى من نفائس كتب العلم مالا يحصى كثرة؛ فصار المرجع في ذلك والمعول عليه في بابه حتى لا يكاد يشرع محقق لكتاب من كتب التراث إلا ويحقق من الشيخ عن نسخ الكتاب وأماكن وجودها وما عنده منها في مكتبته العامرة بالنفائس، ولذا كان مجلسه عامرا بأهل العلم من أصحاب الفضيلة المشائخ وطلبة العلم والوافدين من خارج البلاد من كبار العلماء والوجهاء؛ فلا يكاد يخلوا مجلسه منهم فيجد طلاب العلم في هذا المجلس بغيتهم ويتذكروا به مجالس العلماء الذين سمعوا أو قرأوا عنهم. والشيخ هو أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري الخزرجي، من ذرية سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي (كتبه بخط يداه رحمه الله) . ولد شيخنا "رحمه الله" عام 1344هـ في مدينة تسمى (تاد مكة) بصحراء إفريقيا الغربية، وتوفي والده فنشأ يتيما في كنف خاله ببيت علم؛ فقد اشتهرت أسرته في موطنها بالعلم والفتيا والقضاء والسيادة. وباشر دراسته بها؛ فدرس على أجلة علماء بلده في جميع العلوم، وذلك بعد أن شرع في حفظ القرآن الكريم حفظا وتجويدا وهو في العاشرة من عمره، ولم يبلغ التاسعة عشرة، حتى حفظ كثيرًا من المتون العلمية في مختلف الفنون، ودرس على مشايخ البلد في الفقه، والحديث، والتفسير، والتوحيد، والعربية، والبلاغة، وأصول الشافعي في الفقه.

وممن أخد عنهم في هذا الفترة من مشايخه: 1- خاله المقرئ: محمد أحمد بن تقي، وعليه حفظ القرآن، وأخذ علم التجويد والنحو والصرف، وقرأ رسالة "ابن أبي زيد القيرواني". 2- عمه الشيخ: محمد أحمد بن محمد (الملقب بالبحر، لتبحره في العلوم) ، وعنه أخذ التفسير، وسمع "الموطأ" والصحيحين، و "سنن أبي داود"، وعلم النحو والفقه. 3- ابن عمه: موسى بن الكسائي، عنه أخذ علم البلاغة. 4- الفرضي حمود بن محمود الشريف الحسني، وأخذ عنه علم الفرائض وغيره من العلوم. وخلق كثير من أمثالهم، سمع من هؤلاء العلماء بالأسانيد المتصلة إلى المؤلفين في معظم ما درس عليهم من العلوم وأجازه فيما سواه. واتصل الشيخ بعدد من أهل العلم بعد قدومه إلى بلاد الحرمين أخذ عنهم العلم وأجازه البعض الآخر، منهم: * شيوخه في مكة: الشيخ عبد الرزاق حمزة (قرأ عليه "تفسير ابن كثير") ، والشيخ العلامة حسن المشاط (وقرأ عليه "سنن الترمذي") ، والشيخ محمد العربي التباني، والشيخ محمد أمين الحلبي (أخذ عنه النحو) ، والشيخ حامد الفقي. * شيوخه في المدينة: الشيخ محمد بن تركي (قاضي المحكمة المستعجلة، قرأ عليه "الموطأ" للإمام مالك، و "المغني" لابن قدامة) ، والشيخ محمد الخيال النجدي (رئيس المحكمة) ، والشيخ عمر بري (وقرأ عليه "صحيح مسلم"، و "الهداية" للمرغيني في الفقه الحنفي، و "ألفية" ابن مالك، و "ديوان" المتنبي) ، والشيخ محمد الحافظ (قرأ عليه "سنن النسائي"، وبعض "ألفية ابن مالك") ،

والشيخ عمار المغربي، والشيخ حبيب الرحمن الهندي، والشيخ عبده خديع، الشيخ عبد الرحمن الإفريقي، وغيرهم. وأما المشايخ الذين استجازهم الشيخ، فمنهم: الشيخ عبد الشكور الهندي، والشيخ سليمان بن حمدان، والشيخ محدث الحجاز عبد الحق الهاشمي العمري، ومحمد عيسى الفاداني، وعبد الحفيظ الفلسطيني، والشيخ حمود التويجري، وقاسم بن عبد الجبار الفرغاني، والشيخ عبيد الله الرحماني المباركفوري، وخلق كثير سواهم. وقد جمع الشيخ أسماء شيوخه مرتبة على الحروف الأبجدية في ثبت خاص. أما المشايخ الذين كان لهم أكبر الأثر في حياة الشيخ: الشيخ محمد عبد الله ابن محمود المدني إمام المسجد النبوي سابقاً، وسماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية "رحمهما الله". وكان رحيل الشيخ من بلاده "بعد أن دب فيها الفساد" إلى الحرم المكي سنة 1365هـ، رغبة منه في الاستزاد من العلم الشرعي على مشايخ أهل السنة في الحديث وعلومه "ولم يبلغ العشرين من عمره بعد" فوصلها 1366هـ، فأقام بمكة نحو أربع سنوات، وانضم خلالها إلى الحلقات العلمية في الحرم. وفي سنة 1369هـ انتقل الشيخ من مكة إلى المدينة النبوية، واستقر بها، والتحق خلال هذه الفترة بدار العلوم الشرعية حتى نهاية عام 1370هـ، ودرس على عدد من مشاهير علمائها الذين كانت لهم حلقات بالمسجد النبوي "وممن سبق ذكرهم".

وبعد أن أنهى الشيخ دراسته بدار العلوم كتب إليه الشيخ العلامة إسماعيل الأنصاري "رحمه الله" طالبا منه القدوم إلى مكة للتدريس معه في المدرسة الصولتية، فأجابه الشيخ حماد إلى ذلك، ودرس في القسم العالي منها عام1371هـ، ثم طلب منه أهالي مكة وأعيانها أن يدرس في الحرم المكي لما ظهر لهم من علم الشيخ وفضله وسعة اطلاعه، فدرس فيه علم التوحيد والحديث، بعد أن أجازه بذلك سماحة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ "رئيس القضاة في ذلك الوقت رحمه الله". وبطلب من سماحة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ "رحمه الله" انتقل الشيخ حماد إلى الرياض ليدرس في المعهد العلمي وذلك سنة 1374هـ، وبعد أن درس فيه سنة افتتح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ "رحمه الله" معهد إمام الدعوة فكان الشيخ حماد من المشايخ الذين وقع الاختيار عليهم للتدريس في هذا المعهد؛ فدرس في القسم العالي منه عام 1375هـ، واستمر حتى نهاية عام 13هـ حيث نقل إلى كلية الشريعة بالرياض والتي بقي فيها من سنة13هـ حتى عام 1384هـ. وقد تميزت هذه الفترة من حياة الشيخ بالنشاط العلمي الواسع؛ فكان له عدة جهود علمية بارزة من بينها: كتابة البحوث في علم الحديث وعلومه، والتوحيد، ونشرها في المجلات العلمية والجرائد. ومشاركته بإنشاء مكتبته الرياض السعودية "وهي من أقدم المكاتب التي مازال أهل العلم وطلابه يستفيدون منها إلى وقتنا هذا"، كما جالس كبار أهل العلم آنذاك، واستفاد منهم وانتفع به وأخذ عنه العلم تلامذة كثر ممن التقى به ودرس عليه. وفي نهاية العام 1383هـ قرر الشيخ حماد العودة إلى الحجاز "مقره

الأول بعد قدومه من بلده"؛ فمكث سنة في مكة من بداية سنة 1384هـ درس في المعهد العلمي بها، وبعده استقر به المقام بالمدينة النبوية في مستهل سنة 1385هـ مدرسا بكلية الشريعة في الجامعة الإسلامية، واستمر في الجامعة حتى أصبح رئيسا لقسم السنة والعقيدة، أشرف خلالها على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه بالجامعة، وفي عام 1407هـ تقاعد الشيخ عن الأعمال الوظيفية بعد أن أمضى فيها ما يقارب من أربعين سنة، اجتهد "رحمه الله" من خلالها على التحصيل والطلب وجدَّ في خدمة العلم وأهله، حتى منحه الله أمورا قل أن تجتمع لغيره في هذا الزمن؛ فكان ملازما لنشر علوم الحديث، وحبب إليه هذا الشأن "ابتداء من عام (1367هـ) " فاعتنى به وتميّز فيه عن غيره، فسار من أجله وارتحل إلى الأقاليم النائية في طلبه، والبحث عن تراث المسلمين فيه عدة رحلات من بينها رحلته إلى الهند أكثر من مرة، وإلى أسبانيا، والجزائر، والمغرب، وتونس، وليبيا، وسوريا فأتى بالعجيب "من ولعه وعنايته البالغة بكتب التراث الإسلامي" عنها؛ فقل أن يوجد مخطوط مهم في الحديث وعلومه أو التوحيد إلا وعند الشيخ نسخة منه؛ إذ كان مبعوثا من قبل الجامعة الإسلامية للبحث والتنقيب عن المخطوطات، وتصوير المهم منها، وقد كان "رحمه الله" كل ما جلب مخطوطا أخذ نسخة منه لمكتبته الخاصة حتى تكونت عنده "على ضيق ذات يده" مكتبته زاخرة ثرية بالنفائس من أمهات الكتب ونوادر المخطوطات، والتي استفاد منها كثير من أهل العلم، والمراكز العلمية في البلاد الإسلامية. وقد بذل الشيخ حماد جهده ومكتبته لأهل العلم وطلابه؛ فأصبح مجلسه

مهوى أفئدتهم ومقصدهم داخل البلاد وخارجها. وتميز الشيخ حماد "رحمه الله" بكثرة مشايخه الذين استجازهم وأخذ العلم عنهم رواية ودراية متبعا في ذلك ما كان عليه السلف الصالح؛ حيث أجازه أكثر من خمسين شيخا؛ وكان في الغالب لا يأخذ إلا من عرف مع علمه بسلامة المعتقد مما أذعن له الكثير من طلبة العلم في هذه البلاد وخارجها؛ فقصده لأخذ علم الحديث والرواية عنه "مع تشدّد منه في الإجازة وامتحان لمن طلبها" لمعرفتهم بتحقيقه وضبطه وسعة روايته فيه، وكثرة من لقي من مشايخه، حتى حصل له من ذلك علم كثير. ولقد عرف الشيخ بالعقيدة السلفية الصحيحة، والغيرة على اعتقاد السلف الصالح، والنبذ للبدع والبغض لأهلها منذ قدومه الحجاز ودراسته على مشايخ الحرمين؛ فأخذت العقيدة منه نصيباً كبيرا في الإعتناء بها دراسة وتدريساً، وبحثاً، وله في ذلك بعض المؤلفات. مؤلفات الشيخ: الشيخ حماد "رحمه الله" من كبار المصنفين في علم الحديث مع مشاركته له في الفنون الأخرى على اختلافها، وبيان مؤلفاته كما يلي: 1- سيبل الرشد في تخريج أحاديث ابن رشد (في أربع أجزاء، ولم يكمل، خ) . 2- عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري (ط) . 3- بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني (طبع المجلد الأول منه) . 4- الأجوبة الوفية عن أسئلة الألفية.

5- إتحاف ذوي الرسوخ بمن دلس من الشيوخ (ط) . وفاته: وبعد أن لازمه المرض فترة طويلة (تزيد عن ثمانية أشهر) ، توفاه الله عز وجل في صباح يوم الأربعاء 21/6/1418هـ وقد استكمل أربع وسبعون سنة. رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون. وكتبه: عبد العزيز إبراهيم بن عبد الله آل حسين في 9/7/1418هـ الرياض.

ترجمة الشيخ رحمة الله عليه للوليد بن محمد العلي

ترجمة الشيخ "رحمة الله عليه" للوليد بن محمد العلي. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي رفع للعلماء قدرهم، وأعلى لهم ذكرهم، وجعلهم ورثة أنبيائه ورسله، وقرن شهادته بالوحدانية بشهادتهم، فقال عز وجل من قائل: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} . والحمد لله القائل: "وقوله الحق": {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب} . قال ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما: "إنه ذهاب فقهائها وخيار أهلها". والصلاة والسلام التامان الأكملان على رسول الهدى ومعلم البشرية الخير، الذي لم يُخَلِّف بعده دينارا ولا درهما، وإنما خَلَّف العلم، فمن أخذ بخط وافر. وبعد: ففي صبيحة يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شهر جماد الآخرة سنة ثمان عشر وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية فجع أهل طيبة الطيبة وأقطار العالم الإسلامي وأمصاره تترا بنبأ وفاة محدث الديار الحجازية فضيلة الشيخ العلامة حماد بن محمد الأنصاري، منار العلم والهدى، ونبراس الصلاح والتقى. وقد سطرت هذه الكلمات اليسيرة، والتي حوتها هذه الأسطر القليلة، وفاء لحق شيخنا، وبرا به سائلا المولى العلي القدير أن يكتب له بعدد أسطرها وكلماتها وحروفها وأضعافا مضاعفة عفوا ورحمة وغفرانا، وقد سميتها: "إتحاف السامع والقاري بترجمة محدث الحجاز الأنصاري".

فأقول: هو أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري، ينحدر أصله الكريم من سلالة الصحابي الجليل سعد بن عبادة الخزرجي "رضي الله عنه". نسب أضاء عموده في رفعة ... كالصبح فيه ترفع وضياء ولد الشيخ "رحمه الله تعالى" عام 1344هـ بـ (تادمكة) ، إحدى مدن بلاد مالي بإفريقيا الغربية. وقد تلقّى الشيخُ "رحمه الله" تعالى العلوم الشرعية والعربية وغيرها منذ نعومة أظفاره على علماء بلاده، وأكثر من الرحلة والتنقل في طلب العلم في مشارق الأرض ومغاربها، وتتلمذ على مشايخ عدة لا يحصون كثرَة؛ فممن أخذ عنهم بمكة المكرمة: الشيخ عبد الرزاق حمزة، والشيخ حسن المشاط. وممن أخذ منهم بالمدينة النبوية: الشيخ محمد بن تركي، والشيخ عبيد الرحمن المباركفوري الهندي. وقد اعتنى الشيخ "رحمه الله تعالى" بدراسة المصنفات الحديثية، والكتب الفقهية، وعلوم العربية؛ فقرأ "صحيح مسلم"، و "الهداية" للمرغيني "في الفقه الحنفي"، و "ألفيّة ابن مالك"، و "ديوان المتنبي" على الشيخ عمر بري. كما قرأ "موطأ مالك"، و "المغني لابن قدامة" على الشيخ محمد بن تركي. وقرأ "سنن النسائي" على الشيخ محمد الحافظ. كما حظي الشيخ "رحمه الله تعالى" بكثير من الإجازات الحديثية؛ فممن أجازه المحدث الشيخ عبد الشكور الهندي، والمحدث الشيخ عبد الحق العمري، وكذا الشيخ محمد بن عيسى الفاداني، والشيخ عبد الحفيظ الفلسطيني، والشيخ قاسم عبد الجبار الأنديجاني الفرغاني. وقد تبوأ الشيخ "رحمه الله تعالي" عددا من المناصب العلمية؛ حيث

عمل في مدرسة الصولتية بمكة المكرمة، وفي عام 1374هـ انتقل إلى الرياض، حيث عمل فيها مدرسا في المعهد العلمي، وفي عام 1375هـ انتقل إلى معهد إمام الدعوة، وفي عام 1385هـ انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، واستمر بالتدريس فيها إلى عام 1407هـ، وقد أشرف خلالها على عدد كبير من الرسائل العلمية المقدمة لنيل درجتي الماجستير والدكتوراة في كل من قسمي العقيدة وعلوم الحديث. وقد خلّف الشيخُ "رحمه الله تعالى" وراءه تصانيف كثيرة، وتعاليق مفيدة في الفروع والأصول، كمل منها جملة وطبعت، وجملة كثيرة كملها ولكنها لم تطبع بعد "يسّر الله إخراجها لعلوم الانتفاع بها" ومن بعض مؤلفاته المطبوعة: 1- بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني. 2- رفع الأسى عن المضطر إلى رمي الجمار بالمسا. 3- رفع الاشتباه عن حديث من صلى في مسجدي أربعين صلاة. 4- تحقيق القول في حديث (من مضت عليه خمسة أعوام أو أربعة أعوام وهو عني ولم يحج ولم يعتمر) . 5- كشف الستر عما ورد في السفر إلى القبر. 6- الإعلان بأن لعمري ليست من الإيمان. 7- عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري. 8- الأجوبة الوفية على أسئلة الألفية. 9- فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدثين بالألقاب.

10- إتحاف ذوي الرسوخ بمن عرف بالتدليس من الشيوخ. 11- يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر. 12- تحقيق ديوان الضعفاء للذهبي. 13- تحقيق ذيل الديوان للذهبي. وقد قام الشيخ "رحمه الله تعالى" بتدريس جملة من المصنفات العلمية "لاسيما ما كان منها في علمي العقيدة والحديث" ومن ذلك: 1- صحيح الإمام البخاري. 2- صحيح الإمام مسلم. 3- جامع الترمذي. وكانت للشيخ "رحمه الله تعالى" عناية بالغة به إبَّان تدريسه له في المسجد النبوي الشريف. 4- كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب للإمام ابن خزيمة. 5- شرح العقيدة الطحاوية. 6- شرح يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر. وقد تتلمذ على الشيخ كوكبة من كبار الطلبة العلم في العالم الإسلامي وخيارهم "لا تستوعب هذه الترجمة حصرهم" ومن أبرز هم في المملكة العربية السعودية: 1- فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد: عضو هيئة كبار العلماء. 2- فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي: رئيس قسم السنة بكلية الحديث بالجامعة الإسلامية سابقا.

3- معالي مدير جامعة الإسلامية فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله العبود. 4- معالي نائب وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ. 5- فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور علي بن محمد بن ناصر فقيهي: عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية سابقاً، والمستشار بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. 6- فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد السحيمي: رئيس قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية. 7- فضيلة الشيخ الدكتور مرزوق بن هياس الزهراني: مدير مركز خدمة السنة والسيرة النبوية. 8- فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ: عميد كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية سابقاً. 9- فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف: عضو هيئة التدريس بقسم علوم الحديث بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية. 10- فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن محمد الفهد: المزيد عضو هيئة التدريس بقسم الفقه بكلية الشريعة الإسلامية. 11- فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن خليفة بن علي التميمي: عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية. 12- فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر: عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية.

13- فضيلة الشيخ الدكتور مساعد بن سليمان الراشد الحميد. ومن أبرزهم خارج المملكة العربية السعودية: أولاً: شبه الجزيرة العربية: 14- فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حامد الرفاعي اليمني. 15- فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن علي عائض الشيخ اليمني. 16- فضيلة الشيخ الدكتور فلاح بن إسماعيل مندكار الكويتي. 17- فضيلة الشيخ الدكتور فلاح بن ثان السعيدي الكويتي. 18- فضيلة الشيخ الدكتور مبارك بن سيف الهاجري الكويتي. 19- فضيلة الشيخ بدر بن عبد الله البدر الكويتي. 20- فضيلة الشيخ محمد بن ناصر العجمي الكويتي. ثانياً: المغرب: 21- فضيلة الشيخ الدكتور زين العابدين بلا فريج المغربي. 22- فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي المغربي. ثالثاً: القارة الهندية: 23- فضيلة الشيخ الدكتور شمس الدين بن محمد أشرف السلفي الأفغاني. 24- فضيلة الشيخ الدكتور عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي. ولشيخنا "رحمه الله تعالى" من الذرية إحدى عشر ولدا، ثمان من الذكور وهم: عبد اللطيف، وعبد الحليم، وأحمد، وعبد الباري، وعبد الغني،

وعبد الأول، وعبد الإله، وعاصم، ومن الإناث ثلاثة. وجميعهم إخوة خلص من ذرية زوجته الصالحة أم عبد اللطيف، وكان شيخنا "رحمه الله تعالى" كثيرا ما يثني عليها خيراً. وكان شيخنا "رحمه الله تعالى" يسكن حارة المصانع، ثم انتقل إلى السكنى في الحارة الشرقية في المدينة النبوية، ثم انتقل به المقام إلى منطقة الفيصلية في الجهة الغربية من المدينة، بجانب الجامعة الإسلامية. وقد كان شيخنا "رحمه الله تعالى" ممتلكا لمكتبة علمية زاخرة بشتى العلوم الشرعية الفاخرة، وكان يستقبل أبناءه الطلاب في كل يوم الصباح الباكر حتى صلاة الظهر، ومن بعد صلاة العصر حتى صلاة العشاء. وكان شيخنا "رحمه الله تعالى" خلال هذه الفترة الطويلة متوسطا لمجلس مكتبته العامرة، منهمكا في القراءة والمطالعة، لا يكاد يرفع رأسه من كتابه، يجيب سؤال العيِّ، ويفتي المستفتي، يقصده العلماء والوجهاء وطلبة العلم من شتى أنحاء المعمورة. سأبكيك للديني والدنيا إنني ... رأيت يد المعروف بعدك شُلَّت ربيع إذا ضن الغمام بمائه ... وليث إذا ما المشرفية سُلَّت وكان شيخنا "رحمه الله تعالى" أسمر البشرة، طويل القامة، نحيف الجسم، مخضوباًِ، وكان رجلا مهيبا. وقد أفضى شيخنا إلى رحمة مولاه في الساعة السابعة من صبيحة يوم الأربعاء21/6/1418هـ الموافق 22/10/1997م، وله من العمر أربعة وسبعون سنة. وقد صلى عليه بعد صلاة العصر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم للصلاة إمام

الحرم النبوي الشريف فضيلة الشيخ عبد الباري بن عواض الثبيتي. وقد خرج الناس زرافات من أبواب المسجد، وتتابعوا على حمل نعشه، وشيّعَه جمٌّ غفير من تلا ميذه ومحبيه، وماكادت أن تدخل جنازته بقيع الغرقد إلا بشق الأنفس، ودفن الشيخ في الشمال الغربي من المقبرة بجانب بوابتها، وقد حجبت الشمس أثناء دفنه بالسحاب دونها. فكيف احتمالي للسحاب صنيعة ... بإسقائه قبرا في لحده بحر وظهر بذلك قول إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الشيبانبي: "قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز". من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس وقد استوحشنا سكنى الفيصلية بعد موت شيخنا "رحمه الله تعالى"، فإلى الله نشكو غربتنا، ونسأله الأجر والثواب على عظيم مصيبتنا. عزَّ التصبر والزمان رماني ... بسهامه وترادفت أحزاني أصبحت مكتئبا لفقد أحبة ... جلبت جبلتهم على الإحسان لا صبر لي عنهم وكيف تصبري ... عن ساد ة رحلوا من الأوطان إن أوحشوا نظري فقلبي موطن ... وعمارة الأوطان بالسكان اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نُزله، ووسِّع مُدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خير من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وجازه بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفوا وغفرانا، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له

في قبره، ونورا له فيه. بيض الله وجهه ووقاه ... فزعا يوم القمطرير وهوله وأثاب الفردوس من قال آمين ... وأعطاه يوم يلقاه سؤله وبعد الفراغ من كتابة هذه الكلمات عرضتها على فضيلة الشيخ عبد الباري بن شيخنا حماد الأنصاري وخاصته من تلامذته وأبنائه عضو هيئة التدريس بقسم علوم الحديث بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية فأقرَّ ما فيها وأضاف إليها بعض الفوائد البهية؛ فله مني وافر الدعاء، وعظيم الثناء. والحمد لله رب العالمين. وكتبها تلميذه المجاور له: الوليد بن محمد بن عبد الله العلي. على ثرى طيبة الطيبة على ساكنها أتم صلاة وأزكى تحية. يوم الأربعاء 22/6/1418هـ الموافق 12/10/1997م.

ترجمة الشيخ للشيخ: محمد المجذوب رحمهما الله

ترجمة الشيخ للشيخ: محمد المجذوب رحمهما الله دراسته ... ترجمة الشيخ للشيخ: محمد المجذوب "رحمهما الله". بسم الله الرحمن الرحيم الشيخ حماد بن محمد الأنصاري، أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأثري. ولد عام 1343هـ، في مدينة (تاد مكة) التي كانت تعرف بـ (السوق) من (مالي) بإفريقيا الغربية. ولأسرته شهرة في (تنبكتو) عاصمة المنطقة الشرقية من مالي، وينتهي نسبها إلى بني نصير الأنصاريين آخر من حكم غرناطة، آخر معاقل الإسلام في الأندلس. وقد عرفت هذه الأسرة في وطنها المالي بالعلم والفتيا والقضاء قبل الاحتلال الفرنسي وبعده. دراسته: باشر الشيخ دراسته في (تاد مكة) بين الجزائر ومالي في وسط إسلامي صرف، يتوارث أساليب السلف في بث العلم؛ فحفظ القرآن عن ظهر قلب وهو في الخامسة عشرة، ولما بلغ التاسعة عشر كان قد غيب الكثير من متون الفنون التي سيتفرغ لها، وعلى عدد من مشايخ تلك البيئة جعل يواصل دراسته، فأخذ عنهم العلوم الأساسية من العربية، والتوحيد، والفقه، والحديث، والتفسير، والبلاغة، وأصول الشافعي في الفقه، وعن بعض هؤلاء المشيخة تلقى المنطق، الذي لا ينفك موضع العناية لدى الشيوخ في الكثير من بلاد المسلمين، ودرس هناك بعض مبادئ الفلك، التي تعتبر لديهم من متممات الثقافة. ويطل بنا فضيلته على ظروف هذه المرحلة، فإذا هي على غاية من القسوة بالقياس إلى ما يتمتع به طلابنا اليوم من الميسرات؛ إذ كان يسهر الليالي يقرأ ويكتب على ضوء القمر أو وهج النار التي توقد لهذا الغرض عند انتشار الظلام،

وكان على طالب العلم مثله أن يدوِّن ما يقرأ ويحفظ، بأقلام ينحتها بيده من العيدان، وبمداد يصنعه من هباب القدور ممزوجا بصمغ الشجر.. فلا عجب أن يكون للعلم قداسته في تلك البيئة بإزاء الجهود الفادحة التي تبذل لتحصيله. ويخص بالذكر من أساتذته في هذه المرحلة: عمه الشيخ محمد أحمد بن محمد الذي يلقب هناك بـ (البحر) لتبحره في العلوم، ثم خاله محمد أحمد بن تقي، وابن عمه موسى بن الكسائي، والفرضي حمود بن محمود الشريف الحسني. ويقول الشيخ: "سمعت من هؤلاء بالأسانيد المتصلة إلى المؤلفين في معظم ما درست عليهم من العلوم"، وقد أجازوه في ما سواها وفق الطريقة المألوفة في الثقافة الإسلامية من قبل. وبعد قدومه المملكة العربية السعودية اتصل الشيخ بثلة من أهل العلم، أخذ منهم، وحصل على إجازة بعضهم؛ ويذكر من هؤلاء الشيخ عبد الحق العمري، والشيخ عبد الشكور (الهنديين) ، والشيخ عبد الحفيظ الفلسطيني، والسيد قاسم ابن عبد الجبار الفرغاني، والشيخ أبا بكر التنبكتي، والشيخ ابن تركي، والشيخ محمد الخيال (النجدي) ، والشيخ عمار المغربي، والأستاذ محمد الشعراوي البنجري المرتفوري، ومحمد عيسى الفاداني الجاوي المكي، والشيخ اِلأثري عبيد الله المباركفوري، تلميذ المباركفوري صاحب "تحفة الأحوذي شرح الترمذي"؛ ويقول الشيخ إنه جمع أسماء شيوخه من القارتين "آسيا وإفريقيا" مرتب على الحروف الأبجدية في ثبت خاص ... هذا وقد التحق الشيخ بدار العلوم الشرعية بالمدينة المنورة عام 1396هـ، في قسم التخصص بالحديث.

أثر البادية

أثر البادية: وفي استطلاعنا الشيخ عن أثر البيئة في نشأته لم يزد على الإشارة إلى طوابعها العلمية، وطبيعي أن المتأمل في هذا العرض السريع لصور تلك البيئة لا يفوته إدراك العوامل التي تعاونت على تكوين شخصيته، وحددت لهذه الشخصية معالم السلوك وطرائق التفكير، واِلإتجاه الملتزم الذي صار إليه؛ ولعل في مقدمة هذه العوامل واحداً لم يشر إليه في ما كتب إلينا وهو طبيعة البادية التي أحاطت نشأته؛ فقد علمنا من أحاديث فضيلته الخاصة عن تلك البيئة ما لا يصح إغفاله عند ترجمته. إن البادية هي أول ما فتح عينيه عليه من بقاع مالي، وبالتالي من مشاهد الدنيا، والبادية بما تنطوي عليه من قوة واتساع واستثارة للجهد الشخصي، وبُعد عن فتن الحواضر ومفاسدها وقدرة فائقة على الاحتفاظ بخصائص الفطرة أقرب ما تكون إلى السلامة، ذات آثار لا سبيل لناشئ فيها إلى التخلص منها. ولقد أتيح لنا أن نرافق الشيخ الصديق في بعض الرحلات الجامعية فأطرفنا بالكثير الشيق عن تلك الحياة الحافلة بروح الفروسية، في صحبة الطبيعة الصافية والأنعام الناغية، إلى جانب المناهل الروحية التي طالما أمدته بما يعوزه من غذاء العلم والمعرفة. والذين يعرفون الشيخ عن كثب مثلنا يشعرون بهذه المؤثرات في مظهره وحديثه وتصرفاته، وحتى في نبراته البريئة من كل تكلف؛ وأن ملامح البادية أول ما يطالع الناظر إلى الشيخ حماد الأنصاري: هيكل نحيف أقرب إلى الطول، ووجهه أسمر منمنم لا تكاد اِلابتسامة تفارقه، يخيل إليك أن سمرته أثر من لفح الشمس، ينظر إلى محدثه بعينين سوداوين، ينم صفاؤهما عن ود وذكاء وبساطة

معاً، ومع أنه تجاوز نطاق الشباب، وأطلت من خلال لحيته أشعة الشيخوخة، فما يزايله النشاط الذي يتميز سكان الريف وراكبي الإبل. وكم قلت لإخوان لي وأنا ألاحظ هذا الهيكل الضامر النشيط: إنه ليذكرني بجنود الدعوة أيام زحفوا من هذه الجزيرة يفتحون أرض الله لدين الله. وما أن يتحدث إليك حتى تأخذ هذه الصورة في استكمال عناصرها النفسية، من خلال تلك الصراحة الفطرية، التي لا تكاد تقع على مثلها إلا في النادر. من هذه الصراحة في دروسه مثلا "وبخاصة في حصص التوحيد": شدته على القائلين بالمجاز، وقسوته على المخالفين لمذهب السلف في تقرير صفات الله تبارك وتعالى. فالقول بالمجاز في القرآن طاغوت بنظر الشيخ، والإنصراف عن صريح البيان إلى ملتويات التأويل في صفات الخالق سبحانه طاغوت؛ لأنه في كلتا الطريقتين عدوان على حقائق الوحي. وهو حين يسوق هذه الأحكام لا يلجأ إلى اللف والدوران، ولا يقدم علاجه المر مغلفا في (برشامة) على طريقة المنفلوطي، بل ويصبه في نبراته الصارمة، فتنزل على أسماع المخالفين "وما أكثرهم" كلذعات السياط، تنسيهم ما وراءها من الأدلة الدامغة، فيذهبون يشيعون عنه ما لم يقله، لأنهم لا يستطيعون الفصل بين حجته وشدته. لقد بلغني ذات يوم أن طالبا قد أشاع عن الشيخ القول بأن لله يدين كيديه، وأنه جعل يمد يديه أثناء ذلك ويهزهما توكيداً لهذا التجسيم، والعياذ بالله؛ ولقيت ذلك الطالب فبينت له خطأه فيما ينقل عنه؛ لأن مذهب الشيخ

إنكار كل تجسيم وتعطيل، وإنما كان يمد يده إشارة إلى أن لله يدين حقيقتين لا كيدينا، إبطالا لما يراه المعطلون والمشبهون؛ وبقليلٍ من التروي نذكر الطالب الواقع ورجع عما رمى به شيخه؛ وطبيعي أنه يذيع عنه تلك الفرية بسوء نية وإنما أخذ بوقع نبراته فاختلط عليه الأمر. وعندما نذكر أثر الحياة البدوية في طباع الشيخ لا ننسى أن نضيف إليه موحيات العزلة التي عاشها مع قومه في تلك البيئة، إذ كان للاستعمار الفرنسي أثره الآخر في إيثارهم إياها، حفاظا على دينهم وعربيتهم، فما يكادون يتصلون به إلا على حذر أو كفاح، وبذلك حموا أنفسهم وذراريهم من أرجاسه فلم تتسرب إلى أخلاقهم لوثة من مباذله، ولم يتسلل إلى ألسنتهم حرف من لغته. ومن هنا كان احتفاظ الشيخ بخصائص تلك البيئة في كل تصرفاته حتى اليوم، فلم تغيره الأحداث قط، على الرغم من كل التغيرات التي أحاطت به منذ هجرته إلى المملكة العربية السعودية عام 1366هـ، وما أحسب في مستطاع أي تطور سلخه من تلك الخصائص مهما تبلغ من التأثير في سواه؛ فهو من هذه الناحية كالكثير من غيره ممن استولت مؤثرات البادية على كيانهم فلم تغيرهم الحضارة، ولم يرضوا أن يتغيروا قط، وقد سبق لأحمد بن الحسين "المتنبي" أن عاش الحياتين البدوية والحضرية ثلاثا وخمسين سنة، فالتهم الكثير من علوم الحضر ولابس الكثير من خصائص الحضارة، ولكن ذلك عجز عن أن يتغير من خلقه وأسلوبه البدوي قيد شعرة.

شيوخه المؤثرون

شيوخه المؤثرون: وفي جواب الشيخ عن سؤالنا الخامس بشأن الرجال الذين تركوا أثرهم في حياته، ذكر الشيخ محمد عبد الله بن محمود المدني، إمام المسجد النبوي السابق،

وكذلك الشيخ الكبير محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية الراحل، رحم الله الجميع. ولعل الشيخ قد خص بالذكر هذين الفاضلين لمودة خاصة، أو لأثر قريب، والذي نراه أنه لابد أن يكون لكل من مشايخه الذين عنى بذكرهم أثره في توجيهه وتكوينه؛ ذلك لأن الدراسة على المشايخ في نظام التعليم الإسلامي الذي توشك الطرائق المستحدثة أن تجهز عليه، إنما هي في الواقع "كما أسلفنا" أسلوب من التربية العقلية والنفسية، فهو من جانب تدريس للعلوم المطلوبة في تركيز وتعميق، ومن جانب آخر تطبّع خلقي بمسلك الشيخ الذي أخذ نفسه بوقار العلم، الحامل لطابع القداسة، من حيث صلته بكتاب الله وسنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم". وقد لاحظ القارئ تعدد الجنسيات التي نسب إليها أولئك الشيوخ؛ إذ نتصورهم يمثلون معظم العالم الإسلامي، ومعلوم أن هؤلاء (الدوليين) الذين لقيهم الشيخ في ظلال الحرمين ليس ضروريا أن يكونوا مستمري اِلاتصال بمواطنهم الأصلية، بل لعلهم من المقيمين أو المولدين في هذه الربوع المطهرة، ومهما يكن من اختلافهم في الهوية والأنساب فهم ملتقون على خاصة واحدة هي خلوص النية في طلب العلم ونشره ابتغاء مرضات الله، وكفى بهذا امتيازاً يجعل من هذه البيئة مركز إشعاع روحي لا مثيل له في أنحاء العالم، ولا غرابة إذن أن نجد أخانا الشيخ حماداً ثمرة طيبة مباركة لكل هذه المأثرات المباركة الطيبة.

علومه المفضلة

علومه المفضلة: وما أرى القارئ إلا قد أحاط سلفاً بالذي سيكتبه الشيخ في الجواب على سؤالنا المتعلق بالعلوم المفضلة لديه؛ فالتوحيد النابع من مفهومات السلف،

والحديث النبوي، بكل ما يتصل به من علم بالرجال ومراتبهم ورواياتهم ومؤلفاتهم، ثم الفقه، وبخاصة القائم على الدليل من كتاب الله، والثابت من سنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وما لا يتم ذلك كله إلا به من علوم العربية وأدبها وغريبها هي الفنون الأثيرة والملتزمة عند الشيخ، وهو لو شاء أن يخالف الطريق إليها لما وسعه ذلك، لأنها سرت في دمه من أول طلبه للعلم ولم يحد عن سبيلها قط حتى طبعت عقله وخلقه جميعاً. والذي يفهم من أجوبة الشيخ ونعلمه من صحبته أن الحديث الشريف يستقطب معظم جهوده، بل هو المحور الذي حوله يدور سائر الفنون التي يعمل في خدمتها، ويتجلى ذلك مبكراً في البحوث التي كتبها وألَّفها مما نُشر وما لم ينشر.

نشاطه العلمي

نشاطه العلمي: ويتحدث الشيخ عن نشاطه في خدمة العلم وطلابه فيقول بأنه قد بدأ ذلك أيام الطلب، إذ ولع في جمع المعلومات المتنوعة في الحديث والتوحيد، نشر بعضا وظل بعضها مخطوطاً. ثم يذكر هذه القائمة من مؤلفاته: 1- سبيل الرشد في تخريج أحاديث ابن رشد في أربعة أجزاء. 2- فتح الوهاب في الألقاب. 3- إتحاف ذوي الرسوخ بمن دلّس من الشيوخ. 4- كشف اللثام عما ورد في دخول مكة بلا إحرام. 5- كشف الستر عما جاء في شد الرحل إلى القبر.

6- البت في الطواغيت الست. 7- دفع الإشتباه عن حديث "من صلى في مسجدي أربعين صلاة". 8- الإعلان بأن "لعمري" ليس من الأيمان. 9- الأجوبة الوفية عن أسئلة الألفية. إلى رسائل أخرى كثيرة في الحديث والتوحيد، ولعلها مشرعات لم تستكمل بعد. على أن أحب مؤلفاته إليه يقول هو كتابه الذي يسميه "بلغة القاصي والداني في شيوخ الطبراني"، وقد استوعب أربعة أجزاء مرتبة على الحروف الهجاء.. وهو يرد سبب إيثاره هذا لمؤلفه الذي لا يزال ينتظر النشر إلى ما عاناه في تأليفه من المشاق. ونظرة فاحصة إلى عناوين هذه المؤلفات تمدنا بما لا ينبغي أن نجهله عن مسلكه العلمي وذوقه الأدبي؛ فأما الناحية العلمية فتوكيد لما أشرنا إليه من ألوان تخصصه، وبخاصة في خدمة الحديث، الذي هو قطب الرحى في كل ما يكتب، ذلك أن مؤلفاته كلها لا تخرج عن البحث في الحديث وفقهه ورجاله، حتى التاسع وهو الخاص بقواعد العربية لا يعتبر بعيداً عن ذلك الاتجاه، إذ هو لم يُعْنَ بالقواعد من أساسها إلا ولعلاقتها الوثقى باختصاصه الأكبر. وشئ آخى هو: أن الشيخ لا يقف عند حدود العمل التقليدي في مسيرته العلمية، كما يفعل أولئك الذين لا عمل لهم سوى أن يعيدوا ويبدئوا في ما سبق في تقريره فلان وفلان، على طريقة (ما ترك الأول للآخر) بل هو على الضد من ذلك يحاول الانتفاع بكل معطيات النص، ولو خالف بعض الأكابر من الباحثين فيه، ولتوكيد ذلك ألفت نظر القارئ إلى عناوين الثالث والرابع والسابع والثامن

من مؤلفاته؛ فالبحث في موضوع التدليس ليس جديداً، ولكن فيه مجالا لجديد من الرأي في رجال رموا بالتدليس فاختلف في تقويم رواياتهم، فلا بد أن يكون للشيخ تقرير في أنواعهم وأعيانهم ومدى الانتفاع بها، وفي الحديث عن دخول مكة إزالة للبس كثر كلام الفقهاء به، وفي حديث الأربعين صلاة في مسجده "صلى الله عليه وسلم" أخذ وردّ كثير من حيث سنده وفقهه، وقد ذهب إلى تضعيفه، بل رده شيخنا أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني، فالشيخ حماد مع تقديره الكبير للشيخ ناصر سابقيه في هذا الصدد لا يرى مانعاً من خلافهم مادام يظن الدليل في غير جانبهم. وهكذا القول في (لَعَمْري) الذي يتوقف على معرفتها حكم شرعي في الإباحة أو الحظر، وقد أوضح الشيخ في العنوان، دون أي لبس رأيه بأنها ليست من الحلف بغير الله، بل هي ضرب من اللغو الذي جرى عليه العرب دون قصد إلى اليمين. ومن هنا يتبين لك أن الشيخ، مع شدته في الحفاظ على مذهب السلف في الأصول لا يسمح للتقليد بالسيطرة على تفكيره في كل ما يتسع للاجتهاد. بقي أن نذكّر القارئ باللون الأدبي الذي يصوره اختيار الشيخ لأسماء كتبه، فلقد صبها جميعاً في قوالب السجع، على طريقة المؤلفين في الأندلس وما بعد العصر العباسي، ولا غرابة في هذا؛ فالشيخ مع تبحره في اللغة لم يعر الأدب من اهتمام أكثر ما يحتاج إليه في نطاق الدراسات الأخرى، فإذا أقبل عليه ففي حدود التفقه لمدلولات الألفاظ والتراكيب، وما يصحب ذلك من التنقيب عن الشواهد، وهذا الطراز من أهل العلم لا يكادون يتجاوزون نطاق الأدب القديم إلى أي لون آخر جديد.

الحافظة العجيبة

الحافظة العجيبة: ولاستكمال الصورة العلمية للشيخ نرى لزاماً أن نعرض للقارئ انطباعاتنا عن ثقافته بصورة أكثر تركيزاً. في رحلة جامعية صحبناه فيها إلى ينبع "على الساحل مابين مكة والمدينة" وفي إحدى الندوات العلمية بالمخيم، استمعنا إلى فضيلته يحدثنا عن فاتحة الكتاب؛ وأشهد لقد تدفق كالسيل الهادر يقذف أفانين الدرر، فما تلكأ ولا أُرتِج عليه، فكأنما يقرأ في كتاب، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من كنوز هذه السورة؛ فهو يتحف سامعيه من هذه الكنوز بما تتسع له المناسبة. ربما أورد خلال حديثه ما يتسع لأكثر من تفسير، فاكتفى بوجهة منه لا يقره عليها بعض الحضور ولكنه لم يدع قلباً هناك إلا ملأه رضى وانفعالاً وإعجاباً. وبعد عام أو أكثر حدثني فضيلة الأخ الأستاذ محمد الصبَّاغ "المدرس في جامعة الرياض" عن مثل إعجابنا به، وذلك أنه سمعه يحاضر في مخيم الجامعة عن معاني الفاتحة فسحَرَ وبَهَر. وقد لاحظت من خلال حديث الأستاذ الصباغ ما خيّل إلي أنني أقع على ميزة أخرى للشيخ حماد هي قوة الحافظة، التي تسعفه باستحضار كل ما يعلمه عن الموضوع الواحد في المناسبات المتباعدة، وهي ميزة يكاد ينفرد بها بعض المتفوقين من علماء الإسلام في إفريقية الغربية، وهي بقية من الخصائص التي عرفت في سلف هذه الأمة، حتى كان منهم من يحفظ نصف مليون حديث بأسانيدها، وقصة الإمام البخاري مع علماء بغداد أشهر من أن تذكر في هذا

الصدد، وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطي صاحب "أضواء البيان"، "تغمده الله بواسع رحمته" أنموذجاً عجيباً لهذا الحفظ العجيب. وقصارى القول في ثقافة الشيخ: أنه واحد من بقية الجيل الذي نقل ولا يزال ينقل إلينا تراث الإسلام الحي، وفق النظام التعليمي الذي امتاز به أهل العلم في حضارة الإسلام. وبهذا كان أنموذجاً للرجل الذي وقف وجوده كله على خدمة العلم، فلا ينفك بين تحقيق لكتاب، واستنباط لحكم، واستقصاء لدليل، حتى ليكاد ينسى حق نفسه، بل حق أي فن آخر في هذا المضمار.

أهم الأحداث في حياة الشيخ

أهم الأحداث في حياة الشيخ: وحول الفقرتين 7و8 من الاستطلاع قرر الشيخ أن أهم الأحداث التي عاصرها كانت في الحرب العالمية الثانية، إذ ضاعف الفرنسيون ضغطهم على قومه، وشددوا تضييقهم عليه، حتى اضطر إلى الهجرة من مسقط رأسه إلى المملكة العربية السعودية، التي يصفها بأنها البقية الباقية للإسلام على وجه البسيطة. ولاستكمال الحديث عن الشيخ لا مندوحة من تسجيل بعض الجوانب من حياته كما نعرفها ويعرفها المكثر وملازمته من الطلاب والإخوان، لتتوافر للقارئ صورة مركزة عن الخصائص الذي تميزه. لقد وهب فضيلته نفسه للعلم، فهو يقضي جل يومه بين كتبه وطلابه إلى وقت متأخر من الليل، يحقق ويناقش ويوجه، وقد أضاف إلى ذلك "أيامنا هذه" انشغاله بطلبة الدراسات العليا الوافدين إليه من مختلف أنحاء المملكة، والمترددين عليه من طلابه في الجامعة الإسلامية.

وهو إلى ذلك شديد الحرص على لقاء العلماء من زوار المدينة؛ فإذا بلغه قدوم أحدهم هرع إليه للاجتماع به والمذاكرة في كل ما يتصل باختصاصه، ومن هنا كان بعده عن حياة الناس خارج هذا النطاق، فلا يكاد يعرف شيئا من مشاغلهم الدنيوية، بل لا يكاد يعرف الأصول التي تعارفوها في شراء الحاجات اليومية، فلا يساوم بائعاً، بل يؤدي إليه ما يطلبه دون جدال، ولعلي لا أسوء الشيخ إذا قلت للقارئ أن قارورة من الطيب إشتريتها أنا بأربعة ريالات قد اشترى هو أختها بمائة ريال، على أن الشئ الوحيد الذي يمتاز بإتقانه في هذا الجانب هو شراء المطبوعات والمخطوطات، التي يوشك أن يؤثرها بمعظم موارده، حتى تجمع لديه منها مكتبه عامرة لا تقل عن خمسة آلاف كتاب، وكلها في التوحيد والحديث اللذين ينقطع إليهما هذه الأيام. وفي الجو المميز يعيش الشيخ بأخلاق السلف من أهل العلم، تواضعاً كريما، وخلقا حليما، ودماثة تحبب به كل من عرفه من طلبة العلم في مختلف أقطار العالم الإسلامي.

نماذج من نظمه

نماذج من نظمه: وحتى الآن كان حديثنا عن الشيخ تلخيصاً لعبارة، أو استنتاجاً من فقرة، أو لمحة عن فكرة، وقد آن لنا أن ننقل إلى القارئ صورة أصيلة من قلمه الذي هو أقدر على رسم ملامحه، وقد اخترنا الأبيات التالية من منظومتين تفضل بها، وإنما آثرها لما تحمل من طوابع أدبه وتخصصه. إنها جزء من منظومة علمية في موضوع طريف هو ضبط الأسماء المتشابه لرواة الحديث، تيسيراً لطلبة العلم، الذين قد يجدون صعوبة غير قليلة في ضبط هذا الضرب من المؤتلف والمختلف، وقد بلغت أبياتها كما أخبرنا مئتين وخمسين وهاك بعضها.

إقرأ أُسيداً بضم الهمزة منحصراً ... في أربع تستفد ما يشبه الدررا منها سليل ظهير، ثم من (سبأ) ... إلى حضير أبي يحيى بذا إشتهرا والساعدي له في الصحب منقبة ... بمالك وسمُوه أينما ذكرا في غير ما مر فتح الهمزة ملتزم ... لدى ذوي الحذق في ذي النوع منتشرا أما أَنيسٌ أبو رُهم فهمزته ... مفتوحة، وانضمامُ غيرهِ سطرا كذا بديل ففتح الباء يلزمه ... مع كسر ذالٍ بموضعين فانتظرا ففي الأبيات كما ترى طبيعة العالم الذي يتمطي متن بالنظم إلى غاية التعليمية، دون أن يعبأ بخصائص الشعر من العاطفة والخيال وما إليهما، والذي أتيح لنا الإطلاع عليه من منظومه في غير هذا النحو يكاد لا يختلف عنه كثيراً من حيث الصياغة والروح، وما ذاك إلا صورة من واقعه النفسي الذي سيطر عليه التخصص في نطاق معين فلا يحسن تجاوزه إلى ما سواه.

آراء تناقش

آراء تناقش: ونختتم هذه الترجمة بآراء الشيخ في مستقبل الجيل الإسلامي، وواجب علماء الإسلام المعاصرين نحوه، وقد أوجز الجواب على هذه النطاق بما يلي: إن الغزو الفكري وما وراءه من المغريات الوافدة من خارج العالم الإسلامي يشكلان خطراً كبيراً على مستقبله، ويبدوا من تعبير الشيخ أنه شديد التشاؤم فيما يتصل بهذا الجانب، ولكنه مع ذلك غير يائس من إمكان الإصلاح "إذا قيض الله لهذا الدين حماة مخلصين ربانيين.."؛ فهو يعول كثيراً على وجود الحماة من طراز خاص، إلا أنه لا يخبرنا كيف وأين ومتى نجدهم؟.

وفي رأي الشيخ كذلك أن أمضى الأسلحة التي تمكن علماء الإسلام من الوقوف بوجه الزحف الهدام، هو تركيزهم في مخاطبة القلوب على كتاب الله وسنة نبيه "صلى الله عليه وسلم"، ويزيد على ذلك القول بأن لا يسمح لأي شاب ولا شابه أن يخرج في تعاليمه ودراساته عن هذه الأصلين، إذ هما في رأيه السبيل الوحيد لتكوين المجتمع الإسلامي المتكامل. إلا أن كلامه في هذا الصدد يظل بنظرنا يحتاج إلى تفسير؛ فالتركيز على الكتاب والسنة حقيقة لا مناص من استحيائها في بناء الجيل الإسلامي المنشود، ولكن لا مندوحة عن التساؤل (كيف يستطيع العلماء إيصال معاني الكتاب والسنة إلى القلوب؟) ، لقد ورد في الأثر وصف كتاب الله بأنه "نبأ من قبلنا، وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا، مَن تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله". ومعنى هذا: أن لا بد من تفصيل مجمله، وإيضاح مشكله، وإبراز كنوزه، وتجلية محاسنه، لإثبات تفوقه، وكونه الهادي أبداً للتي هي أقوم، فقبل أن ندعوا العلماء إذن لمحاربة الإلحاد وصيانة الجيل من الفساد، علينا أن نعدهم لهذه المهمة العالمية بكل ما يساعدهم على تحقيقها، وأنى لهم ذلك إذ لم تتوافر فيهم صفة القوم الذين بشر بهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه إذ قال: "إن الله يبعث على رأس كل مئة سنة لهذه الأمة من يجدد أمر دينها" (1) . أما طلب الشيخ ألا يسمح لأي فرد من أبناء المسلمين بالخروج عن تعاليم الإسلام، فذلك أمر فوق طاقة العلماء بعد أن فاتهم القطار، وسيطر على أزمّة التربية والتعليم والإعلان من لا يعلم عن دين الله نقيراً ولا قطميراً.

_ (1) رواه أبو داود في آخر (سننه) .

العلامة المحدث الشيخ: أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله

العلامة المحدث الشيخ: أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله نشأته وتلقيه للعلم وشيوخه ... العلامة المحدث الشيخ: أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري "رحمه الله". إعداد: د. عاصم بن عبد الله القريوتي. ضمن كتاب "كوكبة من أئمة الهدى ومصابيح الدجى". العلامة المحدث الشيخ أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري "رحمه الله" (1) هو: مسند الحجاز، الشيخ، العلامة، المحدِّث، المفسِّر. اسمه: هو الشيخ حماد بن محمد بن محمد بن حنة بن مختار بن محمد البشير، من ذرية سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري. ولادتُه: ولد شيخنا "رحمه الله" سنة 1344هـ‍ الموافق عام 1925م في بلدة (تاد مكة) ، ومعناها عندهم هذه مكة؛ لأنها واقعة مثلها بين أربعة جبال، وكانت تعرف بالسوق من (مالي) بإفريقيا الغربية؛ ولأسرته شهرة في (تنبكتو) عاصمة المنطقة الشرقية من مالي، وينتهي نسبها إلى بني نصر الأنصاريين آخر من حكم غرناطة، آخر معاقل الإسلام في الأندلس؛ وقد عُرفت هذه الأسرة بالعلم والفتيا والقضاء قبل الاحتلال الفرنسي وبعدَه. نشأته وتلقيه للعلم وشيوخه: نشأ الشيخ في بيت علمٍ وفضل وقضاء وفتوى، وأبرز شيوخه هم: 1- خالُه الشيخ المقرئ محمد بن أحمد بن تفي الأنصاري، الملقّب بأستاذ الأطفال "لاعتنائه بإقرائهم القرآن".

_ (1) انظر لترجمته: (علماء ومفكِّرون عرفتُهم) للشيخ محمد المجذوب "رحمه الله". وما كتبه فضيلة الشيخ إسماعيل الأنصاري "رحمه الله" في ورقة موجزة مختصرة مفيدة. وأما أجاب به شيخنا على تساؤلاء في مقابلة جريدة (عكاظ) معه عام 1410هـ‍، العدد: 8675، واستفدت منها كثيرًا في هذه الترجمة.

وبدأ شيخنا بحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين، إلى أن أتمّه غيبًا وتجويدًا وهو ابن خمس عشرة سنة. وقرأ على خاله ـ أيضًا علم النحو والتصريف. 2- ابن عمه: علامة عصره، الفهّامة، المحقِّق، الشيخ موسى بن الكسائي الأنصاري. 3- عمه الشيخ محمد بن أحمد بن محمد، الملقّب بالبحر لعلمِه؛ أخذ عنه علم الأصول والتفسير، وسمع منه "الموطأ" و "صحيح البخاري" و "صحيح مسلم" و "سنن أبي داود" وتلقّى عنه دواوين اللغة، ومتن "مختصر خليل" وغير ذلك من كتب تفاريع الفقه المالكي. 4- أستاذه الشيخ الشريف الإدريس الحسني: حمود بن محمد: قرأ عليه المنطق وعلم أصول الفقه والتفسير. واستمرّ شيخُنا في مطالعة الكتب والتدريس في بلدة (مناقة) إلى أن هاجر بعد الاستعمار الفرنسي لبلاده إلى بلاد الحرمين عام 1367هـ‍. ولما وصل شيخُنا إلى الحرم المكي الشريف بمكة المكرمة انضمّ إلى الحلقات العلمية هناك التي كانت حول فحول العلماء وأساطينهم، منهم: 1- الشيخ العلامة محمد عبد الرزاق حمزة "رحمه الله" الذي كان يدرّس "تفسير ابن كثير". 2- الشيخ العلامة المحدث أبو محمد عبد الحق العمري الهاشمي الهندي "رحمه الله" الذي كان يدرّس "صحيح البخاري". 3- الشيخ العلامة المحدث حسن المشّاط "رحمه الله" الذي كان يدرس "جامع الترمذي". 4- الشيخ العلامة محمد أمين الحنفي "رحمه الله" الذي كان يدرِّس

"صحيح البخاري". 5- الشيخ العربي التباني "رحمه الله". 6- الشيخ محمد أمين الحلبي "رحمه الله" الذي كان يدرّس النحو. 7- الشيخ العلامة حامد الفقي "رحمه الله". وغيرهم من المشايخ المدرِّسين في الحرم المكي مما حواهم كلهم في "ثبته" في الذين أخذ عنهم في الجزيرة.

رحلته إلى المدينة

رحلته إلى المدينة: التحق شيخُنا بالمدينة في دار العلوم الشرعية عام 1371هـ‍ في قسم التخصص بالحديث وسمع في المدينة من عدد من الشيوخ منهم: 1- العلامة الشيخ محمد عبد الله بن محمود المدني "رحمه الله"، إمام المسجد النبوي الذي كان قبل الشيخ عبد العزيز بن صالح "رحمه الله". ولقد كتب شيخُنا كتابًا عن شيخه المدني، واستفاد منه بشكلٍ كبير في العلوم الدينية. 2- الشيخ العلامة محمد بن تركي النجدي: قرأ عليه "الموطأ" و "المغني" لابن قدامة. 3- الشيخ محمد الخيّال النجدي "رحمه الله": قاضي المحكمة المستعجلة آنذاك. 4- شيخنا العلامة المؤرّخ القاضي محمد الحافظ بن موسى حميد "رحمه الله": قرأ عليه "سنن النسائي" وأجازه. 5- الشيخ عمر برِّي "رحمه الله".

6- الشيخ عمار المغربي "رحمه الله". 7- الشيخ عبده خديع "رحمه الله".

عودة الشيخ إلى مكة

عودة الشيخ إلى مكة: بعد تخرّجه من دار العلوم الشرعية عام 1371هـ‍ رجع إلى مكّة للعمل فيها مدرِّسًا بناءً على ما كتبه إليه ابن عمه الشيخ العلامة إسماعيل الأنصاري "رحمه الله"، الذي عمل مدرّسًا آنذاك في مكة بواسطة الشيخ عبد القدّوس الأنصاري "رحمه الله" ليرجع إلى مكة للعمل مدرّسًا فيها. ورجع الشيخ ليعمل مدرّسًا في المتوسطة في السنة الأولى والثانوية في السنة الثانية، والعالي في السنة الثالثة، والتخصص في السنة الرابعة، التي قدم فيها إلى مكة بعض المشايخ منهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم آل الشيخ، وأخوه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، فذهب إليهما ووجدهما عند أخيهما الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ "رحمهم الله جميعًا" الذي عرّفهما به؛ فعرض الشيخ عبد اللطيف على شيخنا أن يذهب للرياض، وأمر كاتبَه أن يتّصل بعبد العزيز اللجاوي الذي كان مسئولاً عن الأساتذة المبتعثين إلى الكليّات؛ وبالفعل ذهب شيخنا بعد أدائه الحج إلى الرياض، ليعمل مدرِّسًا في كليّة الشريعة، ودرَّس شيخنا بمعهد إمام الدعوة بالرّياض الذي أنُشئ في ذلك الوقت، وبقي فيه من سنة 1375هـ‍ إلى سنة 1378هـ‍، ثم نقل الشيخ إلى كليّة الشريعة بالرّياض التي بقي فيها منذ عام 1379هـ‍ إلى 1384هـ‍. ثم انتقل شيخنا عام 1384هـ‍ إلى المدينة إلى الجامعة الإسلامية إلى أن أُحيل على التقاعُد عام 1410هـ‍، وبقي بعدَها على صلة بالجامعة في استمرار إشرافه على ما كان عنده من رسائل جامعية ومناقشات.

شيوخه في الإجازة

شيوخه في الإجازة: لقد أجازه كثيرٌ من العلماء، منهم: 1- شيخنا العلاّمة عبيد الرحمن المباركفوري "رحمه الله" مؤلِّف "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح". 2- الشيخ عبد الحفيظ الفلسطيني "رحمه الله". 3- الشيخ قاسم بن عبد الجبّار الأنديجاني "رحمه الله". 4-العلامة الشيخ حمود التويجري "رحمه الله". 5- الشيخ المحدِّث العلامة أبو محمد عبد الحقّ الهاشمي.

أسانيده إلى كتب الفهارس والأثبات

أسانيده إلى كتب الفهارس والإثبات: إن أسانيد شيخنا حمّاد تتصل بنبينا خير الأنام "عليه الصلاة والسلام"، وبالصّحاح، والسنن، والمسانيد، والمعاجم والمشيخات، وبالأئمة الأعلام والحفّاظ الكرام، ودواوين أهل الإسلام، كما هو مسطور في كتب الفهارس والأثبات والمسلسلات وغيرها.

إسناد حديث الرحمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

إسناد حديث الرحمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولما كان لشيخنا حماد عناية وسماع لحديث الرحمة؛ إذ يتّصل سنده بأولية السماع في حديث الرحمة من طريق عدة شيوخ، منهم: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الزهراني، والشيخ قاسم بن عبد الجبار الفرغاني الأندجاني، والشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري "رحمهم الله جميعًا"، ولكونِه أسمعَ كثيرًا من الإخوة الحديث رأيتُ أن أذكر سنده لحديث الأولية من طريق الشيخ العلامة حمود التويجري "رحمه الله":

أخبرنا شيخنا المحدث حماد بن محمد الأنصاري سماعًا للحديث، عن الشيخ المحدث العلامة حمود بن عبد الله التويجري، عن الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان، عن شيخه مسند وقته أبي الإسعاد السيد محمد عبد الحق بن عبد الكبير الحسني الكتاني، عن أبيه عبد الكبير الكتاني، عن الشيخ عبد الغني بن أبي سيعد المجددي، عن الشيخ محمد عابد الأنصاري السندي، عن عمه محمد حسين الأنصاري السندي، عن الشيخ أبي الحسن السندي، عن الشيخ محمد حياة المدني، عن الشيخ عبد الله بن سالم البصري ثم المكي، عن الشيخ محمد بن علاء الدين البابلي، عن الشيخ أحمد بن محمد الشهير بابن الشلبي قال ابن الشلبي: أخبرنا الشيخ يوسف بن القاضي زكريا، قال يوسف: أخبرنا الشيخ المعمر إبراهيم بن علاء الدين القلقشندي، قال القلقشندي: أخبرنا الشيخ المعمَّر أحمد بن محمد الواسطي، قال الواسطي: أخبرنا المعمرّر محمد بن محمد الميدومي، قال الميدومي: أخبرنا المعمر عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني، قال الحراني: أخبرنا المعمر أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي، قال ابن الجوزي: أخبرنا الشيخ إسماعيل بن أبي صالح، قال ابن أبي صالح: أخبرنا والدي أبو صالح أحمد بن عبد الملك، قال أبو صالح: أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، أنا الشيخ أبو حامد أحمد بن بلال البزاز، قال أبو حامد: أخبرنا الشيخ عبد الرحمن بن بشر العبدي، قال العبدي: أخبرنا الإمام سفيان بن عيينة (1) وله تسعون سنة، وإليه انتهى التسلسل. ورواه سفيان "بلا تسلسل" عن الإمام الحافظ عمرو بن دينار المكي عن

_ (1) قلت: إن الشيخ المؤلف لم يذكر بين كل راوٍ وآخر كلمة التسلسل وهي: (وهو أول حديث سمعته منه) ؛ وهذا العملُ منه سهوٌ. عبد الأول.

أبي قابوس يروي عن مولاه عمرو بن العاص حديث الرّحمة وعنه عمرو بن دينار وصحّح الترمذي حديثه عن الصحّابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص قال عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى؛ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". ح. ويرويه شيخنا حمّاد، عن الشيخ حمود، عن الكتّاني، عن المعمر أبي البركات صافي الجعفري بمكّة، عن الشيخ محمد عابد السندي به. قلت: وهذا علوّ واضحٌ. ومن رام زيادة علوّ في الرواية دون السّماع يجده في كتب الإثبات. وقال شيخنا حماد الأنصاري الخزرجي: "هذا الحديث أخرجه البخاري في الكنى، والأدب المفرد، والحميدي، وأحمد في مسنديهما، وأبو داود في سننه، والترمذي في جامعه وقال: حسن صحيح، والحاكم في مستدركه، وصحّحه، والبيهقي في شعبه. وله متابعات وشواهد من حديث ثمانية عشر صحابيًّا". قال العراقي: "هذا حديث حسن، رجاله محتجٌّ بهم في الصّحيح". قال بعضهم: سمعنا حديثًا مسندًا ومسلسلاً ... بأوّل مسموع لنا قد تسلسلا وصُحِّحَ عن سفيان دون تسلسل ... إلى خير مبعوث من الناس أرسلا وقال شيخنا الأنصاري: ومن فقه هذا الحديث الشريف: أن صفة الرحمة من صفات الله عز وجل التي يجب الإيمانُ بها على الأسس التالية: أ- إثباتها. ب- تنزيهها عن مشابهة صفات المخلوقات. ج- اليأس من إدراك كيفيّتها وكنهها، وقد قال الله عز وجل في سورة

الشورى: {ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير} ، وقال في سورة البقرة: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء ... } الآية، وقال في سورة طه: {ولا يحيطون به علمًا} . ومعنى {في} في قوله: {مَن في السماء} يحتمل أحد أمرين كلاهما صحيح: أ- بقاء {في} على الظرفية على أنّ معنى السماء العلوّ، كقوله عز وجل عن النخلة: {وفرعها في السماء} أي: في العلو. ب- أن تكون {في} بمعنى (على) أي: من على السماء، أي: على أنّ معنى السماء المبنيّة، كقوله عز وجل: {فسيحوا في الأرض} ، وقوله: {قل سيروا في الأرض} أي: على الأرض. تنبيه: فكلمة {السماء} في القرآن لها خمسة معان: 1- السماء بمعنى العلو كما تقدّم في قوله عز وجل عن النخلة: {وفرعها في السماء} . 2- السماء بمعنى المطر، كقوله عز وجل: {يرسل السماءَ عليكم مدرارًا} أي: المطر؛ لأنّ المطر ينزل من فوق. 3- السماء المبنية كقوله عز وجل: {أو لم ينظروا إلى السماء فوقَهم} .

4- السماء بمعنى السّحاب، كقوله عز وجل: {ونزّلنا من السماء} . 5- السّماء بمعنى السّقف، كقوله عز وجل: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسببٍ إلى السماء ... } الآية، أي: "إلى سقف البيت كما قال ابن عبّاس رضي الله عنهما" انتهى كلامه "رحمه الله". وأما أسانيده إلى كتب الإثبات فهذه مختارات منها: "إجازة الرواية": للشيخ العلامة المحدث عبد الحق الهاشمي "رحمه الله". يرويه شيخنا عن مؤلِّفه. "الإرشاد إلى مهمّات الإسناد" و "إتحاف النبيه فيما يحتاج إليه المحدث والفقيه" كلاهما للعلامة المحدث الشّاه وليّ الله الدهلوي: يرويهما شيخنا عن شيخه العلامة المحدث عبد الحق الهاشمي عن شيخه المحدّث أبي سعيد حسين بن عبد الرحيم، عن رئيس المحدّثين السيد محمد نذير حسين، عن المحدِّث الشاه محمد إسحاق الدهلوي، عن جدّه من جهة الأم الشيخ عبد العزيز الدهلوي، عن أبيه الشّاه ولي الله الدهلوي "رحمهم الله". "صلة الخلف بموصول السلف": للمحدث العلامة محمد سليمان الروداني: يرويه عن الشيخ المحدث العلامة أبي الحسن عبيد الله الرحماني المباركفوي مؤلف "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" عن العلامة المحدّث الشهير أبي العلى محمد عبد الرحمن المباركفوري مؤلف "تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي"، وعن العلامة المحدث أحمد الله القرشي؛ وهما يرويان عن المحدّث السيد محمد نذير حسين، عن المحدث الشاه محمد إسحاق الدهلوي، عن جدّه من جهة الأم الشيخ عبد العزيز الدهلوي، عن أبيه شاه ولي الله الدهلوي

"رحمهم الله"، عن محمد وفد الله بن الشيخ محمد بن سليمان وأبي طاهر الكوراني كلاهما عن والد الأول مؤلّف الصلة. "المعجم المفهرس" للحافظ ابن حجر العسقلاني "رحمه الله": يرويه بالأسانيد السابقة إلى الروداني في "صلة الخلف" عن أبي مهدي عيسى السكتاني، عن المنجور، عن الغيطي، عن زكريا الأنصاري، عن الحافظ ابن حجر. ويرويه بالسند الآتي إلى الشوكاني في "إتحاف الأكابر" عن شيخه السيد عبد القادر بن أحمد، عن محمد حياة السندي، عن الشيخين سالم بن الشيخ عبد الله بن سالم البصري الشافعي المكي، عن أبيه، عن الشيخ محمد بن علاء الدين البابلي المصري، عن سالم بن محمد، عن الزين زكريا، عن الحافظ ابن حجر. "إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر" للعلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني "رحمه الله": أجازه بما فيه الشيخ المحدث أبو محمد عبد الحق الهاشمي، عن الشيخ أحمد بن عبد الله البغدادي، عن الشيخ عبد الرحمن بن عباس، عن الشوكاني"رحمه الله". "قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر" للشيخ العلامة صالح بن محمد الفلاني المدني "رحمه الله": وقد أجازه بما فيه الشيخ أبو محمد عبد الحق الهاشمي، عن الشيخ أحمد بن عبد الله البغدادي، عن الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد المكي ونعمان الألوسي، عن الشيخ محمود الأفندي البغدادي، عن الشيخ عبد الرحمن بن محمد الكزبري، عن المؤلِّف. "إتحاف النبلاء بالرواية عن الأعلام الفضلاء" للشيخ العلامة حمود بن عبد الله بن حمود التويجري "رحمه الله" 1413هـ‍، وهو ثبت نفيس يمتاز بالدقة والتحقيق: يرويه شيخنا الأنصاري عن مؤلِّفه.

رحلاته وأسفاره

رحلاته وأسفارُه: رحل الشيخ وسافر إلى عددٍ من البلاد؛ وكان يرغب في ذلك، بل قال: "عزمت على زيارة العالم كلِّه حتى الصين، ولكن لم يتسنَّ لي ذلك". ومن البلاد التي سافر إليها: مصر، والشام، والمغرب، والهند، وغيرها من دول أوروبا وأفريقيا ودول شرق آسيا (1) . ولقد دوَّن الشيخَ انطباعاته في رحلاته من خلال كتابه المسمى: "الرحلات الأنصارية".

_ (1) لم يرحل الوالد إلى أيّ دولة من دول شرق آسيا اهـ‍. عبد الأول.

صلته بتدريس المتون

صلته بتدريس المتون: كان الشيخ "رحمه الله" إضافة للتدريس الجامعي، حريصًا على تدريس كتب السنة والتوحيد؛ ومن ذلك: تدريسه لـ"صحيح الإمام البخاري"، و "صحيح الإمام مسلم"، و "جامع الإمام الترمذي" الذي دَرَّسه في المسجد النّبوي الشّريف، وكتاب "التوحيد وإثبات صفات الرّب" للإمام ابن خزيمة "رحمه الله"، و "شرح العقيدة الطحاوية" وغيرها.

مشاركته في المجالس العلمية

مشاركته في المجالس العلمية ... مشاركاته في المجالس العلمية: كان الشيخُ "رحمه الله" عضوًا في مجلس مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالمدينة. وكان أيضًا عضوًا في مجلس الإشراف على شؤون الحرم النبوي الشريف الذي كان يُعقد مرّتين كل أسبوع.

قوة الحافظة عند الشيخ رحمه الله

قوة الحافظة عند الشيخ "رحمه الله": كان شيخنا "رحمه الله" يتمتّع بحافظة قويّة؛ وهاك ما كتبَه الشيخ محمد المجذوب "رحمه الله" في ذلك في كتابه: "علماء ومفكِّرون عرفتُهم": في رحلة جامعية صحبناه فيها إلى ينبع "على السّاحل ما بين مكّة والمدينة"، وفي إحدى الندوات العلمية بالمخيَّم استمعنا إلى فضيلته يحدِّثنا عن فاتحة الكتاب؛ وأشهد: لقد تدفّق كالسيل الهادر، يقذف أفانين الدرر؛ فما تلكّأ ولا ارْتج عليه، فكأنّما يقرأ في كتاب، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من كنوز هذه السورة؛ فهو يتحف سامعيه من هذه الكنوز بما تتّسع له المناسبة. وربّما أورد خلال حديثه ما يتّسع لأكثر من تفسير فاكتفى بوجهة منه لا يقرّه عليها بعض الحضور، لكنه لم يدع قلبًا هناك إلاّ ملاه رضىً وانفعالاً وإعجابًا. وبعد عام أو أكثر حدّثني فضيلة الشيخ الأستاذ محمد الصبّاغ "المدرِّس في جامعة الرياض" عن مثل إعجابنا به؛ وذلك أنّه سمعه يحاضر في مخيّم الجامعة عن معاني الفاتحة فسحَر وبهَر. وقد لاحظتُ من خلال حديث الأستاذ الصبّاغ ما خيّل إليّ أنني أقع على ميزة أخرى للشيخ حماد: هي قوة الحافظة التي تسعفه باستحضار كلّ ما يعلمه عن الموضوع الواحد في المناسبات المتباعدة؛ وهي ميزة يكاد ينفرد بها بعض المتفوِّقين من علماء الإسلام في أفريقية الغربية، وهي بقيّة من الخصائص التي عرفت في سلف هذه الأمة، حتى كان منهم مَن يحفظ نصف مليون حديث بأسانيدها، وقصّة الإمام البخاري مع علماء بغداد أشهرُ من أتُذكر في هذا الصدد ... " انتهى.

عناية الشيخ بالعقيدة وأحوال العالم فيها

عناية الشيخ بالعقيدة وأحوال العالم فيها: كان للشيخ عنايةٌ فائقة بمباحث العقيدة وما يحدق بالمسلمين في أنحاء العالم من مخاطر وأحداث، ويحدّثك عن أحوال المسلمين من جوانب متعدّدة، وأبرزها ما آل إليه المسلمون من بُعد عن كتاب ربهم وسنة نبيِّهم وسيرة سلفهم الصّالح الذين في إتباعهم كلّ الخير وفي الابتعاد عن منهجهم الغواية والخسران وكلّ شر. وكان الشيخ "رحمه الله" يوضح جغرافيا العالم الإسلامي اليوم من الناحية العقدية، ويبيِّن فيها أنّ المملكة العربية السعودية تشكّل بين هذه الدول الوسط لما منَّ الله عليها من اتباع لعقيدة السلف الصالح، ولما لها من خدمة في هذا المجال. ويبيِّن الشيخ أن السلفية لم تكن انتشرت بقوة؛ لأنه لم يكن لها دولة كما كان للأشاعرة ولغيرهم من قبل.

رجوعه إلى أهل العلم فيما يشكل عليه

رجوعه إلى أهل العلم فيما يُشكِل عليه: يقول الشيخ "رحمه الله": "أرجع إلى الإخوة طلبة العلم الذين تزايد عددهم بشكلٍ كبير؛ فإذا وجدت حلاًّ عندَهم لأيِّ سؤال كان هو المطلوب، وإلاّ ساعدوني للبحث لأصل للحقيقة بالتعاون معهم". ويقول "أيضًا": "كلما أحتاج إلى حلِّ أمرٍ ما أتّصلُ فورًا بالأخ إسماعيل الإنصاري "رحمه الله" بالرّياض؛ لأنه صاحب خبرة كبيرة". كما أتّصل "أيضًا" بالشيخ عبد العزيز بن باز الذي لا يوجد محدِّثٌ مثله رغم أعماله الكثيرة التي حالت بينه وبين التفرّغ للتخصّص في علم الحديث. يضاف إلى ذلك: أنني أراجع الشيخ الألباني في بعض الأمور؛ لأنه ذو

اطلاع واسع في علم الحديث)) .

مكتبته

مكتبته: بدأ الشيخ تأسيسَ مكتبته عام 1367هـ‍، وكانت في البداية عامّة تحتوي على كلّ العلوم والمواد، إلاّ أنه في عام 1373هـ‍ قام بإهدائها إلى عمه، وبعد ذلك بدأ في تأسيس المكتبة من جديد، وبدأ يحرص على علم الحديث. والمكتبة تزوَّد يوميًّا بما جدّ وصدر، وفيها كتب الحديث والرّجال والمصطلح وسائر فنون الحديث والعقيدة، إضافة إلى الرسائل الجامعيّة من جامعات المملكة؛ ولقد كلّفت المكتبة الشيخَ كثيرًا. ولقد كان اشترى كتاب "تاريخ دمشق" لابن عساكر وكلّفه سبعة آلاف ريال، وكلّفه كتاب "الكامل" لابن عدي "حين جلبه من تركيا عام 1384هـ‍" مبلغ ألف ريال في حين كان راتبه آنذاك ألف ريال. ولقد كانت مكتبة الشيخ مفتوحة صباحًا ومساءً لطلبة العلم والباحثين، وبقيت المكتبة كما اتفق أبناؤه على أن تكون على طريقة الوالد "رحمه الله" في فتح أبوابها لطلاّب العلم؛ فجزاهم الله خير الجزاء، وكتب لهم ولأبيهم ذلك من الأجر والمثوبة.

صلته بدور النشر والمكتبات وصلتها به

صلته بدور النشر والمكتبات وصلتها به: كان شيخنا "رحمه الله" ذا شغفٍ كبير بكتب العلم، ولا سيّما ما يخصّ

علوم الحديث والعقيدة؛ فما من كتابٍ يصدُر إلاّ ويكون من أوائل مَن اقتناه، أو أُرسل إليه من دور النشر والمكتبات من المدينة أو خارجها، ولا يكاد يسمعُ عن كتابٍ ليس في مكتبته وذُكر له أمره إلاّ اتّصل بالمكتبة المعنية لتحصيله. وكان الشيخ "رحمه الله" على صلة قويّة بما جدّ في عالم المطبوعات والنشر، وكأنّه قاموس وديوان عظيم، وكثيرًا ما يبدأ طلاّب العلم عند زيارتهم له وعند اللّقاء بالسّؤال عن الجديد فيما طبع وصدر وحقّق من كتب التراث.

مؤلفاته

مؤلفاته: لشيخنا "رحمه الله" عددٌ من المؤلّفات المطبوعة والمخطوطة؛ وهذه أبرز المطبوع منها: "بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني". "رفع الأسى عن المضطر إلى رمي الجمار بالمسا". "رفع الاشتباه عن حديث من صلى في مسجدي أربعين صلاة". "تحقيق القول في حديث: "من مضت عليه خمسة أعوام أو أربعة أعوام وهو غني ولم يحج ولم يعتمر". "كشف التسر عما ورد في السفر إلى القبر". "الإعلان بأن "لعمري" ليست من الأيمان". "عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري". "الأجوبة الوفية على أسئلة الألفيّة". "فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدّثين بالألقاب". "إتحاف ذوي الرّسوخ بمن عرف بالتدليس من الشيوخ".

"يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر". تحقيق "ديوان الضعفاء" للذهبي. تحقيق "ذيل الديوان" للذهبي. "تحفة القاري بأسانيد الأنصاري".

نماذج من نظمه

نماذج من نظمِه: كان شيخنا ماهرًا بنظم الشعر، ومن ذلك نظمه في ضبط الأسماء المتشابهة لرواة الحديث، وقد بلغت أبياته (250) بيتًا؛ وهذا أنموذج منها: اقرأ أسيدًا بضم الهمز منحصرا ... في أربع تستفد ما يشبه الدررا منها سليل ظهير ثم من سبأ ... إلى حظير أبي يحيى بذا اشتهرا والساعدي له في الصحب منقبة ... ممالك وسموه أينما كانوا في غير ما مر فتح الهمز ملتزم ... لدى ذوي الحذف في ذا النوع منتشرا أما أنيس أبو رهم فهمزته ... مفتوحة وانضمام غيره سطرا كذا بديل ففتح الباء يلزمه ... مع كسر دال بموضعين فانتظرا

شهادة العلماء له

شهادة العلماء له: لقد شهد للشيخ كثيرون بعلمه واطلاعه وتبحّره؛ ومن هؤلاء: 1ـ سماحة المفتي العام المملكة العربية السعودية: الشيخ عبد العزيز بن باز "رحمه الله". 2ـ فضيلة الشيخ العلامة المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني "رحمه الله". 3ـ فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ـ مفتي عام المملكة العربية السعودية حاليًّا.

4- فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان ـ رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالسعودية. 5- فضلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العبّاد ـ نائب رئيس الجامعة الإسلامية سابقًا. 6- فضيلة الشيخ محمد الشاذلي النيفر ـ من علماء تونس. 7- فضيلة الشيخ محمد أبو خبزة ـ من علماء المغرب. 8- فضيلة الشيخ محمد عطاء الله حنيف "رحمه الله" من كبار علماء باكستان. وغيرهم من علماء العالم الإسلامي.

تلاميذه

تلاميذه: للشيخ تلاميذ كثيرون؛ إذْ يعدّ أستاذ الأساتذة بالجامعة الإسلامية لقِدَم تدريسه بالجامعة ومواصلته ذلك، ولكثرة من أشرف عليهم في الرسائل العلمية والجامعية وكثرة من ناقشهم فيها، بل وقد قرأ عليه بعض العلماء مثل فضيلة الشيخ العلامة عطية محمد سالم "رحمه الله"، إذ قرأ عليه "الأجرّومية" بالنحو، و"الرحبية" بالفرائض. وأمّا من أجازهم الشيخ فهم عددٌ كبير من العلماء، والأساتذة، والباحثين، وطلبة العلم من داخل المملكة وخارجها. ومن تلاميذه على سبيل المثال لا الحصر: الدكتور صالح بن سعد السحيمي. الدكتور مرزوق بن هيّاس الزهراني. الدكتور عمر بن حسن فلاّته.

الدكتور باسم فيصل الجوابرة. الدكتور وصيّ الله عباس. الدكتور عبد العليم عبد العظيم. الدكتور محفوظ الرحمن زين "رحمه الله". الدكتور فلاح بن إسماعيل. الدكتور فلاح بن ثاني السعيدي. الدكتور زين العابدين بلافريج. الدكتور صغير أحمد. الدكتور شمس الدين الأفغاني "رحمه الله". الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي. الدكتور صالح بن حامد الرفاعي. الدكتور مساعد الراشد. الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي. الشيخ علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد. وغيرهم كثير. بارك الله فيهم جميعًا، ووفقنا وإياهم لكلّ خير، وجنّبنا جميعًا سبيل الغواية والشر.

منزله

منزله: كان شيخنا يسكن في حارة المصانع بالمدينة؛ وكان البيت آنذاك يعجّ بطلبة العلم والباحثين إلى أن وسّع اللهُ عليه فبنى بيتًا في الحرة الشرقية، ثم

أهدى إليه صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز "جزاه الله خيرًا وأثابه" منزلاً وسيعًا في حيّ الفيصليّة مجاورًا للجامعة. وبقي الشيخ على طريقته في فتح أبواب المكتبة للقاصي والداني "رحمه الله" وجزاه الله خير الجزاء.

نصيحته لطلبة العلم والباحثين

نصيحته لطلبة العلم والباحثين (1) : ينصح شيخنا "رحمه الله" طلبة العلم بصفة عامة وطلبة علم الحديث بصفة خاصة: أن يخلصو لله، وألا يتتبّعوا السقطات التي تحصل من بعض أهل العلم. ونصحهم كذلك بعدم خوض مجال الاعتراضات، وأن يتّصلوا بأهل الشأن؛ لأنّ العلم ليس من بطون الكتب، وإنّما من أصحاب الشأن، وأن يتفقّهوا بالطريقة التي تفقّه بها أئمتنا؛ ثم ينصحهم بتقوى الله في السّر والعلن.

_ (1) هذه النصائح إلى مرضه ووفاته مما أجاب عنها في جريدة ((عكاظ)) كما سبقت الإشارة إليها في أوّل ترجمته.

نصحيته للشباب المسلم عموما

نصحيته للشباب المسلم عمومًا: ينصح شيخنا كل شاب مسلم أن يكون على صلةٍ قويّة بربِّه، وثقة صادقة بإيمانه، وعِلْمٍ يمكِّنه من فهم دينه والعمل به، وصحبة صالحة تعينه وتثبته، ووعي بالأخطار التي تحدق به وتعمل على انحرافه، وإدراك لخطط أعدائه، حتى لا يستغفل عن دينِه ويلبس عليه أمره، وأن يجعل الله والدار الآخرة نصب عينيه وهي غايته.

رأيه في كيفية الوقوف أمام أعداء الإسلام

رأيه في كيفية الوقوف أمام أعداء الإسلام: يرى شيخنا أن أمْضى الأسلحة التي تمكِّن علماء الإسلام من الوقوف أمام

الزخف الهدّام هو تركيزهم في مخاطبة القلوب على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقال "رحمه الله": "بأن لا يسمح لأي شاب ولا شابة أن يخرج في تعاليمه ودراساته عن هذين الأصلين؛ إذْ هما السبيل الوحيد لتكوين المجتمع الإسلامي المتكامل". وقال "أيضًا"رحمه الله: "الهجمة على الإسلام ليست وليدةَ اليوم، فهي بين مدّ وجزر؛ فكلما أحسّ أعداء الإسلام فيه قوّة أو بوادر صحوة في أبنائه أفزعهم ذلك وأرهبهم؛ فهم يحرصون على أن يظلّ المسلمون نائمين ولاهين وعابثين؛ وهم يدركون خطورة المسلمين الصادقين على فكرهم وحضارتهم على تقديس الذاتية والمصلحة واحتكار أفكار الشعوب ومبادئها وأرزاقها. وهم يدركون جيّدًا أكثر من إدراك المسلمين أن سرّ قوة المسلمين تكمن في إسلامهم وعقيدتهم؛ فلو التزم المسلمون بالإسلام لأصبحوا قوّة عظمى في العالم، مرهوبة الجانب، قويّة السلطان، مالكة لزمام الحضارة المادية والروحية".

نصيحة للمرأة

نصيحة للمرأة: قال الشيخ "رحمه الله" نصيحتي للمرأة في هذا المجتمع بالذات: أن تحافظ على حقوقها التي وهبها إيّاها الإسلام، وأن تعمل على تجسيدها في الواقع وتطبيقها في المجتمع، وأن تكون غايتها رضى الله والحرص على طاعته، وأن لا تستجيب لدعاة التعرِّي والانحلال الذين يبدؤون دائمًا من حيث انتهى الآخرون؛ فكثير من نساء المسلمين في العالم الإسلامي أدركن خطأ استجابتهنّ لأمثال هؤلاء الدعاة وتصديقهم في دعواهم الكاذبة، وبدأن خطّ الرجعة من جديد لحياتهنّ وحشمتهنّ وصفاتهنّ وطاعة خالقهنّ عز وجل، فوجدن الراحة والطمأنينة. فالمرأة المسلمة اليوم مأمورة مدعوّة إلى تحمّل مسئوليّاتها كالرجل بعد أن

يسرّ لها الزاد العلمي الجيِّد في الحفاظ على شخصيّتها وإيمانها وهويّتها وإحباط جميع دسائس أعداء الإسلام الذين ينتظرون على أحرّ من الجمر أن تمدّ لهم المرأة يدَها في هذا المجتمع ليعبثوا بخلقها وعفّتها وعقلها كما فعلوا بالمسلمات الأخريات اللائي استجبن لهم في بعض الدول الإسلامية. فالمرأة المسلمة صمام الأمان في أيّ مجتمع؛ فهي أساس الأسرة، ومحضر البذرة؛ فإذا انفلتت كما يريد لها أعداء الإسلام وأدعاء تحرير المرأة "ومتى كانت مستعبدة حتى تحرّر؟ " انهارت الحياة حتى فقد الحنان والرحمة وذبلت وتحوّلت إلى حياة صخريّة قاسية، تولّد الآلام وتزرع الأنانية والبغضاء وتنتج الكراهية والحقد؛ وهذا ما يسعى إليه الأدعياء المغفلون من حيث يدرون أو لا يدرون، وبعضهم يدرك ذلك ويسعى إليه بخبث وسوء نيّة ولا يهمُّه إلا ذاته وتحقيق أنانيّته ولو تحولت الحياة إلى جحيم وعمها الدّمار ... ".

نصيحته للمسلم الذي يسافر للخارج

نصيحته للمسلم الذي يسافر للخارج: يقول شيخنا "رحمه الله": "أنصحُه أن يكون معتزًّا بدينِه، فخورًا بإسلامه، مفاخرًا بهويّته، حتى لا ينهزم بمظاهر حضارة الغرب وتقدّمه المادِّي، وأن يكون على وعي بالأفكار التي تعجّ بها البلاد غير الإسلامية حتى لا يتأثّر بها ويخذعه بريقها، وأن يكون كذلك على وعيٍ جيّد وفهم واضح بأصول إيمانِه وعقيدتِه وأهمّ مبادئ الإسلام وثوابته حتى لا يدخله الشكّ ويهزّه أدنى موقع، وأن يتسلّح بسلاح الإيمان والتقوى، والبعد عن مواطن الشبهات والشهوات المغرية، وأن يكون جادًّا في دراسته أو عمله، ومنهمكًا في أداء مهمته التي سافر من أجلِها. وأخيرًا: أن يُدرك حقيقة الحضارة في الغرب أو الشرق في جانبها الفكري والأدبي قامت على غير هدىً من الله، وأن سعادة البشريّة وحياتها الحقيقة لا

توجد في غير حضارة الإسلام)) .

أهم ملامح التربية الإسلامية في شخصية المسلم عند الشيخ

أهم ملامح التربية الإسلامية في شخصية المسلم عند الشيخ: يرى شيخنا أنّ أهمّ ملامح التربية في شخصية المسلم ترتكز على ما يلي: أولاً: الاهتمام بالمحضن الصالح، أعني: الزوجة الصالحة والزوج الصالح؛ فهي ركيزة أساسيّة في بناء فطرة الشباب وعقله وقبله، وبذر الخير في نفسه وجعله يثمر ثمرة يانعة. ثانيًا: العناية به منذ نعومة أظفاره وغرس الفضائل في نفسه وتجنيبه أسباب الانحراف ومعالجتها. ثالثًا: العناية بتربيته إيمانًا، وخلقيًّا، وجسميًّا، وعقليًّا، ونفسيًّا، واجتماعًا. رابعًا: إيجاد القدوة الصالحة في التربية، ليقتبس منها، ويتأثّر بها، ويمارس أمامَها أساليب الدعوة والعمل الإسلامي ليستفيد من توجيهاتها. خامسًا: تسلّحه بالعلم النّافع، ووعيه بالواقع، وإدراكه لأساليب العلم الناجح. سادسًا: تحلّيه بالصبر والحلم، وسعة الصدر، وقوّة التحمّل، والقدرة على استيعاب الناس. سابعًا: عدم استعجال النتائج، ووكله الأمر بعد الأخذ بالأسباب إلى الله عز وجل.

مرضه ووفاته

مرضه ووفاته: بدأ مرض شيخنا ليلة قيام الثّالث والعشرين من رمضان عام 1417هـ‍ في

المسجد النبوي ثم اشتدّ عليه مرضه "جعل الله ذلك كلّه في ميزان حسناته ورفع درجاته وتكفير سيئاته" إلى أن وافاه الأجل المحتوم صباح يوم الأربعاء: 21/6/1418هـ‍ في طيبة الطيبة فمنَّ الله عليه بالموت بالمدينة ـ غفر الله له. وقد صُلِّي على شيخنا بالمسجد النبوي يوم وفاته بعد صلاة العصر؛ كانت جنازته مشهودة تذكرك بمقولة الإمام أحمد بن حنبل: "قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز"؛ إذ قد تبع الجنازة جمٌّ غفيرٌ من علماء المدينة وقضاتها، وكبار مسئوليها، وأساتذة الجامعات، وطلاّب العلم، ومحبِّي السنة، وأحبابه، وأصحابه.

أولاده

أولاده: ولقد توفي شيخنا عن زوجة واحدة، وأحد عشر ولدًا؛ منهم ثمان ذكور. وفّقهم الله للسير على خطى أبيهم في العلم وبذلِه، وجعلهم خيرًا من ذلك.

ترجمة موجزة لفضيلة الشيخ: حماد الأنصاري رحمه الله

ترجمة موجزة لفضيلة الشيخ: حماد الأنصاري رحمه الله نسبه ومولده ... ترجمة موجزة لفضيلة الشيخ: حماد الأنصاري "رحمه الله". منقولة عن خطّ محرِّرها الشيخ إسماعيل الأنصاري "رحمه الله". بعد إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليها زيادة في الإيضاح" وهذه التعديلات وما بعدَها بقلم فضيلة الشيخ الدكتور الشيخ صالح الفهد "حفظه الله تعالى". نسبُه ومولدُه: هو: حمّاد بن محمد بن محمد بن حنّة بن المختار بن محمد البشير. من ذريّة سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري. ولد سنة 1344هـ‍ في بلدة (تاد مكة) في أفريقيا الغربية من بلاد "مِلِّي" (مالي كما تُسمّى اليوم) .

نشأته وحياته العلمية ومشايخه

نشأته وحياته العلمية ومشايخه: نشأ في بيت علمٍ وقضاء وفتوى وتلقّى العلم في بلده عن أجلّة المشائخ؛ وقد شرع في السنة العاشرة من عمره في حفظ القرآن غيبًا وتجويده على خاله المقرئ محمد أحمد بن تقي الأنصاري الملقّب بأستاذ الأطفال لاعتنائه بإقرائهم القرآن؛ فأكمَله حفظًا وتجويدًا وهو ابن خمس عشرة سنة، ثم قرأ على شيخه المذكور في علم التوحيد رسالة أبي محمد بن أبي زيد القيرواني (مالك الأصغر) ، وكذلك تلقّى عنه علم النّحو والتصريف وأجادُهما حتى برّز على أقرانه فيهما. كما أنّه أخذ علم البلاغة عن علاّمة عصره الفهّامة المحقق موسى بن الكسائي الأنصاري. وعلم الأصول عن بحر العلوم عمّه محمد بن أحمد الملقّب لتبحّره بالبحر؛ وعنه أخذ التفسير وسمع (الموطأ) و (الصحيحين) و (سنن أبي داود) ؛ وتلقّى منه دواوين اللغة الستّ ومتن (مختصر خليل بن إسحاق الجندي التركي) وملحقاته من كتب تفاريع الفقه المالكي إلاّ الفرائض فعن أستاذه الجليل الشريف الإدريسي الحسني حمود بن محمود، وعنه أخذ علم المنطق، وعلم المنازل، وعلم الأصول الفقهيّة والاصطلاحيّة والتفسيريّة. هذا، وقد أخذ تلك العلوم عن أولئك العلماء بالأسانيد المتّصلة إلى المؤلِّفين.

وبعد ذلك أكبَّ على مطالعة الكتب والتدريس في بلده (مناقه) إلى أن اشتدت رغبته في الهجرة من بلاده بعد أن استولى الاستعمار الفرنسي عليها ودبّ الإفساد فيها إلى بلاد الإسلام؛ فهاجر سنة ألف وثلاثمائة وست وستين للهجرة. فلما وصل إلى الحرم المكي "مكة المكرّمة" انضمّ إلى الحلقات العلميّة في الحرم آنذاك التي كانت حول بعض العلماء، منهم: الشيخ عبد الرزاق حمزة المصري، وكان يدرِّس في (تفسير ابن كثير) . والشيخ محمد أمين الحنفي، ويدرِّسُ في (صحيح البخاري) . والشيخ حسن مشّاط في (الترمذي) وغيرهم من المشائخ المدرِّسين في الحرم المكِّي، حواهم كلهم ثَبَتُه في الذين أخذ عنهم في الجزيرة العربية في رحلته الثانية إلى آسيا. وأما في المدينة المنورة فقد سمع من الشيخ ابن تركي النّجدي. والشيخ محمد خيّال ـ قاضي المحكمة المستعجلة آنذاك. والشيخ عمار المغربي. وحبيب الرحمن الهندي. وغيرهم من علماء الحرمين. وأجازه غيرُ واحدٍ، منهم: الشيخان المحدِّثان الهنديان: عبد الشكور الهندي، وعبد الحق العمري؛ وهما في باكستان بعد التقسيم. ومحمد بن عيسى الفاداني الجاوي، وعبد الحفيظ الفلسطيني، والسيد قاسم

بن عبد الجبار الفرغاني الأندجاني، والأستاذ محمد الشعراني البنجري المرتفوري الإندونيسي، والعتيق بن سعد الدين الإدريسي، وأبو بكر التنبكتي، وآخرون من علماء نجد، والعراق، والشام، واليمن، وأفريقيا الشرقية، والهند بقسميه، وجاوا بأقسامها. وجميع السماعات والإجازات المذكورة كلها بالأسانيد المتّصلة إلى أصحاب الكتب مجموعة في دفاتر كثيرة عنده (المترجَم) في ثبت يحويها. كما أنّه التحق بدار العلوم الشرعية في المدينة النبوية في قسم التخصّص سنة 1369هـ‍ إلى نهاية سنة 70هـ‍.

أعماله ووظائفه

أعمالُه ووظائفُه: انتقل من المدينة إلى مكة سنة 1371هـ‍ وباشر التدريس فيها بالمدرسة الصولتية (نسبة إلى المرأة الهندية المؤسسة لها المعروفة بصولة النساء) الواقعة بحارة الباب، وذلك بعد يومين خليا من شهر صفر، واستمرّ فيها مدرِّسًا في الابتدائيّة والثانوية والعالي إلى نهاية سنة 1374هـ‍. وفي هذه المدرسة التقى بواضع أصل هذه الترجمة ابن عمِّه إسماعيل الأنصاري "عضو الإفتاء حاليًّا بالرياض"، واستفاد كلّ منهما من الآخر؛ حيث اشتغلا ببحوث لا تحصى، إلى أن اختير للتدريس بالرياض في المعهد العلمي التابع لإدارة المعاهد والكليّات؛ وذلك في شعبان سنة 1374هـ‍، ثم نقل مدرِّسًا في معهد إمام الدعوة بالرياض سنة 1375هـ‍؛ واستمرّ فيه يدرِّس في جميع مراحله الابتدائي، والمتوسط، والثانوي، والعالي نهاية سنة 1381هـ‍ حيث نقل في شهر رجب للتدريس بكليّة الشريعة التابعة للإدارة العامة للمعاهد

والكليات بالرياض، واستمرَّ إلى نهاية سنة 1384هـ‍ (1) حيث نقل في مستهلّ عام 1385هـ‍ للتدريس في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية. ودار مدرِّسًا في جميع كليّات الجامعة التي افتتحت بعد، منها: كليّة الحديث، وكليّة القرآن، وكليّة اللغة، وكليّة الدعوة؛ إلى أن انتقل إلى الدراسات العليا بالجامعة سنة 1396هـ‍ باسم (أستاذ مشارك) (2) .

_ (1) وفي هذه السنة درَّس بمكة المكرمة في المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام ا. هـ‍. عبد الأول. (2) قسمي السنة والعقيدة؛ وبعد تمام ثلاث سنوات من رئاسته قسم العقيدة في الدراسات صار رئيس قسم السنة إلى سنة 1405هـ‍، ثم عاد إلى رئاسة القسم حتى سنة 1408هـ‍. وفي سنة 1410هـ‍ في شهر رجب أُحيل على التقاعد؛ وهذا بعد ما أمضى في حقل التدريس أربعين سنة كاملة.

مؤلفاته

مؤلّفاتُه: وقد شرع في التأليف في فنون مختلفة؛ فقد ألّف في النحو كتابًا باسم: (الأجوبة الوفية عن أسئلة الألفيّة) ، وفي التوحيد السلفي كتابًا سمّاه: (أبو الحسن الأشعري وعقيدته) ، وفي الفقه رسالة سماها: (تحفة السائل عن صوم المرضع والحامل) ، ورسالة: (الإعلان بأن "لعمري" ليست من الأيمان) ، وألّف فيما يتعلّق بالحديث كتبًا كثيرة وهي: (الفتح الكبير في تراجم شيوخ الطبراني من المعجم الصغير) ، و (فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدِّثين بالألقاب) ، و (إتحاف ذوي الرّسوخ بمن دلّس من الشيوخ) ، و (تعليق الأنواط في التذييل على صاحب الاغتباط) ، و (سبيل الرشد في تخريج أحاديث بداية ابن رشد) ، و (إعلام الزمرة في أحكام الهجرة) ، و (إعلام الحميم بأقسام العلوم) ، و (يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر) ، ونظم (المختلف) للأزدي. و (مبادئ في أصول التفسير) ، و (تاريخ مِلّي ـ أي: مالي ـ في القديم

والحديث) جزآن، و (كشف اللّثام عما ورد في دخول مكة بلا إحرام) ، و (كشف الستر عما جاء في شدّ الرحال إلى القبر) ، و (كشف الستور عن نهي النساء عن زيارة القبور) . وفي السيرة النبوية رسالة بعنوان: (تحقيق السيرة النبوية) . وغيرها من الرسائل المفيدة تحت التحقيق والتهذيب. ومن الجدير بالذكر: أن عند المترجَم مكتبةٌ تحوي أهمّ كتب الحديث بأنواعه المختلفة، مطبوعًا ومخطوطًا تقدّر بثلاثة آلاف مجلّد بما فيها كتب التوحيد وفقًا لسيرة السلف (1) .

_ (1) عن أصل الترجمة التي حرّرها ابن عمه الشيخ إسماعيل الأنصاري؛ وقد بوّب هذه الترجمة وحرّرها بعد إضافة بعد النقاط اللازمة لبيانها تلميذه أحد طلاّب كلية الشريعة بالرياض: صالح محمد الفهد، وذلك بتاريخ 22/5/1393هـ‍. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

محدث المدينة المنورة الشيخ العلامة: حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله

محدث المدينة المنورة الشيخ العلامة: حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله دراسته وشيوخه ... محدث المدينة المنورة الشيخ العلامة: حماد بن محمد لأنصاري "رحمه الله". بقلم: الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي (مكة المكرمة) . في يوم الأربعاء 21 من شهر جماد الآخرة 1418هـ الموافق 22 أكتوبر1997م فقدت الأمة الإسلامية علما شامخا من أعلام السنة النبوية ورمزا بارزا من رموزها في هذا العصر بعدما ظل سنين طويلة ينهل طلبة العلم من نبعه الفياض، بل من بحره الزخار ما يرون به غليلهم ويشفي به عليلهم. كان أستاذنا وشيخنا محدث المدينة المنورة ومسندها العلامة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري "رحمه الله" من أبرز من عرفته العلماء ممن يرجع إليهم في هذا العصر لمعرفة السنة النبوية وعلومها، ومصادرها، وأصولها، وقواعدها، وفوائدها، وعللها، وشرحها، وفقهها، والتميز بين صحيحها وضعيفها، ومعرفة غوامضها ومعانيها. ولقد كانت وفاته خسارة كبيرة لطلبة العلوم الشرعية عامة ولطلبة علوم السنة النبوية خاصة. وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما دراسته وشيوخه: ولد الشيخ في أسرة مشهورة في مالي بالعلم والفتيا والقضاء؛ فحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب وهو في الخامسة عشرة من عمره، وحفظ الكثير من كتب المتون وهو في سن التاسعة عشرة، وكان لا يزال يحفظها حتى إلى السنوات الأخيرة من عمره؛ وهذا ميزت بما يمتاز بها كثير من علماء شنقيط والغرب الإفريقي، ومن أبرز ما شاهدت في هذا المجال: شيخنا العلامة محمد أمين الشنقيطي "رحمه الله" صاحب كتاب (أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن) ، وقد حضرت عليه درسا واحدا في الجامعة الإسلامية وكثير من دروسه في المسجد النبوي؛ فكان لا تمرّ عليه مسألة في الأصول، أو المصطلح أو

القواعد، أو غيرها من العلوم إلاّ ويتبعها ببيت من الشعر يدل عليها، وكأن تلك الكتب كلها بين يديه يأخذ منها ما يشاء كالذي يغرف من البحر دون تعب أو مشقة. وكان شيخنا حماد الأنصاري "رحمه الله منهم"؛ وكما قيل: (من حفظ المتون حاز على الفنون) ، وهذا لا شك إذا كان الحفظ مقرونا بالفهم والنظر كما كان الحال عند هؤلاء العلماء الأجلاء. تلقى الشيخ تعليمه الأول من مشايخ بلده، ومن بينهم: عمه الشيخ أحمد بن محمد الذي يلقب "بالبحر" لتبحره في العلوم، ومن خاله محمد أحمد بن تقي، وابن عمه موسى بن الكسائي، والفرضي حمود بن محمود الشريف الحسني. وإبان الحرب العالمية الثانية اشتد ضغط الفرنسيين المحتلين على المسلمين في مالي حتى أظهر الشيخ وكثير غيره إلى الهجرة من (تاد مكة) إلى (مكة المكرمة) ، حيث وصل المملكة العربية السعودية عام 1366هـ؛ ولشيخنا رسالة في وصف هجرته من مالي إلى المملكة العربية السعودية كما كنت سمعت منه في بعض مجالسه في بيته، وأظنها مازالت مسودة والله أعلم. وفي بلاد الحرمين التقى الشيخ بكثير من كبار علماء العالم الإسلامي، وحصل منهم على إجازات للرواية والتحديث؛ ومن بينهم: الشيخ أبو محمد عبد الحق العمري الهندي، المدرس بالمسجد الحرام "رحمه الله"، والشيخ عبد الشكور الهندي، والشيخ عبد الحفيظ الفلسطيني، والسيد قاسم بن عبد الجبار الفرغاني، والشيخ أبو بكر التنبكتي، والشيخ محمد ابن تركي، والشيخ محمد

الخيال النجدي، والشيخ عمار المغربي، والأستاذ محمد الشعراوي البنجري، والشيخ محمد بن عيسى الفاداني الجاوي المكي. ومن بينهم: محدث الهند العلامة الشيخ عبد الله المباركفوري "رحمه الله" صاحب كتاب (مراعاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح) المتوفى سنة 1414هـ. وعندي "أيضا" إجازة من شيخنا المباركفوري "رحمه الله" برواية كتابه (مشكاة المصابيح) وجميع مسموعاته من شيوخه، كتبها لي "رحمه الله" يوم الأربعاء 26 جماد الآخرة 1410هـ الموافق 24 يناير 1990م. وقد أفاد شيخنا الأنصاري "رحمه الله" في إجازته التي كتبها لي في بيته في المدينة المنورة يوم الأربعاء الموافق 9/4/1415هـ أنه يروي أيضا عن الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان مدرس التوحيد والحديث في المسجد الحرام كل ما حواه ثبته، ومنه الحديث المسلسل بالأولية. وكذلك يرويه "أي: الحديث المسلسل بالأولية" شيخنا عن شيخه حافظ العصر ومسند الوقت ومحدثه أبي الأسعاد (1) وأبي الإقبال محمد بن عبد الحي بن عبد الكبير المغربي الفاسي، وعن شيخه السيد قاسم عبد الجبار الفرغاني الأندجاني، وعن الشيخ حمود بن عبد الله التويجري. وكانت للشيخ الأنصاري "رحمه الله" إجازة أيضا من الشيخ راغب بن حمود الطباخ "رحمه الله" برواية كل ما جاء في ثبته (الأنوار الجليلة في مختصر الإثبات الحلبية) مكاتبة.

_ (1) الشيخ حماد "رحمه الله" لا يروي عنه عبد الحي الكتاني إلاّ بواسطة؛ وهذا وهمٌ من الكاتب.

تلاميذه

تلاميذه: ظل الشيخ "رحمه الله" ينشر العلم تدريسا وتفقيها وتحقيقا أكثر من ثلاثة وثلاثين عاما؛ حيث عمل مدرسا في المدرسة الصولتية بمكة المكرمة في أول الأمر، ثم انتقل إلى الرياض وعمل مدرسا في المعهد العلمي بالرياض سنة 1374هـ، ثم في معهد إمام الدعوة في الرياض أيضا عام 1375هـ. وفي عام 1385هـ انتقل الشيخ مدرسا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، واستمر بالتدريس فيها إلى عام 1407هـ، حيث أحيل إلى التقاعد. وبالإضافة إلى تدريسه الرسمي في الجامعة الإسلامية، كان الشيخ يلقي دروسا عامة في المسجد النبوي أيضا؛ حيث كان يدرس من (صحيح البخاري) و (صحيح مسلم) و (جامع الترمذي) وغيرها. وأشرف فضيلته على كثير من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعة الإسلامية، وقد طبع العديد منها، ومن بينها: كتاب (الأسامي والكنى) لأبي أحمد الحاكم الكبير، و (مختصر الأحكام) للطوسي، و (معجم ابن الأعرابي) ، وغيرها. وخلال هذه الفترة الطويلة درس عليه آلاف من الطلبة من مشارق الأرض ومغاربها من الوافدين إلى الجامعة الإسلامية والمتخرجين فيها. وتلاميذه منتشرون في أنحاء العالم كله وكثير منهم قاموا ولا يزالون بمهمات عظيمة وأعمال جليلة في مجال الدعوة والتعليم وتخرج على أيديهم آلاف مؤلفة؛ فبارك الله في جهودهم وأعمالهم.

وبالإضافة إلى التدريس الرسمي فكما ذكرت سابقا أن بيته كان مقصدا للعلماء من كل أصقاع الدنيا، فكان يفد إليه العلماء من كل حدب وصوب شرقا وغربا للاستفادة منه ومن الكنوز الثمينة الموجودة في مكتبته اطلاعا وقراءة وتصويرا. ومَن كان هذه حاله فلا يحصى عدد تلامذته والمستفيدين منه إلا الله سبحانه وتعالى.

عقيدته ومذهبه

عقيدته ومذهبه: لعل من نافلة القول أن أتحدث عن منهج الشيخ "رحمه الله" في العقيدة والعمل؛ فقد كان "رحمه الله" على منهج السلف الصالح عقيدة وعملا واتباعا وسلوكا، وكان في ذلك أشهر من نار على علم، يدعو إليه ويدافع عنه في محاضراته ودروسه ومجالسه، وكلما سنحت له الفرصة، ويعتبر ما يخلف ذلك من الطواغيت، وكان علم التوحيد والحديث من أبرز ما تخصص فيه الشيخ "رحمه الله"، وهما اللذان أخذا جل اهتمامه يدور مع الدليل حيثما دار؛ فإذا ثبت لديه شئ قال به لا يخاف فيه لومة لائم. ولم أسمع منه قط يذكر له مذهبا معينا أو يدافع عن مذهب معين.

مؤلفاته

مؤلفاته: لقد ظهر مما سبق أن الشيخ "رحمه الله" قضى معظم حياته في التدريس وتربية الأجيال وتخريج العلماء؛ ولذلك لم يستطع أن يتفرغ للتصنيف والتأليف كثيرا، ومع ذلك ترك مجموعة قيمة من المؤلفات والرسائل، ذكرها الشيخ محمد المجذوب في كتابه (علماء ومفكرون عرفتهم) ، والأستاذ عبد الرزاق المحمدي في كلمة له في جريدة (المدينة) عدد الجمعة جماد الآخرة 30/1418هـ.

فمن مؤلفاته المطبوعة: 1- بلغة القاصي والدني في تراجم شيوخ الطبراني. واعتبره الشيخ أحب مؤلفاته إليه بسبب ما عاناه في تأليفه من المشاق "فيما رواه عنه الشيخ محمد المجذوب". 2- رفع الأسى عن المضطر إلى رمي الجمار بالمسا. 3- رفع الاشتباه عن حديث من صلى في مسجدي أربعين صلاة. 4- تحقيق القول في حديث "من مضت عليه خمسة أعوام أو أربعة أعوام وهو غني ولم يحج ولم يعتمر". 5- كشف الستر عما ورد في السفر إلى القبر. 6- الإعلان بأن "لعمري" ليست من الأيمان. 7- عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري. 8- الأجوبة الوفية على أسئلة الألفية. 9- إتحاف ذوي الرسوخ بمن عرف بالتدليس من الشيوخ. وقد نشر أولا في مجلة الجامعة الإسلامية في خمس حلقات بين رجب 1377هـ إلى ربيع الثاني 1390هـ بعنوان "التدليس والمدلسون"، ثم طبع هذا الكتاب في سنة 1406هـ. وقد ذكر فيها (161) شخصا من رواة الحديث وصفوا بالتدليس، جمعهم من كتب الحافظ ابن حجر، وبرهان الدين الحلبي، والحافظ أبي بكر السيوطي. 10- فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدثين بالألقاب، ألفه سنة 1381هـ في مكة المكرمة وانتهى من تبييضه سنة 1403هـ.

11- يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر. 12- تحقيق كتاب "ديوان الضعفاء والمتروكين" للإمام الذهبي. 13- تحقيق كتاب "ذيل ديوان الضعفاء والمتروكين" للإمام الذهبي أيضا. ومن الكتب الأخرى التي لم تطبع: 14- سبيل الرشد في تخريج أحاديث ابن رشد. في أربعة أجزاء. 15- كشف اللثام عما ورد في دخول بلا إحرام. 16- البت في الطواغيت الست. ومما يذكره مترجماه: 17- تحقيق كتاب "المستفاد من مبهمات المتن والأسانيد" للحافظ العراقي. 18- وفي مقابلة لي بفضيله عند ما كتب لي إجازة مروياته أخبرني أنه يقوم بتحقيق كتاب "شروط الأئمة الست" لابن منده. فلا أدري هل أتم تحقيقه أم لا؟ وللشيخ رسائل وكتيباب أخرى؛ فقد كان "رحمه الله" نشر بعض رسائله في (مجلة الجامعة السلفية) الصادرة في بنارس بالهندن وكانت تصدر باسم "صوت الجامعة"، ثم أصبحت "مجلة الجامعة السلفية"، وأخيراً استقر اسمها على "صوت الأمة"؛ وبهذا الاسم تصدر الآن، وهي في سنتها الثلاثين؛ أطال الله بقاءها، وأعان القائمين عليها، ونفع بها الإسلام والمسلمين. ولا أملك الآن الأعداد القديمة لهذا المجلة حتى أستطيع أن أعرف عناوين الرسائل التي فيها، ولقد بحثت في بعض الأعداد الموجود لدىّ فوجدت فيها في عددي محرم، وصفر 1396هـ مقالة بعنوان "تحفة القاري في الرد على الغماري"

وتقع في 49. صفحة؛ وهي في الرد على كتاب "إتحاف الأذكياء في التوسل بالأنبياء وغيرهم من الصالحين والأولياء" للشيخ عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري الحسني كما صرح به في أول الرسالة. كما وجدت في العدد المشترك لشهري محرم، وصفر1404هـ مقاله بعنوان "لعمري"، وتقع في ثلاثين صفحة من صفحات المجلة، والظاهر أنها في الكتاب المسمى (الإعلان بأن "لعمري" ليس من الإيمان) . وأظن أنه طبع في المجلة نفسها مقال أيضا للشيخ في تحقيق ما ورد في ليلة النصف من شعبان، ومقال آخر في تحقيق ما نسب إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" من عرض الحديث على القرآن " ما آتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فأنا قلته وما لم يوافق كتاب الله فلم أقله"، أو نحو هذا. وكان الشيخ "رحمه الله" قطع هذه المقالات من صفحات المجلة وجمعها في مجلة عنده؛ فلابد أنها موجودة في مكتبته العامرة إن شاء الله. وللشيخ منظومة أيضا في ضبط الأسماء المتشابه بلغت مائتين وخمسين بيتا وذكر بعضها الشيخ محمد المجذوب في كتابه. منهج الشيخ في التأليف: لم أطلع على كل مؤلفات الشيخ "رحمه الله" لأنها طبعت في فترات متباعدة جدا ومن الصعب الحصول على كثير منها، ولكن من خلال اطلاعي على ما اطلعت عليه تبين لي أن الشيخ "رحمه الله" في تحقيقه لكتب التراث يركز على تصحيح النص قدر الإمكان ويتجنب تطويل الحواشي. أما رسائله فهي تمتاز بالاستيعاب والجمع لكل ما ورد في الموضوع قدر الإمكان، ثم التحقيق والنقد لتمييز ما صح عنه وما لم يصح، ثم استخلاص

النتيجة على ضوء ما ثبت له بعد البحث والتحقيق، وأسلوبه في كل هذا واضح وسهل ويستفيد منه المتخصص وغير المتخصص على السواء؛ فالقاري المتخصص في علم الحديث أو التوحيد يجد في رسائل الشيخ من الروايات والأحاديث الواردة في المراجع النادرة التي لا يصل إليها كل باحث ميزة الشيخ في هذا الباب أنه ينقل الحديث بإسناده ليطلع عليه من شاء، وهذا له فائدة أهل عند الفن. ثم يتبع بعد ذلك بنقد ودراسة الأسانيد، ويبين ما ورد في رواية من نقد وجرح أو تعديل، ثم يصل بعد ذلك إلى تصحيح الحديث أو تضعيفه حسب القواعد العلمية المقررة. وفي النهاية يسوق خلاصة البحث والنتيجة التي توصل إليها بعد دراسة الأدلة ونقدها. ولنأخذ مثالا على ذلك في رسالته في "لعمري"، وعندما بدأت في قراءة هذه الرسالة بان لي أن هذا الموضوع لم يسبقه أحد بإفراده في رسالة أو تأليف. ولما قرأت خمس صفحات منه وإذا بالشيخ نفسه يصرح بذلك قائلا: (ولقد فتشت وسألت عمن ألف في هذا فلم أجد من قرع بابها قبل قلمي هذا) .

العلامة حماد بن محمد الأنصاري ميراث وتراث

العلامة حماد بن محمد الأنصاري ميراث وتراث سياق النسب الشريف ... العلامة حماد بن محمد الأنصاري ميراث وتراث. بقلم: زين العابدين بن غرم الله الغامدي. الحمد لله الذي نوّر قلوب أوليائه بالإيمان، ورفع درجات أصفيائه في منازل الجنان ما امتلأت قلوبهم إلا بشكره وتوحيده، ولا لهجت ألأسنتهم إلاّ بذكره وتمجيده. بعثَ الرسلَ مبشرين ومنذرين، وجعلهم حجة على خلقه إلى يوم الدين. والصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين الذي ختم الله به الأنبياء والمرسلين، وجعل أتباعه له كالحواريين. وبعد: فإنه لا يخفى على طالب علم وراغب فهم ما لسير العلماء الربّانيين من مكانة في نفوس الطالبين، وما فيها من عبرٍ وعظات للمتدبرين لما تضمنته من جليل خصالهم، وحميد ذكرهم وفعالهم، ولما لهم من الفضائل المنيفة، والخصال الشريفة؛ ولذلك دأب العلماء في القديم والحديث على تدوين سير أهل العلم والفضل وتراجمهم فألّف الخطيب "رحمه الله": (تاريخ بغداد) ، وصنّف ابن عساكر "رحمه الله" (تاريخ دمشق) ، ودوّن الذهبيُّ "رحمه الله" كتبه الشهيرة: (تذكرة الحفّاظ) ، و (تاريخ الإسلام) ، و (سير أعلام النبلاء) ، وغيرها كثير من المصنَّفات التي عُنيت بتراجم الرجال وطبقاتهم ووفياتهم وأخبارهم وسيرهم مما لا يخفى؛ هذا على وجه العموم. وعلى وجه الخصوص ألَّف الحافظُ ابن رجب "رحمه الله": (مختصر سيرة عمر بن عبد العزيز) ، و (سيرة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز) ، وألف السخاويُّ "رحمه الله" ترجمةً حافلةً للحافظ ابن حجر أسماها: (الجواهر والدُّرر) ، وألَّف شيخنا الأنصاري ترجمة لشيخه عبد الله المدني بعنوان: (دعوة الشيخ محمد بن عبد الله المدني في الصحراء الكبرى وأثرها) .

وعلى هذا النهج السديد حاولتُ أن أجمع ترجمةً مستوفاةً عن شيخنا الجليل حماد بن محمد الأنصاري "رحمه الله"، راجيًا بذلك الثواب عند الله تعالى ووفاءً لما له عليَّ وعلى سائر طلاب العلم من حقوقٍ لا نستطيع الوفاءَ بها إلا بجهد المقلِّ؛ فبالله أستعينُ، وعليه أتوكّل. وهذا أوانُ الشروع في المقصود، فأقول: لقد حفل تاريخنا الإسلامي في القديم والحديث بأعلامٍ وعظماء كان لهم الذكرُ الحميد والفخر المجيد والأثر البارز التليد؛ لذا سطَّر التاريخ ذكرَهم بمدادٍ من ذهب على جبين الدهر، وما ذلك إلاّ لخصائصهم المتميّزة وآثارهم الموروثة، وما لهم من تأثيرً بارزٍ في مجريات الأحداث من حولهم أو تغيير مسار التاريخ من وجهة إلى وجهةٍ أخرى يريدونها؛ لذا كان التاريخ شاهدًا على أقوالهم النورانية المضيئة وأعمالهم القيِّمة الجليلة ومواقفهم القوية في اللحظات التاريخية الحاسمة؛ فكانوا بحقٍّ رجال مواقف وأرباب مُثُل ودعاة هدًى ونور؛ فاستحقوا شرف تخليد الذكر الحسن في القلوب والأنفس ما بقي تاريخٌ وما عاشت أرواح. ومن هؤلاء الأعلام العظماء البارزين في العصر الحديث الذين كان لهم أثرٌ واضحٌ وميراثٌ وتراث: فضيلة العلامة أبو عبد اللطيف حمّاد بن محمد بن محمد بن محمد حنَّة بن المختار الملقّب (أمتال) ؛ وينتهي نسبُه إلى سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي "رضي الله عنه"؛ فهو من سلسلة الأنصار المباركة. هذا، وللأنصار تاريخٌ عريقٌ وأثرٌ جليل في خدمة الإسلام ونبي الإسلام "صلى الله عليه وسلم"؛ لذا أشاد الوحي الإلهي كتابًا وسنَّةً بذلك في مواضع شتّى: فقال تعالى: {والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يُحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم

خصاصة ومن يوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون} ، وقال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسانٍ رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنَّاتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم} ؛ فأيُّ شرفٍ بعدَ هذا الشرف، سيَّما والأنصار تسمية سماويَّةٌ ربانية تشريفًا لهم وتخليدًا لعملهم العظيم في نصرة الله ورسوله "صلى الله عليه وسلم" والمؤمنين، وإشادةً بمنقبة النُّصرة التي لا يوازيها منقبةٌ بعد الإسلام. فعن غيلان بن جرير قال: قلت لأنس "رضي الله عنه": أرأيت اسم الأنصار كنتم تسمون به أم سمّاكم الله؟، قال: بل سمانا الله. كنا ندخل على أنسٍ فيحدثنا بمناقب الأنصار ومشاهدهم ويقبل عليّ أو على رجلٍ من الأزد فيقول: فعل قومُك يوم كذا وكذا (1) . وعن أبي هريرة "رضي الله عنه" عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: قال أبو القاسم "صلى الله عليه وسلم": "لو أنَّ الأنصارَ سلكوا واديًا "أو شِعبًا" لسلكْتُ في وادي الأنصار؛ ولولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار"، قال أبو هريرة: ما ظلم آووه ونصروه. أو كلمةً أخرى. سياق النسب الشريف: فضيلة العلامة أبو عبد اللطيف حماد بن محمد بن محمد بن محمد حنَّة بن المختار (أمتال) بن محمد البشير الصَّغير بن القاضي محمد المختار "المعروف (امَّد) " ابن القاضي محمد أحمد الكبير بن القاضي محمد البشير الكبير بن الوليّ أبي محمد محمد بن يوسف الأنصاري "المعروف (إدنتكرنت) " بن إبراهيم بن

_ (1) أخرجه البخاري في المناقب: باب مناقب الأنصار (7/110) .

هارون بن محمد بن نوح بن محمد بن سلّوم بن يعقوب الأنصاري بن فاخر بن عتاهية بن أبي أيوب الأنصاري بن حيون بن عبد الواحد بن عفيف بن عبد الله بن رواحة بن سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي "رضي الله عنه". ويتضح من سياق هذا النسب الشريف مكانة العلامة الأنصاري؛ حيث نستفيد ثلاثة أمور: أولها: أنه من سلالة علم وفقه وقضاء. ثانيهما: صحة نسبته إلى الأنصار "رضي الله عنهم". ثالثهما: عنايته بعلم الأنساب سيَّما نسبُه الشريف؛ فهذا النسب من إملائه "رحمه الله".

وقفات مع سيرته

وقفات مع سيرته: يعود أصل العلامة الأنصاري "رحمه الله" إلى الأندلس؛ حيث كانت تقطن أسرته التي عاصرت آخر دولها: دولة ابن نصر التي حكمها بنو الأحمر، ونظرًا للصراعات الدائرة بين حكّام الأندلس آنذاك فقد استغلّ الأسبانيّون الفرصة وانقضُّوا على الأندلس واستعمروها مما حدا بأسرة الأنصاري للهجرة منها؛ فتوجهوا إلى المغرب، ووجدوا فيها فتنًا كفتن الأندلس، ثم واصلوا سيرهم تجاه أفريقيا الغربية وتوجّهوا إلى السنغال، ولما وصلوا لم يجدوا فيها الأمن والاستقرار الذي ينشدونه؛ ويبدو أن فتن الاستعمار وقلاقل المستعمرين انتشرت من الأندلس إلى أفريقيا مما حدا بالأسرة الأنصارية أن تنتقل من بلدٍ إلى بلد، ولا

يستقر بها المقام في منقطةٍ واحدة حتى منَّ الله عليهم بالوصول إلى منطقة (تنبكتوا) قرب (مالي) التي كانت تسمّى من قبل (تكرور) (1) . وهنا استقرّت الأسرة المهاجرة، وقامت ببناء قرية بالقرب من (تنبكتوا) متوسطةً بين مالي والجزائر والمغرب الأقصى وليبيا؛ فلما تمَّ بناؤها بارك الله تعالى فيها فصارت مهوى الناس لما فيها من الأمن والأرزاق التي يحتاجها الناس بسبب اشتغال أهلها بالتجارة والكسب؛ لذا صار يرتادها المسافرون من الجزائرين والمغاربة والليبييين. وكان هؤلاء الوافدون إليها باسم التجارة يجدون فيها حاجاتهم من الأغذية والأقمشة ونحوها من ضروريّاتهم؛ ولأنّ هذه القرية الناشئة استقطبت أنظار من حولها للأمن والاستقرار ووفور النعم وتتالي الخيرات فيها فقد سمِّيت باسم (السوق) ، وصار ينسب أهلها إلى هذا الاسم فيقال: (السوقويون) . لكنَّ هذا الاسم لم يلبث حتى تغيَّر وسمِّيت باسم آخر نظَرًا لتطوّرها وتحوُّلها إلى مدينةٍ يتقاطر عليها الحجّاج من كلِّ حدبٍ وصوب؛ وكان هؤلاء القادمون إليها من الحجاج الذين كان مقصدهم مكّة للحج يبقون فيها ويتركون مواصلة رحلة الحج، سيّما القادمين من (نواكشوط) ؛ فسألهم بعض مشايخ السوق لماذا لا تستمرون في طريقكم إلى أداء فريضة الحج؟، فقال عميدهم: (تاد مكَّة) ، أي: هذه مكة، فقال السائل: كيف تكون هذه البلدة مكة؟، قال: لأننا جئنا إليكم متعبين فوجدنا الراحة وما نحتاجه؛ فمن ثَم كثرت هذه الكلمة على ألسنة العامة (تادا مكة، تادا مكة) .

_ (1) هذا الكلام من قوله يعود إلى (تكرور) مستفادٌ من الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ؛ حيث كان يذكره في مجالسه ا. هـ‍. عبد الأول.

قال الموريتاني: (تادا مكة) ، وقال العامة (تادا مكة) ، أي: هذه مكة؛ فلما كثُر إطلاقها على هذه البلدة نُسي الاسم الأول (السوق) . قال شيخنا الأنصاري: (وقيل: سمِّيت بذلك تشبيهًا لها بمكة؛ لأن (تادا مكة) كانت في وادٍ بين أربعة جبال؛ فهي تشبه مكة المحاطة بالجبال (1) . وفي هذه البلدة المباركة عاشت الأسرة الأنصارية في حياةٍ آمنة مطمئنة، يأتيها رزقها رغدًا من كلِّ مكان، شاكرة نعم الله عابدةً له على صراطٍ مستقيم؛ إلى أن جاء القرن التاسع الهجري فغزاها رجلٌ تكروري من مالي اسمه (سِنْغلي) ؛ فقام بقتل أهلها وتشريدهم في الصحراء، وهدم تلك البلدة، حتى لم يبق لها أيّ أثر يذكر وبقيت بعد الغزو الآثم على هذا الحال ولم تُبن بعد ذلك.

_ (1) حديث خاصٌّ مع شيخنا الأنصاري.

لقاء أحد أجداد شيخنا الأعلى بالسيوطي رحمهما الله

لقاء أحد أجداد شيخنا الأعلى بالسيوطي "رحمهما الله": كان من الفارِّين بدينِهم الذين نالهم أذى الغزو التكروري أحد أجداد شيخنا (محمد بن يوسف الأنصاري) ، وكان من العلماء الكبار آنذاك، ومعه تلميذه: (الشريف: محمد إسحاق أبو الهدى الدَّغوغي (2) . وقد هربا إلى (النيجر) إلى بلدة اسمها (آير) شرق (النيجر) على حدود ليبيا، وهناك اجتمعا مع الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، وعبد الكريم المغيلي التواتي، وكان قد قدما من القاهرة إلى (النيجر) للدعوة والتعليم، بدعوة من قاضي (آير) محمود البغدادي؛ وهناك اجتمع الثلاثة من غير

_ (2) الدغوغي: نسبة إلى بلدة في المغرب، تسمّى (دغوغ) : قريبة من مرّاكش ا. هـ‍.

مواعدةٍ بينهم، ففتحوا دروسًا في المنطقة تحت إشراف القاضي البغدادي والحافظ السيوطي "رحمهما الله". ولما انتهت الدَّورة الدراسية وعزم كلُّ واحد من الثلاثة (السيوطين والمغيلي، وجدُّ شيخنا) على الرحيل ذهب السيوطي إلى عاصمة نيجيريا (كانوا) بدعوة من رئيسها للتدريس هناك، وذهب معه تلميذه جدُّ شيخنا، وأبو الهدى الشريف، ورجع عبد الكريم المغيلي إلى مسقط رأسه، ونشأتُه منطقة (أدرار) التي عاصمتها (توات) جنوب الجزائر، ورجع جدُّ شيخنا الأعلى محمد بن يوسف الأنصاري إلى وسط مالي في المنطقة الشرقية التي عاصمتها (تنبكتو) جنوب (تادا مكة) التي هُدمت (1) . هذا، وفي (تادا مكة) كان مولد الأنصاري ونشأته؛ حيث نشأ في بيت علم وفتوى وقضاء، وتوفي والده وهو ابن ثمان سنين فكفله عمُّه البحر محمد أحمد "وهو أولُ شيوخه"، ثم أخذه خاله محمد أحمد بن تقي الأنصاري، وعنه أخذ بعض العلوم والمعارف سيّما اللغة. ومن شيوخه في أفريقيا: موسى بن الكسائي، والشريف الإدريسي، والشيخ محمد عبد الله المدني؛ وقد درس عليهم حتى أتمَّ سائرَ الفنون من تفسيرٍ ونحو وفقه وحديث وأدبٍ وشعر وغير ذلك، ثم ترقّى الأنصاري في مراقي العلوم حتى شبَّ عن الطوق وصار صاحب فنٍّ وذوق. ومِن هنا أزمع على الهجرة بعد مجيء الاستعمار الفرنسي بتشجيعٍ من شيخه محمد عبد الله المدني "رحمه الله" الذي أخذ عنه علم التوحيد السلفي،

_ (1) من إجابات شيخنا الأنصاري ـ رحمه الله تعالى ـ على أسئلة له في رمضان المبارك قُبيل مرضه بأيّام عام 1417هـ‍.

وعلم الحديث، فاتّجه إلى الحرمين الشريفين، وأخذ عن علمائها، ومنهم: محمد الخيَّال، ومحمد بن تركي، وحامد فقي، وحسن مشّاط، وعبد الرزاق حمزة، والشيخ عمر برِّي، والشيخ عبد الرحمن الإفريقي، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وغيرهم كثير. وأُجيز بالحديث وسائر الفنون، كما أُجيز بالتدريس؛ فدرَّس النحوَ، والبلاغة، وأصول الفقه، وأصول الحديث، والمنطق، وصحيحي البخاري ومسلم، و (سنن الترمذي) ، و (التوحيد) لابن خزيمة، وغيرها. وفاق أقرانَه، واشتهر ذكرُه حتى ذاعَ صيتُه في الأقطار. وكان "يرحمه الله" ذات سمتٍ حسن وهدي نبويٍّ، يعمل بالسنن، طيِّب السيرة، نقيّ السريرة، مع التقوى والورع والزهد في حطام الدنيا، عالمًا، عاملاً، باذلاً نفسَه لطلاّب العلم، لا يبخل بعمله ولا بفهمه، صبورًا على مشاقّ العلم وعقباته، بعيد الهمَّة، حاضر البديهة، سريع الاستحضار، قويّ الذاكرة، حافظًا، زاخرًا بللآلئ العلم ودرارِيه، وسع الإطلاع، غزير المعرفة، مع الحلم والتواضع، والجود والكرم، وبذل النفس، وغير ذلك من الخصال الجميلة والصفات الحميدة؛ فرحمه الله رحمةً واسعة، وجمعنا به في مستقرِّ رحمته.

أدبه وشعره

أدبه وشعرُه: كان الأنصاري "رحمه الله تعالى" أديبًا من الطراز الأول؛ حيث كان معنيًّا بدراسة اللغة والأدب طيلة عشرين سنة، وقد أخبرني أنَّ له ديون شعرٍ، ولكنه ضاع مع مكتبته التي بقيت في البلاد.

وهذا، ومن نماذج أدبه: رسالته في أقسام العلوم الموسومة: (المقامة الأنصارية) ، وهي مخطوطة صاغها بأسلوب المقامات الأدبية، ولها اسم آخر وهو (إعلام الحميم بأقسام العلوم) . هذا، ومن شعره: قصيدة مدح بها الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية "رحمه الله"، قال فيها: ألا من لي بعنس (1) جلمزيز (2) ... تساعدني بنصِّ (3) أو هزيزِ (4) هملَّعَةِ (5) مضمَّرةٍ (6) زجول (7) ... برجليها إذا مَلعتْ (8) نَهوزِ (9) تبلِّغُني إلى ملكٍ كريم ... رفيعِ المُنْتَمى عبد العزيز أعزَّ الدِّين بعد الذُّلِّ حينًا ... فدانَ له ملوك الإنجليز وراموا أن يجيز لهم ضلالاً ... كما عُهدوا وما هو بالمُجيز وجدَّد كلَّ مندرسٍ قديم ... وعجَّت ذي المناسك بالأزيز ويوم البذل فهو صَفِيُّ كفٍّ ... وكفُّ الغير كالعنز العزوز (10)

_ (1) هي الناقة الصلبة. (2) صلبة غليظة قوية. (3) هو السيرُ الحثيث. (4) نوعٌ من سير الإبل، فيه نشاطٌ وحركة. (5) سريعة. (6) لطيفة الجسم معدّة للسباق. (7) زجول: سريعة الخطو. (8) أسرعت. (9) ناهضة بصدرها. (10) قليلة اللبن.

وهذه القصيدة تدلُّ على سعة إطلاعه وثروته اللغوية؛ وقد جمعت قصيدته سائر أوصاف الإبل المحمودة عند العرب؛ علمًا بأن الشيخ "يرحمه الله" كتبها على البديعة، وقد سمعتُها منه مرارًا ومن خطِّه المغربي نقلت. ومن شعره الجميل: قصيدةٌ له، نظمها عند هجرته من أفريقيا: قال "رحمه الله": هذه أبياتٌ نظمتها لما غادرت أفريقيا في سنة 1366هـ‍ في 15/8، في الحثّ على الهجرة في سبيل الله مع الصبر على مشاقِّ السفر: لله درُّ فتًى يجوب فيافيا ... يسعى بجدٍّ كي ينال أمانيا تسمو بهمته إلى أقصى المدى ... نفسٌ يجود بها تُلين القاسيا يُعنى بأمرٍ طيِّبٍ ما شابهُ ... كدرٌ إلى أسمى المراتب جاريا ويُديم في الليل الطويل تفكّرًا ... شوقًا يقرِّب للحبيب النائيا فمطى (1) إلى محبوبه زيَّافةً (2) ... بيتٌ دعائمه تفوق سواريا وتضِجُّ أشتاتٌ من الحجَّاج في ... جنباته ويرون نورًا ساميًا هذي إجابةُ ربِّنا لخليله ... لما استوى بعد البناء مناديا فسمتْ إليه بكلِّ فجٍّ ضُمَّرٌ ... ترمي بأرجلها الخِفافَ مواميا وتجرَّدوا لمَّا أتوا ميقاتهم ... وعلى جسو مهموا أفاضوا الصافيا

_ (1) جَدَّ في السير. (2) متبخترة.

ويُهلُّ بعد سلامه ذاك الفتى ... من ركعتين خفيفتين مواليا ويقولها لمَّا تجدَّد حاله ... حتى يكون من البيوت مدانيا ويطوف حين قدومه من غيرها ... ريثٌ ويمضي بعد ذلك ساعيا فالفسخ حتمٌ عند حَبرٍ قد سما ... من بعدُ عزمًا ساخطًا أو راضيا 15/8/1366هـ‍ هكذا وجدتها بخطه المغربي، وقد أنشدنيها في حياته "يرحمه الله".

خصائص الأنصاري

خصائص الأنصاري: إنَّ لكلِّ نابغةٍ وعبقري خصائص ومزايا تخصُّه وينفردُ بها عمّن سواه؛ تلك الخصائص والمزايا مؤهّلات لما ينتظره في عالم السموّ من التفرد والنبوغ والذكر الحسن الخالد. ولقد كان للعلامة الأنصاري "يرحمه الله" خصائص امتاز بها عن غيره ومزايا تفرّد بها عن أقرانه ومعاصريه مما كان سببًا في نبوغه وتميُّزه، ومن ثَمَّ تربعه على عرش (المرجعية العلمية) . فكان مرجع العلماء والطلاب على حدٍّ ساء، ولقد تفرَّست فيه طيلة ملازمتي له خلال عشر سنوات؛ فرأيت فيه من سمات الفطنة والذكاء وقوّة الذاكرة وخصائص الألمعية ما يؤهله لمرتبة العبقرية وما يجعله في مصافِّ الأفذاذ البارزين والنوابغ النادرين الذين لا نظيرَ لهم في عصرهم؛ فلقد كان بحقٍّ علَمًا فذًّا، وسيدا جهبِذًا.

فيا ترى ما هي أبرز خصائصه التي حباه الله تعالى إياها حتى تميّز بها عمن سواه ونبغ بها عن غيره؟، وللإجابة عن ذلك فإنه يمكن إيجاز تلك الخصائص في التالي: أولاً: الهمّة العالية: كان العلامة الأنصاري "يرحمه الله" ذا همّة عالية، تفوق همم كثيرٍ ممن كان لهم عناية بطلب العلم وتتبع آثاره الدّارسة. همّةٌ عالية قويّة تتطلع إلى الميزة في كلِّ علم وفن وفي كلِّ زمان ومكان؛ لقد كان هذه الخصِّيصة من أبزر الخصائص التي يتمتع بها المحدث الأنصاري، مما جعله قمَّةً من القِمَمِ المنيفة في حيازة العلم وفي سعة الأفق وتفتح المدارك. فلم يكن يهدأ للشيخ بالٌ ولا يقرُّ له قرار دون بلوغ منيته في القراءة والإطلاع والتأليف والجمع وفي البحث والتنقيب عن نفائس العلم ومخطوطاته في شتّى بقاع الأرض، ولم يكن يسأم من الساعات الطويلة التي يقضيها في ردهات المكتبات في أنحاء البلاد الإسلامية التي رحل إليها في تقصِّي البحث عن الكتب النادرة النفيسة، مع البحث الدءوب والعمل المتواصل ليل نهار تبعثه همّته القوية العلية وعزيمة الصلبة على تخطِّي العقبات وتذليل الصعوبات مهما كانت التضحيات كبيرة وغالية؛ إذْ كان يبذل وقتَه وجهدَه وماله من أجل تطلب العلم والكتب والمخطوطات بلا ضجرٍ أو سآمة، ولو كان ذلك على حساب صحّته البدنية حتى مع كبر السن وتقدُّم العمر. وإذا كانت النفوسُ كِبارًا ... تعبت في مرادها الأجسامُ وكانت تعترضه في البحث أحيانًا مسائلُ عويصة ومشكلاتٌ معضلة، ولكن بالهمّة العالية التي لا يخالطها قنوطٌ ولا يأسٌ أو تردّد كانت تهون وتتيسر

تلك المسائل والمشكلات حتى يبلغ منها مناه "يرحمه الله"؛ وكان كثيرًا ما يحثني على بذل الجهد في التحصيل والهمة فيه، ويتمثّل قولَ الناظم: والعلم ليس بقرقرٍ (1) بل في ذرى ... نيقٍ (2) يفوت مدى البزاة الصُّيَّد لم يصمه (3) سهمٌ ولم يبتزه بازٍ ... ولم يصرع برمية مِلْقد (4) لكن بأشراك الحُلوم وهمَّةٍ ... نفَّاذة الأغراض فليُتصيَّدِ ثانيًا: الصبر والجلَد والمثابرة: كان العلامة الأنصاري "يرحمه الله" ذا جلدٍ كبير، وصبر عظيم، ومثابرةٍ على التحصيل العلمي في شتّى الفنون بلا كللٍ أو مللٍ أو تضجُّر؛ فلا يبلغ مداه في ذلك أحد. وكان يحمل نفسه على عظائم الأمور وسائر المشاق في سبيل بلوغ غايةٍ علمية أو شاردة حديثيّة أو فقهية أو تراثٍ قديم. كان "يرحمه الله" يُجهد نفسه في التنقيب عن مخطوطةٍ نادرة أو كتابٍ نفيس مفقود أو تراثٍ عزيز ليُحييَ أثره ويعيده إلى الوجود بعد أن كان حبيس خزائن الكتب دهرًا طويلاً؛ حتى أنه رحل رحلات كثيرة لأجل هذه الغايات النبيلة؛ لقد صبر على لأواء رحلته من إفريقيا وشدائدها المُرَّة؛ حيث رحل إلى السودان، ومِن ثَم الجزيرة العربية؛ حدثني شيخنا الأنصاري قال: (ما خرجت

_ (1) المكان المستوي والأرض السهلة. (2) الجبل الشاهق. (3) يصبه. (4) العصا.

من إفريقيا إلاّ لأجل الحديث، وكان عندنا مكتبةٌ كبيرة كلُّ كتابٍ فيها ما عدا كتب الحديث) ؛ فخرج للبحث عن تراث الحديث النبوي الذي لم يكن عندهم في إفريقيا منه إلا الكتب التالية: 1- (الموطأ) مع الزرقاني. 2- (صحيح البخاري) . 3- (صحيح مسلم) . 4- (سنن أبي داود) . ومِن ثَم هاجر راحلاً باحثًا عن تراث السنة النبوية في غير إفريقيا؛ فرحل إلى الهند، وباكستان (1) ، والأردن، وسوريا، وتركيا، ومصر، والمغرب، وتونس، والجزائر، وليبيا، وأسبانيا، وإيطاليا؛ كلُّ ذلك لأجل البحث عن التراث العلمي المفقود والبعيد الموجود. ولم يكن يدركه قنوطٌ أو يأسٌ حينما تُغلق السبل في طريق البحث عن تراث علميٍّ مخطوط، بل كان يواصل رحلة البحث أيّامًا وشهورًا؛ وقد تنقضي السنين ولا يزال يسأل عما يبحث عنه من مخطوطات بدون تراجع أو تردد. ومِن جلَدِه على القراءة: أنه كان يمضي الساعات الطويلة ناظرًا في المطبوعات أو مفتِّشًا في المخطوطات؛ وإذا جاءه مخطوط نادر أو كتابٌ جديد فإنه لا ينام حتى يتمّ قراءته كاملاً حتى يطلع عليه الفجر ولم يكمله، وقد يجيء الضحى وهو مستغرقٌ في القراءة والإطلاع، وكان إدمانه على القراءة "سيّما

_ (1) قلت: الأردن، وباكستان، تركيان ليبيا لم يرحل إليها ا. هـ‍ (عبد الأول) .

المخطوطات" أحد أسباب مرض عينيه "يرحمه الله"؛ وقد ذكر لي أنه قرأ (فتح الباري) عشرين مرّة، وما ذلك إلاّ لصبرٍ طويل ودأبٍ على التحصيل. ثالثًا: البحث والاستقصاء: يعتبر العلامة الأنصاري "رحمه الله" أحد الأعلام البارزين في مجال البحث العلمي، وعلي يديه قامت حركة علمية؛ فهو الباعث لكثيرٍ من طلاب العلم على البحث والتقصِّي ومواصلة العمل الجادّ، مما شكَّل نهضة علميّةً كبرى سيما في الجامعات الإسلامية في العالم الإسلامي؛ فقد كان له طلاّب لا يُحصون كثرةً منتشرين في سائر بقاع العالم الإسلامي. هذا، ولقد كان الأنصاري "رحمه الله" باحثًا من الدرجة الأولى، وتميَّز بعدّة مزايا وخصائص في هذا المجال ويمكن تلخيصها في الآتي: 1- اختيار العناوين اللطيفة لمؤلفاته وبحوثه: كان العلامة الأنصاري "يرحمه الله" يُعنى بانتقاء الاسم المناسب لما يؤلف، ويحرص أن يكون جذّابا للقارئ ومطابقًا للمضمون، ولطيفًا في الوقت نفسه؛ ومن ذلك: (أين القمر؟) ، و (ثمرات المطالعة) ، و (إعلام الحميم بأقسام العلوم) "مخطوطة". 2- التنوُّع: كان العلامة الأنصاري متنوع الثقافة، موسوعي المعرفة؛ لذا جاءت مؤلفاته فيضًا من مناهل علمه الواسع العميق؛ لذا نراه قد ألّف في عددٍ من التخصصات: ففي العقيدة: (عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري) ، و (إتحاف الخلاَّن بما ورد في ليلة النصف من شعبان) ، و (تحفة القاري في الردِّ على الغماري) ، وهي مطبوعة.

وفي الفقه: (رفع الأسى عن المضطر لرمي الجمار في المسا) ، و (إعلام الزمرة بأحكام الهجرة) ، و (تحفة السائل عن صوم المرضع والحامل) ، و (كشف اللثام عما ورد في دخول مكة بلا إحرام) ، و (الإعلان بأنّ "لعمري" ليست من الأيمان) وهي منشورة. وفي الحديث وعلومه: (بطلان الخبر الذي تضمَّن عرض السنُّة على القرآن) "مخطوط"، (تعريف أهل الطاعة بما ورد في التوقيت بالساعة) "مخطوط"، و (تعليق الأنواط في التعليق على صاحب الاغتباط) "مخطوط"، وغيرها. وفي التاريخ والسيرة: (تحقيق السيرة النبوية) "مخطوط"، (تاريخ ملِّي "أي: مالي" في القديم والحديث) "مخطوط". وفي التراجم: (إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس من الشيوخ) "مطبوع"، و (فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدِّثين بالألقاب) "مطبوع"، (دعوة الشيخ محمد عبد الله المدني في الصحراء الكبرى وأثرها) ، (ترجمة لأبي حنيفة) ، (ترجمة كنيز) "مخطوط". وفي التفسير: (مبادئ في أصول التفسير) "مخطوط"، و (مختصر التفسير) "مخطوط". وفي النحو: (الأجوبة الوفيّة على أسئلة الألفية) "مخطوط". إلى غيرِ ذلك من مؤلفاته وبحوثه ورسائله المتنوعة في سائر الفنون. 3- التحقيق والاستقصاء والعمق: من مزايا بحوث محدِّث المدينة النبوية "يرحمه الله" ورسائله ومؤلفاته: تحرير المسائل وتحقيقها مع العمق والاستقصاء؛ حيث إنَّ القارئ يجد فيها ما يروى

غلّته ويشفي علّته، ولا يحتاج بعد ذلك إلى عناء البحث والتحقيق، مع الاطمئنان للنتائج التي يتوصل إليها العلامة الأنصاري من خلال تحقيقاته العلمية واستقرائه لسائر جوانب الموضوعات التي يطرقها. ويتجلّى ذلك في كتبه التالية: 1- (بلغة القاصي والدَّاني في تراجم شيوخ الطبراني) (مطبوع) : قال في مقدِّمته: (وقد جرّدت أسماءَهم من المعجم الصغير وغيره من مؤلفاته فبلغت عدّتهم: ثلاثة وخمسين ومائتين وألف شيخ، وأعتقد أن ليس للطبراني من المشايخ أكثر من هذا العدد) . فاستقرأ العلامة الأنصاري كلّ هذه التراجم النادرة، وترجم لكلّ علمٍ بترجمة مستقلّة؛ وهذا يدلُّ على سعة اطلاعِه واستقرائه واستقصائه. 2- (إزاحة الغطاء عن أدلة رفع اليدين في الدعاء) : استقصى فيه سائر ما ورد في رفع اليدين في الدعاء، وبين درجة كلّ حديثٍ من الصحة أو الضعف. 3- (سبيل الرشد في تخريج أحاديث بداية ابن رشد) : عمد الأنصاري "رحمه الله" إلى (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) فاعتنى بالأحاديث والآثار الواردة فيه، فخرَّجها تخريجًا علميًّا على منهج المحدِّثين، ثم بيّن حكم تلك الأحاديث والآثار من حيث الصحة والضعف. هذا غيضٌ من فيض يدلّ على عمق علامة المدينة النبوية ومحدِّثها "يرحمه الله" واستقصائه في بحوثه وحسن استقرائه.

خدمته للتراث

خدمته للتراث: التراث الإسلامي تراثٌ خالد زاخر بالعلوم والمعارف، وله أثرٌ عظيم في سموّ الأمة ورُقيِّها وتطوّرها فكريًّا وثقافيًا وسياسيًّا واقتصاديًا، وفي كافة

مناحي الحياة؛ وأمّة بلا تراث لا تاريخ لها، ومن لا يعرف تراثه فلا حاضر له ولا مستقبل. ومن هذا المنطلق فقد كان العلامة الأنصاري "يرحمه الله" معنيًّا بالتراث الإسلامي، سيما ما يتعلّق بالعقيدة والشريعة والسنة النبوية؛ وقد صرف جلّ وقتِه الثمين في البحث عن التراث والتنقيب عنه وإبرازه للوجود بكلِّ ما لديه من طاقاتٍ وإمكانيات. هذا، وتتجلّى عنايته بالتراث وخدمته له وللباحثين عنه في أمور كثيرة أوجزها فيما يلي: أولاً: رحلته في البحث عنه عبر أقطار العالم، ومحاولته جمع كنوزه وفحصها واقتناءها والعناية بها. ثانيًا: تزويد الجامعات الإسلامية والمكتبات العامة بنفائس المخطوطات المفقودة والبعيدة الموجودة؛ فقد كان "رحمه الله" يحرص أشد الحرص على اقتناء المخطوطات النفيسة ومِن ثَم تصويرها وإعطاء الأصل للجامعات أو المكتبات العامة، حتى إن أغلب ما في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية من المخطوطات هي من انتقاء شيخنا الأنصاري "يرحمه الله". ومن المخطوطات النادرة التي كانت في حكم المفقود كتاب (التكميل في الجرح والتعديل) لابن كثير "رحمه الله"، وكان يوجد منه قطعة في مكتبة الحرم النبوي وبقيّته مفقود، وبتفتيش العلامة الأنصاري وجد تتمة الكتاب بمصر عند أحد الورّاقين فاشتراه ثم قام بتصويره، وزوّد مكتبة الحرم بنسخة منه؛ وقد أطلعني شيخنا عليه في مكتبه العامرة، وهو الذي قصّ عليّ قصة هذا الكتاب النفيس المتعلّق بعلم الرجال.

ومن المخطوطات النفيسة التي يعود الفضل لشيخنا الأنصاري في بعثها إلى الوجود بعد أن كانت في حكم المفقود كتاب: (المتفق والمفترق) للخطيب، الذي كان دهرًا طويلاً لا يُعرف عنه شيء، وقد كان العلامة الأنصاري "يرحمه الله" دائم السؤال والتنقيب عنه حتى عثر على جزءٍ منه في مكتبة فضيلة الشيخ ابن حميد "رحمه الله"؛ ولمعرفة شيخنا باشتمال تلك المكتبة على نفائس فقد استأذن في مطالعتها فوجد فيها جزءًا منه، ثم استأذن في تصويره فأذن له، وتابع شيخنا البحث حتى وجد بقية الكتاب، ثم أرسل بقيته مصوّرًا إلى فضيلة الشيخ ابن حميد "رحمه الله" الجميع. وهو أول من أدخل (سنن سعيد بن منصور) إلى المدينة النبوية. ثالثًا: خدمة الباحثين عن التراث: وهم على قسمين: 1- طلاب الدارسات العليا بالجامعات؛ حيث كان الباحثون يفِدون إلى العلامة الأنصاري زرافاتٍ ووحدانًا للاستفادة من شيخنا في عددٍ من الجوانب أهما: الأول: استشارته في موضوعات رسائلهم للماجستير وأطروحاتهم للدكتوراه وأخذ رأيه السديد في قيمة ما يسجلونه من مخطوطات ومدى الإفادة منها. الثاني: التعرف على أماكن المخطوطات وما طبع منها وما لم يُطبع وعدد نسخها وصفتها من حيث الجودة ونوع الخط ووضوحه ونحو ذلك. الثالث: الإشراف على الرسائل والأطروحات العلمية أو مناقشتها.

شيوخه وتلاميذه

شيوخه وتلاميذه: أخذ الشيخ الأنصاري "رحمه الله" عن شيوخٍ كثُر حواهم ثبته المسمى (ثبت الأنصاري) وهو مخطوط، وكان الشيخ في إفريقيا قد درس على المنهج الدراسي الموجود عندهم؛ حيث كانت الدراسة في الكتاتيب؛ وقد أخبرني أنه كان له لوحٌ كبير، يكتب فيه أعلى من قامته لذا، كان له جارية وغلامٌ يحملان له هذا اللوح الخشبي الكبير بالتناوب. وقد شرع في حفظ القرآن في تمام العاشرة من عمره، وكان الطلاب يجتمعون على شكل حلقاتٍ دراسية في عريش المسجد، ويتوزعون الطلاب حسب الفنون؛ وكان في هذا العريش كتبٌ متنوعة في سائر العلوم ومنها يستفيدون حال المراجعة لحلّ بعض الإشكالات التي قد تعرض للشيوخ أثناء التدريس ونحو ذلك فيُرجع لها عند الحاجة. ومن شيوخ الأنصاري في أفريقيا خاله: محمد أحمد تقي، وعمه محمد أحمد بن محمد الملقب بالبحر، سُمي بذلك لتبحّره في العلوم، وكان يحفظ (صحيح البخاري) كاملاً بأسانيده، وابن عمه موسى بن الكسائي؛ درس عليهم القرآن الكريم، والتفسير، والنحو، والتصريف، والشعر، وغير ذلك. وأخذ عن الشريف حمود الفرائض، وعلم التنجيم، وأخذ سائر العلوم عدا الحديث والعقيدة السلفية فلم يأخذها إلاّ عن الشيخ محمد عبد الله بن المحمود المدني الذي كان إمام الحرم المدني، ثم هاجر إلى أفريقيا للدعوة. ثم لما هاجر إلى الحرمين عام 1366هـ‍ أخذ عن علماء الحرمين، ومنهم الشيخ حسن المشّاط، والشيخ عبد الرزاق حمزة، والشيخ محمد بن تركي، والشيخ المحدِّث قاسم بن عبد الجبار الأندجاني الفرغاني، والمحدِّث عبد الحق

العُمري، والشيخ محمد بن عيسى الفاداني، والشيخ محمد بن الأمين الشنقيطي الذي التقى به عام 1369هـ‍، ولازم دروسه في التفسير إلى عام 1370هـ‍، ثم اقتصر على الإجازة الصيفية، واستمرَّ على ذلك إلى عام 1381هـ‍، وغيرهم كثير. وأما تلاميذه فلا يُحصون كثيرة؛ فقد درَّس الشيخ في المدرسة الصولتية (1) في كلِّ الأقسام وذلك عام 1367هـ‍، ثم باشر التدريس في الحرم المكي من العام نفسه إلى عام 1374هـ‍، وفي عام 1375هـ‍ انتدب إلى الرياض للتدريس في معهد إمام الدعوة ومن تلاميذه في الرياض فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ نائب المفتي العام حاليًا خطيب عرفة، والشيخ عبد الله العجلان، وكيل الرئيس العام لتعليم البنات سابقًا، والشيخ غيهب الغيهب، والشيخ عبد الرحمن بن فريّان، والشيخ سعود الفرحان، القاضي بحكمة الرياض آنذاك، والشيخ عبد الله بن راشد؛ وغيرهم، حيث درّسهم العقيدة والحديث والنحو، ثم انتقل إلى المدينة مدرسًا بالجامعة الإسلامية عام 1385هـ‍، واستمر فيها إلى عام 1410هـ‍. ومن الآخذين عنه بالمدينة فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء، وفضيلة الشيخ صالح بن عبد الله العبود معالي مدير الجامعة الإسلامية حاليًّا، وفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وفضيلة الشيخ علي بن ناصر فقيهي، وفضيلة الدكتور عبد العزيز بن عبد اللطيف، وفضيلة الدكتور (1) الصولتية نسبة إلى امرأة تركية، وقفت هذه المدرسة على طلاّب العلم؛ وتُدعى (صولة هانم) . قلت: بل تُدعى (صولة النساء) اهـ. عبد الأول.

عبد العزيز ابن عبد الفتاح القارئ، وفضيلة الدكتور صالح بن فهد المزيد؛ وغيرهم كثير من طلاب الجامعة الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي. وكان آخر من كان له شرف التتلمذ على يده كاتب هذه السطور؛ حيث لازمه عشر سنواتٍ متتالية، وأجازه العلامة الأنصاري بسائر مروياته وأثباته إجازةً خاصّة وعامّة فلله الحمد والمنة، وللشيخ الشكر والوفاء أبدًا سرمدًا.

مكتبته

مكتبته: قضى العلامة حماد بن محمد الأنصاري حياته معنيًّا بجمع تراث السلف الصالح المخطوط منه والمطبوع؛ وكان يبذل قصارى جهده في البحث والتنقيب عن مخطوط نفيس أو قطعةٍ مفقودة أو تتمة كتاب لديه بشتّى السبل من سفرٍ أو سؤال أو فحص. وكان للشيخ الأنصاري "يرحمه الله" القدحُ المعلَّى في هذا الجانب؛ فهو خبيرٌ بالمخطوطات، عارفٌ بخطوطها، قارئ بارعٌ لها حتى الخطوط التي يعجز عن قرائتها الفحول، إلاّ أنه سرعان ما يفكّ رموزها؛ ولقد أطلعني في حياته "يرحمه الله" على كتاب (شرح اعتقاد أصول أهل السنة والجماعة) للالكائي مخطوطًا فرأيته بخطٍّ صغيرٍ دقيق وغير واضح لا يكاد يُقرأ، ورأيته قد نسخه كاملاً بخطّه الجلي فعجبت من معرفة الشيخ وجلده على مثل ذلك السِّفر الضخم؛ ومما يجدر الإشارة إليه أن المحقّق لذلك الكتاب لم يجد عناءً؛ حيث أخذ نسخة الشيخ وهي تعتبر نسخة أخرى للكتاب واعتمدها في التحقيق لعدم قدرته على قرائتها؛ هذا مثالٌ من أمثلةٍ كثيرة تدلُّ على جليل قدر الأنصاري وعلوّ كعبه في مجال المخطوطات؛ لذا كان أغلب طلاب الجامعات في المملكة يعتمدون عليه في هذا الجانب الذي سبقت الإشارة إليه.

هذا، وقد حوت مكتبة الأنصاري أكثر من ألفي مخطوط، جمعها من مكتبات العالم شرقًا وغربًا خلال تطوافه فيها، وعني بها حيث قام بتجليدِها بتجليدٍ فاخر، مع فهرس داخلي لموضوعات بعضها تسهيلاً على الباحث والمطالع. ومن النفائس التي يحويها قسم المخطوطات بالمكتبة الأنصارية: (تاريخ دمشق) لابن عساكر، نسختان، منها نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق التي يعتمدها محدِّث الديار الشامية ناصر الدين الألباني. وأجزاء من (تهذيب الكمال) للمزي. و (التكميل في الجرح والتعديل) لابن كثير، ولم يكمل. و (المتفق والمفترق) للخطيب. وكتابي (الإمام) و (الإلمام) لابن دقيق العيد، أجزاء منها. وغيرها كثير. هذا، ومكتبته حافلةٌ بالكتب المطبوعة القديمة والحديثة؛ فلقد كان العلامة الأنصاري "رحمه الله" حريصًا على اقتناء الكتب النادرة والطبعات القديمة والحديث، مع متابعةٍ حثيثةٍ لكل جديد يصدر، سيما في علمي الحديث والعقيدة. ومكتبته مقسّمة إلى أقسام ومرتّبةٌ على حروف المعجم؛ فقسم للعقيدة، وقسم للحديث وعلومه، وقسم للرجال والتراجم، وقسمٌ للتفسير وعلومه، وقسم للفقه وأصوله، وقسم للغة والمعاجم، وقسم للسيرة والتاريخ. وهناك قسم مخصَّصٌ للرسائل الجامعة، وغالبها مما أشرف عليه أو كان عضوًا في مناقشته، وقسم للفهارس العلمية لمكتبات العالم؛ وأحفل هذه الأقسام

الخاص بالحديث وعلومه ورجاله؛ وقد أخبرني شيخنا "يرحمه الله" أن هذا القسم يشمل سبعين نوعًا من أنواع علوم الحديث، منها خمسة وستون نوعًا ذكرها ابن الصلاح في مقدّمته، والباقي مما زاده العراقي، حيث أوصلها للمائة. وبهذا تكون المكتبة الأنصارية من أجمع المكتبات الخاصة في المملكة التي عنيت بالحديث وعلومه. هذا، وكان الشيخ حماد الأنصاري "رحمه الله" قد جعل غالب وقتِه في المكتبة لخدمة طلاب العلم والوافدين عليه من أقطار العالم الإسلامي؛ حيث تُفتح المكتبة من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء يوميًّا طيلة أيام الأسبوع، وأما في يوم الخميس فهي مفتوحة من الساعة التاسعة صباحًا إلى العشاء. وكان من عادته أن يدخل المكتبة ويبدأ بالمطالعة والبحث، وفي تلك الأثناء يستقبل طلاب العلم القادمين إليه إمّا لزيارة أو للسؤال أو لبحث معتمدين على الشيخ في مصادر البحث المخطوطة والمطبوعة. وكان أول الداخلين عليه كاتب هذه السطور؛ لأنني أحيانًا كنت أصلي مع الشيخ وندخل وإياه المكتبة معًا، وكان يلاطفني أحيانًا ويقول: (أنت سمكة المكتبة) ؛ فرحم الله شيخنا الأنصاري، وجزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء وأوفاه، وجمعنا به في مستقرّ رحمته.

رحلاته

رحلاته: رحل علامة الأنصار "رحمه الله" باحثًا عن تراث السنة النبوية في غير أفريقيا؛ فرحل إلى الحرمين، ثم رحل إلى الهند، والباكستان (1) ، والأردن،

_ (1) قد سبق التنبيه إلى أنه لم يرحل إلى ليبيا، وباكستان، والأردن. (عبد الأول) .

وسوريا، والمغرب، وتونس، والجزائر، وليبيا، ومصر العربية، وأسبانيا، وإيطاليا، وغيرها؛ كلُّ ذلك لأجل البحث عن التراث العلمي، وقد قيّد غالب رحلاته في مذكرات يوميّة؛ وقد أطلعني "يرحمه الله" عليها، وهي مطبوعة في مجلّدٍ كبير غير منشور.

مرض الشيخ ووفاته

مرض الشيخ ووفاته: أفنى الشيخُ العلامة المحدِّث حماد الأنصاري حياتَه في سبيل نشر ميراث السنة النبوية التي ورثها عن النبي "صلى الله عليه وسلم" وصحبه الكرام، وكما ناصر الأنصارُ رسولَ الله "صلى الله عليه وسلم" بالسيف فقد ناصر الأنصاري النبي "صلى الله عليه وسلم" بالقلم؛ فنشر سنّته ودافع عنها في حياته كلِّها ولآخر نفس من حياته. هذا، وقد بدأ مرض الشيخ "رحمه الله" بإصابته في قدمه؛ حيث شَعُر الشيخ فجأةً بألمٍ في ركبته اليمنى مما سبب له عدم استطاعته القيام والحركة، ثم تطوّر المرض إلى حمّى وسخونة عامّة، وتم نقلُه إلى (مستشفى الملك فهد بالمدينة) في ثالث أيام عيد الفطر، صبيحة يوم الاثنين الموافق 3/10/1417هـ‍، وبقي في المستشفى حتى أُصيب بجلطة في الدّماغ تسبّبت في غيبوبة متقطّعة، ثم تطوّر إلى أن غاب عن الوعي تمامًا، وفي يوم 11/10 من العام نفسه نقل إلى المستشفى التخصصي بالرياض في تمام الساعة الواحدة ظهرًا. هذا، ولم يكن يرغب الشيخ في الخروج من المدينة، ولم يخرج منها منذ عام 1409هـ‍ إلى وقت مرضه؛ حيث أُخرج منها بسبب ذلك، وبقي في الرياض عدّة أشهر، ثم تمَّ نقلُه إلى المدينة النبوية بعد تحسّن بطيء (1) .

_ (1) بل بعد أن زاد المرض واستفحل؛ والله المستعان. (عبد الأول) .

ثم وافاه الأجلُ المحتوم في يوم الأربعاء الموافق 21/6/1418هـ‍ في حوالي الساعة السابعة صباحًا بمستشفى طيبة بالمدينة النبوية. رحمه الله رحمةً واسعةً، وجمعنا به في مستقرّ رحمته. وصليّ عليه في المسجد النبوي صلاة العصر، وشهد جنازته "يرحمه الله" حشدٌ هائلٌ من العلماء والمشايخ ومن طلاّبه ومحبِّيه وما أكثرَهم. وبذلك فقَدَ العالمُ الإسلاميُّ علَمًا من أعلام السنة النبويّة وموسوعةً من الموسوعات العلمية التي كان يرجع إليها طلاّب العلم من أقطار العالم الإسلامي قاطبةً.

ثناء العلماء عليه

ثناء العلماء عليه: للعلامة الأنصاري مكانةٌ كبيرة بين العلماء، حتى أنَّه كان مرجعًا لبعض كبار العلماء سيّما فيما يخصُّ علم الحديث، وقد تواتر الثناء عليه من أهل العلم وطلاّبه، ومنهم: فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع "عضو هيئة كبار العلماء" حيث قال: (لقد فجعنا بوفاة عالمٍ كبير من مشايخنا الأجلاّء، هو فضيلة العلامة الحافظ الشيخ حماد بن محمد الأنصاري؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم) (1) . وقال عنه فضيلة الشيخ عبد الله البسَّام "عضو هيئة كبار العلماء": (لقد عرفت الشيخ حماد بقوّة معلوماته عن علم الحديث؛ حيث كان ضليعًا فيه

_ (1) صحيفة عكاظ: العدد (1405) ، الجمعة: 3/7/1418هـ‍ ـ الموافق: 7/1997م نوفمبر.

ومرجعًا لكلّ سؤال ... وقد عرفته سلفي العقيدة على منهج السلف، وله جهود عظيمة في التعليم والتدريس وتحقيق الكتب؛ وأسأل الله أن يغفر له، وأن يعوِّض طلبة العلم عنه) (1) .

_ (1) المصدر السابق.

مرثية تلميذ لشيخه

مرثية تلميذٍ لشيخه: لما مرض الشيخ "يرحمه الله" ونُقِل إلى الرياض وطالت المدّة قلت: طال انتظاري فلا حسٌّ ولا خبر ... ولا دليلٌ ولا بشرى ولا أثر أين الذي كان أنسًا في مرابعنا ... وكان ترمقه الأبصار والبشرُ يبكي عليك فؤادٌ كان متشعلاً ... شوقًا إليك فأنت السمع والبصرُ بكت عليك القوافي وهي حائرةٌ ... بكت عليك ورود الحيِّ والزهرُ يبكي عليك كتابٌ كنت تمسكه ... وليس يفهمه إلاّك يا قمر يا أيها البدر قد شطّت منازله ... عن طيبةٍ بات فيها الكلُّ ينتظرُ عسى نراكم قريبًا في مدينتا ... بطيبةٍ طاب فيها الليل والسمرُ ما مرَّ بي طيفك الباهي فأرَّقني ... إلا بكيتُ وطال الحزنُ والسهرُ

اللقاء الذي أجرته جريدة المدينة مع الشيخ رحمه الله

اللقاء الذي أجرته جريدة المدينة مع الشيخ رحمه الله الدراسات في الكتاتيب ... اللقاء الذي أجرته جريدة المدينة مع الشيخ رحمه الله: * الشيخ حماد الأنصاري من "تاجا مكة" إلى المدينة المنورة * منذ 49 سنة كومندي الحاكم الفرنسي أجبر أولاد القرية على التنصير * سافرت سنتين متواصلتين حتى أتيتُ إلى المملكة * 5 رحلات متفرقة للبحث عن التراث الإسلامي جريدة "المدينة" العدد "11297". بتاريخ: الأحد 24 رمضان عام 1414هـ الموافق 6 مارس 1994م حوار: عبد الرزاق المحمدي فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري أحدُ كبار علماء الحديث في العالم الإسلامي اليوم، لا يخالجك شكّ وأنت تحادثُه أنك تحادث عالمًا من علماء السلف الأقدَمين؛ في رحلة البحث عن العلم والتراث التي استغرقت أكثر من ستين سنة عشنا مع فضيلته محطات هذه الرحلة التي بدأت من "تادا مكة" بمالي مرورًا بنيجيريا فالخرطوم وأم درمان فجدة، فمكة المكرمة، فالمدينة المنورة؛ واستغرقت نحوًا من نصف القرن. بدأ الشيخُ حماد بن محمد الأنصاري ذكرياته بذكر تاريخ ومكان مولده فقال: أنا مولود سنة 1344هـ فيما يسمى الآن بمالي في أفريقيا الغربية في بلدة تسمى "تادا مكة"؛ وكان لها اسمٌ آخر قبل هذه التسمية وهي "السوق"؛ ولما كثُر فيها الناس، لأنها بلدة أمن ورفاهية؛ والناسُ يزعمون أنهم جاءوا إليها في طريقهم إلى الحج، وكلُّ من جاء إليها يقيم ولا يذهب للحج؛ ولأنهم جاءوا للحج وأقاموا في البلدة قال أحد العلماء هذه مكة جاءوا إليها للحج، ثم صارت هذه الكلمة اسمًا. للبلدة؛ وهي وسطٌ بين بلاد شمال أفريقيا، وتعتبر سوقًا لها؛ وهذه سبب تسميتها "تاجا مكة". أي: هذه مكة. ولدت في بيت علم وقضاء، ولم يزل هذا البيتُ بيت علم وقضاء إلى الآن؛ وأًصلُنا ليس من هذا البلد، بل أصلُنا من غرناطة في الأندلس؛ فلما أخذت دولة بني نصر "والتي تسمى بدولة بني الأحمر" أخذها الأسبان في القرن التاسع الهجري وكانت غرناطة عاصمتها خيَّرَ الأسبان المسلمين هناك بين ثلاثة أمور: بين الرحيل بدون شيء، أو الدخول في النصرانية، أو القتل، فاختار أجدادُنا الرحيل، ورحلوا إلى المغرب؛ وكانت هناك فتن عظيمة؛ ومن الغرب انتقلوا إلى أفريقيا السوداء، واستقرّ بهم المقام في "مالي".

الدراسة في الكتاتيب. كيف كانت دراستكم ورحلاتكم مع العلم وأهلِه؟ توفي أبي وعمري ثمان سنوات، ونشأتُ يتيمًا في كفالة عمي "شقيق أبي"، وكان لي خالٌ، وهو طالبُ عليم شرعي؛ فطلب من عمي أن أكونَ عنده، لأن عندَه مدرسة للأولاد يعلمهم القرآن ومبادئ العلوم الإسلاميّة والعربيّة. وهناك في مدرسة خالي بدأتُ رحلتي مع الدراسية وطلب العلم. وطريقة الدراسية هناك بالنسبة للأطفال هي: الدراسة بالكتاتيب، وليس عندنا منهاج ولا مقررات، وإنما ندرُس في الألواح؛ ودرست حروف الهجاء والقرآن ومبادئ نحوية وفقهية في المذهب المالكي، ومنها كتابان في المذهب المالكي مختصرين لتدريس الأطفال أحدهما يسمى "الأخضر"، والأخرُ يسمى "العبقري"؛ وكانت الدراسة على الألواح، والسببُ في ذلك: أن الكتب قليلة عندنا، والكتب التي كانت عندنا كلها مخطوطة؛ والألواحُ من الخشب تختلف من الحجم الكبير إلى المتوسط والصغير؛ وجميعُ الدروس حفظتُها على اللوح حتى القرآن الكريم. وطريقتُنا في اللوح نكتب ربعًا أو ثمنًا ونأخذ اللوح ونحفظه، ثم نسمع على الأستاذ المقرئ، وهكذا؛ وإذا انتهينا من كتابة موضوع وحفظناه نغسل اللوح، ونكتب فيه درسًا آخر. وبعد القرآن نأخذ مبادئ نحوية وهي "الآجرومية"، وبعدها "ملحة الإعراب" للحريري. ثم بعدَ ذلك مبادي في التوحيد؛ والتوحيدُ في أفريقيا كلها هو فلسفة

الأشاعرة، مثل "السنوسية الكبرى" و "السنوسية الصغرى"، و "جوهرة التوحيد اللدانية"؛ وهي في الحقيقة ليست من التوحيد في شيء؛ ولذلك فإن عمي وخالي اختارا لي دراسة توحيد السلف، ولم يوجد عندنا منه إلا رسالةٌ واحد وهي "مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني".

الحلقات

الحلقات لكن هل اقتصر طلبكم العلم على الكتاتيب فقط؟ بعد هذه المرحلة "وهي مرحلة الكتاتيب" والتي تنتهي عند سنّ الثالثة عشرة بدأت مرحلة الحلقات؛ وفي عمر الخامسة عشرة، وهذه المرحلة عبارةٌ عن حلقات، وكلُّ شيخٍ له حلقة؛ ولا يجوز دراسة حلقتين في وقتٍ واحد، وكلُّ حلقة يدرس فيها شيخٌ عِلْمًا واحدًا. ونبدأ عند أحد المشايخ ولا ندرسُ عندَه غيره، وإذا انتهينا من عنده ذهبنا لدراسة علم جديد عند شيخٍ آخر؛ وهكذا. وبدأتُ هذه المرلحة بدراسة "تفسير الجلالين" للسيوطي، وكذلك "تفسير البغوي". ثم درستُ النحو الموسع؛ والنحو عندنا هو دراسة "ألفيّة ابن مالك وحفظها"، ثم دراسة شروحها. وبعد النحو نبدأ دراسة الفقه الموسع، وهو عبارةٌ عن "مختصر خليل" في الفقه المالكي، كما درسنا "تحفة الحكام في بيان الأحكام"، وذلك في القضاء. ثم درسنا البلاغة في كتاب "الجوهر المكنون" في الثلاثة الفنون، ثم "عقود الجمان" للسيوطي. ثم درسنا أصول الفقه الشافعي لأن كتب أصول الفقه المالكي لم تكن موجودة عندنا.

وبعد ذلك ألزمنا المشايخ بدراسة الشعر الجاهلي؛ فدرسنا "المعلّقات السبع" وحفظناها. بعد ذلك درسنا علم التنجيم لمعرفة الشهور والأوقات، وذلك بدراسة كتاب يمسى "النجوم" للسنوسي، ودرسنا كتاب "السلم المرونق في المنطق"؛ وهذا آخر علم درسنا؛ واستمرّت هذه الدراسة لمدة عشر سنوات كاملة.

كومندي والتنصير

كومندي والتنصير لكن ما الذي جعلك تغادر "تادا مكة" وترحل عنها؟ هل هو طلب العلم أمْ أنّ هناكَ أسبابًا أخرى؟ خرجتُ من البلاد سنة 1365هـ في سنة انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ وكان لخروجي سبب وهو أنّ الحاكم الفرنسي لتلك البلاد طلب من الأهالي عدة مرات أن يرسلوا له عددًا من أولادهم للتعليم الفرنسي، ولكنهم رفضوا، وقالوا: الفرنسيون ينصّرون أبناءنا؛ وترك الأهالي. وفي سنة 1364هـ جاء غازيًا لنا بأربعمائة جندي من التكارنة مدججين بالبنادق والرشاشات، وجاءنا على غفلة بدون إنذار أو إشعار، جاءنا ونحنُ نؤدِّي صلاةَ المغرب بالمسجد، وعندما سلمنا فإذا بهم على باب المسجد ومعه مترجم، وقال له: قل لهم: لا يخرج أحد إلا بشرط واحد وهو أن تسلموا لنا العدد الذي نريدُه من أولادكم، ولا تقولوا كلمةً واحدةً غير هذه فدمُه هدر. وخرج إليه بعض المسئولين بالبلدة وقال له: نريد أن نتفاهم يا كومندي، فقال له المسئول: بالمروءة لا نسلمهم لكم، وما دامت المسألة بالقوة لا نستطيع أن نقاومك؛ ثم أمر كومندي القائد الفرنسي الجند بدخول البلد على أساس أنّ

أي ولد يمرّ عليهم يمسكونه؛ ولما جمعوا عددًا قال لهم كومندي: اتركوهم، وأخرجنا من المسجد ثم قال: تعالوا نتفاهم معكم وما دمنا أخذنا العدد الذي نريد من الأولاد، ونحن نعرف أنكم رفضتم تعليم الأولاد على أساس أنهم إذا تعلموا عندنا ينتصرون، وأنا أعرف هذا منذ زمن بعيد وذكر التاريخ منذ 1336هـ ونحن معكم في هذه المسألة وأنتم ترفضون حتى سمعنا رؤساءكم كلمة ولم يفد ذلك شيئًا؛ وأما الآن جئنا بالقوة، ولكن بعد أن أخذنا الأولاد هل تدرون ماذا نفعل؟، قالوا: وماذا تفعل يا كومندي؟، قال: سوف نبني لهم مدرسةً في بلدتكم هذه، وسوف يكون المدرسون على قسمين: قسم المسلمين منكم، وقسم من الفرنسيين النصاري ويكون أولادكم تحت إشرافكم ونحن لا نُنصِّرهم؛ قالوا: ننتظر هل هو صادق أملا. ثم بعد ذلك شرعَ كومندي في بناء المدرسة في وسط البلدة، وكنت واقفًا أتفرّج على البناء، ثم فتحت المدرسة، وجمعوا فيها مدرِّسين من المسلمين ومن الفرنسيين. وهنا قررت الخروجَ من البلد وعزمتُ على ذلك عزمًا أكيدًا، وشرعتُ أعدّ العدة للخروج.

السفر ليلا

السفرُ ليلاً وعندما أنهينا كلّ شيء اتفقتُ مع ثلاثة من أبناء (1) عمي على السفر، وكان السفرُ بطريقة رسمية مستحيلاً؛ لأن الحدود كلها محاطة بالجنود الفرنسيّين

_ (1) هم: 1ـ محمد بن محمد 2ـ أحمد بن الحسن 3ـ عمار بن الحسن. والأول توفي بعد الوالد بسنة ـ في أفريقيا ـ، وكذلك الثاني ـ ولكن توفي قبل الوالد بكثير ـ؛ وأما الثالث فهو حيٌّ بمكّة ـ مدّه الله في عمره في طاعته، آمين.

حتى لا يخرج أحدٌ من الأهالي خارج البلاد؛ فاتفقنا على التسلل من مالي إلى نيجيريا؛ لأن نيجيريا تحكمها بريطانيا وهناك ما يسمى بالديمقراطية، أما فرنسا فهي دكتاتورية. وفعلاً خرجنا وأخذنا ما يكفي من الجمال ومن الزاد، واتجهنا إلى نيجيريا في سنة 1365هـ، وسافرنا متسلِّلين نسافر ليلاً ونكمُن نهارًا. وعندما وصلنا إلى نيجيريا دخلنا في الأمن والأمان؛ حتى أن عاصمة نيجيريا الشمالية (سكوتوا) عندما دخلنا فيها سكّننا الإنجليز في بيوت للضيوف.

رؤية السيارات

رؤية السيارات وهناك في مدينة (سكوتوا) باشرت التدريس فيها شهرًا كاملاً في جامع عثمان فوديو؛ وفي سكوتوا شاهدنا السيارات لأوّل مرة في حياتِنا؛ هذا في (سكوتوا) ، وكانت سيارات لوري، حيث ركبنا فيها إلى مدينة (كانوا) ؛ وقد استغرقت مدة السفر من مدينة (سكوتوا) إلى مدينة (كانوا) من الضحى إلى الضحى. وبقينا في مدينة (كانوا) وقتًا لأني وجت هناك الشيخ محمد عبد الله المدني الذي كان إمام الحرم النبوي مع الشيخ صالح الزغيبي، وجلسنا مع الشيخ المدني لمدة شهرين؛ ثم غادرنا (كانوا) إلى بلدة تسمى (بروي) وهي (بلاديروا) آخر مدينة جهة الشرق من نيجيريا تحدّ (تشاد) ، واسترحنا في (برو) حتى انتهت سنة 1365هـ.

إلى الخرطوم

إلى الخرطوم سمعنا أنكم مكثتم في السودان فترةً، لماذا كان هذا؟، وهل بسبب العلم؟ ثم سافرنا من (يروَ) حتى وصلنا السودان؛ حيث وصلنا إلى (الأبيّض)

وأخذنا فيها وقتًا، ومنها سافرنا إلى الخرطوم العاصمة المثلثة، واستقبلنا فيها أنصار السنة في (أم درمان) استقبالاً رائعًا؛ والسببُ في ذلك: أن الشيخ المدني أعطانا رسائل إلى أنصار السنة، ولما قرأ الرسالة أكرمونا إكرامًا كبيرًا عند الشيخ إسماعيل طاهر حوالي عشرة أيام، وقد أخذ الهاتف واتصلت برئيس أنصار السنة في (أم درمان) واسمه طاهر كردي، وأخبره أننا متوجهون إليهم، وقد سافرنا في القطار وعلى نفقة أنصار السنة، وعندما وصلنا إلى (أم درمان) استقبلنا أنصار السنة هناك وعلى رأسهم الشيخ طاهر كردي؛ وقد كان استقبالاً رائعًا وقد أنزلونا في قصر من الطراز الحديث، فيه مكتبة كبيرة رائعة كلها من كتب الحديث والعقيدة؛ وهذه المكتبة التي عرفت فيها كتب الحديث والعقيدة؛ وكان المسئول عن المكتبة يأتينا كل صباح ويفتح لنا المكتبة، وقمت بتقييد أسماء الكتب، وبدأتُ بشراء كتب الحديث. واستفدتُ هناك فائدة لم استفدها طوال رحلتي؛ حيث تعرفتُ على كتب العلم، وصرتُ أشتريها، لأن معي نقود كثير، حيث خرجت من البلاد ومعي 150جنيهًا مصريا، وهذا مبلغٌ كبير؛ وعندما وصلت إلى جدة في تلك السنة صرفت الجنية بخمسة عشر ريالاً سعوديًا. وبقيت في (أم درمان) مدةً ندرُس ونتجوّل حتى صرنا نذهب إلى البر وإلى القرى، نلقي الدروس والمحاضرات.

بداية شراء الكتب

بداية شراء الكتب الشيخ حماد هي علاقتُك بالكتب، خاصة كتب الأحاديث، ومتى بدأت؟ انتقلنا بعد ذلك إلى مدينة (بورسودان) ، وهي التي تقابل مدينة (جدة) على الساحل الغربي للبحر الأحمر، واستقبلنا فيها رئيس مركز أنصار السنة،

واسمُه وديعة الله، وطلب منا البقاء عندهم والعلم في التدريس، وصرنا ندرس في مركز أنصار السنة ودرسنا عندهم إلى نهاية شهر شعبان سنة 1367هـ، وكانت في (بورسودان) مكتبة عظيمة، فيها كلّ شيء، وكان المسئول عنها مصريًّا، وكنت دائمًا عندَه اشترى الكتب حتى اشتريت صناديق كثيرة من كتب الحديث والعقيدة. ولقد عزمنا على التوجه إلى المملكة، وكانت الكتب في أربع شنط كبيرة أخذناها إلى الباخرة، فقال لي الإنجليزي المشرف على الرحلات: افتح الشنط، وفتحناها، وعندما رآها تعجّب وقال: أنتم تجّار كتب أم كتبيّون؟، قلت: لا، نحن طلبة علم، قال: لماذا الكتب الكثيرة، قلت: نحمل هذه نتعملها وندرسها؛ قال: هذه الكميّة لا يأخذُها أحدٌ إلا إذا كان تاجرًا، ولا بدّ من جمرك، قلت للمترجم: قل له: هذه الكتب لو أعطتني (بورسودان) لا أعطيك إيّاها لأنها كلها غير موجودة في الحجاز، فتعجّب وقال: ما دام الأمر هكذا أغلقوها وارفعوها للباخرة.

الوصول إلى المملكة

الوصول إلى المملكة دخولك المملكة وذكريات الوصول كيف كانت؟ وصلنا إلى المملكة إلى دار الإسلام وإلى الخير في الخامس من رمضان سنة 1367؛ ولما وصلتُ إلى جدة توجهتُ إلى مكة، وانتظمتُ في الحلقات بالمسجد الحرام؛ وأولُ حلقة انتظمتُ فيها حلقة الشيخ عبد الرزاق حمزة، وحلقة الشيخ عبد الحق العمري الهندي، حتى حضرت حلقة الشيخ حسن مشّاط؛ ومن هؤلاء وغيرِهم أخذت الأسانيد، وهي موجودة عندي في ثبت بعنوان "إتحاف القاري بثبت الأنصاري"، وهو يحوي جميع الذين حضرتُ عندهم في المسجد الحرام والمسجد النبوي وفي الرياض.

وفي سنة 1369هـ انتقلتُ من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وحضرت حلقات عددٍ من المشايخ، ومنهم عبد الرحمن الأفريق، والشيخ أبو بكر التنبكتي، وفي أثناء ذلك قدمت للدراسة في مدرسة العلوم الشرعية، وهي تابعةٌ للهنود، والمشرف عليها والد السيد حبيب، وتمّ اختباري وأعطوني منهج الدراسة، والمدرسة كانت ملتصقة بالمسجد.

بدء التعليم والتدريس

بدء التعليم والتدريس في سنة 1371هـ انتقلتُ إلى مكة المكرمة لطلب العلم في حلقات المسجد الحرام، ولكن عندما وصلتُ طلبوني للتدريس في المسجد الحرام والمدرسة الصولتية؛ وأخذت إذنًا من الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ، وكان هو المشرف على المنطقة الغربية، ولا يدرّسٌ أحدٌ إلا بإذنِه. وقد درست بالمدرسة الصولتية لمدة أربع سنوات، ثم تعطّلت المدرسة بسبب استقلال الهند؛ لأن الأوقاف التي كنت تُصرف عليها استولى عليها الهندوس. ثم جاء الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ وسألني عن عملي، فقلت له أني مدرس بالصولتية وبعد تعطّلها ليس لديّ عمل، قال: نحنُ أولى بك، قلت: إلى أين، قال: إلى الرياض؛ وفعلاً أعطاني تذاكر لي ولطلاّبي، وباشرتُ التدريس بالمعهد العلمي بالرياض بالثانوي. ولما انتهت تلك السنة فتح الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ معهدًا سماه معهد إمام الدعوة، وأخذني للتدريس فيه بالقسم العالي؛ وبعد عشر سنوات ضم إلى الكليات التي هي أصل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ فبقيت فيها مدرسًا إلى سنة 1385هـ، وطلبت الانتقالَ إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وباشرتٌ التدريس بالكليّات هنا، حتى فتح قسم الدراسات العليا سنة 1396هـ، ونقلت إليها.

البحث عن التراث

البحث عن التراث هذه رحلاتك في البلاد، لكن ماذا عن رحلاتك عن التراث الإسلامي، ولماذا التراث بالذات؟ أما رحلاتي للبحث عن التراث الإسلامي وخاصة الحديث وكتبه ومخطوطاته فقد قمتُ "والحمد لله" بخمس رحلات، وكانت باسم الدولة، وبدأتُ سنة 1396هـ. وأوّلُ رحلةٍ قمتُ بها إلى المغرب وليبيا والجزائر وتونس؛ وهي في سنة واحدة باسم "البحث عن التراث الإسلامي"؛ وفي تلك الرحلة استفدنا كثيرًا. والرحلة الثانية إلى أسبانيا، ولم نجد كتبًا إلا في مكتبة واحدة في مدينة "اسكوريال" وتبعد عن العاصمة مدريد حوالي 50كلم. أما الرحلة الخامسة إلى الهند، وزرتُها مرتين وقمتُ بجولةٍ واسعة من (بومباي) إلى (كلكتا) . وفي هذه الرحلة اكتشفتُ أن التراث الإسلامي يتركز في البلاد التالية: أولاً: تركيا، ثم مصر، ثم الهند؛ وفيها مكتباتٌ عظيمة، ومنها: مكتبة بتنة، التي تسمى مكتبة خورا بخش.

البرنامج بعد التقاعد

البرنامج بعد التقاعُد ماذا عن برنامجك اليومي في رمضان؟ أما الآن وبعد أن أُحلتُ إلى التقاعُد فإنّ برنامجي اليومي يتركز على الدراسة والبحث العلمي والمراجعة؛ وهو مقسَّمٌ بين الجامعة والحرم ومكتبتي في المنزل؛ حيث أجلس وأستقبل طلاّب العلم، وأناقش معهم مختلف المسائل، وخاصة تلك المسائل التي يرجعون إليّ بها؛ هذا مجمَلُ ما أشغل به وقتي، إلى جانب مشاغل الحياة الأخرى.

دراسة ومراجعة القرآن

دراسة ومراجعة القرآن ماذا عن أمانيك في شهر رمضان؟ أماني شهر رمضان فإني أولاً أمنع الزيارة، وهي زيارة الطلاّب، أما زيارة عامّة الناس فهي مفتوحة في رمضان وفي غيرِه؛ وأتفرّغ لأعمال شهر رمضان المبارك وفي المقدمة مراجعة القرآن الكريم حفظًا وتفسيرًا؛ لأني حفظت القرآن منذ الصغر "والحمد لله"، ولذلك فإني أراجعُه في رمضان من ناحية التفسير؛ وإلى جانب ذلك: أتفرّغُ للعبادة بقدر الإمكان، وخاصة الصلاة في المسجد النبوي الشريف؛ هذا أغلب وأكثر ما أفعلُه في هذا الشهر الكريم.

اللقاء الموسع الذي أجرته جريدة عكاظ مع الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله

اللقاء الموسع الذي أجرته جريدة عكاظ مع الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله عناوين عامة ... اللقاء الموسع الذي أجرته جريدة عكاظ مع الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله العدد (8675 "السنة الثلاثون") بتاريخ: السبت 19 رمضان سنة 1410هـ الموافق 14/أبريل 1990م. إعداد: سعيد با حكم عناوين عامة: * الشيخ حماد الأنصاري.. داعية ومحدث مدرس على مدى 40 سنة: * لا يوجد محدّث لهذا العصر حتى الآن. * مكتبتي المتخصصة في الحديث أسخرها لخدمة الباحثين. * المملكة تعيش نهضة تعليمية عظيمة نأمل أن تعين في نصر الإسلام. * المناهج الحالية تفوق قدرات الطلاب ولا تتلائم مع طاقاتهم. * حفظت القرآن على الألواح قبل بلوغ الخامسة عشرة. * دعاة الجامعة الإسلامية وجامعة الإمام يغزون أفريقيا. * التنصير في أفريقيا وأندنوسيا أكثر عددًا وإمكانات في الدعوة. * قضيب 30 سنة ألاحق الحديث ومصادره وعلومه، وتلقيت العلوم الأولى في (تادا مكة) وتتلمذت على مشايخ الحرمين. * لا ينقص مكتبي سوى (15) نوعًا من الحديث. * ست سنوات خصموها من عمري على الورق. * في جاوة الإفريقية.. كان التعليم الفرنسي كفرًا. * هربت إلى نجيريا حتى لا أدخل المدرسة الفرنسية. * حفظت القرآن ودرست العربية والفقه والتوحيد على اللوح. * (التنجيم) كان أحد المقررات الدراسية في (مالي) آنذاك. * نزلنا عند والند د. الغابد ليسمح لنا بالسفر. * جامعات المملكة غذت الصحوة الإسلامية في جيل اليوم.

في كل خطوة لطالب العلم تستغفر له الملائكة والمخلوقات حتى الحيتان في جوف البحر رضًا بما يصنع، وإذا مات فإنه شهيد.. ما حكم هذه المغفرة التي حظي بها الشيخُ حماد الأنصاري وهو يعز بالعلم وفي سبيل العلم (تادا مكة) تلك المدينة النائية في قلب الصحراء الغربية بين الجزائر ومالي إلى المدينة المنورة في زمن لم تكن فيه الطائرات أو القطارات، بل إنه لم يرَ الطريق الموصوف إلا بعد أن دخل الخرطوم. إنها مسيرة طويلة وبحجمها يأتي علم الشيخ المحدث الذي يقبع الآن بين جدران مكتبته في المدينة المنورة ليأخذ بأي الباحثين ويواصل رحلته مع علم الحديث، ويقدم المعلومات التي احتضنتها دفات الكتب القديمة؛ وما زال ينبش عن الحديث وأسانيدِه في ذاكرة الزمن. الشيخ ـ أطال الله عمره ـ فتح أمامَنا ملف مسيرته المباركة نستلهم منها العبرة والقدوة، وفتح أمامَنا أيضًا مكتبته لنطالع صرحًا علميًّا نادر الوجود. وبين (تادا مكة) الإفريقية والمدينة المنورة.. وبين بدايات العلم في مكة وحلقات العلم في المسجد النبوي والجامعة الإسلامية ومكتبة الأنصاري كانت لنا الجولة مع مسيرة داعية ومحدّث.

نشأته

نشأته ... فضيلة الشيخ حماد: التماسًا للقدوة ليتنا نتعرف على جانبٍ من نشأتكم وطفولتهم وبدايات حياتكم؟ ولدت في مدينة (تادا مكة) التي تقعُ في الصحراء الغربية بين الجزائر ومالي، ولم يبق فيها إلا القليلُ من سكّانها الذين هاجر معظم إلى مدينة (قاوة) التي أصبحت في الوقت الحاضر عاصمة المنطقة الشرقية في مالي، وكانت العاصمة قبل الاستعمار الفرنسي (تنبكتو) التي أصبحت عبارة عن أطلال قديمة.

وولدت في شهر ذا القعدة عام 1344هـ، ولكنهم حددوا ميلادي عام 1350هـ الأمر الذي أدى إلى تأخير موعد إحالتي للتقاعد للعام الحالي.

رفضت العلم (الكفر)

رفضت العلم (الكفر) ماذا عن البيئة التي نشأتَ فيها؟ نشأتُ في بيئة علمية في مدينة (قاوة) التي ما زالت تشهد نشاطًا علميًّا نادرًا في علوم اللغة والتاريخ والأدب والتفسير والفقه المالكي خاصة في مركز (مناقة) الذي يشهد نشاطا علمًا كبيرًا ... وهكذا نشأتُ في هذه البيئة في هذه البلدة التي لم تتغير إلا عندما تم جلاء الاستعمار منها عام 1380هـ؛ وأذكر أني حضرت اجتماعًا دعا إليه الحاكم الفرنسي نيابة عن عمي الذي كان مفتيًا وقاضيًا، وكان مسنًّا لا يستطيع أن يمتطي الجمل للذهاب لمقر هذا الاجتماع الذي طلب فيه الحاكم الفرنسي منا أن نسمح لأبنائنا للدارسة في المدرسة التي يود إقامتها لهم.. فطلب منا تحقيق ذلك الهدف إما بالمرونة أو القوة. ومنذ أن دخل المستعمرون لبلادِنا منعنا أبنائنا من الدراسة في المدارس الفرنسية؛ لأننا كنا نرى أن لك نوعًا من الكفر ... ورفض الحاضرون طلب الحاكم الذي أصرّ على تحقيق ذلك بالقوة، فأمر العسكر بالدخول للبلد لأخذ أبنائنا، وحصل ذلك، فقال لنا بالحرف الواحد: "إننا سنفتح لأبنائكم مدارس في بلدكم وتختارون أنتم المدرسين فاطمئنوا" فاطمأن الناسُ. وبدأ إنشاء المدرسة.. فعيّنوني أحدّ المدرسين لتدريس الشريعة، فرفضت ذلك بحجة أنني لا أدرِّس مع الكفار. ورأيت أنني إذا مكثت سيد خلوني بالقوة

في هذه المدرسة، فقررتُ أن أسافر، وبالفعل في آخر الليل ذهبتُ وأحد تلاميذي إلى نيجيريا.

تيتمت مبكرا

تيتمت مبكّرًا وكيف تلقّيت العلم الشرعي هناك؟ نشأتُ يتيمًا، وعشت اليتم مبكرًا؛ حيث توفي والدي حينما كان عمري ثلاث سنوات.. فأخذني خالي المدرس فأدخلني في مدرسته.. وكان الطالب يبدأ دراساته منذ صغره بتعلم الحروف الهجائية على الترتيب الأندلسي لا على الترتيب المشرقي. وبعد ذلك يبدأُ الطالبُ بقراءة القرآن؛ فبعض الطلاّب يستمع القرآن المقروء ليحفظه، والبعضُ الآخر يقرأ القرآن على الألواح؛ لأنه لم تكن هناك كتب كثيرة، حيث أن الكتاب الواحد يشترك فيه عدة أساتذة؛ أما أنا فلم أترك دارسة القرآن حتى حفظته كله على اللوح. وبعد ذلك أمرني خالي أن أبدأ بدارسة التوحيد؛ فقرأت "مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني" وهي عقيدة سلفية، ثم أمرني خالي ببداية دراسة اللغة العربية.. الإعراب، ثم "ألفية ابن مالك"، ثم "زوائد الكافية"، وهكذا؛ وكنتُ أحفظُ بسهولة. وبعد إكمال دراسة اللغة العربية صار عمري 15 سنة، وحينذاك أمرني خالي أن أبدأ دراسة الفقه لأتسلم أحكام الصلاة، وبالفعل درست الفقه؛ فأكملت دراسة عدة رسالة على اللوح. وبعد ذلك درستُ البلاغة مثل "الجوهر المكنون"، والبيان، والمعاني، والبديع.

ثم بعد ذلك درستُ أصول الفقه؛ وحيث أنه لم تكن توجد أية مؤلفات للفقه المالكي في منطقة مالي آنذاك؛ فلجأنا إلى أصول الفقه للشافعية، فدرست "الورقات" لإمام الحرمين نظما ونثرًا، ثم درست "جمع الجوامع" رغم تعقيداته؛ ونظمتُ منه عدة أبواب صعبة مثل القياس والتصوّف. ودرست التنجيم ويضيف: وبعد دراستي لأصول الفقه رأى المشايخ أن أعمل في التفسير بعد دراستي للغة والنحو والبلاغة؛ ولم يكن يوجد لدينا من مؤلفات التفسير إلا الجلالين والبغوي والخازن وكلها مخطوطة غير مطبوعة؛ فاشتغلتُ بالتفسير، ودرست الجلالين والبغوي واكتفيتُ بهما. ثم انتقلتُ إلى الحديث فدرستُ الموطأ وأبو داود ومختصر صحيح البخاري للتشيدي. ثم بعد ذلك درست التنجيم؛ حيث أنه كان مفروضا علينا دراسة التنجيم الذي كان على قسمين: تنجيم التنسيق، وتنجيم التقدير؛ فدرسنا تنجيم التنسيق الذي يدلُّنا على معرفة الطرقات والنجوم والفصول؛ ودرستُ كتابا في التنجيم يسمى كتاب التنجيم للأسوقي؛ وهو كتابٌ مفيد للتنجيم، ولا يوجد عندنا كتابٌ غيره في هذا المجال؛ ولا أزالُ أحفظُ هذا الكتاب. وهذا هو المنهج الدراسي الذي كان متبعًا في المنطقة الشرقية في مالي، والتي كانت كل مناطقها السابقة آنذاك يتوارد سكانها على المنطقة الشرقية للدارسة في المدرسة التي بناها خاصة، وأنها مفتوحة لكل من يريد أن يلتحق بمن مناطق مالي ونيجيريا وغانا. وعندما خرجت من مالي كان يوجد في هذه المدرسة نحو (400) طالب، أغلبهم من خارج المنطقة الشرقية.

الكتب والحفظ

الكتب والحفظ. وصمت الشيخ حماد برهة ليضيف قائلاً: هذا المنهج مفيدٌ للغاية رغم قلة المراجع والكتب في ذلك الوقت، الأمر الذي دفعنا للتركيز على الحفظ الفوري من اللوح الخشبي لعدم وجود الكتب التي نعتمد عليها؛ وذلك بخلاف اليوم الذي يصعب فيه على الطالب أن يحفظ المقررات لتوفر الكتب والمراجع بكثرة، كما قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفّاظ ـ في الطبعة الرابعة ـ (1) :ما قل حفظ علم غيبا إلا بعد كثرة من كتب وقبل كثرة من كتب كان علم العلماء كله لعب ولهذا قال الشافعي هذان البيتان "رحمه الله": علمي معي حيثما يممت يتبعني ... جوفي وعاء له لا بطن صندوق إن كنت في البيت كان العلم فيه معي ... أو كنت في السوق كان العلم في السوق ولكن اليوم يوجد علمنا في الكتب المتراصة على رفوف المكتبات. إلى أيّ مدى أثرت كثرة الكتب سلبا أم إيجابا؟ لقد أدى توفر الكتب إلى عدم ترسيخ العلم الغيبي؛ فكما قال سلفُنا إن للعلم الغيبي فائدة كبيرة، يستفاد منه في أيّ مكان، ولكننا في الوقت الحاضر اكتفينا بهذه الكتب المتراصة على الرفوف دون أن نحرص على قراءتها.

_ (1) يحرّر وينظر في التذكرة ا. هـ.

أفارقة ومشارقة

أفارقة ومشارقة من هم المشايخ الذين درستُ على أيديهم؟ مشايخ أفارقة ومشايخ مشارقة؛ وكما ذكرت فإنني قد خرجت من البلاد عام 1365هـ لأصلَ إلى هنا عام 1367، وذلك للعقبات والعوائق التي واجهتنا في الطريق أيام الحرب العالمية الثانية؛ وكما تعلم أن أفريقيا العربية (مالي، والنيجر، وفولتا العليا، والسنغال، وغامبيا، ونيجيريا) كانت قبل الاستعمار حجاجها يأتون عن طريق مصر من الجزائر إلى تونس ثم إلى مصر. وقد كتبتُ كتيّبا عن هذه الرحلات للحج، تتم طباعتُه حاليا، وفيه فوائد كثيرة. وأذكر أن الاستعمار قد أوجد العوائق أمامَ هذه الرحلات لمنع الحاج من أداء الحج، فاضطررت أن أسلك طريقا جديدًا مرورًا بنجيريا؛ واجهتنا عدة مشكلات آنذاك.

مشكلات في طريق الحج

مشكلات في طريق الحج ما هي المشكلات التي واجهتكم؟ من أخطر هذه المشكلات: أذكر أننا عندما عزمنا الخروج من البلاد صعبُ علينا أن نذهب للمركز الفرنسي لاستخراج جواز سفر؛ لأنه لو قدمنا طلبا للحصول على جواز سفر سوف لا يتحقق لنا ما نصبوا إليه؛ لأنهم يعرفون أننا نكرههم؛ فإذا خرجنا سوف لا نرجع إليهم، لذلك كانوا يطالبوننا بدفع دية مالية لهم تضطرنا للرجوع إلى البلاد مرة أخرى؛ ولأنا كنا لا نستطيع دفع الدية، ولما لم تنمكن من الحصول على الجواز سافرنا بعد منتصف الليل حيث كانت هناك حدود بين النيجر التابعة لفرنسا ونيجيريا التابعة لبريطانيا، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية وضعت كل من هاتين الدولتين جيوشًا على

حدودها، بريطانيا على الجنوب وفرنسا على الشمال؛ وذلك لمنع المرور من فرنسا إلى بريطانيا والعكس صحيح، إلا لمن يحمل الجواز، إذا ألقي القبض على شخص لا يحمل جوازًا يتعرض لعقاب شديد. ورغم ذلك توجهنا ـ 40 من كلية العلم ـ للسفر ليلاً وتلاوة القرآن نهارًا؛ ولما اقتربنا من المعسكر الفرنسي عند العصر حطّينا الرحال لنصلي العصر والمغرب والعشاء جميعا؛ وبعد ذلك واصلنا سيرنا عبر الحدود التي كانت عبارة عن غابة فيها طريق لا يسع إلا لشخص واحد فقط ليتم التمكن من القبض عليه بسهولة. وعندما وصلنا إلى هذا الغابة وجدنا أن جميع العساكر فيها سنغاليون لا يعرفون لغتنا، ولكنا عرفنا طريقة الخلاص؛ فكانت معنا مبالغ نقدية، أغلبها جنيهات مصرية وصلت إلى مالي بخطة معينة؛ حيث أننا عندما عزمنا الخروج من البلد أرسلنا أحدنا إلى نيجيريا كانت معه مبالغ من الفرنكات الفرنسية التي كانت مستخدمة لدينا آنذاك؛ وعندما وصل إلى (كانوا) في نيجريا الشمالية صرف هذه الفرنكات بالجنيهات المصرية التي وضعناها في القرب. وسألنا العسكري عن النقود التي كنا نحملها، فقلنا له: لا نحمل أية مبالغ نقدية، ففتشنا دون أن يجد شيئا؛ وكان بإمكان هذا العسكري أن يحبسنا، ولكن قبل أن نصل إلى هذه الحدود نزلنا عند والد (حامد الغابد) الذي ينتمي إلى قبيلة (أوجيس) التي لا يمنع السفر منها، لأنها من نفس المنطقة التي فيها هذا العسكري الذي سمح لنا بالمرور. وعندما وصلنا إلى العسكري البريطاني سألنا عن ما فعله بنا العسكري الفرنسي، قلنا له: سلمنا منه الله عز وجل؛ فما كان من العسكري البريطانيين إلا السماح لنا بالمبيت عندهم، وأكرموا وفادتنا، ثم سمحوا لنا بالمرور. وبعد ذلك دخلنا نيجيريا الآمنة؛ وهكذا واصلنا مشوارنا بعد شهرين قضيناهما للبحث عن جواز سفر؛ لأنه يمنع الخروج من نيجيريا إلا

بجواز سفر، وأشار إلينا أحدُ الإخوان أن نصل إلى بورنو وعاصمتها جروة؛ وذهبنا إليها، وهناك استقبلنا الشيخ، واستضافنا لمدة شهر، وعندما غادرناه ساعدنا كثيرًا؛ فذهب معنا إلى الجوازات في (برنو) ، وكان مدير الجوازات الأنصاري الذي سلمنا عليه، واطلع على قضيتنا فاستخرج لنا جوزات بتوفيقٍ من الله. وهكذا تمكنا من الخروج من (بردة) ودخول تشاد التي فشتونا فيها بشكل مبالغ فيه، ولم يجدوا عندنا شيئا لأننا كنا نخبئ أموالَنا في (القرَب) . وقبل أن نصل إلى (أنجامينا) بعنا الجمال في (سوكوتو) والتي ركبنا منها السيارات حتى وصلنا إلى الخرطوم التي وجدنا أن طرقها مسفلتة. ومن خروجنا من بلدتنا إلى السودان لم نرى أيّ أثر للكهرباء والطرق المسفلتة إلا في السودان الذي لم تواجهنا فيه أية عقبات.

ما بين مكة والمدينة

ما بين مكة والمدينة أعودُ مرة أخرى إلى سؤالي الذي لم تجب فضلتك عليه بعد: من هم المشايخ الذي درست على أيديهم؟ من أشهر المشايخ: خالي محمد بن أحمد بن تقي الأنصاري، ومحمد أحمد الملقب بالمبحري، وموسى الكسائي الأنصاري، وحمود بن محمود الشريف. أما عندما وصلتُ إلى مكة عام 1367هـ فقد حرصتُ على الانضمام إلى الحلقات الدينية في الحرم المكي الشريف، وهذه الحلقات غاصة بعدد من العلماء أذكر منهم: عبد الحق العمري الباكستاني الهندي، والذي كان يدرس في البخاري، بالإضافة إلى حامد فقي القذي كان يلقي كل يوم درسا في باب علي بمكة المكرمة، وعبد الله المشاط، والعربي التباني، ومحمد أمين الحلبي الذي كان يدرس النحو.

ثم انتقلتُ إلى المدينة المنورة عام 1371هـ، وذلك بعد أن مكثتُ في مكة أربع سنوات كنت خلالها أدرس في الحرم؛ وذلك بعد أن استأذنتُ الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ الذي كان مسئولاً عن الدروس في ذلك الوقت. وعندما وصلتُ إلى المدينة المنورة بدأت في دراسة العلوم الشرعية، فالتحقتُ بدار العلوم، وذلك بعد أن ساعدي في ذلك الشيخ أبو بكر التنبكتي، ودرسنا في دار العلوم عددٌ من الشيوخ منهم: محمد الحافظ، وعمر بري، وعبده خديع الذي كان من أعظم المدرسين في هذه المدرسة. ويواصل فضيلتُه حكايته مع العلم: وبعد ذلك حرصت على الانضمام إلى الحلقات الدينية في المدينة المنورة، والتي كان يدرس فيها أساتذة دار العلوم، بالإضافة إلى الشيخ محمد عبد الله المدني الذي كان إمام الحرم النبوي قبل الشيخ عبد العزيز بن صالح؛ فقام الشيخُ المدين ببناء مدرسة. وقد كتبت عنه كتابا وسبب هجرته من المدينة وتركه الإمامة أنه عندما كان إماما في ذلك الوقت حدث بينَه وبين أهل المدينة سوء تفاهُم، فقدم استقالتَه وسافر إلى بعض الجهات كالهند واليمن، ومن هناك جاء إلينا في مدين ة (جاوا) ؛ وقد استفدُُ منه بشكلٍ كبيرٍ في العوم الدينية؛ حيث أنني وزملائي لم نكن آنذاك قد اطلعنا على كتب السلف التي كانت موجودة عند الشيخ محمد المدني الذي افتتح مدرسةً للتوحيد والسنة. يضافُ إلى ذلك: أنني استفدتُُّ من رحلتي للهند التي اطلعتُ على مكتبات تراثية هامة، هي المكتبة السعيدية والأوصفية ومكتبة المعارف والمكتبة العثمانية؛ وصورت من هذه المكتبات باسم الجامعة نحو (500) من المخطوطات، موجودة في مكتبة الجامعة؛ وكذلك في مكتبة بتنة في بيهار الهندية تحتوي على مخطوطات عن مختلف الفنون.

رحلتي مع التدريس

رحلتي مع التدريس كيف التحقت بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة للعمل فيها؟ عندما انتقلت إلى المدينة المنورة التحقت بدار العلوم خلال الفترة من عام 1369هـ إلى 1371هـ. وأذكر أن ابن عمي إسماعيل الأنصاري الذي عمل مدرسا في مكة المكرمة بواسطة عبد القدوس الأنصاري قد كتب إليّ بمجرد أن تركتُ دار العلوم لأرجع إلى مكة المكرمة للعمل مدرسا فيها ورجعت إليها لأعمل مدرسا في المتوسطة في السنة الأولى والثانوية في السنة الثانية والعالي في الثالثة والتخصص في السنة الرابعة التي قدم فيها إلى مكة بعض المشائخ منهم الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم وأخوه الشيخ محمد بن إبراهيم فذهبت إلهيما ووجدناهما عند أخيهما عبد الملك الذي عرفهما بي، فقال لي عبد اللطيف ألا أضيع وقتي بالعمل في مدرسة أهلية، وأمر الكتابَ أن يتصل بعبد العزيز اللنجاوي الذي كان مسئولاً عن الأساتذة المبتعثين إلى الكليات فأخبره بخبر ذهابي إليه. وبالفعل بعد أداء فريضة الحج ذهبنا إلى جدة، ثم إلى الرياض لأعمل مدرسا في كلية الشريعة وأثناء عملي في هذه الكلية اقترح الشيخ محمد بن إبراهيم أن يفتح معهدًا لإمام الدعوة؛ فجمعنا المدرسين وبحثنا معهم إنشاء هذا المشروع الذي كان عبارةً عن مدرسة متوسطة وثانوية وعالية؛ فباشرتُ عملي في القسم العالي، وبقيت فيه من سنة 1375هـ إلى 1378هـ حيث تمّ نقلي إلى كلية الشريعة التي بقيتُ فيها فترة من 1379هـ إلى 1384هـ، ثم نقلت إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وما زلتُ مستمرًّا فيها حتى الآن. وتبلُغ مدة خدمتي نحو 40 سنة، وتم إعلان إحالتي للتقاعُد في شهر محرم الماضي.

صحوة علمية

صحوة علمية انطلاقا من تجربتك الكبيرة في مجال التعليم كيف وجدت الطريق في مجال العلوم الشريعة والعلوم الدينية بصفة عامة؟ لقد عشت فترتين في الماضي والحالي، ويمكن أن أقول هناك صحوة عليمة كبيرة، بدأت في الآونة الأخيرة بتشجيعٍ من الدولة التي تولي اهتماما كبيرًا بالعلم والإسلام؛ وهي صحوةٌ لا يوجد لها نظيرٌ إطلاقا؛ فالشبابُ يُقبلون على التعليم والتقيد بالإسلام وتقاليده دون أن يوجد ذلك في دول العالم الأخرى. وتعيشُ هذه البلاد نهضة تعليمية كبيرة، نأمل أن يجعلها اللهُ نهضةً معينةً على نصر الإسلام.

مناهج اليوم وأمس

مناهج اليوم وأمس ... مناهج اليوم والأمس هل لكم ملاحظات معيّنة على أسلوب التدريس ومناهج؟ لقد سبق أن أجريت مقارنة بين التدريس الحالية والماضية، ووجدت فروقات كبيرة: فالمناهج الدراسية التي كانت مطبقة خلال الفترة من عام 1337هـ حتى بداية القرن الحالي ذات نفع كبير بالمقارنة بالمناهج الحالية؛ ومن ملامحها أنها ليست في حدود طاقة الطلاب وما لا يقدرون على هضمه؛ يضاف إلى ذلك أن هذا المنهج لم يبن على دارسة نفسيات الطلاب وطاقاتهم وإمكاناتهم؛ وقد تتلاشى ملاحظاتنا على المنهج الحالي إذا رجعنا للعمل بالمنهج السابق.

لست مع هذا الرأي

لستُ مع هذا الرأي رغم وجود نسبة كبيرة من الجامعات والمدارس التي تدرس المناهج الإسلامية حاليا إلا أنه يلاحظ أن الأثر الإسلامي يكاد يكونُ ضعيفا لدى جيل اليوم، ما تفسيرُكم لذلك؟. لا أتفقُ معك في ذلك؛ لأننا نعيشُ صحوةً إسلامية كبيرة، تزامنت مع هذه الجامعات التعليمية التي أنشأتها الدولة؛ ويمكن القولُ أن الجامعات هي السببُ في حدود هذه الصحوة الإسلامية؛ إذْ أن التعليمَ كان ضعيفا قبل إنشاء هذه الجامعات، بخلاف اليوم الذي زادت فيه معدّلات التنافُس بين الطلاب للحصول على التعليم العالي.

المنهج والتوجيه

المنهج والتوجيه وكيف نستطيع أن ننهض ونرتقي بمستوى الشباب المسلم؟ الشباب المسلم يحتاج إلى أمرين: الأمر الأول: خاص بوضع منهج علمي على قدره مستواه. والأمر الثني: هو توجيه هذا الشباب ومساعدته على التخطيط. وإذا تحقق ذلك فإن شبابنا يستطيع التفوّق على شباب دول العالم الأخرى لتوفر الوسائل التعليمية لديه.

الدعوة بالخير

الدعوة بالخير ... الدعوة بخير كيف ترون حال الدعوة الإسلامية اليوم، خاصة وأن هناك من يرى أن هناك تقصيرًا كبيرًا في هذا المجال؟ الدعوة الإسلامية كلمة مجمَلة تحتاج إلى شرح؛ والمراد بكلمة الدعوة إذا

أُطلقت خارج هذه البلاد دعوة أهل الكفر إلى الإسلام، والمعنى الآخر إذا أطلقت هنا قد يُراد بها التبليغ وتعليم الناس وبثّ مكارم الأخلاق في نفوسهم؛ والمراد بها هنا هو المعنى الثاني؛ فالدولة بذلت جهودًا جبارةً في هذا المجال، ورغم ذلك إلا أن الأمر يحتاج إلى المزيد من الموجهين والمربين المخلصين في مجالات التعليم ليساندون الدولة التي تبذل جهودًا كبيرة لإيجاد كل ما يحتاج إليه شبابنا؛ وإذا تعاون المواطنون مع الدولة سيتحقق الخيرُ الوفيرُ لهم. وهناك جهات مختصة عديدة مسئولة عن الدعوة الإسلامية؛ فإذا نظرنا إلى أفريقيا قبل التي كانت قبل 40 سنة يسودُها الجهلُ وسوء العقائد وعدم التفقُّه في الإسلام نجد اليومَ أنّ فيها كما هائلاً من الدعاة الذين تخرّجوا من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ يضافُ إلى ذلك أنه يوجد في كل بلد أفريقي مركز للدعوة الإسلامية لم يكن موجودًا قبل 40سنة مضت.

خطر تنصيري جامع

خطرٌ تنصيري جامع رغم وجود نشاط كبير في أفريقيا للدعوة الإسلامية إلا أنه يلاحظ وجود نشاط آخر للتنصير ومحاربة الإسلام. كيف ترون إمكانية مواجهة هذا الخطر؟ نعم هذا أمرٌ واقعٌ بالفعل؛ حيث إن المنصرين الذين يسمون بالمبشرين بذلوا وأنفقوا كل ما يقدرون على بذله وإنفاقِه في الإحالة بين المسلين وبين تمسكهم بدينِهم، لا سيما في شرق أفريقيا؛ وقد رأيتُ ذلك من خلال رحلاتي إلى أفريقيا، وقمتُ بعدة رحلات لجهات مختلفة: أوروبا، وأفريقيا، ودول شرق آسيا، والشام، ومصر، وغير ذلك من الدول التي وجدت أن المنصرين فيها يمتلكون إمكانات كبيرة؛ لذا يجبُ على المسلمين أن يواجهوا هذا النشاط وهذا التيّار بتوظيف ما يملكون من طاقات وإمكانيات سواء من أنفسهم أو من دولهم.

ولو صمد المسلمون في مواجهة هذا التيّار النشط المتمكن لنصرهم الله عز وجل فقد قال عز وجل: {إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} . ويلاحظ أن في أفريقيا وأندونيسيا في الوقت الحاضرة دعاة مخلصين متخرجين من الجامعة الإسلامية يحاولون بذل جهدهم في المسلمين، والإسلام ومحاولة إبعادهم عن هؤلاء المنصرين، ولكنهم لم يستطيعوا أن يبذلوا كل يمتلكون من جهد وطاقات؛ لأن المنصرين يستطيعون أن يتغلبوا على الدعاة المسلمين الضعاف؛ ونرجو إبطال محاولات هؤلاء المنصرين بتوفير الإمكانيات؛ وقد اقترحتُ عقد ندوات للحصول على معلومات عن شاط الدعاة الأفارقة الذين يدرسون هنا للتعرف على جهودهم واحتياجاتهم.

الجمع بين العلمين

الجمعُ بين العلمين وكيف تنظرون للفكرة التي تنادي بإعادة النظر في تطوير التعليم الإسلامي في الدولة الإسلامية؟ التعليم ينقسم إلى قسمين: تعليم ديني، وتعليم مادي؛ وهذان القسمان ينبغي العناية بهما؛ فمثلاً: دولتُنا الرشيدة تبذل جهودًا كبيرةً للجميع بين هذين القسمين؛ وهكذا فإن أيّ بلد لا يمكن أن يستغني من حتمية الجمع بين هذين العلمين؛ لأن العلم الشرعي يعلم الفردَ كيفية بقاء صلته مستمرة مع الله عز وجل، والعلم المادي يساعد الفرد على القيام بالعلم الشرعي؛ فإذا لم يتعلم المسلمون الرياضيات والهندسة فمن أين لهم أن يبنوا المدارس والمساجد والجسور ويعرفوا كيفية حساب الصدقات. إذن قوة المسلمين تكمُن في أمرين:

الأمر الأول: هو دراسة كتاب الله دراسة وافية. والأمر الثاني: هو إيجاد ما يحمي هذا الكتاب من التلاعُب به من قِبَل الأعداء. لذا يجبُ على المسلمين دارسة العلوم الشرعية والمادية؛ أما التركيزُ على واحدٍ منهما دون الآخر فهذا أمرٌ خاطئ؛ فقد أمر الله عز وجل بذلك، فقد قال {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} و {أَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِنْ قُوَّة} ؛ فإذا لم تكن هناك صناعات وزراعة يصعُب علينا الاستغناء عن أعدائنا.

مكتبة الشيخ

مكتبة الشيخ كيف ومتى بدأتَ تأسيسَ مكتبتك؟ بدأتُ في تأسيس هذه المكتبة عام 1367هـ؛ وكانت في البداية مكتبة عامّة تحتوي على كل العلوم والمواد؛ إلا أنه في عام 1373هـ قمتُ بإهداء هذه المكتبة إلى عمي الذي أرسلتها له، وبعدَ ذلك بدأتُ في تأسيس المكتبة من جديد. كم يبلغ عدد كتب هذه المكتبة؟ لم أستطع حصر عددها. يلاحظ أنك أوليتَ اهتماما كبيرًا بعلم الحديث في هذه المكتبة، لماذا؟ في عام 1373هـ حرصت على التخصص في علمٍ واحد؛ فوقع الاختيارُ على الحديث. وتحتوي هذه المكتبة على علم الحديث كتخصص واحد فائدته أكبر من لو كانت المكتبة تحتوي على علوم عديد مبعثرة هنا وهناك.

دراسة الحديث وفقه القرآن

دراسة الحديث وفقه القرآن كيف وجدت أهمية التركيز على علم الحديث في الوقت الحاضر لإيصالِه إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس؟ الأصل الأول القرآن والثاني السنة، وكلما زاد اهتمام الفرد بدراسة الحديث زاد ارتباطُه بفقه القرآن الكريم؛ والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا أَطِيْعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ؛ وطاعة الله معناها طاعة القرآن، وكذلك طاعة الرسول وولي الأمر. وفي الزمن الماضي لم يكن هناك متخصصون كثيرون في علمٍ واحد؛ ما عدا يحيى بن معين الذي تخصص في علم الحديث، وأبو حنيفة الذي تخصص في الفقه. وكيف تصف لنا خبرتك في علم الحديث، والتي تزيدُ على 30سنة؟. في عام 1367هـ بدأتُ أدرُس في علم الحديث وأبحث عن مراجعِه؛ وهكذا بدأتُ أبحث عن كتب الحديث لأجمعها وأدوّنها.

محدث هذا العصر

محدث هذا العصر نودّ تسليط الضوء على خلاصة تجربتك التي خرجتَ بها من خلال اهتمامك بعلم الحديث؟ عندما توجهتُ لدراسة علم الحديث وجدتُ أن ذلك التوجه تترب عليه فوائدُ عديدة، من أهمِّها: أن المتخصص في علم الحديث يستطيع أن يوجد عنده ملَكة في هذا العلم قلَّ أن يتحصّل عليها لو كان متخصصا في علم آخر ينافس هذا التخصص مثل الفقه أو النحو أو التاريخ.

ورغم تخصصي الفريد في علم الحديث لا أستطيعُ أن أصفَ نفسي بأنني محدِّث؛ لأن المحدث نادر الوجود، لا سيّما في عصرنا هذا، خاصة وأن كثرة الكتب لم تترك أيّ مجال لأي فرد يتطلع أن يصبح محدِّثا بالمعنى الصحيح؛ فالمحدِّث في العصر الحديث هو الذي يعرف مراجع الأحاديث التي يريدُها للاستعانة بها في أيِّ كتاب. وقد تغيّر مفهوم المحدِّث في الوقت الحاضر مقارنةً بنظيره في زمن الحافظ ابن حجر والذهبي والبيهقي والخطيب؛ فالمحدِّث الذي كان موجودًا في القرون الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة لا يوجد إطلاقا في القرن الحالي. وكيف ترى سبل إعادة إحياء دور المحدِّث من جديد في الوقت الحاضر؟ سيتم إحياء هذا الدور من جديد بمشيئة الله ما دامت الجامعات مستمرة في أداء واجباتها على الوجه الأكمل؛ خاصة وأنّ هناك تخصصات لعلم الحديث في الجامعات، ستُعيدُ للحديث نشاطه وانتشاره؛ وسيوجد من بين أولئك الذين تخصصوا في هذا العلم محدِّثون بالمعنى الصحيح؛ وآملُ أن يتحقق ذلك.

مكتبة متجددة

مكتبة متجددة إذن تزخر مكتبك بكافة الأحاديث والبحوث التي أجريت حول هذا العلم؟ المكتبة تتجدد محتوياتها يوميا؛ ويصعُب حصرها، وفيها كتب خاصّة برجال وروّاد، وكتب عن علم المصطلح لم تكن أقل أهمية من معرفة الرواد. وقد حصرت محتويات ما عندي من علم الحديث بقسميه فوجدت أن

المكتبة تحوي نحو 50 نوعا من 65 نوعا من علم الحديث؛ أما الزيادة في الأنواع التي ذكرها الفرغيلي فإنها تصلُ إلى 100 نوع. وأستطيعُ أن أقولَ الآن أنه لا ينقصني من علم الحديث تقريبا إلا 15 نوعا من علم الحديث. وفي عام 1375هـ بدأتُ أبحث عن جميع هذه الأنواع في المكتبات الموجودة في داخل المملكة وخارجها، ولم أجد إلا أنواعا قليلة جدًّا؛ وبدأتُ أكتبُ في هذه الأنواع الخمس عشرة التي لم أحظ بوجودها؛ ورغم ذلك لازلتُ أبحثُ عنها. ما هو أقدمُ مخطوط في هذه المكتبة؟. تعريف الأعلام هو أقدمُ نسخة، ترجع إلى القرن الخامس الهجري. إلى أيِّ مدًى يمكن القولُ أنّ محتويات هذه المكتبة يمكن أن توجد في أيّ مكتبة في العالم الإسلامي؟. عندما قمتُ برحلات إلى بلاد مختلفة للبحث عن هذه الكتب لم أجد أي مكتبة شبيهة بمكتبتي سواء كان في الشام أو مصر أو المغرب وتونس والجزائر وليبيا؛ وقد كلّفتني هذه المكتبة كثيرًا. كتابٌ بـ 7.000 ريال. كم كلفتك هذه المكتبة؟ كلفتني كثيرًا، ولكني لا أستطيعُ حصر التكاليف، لأنني بدأت في تأسيسِها

منذ زمن بعد وحتى الآن؛ فإذا كانت كتاب تاريخ ابن عساكر قد كلفني وحده نحو سبعة آلاف ريال، فإن محتويات هذه المكتبة تكلف كثيرًا، وكتاب الكامل لابن عدي جلبتُه من تركيا عام 1385هـ بألف ريال في وقتٍ كان في راتبي ألف ريال فقط، وهو كتاب نادر الوجود، وهو أوّل كتاب دخل إلى الدولة، ولكنه انتشر بتوفيقٍ من الله ثم بوجود هذه النسخة. كيف ترى إمكانية الاستفادة من هذا الجهد العلمي الرائع؟ أغلبية الرسائل الموجودة في المكتبة تمّت طباعتُها والآن تباع في المكتبات؛ يضاف إلى ذلك أن هذه المخطوطات قد تمت طباعتها وتم تحقيقُها. هل حقّقتِ الرسائلُ العلمية فوائد ملموسة؟ نعم حققت هذه الرسائل فوائد عظيمة بتضافر جهود الدولة التي افتتحت العديد من الجامعات ذات التخصصات المختلفة.

في الرياض أكثر

في الرياض أكثر. ماذا عن إنتاجك الذي قمت بكتابته وتأليفِه؟ عندما كمنت في الرياض كان نشاطي الإنتاجي كبيرًا جدًّا؛ فقد كنت أكتب عدّة بحوث في الحديث يتم نشرُها في الجرائد والمجلاّت؛ وهناك بحوثٌ أخرى أقوم بتجهيزِها، وذلك بمناسبة إحالتي للتقاعد؛ وفي أول شهر محرم الماضي أرسلت ستة بحوث لطباعتها، وهي ذات موضوعات مختلفة في علم الحديث؛ مع ملاحظة أنني لا أكتب إلا علم الحديث والعقيدة فقط.

خلافات لا بد منها

خلافات لا بدّ منها. كيف تنظر للخلافات الموجودة حاليا بين بعض الأئمة والعلماء حول بعض الأحاديث والأحكام؟ وكيف ترى السبيل إلى تضييق هوة هذه الخلافات؟ هذه الخلافات لا بدّ منها، ولكن إذا دلنا العلماء على الطريقة التي إذا سلكناها استطعنا أن نتخلّص من هذه الخلافات. والمشكلة الأساسية التي ساعدت على توسيع هوة الخلاف وأوجدت سوء التفاهم تتمثل في اهتمام طلبة العلم بالمادة فقط دون غيرها؛ أما الطلاب الذي يهمهم العلم والإصلاح فإنهم يستطيعون التخلُّص من كل خلاف أمامَهم. كم تحفظ من الآحاديث؟ وفرة الكتب حالت بيني وبين الحفظ ولانشغالي لم ألجأ إلى حصر ما حفظت من الأحاديث؛ يضاف إلى ذلك: أنني أستطيع الوصول إلى أيِّ حديثٍ مرَّ عليَّ، ومعرفة ما قيل فيه، خاصّةً وأنَّ هناك أحاديث في حاجة ماسّة إلى بحث. حين يشكل عليك الأمر في حديثٍ ما، إلى من ترجع لتستعين به؟ أرجع إلى الاخوة طلبة العلم الذين تزايد عددهم بشكل كبير؛ فإذا وجدت حلاًّ عندَهم لأيِّ سؤال كان هذا هو المطلوب، وإلا ساعدوني للبحث لأصل للحقيقة بالتعاوُن معهم.

ابن باز محدثا

ابن باز محدّثا. من هو العالم الذي تستعين به في هذه المسألة دائما؟ كلما أحتاج إلى حلّ أمر ما أتّصل فورًا بالأخ إسماعيل الأنصاري

بالرياض؛ لأنه صاحب خبرة كبيرة، رغم أنه غير متخصص في علم الحديث. كما أتصل أيضا بالشيخ عبد العزيز بن باز الذي لا يوجد محدّث مثله، رغم أعمالِه الكثيرة التي حالت بينَه وبين التفرُّغ للتخصص في علم الحديث. يضاف إلى ذلك أنني أراجع الشيخ الألباني في بعض الأمور؛ لأنه ذو إطلاع واسع في علم الحديث. يوصف الشيخ ناصر الدين الألباني بأنه الأكثر تخصصا في علم الحديث حاليا؛ ما رأيُكم؟. هذا كلامٌ غير صحيح، رغم أنه ذو إطلاع واسع.

لا تتبعوا السقطات

لا تتبعوا السقطات ما هي نصيحتُك التي تقدِّمُها للباحثين وطلبة علم الحديث؟ أنصحُ طلبة العلم بصفة عامة وطلبة علم الحديث بصفة خاصة أن يخلصوا، وأن لا يتتبّعوا السقطات التي تحصل من بعض أهل العلم، وأنصحهم كذلك بعدم خوض مجال الاعتراضات، وأن يتّصلوا بأهل الشأن؛ لأن العلم ليس من بطون الكتب وإنما من أصحاب الشأن؛ وأن يتفقّهوا بالطريفة التي تفقّه بها أئمتُنا، ثم أنصحُهم بتقوى الله في السر والعلانية.

جهود علمية

جهود علمية ماذا تنشغل في الوقت الحاضر؟ أعمل الآنَ مشرِفا على الباحثين رغم أنني أُحلت للتقاعُد؛ حيث ما زال لدى ستة باحثين، أربعةٌ منهم في القعيدة واثنان في الدكتوراه.

ما هي توجهاتُك العملية بعد الانتهاء من هذه المهمة؟ سأحاول أن أقومَ بتلخيص وتصحيح ونسخ البحوث وذلك لنشرها؛ وفي بعض المرّات حين يقف الضغط أقومُ بإعادة كتابة بعض هذه البحوث التي ستنتهي طباعتُها قريبا.

مواعيد المكتبة

مواعيد المكتبة. ماذا عن مواعيد زيارة المكتبة؟ تفتح هذه المكتبة أبوابَها للزوّار يوميا صباحا ومساء خلال أيام الإجازات من الساعة الثامنة صباحا حتى الظهر، وبعد صلاة العصر حتى العشاء. أما خلالَ وقت العمل فإن المكتبة تفتح أبوابَها خلال الفترة من بعد صلاة العصر حتى صلاة العشاء. هل يستطيع القارئ الاستعارة من هذه المكتبة؟ نعم يستطيع القارئ الاستعارة منها يوميا، حيث يحدُث ذلك يوميا وبشكل مكثّف.

بين المد والجزر

بين المدّ والجزر. الهجمة على الإسلام اشتدت ضراوتُها في الآونة الأخيرة، واتخذت أشكالاً أحد وأشدّ وقعا؛ بماذا تبررون اشتداد الهجمة في هذه الآونة بالذات؟ وكيف يمكن مواجهتها؟ الهجمة على الإسلام ليست وليدة اليوم؛ فهي بين مدّ وجزر، فكلما أحسّ أعداءُ الإسلام فيه قوةً أو بوادر صحوة في أبنائه ومظاهر رجعة صادقة في

صفوف أهلِه أفزعهم ذلك وأرعبَهم؛ فهم يحرصون على أن يظل المسلمون نائمين، ولاهين وعابثين. وهم يدركون خطورة المسلمين الصادقين على فكرهم وحضارتهم على تقديس الذاتية والمصلحة واحتكار أفكار الشعوب ومبادئها وأرزاقها. وهم يدركون جيّدًا أكثر من إدراك المسلمين أن سرّ قوة المسلمين تكمُن في إسلامِهم وفي عقيدتهم؛ فلو التزم المسلمين بالإسلام لأصبحوا قوةً عظمى في العالم مرهوبة الجانب، قوية السلطان، مالكة لزمام الحضارة المادية والروحية.

أسلوب رخيص

أسلوب رخيص لعل من أحقر أساليب الهجوم على الإسلام استئجار بعض الأقلام التي تنتسب إليه لطعنه في الظهر؛ والأمثلة كثيرة على ذلك. هل ترون الردّ عليها أم تجاهلها؛ وما مميزات وعيوب كلام البديلين؟ إن مثل هذا الأسلوب الرخيص ينبغي تجاهلُه في تقديري وعدم الاهتمام به أو إطاؤه أكبر من حجمه؛ وإذا وُجد شيءٌ من هذا النوع فأرى أن يدرس دراسة جيّدة، وأن يواجه بالقدر المعقول؛ لأن الهجومَ الصارخ على فيلم ما أو تاب ما قد يعطِيه أكبر من حجمه ويساعد على انتشار مادتّه أو كسب صاحبه شهرة لا يستحقُّها، مما يجعل بعض قليلي الثقافة والمعرفة يتأثرون به؛ فأنا لا أدعو إلى إهمال مثل هذه الظواهر ولا مهاجتها بشكل غير مدروس أو مأمون العواقب.

لا طائل من الجدل

لا طائل من الجدل. آراء العلماء وطلبة العلم اختلفت حول حكم الصور؟، فما رأيُكم؟، وهل ترون أنه من الحكمة إثارة مثل هذه القضايا في الوقت الراهن الذي تمرّ فيه الدعوة بتحيات كثيرة؟ الأمر إذا كان محلّ خلاف بين أهل العلم وفيه مجال للاجتهاد مثل الصور الفوتوغرافية، خاصة إذا كان يترتّب على وجودها مصلحة ظاهرة أو دفع مفسدة، وليست من قبيل العبث؛ فإنني أرى أنه لا طائل من إطالة الجدل حولها.

ملامح التربية

ملامح التربية. التربية الإسلامية محور الارتكاز لإعداد جيل صالح وقادر على تحمّل أمانة الدعوة إلى الله. ما أهم ملامح هذه التربية؟، وهل ترون المناهج الدراسية الحالية كفيلة بتحقيق هذا الطموح؟ أرى أن أهم ملامح التربية في شخصية المسلم ترتكز على ما يلي: أولاً: الاهتمام بالمحضن الصالح، أعني: الزوجة الصالحة والزوج الصالح؛ فهي ركيزة أساسية في بناء فطرة الشاب وعقله وقلبه وبذر الخير في نفسه وجعله يثمر ثمرة يانعة. ثانيًا: العناية به منذ نعومة أظفاره وغرس الفضائل في نفسِه، وتجنيبِه أسباب الانحراف. ثالثًا: العناية بتربيته إيمانيا، وخلقيا، جسميا وعقليا، ونفسيا، واجتماعيا. رابعًا: إيجاد القدوة الصالحة في ليكتسب منها ويتأثّر بها، ويمارس أمامها

أساليب الدعوة والعمل الإسلامي ليستفيد من توجيهاتها. خامسًا: تسلّحه بالعلم النافع ووعيه وإدراكه لأساليب العمل الناجح. سادسًا: تحليه بالصبر والحلم وسعة صدر وقوة التحمّل، والقدرة على استيعاب. سابعًا: عدم استعجال النتائج الأمر بعد الأخذ بالأسباب إلى الله عز وجل. وأرى أن المناهج في المملكة العربية السعودية وسياسة التعليم فيها من أفضل المناهج والسياسات في العالم الإسلامي لغرس الفضائل وبناء وإصلاح النفوس؛ إذا توفرت لها القدوة الصالحة والتدريب العملي والحماية من المؤثرات. وسياسة التعليم ومناهجه من المفاخر التي تفخر بها المملكة العربية السعودية زادها الله قوةً وثباتا واستقامة. بماذا تنصح المسلم الذي يسافر إلى البلاد غير المسلمة؟ أنصحُه أن يكون معتزًّا بدينه، فخورًا بإسلامه، مفاخرًا بهويته؛ حتى لا ينهزم أو ينبهر بمظاهر حضارة الغرب وتقدّمه المادي. وأن يكون على وعي بالأفكار التي تعجّ بها البلاد غير الإسلامية، حتى لا يتأثّر بها ويخدعه بريقُها. وأن يكون كذلك على وعي جيد وفهم واضح بأصول إيمانه وعقيدته أهم مبادئ الإسلام وثوابته، حتى لا يدخله الشك، ويهزّه أدنى موقع. وأن يتسلّح بسلاح الإيمان والتقوى والبعد عن مواطن الشبهات والشهوات والمغريات. وأن يكون جادًّا في دراسته أو عملِه ومنهمكا في أداء مهمته التي سافر من أجلها.

وأخيرًا أن يدرك أن حقيقة الحضارة في الغرب أو الشرق في جانبها الفكري والأدبي قامت على غير هدى من الله، وأن سعادة البشرية وحياتها الحقيقة لا توجد في غير حضارة الإسلام. وما النصيحة التي توجهونها للمرأة المسلمة عبر "عكاظ"؟ المرأة المسلمة في المجتمع السعودي تحظى بمكانة تَحسدها عليها جميع نساء العالم، بل إن الواعيات في المجتمعات الأمريكية والأوربية يتمنين أن يعش حياة المرأة في المملكة العربية السعودية؛ فالمرأة في المملكة أمّ حانية، وأخت وفية، وبنت جادّة مثابرة. وإذا استثنينا بعض الظواهر الشاذّة في تصرفات بعض أولياء أمور النساء ـ والتي سوف تنتهي يقنيا بزيادة الوعي وارتفاع مستوى التعليم ـ علمنا يقنيا ما تتمتع به المرأة في الإسلام من حقوق مميزة تحفظ لها كرامتها وتعطى لها اعتبارها. وقد توجد بعض الظواهر الشاذة أو التصرفات غير المسئولة، وهذه ليست حجة على الإسلام، بل مثلها وأكثر منها يحصل في جميع المجتمعات وتحتَ كل النظم والقوانين. فنصيحتي للمرأة هذا المجتمع بالذات أن تحافظ على حقوقها التي وهبها إيّاها الإسلام، وأن تعمل على تجسيدها في الواقع وتطبيعها في المجتمع، وأن تكون غايتها رضى الله، والحرص على طاعته، وأن لا تستجيب لدعاة التغريب والانحلال الذين يبدءون دائما من حيث انتهى الآخرون؛ فكثير من نساء المسلمين في العالم الإسلامي أدركن خطأهنّ لأمثال هؤلاء الدعاة وتصديقهم في دعواهم الكاذبة وبدأن خط الرجعة من جديد لحياتهن وحشمتهن وصيناتهن وصفائهن، وطاعة خالقن عز وجل؛ فوجدن الراحة والطمأنينة.

فالمرأة المسلمة اليوم مدعوة إلى تحمل مسئوليتها كالرجل بعد أن يسر الله لها الزاد العلمي والإيمان الجيد في الحفاظ على شخصيتها وإيمانها وهويتها، وإحباط جميع دسائس أعداء الإسلام الذين ينتظرون على أحرّ من الجمر أن تمد لهم المرأة يدها في هذا المجتمع ليعبثوا بخلقها وعفتها وعقلها كما فعلوا بالمسلمات الأخريات اللاتي استجبن لهم في بعض الدول الإسلامية.

صمام الأمان

صمام الأمان فالمرأة المسلمة صمام الأمن في أي مجتمع؛ فهي أساس الأسرة، ومحض البذرة فإذا انفلتت ـ كما يريد لها أعداء الإسلام وأدعياء تحرير المرأة ـ ومتى كانت مستعبدة حتى تحرر ـ انهارت الحياة وفقد الحنان والرمة وجفّت الحياة وذبلت وتحول إلى حياة صخرية قاسية تولد الآلام وتزرع الأنانية والبغضاء ونتيجة الكراهية والحقد. وهذا ما يسعى إليه الأدعياء المغفّلون من حيث يدرون أو لا يدرون، وبعضهم يدرك ذلك ويسعى إليه بخبث وسوء نية ولا يهمّه إلاّ ذاتُه وتحقيق أنانيته ولو تحولت الحياة إلى جحيم وعمّها الدمار كما في لبنان أو أفغانستان أو فيتنام أو هيروشيما. في نهاية الحوار نود أن توجهوا كلمةً للشباب المسلم الآن، فبماذا تنصحونَه؟ نصيحتي لكل شاب مسلم: أن يكون على صلة قوية بربه، وثقة صادقة بإيمانه، وعلم يمكنه من فهم دينه والعمل له، وصحبة صالحة تعينُه وتثبته، ووعي بالأخطار التي تحدق به وتعل على انحرافِه، وإدراك لخطط أعدائه حتى لا يستغفل عن دينه ويلبس عليه أمره؛ وأن يجعل اللهَ والدارَ الآخرةَ دائما نصب عينيه وهي غايته.

اللقاء الذي أجرته مجلة التوحيد مع الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله

اللقاء الذي أجرته مجلة التوحيد مع الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله عناوين عامة ... اللقاء الذي أجرته مجلة التوحيد مع الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله العدد (السابع) السنة الخامسة والعشرون. بتاريخ: السبت 19 رمضان سنة 1410هـ الموافق 14/أبريل 1990م. أجرى اللقاء مع الشيخ "رحمه الله": جمال سعد حاتم. عناوين عامة: * الشيخ حماد الأنصاري رئيس قسم السنة وأستاذ الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في حديث مع (التوحيد) : * مصر قائدة العالم كله إذا أرادت ذلك!! * الشيخ حماد يروي قصته مع الشيخ حامد الفقي وعلماء السنة * أوصي أبنائي في مصر وبلاد المسلمين بأن ليس في الإسلام قتل الأبرياء ولا قتل النساء ولا قتل الشيوخ * مجلة (التوحيد) مجلة جيّدة جدًّا، ولا ينبغي أن تترك، والذي عليكم هو نشرها * إنني أعترف بأن العلم في مصر، والمصريين أساتذة الدنيا كلها، ولو أسلمت مصر كلها لأسلم العالم كله.

في المدينة المنورة كانت زيارة وفد (أنصار السنة) لعالم من العلماء الأفارقة الموحدين؛ حيث حدّثنا الرجلُ عن أنصار السنة بما لم يحدثنا بها رجالاتها، وعن قدماء أنصار السنة ابتداءً بالشيخ / حامد الفقي، والشيخ / عبد الرحمن الوكيل، وانتهاءً بالشيخ / عبد الرزاق عفيفي؛ وعن مصر الأزهر، وما يُكِنُّه الرجلُ لرجالات مصر وعلمائها؛ حيث وصفهم بأنهم أساتذة الدنيا ... وأن مصر قائدة العالم كله إنْ هي أرادت ذلك، وعن رحلة الرجل في طلب العلم، وعن مجلة (التوحيد) ؛ والكثير من خلال حديثٍ طويل شيِّقٍ مع عالم تنسابُ منه الكلمات في سلاسة؛ وكان حديثنا في جلسة العلماء، حيث سجلنا معه الحديث التالي: التوحيد: فضيلة الشيخ / حماد الأنصاري ـ يرحمكم الله ـ هل لكم أن تحدِّثونا عن (أنصار السنة) وعلاقتكم برجالات (أنصار السنة) ؟ ج: إنني أعرف (أنصار السنة) منذ أمَدٍ بعيد، أعرف رئيسها الأول ورئيسها الثاني الشيخ حامد الفقي، والشيخ عبد الرحمن الوكيل "رحمة الله عليهما"، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ جميل غازي؛ والكثيرُ من رجالات (أنصار السنة) . وعندما زُرتُ المركز العام كان الشيخ جميل غازي في استقبالي، ومن رجالات أنصار السنة الذين أذكرهم الآن والذي كان له باعٌ طويل في الدعوة الشيخ محمد خليل هرّاس؛ وعندما كان عندنا هنا كنا نسميه فيلسوف أهل السنة، كان عندنا بمنزلة أبي الحسن الأشعري متكمل عصره. وفي زيارتي الثانية للقاهرة عندما دخلت إلى المركز العام بعابدين كنت قادمًا من أسبانيا، وألقيت محاضرة لمدة ساعتين في المركز العام، وكانت بعنوان: (التوحيد من سورة الفاتحة) ؛ والتقيت باخوة كثيرين من أنصار السنة أثناء تواجدي في مصرة.

وزرت جامعة الأزهر لكي ألقي محاضرةً فيها، وكان وقتها على قمة الأزهر الشيخ عبد الرحمن بيصار "رحمه الله"، وكان معي في هذا الوقت فضيلة الشيخ الحسيني هاشم. ومن الطرائف: أنني عندما كنت في طريقي لإلقاء محاضرة في الأزهر سمعت اعتراض البعض عندما قالوا: إنه إذا ألقى محاضرة هنا فإنه سيلقي محاضرة وهاّبية، قلت لهم: يا عجبًا هل هناك محاضرات وهّابة ومحاضرات غير وهابيّة؟؛ وشدّدوا عليّ أن لا يسمحوا لي بإلقاء محاضرة؛ وكانت هذه الواقعة من المواقف الطريفة التي قابلتني أثناء زيارتي للقاهرة؛ فرددت عليهم وقلت لهم: إنكم أنتم علماء الدنيا، ولكن ينقصكم أن تعرفوا كيف توحدون الله، هذا هو الذي ينقصكم، وإلاّ فالعالم كله أنتم أساتذة حتى أمريكا وأوروبا. أعترف أنني من تلامذة علماء الأزهر. ويواصل الشيخُ حديثَه بلا انقطاع قائلاً: بداية: فأنا أعترف أنني من تلامذتكم، بل إنني لستُ مبالغًا إنْ قلت: أن كل من درس العلم في الآونة الأخيرة منذ أنشأ الجامع الأزهر هم تلامذته؛ وكان الشيخ حامد الفقي مثلاً من أمثلة العلماء الذي تخرّجوا في الأزهر. التوحيد: فضيلة الشيخ ـ يرحكم الله ـ هل لكم أن تحدثونا من خلال معايشتكم للشيخ حامد الفقي ـ رحمه الله ـ عن شيء من حياته أثّر فيكم وما زلتم تذكرونَه؟ ج: أما عن حياة الشيخ حامد الفقي: فعندما اجتمعتُ معه عام 1367هـ جئتُه وهو يدرِّسُ "تفسير ابن كثير" عند (باب علي بمكة) ، وعندما سمعتُه قلت: هذا هو ضالّتي؛ فكان يأخذ آيات التوحيد ويسلّط عليها الأضواء،

وسمعته من بعيد فجلست في حلقته، وكانت أول حلقة أجلسُ فيها في الحرم وأنا شاب صغير، وكان عمري لا يتعدّى الثانية والعشرين، وسمعت الدرس، وكان الدرسُ في تفسير آيات التوحيد؛ وبعدما انتهى الدرس وصلينا العشاء جاءنا شخصٌ صوري لا أتذكّر اسمَه الآن وقال للشيخ: أنا أريكم أن تشربوا القهوة عندي، فقال له الشيخ: ومن معي، قال له الرجل: احضر مَن شئت، وكان هذه أول مرة أرى فيها الشيخ، على الرغم أنني سمعت عنه كثيرًا؛ لأن شيخي كان تلميذ الشيخ حامد الفقي.

الشيخ حامد الفقي وقصته مع الفلاح

الشيخ حامد الفقي وقصته مع الفلاّح وذهبنا إلى بيت الأخ السوري، وعندما وصلنا إلى البيت وجلسنا قال لنا: أنا أريد أن أسلم لكم سيوفًا من الخشب، وسلم الأخ السوري كل واحدٍ سيفًا من الخشب، وقال لنا: تعالوا نتسايف أولاً، وبعد ذلك نشرب القهوة حتى نطبق النونين اللتين تركز عليهما الإسلام؛ وأخذ كلُّ واحدٍ منها سيفَه وأخذَ مع صاحبه يتجاولان، حتى انتهينا من المجاولة جلسنا وشربنا القهوة؛ وقلت للشيخ حامد الفقي "رحمه الله": يا شيخ أنا عندي سؤال، فقال: ما هو سؤالك يا ولدي؟، فقلت له: كيفَ صرتَ موحدًا وأنت درست في الأزهر؟، وأنا أُريدُ أن أستفيد والناس يسمعون. فقال الشيخ: والله إن سؤالك وجيه. قال: أنا درست في جامعة الأزهر، ودرست عقيدة المتكلمين التي يدرِّسونَها، وأخذت شهادة الليسانس وذهبت إلى بلدي لكي يفرحون بنجاحي، وفي الطريق مررتُ على فلاّح يفلح الأرض، ولما وصلت عندَه قال: يا ولدي اجلس على الدكّة، وكان عندَه دكة إذا انتهى من العمل يجلس عليها، وجلستُ على الدكة وهو يشتغل، ووجدت بجاني على

طرف الدكة كتاب، فأخذت الكتاب ونظرت إليه، فإذا هو كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة الجهمية" لابن القيم، فأخذت الكتاب أتسلى به؛ ولما رآني أخذت الكتاب وبدأت أقرأُ فيه، تأخّر عني، حتى قدّر من الوقت الذي آخذ فيه فكرة عن الكتاب؛ وبعد فترة من الوقت وهو يعمل في حقله وأنا أقرأُ في الكتاب جاء الفلاّح وقال: السلام عليك يا ولدي، كيف حالُك، ومن أين جئت؟، فأجبتُه عن سؤاله، فقال لي: والله أنت شاطر، لأنك تدرجت في طلب العلم حتى توصلت إلى هذه المرحلة، ولكن يا ولدي أنا عندي وصية، فقلت: ما هي؟، قال الفلاّح: أنت عندك شهادة تعيشك في كل الدنيا في أوروبا في أمريكا، في أيِّ مكان، ولكنها ما علمتك الشيء الذي يجب أن تتعمله أولاً، قلت: ما هو؟، قال: ما علمتك التوحيد، قلت له: ما هو التوحيد، قال الفلاّح: توحيد السلف، قلت له: وما هو توحيد السلف؟، قال له: انظر كيف عرف الفلاّح الذي أمامَك توحيد السلف، قال له: هي هذه الكتب: كتاب (السنة) للإمام أحمد الكبير، وكتاب (السنة) للإمام أحمد الصغير، وكتاب (التوحيد) لابن خزيمة، وكتاب (خلْق أفعال العباد) للبخاري، وكتاب (اعتقاد أهل السنة) للحافظ اللالكائي؛ وعدَّ له كثيرًا من كتب التوحيد، وذكر الفلاّح كتب التوحيد للمتأخرين، وبعد ذلك ذكر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيِّم؛ وقال له: أنا أدلك على هذه الكتب إذا وصلت إلى قريتك ورأوك وفرحوا بنجاحك لا تتأخّر ارجع رأسًا إلى القاهرة، فإذا وصلت إلى القاهرة، ادخل (دار الكتب المصرية) ستجد كل هذه الكتب التي ذكرتُها كلها فيها؛ ولكنها مكدّسٌ عليها الغبار، وأنا أريدُك أن تنفض ما عليها من الغبار وتنشرها. وكانت تلك الكلمات من الفلاّح البسيط الفقيه قد أخذت طريقَها إلى قلب الشيخ حامد الفقي؛ لأنها جاءت من مخلِص.

كيف عرف الفلاّح طريق التوحيد؟ يواصل الشيخ حماد حكايتَه مع الشيخ حامد الفقي فيقول: إنني استوقفت الشيخ وسألتُه: كيف عرف الفلاّح كل ذلك؟. قال الشيخ حامد: لقد عرفه من أستاذه (الرمالي) ، هل تسمعون بالرمالي؟، قلت له: أنا لا أعرف الرمالي هذا، ما هي قصتُه؟، قال: الرمالي كان يفتش عن كتب سلفه، ولمّا وجد ما وجد منها بدأ بجمع العمال والكنّاسين وقام يدرّس لهم، وكان لا يُسمح له أن يدرّس ذلك علانية، وكان من جملتهم هذا الفلاّح؛ وهذا الفلاّح يصلح أن يكون إمامًا من الأئمة، ولكنه هناك في الفلاحة، فمن الذي يصلح أن يتعلم؟. ولكن ما زال الخيرُ موجودًا في كلّ بلد حتى تقوم الساعة. ولما رجعتُ إلى قريتي في مصر وذهبت إلى القاهرة ووقفت على الكتب التي ذكرها لي الفلاّح الفقيه كلها ما عدا كتاب واحد ما وقفت عليه إلاّ فترة كبيرة. وبعد ذلك انتهينا من الجلسة وذهب الشيخ حامد الفقي؛ وكان يأتي إلى السعودية ونستقبله ضمن البعثة المصرية أيّام الملك فاروق كل عام؛ وكانت هذه القصة هي إجابة للسؤال الذي سألتُه للشيخ حامد في مجلس الرجل السوري. التوحيد: وعندها سألت الشيخ حماد: ومن يكون شيخك؟. ج قال: شيخي أنا في إفريقيا تلميذ الشيخ حامد الفقي، اسمه الشيخ محمد عبد الله المدني التنبكتي.

التوحيد: الشيخ حماد الأنصاري ـ يرحكم الله ـ الرحلة في طلاب العلم سِمَةٌ من سمات طلبة العلم، فهل لكم أن تحدثونا عن رحلتك في طلب العلم؟ ج يقول فضيلة الشيخ حماد الأنصاري: إن الرحلةَ في طلب العلم طويلة، وخاصة أنني من أفريقيا، ورحلتي في طلب العلم أقصُّها لكم؛ وقد سأل سائلٌ الإمامَ مالكًا في درسه في المدينة المنورة: من أين لك هذا العلم يا أبا عبد الله؟، قال: هذا علم ما شاء الله، فقيل له: وما علم ما شاء الله؟، فقال لهم: أنا ما بدأتُ درساً إلا وأقول: ما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ وهذا معنى علم ما شاء الله.

الأعداء يتربصون بالإسلام

الأعداء يتربّصون بالإسلام وأنا كما أخبرتكم أنني من أفريقيا السوداء؛ فنحنُ من دولة بني نصر الذين هم آخر دولة في الأندلس، وقضت عليها أسبانيا المجرمة عندما وجدت بينهم الاختلافات على الرئاسة، ووجدت تلك الفرصة، فهجت على الجميع وقضت على الإسلام، وهكذا العدو؛ فالعدو يتربّص بالمسلمين؛ فهنا لما أخذوا البلاد وقضت على تلك الدولة، وهذه آخر دولة للأنصار وعملوا محاكم التفتيش، وكان محاكم التفتيش هذه يخيّرون كل من بقي في هذين البدلين بين واحدٍ من ثلاث: إما أن يتَنَصَّر، وإما أن يخرج من البلد لا يحملُ شيئًا حتى اللباس، وإما أن يُقتل؛ وكنا ممن وقع عليهم الاختيار الثاني؛ وكان ذلك سبب خروجِنا من البلاد. وخرجنا حتى وصلنا إلى المغرب وجلسنا فيه، ولكن وجدنا فتنًا كثيرة لم تكن أقلَّ من الفتن الموجودة في الأندلس، فخرجنا جميعًا إلى السودان والسنغال، ولما وصلنا إلى السنغلا لم نجد استقرارًا أيضًا؛ فخرجنا حتى وصلنا إلى تنبكتوا ـ والتي يسمونها مالي حاليًّا ـ، وهناك وجدنًا استقرارًا، ووجدنا بلادًا يحتاجون إلى من يوجههم، وكنا نعيشُ في قرية تابعة لتنبكتوا؛ وكان طلبة العلم يتجمعون

في هذه القرية؛ وكان ذلك في عام 1364هـ، وبقينا في تلك القرية حتى قاتلنا الفرنسيون؛ فقد هجموا على تلك القرية التي كنا فيها بالدبابات بعد صلاة الفجر في هذه السنة ودكّوها دكًّا، ولم يسلم إلاّ من هرب برجليه؛ وكان ذلك آخر وجود لأسرتنا بعد أن جاءت فرنسا إلى تلك البلاد. وكانت الدراسة عندنا في هذه البلاد حلقات؛ حيث لا توجد مدارسُ نظامية، وكان المشايخ يجلسون في المسجد، هذا يدرِّس القرآن، وهذا يدرِّس النحو، وهذا يدرّس في اللغة، وهذا يدرس في الفقه، وهذا يدرس في الحديث، وهذا يدرِّس المصطلح؛ فدخلتُ في هذه الحلقات، وكنتُ في ذلك الوقت ابن عشر سنوات، دخلت حلقة القرآن حتى حفظت القرآن، وكنت عند خلي لأنني يتيم؛ فقد توفي والدي ـ رحمه الله ـ وأنا ابنُ ثماني سنوات، فأخذني خالي بعد وفاة أبي، وأنا في الحقيقة في أفريقيا درستُ العلوم التي تدرس هناك سنة 1358هـ. وفي تلك السنة جاءنا الشيخ محمد عبد الله التنبكتي المدني، والذي كان إمامًا في الحرم النبوي؛ لأنّ أباه المحمود لما جاءت فرسنا إلينا من المغرب والجزائر هرب بعد أن تغلّب الفرنسيون واحتلّوا البلاد إلى الصحراء هو وتلامذته؛ واجتمع مجموعةٌ من العلماء منن مختلف البلاد: السيوطي من القاهرة، عبد الكريم من أرتيريا، محمود البغدادي من العراق، محمد بن يوسف الأنصاري من تادا مكة؛ كلُّ هؤلاء العلماء جمعهم الله من بلادٍ متباعدة في بلدةٍ في النيجر والتي تسمى (آير) ؛ ولما اجتمعوا في هذه البلدة كانوا لا يعرفون بعضَهم من قبل.

المصريون أساتذة الدنيا

المصريون أساتذة الدنيا ويواصلُ الشيخُ حماد الأنصاري رحلته في طلب العلم فيقول: كانت العلوم التي تندرس في البلاد في ذلك الوقت كلها قد جاءتنا من القاهرة؛ وأُريد أن أعرفكم كيف أقول لإخواني المصريين: أنتم أساتذة الدنيا، وكانت كل العلوم التي تدرس عندنا وتدخل في الحلقات التي ندرسها كلها قد أخذناها من الأزهر، ولم يكن ينقصنا سوى المدارس النظامية. ولما جاء الشيخ محمد عبد الله سنة 1357هـ وكان رجلاً عظيمًا درس الوحيد وصار يدرس لنا التوحيد، وما كان يتكلم إلاّ بالقرآن والحديث؛ وكنت ما زلتُ صغيرًا في ذلك الوقت، لأنني لم أخرج من البلاد إلا في عام 1364هـ؛ فأشارت عليّ والدتي بالاتصال بهذا الشيخ لعله يعلمني شيئًا؛ وكان الشيخُ قد افتتح مدرسةً لعلوم التوحيد، ومدرسةً لتعليم الحديث؛ لأن البلاد كانت بها كل العلوم تدرس ما عدا هين العلمين، برغم أن البلاد كان بها فحولٌ في النحو واللغة والتصريف والبلاغة وأصول الفقه والتجويد والمنطق والفلسفة، لكنهم كانوا لا يعقلون على أيّ كلمة يغني بها إنسان أمامهم، وكانوا لا يقرؤون الأحاديث إلا للتبرك في رمضان. وفي عام 1363هـ جمعنا الطلبة حينما قامت فرنسا علينا وقالت: لا بد وأن يدخل أولادكم في مدارسنا، وكل المستعمرين من التكارنة والبيضان دخلوا مدراس الفرنسيين إلا نحن. التوحيد: كيف استمرت رحلتكم في طلب العلم؟ ج: يقول الشيخ حماد الأنصاري: إن ما سردته لكم هي المرحلة الأولى من رحلتي في طلب العلم، وكانت بداية المرحلة الثانية عندما أصرّ الفرنسيون

على إدخالنا مدارسهم، فأشار علينا الشيخ محمد عبد الله بقوله: أنا من رأيي أن تأخذوا ما بقيَ من أولادكم وتذهبون إلى الحجاز؛ وكان هذا هو سبب خروجنا من إفريقيا. وفعلاً تركنا البلاد، وركبنا الجمال حتى وصلنا إلى (كانوا) في نيجيريا، ومن هناك ركبنا السيارات بعد أن بعنا الجمال، ثم توجهنا إلى (تشاد) التي هي عاصمتها (أنجمينا) حاليًّا؛ وهناك وجدنا أحد العلماء الذين تعلموا في الأزهر، وجلسنا معه في حلقاته، وقدمنا طلبًا إلى الحاكم هناك بأن سمح لنا بالحج؛ فرفضوا ذلك، وخرجنا متسللين نمشي باللين ونكمن بالنهار حتى وصلنا إلى (أم درمان) ثم (بورسودان) . وهناك كوّنتُ مكتبة في (بورسودان) ، كوّنتُها من مكتبة إبراهيم المصري في (بورسودان) ؛ وهي المكتبة الوحيدة التي وجدتها في (بورسودان) ؛ وبها كتب العلم في التوحيد والحديث وغير ذلك، وأخذت منها كمية كبيرة. وفي اليوم الذي حدته للسفر من (بورسودان) إلى الحجاز كان عندي ثلاث حقائب كبيرة من الكتب، وعندما جئتُ إلى الباخرة ورآني الإنجليزي المشرف على الرحلة وطلب مني فتح القائق قال لي: أنت تاجر كتب وذاهب إلى الحجاز لتجارة الكتب، فقلت له: لا، أنا طالب علم. وأتيت إلى جدة.

مرحلتي الأخيرة في طلب العلم

مرحلتي الأخيرة في طلب العلم أما مرحلتي الأخيرة في طلب العلم - وما زال الحديثُ على لسان الشيخ حماد الأنصاري - فكانت بدايتها عند دخولي مكة في رمضان عام 1367هـ عام 148م؛ وفي تلك السنة وأثناء فترة الحج وأنا أدور على المخيّمات أبحثُ عن طلبة العلم، حتى جئت إلى مخيم فلسطين، وكان فيه شيخ يسمَّى عبد الحفيظ الفلسطيني،

ودخلت المخيّم وبرفقتي أحدُ الأخوة، وسلّمت على هذا الشيخ الكبير، فوجدته يستمع للراديو ـ وكانت أول مرة أرى الراديو في حياتي ـ، فقلت له: ما هذا الذي تستمعُ إليه، قال: أستمع للمذياع، أستمع للحرب بين العرب واليهود؛ فقلت له: في أي مكان هذه الحرب؟، قال: في فلسطين؛ هنا عرفتُ الأمر. وكان الشيخُ يبلغ من العمر سبعين عامًا، وأخذتُ منه إجازةً في كل العلوم، وبدأتُ أدور على كل المخيّمات. ووصلت إلى المدينة في عام 1368هـ، وبقيت بها في طلب العلم إلى يومنا هذا. ويواصلُ الشيخ حديثَه قائلاً: إنني أعترف بأن العلم في مصر؛ وقد كان أحد الأساتذة يقول لنا: لو أسلمت مصر كلها لأسلم العالم كله؛ ومصر هي قائدة العالم كله إذا هي أرادت؛ وقد اعترف العالمُ الآن بذلك، وسمعتُ ذلك في إذاعة بريطانيا في سنةٍ من السنوات: أنّ مصرَ هي قائدة العالم، وقد سمعتُ هذا بأذني هاتين، ولا أحتاج إلى أن أسمعه، لأن الواقع يكفي.

مجلة التوحيد جيدة ولا ينبغي أن تترك

مجلة التوحيد جيّدة ولا ينبغي أن تترك التوحيد: فضيلة الشيخ هل لكم من كلمة توجهونها إلى مجلة التوحيد وقرّاء مجلة التوحيد في العالم الإسلامي؟ ج: يقول فضيلة الشيخ: إن مجلة التوحيد جيّدة ومفيدة، ورغم هذا يجب أن تجعلوا مجلساً بينكم لدراسة التوحيد ودراسة السنة؛ لأن مجلة التوحيد مجلة جيّدة جدًّا، ولا ينبغي أن تُترك. وإنما كونها تقرأ ولا تقرأ فهذا شيءٌ ليس عليكم، والذي عليكم هو نشرها، أما أن تجعلوا الناس يقبولنها فهذا ليس عليكم: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ

أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَّشَاءُ} [القصص:56] ؛ فالذي يريد منكم العلم علموه؛ فالقوة اثنان: العمل بالقرآن، وإعداد السنان، النونين: القرآن والسنان؛ فالقرآن بدون السنان لا يسمعه الناس، والسنان بدون قرآن لا ينفع؛ والقرآن هو العلم، والسنان منفذ. وليس في الإسلام قتل الأبرياء، ولا قتل النساء، ولا قتل الشيوخ؛ والسلاح الجديد لا يمكن أن يتحاشى هذا؛ لأنه عشوائي لا تستطيع أن تسيطر عليه: {ادْعُوا إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] ؛ أوصي بذلك أبناءنا في مصر وغيرها من بلاد المسلمين. فاللهم اجعلنا هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، واجعلنا من الذين يستمعون القولَ فيتبعون أحسنَه.

لقاء مجلة المنهل مع الشيخ رحمه الله تعالى

لقاء مجلة المنهل مع الشيخ رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم والمكتبات كثيرة في تاريخ المدينة المنورة، ولاشك أن من هذه المكتبات الخاصة التي لا تزال تؤدي دورها في خدمة العلم وطلابه: مكتبة شيخنا الشيخ حماد الأنصاري، وهو يعد من العلماء اللامعين والبارزين في علم الحديث وعلومه.. وله مكتبه متخصصة في هذا الجانب.. وتحتوي على عدد من المخطوطات يربوا على الألف، فيما يتعلق بالحديث وعلومه. والشيخ حماد الأنصاري يفتح مكتبته لطلاب العلم يوميا يستقبلهم ويفيدهم، ويوجههم، وكثير من طلاب العلم يفدون إلى مكتبته وبخاصة طلاب الدراسات العليا في الحديث وعلومه. وللشيخ حماد الأنصاري عناية بالكتب التي تتحدث عن المدينة النبوية؛ إذ لديه بعض المخطوطات المصورة في ذلك. ومن غير مبالغة فإنّ مكتبة الشيخ حماد الأنصاري تعتبر اليوم أهم مكتبة خاصة مفتوحة للطلاب والدرسين والباحثين. ويوجد الآن في المدينة المنورة جانب من حضور منتدى الدكتور الدعيس بأصحابها وربما أفاد منها طلابهم في بحوثهم ودراساتهم.

المنهل: الأستاذ الدكتور عسيلان ألمح في حديثه إلى أنّ شيخ الإسلام حكمت عارف بذل أربعمائة جنيه مجيدي ذهبا ثمنا لمخطوطة، وهو يحرص حرصا شديدا على اقتناء الكتاب مهما كلفه ذلك من ثمن، أو من عناء البحث عن هذا الكتاب، غرضه من ذلك أن يؤسس هذه المكتبة التي يفيد منها الآخرون، ترى هل هناك أي نموذج آخر يقول لنا أن هذه الفكرة، وهذا الحرص لازال مستمرا..؟ الدكتور عسيلان: الواقع أن عشق الكتاب، والتعلق به والهيام به أمر قديم ومأثور في تاريخنا، إذ من يتصفح ببحث عن كل ما أوتي من قوة وطاقة، ولكي أمهد لهذا الموضوع أذكر حادثة يذكرها من أرّخوا لحلب وذكرت حادثة للإمام القفطي، والإمام القفطي من علماء التاريخ والتراجم، وله كتابه المشهور "إنباه الرواة في تراجم النحاة"، ويذكر أنه كانت لديه نسخة من كتاب "الأنساب للسمعاني" وهذه النسخة ينقصها مجلد، إذكانت بخط السمعاني نفسه، فأرسل القفطي -وكان وزيرا- بعض أعوانه للبحث عن هذه النسخة، وبينما كان أحدهم يتجول في سوق القلانسية -الذين يصنعون القلانس- لفت نظره أوراق قديمة يستعملها بعض الذين يصنعون القلانس، فاستوقفه هذا الأمر، وأخذ يتفحص هذه الأوراق، ثم اشتراها وذهب بها إلى القفطي فوجدها تمثل أوراقا من الجزء الذي كان يبحث. وهذا الحب للكتاب توارثته الأجيال جيلا عن جيل، ولا يزال هذا العشق للكتاب عند الكثير من العلماء اليوم، وشيخنا حماد الأنصاري يعطينا نموذجا حيًّا للبذل السخي في اقتناء الكتاب. وأذكر أنه اشترى "تاريخ ابن عساكر" مخطوطا بمبلغ ثمانية الآف ريال في وقت مبكر.

المنهل: حديث الدكتور عسيلان عن مكتبة فضيلة الشيخ حماد الأنصاري جعلنا أكثر حرصا على زيارة هذه المكتبة وصاحبها وإجراء حوار معه ليحدثنا عن مكتبته.. وهي ليست مكتبة فحسب بل هي دار علم تستقبل الطلاب والدارسين طوال ساعات اليوم وصاحبها الشيخ حماد الأنصاري رغم تقدمه في السن إلا أنه بفضل من الله سبحانه وتعالى يجلس مع الطلاب والدارسين الساعات الطوال في المكتبة يفيد ويوجه ويحقق.. إنه حرص على العلماء على العلم، وبذله لأهله ومحبيه، والسالكين مسالكه. ولنستمع لفضيلة الشيخ أبي عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري يحدثنا عن تأسيس هذه المكتبة ومحتوياتها. قال فضيلة الشيخ حماد الأنصاري: هذه المكتبة بدأت بتأسيسها سنة 1373هـ، وكان عندي مكتبة وعزمت على أن تختص هذه المكتبة بالتالي: "الحديث وعلومه "العقيدة السلفية" "التفسير السلفي" كتب اللغة القديمة"، وبتوفيق الله عزوجل نجحت في ذلك، وإضافة إلى هذه الأساسيات الأخرى ذات الصلة والارتباط إلى حد ما بمنهجه هذه المكتبة، من ذلك بعض كتب الفقه، والتاريخ العام والسيرة، والبلاغة، والأدب.. هذا ما تحتويه المكتبة إجمالا.. أما تفصيلا فإنها تضم أكثر من ألفى كتاب في الحديث - وهي الأغلبية، بما فيها الكتب المستقلة، والمجاميع.. والمجموع الواحد قد يصل إلى عشرين مجلدا أو أكثر، ولكنا نعده كتابا واحدا. وفيها من علوم الحديث "الخمس والستين نوعا" ما يقارب "خمسة وخمسين

نوعا" والباقي مازلنا في البحث عنه، وفي المكتبة قسم خاص برواية الحديث. وفي هذه المكتبة قسم خاص بالمخطوطات وكلها في الحديث، وتبلغ أكثر من ألف مخطوطة.. وفيها من النوادر مالا تكاد تجده في مكتبة أخرى؛ والسبب في ذلك بعد الله سبحانه وتعالى إنني أنتقي الكتاب، وساعدني في هذا الإنتقاء كثرة أسفاري إلى كثير من بلدان العالم. ما تحتوي عليه مكتبة الحديث: كتب الحديث:21 خزانة - الخزانة في المكتبة لا تقل عن ستة أرفف. كتب الرواية:5 خزانات. كتب العقيدة:4 خزانات. كتب المجاميع:4 خزنات. كتب مصطلح الحديث:1 خزانه واحدة. كتب اللغة:2. خزانه الرسائل العلمية: "ماجستير ودكتوراه" سبع خزنات. وفي هذه المكتبة من المخطوطات المتعلقة بالمدينة المنورة الآتي: 1ـ الروضة الفردوسية فيمن دفي بالبقيع - للأقشهري. 2ـ نصيحة المشاور وتعزية المجاور - لابن فرحون 3ـ الحجج المبينة في التفصيل بين مكة والمدينة - للسيوطي. 4ـ المغانم الطابة في معالم طابة "للفيروزبادي" نسخة بخط ابن فهد المكي. 5ـ فضل قباء - لابن علان.

6ـ فضائل المدينة - لابن سعيد الجندي. 7ـ مثير العزم الساكن لابن الجوزي.

الرحلات الأنصارية ونتائجها

الرحلات الأنصارية ونتائجها رحلة سوريا ... الرحلات الأنصارية ونتائجها بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي رحلة سوريا رحلة طلاّبية إلى سوريا استغرقت خمسة عشر يومًا. الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على النبي المصطفى. وبعد: ففي يوم الاثنين الموافق 7/4/1399هـ‍ توجّهنا في رحلة طلاّبية استطلاعية إلى دمشق الشام (سوريا) ، توجهنا مساءً في طائرة بوينج سعودية من مطار المدينة النبوية في الساعة 2.5 زوالي. وكان في مقدمة الرحلة الدكتور علي ناصر فقيهي أمير الرحلة، وعميد المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، والأخ لطفي السوري الدمشقي المشرف الاجتماعي في الإشراف، والأخ حمود الرحيلي مسجل الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، وكاتب هذه السطور أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري، وكان معنا كوكبةٌ من طلاّب الدراسات العليا في مختلف الشُّعَب، يبلغ تعدادهم أربعة عشر طالبا، كلهم من السنة الثالثة، وينتمون إلى اثنتى عشرة دولة من سعودي، ويمني، وإيراني، وأفريقي، وباكستاني، وغير ذلك. وفي الساعة الرابعة إلاّ ثلثاً هبطت بنا طائرتنا في مطار دمشق الدولي، فلما أنهينا الإجراءات القانونية في المطار التي لم تكلفنا كبير وقت توجهنا في حافلة أحضرها على حساب الرحلة رائدانا اللذان تقدما قبلنا لحجز الفندق والسيارة.

سرنا في تلك الحافلة إلى دمشق عاصمة سوريا، وكانت المسافة بين المطار ودمشق أربعين كيلو متر. وبعد نزولنا في فندق يسمى (فندق الجمهورية الكبير (خرجنا إلى صلاة المغرب في المسجد الأحمدي قرب سوق الحميدية في وسط دمشق، فصلينا خلف شخص شافعي يرتدي بنطلوناً وقميصا على زيّ الأتراك، علاوةً على أنه حالق لحيته، ونستغفر الله ونتوبُ إليه. ولما أتم الصلاة تأخّر كثيرًا في مصلاه دون أن ينصرف إلى المأمومين، ثم قام فتسنن في نفس المصلّى خلاف السنة. وبعد الصلاة تجولنا في أسواق المدينة، وفي أثناء التجوال مررنا على سوق الحميدية، وهي سوق كبيرة على طابع الأسواق العربية القديمة، وقد شبهته بشارع قابل بجدة. ثم عرجنا على قبر صلاح الدين الأيوبي القريب من السوق شرقا، فمكتبة الظاهرية والمجمع اللغوي، ومن هنا رجعنا لصلاة العشاء والعشاء. وفي أثناء الطريق إلى الفندق وقفنا على مسجد يسمى مسجد الدرويشية فصلينا فيه العشاء خلف إمام شافعي زيه زي السوريين الأصلي، وبعد الصلاة توجهنا صوب الفندق للعشاء والنوم. وفي الطريق قابلنا المطعم الأموي فتعشينا فيه بما تيسّر، ثم مضى بنا السيرُ إلى فندقنا المتواضع. وعند أذان الفجر خرجنا إلى مسجد قريب منا فاقتدينا فيه بإمام عليه سمتُ أهل الصلاح، وصلى بنا على مذهب الإمام الشافعي في بسملته جهرًا وقنوته. هذا كله في فجر يوم الثلاثاء الموافق 8/4/1399هـ‍.

وفي نفس اليوم انتقلنا إلى الفندق الأموي بجوارنا، وهو فندق من الدرجة الثانية (ب) ، واقعٌ في وسط العاصمة، إلاّ أنه تنقصُه أمور هامة سبب في ذلك قدمه. وبعد الاستقرار فيه انطلقنا إلى المكتبة الظاهرية والمجمع العلمي المتقابلين للاطلاع على المخطوطات التي تراكمت في المكتبة، وللاستفسار عن الموجود من مطبوعات المجمع. ومع الأسف لم ندرك فيها الشيخ الألباني، إذْ سبقنا فخرج قبل حضورنا في هذا اليوم. ولما استوى الطلبة في المكتبة توجهتُ أنا وأمير الرحلة إلى المجمع فالتقينا في هذا المجمع مع الدكتور فؤاد سزكين التركي مؤلف التراث العربي، وقدَّمنا إلى مدير المجمع (حسني سبح (وطلبنا منه مطبوعات المجمع العلمي، إذْ هي مطبوعات قيِّمة، فوعدنا بالموجود منها، وفعل وأمر بجزئين من تاريخ دمشق، فاستلمناهما أنا وأمير الرحلة. ثم رجعنا إلى المكتبة للتعاون مع الطلبة فقيّدنا ما راق لنا في ذلك اليوم، على أنا سنرجع في يوم الأربعاء. وعند انتهاء الدوام ذهبنا إلى الجامع الأموي الواقع على جنوب المكتبة، وهو جامع كبير من الطراز الأول، يزعمون أن القبّة التي وسطه تتضمن قبر النبي يحيى عليه السلام، هذا الجامع في الحقيقة متحف من متاحف النصيرية. وفي مساء الثلاثاء تجولنا في المكتبات التجارية، منها: مكتبة عبيد الواقعة قرب سوق الحميدية من ناحية الجنوب، ومكتبة دار المأمون الواقعة في شارع الجمهورية قرب الحلبوني في غربي دمشق.

وبعد صلاة العشاء توجهنا إلى مسجد (السلطان سليم (الواقع قرب الجامعة السورية بجوار معرض دمشق الدولي وعلى ضفاف (نهر بردى (الذي يشق مدينة دمشق إلى شطرين جنوبا وشمالاً، وهو النهرُ الذي تغنّى به الشعراء الأقدمون، وهو الذي يروي غوطة دمشق الشهيرة بالفواكه والثمار وبالأخص المشمش الذي بدأ زهره في هذه الأيام ابتهاجا بقدومنا.

(الأربعاء)

(الأربعاء) وفي يوم الأربعاء الموافق 9/4/1399هـ‍ بعد صلاة الفجر اجتمعنا مع طلبتنا في غرفة واحد، فألقى فيهم صاحب هذه السطور كلمة توجيهية، ثم ألقى أمير الرحلة كلمة أخرى مماثلة. وبعد الفطور في الساعة السابعة والنصف تقريبا انطلقنا إلى المكتبة الظاهرية لنستعرض ما لم نستعرضه من المخطوطات في اليوم السابق. وبعد انتهاء الدوام في المكتبة ذهبنا إلى مكتب الأخوين شعيب وعبد القادر الأرناؤوطيين، فوجدنا كلَّ واحد منهما يشتغل بتحقيق كتاب من الكتب القيِّمة، فعبد القادر وجدناه يحقق زاد المعاد لابن القيم، وقد بدأ بطبعِه مع تخريج أحاديثه، وقد أطلعنا على نموذج عمله، كما أن الأخ شعيب يشتغل بتحقيق سير أعلام النبلاء للذهبي ليقدمه للطبع. هذا ما تم من عملنا في يوم الأربعاء بدمشق. وفي صباح يوم الخميس الموافق 10/4/1399هـ‍ توجهنا إلى حلب الشهباء في حافلة كبيرة استأجرناها على حسابنا، امتطيناها إلى حلب في الساعة الثامنة زوالاً، ومرّت بنا في طريقنا ببحيرة صناعية على نهر العاصي، وكان يومنا ذاك يوما مطيرًا، كما مرّت بنا على مدينة حمص قبل الظهر فواصلنا سيرنا على أن نصلي الظهر بحماة، ولكن مع الأسف فقبل وصولنا إلى حماة بمقدار أحد عشر

كيلوا عند قرية يسمونها (بسرين) حصل بسبب المطر انزلاق للحافلة الكبيرة أدّى إلى انقلابها بنا، وقد لطف الله عز وجل بنا فلم يصب منا أحد بأذى إلاّ الأخ لطفي السوري هو وولده الصغير أصيب كل منهما بجروح خفيفة في يد كل واحد منهما، كما أن صاحب السيارة والسائق أصيب كل منهما بجروح طفيفة أيضا، فبقينا في مكان الحادث منتظرين الإسعاف فلم تمض دقائق إلاّ والنجدة قد وصلت إلينا من حماة، فأرسلنا بعض الوفد مع النجدة للبحث عن سيارة تأخذنا إلى حماة، فجاءوا بها ورفعتنا على حسابنا إلى البلد فنزلنا في فندق يسمى (فندق القاهرة) ، وكان يومنا هذا يوما فاترًا من أثر هذا الحادث الذي أصيب فيه دليلُنا الأخ لطفي، حتى إنَّ بعض الإخوان قال لي: هل نستمر في الرحلة أو نقطعها ونرجع؟، فأجبتُه بأنا مصمّمون على إتمام رحلتنا فإنها رحلة علمية في سبيل الله نرجو لها النجاح مهما حصل، وإنا لسنا ممن يقول: بلغ السيلُ الزبى، لسنا إذا ما بهظتنا غمرة ممن يقول انقد في البطن السلا. وظللنا يومنا هذا في حماة، وبتنا فيها إلى صباح يوم الجمعة، وفي الساعة الثامنة بالزوال الحموي امتطينا أربع تكاسي أجرة إلى حلب الشهباء، وكنا في طريقنا إليها مررنا بمحافظة أدلب التي من قراها: معرّة النعمان بلد الشاعر ألفيلسوفي المعري. وكانت المسافة بين حماة وحلب مائة وخمسين كيلوا، فوصلنا إلى حلب في الساعة التاسعة والنصف، فبحثنا عن فندق ننزل فيه، ولكن لم نجد فندقا إلاّ بعد لايٍّ وإشرافٍ على يأس، لأن الفنادق قد شغلت قبل وصولنا. وبعد مداولات بيننا فيما نفعل وجدنا فندقا يسمى فندق آسيا من الدرجة الرابعة تقريبا، واقعا في وسط حلب القديمة عند (باب الفَرَج) . ومن الجدير بالذكر: أن مدن سوريا التي رأيناها بما فيها دمشق وحلب وما بينهما تحمل كلها طابع القدم وإن كانت مخططة الشوارع.

فلما دخل وقت الجمعة ذهبنا إلى جامع قريب من فندقنا لصلاة الجمعة، فأدّينا صلاة الجمعة خلف إمام شافعي. وبعد صلاة الجمعة قامت طائفة أخرى صلت معنا تلك الجمعة فأقامت لصلاة الظهر كما هو عادة عوامّ الشافعية من متأخّريهم، فقاموا وصلوا الظهر بعد أداء الجمعة لزعمهم أن الجمعة لمن سبق، وهذا أمرٌ لم يسبق أن رأيناه إلاّ في هذه الرحلة، مع أننا نعرف أن هناك من يرى هذا الرأي من الشافعية. وفي مساء يوم الجمعة ذهبنا إلى صوب القلعة الظاهرية التي بجوارها المكتبة الوقفية المشتملة على ثمان مكتبات، من أشهرها المكتبة الأحمدية، ولما اكتشفنا المكان في هذا المكتبة رجعنا لصلاة المغرب فصلينا في الجامع المسمّى بجامع زكريا، صليناها خلف إمام حنفي. ولما فرغنا من الصلاة تجولنا في داخل الجامع، فوجدنا في داخله قبة يزعمون أن فيها قبر زكريا عليه السلام كما سبق أن ذكرنا أنهم يزعمون أن القبة التي في الجامع الأموي تتضمن قبر يحيى عليه السلام. ومن الجدير بالذكر: أن علماء السلف أجمعوا على أنه لا يعرف قبر نبي بعينِه إلا قبر نبينا عليه الصلاة والسلام، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في قاعدة التوسل والوسيلة وكتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. وبعدما صلينا العشاء في مسجد قريب من فندقنا توجهنا إلى الفندق، ومع الأسف لم نجد في يوم الجمعة ولا في ليلة السبت من يدلنا على معالم البلد، إلاّ أنه زارنا بعد العشاء الأخ عبد الوهاب الحلبي الهندي الندوي في حارة أَقيول وهو سوري الجنسية، حلبي الإقامة، ذهب إلى الهند للدراسة في جامعة ندوة العلماء في (لكنو) ، ولما جاءنا أعطانا بعض المعلومات عن البلد، وأرسل واحدًا من تلامذته إلينا يوم السبت ليرافقنا إلى المكتبة

الوقفية، فذهبنا معه إلى المكتبة الوقفية المشتملة على ثمان مكتبات: 1- الأحمدية. 2- والصديقية. 3- والرفاعية. 4- والمولوية. 5- والخسروية. 6- والعثمانية. 7- والأوقافية. 8- والوطنية. وفي هذه المكتبات الثمانية المجموعة في غرفة واحدة ما يقرُب من خمسة آلاف ومائتين وخمسين كتابا مخطوطا، فاستعرضنا الموجود من فهارسها، وانتقينا منها كميّة من المخطوطات النادرة. وقد استقبلنا مدير هذه المكتبة أحمد محمد سردار (1) استقبالاً رائعا، وبعد التفاهُم معه حول ما نريد ذهبت أنا والأخ علي إلى بيته في حي الأنصاري ليطلعنا على الفهارس الخمسة عشر فهرسا التي نقلها من فهرس المكتبة الأصلي، فأطلعنا عليه وعرض علينا شراءه فتواعدنا معه يوم الأحد. وفي يوم الأحد الموافق 13/4/1399هـ‍ ذهبنا إلى المكتبة وواصلنا استعراض فهارسها الثلاثة الكبيرة الحاوية لجميع ما في المكتبات الثمانية من المخطوطات لاستكمال ما نريد تقييده ليبدأ العمل بتصويره، حيث تم الاتفاق مع المدير على تصوير ما ننتقي من المخطوطات الموجودة في المكتبة، وقد تم فعلاً أن انتقينا أكثر من سبعين كتابا منها الصواعق المنزلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم.

_ (1) وهذا الرجل سردار توفي عام 1419هـ‍. (عبد الأول) .

وقد امتازت هذه المكتبة بثلاث ميزات لم نجدها في غيرها من المكتبات التي قد سبق أن رأيناها في العالم: 1- المرونة من مديرِها، وحسن استقباله لروّاد المكتبة. 2-كثرة المخطوطات النادرة. 3- جودة الخطّ في أغلبها. وحيث إننا لم نستكمل الإجراءات معه في صباح هذا اليوم حول شراء الفهرس الذي نقله من الأصل بيده كما تقدّم ذكرُه، مع تقديمنا له البيان المتضمِّن للمخطوطات التي تمّ اختيارها ليبدأ بتصويرها لغاية ما نتمكن من إعداد بيان أكثر بعد عودتنا إلى المدينة بالفهارس التي ما زالت المفاوضة جارية حول شرائها، ولعدم تمكننا من إتمام إجراء ذلك الاتفاق معه حول شراء الفهارس أرجأنا الجلسة معه لنفس الموضوع إلى عصر يوم الأحد في المكتبة، وبعد العصر مباشرة تقابلنا معه في المكتبة، وتمّ شراء الفهارس البالغ عددها (15) فهرسا منه، كما قدمنا له البيان بما انتقيناه ليبدأ بتصويره. ومن الصدف: أنا قد وقفنا على رسالة صغيرة لابن أبي الدنيا تحمل عنوان مَن تكلَّم بعدَ الموت فصورناها في الحين للمناسبة بينها وبين ما جرى لنا في طريقِنا من دمشق إلى حلب يوم الخميس الموافق 10/4/1399هـ‍ كما تقدّم آنفًا يعني: حادث السيارة. وفي يوم الاثنين الموافق 14/4/1399هـ‍ توجهنا في الساعة الثامنة زوالاً راجعين إلى دمشق عن طريق اللاذقية الساحل.. وفي طريقنا مررنا على مفرق الطرق المسمى (باب الهوى وباب إدلب) ، ومن هذا المفرق الجميل واجهتنا طريقة جميلة على غاية من الروعة والبهجة

والجمال، حيث إنّ تلك الجبال مكسوة بأشجار الصنوبر والزيتون وأنواع أخرى من الأشجار المزهرة، وقد ذكّرني هذا الطريق بتلك الطريقة التي سلكناها في العام الماضي في جنوب أسبانيا إلى الأندلس الجنوبي، حيث رأينا في تلك البلاد من جمال الطبيعة ما يعجز القلم عن تقييده، فالشبه بين الطريقين في غاية التمام. هكذا مضى بنا السير في تلك الطريق المتعرّجة التي تجري وديانها، مواكبة لتلك الجبال الشاهقة المخضرة إلى أن وصلنا إلى ساحل اللاذقية. وتبعد اللاذقية عن حلب مائتي كليوا تقريبا، وقد مررنا في تلك الطريق بقرى منتشرة على جنبات الطريق، وصلينا الظهر والعصر جمعا وقصرًا في مسجد على ساحل البحر الأبيض في مدينة اللاذقية، وكان الجوُّ ممتعا للغاية، حيث رأينا القوارب والسفن الراسية على البحر. وبعد الصلاة والغداء انطلقت بنا حافلتنا تميس بنا قاصدة مدينة (بانياس) التي تبعُد عن اللاذقية خمسين كيلو تقريبا، ولم نزل في سيرنا مع تلك المناظر الطبيعيّة الرائعة، حيث كان البحر الأبيض على اليمين منا، والجبال المخضرة بتلك البناتات الزاهية المتنوعة عن يسارنا. وفي تلك الطريق عرجنا على مصفاة بانياس الكبيرة، ومررنا أيضا بقرية (البيضاء) التي تسكنها أسرة أبي دجانة السوري، وتمنينا لو التقينا به لتمتعنا بإرشاداته إلى جانب حديثِه الطريف وجمال طبيعة تلك الربى التي تحفّ بقريته الصغيرة الحجم. ومما يلفت النظر أننا لم نر مئذنة في تلك القرية تدل على وجود المسجد هناك، بل يوجد مسجد قديم في تلك القرية وله مئذنة طويلة، وتلك القرية التي

تُرى من الطريق العام هي قرية المراح، وأهلها كلهم نصارى، وهي قبل البيضاء بقليل، وليست هي البيضاء لأنها لا ترُى من الطريق العام (1) . ونحمل مسئولية ذلك الأخ أبا دجانة وأمثاله من الإخوان. واستمر بنا السير إلى طرطوس المدينة الساحلية، إلى أن وصلناها بعد العصر، وتبعد عن بانياس حوالي خمسين كيلو، وقد مررنا بطريق المدينة المتاخم للبحر، وهي مدينة ذات أبنية حديثة، وأهلُها يغلب عليهم في لباسهم الزيّ الأفرنجي، وهذا الزيُّ متفشّ في كثير من السوريين في تلك البلاد. ثم تابعنا سيرنا بدون توقّف متّجهين إلى حمص، وقد خفّ تعرّج الطريق من طرطوس إلى حمص، وفي هذا الطريق نسيرُ في جمال الطبيعة من النباتات والأشجار المخضرّة، وقد مررنا بمنطقة يسمّونها (العريضة) وهي منطقة مشتركة بين سوريا ولبنان، وهناك مفرق الطُرُق: طريق إلى لبنان على اليمين وطريق إلى حمص على اليسار. وفي هذه المنطقة سوق للُبنانيين يبيعون فيه أجود البضائع في أمكنة متواضعة أغلبها مبني من الزنك، ومما يلفت النظر أن اسم تلك المنطقة (العريضة) ، ولكن نفس سوقها هذه طويلة، ولم يكن بعريض، وبعد غروب الشمس من هذا اليوم وصلنا إلى (حمص) ، وقد توقفنا فيها قليلاً لبعض الحاجات الضرورية وبين طرطوس وحمص مائة وعشرون كيلو. ثم تابعنا السير حتى إذا وصلنا إلى مدينة يسمونها (النبك) وقفنا عند مطعم يسمونه مطعم الفُرسان، وكان هذا المطعم عند مدخل المدينة، وكان الجو

_ (1) لا، بل القرية التي من الطريق.

باردًا للغاية، واستمرت حافلتنا التي عليها آثار القِدم تُهَمْلِجُ بنا قاصدة عاصمة الخليفة الخامس الأموي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. وقد وصلنا إليها في الساعة العاشرة بالتوقيت الزوالي لدمشق ليلة الثلاثاء، وقد وجدنا فندقنا السابق قد هيأ لنا الأماكن اللازمة. وفي يوم الثلاثاء الموافق 15/4/1399هـ‍ عدنا إلى المجمع اللغوي والمكتبة الظاهرية الواقعين قرب الجامع الأموي في حيّ يسمى باب البريد شرقي دمشق، والطريق الموصل إلى المكتبة والمجمع هو سوق الحميدية وهو سوق مكتظ بالمارّة، وعلى جانبيه المحلات التجارية للألبسة وأدوات الزينة، والمسافة بين فندقنا والمكتبة تقارب ربع ساعة بالمشي على الأرجل. وفي يوم الأربعاء الموافق 16/4/1399هـ‍ امتطينا حافلة متوسطة إلى الزبداني، ومشت بنا عن طريق جبل قاسيون شمال دمشق، وقد مرّت بنا على الطرف الغربي من غوطة دمشق، وكانت الغوطة ذابلة من آثار الجدب الذي منيت به دمشق في هذه السنة، واستمرت تتمايل بنا في طريق متعرّج، وكان غرضنا في هذه المسيرة الاطلاع على عين الفِيجة التي يشرب بها سكان دمشق لما امتاز به ماء تلك العين من العذوبة والبرودة، ولكن للإصلاح الذي صادفناه في الطريق إلى تلك العين لم يمكن الوصول، فلذا مالت بنا حافلتنا إلى طريق الزبداني. وفي هذا الطريق مررنا بقرى منتشرة على جنبات الشارع منها قرية (مضايا) وقرية (بقين) الواقعة عند النبع، وبهذا النبع سميت هذه القرية، وكانت القوارير تُعَبَّى من هذا النبع لعذوبة مائه ولأنَّه صحي على ما يزعمون. وقد تناولنا الغداء بعد صلاة الظهر في مطعم في هذه القرية يشرف على النبع وبعد صلاة العصر توجهنا إلى الزبداني عائدين إلى دمشق وبين دمشق

والزبداني خمسون كيلو. وقد مررنا بعد مجاوزتنا الزبداني بنبع نهر بردى، وكان هذا النهر التاريخي يسايرنا جنبا إلى جنب من حين خروجنا من دمشق إلى الزبداني، وكانت المسافة بين منبع بردى وبين الزبداني بضع كيلو مترات. وقد دخلنا إلى مدينة دمشق راجعين من الزبداني عن طريق (المزة) بلدة الحافظ المزي، وتسمى الآن بالمدينة الجديدة. وفي يوم الخميس الموافق 17/4/1399هـ‍ صباحاً زرنا جامعة سوريا في حيّ البرامكة غربي دمشق، ولما وصلنا إلى الجامعة استقبلنا عميد كلية الشريعة عبد الرحمن الصابوني، وقد حضر معنا الاجتماع به الدكتور عجاج الخطيب المدرس في الكلية، والدكتور سعيد رمضان البوطي، والدكتور فوزي فيض الله، والدكتور وهبي الرحيلي، ومصطفى البُغا، فألقى العميد كلمة ترحيبيّة بنا، ثم رافقونا للتجوال ببعض فصول الكلية، فمرّوا بنا على الفصل الأول، فإذا فيه شباب لابسون اللباس الافرنجي وشابات متسترات إلاّ وجوههن وأكفهن، وكان صفّ الشابات بجنب صف الشباب، ولما شاهدنا من هذا الاختلاط بين الرجال والنساء في هذه الكلية التي يسمونها كلية الشريعة استأذنا للانصراف عند الفصل الثاني، فانصرفنا عن التجوال في الفصول الباقية، ولكن في أثناء الخروج من الكلية مررنا بشابات لابسات لبسة أفرنجية مع شباب مثلهن لا تميز بينهن وبينهم في لبسهم الإفرنجية. وفي طريقنا راجعين زرنا قبر شيخ الإسلام ابن تيمية، وقبر تلميذه ابن كثير، وكانت هذه القبور في ساحة كلية الطب في شرقها، خلف دار التوليد، ويحيط بهذه القبور شباك قصير من حديد، ومما يلفت النظر أن الساحة التي فيها هذه القبور الغريبة في هذه البلدة كانت مهددة بزوالها لتوسعة الشارع، وينبغي

إن لم يكن واجبا تدارُك هذه القبور حتى لا تزال باسم الشارع، وذلك بأن تشترى هذه البقعة التي فيها هذه القبور، فإذا حصل شراؤها حصرت بشباك مرتفع حتى لا يمكن الوصول إلى إهانتها فإنها أعني هذه القبور موجودة بين من لا يحترم من فيها من الأئمة الذين خدموا السنة والعقيدة في أيامهم. وفي هذا اليوم زرنا بيت الشيخ عبد القادر الأرناؤوطي في حي الميدان، وبعد زيارته ذهبنا إلى بيت الأخ نصوح صاحب الباصة التي انقلبت بنا في طريقنا إلى حلب، وقد تأثر من ذلك هو والسواق، أتيناه لعيادته. ولما انتهت العيادة توجهنا مع عبد القادر الأرناؤوطي والأخ لطفي قاصدين بيت الأخ لطفي بقرب بيت عبد القادر في حي الميدان، وفي هذا الحي يمر الطريق لمن يريد الأردن من دمشق، ولما صلينا الظهر رجعنا إلى الفندق. وفي يوم الجمعة الموافق 18/4/1399هـ‍ ذهبنا صباحاً إلى شخص يسمى أبا حسان المالح لاستلام المخطوطات التي تم الاتفاق بيننا وبينه على شرائها، وقد أدركتنا صلاة الجمعة عنده ونحن نستعرض تلك المخطوطات، وكان بقرب جامع شرقي البلد تصلى فيه الجمعة فذهبنا بمعيّته إليه فصلينا خلف إمام شافعي. فلما انتهت الصلاة قامت جماعة من الذين صلوا معنا فأقاموا الصلاة وصلوا الظهر على عادة الشافعية، وبعد رجوعنا من الصلاة استلمنا المخطوطات من الرجل وعدنا إلى الفندق للراحة. وفي مساء هذه الجمعة زرنا الدكتور شكري فيصل الأمين السري للمجمع اللغوي في منزله الواقع على سفح جبل قاسيون، فسهرنا معه في مكتبته العامرة. وفي ليلة السبت الموافق 19/4/1399هـ‍ زرنا شيخ الحديث بالشام الأخ

الألباني، ذاك الشيخ الغريب في بلاد الشام، فسهرنا تلك الليلة في مكتبته العامرة بكتب الحديث في بيته الواقع في حيّ المهاجرون على سفح جبل قاسيون. وفي صباح هذا اليوم ذهبنا إلى المكتبة الظاهرية والمجمع للتأكد من إنجاز تصوير الكتب التي تم بيننا وبينهم الاتفاق على تصويرها، وهي: تاريخ الرقة للحراني، والأشربة لابن قتيبة. وقد مررنا على مدير المكتبة في مكتبه فسلمنا عليه وتدارسنا معه ما ينبغي أن تكون عليه المكتبة في وقت المطالعة من وضع الحاجز بين المطالعين من الرجال والمطالعات من النساء اللاتي يرتدن المكتبة وهنّ عاريات، فأخبرنا أنهم ساعون في إيجاد مكان للمكتبة غير مكانها الحالي لكي يتسنّى لهم ما ذكر. وفي يوم الأحد الموافق 20/4/1399هـ‍ توجهنا إلى المجمع اللغوي لكي نستلم الكتب التي تم تصويرها فاستلمناها، وفي بقية الأحد اشتغلنا بشراء الهداية وبالراحة.

استعداد للسفر

استعداد للسفر: وفي يوم الاثنين الموافق 21/4/1399هـ‍ غادرنا دمشق راجعين إلى الوطن الحبيب في الساعة الرابعة والنصف زوالاً في طائرة بوينج سعودية، فقطعت بنا المسافة بين دمشق والمدينة النبوية ساعتين إلاّ ربعًا، وقد وصلنا إلى المدينة بعد مغرب الثلاثاء في الساعة الواحدة زوالاً. هذه هي الخطوط العريضة لعملنا في رحلتنا إلى سوريا. وأما انطباعاتنا عن سوريا جغرافيا واجتماعًا ودينيًّا وسياسيًّا واقتصاديا وأخلاقيًّا فهي كالتالي: أما من الناحية الجغرافية: فسوريا تقع بين الأردن وتركيا، فالأردن تحادّها

من جهة الجنوب، وأما تركيا فتتاخمها من جهة الشمال، وأما جهة الشرق فتحدها العراق، كما يحدها من جهة الغرب البحر الأبيض المتوسط ولبنان. وسوريا عبارة عن مرتفعات جبلية وتلول، يشقها من جهة دمشق العاصمة نهر بردى، كما أن الغوطة تحتوي دمشق من جميع جهاتها الأربع، وكذلك نهر العاصي الذي يغذي بحيرة قطينة الصناعية يجري من جبال إدْلب إلى منطقة حمص، وسكّانها يقربون من ثمانية ملايين تقريبًا، وهم لفيفٌ من العرب والأرمن والأتراك وأجناس أخرى، وتضم هذه البلاد مناخًا جيّدًا صحيًّا. وأما من الناحية الاجتماعية: فإن السوريين يسودهم الانقباض عن غيرهم، ولا تجد منهم أُنسًا، بل تراهم كأنهم نافرون منك خائفون، وهذا بخلاف تلك المجتمعات التي رأيناهم في تونس والمغرب والهند، فإن هذه المجتمعات يستأنس بهم، بل تلتحم بهم كأنك واحدٌ منهم. الدينية: وأما من الناحية الدينية: فإن تلك البلاد تقودها طائفتان اثنتان: إحداهما طائفة البعث النصيرية الشيوعية الميول، والأخرى: الخرافيّون المتعصِّبون من الحنفية والشافعية، فالشافعية هم الأغلبية في محافظة دمشق، وأما الأحناف فهم الأكثرية في محافظة حلب الشهباء، هذا بالإضافة إلى تلك الطرق السائدة في هذين المذهبين. وليس في الإمكان التفاهُم مع أيّ واحد من أولئك الخرافيّين المتعصبين هناك. وأما النساء المتفرنجات والشباب المتفرنج المائع الفاقد الحياء في تلك البلاد الضائعة فتلقاهم في الشوارع وبالأخص في سوق الحميدية، تلقى في هذه السوق من النساء العاريات الكاشفات عددًا لا يحصى، بل تجدهن في المكتبة الظاهرية

وهن يطالعن في المكتبة مع الرجال ورؤسهن حاسرات ليس عليها خمار مع تلك البنطلونات التي تحدد عورة كل واحدة منهن. هذا، والحقيقة أن سوريا تحتاج إلى رجال مخلصين علماء عباقرة يجددون فيها الدعوة السلفية ويقضون على تلك الخرافات التي سادت تلك البلاد بطولها وعرضها. والجديرُ بالذكر: أن في سوريا نساء متحفِّظات ومتسترات، ولكنهن قلّة بجانب تلك الجحافل من النساء العاريات اللاتي تمرّ بهن في الأسواق وفي الدكاكين مشاركات للرجال المتفرنجين في البيع والشراء. الاقتصادية: وأما من الناحية الاقتصادية: فالبلاد قد أنهكتهم الحرب والثورات وقضت على كل رطب ويابس، وإلاّ فالبلاد بلادٌ مبارَكة لو وجدت أمةً مستقرّة تعمل لاستثمار بلدها لدرّت عليهم بخيرات لا تُحصى. ونسأل الله أن يعيد للشام عزّته ومجدَه. الأخلاقية: وأما من الناحية الأخلاقية: فالبلاد عشش فيها المستعمر الأفرنجي وفرّخ، فلا يُرجى لبلاد برَك على صدورها هذا العدو وتمكّن من ثوراتها أن تبقى لها أخلاقها الإسلامية، اللهم إلاّ أن هناك أفرادًا قلّة محافظين على الأخلاق الإسلامية، على أنهم لا يملكون تحريك ساكن ولا تسكين متحرّك. ولا يغيب عن الأنظار أن المستعمر لا يخرج من أي بلد إلاّ بعد أن يسلخ شبابه من الرجال والنساء من آداب الإسلام، وقد استعمل المستمعر في البلاد التي استعمرها مختلف أساليب الاستعمار المادي والفكري للقضاء على الأخلاق الإسلامية فيها، فوجد بالتالي أنّ أنجحَ الوسائل للوصول لغايته الشيطانية هي الغزو الفكري، فربّوا أولاد المسلمين الذين منهم سوريا على ما يملونه عليهم من

الانخلاع من الأخلاق الفاضلة، حتى يبقى النشأ من أولاد المسلمين أعدى من المستمعِر نفسه للإسلام وأهلِه، إذْ فقد أخلاق الإسلام وتنكّر لمثله العليا، فلذا تجد أولئك محرومين من الدنيا ومن الآخرة لاهم من المسلمين فينالوا مما نال المسلمون ولاهم من نفس المستعمر فيعملوا كما عمل ويصنعوا صنعه، بل هم مذبذبون بين هؤلاء وهؤلاء، سلبهم العدوّ إبّان استعماره إياهم إسلامهم وثرواتهم، ولو أنهم آمنوا واتقوا ورجعوا إلى الإسلام وأخلاقه لانتصروا على هذا الكابوس الثقيل ونالوا من بركات السماء والأرض ما يغنيهم عن عدوّهم الذي سيطر على كلّ ممتلكاتهم واقتصادهم وأخلاقهم حتى تركهم في جميع شئونهم أحيرَ من ضبّ، حتى لا تكاد تعرف لهم مبدأ ولا هدفا في حياتهم المضطربة الغير مستقيمة نتيجة لتذبذبهم ونفاقهم. وأسأل الله رب العرش العظيم أن يردّهم إلى حظيرة الإسلام، ويأخذ بأيديهم إلى ما نفروا منه تعاليم هذا الدين الإسلامي الشامل لكل خير في الأولى والآخرة، آمين. 9/5/1399هـ‍.

رحلة المغرب العربي

بسم الله الرحمن الرحيم رحلة المغرب العربي رحلة قصيرة إلى أفريقيا الشمالية الشهيرة الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعدَه. وبعد: فبمناسبة ترشيح الجامعة الإسلامية إيّاي أنا حمّاد بن محمد الأنصاري والأخ عبد الرحمن بن إبراهيم السيف السفر إلى المغرب العربي بدوله الثلاث تونس، والجزائر، والمغرب الأقصى للبحث عن المخطوطات النادرة وتصويرها باسم الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. بهذه المناسبة توجهنا من المدينة النبوية يوم الثلاثاء بعد العصر في 16/7/1396هـ‍ وتوجهنا في الطائرة إلى جدة، فوصلناها قبل غروب الشمس فبتنا فيها منتظرين الحجز إلى تونس الخضراء، بتنا ليلتنا تلك بجدة في فندق الرحاب، وتقيّلنا يوما الأربعاء لعدم إمكان الحجز في ذلك اليوم إلى أن تيسّر الحجز إلى تونس عن طريق رومية بإيطاليا. فأقلّتنا من جدة طائرة سعودية كبيرة (ترايستار) ، أقلّتنا في نصف ليلة الخميس الموافق 18/7/1396هـ‍ حتى نزلنا في مطار روما عند طلوع الشمس تقريبا أربع ساعات، فأمرنا المسئولون بانتظار طائرة تونس، فبقينا في المطار إلى أن وصلت قبيل الظهر، فامتطيناها إلى تونس الخضراء، فقطعت بنا ساعة فأنزلتنا بمطار قرطاجة بتونس بعد الظهر في يوم الخميس نفسه. هنا فقدنا شنطتي وشنطة الأخ أبي بكر الجزائري، فاشتغلنا بالبحث عنهما نهار الخميس وليلة الجمعة وفي نصف يوم الجمعة هاتفنا مطار تونس نسأله هل وجدوا الشنطتين فأخبرونا بوصول الشنطتين، فذهبنا إلى المطار فاستلمناهما من

الجمرك بعد مراجعات، لأنا ذهبنا بدون أن تكون معنا جوازاتنا. وفي يوم السبت الموافق 20/7/1396هـ‍ زرنا السفارة السعودية بنهج النمسا بتونس الخضراء، فوجدنا فيها قائم مقام السفير عباس البصراوي فاستقبلنا استقبالاً حارًّا، فذكرنا له مهمتنا، فرحّب بنا مخبرًا باستعداده للتعاون معنا بكل ما لديه من الإمكانيات، كما زرنا في نفس اليوم الملحق الثقافي في مكتبه بشارع الحرية، فرحّب بنا بالحفاوة والتكريم، ولا غرو فإن الملحق الثقافي في تونس من بيتٍ معروف، وهو أعني الملحق الثقافي الأخ عبد الملك بن عبد الله آل الشيخ. ثم رجعنا إلى مسكننا في نزل فكتوريا أمام ساحة برشلونه بشارع حشّاد، ولم نتمكّن من الاتصال بالمسؤولين عن المكتبات في يوم الأحد لأنه يوم عطلة للدوائر الحكومية ابتداءً من نصف يوم السبت مساءً. وفي يوم الأحد الموافق 21/7/1396هـ‍ انتقلنا إلى فندق ماجستيك بشارع باريس. وفي يوم الاثنين الموافق 22/7/1396هـ‍ زرنا كمال الدين التارزي مدير الشئون الدينية بالجمهورية التونسية فأخبرنا أنه مستعدّ للتعاون معنا على مهمتنا، وفعلاً ذهبنا معه إلى المكتبة الوطنية الواقعة في حيّ جامع الزيتونة في الحيّ الأصلي بتونس، فدخلنا في مكتب مدير المكتبة عزت القلوزي، ثم أخذنا إلى المسئول عن المخطوطات في المكتبة عبد الحفيظ بن منصور، فأخبرنا كلّ منهما أنه على أتم الاستعداد للتعاون معنا على ما نريد في المكتبة، وقال المدير وهو يقوم بتصوير ما نريد من الكتب: ولكن تبين لنا أن الآلة التي في المكتبة للتصوير قد أصابها خلل يحتاج إلى انتظار يومين، ولم يتبين لنا ذلك إلاّ في يوم الأربعاء الموافق 24/7/1396هـ‍.

وفي يوم الثلاثاء والأربعاء اشتغلنا بالنظر في قوائم المكتبة وهي أعني بقوائم المكتبة دفترين مخطوطين وفهرس مطبوع، فهذه الثلاثة تحوي ما في المكتبة من المخطوطات التي أكثرها رسائل في مجاميع عديدة. وقد أخبرنا مدير المكتبة أن ليس في تونس متخصص بتصوير الكتب إلاّ شخصٌ واحدٌ في معهد الدراسات في نفس العاصمة تونس، والمدير نفسه يزاول هذه الصنعة ولكن لا يحسن طبع الفلم وإخراج نسخة منه على ما قال لنا. ومن الجديرِ بالذكر: أن العملَ في جميع الدوائر بتونس يبتدئ في الساعة السابعة نهارًا إلى الساعة الواحدة ظهرًا بالتوقيت الافرنجي. وقد أنهينا استعراض الموجود من القوائم في المكتبة وانتقينا منها بعض الكتب التي أفردناها بقائمة خاصة بها، ومن أهمّها: الجزء الثالث من (الأحكام الكبرى) لابن كثير، وهو جزء من بقية الصلاة ابتداءً من الأذان، و (الجامع الكبير) للسيوطي، وقطعة من (تاريخ دمشق) ، وغير ذلك مما ذكرنا في القائمة المختارة. أنهينا استعراض وتصفح تلك القوائم في (14) يوما، واتفقنا مع المكتبة على تصوير الكتب التي اخترناها، على أن يصوروها تصوير المستندات، لأن تصوير مكروفيلم غير متيسّر عندهم لعدم وجود مكان في نفس الوقت للأفلام، ولكن وعدونا أنهم سيهيئون مكانًا خاصًّا للأفلام، ثم يباشرون التصوير بعد الانتهاء من تصوير الكتب وتصوير المستندات وتجليدها وبعثها إلى الجامعة الإسلامية، هذا ما تم نحو مهمتنا في تونس. وقد زرنا كثيرًا من المسؤولين من طلبة العلم بتونس، منهم رئيس الشعائر الدينية كمال الدين التارزي، والحبيب بالخوجة عميد الجامعة بتونس، وأطلعَنا

الأخير على أقسام الجامعة بفصولها ومكتبتها الكبيرة التي تحتوي على أهمّ المطبوعات العربية من مختلف الفنون. وكذلك اتصلنا بالأديب الكبير محمد الشاذلي النيفر، وقد حظينا من الجميع بالتقدير والاحترام. وفي تونس كنت أتناوب في إلقاء المحاضرات مع الأخ أبي بكر الجزائري، حيث أني ألقيت في جامع محرز بن خلف، وفي جامع الزيتونة، وفي جامع سبحان الله وغيرها من جوامع تونس الكثير التي لا يعمرها بالصلاة إلاّ التيجانيون من الشيب والشبان. وقد التقينا في تلك الجوامع بشباب توّاقين إلى الإسلام ومحاسنه بقيادة الأخوين عبد الفتاح مورو، والأخ راشد الغنوشي، وكلاهما على طريقة الإخوان المسلمين في الدعوة إلى الإسلام والتمسّك بأهدافه، ولكن مع الأسف هناك مشايخ لا يوافقون على نشاط هؤلاء الإخوان، فلذا صدر الأمر قبل مغادرتنا لتونس بمنع الأخ عبد الفتاح مورو الشاب النشيط منعه من مزاولة دروسه في المساجد. ومن الملاحظ: أن المسؤولين عن الشؤون الدينية والتعليمية من الأحناف، مع أن نسبة الأحناف في المالكية خمس في المائة، وهؤلاء الأحناف من بقايا الأتراك الذين كانوا حكّامًا على تونس قبل الاستعمار الفرنسي. وفي شوارع تونس تلتقي بأسراب من النساء العاريات تونسيات وغيرهن، مما يدلّ على أن الاستعمار لا يخرج من بلد إلاّ بعد أن يترك تقاليده وعاداته في ذلك البلد، فلذا تجد من النساء العاريات والشباب المتفرنج عددًا لا يستهان به، تشاهد هؤلاء في جميع الشوارع في تلك البلاد التي محى الاستعمار كل أخلاق الإسلام وتقاليده وعاداته منها حتى لا تفرق بين الشاب المسلم والمرأة المسلمة

وبين الشاب والمرأة من الإفرنج. وفي أيام الآحاد وأيام عطل الاحتفالات التي صادفناها هناك من الاحتفال بالجمهورية وبميلاد الرئيس وبما يسمونه بتحرير المرأة، في كل هذه الأيام تجولنا للاطلاع على أكثر مدن تونس الخضراء ومن أهمها الميناء الكبير بنزرت شمال تونس على مسافة ستين كيلو مترًا، والقيروان العاصمة الأولى للإسلام في أفريقيا الشمالية وغيرها في جنوب تونس، وزرنا جامع أبي زمعة البلوي رضي الله عنه الصحابي الجليل، ووجدنا في داخل الجامع تابوتًا يزعمون أنه قبره، فزرناه ودعونا له بعد السلام عليه، ثم زرنا جامع عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه، وألقيت فيه درسًا نال القبول من الحاضرين. ورزنا أيضًا قبر سحنون، وقبور الفقهاء العشرة الفقهاء الذين بعثهم عمر بن عبد العزيز لتعليم الافريقيين الدين الإسلامي، وقد ذكرهم صاحب (رياض النفوس) في شرق القيروان عند انتهاء العمران، ووجدنا سدنة يزعمون أنهم من حفدة سحنون، ولكنهم عوام يسكنون في جناح من العمارة التي فيها القبور. ومما تنبغي الإشارة إليه: أن القبور في تونس وأنحائها يعتنى بها الناس أكثر من اعتنائهم بالمساجد. وكذلك زرنا قصر الهلال وسوسة، والمنستير، والحمامات، وتابل، وهذه الأربعة الأخيرة من جملة الشطوط التونسية التي تجولنا فيها، ووجدنا عندها من جمال الطبيعة ما يبهر البصر، هذا كله إلى ما نشاهده من جمال البحر الأبيض المتوسط الممتد على شمال تونس، تواكبه غابات من أنواع الأشجار ومن الزيتون والرمّان والتين والسفرجل وغير ذلك، إلاّ أن السوّاح الإفرنج الذين اكتظت بهم تلك الشواطئ الجميلة بخلاعاتهم رجالهم ونسائهم شوّهوا منظر هذه الشطوط الجميلة.

هذا، وقد زرنا بلدًا آخر في غرب العاصمة يدعى (كاف (في طريق المار إلى الجزائر وهو أيضًا جميل كريم أهلُه. وتونس كلها خضراء أشجارها وجبالها وتلولها طولها وعرضها، وهي تسير بسير الحضارة الأوربية بنسائها وشبابها وشيوخها، وقد سيطرت تلك الحضارة على تقاليد أهلها وعاداتهم، بحيث لا تكاد ترى من بين تلك الجحافل التي تواجهك من المطار أي: مطار قرطاج الدولي إلا أوربيًّا في لبسته وهيئته ولغته، هذا مع أنّ أهل تونس إمّا عربٌ أو متعرِّبون لا يوجد فيها عجمي إلا سائح، ومع هذا فاللغة الفرنسية متغلِّبةٌ على العربية الدارجة التونسية، وهذا هو مراد المستعمر في كل بلد سلخه من كلّ معنوايته حتى من لغته وإحلال لغته الأجنبية محلّ اللغة الوطنية. هذا، وفي تونس الخضراء أقمنا 28 يومًا، ثم توجهنا إلى المغرب الأقصى رأسًا بطائرة كويتية كبيرة حديثة في مساء يوم الخميس الموافق 16/8/1396هـ‍ إلى الدار البيضاء بالمغرب العربي، فوصلنا إلى مطارها المسمى بمطار النواصر، وبينه وبين الدار البيضاء 30كم تقريبًا، وصلنا في الساعة العاشرة ليلاً بالتوقيت الافرنجي، وقطعنا المسافة بين مطار قرطاج بتونس ومطار النواصر بساعتين ونصف، وبتنا ليلة الجمعة الموافق 17/8/1396هـ‍ في الدار البيضاء، ومع الأسف لم يكن معنا من يدلّنا إلى محلّ مناسب في الدار البيضاء، فدرنا بتاكسي نبحث عن فندق ننام فيه إلى الصباح، وكل فندق نمرّ فيه نجده مسكونا إلى أن وقفنا بعد التعب على فنيدق غير كبير يسمى فندق كمبيطا، وفي هذا الفنيدق وجدنا غرفة صغيرة بسريرين، وبتنا إلى الصباح، حيث قمنا بالتجوّل في الأسواق، ثم صلينا الجمعة في جامع محمد الخامس، والتقينا هناك بأحد تلامذة الدكتور الهلالي اسمه علاّل، فصحبنا إلى منزل الدكتور فالتقينا به، ثم بعث معنا

الأخ محمد الدرعاوي الطالب في الجامعة الإسلامية، فانتقلنا من فندق كمبيطا إلى فندق كبير يسمى بفندق الدار البيضاء، ويعد هذا الفندق أكبر فندق في أفريقيا في الدرجة الأولى في فنادق الدار البيضاء، وأقمنا فيه ثلاث ليال، وفي الصباح من يوم الاثنين الموافق 20/8 توجهنا في تاكسي بصحبة الأخ محمد الدرعاوي الطالب في الجامعة الإسلامية إلى الرباط، ومررنا في طريقنا بقرى كثيرة مغطاة بالأشجار المزدهرة، ومن جملتها مصطاف الملك الحسن الثاني الصخيرات، وقد تلاقينا في طريقنا إلى الرباط مع الملك الحسن الثاني قاصدًا هذا المصيف مع موكبه وهو سائق سيارته بنفسه، فوصلنا إلى الرباط ضحًى عاصمة المملكة المغربية، فلما وضعنا حقائبنا في فندق يسمّى فندق حسان في الرباط الجديد توجهنا إلى الخزانة العامة، فبدأنا باستعراض الفهارس التي وجدناها في المكتبة، فانتقينا منها بعض الكتب المخطوطة، وهم يشتغلون في الصباح والمساء، فلذا تيسر لنا أن ننتقي جملة كبيرة من المخطوطات الموجودة في الخزانة العامة، ومن أهم المكتبات التي توجد فيها تلك المخطوطات مكتبة الكتانيين، واستمرّ عملُنا في الخزانة العامة من يوم الاثنين الموافق 20/8/1396هـ‍ إلى يوم الأحد الموافق 26/8/1396هـ‍، فتوجهنا بعد ذلك إلى طنجة مدخل الأندلس أو عروس الأندلس على ما يقال، توجهنا إليها في قطار ممتاز في الدرجة الأولى، فوصلنا طنجة في نفس اليوم، واتجهنا إلى المكتبة التي فيها، فلم نجد شيئًا من المخطوطات، وأقمنا فيها ثلاثة أيام، وقد ألقيت فيها ثلاث محاضرات، إحداها ألقيتها في قاعة المحاضرات الدولية سابقًا في طنجة حينما كانت دولية، وتسمى هذه القاعة الآن قصر مارشان لأنها قرب جبل طارق، ولا يوجد بين جبل طارق ومدينة للينية الأسبانية سوى بضع أمتار ومساحة الجبل عشرون كيلو، وسكّانه خمسة وثلاثون ألفا، والعمال المغاربة خمسة آلاف فحسب، زرناه في باخرة كبيرة، وبينه وبين طنجة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبينهما

ثمانية أميال بحرية ما يقدر بثمانين كيلو، فوصلنا جبل طارق قبل الظهر في يوم الأربعاء فوجدنا هناك عجائب وغرائب من الملاجئ التي في الجبل الواقف في البحر، بحيث أن البحر الأبيض المتوسط والبحر المحيط الأطلسي محيطان بذات الجبل إحاطة القلادة بالعنق، فتمكنا ونحن عند الجبل من النظر إلى المدن الأندلسية المجاورة للجبل، منها الجزيرة الخضراء، ومنها طريف، وملاوة، وكذلك سبتة في العدوة الثانية التي تلي بلاد المغرب على البحر الأبيض المتوسط. وقد قضينا يومًا كاملاً عند جبل طارق فرأينا الدار التي بناها طارق بن زياد على سفح الجبل ما زالت قائمة على جدرانها، ودخلنا في مغارتين عظيمتين في داخل الجبل إحداهما طبيعية والأُخرى مصنوعة، فرأينا في هاتين المغارتين مدافع جيدة كبيرة نصبتها بريطانيا على الجبل في إحدى المغارتين موجهة إلى أسبانيا حيث لم يكن بينهم وبين أسبانيا إلاّ أمتار قليلة، ثم رجعنا إلى طنجة في نفس الباخرة التي أخذتنا إلى الجبل، فوصلناها في ليلة الخميس الموافق 1/9/1396هـ‍، وفي صباح هذا الخميس توجهنا مع الإخوان من طنجة إلى تطوان، فوصلناها ضحى، فدخلنا في المكتبة العامة للبحث عن المخطوطات فوجدنا في المكتبة العامة بتطوان بعض الفهارس للمخطوطات، فلم ننتق منها إلاّ رسالتين إحداهما لشيخ الإسلام ابن تيمية بعنوان (الاجتهاد وعدم التقليد) ، والأخرى رسالة لابن أبي العز شارح الطحاوية بعنوان: (صحة اقتداء الحنفي بالشافعي) ، فصورناهما في الحال لصغرهما. ثم بتنا ليلة الجمعة الموافق 2/9/1396هـ‍، وقد وصلنا مكناس بعد الظهر لكثرة توقف الحافلة في محطّات كثيرة تنزل ناسًا وتأخذ آخرين، وقد أصابنا في هذه الرحلة تعب كبير. ومن الجدير بالذكر: أن المكتبات في تونس والمغرب التي وقفنا عليها يغلب

عليها طابع الفقه المالكي، ورسائل كثيرة في الأذكار والتصوّف إلاّ قليلاً مما انتقيناه. وقد تأخّر عملُنا في المغرب لأننا وصلنا وقد كانت المكتبات في إجازة شهر كامل. وقد أقمنا في مكناس بضعة أيام من يوم الجمعة إل يوم الاثنين الموافق 5/9/1396هـ‍. وعند وصولنا لمكناس دخلنا مكتبة الجامع الكبير فاستعرضنا ما فيها من فهارس المخطوطات، ولم نجد في تلك الفهارس شيئًا يستحقّ التقييد، فلذا توجهنا مع فضيلة الدكتور تقي الدين الهلالي إلى فاس، توجهنا صباح الاثنين 6/9/1396هـ‍ إلى فاس، فوصلناها ضحى في نفس اليوم، وبينها وبين مكناس ستون كيلو، فمن حين وصولنا إلى البلد توجهنا إلى مكتبة جامع القرويين في المدينة القديمة، وفي هذا الجامع ستة آلاف مخطوط وبمكتبة الجامع الكبير بمكناس خمسمائة مخطوط، ولكن مع الأسف فجلُّ تلك المخطوطات متلاش غير صالح قد أكلت الأرضة منها كثيرًا من آثار الإهمال. وبعد أن استعرضنا كل ما في الجامع من فهارس فلم نجد فيها جديدًا إلاّ (كتاب الزهد) لأبي داود السجستاني، وكتاب (ترتيب الأفراد) للدارقطني لابن طاهر، وما سوى الكتابين من المخطوطات وجدناه في الرباط وتطوان ومكناس. وقد تجولنا في مدينة فاس القديمة والجديدة هذين، كما تجولنا في تطوان ومكناس في مدينتهما القديمة والحديثة، وقد مررنا في طريقنا من تطوان إلى مكناس بمدينة شاون الجميلة وجوزان وزرهون وقرى كثيرة منتشرة على الطريق، كما أننا مررنا في طريقنا إلى فاس بمنتزهات جميلة مزدهاة بأنواع الأشجار من الزيتون والرمّان والسفرجل والتين وغير ذلك من المناظر الزاهية

الأنيقة التي تكاد تنسينا تلك المناظر الباهرة التي شاهدناها في تونس الخضراء. ومكثنا في فاس يومين، ثم غادرنا من فاس إلى مكناس مرة ثانية في طريقنا إلى الرباط، فأقمنا فيها يومين، ثم غادرنا مكناس عائدين إلى الرباط لاستكمال ما تبقّى من عملنا في المكتبة الملكية، فوصلنا إلى الرباط صباحاً، فلما بدء العمل ذهبنا إلى المكتبة الملكية بالقصر الملكي، فوجدناها مفتوحة، فاستعرضنا ما فيها من البطاقات والفهرس الكبير، فوجدناها مكتبة هامة ممتلئة بالمخطوطات، ولكن أغلب تلك المخطوطات مطبوع، وعدد المخطوطات المنظمة تبلغ (10.915) مخطوطًا في المكتبة الملكية الأصلية، وفيها المكتبة الزيدانية، وتبلغ (3.986) كتابًا ما بين مخطوط ومطبوع، ويقدّر المخطوط منها بنحو النصف، وفيها أيضًا خزانة مولاي أحمد العلوي المراكشي القاضي، ما زالت هذه المكتبة في الصناديق (1) ، وفيها من الكتب ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف كتاب بين مخطوط ومطبوع. وللمكتبة الملكية الأصلية فهرسٌ كبير فيه ثلاثة أجزاء مرتب على المؤلفين وأسماء مؤلفاتهم بجانب البطاقات التي وجدناها فيها، وهذا الفهرس الكبير لم يطبع، ولكن يعمل فيه ليخرج إلى الطبع إن شاء الله. وقد انتقينا من هذا الفهرس والبطاقات في المكتبة الملكية بعض المخطوطات التي لم نجدها في المكتبات التي مررنا عليها قبلَها، وفي الحقيقة وجدنا هذه المكتبة صالحةً لأن تكون مرجعًا لتصحيح الكتب التي يعاد طبعها مرة أخرى، لأنها كما ذكرت سابقًا مشتملة على أكثر المخطوطات التي قد سبق أن طبعت في الحديث أو غيره، وأما المخطوطات التي لم يسبق لها الطبع فهي غير كثير، بل إن الخزانة العامة أكثر

_ (1) لأنها عثر عليها تحت الأرض في هذه الأيام.

منها مخطوطات بهذا الاعتبار. ومن الملاحظ: أن المكتبات في المغرب تحتاج إلى تنظيم وترتيب فنّي ليسهل الكشف عنها، فالبطاقات التي وضعت لها غير مرتبة وغير فنيّة، فلهذا يتعب من يفتش فيها دون أن يجد ما يريد، مع أن المسؤولين عن المكتبات في تونس وفي المغرب قد ساعدونا غاية المساعدة على الحصول على ما نطلب جزاهم الله خير الجزاء، ولكن لعدم تنظيم الفهارس لتلك المكتبات فليس من السهل الاطلاع على كل شيء إلاّ بعد جهد جهيد وعمل متواصل مرهق.

الدين وأفريقيا الشمالية

الدين وأفريقيا الشمالية: لاشك أن بلاد المغرب الشمالي أو أفريقيا البيضاء على ما يقال بدوله الثلاث كان قبل الاستعمار بلادًا تسودُها الأخلاق الإسلامية والآداب الشرعية، ولكن بعد تمكّن الاستعمار الفرنسي الغاشم والاستعمار الاسباني الدخيل من هذه البلاد الإفريقية قلبها هذا الاستعمار ظهرًا على بطن، ولم يخرج منها إلاّ وقد خلّف فيها من الجهل بالإسلام والتنكُّر لتعاليمِه وأنواع التفسّخ والانحلال الخلقي ما يلمسه ويراه كلّ من زار تلك البلاد الشقيقة من الغيورين على الأخلاق الإسلامية: ترى المساجد ولكن لا ترى المصلين، بل ترى من بقي باسم الإسلام من الطرقيين وأتباعهم يعكفون عند المشاهد يطوفون بها، أو يتفرّجون عليها، وفي تونس تجد التماثيل والصور الخليعة في أكثر البيوت وفي المكتبات، بل وفي بيوت من يتسمون بمشايخ الدين تجد هذه التماثيل في أكثر بيوتهم، والغالب على هذه التماثيل صور نساء عاريات ومنصوبات في جانب البيت. وللتجانية والدرقاوية في تونس والمغرب انتشار واسع هائل في تلك الزوايا المتبعثرة في جميع مدنها بقببها المبنية على القبور، وتجد هؤلاء يعمرون تلك المشاهد ويهجرون ما عندهم من المساجد إلاّ قليل ممن يعدون بالأصابع، تجد

هذا القليل منهم يصيحون عند كل مسجد تدخله يصيحون فيه قبل الصلاة وبعد الصلاة بدعوى الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على شكل ينكره كل من له ذوق سليم وعقل حكيم فضلاً عن المسلم المتسمك بأهداب السنة. يغلب على هؤلاء الخرافيين طابع التيجانية الشاذة، أو طابع الدرقاوية الهزيلة، هذا كل ما بقي باسم الإسلام في تلك البلاد: لعبة التيجانية، ومهزلة الدرقاوية، ويواكب هاتين الخرافيتين البرهميتين بدعة التعصب المذهبي الذي يحمل اسم المذهب المالكي في المغرب واسم المذهب الحنفي والمالكي بتونس. هذا، وفي تونس والمغرب ناسٌ ملتزمون بأخلاق الإسلام، ولكنهم قلّة، وفي تونس يقودهم الشاب عبد الفتاح ميرو، وأما في المغرب فمرشدهم فضيلة الدكتور الهلالي. وهناك معركة حامية الوطيس بين السنة والخرافات حتى إنَّ أهل تلك البلاد يسمون هذين القائدين وأتباعهم بالوهابية، ويعنون بذلك أن الوهابية دينٌ جديد يجب الحذرُ منه، فمِن ثمَّ صدر في تونس وفي المغرب معا الأمرُ من الحكومة هناك بمنع كل من يتهم بأنه وهابي من مزاولة النشاط في الدعوة إلى الإسلام وتصحيح الأغلاط التي تسببت فيها الخرافات وآثار الاستعمار الذي يواكبها ويسايرها، بل إن الاستعمار الافرنجي يستغل وجود هذه الخرافات للقضاء على الإسلام وتشويه سمعته بواسطة هؤلاء الدراويش من التيجانيين الدرقاويين والعيساويين والقادريين والمتعصبين باسم المذهب، وقد اجتمعنا في طنجة بشخص مسئول كبير، يدعى (أحمدنية) متهم بالشيوعية وجرت بيننا وبينَه محاورة نحو الإسلام وأن الإسلام صالحٌ لكل زمان ومكان دولة وعقيدة وعمل، ولكن عارضنا بجرأة ووقاحة وقال ان الإسلام ناقص وليس شاملاً لكل القضايا الدينوية، وادعى أن الشيوعية والاشتراكية المادية العلمانية الإلحادية هي

التي وحدها تقدر على تنظيم الحياة الدنيوية، فأبنّا له أن قوله هذا نشأ من الجهل بالإسلام ومن تقليده لأعدائه الذين شوّهوا سمعة الإسلام بمثل هذه الأقوال الباطلة، وذكرنا له أن الله عزّ وجل قال في كتابه الكريم: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} ، وأن هذا الحق حق عرفه من عرفه وجهله من جهله، وقلنا له: هل تعرف قضية لم يعالجها الإسلام حتى احتاجت إلى أن تعالجها الاشتراكية؟، فقال نعم إن التعامل بالبنوك منعه الإسلام مع أن الحياة متوقفة على هذا التعامل. فقلنا له: ليس الأمرُ كما زعمتَ، بل إن الإسلام لم يمنع التعامل بالنبوك مطلَقا، إنما منع التعامل بالربا الذي يتضمن التعامل به ظلم الآخرين وسلب أموالهم بغير حق، وهذا من عدالة الإسلام الشاملة أنْ منعَ الظلمَ بأيِّ وجهٍ كان الظلم، وأن الله حرم الظلم، وأن الظلمَ ظلماتٌ يوم القيامة، وليس من الغريب أن تتعامل الشيوعية الاشتراكية بالربا ولا بغيره من المحرّمات، إذْ لا ذنبَ فوق الكفر، فإن الشيوعية كفرٌ بواحٌ كغيرِها من أنواع الكفر، سواء كان انفصاليا أو قوميا أو بعثيا فإنه لا يستبعد منه أن يتهم الإسلام بالتقصير حينما أن التقصير من الكفر والإلحاد لا من الإسلام فالإسلام كامل. هذا، ولو تعاونت الجهات المسؤولة في الحكومة السعودية من دار الإفتاء والجامعة الإسلامية والرابطة والإشراف على الحرم المكي ووزارة المعارف ووزارة التعليم العالي لو تعاونت هذه الجهات على إرسال مرشدين إلى تلك البلاد مع قبول الراغبين في طلب العلم في مدارس الحكومة والجامعة الإسلامية وغيرها بدون التقيّد بالمراسم الحكومية في بلادهم، بل يكتفى بتزكية أناس معروفين بالصلاح هناك لكان هذا التعاون مفيدًا في تلك البلاد، لا سيّما وفي هذه البلاد شباب توّاقون للعلم يبحثون عنه ويسألون كل من يلقونه من أهل العلم الذين ينتابون بلادهم.

تنبيه

تنبيه: قد التقينا في الدار البيضاء بالأخوين الكريمين الشيخ ناصر الدين الألباني والأخ محمد البنا في طريقهم إلى لندن مبعوثين للإرشاد في لندن، تمتعنا بهم ليلة الخميس التي سنغادر في صباحها بلاد المغرب، وكانت تلك الليلة مونسة سارّة عمرت بالأحاديث النبوية والإرشادات السنية، حضرنا في مساء الأربعاء محاضرة قيِّمة بعنوان (إقامة الصفوف في الصلاة من إقامة الصلاة) ألقاها الشيخ ناصر الدين الألباني في الجامع المحمدي في الدار البيضاء..

خاتمة المطاف

خاتمة المطاف: وبعد انتهاء عملنا في الرباط يوم الأربعاء الموافق 14/9/1396هـ‍ توجهنا إلى الدار البيضاء وفي صباح يوم الخميس الموافق 15/9/1396هـ‍ غادرنا مطار النواصر بالدار البيضاء في الساعة الحادية عشر بالتوقيت الافرنجي عن طريق الجزائر فتونس وليبيا وجدة. وقد قطعت بنا تلك الطائرة الكبيرة (بوينج) السعودية المسافة بين الجزائر العاصمة والدار البيضاء بالمغرب ساعة ونصف ساعة وبين الجزائر وتونس ساعة، وكذلك بين تونس وليبيا قطعت بنا ساعة، وبين ليبيا وجدة أربع ساعات، وقد وصلنا نصف الليل ليلة الجمعة الموافق 16/9/1396هـ‍. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

تقرير عن رحلة طلاب الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية إلى المغرب وأسبانيا

تقرير عن رحلة طلاّب الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية إلى المغرب وأسبانيا المكتبة الملكية ... تقرير عن رحلة طلاّب الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية إلى المغرب وأسبانيا إعداد الشيخ: حماد بن محمد الأنصاري - لعام 13971398هـ‍. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده. وبعد: فقد قمنا من المدينة النبوية برحلتين استطلاعيتين طلاّبيتين مساء الثلاثاء الموافق 7/3/1398هـ‍ إلى جدة، وكانت إحدى الرحلتين إلى المغرب وأسبانيا، والأخرى إلى الهند. قمنا إلى جدة في طائرة بوينج (737) في تمام الساعة التاسعة والربع، فوصلناها في الساعة العاشرة، وكان في استقبالنا مدير مكتب الجامعة بجدة الذي حجز لنا في فندق اسطنبول، وقد نزلنا هذا الفندق منتظرين الصباح لنستقل الطائرة القاصدة المغرب في صباح الأربعاء الموافق 8/3/1398هـ‍. وكان المشرفون على الرحلة المغربية الأسبانية الأخ صالح المحيسن المدرس بكلية الدعوة وعميدها، والدكتور عبد المنعم المدرس في الدراسات العليا، وكاتب هذه السطور، وعدد من طلاّب الدراسات العليا السنة الثانية بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. وفي صباح يوم الأربعاء نفسه في الساعة العاشرة بالتوقيت الزوالي للمملكة أقلّتنا طائرة سعودية إلى مطار النواصر بالدار البيضاء، حيث قطعت المسافة بين جدة وبين الدار البيضاء في مدة انثتي عشرة ساعة مع التوقف في ليبيا والجزائر مقدار أربعين دقيقة في كل منهما. وبعد وصولنا بدقائق امتطينا الحافلة التي استأجرها لنا مندوب الجامعة الإسلامية الأخ عليان مدير الإدارة بالدراسات العليا، وتوجهنا إلى الرباط العاصمة، فلما وصلنا نزلنا في فندق (بلير) في شارع مولاي يوسف.

وفي الصباح الساعة الثامنة بالتوقيت المغربي توجهنا مع طلاّبنا إلى الخزانة العامة للاطلاع على المخطوطات الموجودة فيها، فبقينا فيها ننتقي ما نراه صالحا للتقييد إلى انتهاء الداوم، وينتهي الدوام عند أذان الظهر، وفي المساء كذلك رجعنا إليها لنفس الغرض، إلاّ أن الذي يؤسف عليه هو عدم وجود فهارس جيّدة سواء كانت مرتبة على الفنون أو المؤلفين، مما يؤدي إلى صعوبة البحث عن الكتب، إلاّ أنه رغم ذلك فقد استمر عملنا فيها يومي الخميس والجمعة، وفي مساء يوم الجمعة الموافق:10/3/1398هـ‍ زرنا المكتبة الملكية بالقصر. المكتبة الملكية: تبعد هذه المكتبة عن شارع مولاي يوسف بحوالي خمسة كيلو مترات، وتقع في وسط باحة كبيرة تحيط بها الأشجار ونوافير المياه من جوانبها الأربعة. وعند وصولنا إلى المكتبة استقبلنا فيها الرجل النبيل مولاي أحمد العلوي مدير المكتبة، فاستعرض الطلبة ما فيها من البطاقات والفهارس، وانتقوا ما راق لهم وقيّدوه. ومن ميزة هذه المكتبة: أن الفهارس مرتبة على الفنون والمؤلفين والمخطوطات الموجودة فيها نظيفة للغاية، وقد علل ذلك أمين مكتبتها أحمد العلوي حيث قال: إن المؤلفين كانوا يقدمون أجود نسخ كتبهم إلى الملك. وعند انتهاء الدوام في الساعة السادسة مساءً توجهنا إلى مسجد السنة، حيث أدّينا صلاة المغرب، وبعد أداء صلاة العشاء في فندق (بلير) توجهنا إلى فندق حسان، حيث تناولنا طعام العشاء هناك، كان في أثناء تناولنا لهذا العشاء بعض أمور لا تستحق أن تُذكر.

وفي ليلة السبت الموافق 11/3/1398هـ‍ توجهت أنا والدكتور عبد المنعم لزيارة الأخ مصطفى العلوي مدير مكتب وزير الأوقاف في بيته العامر، فتجاذبنا معه الأحاديث الأخوية إلى أن ذهب شطر من الليل، فرجعنا إلى الفندق للراحة والنوم. وفي صباح يوم السبت زرنا دار الحديث الحسنية، واستقبلنا مديرُها السوري، وشرح لنا منهجها، وناولنا نسخة منه، وزرنا أيضا الأخ أحمد مولاي العلوي أمين المكتبة في بيته. وفي صباح يوم الأحد الموافق 12/3/1398هـ‍ توجهنا إلى مطار النواصر بالدار البيضاء لنستقل الطائرة البوينج المغربية إلى الأندلس (أسبانيا) ، فأقلّتنا إلى مدريد (مجريط) عاصمة أسبانيا، وقد وقفت بنا في مطار طنجة مقدار أربعين دقيقة، ثم واصلت سيرها إلى أسبانيا، فوصلنا مدريد العاصمة عصر الأحد وبينها وبين الدار البيضاء ساعة إلاّ خمس دقائق تقريبا.

مدريد

مدريد: ومدريد مدينة في منبطح من الأرض واسعة الأطراف وجميلة المباني في علو غير مفرط، بحيث لا تتعدى أدوارها العشرين إلى الثلاثين دورًا في أغلبها ويسكنها أربعة ملايين، وفي الحقيقة أن الأندلس والمغرب يتراءيان للناظر كأنهما على طبيعة واحدة، إلاّ أن للمغرب ميزة خاصّة ألا وهي جمال الطبيعة الزائدة على الوصف. وفي مطار مدريد استقبلنا أعضاء السفارة السعودية في أسبانيا مع حافلة كبيرة مجهزة بوسائل الراحة وصيناهم باستئجارها على حسابنا عن طريق الملحق الثقافي السعودي بالرباط، وقد حجزوا لنا أيضا جناحا في فندق (الياكستليا) وتعني باللغة العربية قشتالة، وهو فندق ممتاز من الدرجة الأولى واقع في

وسط مدريد، فبتنا فيه ليلة الاثنين الموافق 13/3/1398هـ‍. وفي الصباح الساعة التاسعة من يوم الاثنين توجهنا إلى مكتبة اسكوريال.

الاسكوريال

الاسكوريال: تقع هذه المدينة غرب مدريد العاصمة، وبينهما خمسون كيلو، وهي مدينة على سفح جبل تنزل عليه الثلوج، وفي غربها واد يسمى وادي الرما، فالجبل في شرقها والوادي في غربها، وفي الطريق إليها تعلو بنا حافلتنا وتهبط بنا تارة أخرى، وذلك لأن الطريق إليها عبارة عن كثبان تشقها أودية تجري فيها المياه الوسخة وعلى جنبات الطريق إليها غابات من الأشجار المنشقة الجميلة التي إن دلّت على شيء فإنما تدلّ على ما امتاز به الأندلس من جمال الطبيعة. ولما وصلنا إلى الاسكوريال دخلنا في تلك المكتبة الواقعة في جناح كنيسة ضخمة، واستقبلنا فيها مديرُها وهو رجلٌ أسباني لبق ملمٌّ باللغة العربية إلماما ضعيفا، وقد خيّرنا بين أن يتكلّم معنا بالانجليزية وبين أن يتكلم بالعربية التي تعلّمها إبان إقامته بتونس منذ ثلاث سنوات على ما يزعم، فاخترنا أن يتكلم معنا باللغة العربية المكسّرة مهما كانت، مع أن في صحبتنا الدكتور عبد المنعم وهو يحسن عدة لغات منها اللغة الانجليزية، فشرع الرجلُ يذكر لنا أصل مكتبة اسكوريال وعدد ما فيها من المخطوطات العربية البالغ عددها ألفي مخطوط، فاستعرضنا بعضها فاستفدنا أن المكتبة غنية بمهمات المخطوطات وقد أبرمنا اتفاقا بيننا وبين مديرها الأسباني حاصله ما يأتي: 1- أن يصور لنا تلك الفهارس بكل ما تكلف، فوافق على أن يصورها في ظرف ثلاثة أيّام، وبالفعل تمّ تصوير الفهرس بأجزائه الثلاثة. 2- إذا انتقينا منها ما نحتاج من المخطوطات يصورها كذلك، فالتزم على

أن يصورها في أسبوعين أو ثلاثة. وفي الساعة الواحد نهارًا بالتوقيت الأسباني دقّت ساعة الانصراف، فرجعنا إلى العاصمة لنطلع على المكتبة الوطنية فيها، حيث ذكر لنا أن فيها مخطوطات عربية، ولكن مع الأسف وجدناها قد أغلق القسم العربي منها إلى نهاية الأسبوع على ما يزعمون، فلذا بتنا ليلة الثلاثاء فيها العاصمة، إلاّ أننا استطعنا الحصول على فهرسة المكتبة المذكورة من المعهد المصري للدراسات الإسلامية، حيث قاموا بتصويره وتسليمه لنا مشكورين، وقد قمنا بتصفحه ولم نجد شيئا يذكر في نفس الوقت، وفي يوم الثلاثاء الموافق 14/3/1398هـ‍ الساعة العاشرة صباحاً توجهنا في حافلتنا إلى قرطبة ثم غرناطة. وفي طريقنا إلى قرطبة مررنا على نفوذ وأراض مغطاة بأشجار الزيتون مع قرى نموذجية على نمط واحد يروق الناظر إليها، وبحد ما قطعنا محافظة قتشالة التي حاليا (كستليا) دخلنا إلى مدخل الأندلس وهو جبال ووديان مكسوة بأشجار الزيتون والعنب وغيرها ويتخللها الوادي الكبير الذي يجري فيها، وعلى يمينها نهر (التاج) ، ويمتد من مادريد شمالاً إلى المحيط غربا حتى صبّ في المحيط عن طريق البرتغال نصعد ونهبط وديانا حتى وصولنا قرطبة قرب مغرب ليلة الأربعاء الموافق: 15/3/1398هـ‍، وبينها وبين مدريد ثلاثمائة وستون كيلو، وقد مررنا في طريقنا إليها على محافظة طليطلة التي تقع في النفود الحاجزة بين العاصمة مدريد ومدخل الأندلس جنوبا. ومن حين وصولنا إلى قرطبة نزلنا في فندق في سُرَّة البلد وهو تابع لفندق مدريد، وبتنا فيه إلى صباح يوم الأربعاء الموافق: 15/3/1398هـ‍. وقد وصلنا قرطبة عاصمة الإسلام الأولى في الأندلس قرب غروب الشمس، وكان الغروب عندهم في تمام الساعة السابعة بتوقيتهم، وبتنا ليلة

الأربعاء الموافق 15/3، بتنا في فندق تابع لفندق مدريد العاصمة وبعد أن وضعنا حقائبنا صلينا المغرب جماعةً رغم أنا لم يتيسر لنا في مدريد أن نصلي جماعة لعدم وجود مكان نصلي فيه جماعة، بل كل اثنين أو واحد يصليان في غرفتهما. وفي الصباح توجهنا بحافلتنا إلى قصر الزهراء بقرطبة، وهو يبعدُ مسافة ثلاثة كيلو متر عن المدينة، فوجدناه قصرًا يبكي بدموع الدماء على ما عانى من الأعداء من تدمير وإهانة غيظا على الإسلام وأهلِه، وهو يقولُ بلسان حالِه: (أيها المسلمون انظروا إلى ما أصابني فإنه عاقبة الخروج عن أوامر الله وشرعه) ، وكأنه يقرأ على الزوّار آية سورة هود: {يا قوم لا يجرمنّكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد * واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود} ، ويثني بالآية التي قبلها: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجّيل منضود * مسوّمة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد} . هكذا يقول لسان حال قصر الزهراء لمن زار، يحذِّر من مغبّة المعاصي، أولئك الذين يسدرون في غيِّهم، ويعمهون في ضلالتهم، ولا يفكِّرون في عاقبة الأمور. ثم رجعنا من الزهراء إلى قرطبة قاصدين الجامع الواسع بأعمدته الرخامية وسقوفه المتنوعة من الخشب في جهة ومن الرخام في جهة أخرى، وله محراب واسع مكتوب عليه هذه الآية على يمين الواقف فيه: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} ، ولكن مع الأسف حول الجانب اليميني منه وجعل كنيسة ممثلة بتصاوير مجسمة، وفيما بقي من الجامع كذلك تماثيل وصور مجسمة ملصقة ببعض سواريه، وقد بقي من أبوابه خمسة عشر بابا وقد كانت أيام الإسلام

23 بابا، هكذا مصير التمرد على الله أن يسلب المسلم مجده وعزه وكرامته إذا لم يشكر نعمة الله، قال الله عز وجل: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} وفي الحديث الإسرائيلي عن الفضيل بن عياض: "إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني". وعند انتهائنا من التجول والطواف بجانب ما تبقّى من هذا الجامع الكبير ختمنا الطواف بصلاة ركعتين عند محرابه الواسع الجميل المكلل بالفسيفساء عند مدخله، وقد صمم هذا المحراب تصميما فنيا بحيث إذا قرأ القارئ فيه سمعه من كان خارج المسجد وفي منتصفه قطع من الأحجار مرصوفة رصفا رائعا وفائدتها امتصاص الصدى التي قد يحدث من تراجع الصوت من أرجاء المسجد إلى المحراب، وقد تفائلنا بعد الصلاة بدخول الإسلام ثانية إلى هذه الأقطار التي خرج منها بسبب الخروج عن تعاليم الإسلام. وبعد الصلاة في جامع قرطبة توجهنا بحافلتنا ودليلنا (الأُريقطي) ، وهذه النسبة نسبة إلى عبد الله بن الأريقط الذي كان دليل النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته، ودليلنا السوري وهو الأخ زهير من الشباب المسلم الذي يدرس في مدريد في مجال الطب، توجهنا إلى غرناطة في شرقي قرطبة، ولم تزل حافلتنا المريحة تهملج بنا في أرض صفصف مكسوة بالخضرة والأزهار إلى أن قطعنا منطقة قرطبة عند صلاة الظهر، ثم دخلنا في منطقة أخرى تسمى (حائن) ، وهي (جيان) باللغة العربية، وبعد صلاة الظهر والعصر جمعًا وقصرًا في هذه المحافظة تابعنا سيرَنا إلى غرناطة، فإذا نحنُ بجبال تتخلّلها أودية خرّراة بالمياه مثل تلك الجبال التي واجهتنا في طريقنا إلى قرطبة بعدما قطعنا محافظة مدريد العاصمة، وهي جبال شامخة مكسوة بأشجار الزيتون بشكل لم أر له مثيلاً حتى في تونس الخضراء. فلم تزل حافلتنا الأسبانية الصنع تعلو بنا أنجاد تارة وتهبط بنا في أغوار

تارة أخرى تتخللها خضرة من أشجر ونباتات في غاية من جمال الطبيعة وروعتها فسبحان الذي خلقها ولم تزل الحافلة تمشي بنا في تلك الطريق المتعرّج كالثعبان حتى ذكرنا بطريق جبل (كرا) بين مكة المكرمة والطائف إلى أن وصلنا غرناطة عند غروب الشمس.

غرناطة

غرناطة: وتقع مدينة غرناطة على بُعد مائتين كيلو تقريبًا من مدينة قرطبة، فلما وصلنا المدينة نزلنا في فندق تابع للفندق الكبير في مدريد. وبعد استراحة قصيرة في الفندق نزلنا للتجوال في أسواق المدينة، وذلك لأنها تغلق من الساعة الثامنة مساءً. وبعد التجوال رجعنا إلى الفندق للنوم والراحة إلى صباح يوم الخميس الموافق 16/3/1398هـ‍. ومن الجدير بالذكر: أن رئيس المركز الإسلامي بغرناطة استقبلنا فور وصولنا إلى الفندق وتدارسنا معه برنامج الرحلة، وفي الساعة التاسعة صباحًا توجهنا بأرجلنا للطواف بأسواق غرناطة العربية التي ما زالت بطابعها العربي من تقاربها جنبًا إلى جنب، حتى كأنك تدور في أسواق القماشين بشارع العينية بالمدينة المنورة، وهذا بخلاف طابع الأسواق الغربية التي شاهدهنا بمدريد وغيرها. وبعد انتهاء تجوالنا في تلك الأسواق توجهنا في حافلتنا إلى قصر الحمراء الواقع في جنوب المدينة مقدار ثلاثة كيلو، فلما وصلنا إلى هذا القصر العجيب تجولنا فيه ومعنا أريقطي أسباني أخذ يتجول بنا في أرجاء القصر ويشرح لنا معالم هذا القصر الفخم، فرأيناه قصرًا بديع الشكل آية في فن البناء.

وكان أول ما قابلنا عند بهو القصر هذه الكلمة: (لا غالب إلا الله) ، وكانت هذه الكلمة منقوشة عند مدخل كل غرفة من غرف القصر البديع الصنع، وكان القصر مقسّما ثلاثة أقسام على ما يلي: 1- قسم للسياسيين. 2- قسم لاستقبال العامة. 3- ساحة الأسود الاثني عشر أسدًا، وهذه الأسود عبارة عن تماثيل مجسمة يخرج الماء من خياشيمها إشارة إلى مضى ساعة. وفي جانب من القصر كنيسة ضخمة فيها من التماثيل والصور عدد كثير، وهذه الكنيسة مبنية في جزء من القصر، كما أن بلصق القصر فندقًا أحمر يسمى فندق قصر الحمراء. وفي هذا الفندق اجتمعنا بعد انتهاء تجوالنا بالقصر بأعضاء المركز الإسلامي بغرناطة برئاسة الأخ نزار الصباغ، وقد ارتجل الأخ نزار كلمة الترحيب بالوفد، وحثّ فيها أهل العلم على ترجمة ما يقرأون إلى واقع عملي. ومما تجدر الإشارة إليه: أن بجانب قصر الحمراء من جهة الغرب حارة تسمى حارة البائسين، وهي حارة معروفة في أيام الإسلام في ذلك البلد. وهنا انتهى الغرض في غرناطة إذْ لم تكن فيها مكتبة إسلامية، بل ولا يوجد فيها من المسلمين إلاّ أهل المركز الإسلامي أو سائح. والمركز الإسلامي عبارة عن طلبة يدرسون في مختلف الفنون العصرية في غرناطة. وبعد انتهاء الاجتماع مع أعضاء المركز توجهنا راجعين إلى مدريد في الساعة الثانية عشرة بالتوقيت الزوالي، واستمرّ بنا السير في محافظة غرناطة (أي: البيرة) إلى أن وصلنا محافظة (حائن) جيان، وتسمى أيضا محافظة الزيتون لالتفات أشجار الزيتون في هذه المنطقة، وبين غرناطة وجيان مائتا كيلو، ولما

تناولنا الغداء في مطعم على بعد ثلاثة كيلو من جيان بعد صلاة الظهر والعصر جمعًا وقصرًا انطلقنا في طريقنا إلى مدريد، وفي أثناء الطريق نزلنا فتناولنا ما تيسّر من الشاهي، وبعد استراحة قصيرة واصلنا السير إلى العاصمة، حيث وصلناها في تمام الساعة التاسعة ليلاً. والجدير بالذكر: أن بين غرناطة ومدريد ما يساوي أربعمائة وثلاثين كيلو، فنزلنا في فندق (كستيلا) المعهود، وبعد إتمام الإجراءات اللازمة نزل كلّ واحد منا في غرفة للراحة والنوم. وفي صباح يوم الجمعة الموافق 17/3/1398هـ‍ توجهنا إلى مكتبة الاسكوريال لإتمام ما تبقى من عملنا في المكتبة، وبقينا فيها نستعرض فهارسها الثلاثة، وننظر إلى الكتب على الطبيعة نختار منها ما يناسب، حتى قيّدنا ما يبلغ 143 كتابا مخطوطًا، فأبرمنا الاتفاق مع مدير المكتبة على أن تصورها المكتبة تصوير ميكروفلم مع تصويرها تصوير المستندات باسم (الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية) ، فوافق على أن يكون سعر الورقة ما يساوى عشرة قروش سعودية من البزتيات لكل من التصويرين على السواء، على أن تستلم السفارة السعودية كل ما تم تصويره من الكتب، وتدفع القيمة من المبلغ الذي سلفناه للسفارة على حساب التصوير، وكذلك أجرة المتابع. هذا، وقد استلمنا الفهارس الثلاثة للمكتبة التي قد سبق أن اتفقنا في المرة الأولى مع المدير على تصويرها إضافة إلى فهرس المكتبة الوطنية بمدريد وفهرس مخطوطات المعهد المصري بأسبانيا. وفي يوم السبت الموافق 18/3/1398هـ‍ رجعنا إلى مكتبة اسكوريال المرة الثالثة لإنهاء ما بقي من الإجراءات حول الاتفاقية، فانتهى الكلام مع المدير على أن نرجع إلى المكتبة يوم الأحد رغم أنه يوم عطلة عندهم ابتداء من نصف يوم

السبت، ولكن بصفة خاصة سيفتح لنا المكتبة. وفي يوم الأحد الموافق 19/3/1398هـ‍ رجعنا إلى اسكوريال فوجدنا المدير ينتظرنا حسب وعده، فتم الاتفاق ووقّع كل من الطرفين على العقد، ومن ثم توجهنا إلى مدريد استعدادًا للسفر إلى المغرب مرة أخرى.

المركز الإسلامي بمدريد

المركز الإسلامي بمدريد: يقع هذا المركز في قلب مدريد وفي أحد الأحياء الشعبية تقريبا، وفي مساء يوم الأحد توجهنا إليهما في البيت الذي يسكنون، فاجتمعنا معهم في جناح من هذا البيت خصصوه للصلاة، فعقدنا معهم قبيل صلاة المغرب ندوة علمية تتضمن ما يلي: 1- كلمة ترحيب بالوفد ارتجلها بعض أعضاء المركز: عبد الله جمال الدين المصري. 2- كلمة ردّ التحية تفضّل بها أمير الوفد: صالح المحيسن عميد كلية الدعوة وأصول الدين. 3- كلمةٌ ألقاها كاتب هذه السطور: حماد بن محمد الأنصاري، تشتمل على شرح الحديث القدسي عن أبي هريرة: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين…) الحديث في (الموطأ) وغيره. وبعد صلاة المغرب تابعنا الندوة بالأسئلة من أعضاء المركز والإجابة عليها من الوفد، وبعد صلاة العشاء وتناول الشاهي والحلويات ودعناهم وودعونا على أننا سنسافر في مساء يوم الاثنين الموافق:20/3/1398هـ‍، وعلى أن يكون هذا اليوم آخر مطافنا بأسبانيا التي واجهتنا فيها مشاكل من أهمها: 1- أنك لا تجد مكانا للصلاة جماعة في تلك البلاد المتسخة بالكفر

وبغض الإسلام وأهله. 2- لا تكاد تدخل في مطعم من مطاعم إلا ويستقبلك الخمر والخنزير المعلّق على المشجب بعفونته ونتنه وقذارته مع التبرّج والسفور. نستغفر الله ونتوب إليه. 3- وصلنا إلى بلاد لا نحسن لغتهم ولا يحسنون لغتنا، بل لا تجد من يحسن منهم اللغة الانجليزية والفرنسية إلاّ نادرًا، ولكن قيّض الله لنا من الإخوان الذين وجدنا عددًا قليلاً منهم في أسبانيا من ترجم لنا ما يقولون عند الحاجة. وفي مساء يوم الاثنين الموافق 20/3/1398هـ‍ توجهنا راجعين إلى المغرب الأقصى في طائرة بيونج مغربية عن طريق مطار طنجة بوخريس عند مدخل الأندلس في العدوة التي تلي المغرب على شاطئ البحرين الأبيض والأطلس ينطحها كل من البحرين، فالأبيض من جهة الشرق والأطلسي من جهة الغرب، ولما وصلت بنا طائرتُنا إلى المطار المذكور أعلاه قبيل المغرب وقفت فيه مقدار أربعين دقيقة ثم واصلت سيرها إلى مطار النواصر بالدار البيضاء، وقد قطعت بنا بين المطارين نصف ساعة، فلما هبطت بنا في النواصر بعد غروب الشمس توجهنا بعد الإجراءات اللازمة في المطار إلى (فندق البحر المحيط الأطلسي) بالدار البيضاء، وبتنا فيه إلى الصباح، وعند رجوعنا هذا إلى المغرب من أسبانيا صادفنا أيضًا مناسبة أخرى وهي الاستعداد الكامل للاحتفال بجلوس الملك على العرش، حيث تغلق جميع الدوائر والمكتبات ثلاثة أيام. وفي صباح يوم الثلاثاء الموافق: 21/3/1398هـ‍ امتطينا حافلتنا إلى مدينة مرّاكش الحمراء جنوب الدار البيضاء، وتبعد هذه المدينة عن الدار البيضاء مائتين وستين كيلو، فوصلنا إلى مرّاكش قبيل الظهر. ومن حين وصولنا إلى المدينة الجديدة توجهنا إلى المدرسة الثانوية التي

يدرس فيها محمد عبد الرحمن المغراوي المتخرّج في الجامعة الإسلامية، فاستقبلنا فيها مديرها، وبعد تعريفه بالوفد ومهمّته دخلنا بمعيته في مكتبة المدرسة فتجولنا في أرجائها، وهي مكتبة غنية بمهمات المطبوعات العربية، ثم استمرّ التجوال إلى كلية اللغة التي بجانبها خزانة ابن يوسف، فلما دخلنا فيها استقبلنا نائب المدير (فاخر) وتجول معنا في مكتبها أي: في مكتبة الكلية، ثم مرّ بنا إلى الخزانة التي بلصقها، فوجدنا هذه الخزانة مشتملة على مخطوطات كثيرة عليها آثار القدم والإهمال بجانب ما فيها من المطبوعات فاستعرضنا فهرسها الكبير، ولكن لم نجد فيه شيئًا يلفت النظر إلاّ كتابًا واحدًا باسم: (أسباب نزول القرآن) للحافظ ابن حجر، وجدنا هذا الكتاب وافيًا في موضوعه، فقيّدناه برقمه، وقد منعنا من تصويره هو وغيره من الكتب التي وجدناها في الخزانة العامة بالرباط، وبالمكتبة العليا منعنا من تصوير هذه الكتب الأمور التالية: أ- أننا صادفنا المغرب وهم مستعدون تمام الاستعداد بجميع مدنه وقراه للاحتفال بالمولد، ولذا أعلنوا أن المكتبات والدوائر الحكومية تغلق في مدة أربعة أيام، وهذا هو السبب في تغير برنامج الرحلة حيث صرفناه عن المغرب إلى أسبانيا. ب- عدم وجود آلة تصوير في تلك المكتبات إلاّ آلة واحدة في الخزانة العامة بالرباط العاصمة، وجدنا هذه الآلة عليها زحمة بحيث لا نتمكن من تصوير ما قيدناه من المخطوطات في تلك المكتبات، فمن ثَمّ اقترح بعض المسؤولين الكبار في الرباط وغيره أن نرفع إلى الجامعة الإسلامية أن المكتبات بالمغرب في حاجة ماسّة إلى إيجاد آلة تصوير كبيرة تُقَوَّمُ بمائة ألف ريال سعودي. وقد سبق عرضُ هذا المشروع من قبل المسؤولين هناك على جامعة الملك عبد العزيز فأسهمت فيه بستين ألف وبقي من القيمة أربعون ألفا، وهذا المبلغُ

الباقي يقترحون أن تتحمله الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. وفعلاً وافقت الجامعة الإسلامية على دفع هذا المبلغ لكي يتيسر تصوير ذلك التراث المخزون بالمغرب لحفظه لمن أراد ذلك. فلما انتهينا من استعراض الفهرس المذكور أعلاه انطلقنا بعضنا إلى المطعم قبيل الظهر بعد انتهاء الدوام لتناول الغداء وانطلق البعض إلى فندق المرابطين بمرّاكش القديمة، وتقيلنا في تلك البلدة إلى أن صلينا العصر، ثم توجهنا راجعين إلى الدار البيضاء فوصلناها بعد العشاء فنزلنا في فندق يسمى فندق المنصور في وسط البلد وهو فندقٌ كبير من الدرجة الأولى من فنادق الدار البيضاء. ولما أصبحنا يوم الأربعاء الموافق: 22/3/1398هـ‍ رأينا أن نستريح يومنا ذلك ليقضي كل من أراد منا حاجته في البلد براحة، وفي صباح يوم الخميس الموافق 23/3/1398هـ‍ توجهنا إلى مطار النواصر الدولي بالمملكة المغربية بعد الفطور بالتوقيت المغربي للتوجه إلى أرض الوطن، ولما انتهت الإجراءات اللازمة من الجوازات والجمرك ووزن العفش أقلتنا طائرة سعودية من طراز بونج (77) الساعة العاشرة والنصف زوالاً إلى جدّة مارِّين على الجزائز وليبيا، وقد وقفت بنا في كل من ليبيا والجزائر مقدار خمس وأربعين دقيقة، ثم استمرت مواصلة سيرها في جبال من السحب المتراكمة إلى أن وصلنا جدة بعد العشاء الساعة الحادية عشر ليلاً، فوجدنا مندوب الجامعة الإسلامية باكريم ينتظرنا في المطار بسيارتين أعدهما لحمل العفش والوفد، وقد حجز لنا جناحًا في فندق الرحاب، فبتنا في هذا الفندق ليلة الجمعة الموافق 25/3/1398هـ‍ منتظرين الطائرة التي تتوجه إلى المدينة المنورة بعد المساء، وبعد صلاة العصر يوم الجمعة توجهنا إلى مطار جدة، فأقلتنا طائرة بوينج سعودية إلى المدينة النبوية، فوصلنا بسلامة الله ورعايته وحفظه قبل المغرب ليلة السبت الموافق 25/3/1398هـ‍.

وهنا انتهت الرحلة المغربية الاسبانية الناجحة بفضل الله وتوفيقه.

مقترحات وطلبات

مقترحات وطلبات: أولاً: يقترح الوفد توصية المشايخ في الدراسات العليا والكليات بعنايتهم بالطلبة، وذلك بتدريبهم على المطالعة وعلى معرفة المراجع التي يحتاجون إليها، سواء كانت مطبوعة أو مخطوطة في أيِّ مكان كانت هذه المراجع. ثانياً: تزويد كل وفد توفده الجامعة الإسلامية بمبلغ من المال لمساعدة الهيئات والمراكز الإسلامية الذين يستقبلون الوفد في أي بلدٍ ينزل فيه الوفد. ثالثاً: يقترح على المسؤولين في الجامعة الإسلامية أن تكون الرحلات المبعوثة من قبل الجامعة إلى الخارج حاملة للصفة الرسمية، لأن ذلك يساعد على إنهاء الإجراءات اللازمة من قبل المسؤولين هناك. رابعا: مما ينبغي بل من الأحسن الأوكد: أن تتعاهد الجامعة الإسلامية، وتتفقد تلك المراكز الإسلامية والجمعيات في مختلف البلدان لحاجتهم الماسة إلى هذا التفقُّد. خامساً: تفويض الوفود المبتعثة من قبل الجامعة لاختيار من يرون صالحًا للالتحاق بالجامعة الإسلامية من الطلبة. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وسلم. 5/4/1398هـ‍

محاضرة بعنوان لقاء مفتوح في مسجد اليحيوي بالمدينة النبوية

محاضرة بعنوان لقاء مفتوح في مسجد اليحيوي بالمدينة النبوية. مع فضيلة الشيخ حماد الأنصاري. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فمعنا في هذه الليلة فضيلة الوالد الشيخ أبو عبد اللطيف حمّاد بن محمد الأنصاري. الأستاذ بالجامعة الإسلامية، وهو أحد شيوخ الجامعة الكبار الذين تخرّج عليه عددٌ من المشايخ وطلبة العلم، وهو من المتخصّصين بعلوم كثيرة غلب عليها علم الحديث وعلومه. والشيخ أبو عبد اللطيف حفظه الله ممن نذرَ نفسَه لخدمة العلم وطلاّبه، وشاهد ذلك: فتحه مكتبته العامرة كل يوم صباحًا وعصرًا، فهو أحدُ كنوز المدينة المنورة الذي يجب على طلبة العلم اغتنام هذه الفرصة والتتلمذ على يديه. وقد شرّفنا حفظه الله في هذه الليلة بلقاء مفتوح مع فضيلته في علم الحديث وعلومه. نسأل الله تعالى أن يكتب له الخطى، وأن يجزل له المثوبة والأجر، وأن يسكننا وإيّاه فسيح جنّاته، إنّه وليّ ذلك والقادرُ عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فإنّ أصدق الحديث: كتاب الله، وخير الهدْي: هدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشرّ الأمور: محدَثاتُها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار. ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله. أيها الإخوة الكرام. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في هذه الليلة المباركة أستغلّ هذه الفرصة لمدارسة ما تيسّر من العلوم النافعة التي في مقدّمتها علم الحديث، أعني: علم الحديث رواية ودراية، لأنّ علم الحديث ينقسم قسمين كما تعرفون علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية، فرأيتُ في هذه المناسبة أن أبدأَ بالحديث القدسي الذي يتضمّن مسائل عديدة لا بدّ لمن يرغب في العلم من أن يأخذ بطرفٍ منها، ألا وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجَه الإمام مالك في (موطئه) قال أبو هريرة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقول الله عز وجل: "من قال: {الحمد لله رب العالمين} قال الله عز وجل: حمدني عبدي، وإذا قال العبدُ: {الرحمن الرحيم} قال الله عز وجل: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال العبدُ: {مالك يوم الدين} قال الله عز وجل: مجّدني عبدي وفي قراءة: إذا قال العبد: {ملك يوم الدين} قراءتان متواترتان، قال الله: مجّدني عبدي، وإذا قال العبدُ: {إياك نعبد وإياك نستعين} يقول الله عز وجل: هذا لي ولعبدي ما سأل" أي: {إياك نعبد} له، و {إياك نستعين} للعبد وللعبد ما سأل،

"وإذا قال العبد: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} يقول الله عز وجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل". هذا الحديث يسمّى عند أهل الحديث: (الحديث القدسي) ومعنى كونه أو تسميته بهذا اللقب أنّ هذا الحديث فيه تقديس الله عز وجل وتنزيهه عن مشابهة ذاته وصفاته وأسمائه بذات وصفات وأسماء المخلوقات، ويتضمن سورة عظيمة بتفاصيل ما فيها من هذه المعاني الجليلة، لأن الله عز وجل سمى هذه السورة التي شرحها هذا الحديث القدسي في سورة الحجر بقوله: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم} القرآن العظيم هو الفاتحة التي فصلها هذا الحديث القدسي. والأحاديث القدسية كثيرة، ولكن أغلبها إمّا مكذوبة موضوعة وإمّا ضعيفة جدًّا وإمّا ضعيفة فقط، وهذا هو الأغلب على هذا النوع من علم الحديث، وهو ما يسمّى بالأحاديث القدسية. والحديث القدسي إذا صحّ وثبت سندُه يجب أن تقول: إنه كلام الله بلّغه عنه نبيّه صلى الله عليه وسلم، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول، يقول أبو هريرة أولاً: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقول الله، القولُ إذا أُطلق فهو يشمل اللفظ والمعنى، أما ما يقولُه الخرافيّون أو المعطِّلون أو المشبِّهون أو المؤوِّلون من أنّ القول يأتي غير شامل للفظ والمعنى: فهذا قولٌ في غاية من البطلان، ليس بصحيح، هذا قولٌ تذرّعوا إليه أو به إلى إنكار ما أثبت الله عز وجل وما أثبته رسول الله عليه الصلاة والسلام لله عز وجل من صفاته العلى وأسمائه الحسنى. فهذا الحديث القدسي أفرده بعض العلماء بالتأليف في مقدمتهم الحافظ ابن عبد البر حافظ المغرب والأندلس أفرده بتأليف سماه (الإنصاف في الاختلاف في البسملة) ، وهو مطبوع ومنتشر، وينبغي لمن كان يرغب التحقيق

في هذه المسألة التي أشار إليها الحافظ ابن عبد البر بهذا العنوان أن يطلع على هذا الكتاب، وهو ليس بكبير ولا بصغير بل متوسّط فابن عبد البر كغيره من المحققين يعرف أن العلماء اختلفوا هل البسملة من الفاتحة؟، هل البسملة في كل سورة من السور أم لا؟. يريد أن يعطينا فكرة مدعومة بالنصوص القرآنية والنصوص النبوية في الراجح من القولين في هذه الرسالة الجيدة التي ما رأينا أحدًا ألّف مثلَها في هذا الموضوع، فينبغي أن يطلع عليها من يرغب في تحقيق هذه المسألة. وأنا لماذا آثرت أنا أقدِّم بهذا الحديث الشريف الصحيح الذي أخرجه عددٌ كبيرٌ من المحدِّثين، ولكن كلهم عن طريق الإمام مالك، وهو حديثٌ صحيح وقلّ أن تجد حديثًا صحيحًا قدسيًّا إلا أعدادًا تعدّ باللسان، إلاّ أنهم ألّفوا فيها كتبًا كثيرة، ولكن إذا نظرتَ فيها وأنت من أهل الخبرة بهذا العلم تجد أن عشرة في المائة هو الصحيح وما سوى ذلك إمّا موضوع وإما ضعيف وإما ضعيف فقط. فهذا الحديث الشريف الذي يشتمل على معاني عديدة معاني لا يستغني عنها طالب علم أولاً: أن الحديث تفصيل لما تضمّنته سورة الفاتحة بجميع أنواعه وإن كنا لا يوجد عندنا وقت واسعٌ للمرور على عُشر ذلك، فنحن نطبق الآية الكريمة: {فاتقوا اللهَ ما استطعتم} ، وهذه الآية نسخت كثيرًا من الآيات {فاتقوا الله ما استطعتم} فأنت إذا كنت عاجزًا على أن تعمل عملاً ينبغي لك أن تستحضر هذه الآية: {فاتقوا الله ما استطعتم} إذا عملت ما استطعت من العمل كتبه الله لك كله فإن الله كريمٌ ما يعطيك بعضه لأنك عجزت على أن تفعله كاملاً، فإن الله عز وجل كريم، يقول أبو هريرة رضي الله عنه الصحابي الجليل الذي ظلمه بعض الناس وليس لأبي هريرة ذنب يستحق أن توجه إليه التّهم أو توجّه

إليه الظنون، إلاّ أن الله عز وجل أعطاه من الحفظ للسنة ما ليس لغيره، اللهم إلاّ عبد الله بن عمرو، وقد بينا أنه كان يكتب وهو لا يكتب والكتابة تحفظ لك المحفوظات أكثر من الاعتماد على الحفظ غيبًا، قد ينسى الإنسان ولكن ما دام أنه مكتوب إذا أحسست بشيءٍ من النسيان تنظر إليه وتنتبه، وعبد الله ابن عمرو يكتب، وهو أكثر الصحابة حديثًا، وأبو هريرة ينافسه في هذا وإن كان أبو هريرة لا يكتب، فلهذا هذا الصحابي الجليل يستحقّ التقدير والاحترام بدلاً مما واجهه به من لم يعرف قيمته ووزنه وليس له ذنب إلاّ أنه حفظ لنا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يحفظه غيرُه، اللهم إلاّ عبد الله بن عمرو. يقول في هذا الحديث القدسي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقول الله عز وجل: إذا قال العبدُ: {الحمد لله} ، الحمد لله: أول سورة الفاتحة… إلى آخر الحديث كلّه". وقد خصت الفاتحة بهذا الحديث دون غيرها من سور القرآن البالغة مائة وأربع عشرة، وليس في القرآن سورة اشتملت على ما ذكره هذا الحديث حول سورة الفاتحة، ولهذا ينبغي للذي يريد أن يحصل له نصيبٌ من العلم الشريف حديثًا وقرآنًا أن يُعنى بالتفكّر في سورة الفاتحة. سورة الفاتحة سورةٌ عظيمة لا يوجد في القرآن مثلها، وسمّاها الله عز وجل {القرآن العظيم} ، ما قال {العظيم} دون {القرآن} . الفاتحة هي القرآن كله: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآنَ العظيم} {سبعًا من المثاني} الفاتحة: سبع آيات من المثاني، وهي تثنى وتقرأ في كل ركعة، لو قرأت القرآن من سورة البقرة إلى سورة الناس ولم تقرأ الفاتحة في الصلاة فصلاتُك باطلة، ولكن لو قرأت سورة الفاتحة فقط ولم تقرأ معها غيرها فصلاتك صحيحة. انتبه إلى هذا!، هذا معنى {القرآن العظيم} ، الفاتحة هي

القرآن العظيم، وأنتم تعرفون أن القرآن يبحث عن أمور بإيجاز يبحث عن ثلاثة أمور، وبالبسط يبحث عن ستة أمور كلها ترجع إلى الثلاثة، انتبهوا لهذا! فالتفقه في القرآن هو المطلوب وليس المطلوب كثرة الرواية، المطلوب الدراية للرواية، الإمام مالك يقول: "ليس العلمُ بكثرة الرواية، وإنما العلمُ بالدراية"، ما معنى الدراية؟، التفقّه في القرآن والسنة، أما الهذرمة فهذا ليس بعلم، العلم أن: تقرأ الآية وتقف عندها وتتدبرها وتفهم ماذا تشتمل عليه من الفقه كما في حديث معاوية: "من يرد الله به خيرًا يفقّه في الدين". هذا هو الدراية: الفقه في القرآن، الفقه في السنة، وهذا مفقود الآن في أغلب الناس، سواء كان طالب علم أو غيره، بل إنما يريد أن يستعجل فقط ويقضي الوقت بدون فهم، لا، القرآن ما نزل إلاّ للتفقّه فيه: {أفلا يتدبّرون القرآنَ أم على قلوبٍ أقفالها} الذي لا يتدبّر في القرآن ولا في السنة قد برهن على أنّ على قلبه قفلاً، والقفل إذا كان على الباب بدون مفتاح ما تستطيع أن تدخل أبدًا، إذْ يجب عليك أن يكون معك مفتاح. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيرًا يفقّه في الدين". ما هو الدين الذي إذا أراد الله بنا خيرًا فقّهنا فيه؟. أمور الدين ثلاثة لا رابعَ لها هي: الإسلام، والإيمان، والإحسان هذا هو الدين المطلوب التفقّه فيه. من ماذا أخذناه؟، أخذناه من حديث جبريل عليه السلام لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان أجاب النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب جبريل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "أدرك الرجل"، وذهب عمر ليدرك جبريل فلم يدركه، فرجع فقال: ما رأيتُه، فقال: "هذا جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم". فهذه الكلمة أعطتنا فكرة متكاملة عن معنى الدين والإسلام أركانه

خمسة، والإيمان أركانه ستة، والإحسان مقامتان. هذا هو الدين الذي علمنا جبريل عليه السلام عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يجب أن يفهم وأن يعرف ليعمل به. وإذا لم تفقه القرآن لم تعمل بالقرآن، القرآن رسالة أرسلت إلينا من الله عز وجل لنقرأها ونتفقّه بها ونعمل بمقتضاها، وإذا خلا شيءٌ من هذا فإنك لعّاب بالقرآن، ما نزل القرآن لتلعب به، نزل لتدرسه وتتفقّه فيه وتعمل بمقتضاه وبدون فهم لن تعمل بمقتضاه، {أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها} . وذكر الله لنا عز وجل في سورة الأعراف كلمتين ينبغي أن ننتبه لها دائمًا حينما نقرأ القرآن وحينما نقرأ الحديث: قال الله عز وجل في سورة الأعراف: {المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى} إنذار وتذكير، ما معنى إنذار وتذكير؟، إنذار: ترهيب عن المعاصي، ذكرى: تذكير بامتثال أوامره، لأنّ الله عز وجل حصر القرآن في ثلاثة أمور من سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس: أولا: التوحيد، ثانيًا: الترغيب، ثالثًا: الترهيب، هذا هو القرآن بالإيجاز. اقرأ القرآن وتدبّره فإنّك تجد ذلك في غاية من البيان والوضوح أنّ كتاب الله عز وجل كثيرًا ما يقول: {بسلطان مبين} كلما جاءت حجة يقول: {مبين} ما معنى مبين؟، المعنى واضح، القرآن كلام عربي واضح، الذي يريد أن يفقهه ويفهمه يوفقه الله عز وجل، ومن لا يريد ذلك يتّخذه لعبًا فهذا أضرّ بنفسه. وهذا الحديث الشريف كما سمعتم حديث انحصر في سورة الفاتحة، وهو حديثٌ صحيح. وما هو الحديث الصحيح؟.

هو الحديث الذي استوفى خمسة شروط لا سادس لها: الحديث الصحيح هو الذي رواه ثقة ضابط، وليس فيه علة قادحة، وليس بشاذ، متّصل السند. إذا وجدت حديثًا اختلّ منه واحد من الخمسة لا تقربه ولا تحتج به ولا تعمل به أبدًا. يقول الحميدي تلميذ ابن حزم، يقول لتلامذته حينما يدرّس الحديث يوصيهم ويقول لهم: أيها الإخوة الكرام أوصيكم بثلاثة أمور في الحديث، فإنكم إذا حرصتم وعَنِيتُم بهذه الثلاثة تكونون محدّثين تفقهون الحديث، قالوا: ما هي؟، قال لهم: أولاً: علم العلل. ثانيًا: المختلف والمؤتلف. ثالثًا: وفيات الرواة. قالوا له: وهل فيها كتب نبحث عنها؟، فقال لهم: نعم، فالعلل فيه كتب كثيرة، ولكن لا يوجد فيها كتاب يغني عن تلك الكتب الكثيرة إلاّ واحد وهو "العلل" للدارقطني. "العلل" للدارقطني لم يؤلف في العلل مثله إلى يومنا هذا، فقال لهم: عليكم بهذا. 2- "المختلف والمؤتلف": قال لهم هناك كتب لا تحصى ولكن ما فيها كتاب يغني عن الآخر إلاّ واحد إلاّ "الإكمال" لابن ماكولا. 3- "الوفيات": قال: الوفيات مكتوب فيها كثير، ولكن لا يوجد كتاب يغني عن تلك الكتب إلى الآن، وإنما عليكم أن تبحثوا. وعلّق الذهبي على هذه الكلمة بهذا التعليق الذي يستحق أن يكتب بماء

الذهب الأبيض والأحمر. قال الذهبي رحمه الله إمامُ عصره في هذا العلم، قال: وهذه الكلمة من الحميدي هي التي جعلتني اهتممت واعتنيت بأنّ ألف في الوفيات كتابًا يغني عن كلّ ما ألف في هذا الموضوع، فألّف كتابَه المشهور: "تاريخ الإسلام الكبير"، وهو ثلاثون مجلّدًا مخطوط. انظر لتلك الهمم العالية التي وفق لها سلفنا وتخلفنا عنها. ثلاثون مجلّدًا متى تقرأه؟، كم الوقت الذي يتطلّبه قراءة ثلاثين مجلّدًا؟، الجواب: سيكون وقتًا طويلاً. ولهذا قال أهل التحقيق في هذا الباب، وهذا هو الذي أيضًا جعل الذهبي رحمه الله وأسكنَه جنة الفردوس أن يختصره بـ"سير أعلام النبلاء"، ولم يقف الذهبي عند هذه النقطة. فاختصر "السير" بـ"العبر في تاريخ مَن غبر". ولم يقتصر على هذا أيضًا فاختصر "العبر" بـ"الإشارات في الوفيات"، واختصر "الإشارات في الوفيات" بـ"الإعلام لتراجم الأعلام". انظر لو تتبعت كتب الذهبي من أوّلها إلى آخرها كلها مختصرات أصلها "تاريخ الإسلام الكبير". "تذكرة الحفّاظ" هذا من "تاريخ الإسلام الكبير". وهكذا كُتُبُ الذهبي في هذا الموضوع، وكذلك: "ديوان الضعفاء"، وكذلك "المغني في الضعفاء"، وكذلك: "ذيل الديوان"، وكذلك: "ذيل المغني"، وكذلك: "الآثار في الأمصار".

يعني: كُتُبُ الذهبي اليوم لو اشتغلنا بها وبحثنا عنها نجدها كلها، وإذا درسناها ننافس الذهبي وإن لم نصل إلى درجته، فهذا الإمام الكبير يقول عن نفسه: لما جئت حاجًّا إلى مكة وطفت وسعيت شربت ماء زمزم فسألت الله عز وجل أن أحفظ الحديث وعلومَه، وسأل الله عز وجل أن يكون مثل الحافظ البرزالي. وجاء الذهبي بعد ذلك فوق البرزالي. وجاء الحافظ ابن حجر الذي حمل العلم بعد الذهبي يقول عن نفسه: أنا لما جئت حاجًّا وطفت وسعيت شربت ماء زمزم نويت أن أكون كالذهبي في حفظ الحديث وعلّق الحافظ على هذه الكلمة بقوله: قد وصلت إلى الذهبي وتمنيت أني لم أتقيّد به فيما كتبت قبل، لأنّ كل المراجع التي اطلع عليها اطلعت عليها وزيادة ا. هـ. هكذا الهمة. أما ترى الحبل بتكراره ... في الصخرة الصماء قد أثر فما علينا إلاّ أن نسأل الله عز وجل العون والتوفيق، فإننا سننجح بإذن الله كما نجحوا. هذا فيما يتعلّق بصناعة هذا الحديث الشريف الصحيح الذي ينبغي أن يكون دومًا وأبدًا نصب أعيننا. هذا الحديث فيه من المعاني ما لم تجده في غيره من الأحاديث يكفيك دليلاً على ذلك أنّه فَصَّل ما تشتمل عليه سورة الفاتحة. الفاتحة مشتملةٌ على جميع القرآن من سورة البقرة إلى آخر سورة الناس، لأنّ القرآن يبحث عن ثلاثة أشياء: توحيد، ترغيب، ترهيب: أو توحيد، أمر، نهي، أو توحيد حرام، حلال، إن شئت أن تقول هذه

وإن شئت أن تقول هذه، الجميع بمعنى واحد. الترغيب والترهيب معناهما: الأمر، والنهي، أو الحلال والحرام. التوحيد ينقسم إلى أقسام: أولاً: ينقسم قسمين، ثم ينقسم ثلاثة، ثم ينقسم أربعة، هذا أيضًا ينبغي أن يكون على البال لا سيّما على بال طلبة العلم، لا سيما على بال طلبة الجامعة الإسلامية: التوحيد أولاً: ينقسم قسمين: توحيد في المعرفة، وتوحيد في القصد والطلب، وكلّ من القسمين ينقسم قسمين: توحيد في المعرفة والإثبات، ينقسم قسمين: أولاً: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات. وأما التوحيد في القصد والطلب فكذلك ينقسم قسمين: توحيد في الألوهية أي العبادة، وتوحيد في المتابعة. وإذا نحن أعدنا النظرَ في هذا التقسيم يكون أمامَنا تقسيم ثنائي ثم تقسيم ثلاثي، ثم تقسيم رباعي، والجميع في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، وعليه إجماع الصحابة والتابعين ومَن تبعهم إلى يوم الدين. قد يقول سائل: ما معنى التوحيد في المعرفة والإثبات؟. معناه: التوحيد الخبري: التوحيد الذي لا يمكن أن تعرفه من تلقاء نفسك، لا بدّ من الخبر عن الله أو الخبر عن رسوله صلى الله عليه وسلم. من أين لك أن تجيء بأسماء الله وصفاته؟، ما عندك كيس يحويها، إذن، كيف تعرفها؟.

تعرفها من كتاب الله العليم بكلِّ شيء، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي علمه، ولا يمكن أن تتعلم إلا عن طريقهما. أما التوحيد في القصد والطلب: توحيد العبادة، وتوحيد المتابعة، يسمى التوحيد الإرادي ومعناه: عبادة الله عز وجل لا يراد بها إلا الله فالذي يعبد الله عز وجل لا بدّ أن يكون مخلصًا لله في العبادة قال تعالى: {فاعبد الله مخلصًا له الدين} هذا معنى التوحيد الإرادي. ولقد جرى بحث بيني وبين بعض الناس عن هذا التقسيم، وقالوا: هذا ما سمعناه من مشايخنا، قلت لهم: هل مشايخكم سمعتم منهم كل شيء؟، قالوا: لا، فقلت: الشيء الذي لم تسمعوه من مشايخكم وسمعتموه من غير مشايخكم يجب عليكم أن تحرصوا عليه. ثم التقيت بأحد المشايخ فقال لي: أنت تقول: التوحيد يصلح أن يقسم إلى ثنائي وثلاثي ورباعي؟، قلت: هذا هو الحقّ، ومن قال غير هذا فهو جاهل لهذا التقسيم يجب أن يتعلمه، فقال: لا أبدًا، قلت: والعياذ بالله تعالى. اشرح لي لا إله إلا الله محمد رسول الله، ما معنى هذه الكلمة؟، فبُهت لأنّ إنكاره هذا التقسيم الثلاثي الرباعي معناه أنه ينكر أنّ كلمة الإخلاص تشتمل على نوعين من التوحيد: "لا إله إلا الله" الشق الأول: توحيد العبادة. "محمد رسول الله" الشق الثاني: توحيد المتابعة. فقد غفل، وهو لا يُسْتَنكَرُ عليه أن يغفل، ولكن أنكرت عليه ذلك لأنّه أخذ معنا مدة تبلغ عشرين سنة، فمِن هنا أنكرت، وإلاّ لو كان في أول أمرِه لا أُنكِرُ عليه، لأنَّ الأشعريّة الكلاّبية الذين عاش بينَهم والمعتزلة الزيديّة والحنفية

الماتوردية الذين اجتمع معهم لا يعرفون هذا النوعَ من التوحيد، فلهذا أنكرتُ عليه وقلت له: اسمع! يجب عليك أن تدرس هذه المسألة من جديد، والآن فالجامعة أُسِّست لتعليم التوحيد لمن لا يعرفه، فقال: أنظر، قلت: عجيب! تنظر في مسألة دراسة التوحيد؟، الواجب أن تبادر حتى تعرف معنى "لا إله إلا الله، محمد رسول الله". قلت لكم هذه القصة لكي تنتبهوا، فهناك من لو سمعك تقول إنَّ التوحيد ينقسم ثنائي وثلاثي ورباعي لم يقبل منك. وأنتم عرفت معنى كون التوحيد ثنائي ومعنى كونه ثلاثي ومعنى كونه رباعي، وهذا كله في أول الفاتحة، وسنعرج على ذلك بتفصيل. واعلموا: أنّ هذه السورة التي سمّاها الله عز وجل {القرآن العظيم} بدأها الله عز وجل بالتوحيد، وجعلها في أول القرآن، هذا لحكمٍ كثيرة ينبغي أن نعرّج على ما تيسّر منها: منها: أن الله عز وجل بدأ كتابه بهذه السورة التي بدأها بالتوحيد إشارة إلى أن أول واجب يجب أن يُدَرَّسَ في أي مجال وفي أي احتفال وفي أي ندوة وفي أي مدرسة في الدنيا هو التوحيد، أول مدرسة تفتح هي التوحيد، كما أن المدرسة الأولى التي فتحها الله عز وجل لنا في كتابه هي مدرسة التوحيد في سورة الفاتحة. انظر هنا لَمّا بدأ كتابه بالتوحيد وبدأ كتابه بالسورة الشاملة للتوحيد وغيره ختم كتابه بالتوحيد سورة الناس أوَ ليْست هي آخر القرآن؟، بلى، لا يقل أحد نعم، لأنّه إذا قال نعم أخطأ. بسم الله الرحمن الرحيم: {قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس}

هذه تقسيمات التوحيد الثنائية والثلاثية والرباعية، وفيها إشارتان: الإشارة الأولى: إلى أنه عز وجل ختّم القرآن بالتوحيد كما بدأه لنا بالتوحيد إشارة إلى أنّ آخر ما يجب عليك أن تموتَ عليه هو التوحيد {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} أي: موحِّدون. فختم الكتاب بنفس التوحيد الذي بدأ به الكتاب. "ثم قال المحاضر" (1) : أغلب الذين اشتغلوا بعلم البلاغة المفيد المعتزلة الزيديّة والأشعرية الكلاّبية والحنفية الماتوريدية، فكمْ هؤلاء؟، هذه ثلاثية اشتغلوا بهذا العلم، وهو علمٌ مفيد يساعدك على الإطلاع على أسرار القرآن والسنة النبوية، ولكن استغلّه أولئك لأجل جعل ما هم عليه من الخروج عن الجادّة من الإيمان بأسماء الله والإيمان بصفات الله. فهؤلاء الثلاثة إما معطِّلون بحت، وإما مُؤَوِّلُون قح، وإما منكرون كليةً، هكذا هم، فانتبهوا لهذا. اعلموا: أنَّ ما كل من سمع هذا التوحيد تقبله، فبيّن الله عز وجل لنا في آخر هذه السورة من قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} إلى آخر السورة أن الناس لما جاءت هذه السورة وقفوا من هذا التوحيد ثلاثة مواقف: صنفٌ درسه وعمل بمقتضاه، وهم الذين قال عنهم: {صراط الذين أنعمت عليهم} من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، هذا الصنف الأول ما موقفه من التوحيد المذكور في أول السورة؟، عمل بمقتضاه.

_ (1) مبحثٌ مفيدٌ جدًّا. اهـ (عبد الأول) .

والصنف الثاني: مفهوم قوله: {غير المغضوب عليهم} المغضوب عليهم مثّلهم النبي صلى الله عليه وسلم باليهود الملاعين، لأنّ هذا الصنف عرفوا هذا التوحيد ولكنهم لم يعملوا به، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ولكنهم لم يعملوا بمقتضاه، بل العكس أنكروه وأنكروا نبوّة النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: {عزير بن الله} ، و {المسيح ابن الله} . فالصنف الأول العلماء العاملون بالتوحيد، والصنف الثاني العلماء غير العالمين بالتوحيد. والصنف الثالث: مفهوم: {ولا الضالين} الضالين أي: الجاهلين، وهم النصارى. إذن عرفنا أن هذه السورة العظيمة التي لو وقفنا لشرح ما اشتملت عليه يتطلب منا أن نبدأ بسورة البقرة إلى آخر سورة الناس، فعبد الله بن عمر أخذ في سورة البقرة يحفظها ويتدبّرها ثماني سنوات، وهو أفقه منا بالقرآن، وأما نحن الغافلون الكسالى نأخذ على الأقل خمسين سنة ولا نصل إلى نهاية، انتبهوا إلى هذا. وهل ابن عمر رضي الله عنه يصعب عليه أن يحفظ سورة البقرة وسورة الفاتحة، ولكن أخذ ثمان سنوات وهو يقرأ لأنهم يقرأون كما تعرفون علمًا وعملاً لا للأغنية لا للتغني ولا للتكسّب، فالقرآن يقرأ للعمل والعلم والسنة كذلك، فحق القرآن عليك أن تتعلمه وتعمل به، وهكذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى كلِّ حال فقد أكثرتُ عليكم وفوّتكم معنى العنوان الذي هو خلفي الذي أعرف القصد منه، ولكن أردت استغلال الوقت الذي إذا ذهب ما أظنه أنه يعود وإن عاد قد لا يكون كما ينبغي، لأني ضعيف، أكلمكم وأنا ضعيف أكاد أن أسقط، ولكن الحماس الذي تسمعونه هذا لأني أقرأ القرآن.

وأسأل الله عز وجل رب العرش العظيم أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين من الذين يستمعون القولَ فيتّبعون أحسنَه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. "ثم قال المحاضر": مَن عنده إشكال في مسألة علمية ولا يسأل عن غير العلم، بل يسأل في تفسير آية، أو في تفسير حديث، أو في صحة حديث، أو تضعيف حديث، أو في العقيدة هل هذه العقيدة صحيحة، أو في ترجمة رجل هل هو ثقة أو غير ثقة، أو إعراب كلمة نحوية، أو مفردات لغوية، أو بلاغية، أو أصولية، يطرح سؤاله في أي علم من هذه العلوم، أما في غير هذا فممنوع، وإن سأل عن غير هذا يؤدَّب، انتبهوا لهذا، فهذا تهديد حتى لا تخرجوا عن المطلوب اللازم إلى غير لازم. "جزئ الله فضيلة الشيخ خير الجزاء وأجزل له الأجر والمثوبة". ونستعرض فيما بقي بعض الأسئلة التي وردتنا ونعتذر عن بقية الأسئلة لضيق الوقت. فضيلة الشيخ كيف يفرِّق طالب العلم بين المتابع والشاهد؟. أنا أريد أسئلة علميّة هكذا حتى أستفيد أنا بنفسي قبلَكم، أما الأسئلة غير ذلك لا تذكر وخاصة في هذا العصر الخطير الذي استغله العدوّ لدفع شبابنا إلى ما لا يصلح لهم ولا يعنيهم. أيها الإخوة الكرام الأخ الكريم يسأل عن التفرقة بين الشاهد والمتابع. والأحاديث أولاً تنقسم ثلاثة أقسام عند أهل الحديث: صحيح، حسن، ضعيف، وفي الزمان الأول ينقسم قسمين فقط في أيّام الإمام أحمد وقبله، وهما الصحيح والضعيف، ثم تطوّر على حسب تطوّر المعلومات للتقريب، ليس معنى

ذلك أن الإمام أحمد والإمام مالك قبله والإمام الشافعي لا يعرفونه، فهذا على حسب الوقت، فالوقت يختلف فوقت الإمام مالك مثلاً لا يحتاج إلى البسط لأن الله عز وجل منحهم من الذّهن ما لم يمنح مَن بعدَهم، ففي الحديث: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، هكذا ترتيب الناس، وهكذا ترتيبهم في الفقه والحفظ، فأيّام المتقدمين الذين قال عنهم ابن مالك في "ألفيته": ما أصح علم من تقدما علم من تقدم هو الصحيح، فإذا كان عندنا علمُ من تقدم نستغني عن علم من تأخر، وإذا لم يكن عندنا نأخذ من باب الإفادة. وهذا التقسيم الثنائي أو الثلاثي منه قسم يلقبونه بالضعيف، والضعيف أنواعٌ كثيرة وشرُّه وأخبثُه: الموضوع. الموضوع معناه: الكذب، إذا كان الحديث يحمل لقب ضعيف فيه تدليس أو سيء الحفظ، كيف نتعامل معه؟، أبحث عن شاهد أو متابع، الشاهد معناه إذا كان الحديث عن ابن عمر "صحابي" أبحث عن صحابي آخر رواه لكي تتقوّى رواية ابن عمر، فمثلاً وجدنا رواية عن ابن مسعود عندئذ يتقوّى الحديث ما دام السندان مختلفين، وليس في أحدهما كذّاب، فالشاهد إذًا رواية الصحابي دعمت رواية صحابي آخر. أما المتابِع ينقسم قسمين: إذا كان الحديث رواه راوي تابعي عن صحابي والتابعي هذا فيه ضعف ليس كذاب ماذا نعمل؟، نبحث ربما نجد تابعيًّا آخر رواه عن ابن عمر كما رواه هو، هذا ما يسمى بالمتابَعة التامة. أما المتابَعة القاصرة: تكون بين تابع التابعي، فالتامة بين التابعين، والقاصرة:

متابعة تابع التابعي، فهي قاصرة لأنها لم تكن في التابعي وإنما كانت في تابع التابعي. وهذا العلم علم جيّد. "ثم قال المحاضر": والفرق بين التأليف والتصنيف: أنَّ التأليف: الجمع بين الكلمات. التصنيف: تقسيم الموضوعات الكبيرة، مثلاً: كتاب الطهارة، كتاب الوضوء. أما التأليف: الجمع، سواء كان مبوّبًا أو غير مبوّب. أنواع علوم الحديث على الصحيح خمس وستون نوعًا كما ذكر الحافظ الخطيب وابن الصلاح وغيرهما، ولكن جاء البلقيني وزاد في كتابه "محاسن الاصطلاح" فأوصلَها إلى مائة، معناه: زاد خمسًا وثلاثين، ولكن لما تتبعنا بالدقة وجدنا أن الخمس والثلاثين كلها موجودة في الخمسة والستين، إنما أولئك ذكروها بالإيجاز وهو ذكرها بالإطناب والإطناب يفيد الكسالى لا يفيد المجدين فإنه يملّهم، ولذلك ما جاء بجديد عند أهل التحقيق. وهذه الخمسة والستون نوعًا الآن توجد المؤلفات فيها عندنا ولله الحمد والسبب في هذه الدولة السعودية التي بقيت للإسلام والعلم، ويجب علينا أن نقول كما يقول الإمام أحمد بن حنبل: "لو كان لي دعوةٌ أعلم بقبولها لصرفتُها للمسؤولين" لماذا؟؛ لأن صلاح المسؤولين هو صلاح الأمة، يجب علينا جميعًا أن نحرص على ما فيه مصلحة دينية ودنيوية لهذه الدولة التي بقيت للإسلام، فلو طرت إلى الشرق إلى الشمال لن تجد مثل هذه الدولة، فيجب

عليك أن تحذر أن تساعد العدو عليها، فالعدو يسهر طول الليل يبحث وهو عاجز، ولكن يعرف أن البيت لا يعرف من بداخله إلا أهله، ولذلك يبحث عنك، لا يجوز لك أن تنقاد للعدو ليذهب بدينك وأمتك، والعدو لا يرحمك: {ودّوا لو تكفرون كما كفروا} . أقف عند هذه الكلمة. اهـ.

قال الوالد (حياته)

قال الوالد حياته 1- قال الوالد:"حفظت كتاب اللغة للفيّومي (المصباح المنير) ؛ لأنّنا ملتزمون بحفظه في البلاد، وهو سهل. وأصلُ هذا الكتاب: أن الفيّوميّ أخذ الكلمات الغريبة التي في كتب الفقه وضمّها في كتابه". 2- سمعته يقول: "أنا مؤرّخ، لم أدخل بلدًا في الدنيا إلا كتبت تاريخَها، والله أعلم". 3- سمعت الوالد يقول: "محمد بن تركي شيخي درستُ عليه". قلت: يعني: أول مرة. 4- وسمعته يقول: "دخلتُ الرياض سنة 1374هـ‍". 5- وسمعته يقول:"كنت أُدَرِّس (مقدمة ابن الصلاح) في الرياض في المعهد". 6- سمعت الوالد يقول: "كنت كلما رأيتُ مخطوطة نسختُها". 7- سمعت الوالد يقول: "كنتُ قبل مرض العيون أقرأ المخطوطات بجميع خطوطها". 8- سمعت الوالد يقول: "العقيدة والتفسير وأصول الفقه والألفيّة كنت أُدرِّسها في الرياض، ويشاركني في التدريس منّاع القطّان". 9- سمعت الوالد يقول: "دَرَّستُ العلومَ الخمسة في البلاغة". 10- سمعت الوالد يقول: "كنا إذا اجتمعنا نحن طلبة العلم في البلاد لقراءة كتاب بصوت مرتفع للتدريب على القراءة الصحيحة بدون لحن نقول لمن أراد أن يقرأ: (إن الأرض مسبعة) أي: اعتبر نفسك غنمة بين سباع".

11- سمعت الوالد يقول: "كنا نعطل في يوم الأربعاء والخميس والجمعة في البلاد، وكان الطالب يُضمُّ إلى المدرسة أي الحلقات وعمرُه سنتان". 12- سمعته يقول: "تمنّيت لو حقّق مختصرا "الكامل" لابن عدي للدمياطي والمقريزي". قلت: وقد تحققت واحدة من أمنياته، حيث حُقّق وطُبع "مختصر المقريزي" للكامل. 13- سمعت الوالد يقول: "كنت أُدِرِّس التفسير في الرياض في المعهد، و"الطحاوية" كذلك". 14- سمعت الوالد يقول: "وقفت على عشرين نسخة لكتاب "الكامل" لابن عدي ما منها واحدةٌ كاملة إلاّ النسخة التي عندي، وهي من تركيا، وهذه النسخة اشتريتُها من رجلٍ تركي أتى إلى المدينة وهو يحملها، فعرضها على الجامعة الإسلامية في أوّل افتتاحها، فاعتذرت عن شرائها لارتفاع ثمنها وثمنها ألف ريال، فعلِم الوالدُ بهذا الرجل فقال له: أنا إن شاء الله تعالى أشتريها منك، فذهب الوالد إلى أحد الناس ممن يعرف فاستدان منه ثمن هذه المخطوطة واشتراها من هذا الرجل، وعلمت الجامعة بهذا الفعل العجيب من هذا المحدِّث، فقال له الشيخ ابن باز: عجبًا فردٌ غلب جماعة، فقال الوالد: نعم، لأنّ المسألة مسألة رغبة، وأنا أعلم مدى أهميّة هذا الكتاب، والله أعلم". 15- سمعته رحمه الله تعالى يقول: "رأيتُ حاجًّا وناسًا ملتفين حوله، وقد أخذوا عمامته وكانت بيضاء، مزّقوها، وبعضهم يأكلُها، فقلت لأحدهم: لماذا تأكل من هذه؟، فقال هذا الحاج نتبرّك بعمامته، فأردتّ أن أُفهمَه فأبى هو ومَن معه".

16- سمعت الوالد يقول: "أيّ مخطوط صغير الحجم كنتُ أنسخه". 17- وقال الوالد: "كتاب غير منظوم لا يُنظر فيه في أفريقيا". 18- وقال الوالد: "سنة 1367هـ‍ كنا نأتي المدينة على الجمال". 19- قال الوالد: "قصة رفع اليدين في الدعاء كان عمري آنذاك 18 سنة وليس في يدي شعرة". قلت: يعني قصة حصلت له وكانت سببًا في تأليفه لكتابٍ في أدلة رفع اليدين في الدعاء وهو مطبوع، والقصة مذكورة في مقدمة مؤلّفه هذا. 20- قال الوالد: "تركتُ أفريقيا في سبيل طلب العلم". 21- سمعت الوالد يقول: إنه حضر في مجلس فأراد منه أهل المجلس أن يُلقيَ كلمة فقال لهم: قبل الكلمة يقرأُ أحدكم شيئًا من القرآن. 22- سمعت الوالد يقول: "أحفظ "عقود الجمان" و"الجوهر المكنون"". 23- سمعت الوالد يقول: "بيني وبين البلاد 45 سنة أيّام الحرب العالمية الثانية". 24- وسمعتُه يقول: "قال لي بعض الناس: ألا تسافر؟، فقلت: أنا الآن أقول كما قال ذاك الشّاعر: ألقيت عصا التسيارِ من غير مرية". قلت: وذلك عام 1412هـ‍. 25- وقال: "قدمت إلى الحرمين وعمري تسعة عشر سنة ولا أحمل عندما خرجتُ إلا مصحَفًا، وكانت عندي مكتبةٌ في البلاد كلّها في الفقه المالكي، وهي مفيدة جدًّا، وهي لعمِّي".

26- وقال: "كنت أيّام الشّباب نشيطًا في كتابة العلم والقراءة". 27- وسمعتُه يقول: "صوّرت مخطوط "تاريخ دمشق" بسبعة آلاف ريال". 28- وسمعتُه يقول: "أرسلت كتبي في تسعة صناديق محتوية على كتب العقيدة السلفية والحديث إلى البلاد (مالي) ". 29- وسمعتُه يقول: "كنتُ إذا رأيت مخطوطًا فأعجبني جلست له حتى أنسخَه لنفسي، وقد نسختُ من ذلك كثيرًا". 30- وسمعتُه يقول: "خطِّي مخضرَم". قلت: يعني خط مغربي مشرقي. 31- وقال: "من يرى خطِّي الإفريقيّ الأول لا يستطيع قراءته". 32- وكان إذا أراد أن يري أحدًا خطّه القديم أحضر له الدفتر الذي يحوي بين دفّتيه مسائل عن الهجرة، وأعطاه مرّة لأحد الطلاّب فقال له: اقرأ، فما استطاع أن يستمرّ في القراءة، بل كان يتوقّف كثيرًا. 33- وقال: "خطوط أفريقيا متنوعة: خطّ مغربي، وخط نيجيريّ، وخطّ موريتاني". 34- سمعته يقول: "البِيضُ في مالي على قسمين: العرب، والطوارق". 35- وسمعتُه يقول في سنة 1412هـ‍: "يصعبّ عليّ قراءة الخطّ المغربي في بعض الأحيان مع أنِّي مغربي". 36- وسمعتُه يقول: "شروح خليل كلها كانت عندي في البلاد". 37- وسمعتُه يقول: "لما كنتُ في السودان نزلتُ على رجلٍ عالم جمع خصالاً كثيرة من الخير، وكنت أساعدُه على القضاء، وكان قاضيًا فقيهًا

مالكيًّا، وكنت أحفظُ الفقهَ المالكي مثل الفاتحة. ولما أردت السفر والخروج من مدينة جنينه التي كان فيها قال لي: لا تخرج وأقم هنا أزوّجك ابنتي وأعطيك بيتًا، فقلت له: إن هذه البلاد يحكمها الكفّار أي: بريطانيا، وهذا السببُ جعلني أخرج من بلدي، كما أني لا أريد الزواج الآن، فإني خرجتُ لطلب العلم، ثم ودّعتُه وذهبت إلى الحرمين". 38- وسمعتُه يقول: "كان الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله يكنيني بأبي زيد، وكان يقرّبني إليه جدًّا، ويقول لي: إذا أردت أي شيء فأخبرني. وكان المشايخ كلهم هناك يقرّبونني، وكنت أخدمهم". 39- وسمعتُه يقول: "كنت في شبابي أقرأ وأكتب إلى الفجر، ولا أنام إلاّ شيئًا قليلاً من الظهر". 40- وسمعتُه يقول: "ليس لنا في البلاد "مالي" علاقة بالشناقطة لبُعد المسافة بيننا، إذ تقدّر هذه المسافة بخمسين يومًا بالجمل غير المُحَمَّل أما المحمّل فالأيام تطول". 41- وسمعتُه يقول: "أرسل إليّ أحدُ الناس وقال: أنت مع الحكومة السعودية ويجب اغتيالُك". 42- وسمعتُه يقول: "سمح لي الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ رحمه الله بالتدريس في المسجد الحرام بمكة المكرمة. ثم قال: وقد أدركته هو وأخاه عمر، وكانا كبيرين في السن، وكان الشيخ عبد الله بن حسن يدور على الدروس في الحرم وهو على عربية يدفعها له بعض خدمه. وتعامل هذا الشيخ عبد الله بن حسن مع المبتدعة تعاملاً قلّ نظيرُه.

وقد أدّب عبد الله بن حسن العلوي والد العلوي المجود الآن، وقد ضربَه مرّة بالنعال، وكان العلوي هذا أعقلَ من ابنِه". 43- وسمعتُه يقول: "أول ما قدمت إلى هذه البلاد أدّيت الحج مباشرةً، ثم ذهبتُ إلى المدينة، ثم عدّت إلى مكّة". قلت: يعني: عام 1367هـ‍. كان قدومه اهـ. 44- وسمعتُه يقول: "نحن في أفريقيا نحفظ كلّ شيء". 45- وقال: "حفظت "المصباح في اللغة" الذي في غريب فقه الشافعي أو الغريب في كتب الشافعي وأصحابه". 46- وسمعتُه يقول: "أعطيت الجامعة الإسلامية أربعمائة مخطوط، بعضها بخطِّي". 47- وسمعتُه يقول: "قبل أن تمرض عيني كنت أكتب المخطوط ولولا مرضها ما اشتريت المخطوط إنما أقوم بنسخه". 48- وقال: "من أراد أن يبحث عن المخطوطات فعليه بتركيا وألمانيا فقط". 49- وسمعتُه يقول: "لا أخرج الآن للكلام في العلم، لأنه يوجد مَن هو أعلمُ منِّي، والله المستعان". 50- وسمعتُه يقول: "دخلتُ المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام فرأيتُ حلقة يتكلّم فيها أحد الناس بالعجمية فجاءني أحدُهم فقال لي: تعرف من نحن؟، فقلت: ما أدري، فقال: نحن جماعة التبليغ، عندنا ستّة أصول، فكتبتُها وقال لي: أريد أن تخرج معنا، فقلت له: ماذا أفعل؟، فقال: الذي نفعل، فقلت له: ما جئتُ لأخرج، جئت لهذا البلد للعلم، ثم لما ذهبتُ إلى مكة

عرفت عنهم شيئًا كثيرًا، وذلك من خلال الصولتية لأنها لهم. وخروجهم كله لا خير فيه، فإنهم لا يعلِّمون الناسَ شيئًا". 51- وسمعتُه يقول: "لما كنتُ في السودان عند خروجي من "مالي" حصل أن قام علينا الخرافيون هناك يريدون أن يضربونا بالعِصي، ولكن منعهم الله، ولله الحمد. وقال: ثم طاردونا إلى حيث نسكن، وأمروا من نزلنا عليه بأن يخرج مالنا من العفش إلى الشارع حتى ينفرونا، ولكن ساق الله عز وجل لنا ناسًا من أنفسهم منعوهم من أذيتنا أخذتهم حميّة الكرم والضيافة". 52- وسمعتُه يقول: "دَرَسْتُ في مدرسة العلوم الشرعية سنة 1369هـ‍". 53- وسمعتُه يقول: "انتقلت من الرياض في سنة 1384هـ‍ ثم أقمتُ بمكة سنة واحدة دَرَّسْتُ فيها في الصولتية والمعهد العلمي، ثم انتقلت إلى المدينة أدرس في الجامعة الإسلامية". 54- وسمعتُه يقول: إنّ والدته كانت ماهرة في الطب وخاصة طبّ العيون، فقد جاءها رجلٌ مرّة قد تدلّت إحدى عينيه فأرجعتها وأصبحت سليمة، وقال: إنه قُذف بحجرة فأصابت عينه فعالجته، وكانت هكذا حتى ماتت. وقد تعلّمت هذا الطبّ من بعض نساء الحي". 55- وسمعتُه يقول: "الكتب عندي أفضل من قصور الملوك". 56- وسمعتُه يقول: "أعرف اليمن ولم أدخلها كأنها أمامي". 57- حدثنا الشيخ عمر حيوية الشنقيطي المفسر يعمل في مجمع المصحف أنه يعرف ناسًا صلحت عقيدتهم على يد الوالد، وقال: أعرفهم جيّدًا". قلت: أي: صَلُحت عقيدتهم، فأصبحت عقيدةً سلفية.

58- وقال الوالد: "إنه هاجر قبل الشيخ إسماعيل الأنصاري بثلاث سنين، ثم لحق بنا، وما عرفتُه إلاّ هنا، ولكن هناك كنت أسمع به". 59- وقال الوالد: "كانت طريقة كتابتي في مؤلفاتي كلها سجع على طريقة المغاربة". 60- وسمعتُه يقول: "لي خطّ قديم وخطّ جديد". 61- قال رجل للوالد: لو جمع شعركم لخرج في ديوان، فقال الوالد: نعم. 62- قال الوالد: "ما اشتغلت في الحديث إلا سنة 1370هـ‍ وقبلها كنت أُحِبّ طلب الحديث، وعزمت أن أُهاجر وأسافر من إفريقيا من أجلِه". 63- وسمعتُه يقول: "عندما كنتُ في المدينة النبوية ليس في وجهي شعرة، كنت أخرج إلى أطراف المدينة أنا وجماعة قدماء جدًّا في المدينة فأخرج معهم إلى أطرافها للنّزهة ولمعرفة المدينة جيّدًا". قلت: كان الوالد بالمدينة عام 1367هـ‍ وما بعدَها بقليل، وذلك في أول قدومه إليها. 64- قال الوالد: "كان لي عبيدٌ فأعتقتُهم، وأخرجتُ لهم صكوكًا". 65- وقال الوالد: "أنا خادم لمشايخي أهـ..". 66- وسمعتُه يقول: "كان معي كتاب "كنز العمّال" دخلتُ به المطار فلما رأوه مكتوبًا عليه "كنز العمّال" قالوا: هذا كتاب من كتب الشيوعية، فقلت: عجبًا، وأبو أن يعطوني إيّاه، فلما ذهبتُ إلى مكة توسّط لي أحد الوجهاء حتى سلّموني الكتاب".

67- وقال الوالد: دَرَسْتُ "البروتكلات" اليهودية دَرَسْتُها ولخّصتُها لنفسي. ثم قال: أعداؤنا ما أكثرَهم، اللهم اخذلهم وقلِّلهم يا ربّ، آمين. 68- وسمعتُه يقول: دَرَسْتُ السيرة دراسة تفقّهٍ، وأعترف بأنّ هناك صحوة، وهذه الصحوة أتت بعد فتح الجامعات الإسلامية. ثم قال: وهذه الصحوة حُرِمَت من بعض الخير لأنّها لم تُشْغِل نفسها بالعلم في كلّ وقتها إنّما انشغلت بأمورٍ لا تعنيها. 69- وقال الوالد: "اشتغلت بالنّحو في أول عمري، وعهدي به الآن ثلاثين سنة، وأستطيع أن أُعرب القرآن كلّه من ألِفِه إلى يائه أي: إلى آخره". 70- وسمعتُه يقول: ""المنجد" كان عندي في أول مرة فأحرقته عندما قرأت كلامه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان كلامًا سيّئًا، ثم اشتريتُه للحاجة إليه". قلت: "المنجد في اللغة" مؤلِّفُه نصراني من لبنان. 71- وسمعتُه يقول: "رأيتُ رجلاً في أفريقيا صوفيًا كبيرًا يأتي إليه الناس فيُقبِّلون رأسَه ويدَه وبطنَه ورجلَه، وحولَه جمهور من الناس، ولما حضرته الصلاة لم يصلي، فسألتُ عنه، فقال لي أصحابُه: هو لا يصلي قد سقطت عنه التكاليف. وهذا الجنسُ من الناس قرأتُ عنهم في الكتب، والآنَ قد رأيتُهم". 72- وسمعتُه يقول: "عندي إجازات في كلّ علم حتى في الهندسة". 73- قال الوالد رحمه الله تعالى: "عندي من المراجع العلمية ما لا يوجدُ عند غيري، والله أعلم". 74- وسمعته يقول: "أدركت أحمد صدِّيق الغماري والكتّاني ولكن منعني أن آخذ عنهما أنّهما كانا مطارَدين، ثم قُتلا على يد ملك المغرب الخامس، وذلك أنّ الكتّاني سُئل لماذا تطلب الحكم ولا تتركه للخامس؟، فقال: لأنه جاهل".

قلت: الكتّاني هو صاحب "فهرست الفهارس"، وقولُه: "آخذ عنهما" يعني: أروي عنهما ما يروونه من كتب الحديث وغيرها. 75- سمعت الوالد يقول: "كثرة النسيان أصابتني بعد مرض أصاب عيني". ثم قال: كل من طعن في السن فهو معرّض للنسيان، وهذا على الغالب، فإنّ عمِّي محمد أحمد الملقّب بالبحر كان يسرد متن البخاري كالفاتحة وهو في سنّ الخامسة والتسعين. 76- سمعت الوالد يقول: الدراسة عندنا في البلاد كالتالي: نبدأ بالقرآن الكريم، ثم مبادئ في الفقه، والتوحيد، واللغة، والنحو، والتصريف. ثم بعد هذه المبادئ نرجع إلى الكتب الكبار في التفسير والفقه، وفي الفقه: "مختصر خليل"، و"الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع" في أصول الفقه، ثم المنطق والتنجيم". ثم قال: "والمنطق والتنجيم ضروريّان، من لا يتعلّمهما لا يُعدُّ هناك شياً، والدواوين الستة نحفظها، ونحفظ "مقصورة ابن دريد"، وآخر مرحلة في الدراسة عندنا: التنجيم، ندرس فيه كتاب السوسي، وكلُّ ما تقدّم حفظتُه، ولكن نسيتُ الآن بعضَه". 77- قال الوالد: "عندما كنت أُدَرِّسُ في المسجد النبوي ما كان يحضر عندي إلاّ العوام، وبعض طلبة العلم"، قلت: وذلك لقلة طلبة العلم ذلك الوقت. 78- وقال الوالد: "أول فهرس لكتاب مستقلّ اقتنيتُه سنة 1374هـ‍". 79- قال الوالد: "نحن من ذريّة سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي". 80- قال الوالد: "سنة 1367هـ‍ كانت عندي مكتبةٌ في الحديث

صغيرة جدًّا". ثم قال: "كلها اشتريتها من بور سودان (بدولة السودان) ". ثم قال: "إنه عندما أراد أن يضعها في الباخرة ليحملها معه إلى الحرمين رآها المستعمر فقال له: أنت تاجر لا يجوز لك أن تخرج بها فتبيعَها، فقال الوالد للمترجم: قل له: لو أعطيتني بور سودان كلها لا أعطيك هذه الصناديق التي فيها هذه الكتب". 81- قال الوالد: "لا بدّ لي من قيلولة بعد الغداء". 82- قال الوالد: "كنت أكتب من الفجر إلى الليل ملزَمتين، وهذا كلُّ يوم". ثم قال: "وكنتُ أسهر بعد العشاء وليس معي أحد، أكتب على ضوء صغير، وليس في تلك الأيام كهرباء، والله أعلم". قلت: هذا الحال عندما كان بمكة المكرمة في حدود سنة 1368هـ‍ وما بعدها بزمن. 83- قال الوالد: "كان لي ولدٌ صغير اسمه عبد الغفار، وكان يُمْسك لي رجل الجدع الصغير، وكان عندي غنمتان أحلبهما، فيمسك لي الجدع حتى أنتهي من الحلب". قلت: عبد الغفار توفي صغيرًا وله سنتان تقريبًا. 84- سمعتُه يقول: "دَرَسْتُ كتاب "الوهم والإيهام" لابن القطّان". قلت: درَسه وقرأه قراءة خاصّة، لأنّه كتاب عظيم الفائدة. 85- سمعت الوالد يقول: "أدركتُ في وقتي طلبة علم كان أحدهم إذا كتب عرض ما كتبه على كبار طلبة العلم في زمانه فينظر أيُقِرُّونَه فإن لم يُقروه حرق ما كتبَه".

86- قال الوالد: "نحن قحطانيون". قلت: يعني الوالد نفس‍هـ، لأن الأنصارَ من الأزد، والأزد من قحطان. 87- وسمعتُه يقول: "مدينة خيبر ذهبت إليها عدّة مرّات". 88- وسمعتُه يقول: "كانت الرياض مركز العلم، وكانوا يلقّبونني خادم الشباب أو حلاّل المشاكل". 89- وسمعتُه يقول: "لم أرحل إلى تركيا". 90- كان الوالدُ إذا أصاب أحد الناس في شيء يقول له: "أحسنت". 91- كان الوالدُ أيّام الحرب الثانية يدرّس في سكتو في نيجيريا في مسجد عثمان فوديوا. 92- وسمعته يقول: "في سنة 73هـ‍ أرسلت إلى عمي كتبًا، ومنها: "الإصابة" في ثمانية مجلّدات طبعة بولاق طبعة نفيسة"، فقال أحد الحاضرين للوالد: كيف تفرط بالكتب، فقال له الوالد: "هذا عمي الذي تربّيت عنده، كيف لا أرسلها له؟، وبعد وفاته أرسلوا إليَّ بعضها وهو قليل". 93- وسمعتُه يقول: "تزوجت وعمري أربعون سنة". 94- وسمعتُه يقول: "في أول قدومي إلى المملكة العربية السعودية كنت حاجًّا وكنت أبحث عن طلبة العلم فمررت في أيّام الحج بمخيّم وفيه رجل كبير السن ومعه مذياع يسمع الأخبار وكان في ذلك الوقت حرب اليهود مع العرب". 95- وسمعتُه يقول: "ما جالست الشيخ عبد الله بن المحمود إلاّ خمسة

أيّام وكنت معه إلى الفجر يملي عليّ الحالة التي عاشها مع الجماعة وكتبت كلّ ما أملاه على من أحوال الناس وما رآه". 96- سمعتُه يقول: "طريقة التعلم في البلاد "مالي" كالتالي: يبدأ طالب العلم: 1" حفظ القرآن الكريم. 2" يحفظ "الرسالة" لابن أبي زيد القيرواني. 3" ثم يحفظ "الآجرومية" و"ملحة الإعراب". 4" ثم يحفظ "الألفية" لابن مالك، ثم "الكافية" له، ويحفظ الزوائد على الألفية و"الكافية"، وذلك من خلال كتاب الخضري والأشموني. 5" ثم يحفظ كتابًا في أصول الفقه الشافعي، حيث لا يوجد منظومات لدينا إلاّ في أصول الفقه الشافعي. أما المالكي فلا يوجد منها شيء. 6" ثم يحفظ نظم "جمع الجوامع" للسيوطي و"الورقات" بنظم العمريطين، ونظم العمريطي يحفظه قبل نظم جمع الجوامع. 97- سمعته يقول: "كانت كتب العلم تأتينا في البلاد "مالي" من جهتين من مصر، والمغرب. 98- سمعته يقول: "كنت متخصّصًا في علم أصول الفقه". قلت: يعني: أنه يعرفه معرفة جيّدة، حيث إنه يحفظ فيه منظومات وقرأه على العلماء في البلاد "مالي". 99- سمعته يقول: "اجتهدت في أن أطّلع على المخطوطات التي في اليمن وأستفيد منها، ولكن لم أستطع البتّة".

100- سمعته يقول: أنا أهتم جدًّا في رحلاتي لجلب المخطوطات بثلاثة فنون من العلم: 1" علم الحديث. 2" علم رجال الحديث. 3" العقيدة السلفية وبالذات المسندة. 101- سمعتُه يقول: "عملت على تحقيق "الأحكام الكبرى" لعبد الحق الإشبيلي ثم توقّفتُ". 102- سمعته يقول: "كنت أكتب وأقيّد كلّ فائدة علمية أقرؤها". 103- سمعته يقول: "في سنة 1369هـ‍ كنت أُدَرِّس الحديث والفرائض والمنطق في المسجد النبوي، وكلّ علم منها له وقت". 104- سمعته يقول: "كنت أدرِّس المنطق في المسجد النبوي، وكان الشيخ الزاحم "الكبير" يطوف على دروس المسجد النبوي يراقب المدرِّسين فيه وذلك عام 1369هـ‍ فسألني ماذا أدرِّس؟، فقلت له: المنطق، فنهاني وقال: لا تُدَرِّسه بعد اليوم". قال الوالد: "فلم أدرِّسه لأحدٍ بعد أن نهاني الشيخ الزاحم". 105- سمعتُه يقول: ""السنن الكبرى" للبيهقي أكثرت القراءة فيه جدًّا، وذلك على النّسخة الهندية". 106- سمعته يقول: "جمعنا مكتبةً عامة بالرياض لطلبة العلم، وذلك أنا وبعض المشايخ، وسميّناها "مكتبة التيسير"، حيث إنه لم يكن يوجد أيّ مكتبة علميّة عامّة ولا مكتبة تجاريّة، إنما توجد مكتبة قرطاسيّة لأحد الهنود، فقدمنا نحن معشر الطلبة بالرياض للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ لتأسيس

مكتبة عامّة فوافق وساهم كلّ واحد منا لتأسيسها، واشترطنا أن لا يدخل هذه المكتبة إلاّ طالب علم، وأنه لا يوضع فيها إلا كتب السلف". 107- سمعته يقول: "كنت إذا أردت اقتناء بعض المخطوطات لم أستطع الحصول عليها أقوم بإعطاء بعض الناس مالاً من أجل أن يُصَوِّره لي، وقد فعلتُ ذلك في الهند". 108- وكان الوالد رحمه الله تعالى إذا كان عنده ضيوف ووضع الطعام وكان يتكلّم في شيءٍ من العلم يقول لهم: "إذا حضر الهَرْسُ بطل الدَرْسُ" فيتوقّفُ عن الدرْس. 109- سمعته يقول: "إن كتاب الخطيب البغدادي "تقييد العلم" كانت قراءتي له سببًا في أن أقيّد كل ما يَمُرُّ بي من الفوائد العلميّة، وجمعتُها في كتاب سمّيتُه "ثمرات المطالعة"". 110- سمعته يقول: "عند حصولي على مخطوطة "التتبع والإلزمات" للإمام الدارقطني على البخاري ومسلم قال لي رجل مصري من أهل العلم: أنتم تنتقدون هذين الإمامين؟ ". قال الوالد: "ظنّ أني أنا الذي أنتقد البخاري، فقلت له إنه الدارقطني، فلم يقتنع، وقال: إن كتابي هذين الإمامين قد جازا القنطرة". 111- سمعتُه يقول: "عندما قدمت المدينة النبوية عام 1369هـ‍ سكنت في رباط الأفغانيين عند باب جبريل". 112- وقال الوالد: إنه التقى بالشيخ عبد الله بن المحمود رحمه الله تعالى في مدينة "كانوا" وأخذ عنه علمًا جمًّا. 113- كان الوالد يكثر أن يقول في مجلسه: لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، أو يقول الجزء الأوّل من الكلمة، والله أعلم.

114- كان الوالد رحمه الله تعالى إذا جاءه من يخصّه من طلبة العلم في المكتبة أو من كان من كبار الطلبة فنفض المجلس يصاحبه إلى باب الخروج ثم يعود إلى مجلسه. 115- قال الوالد: "عندما جئت من البلاد "مالي" لم أكن أعرف إلاّ الخط الأندلسي وإلى الآن وأنا عليه". 116- كان الوالد من عادته إذا دخل على أحد من الناس أو جماعة أن يلقي عليهم السلام كاملاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 117- كان الوالد كثيرًا إذا اتّصل به أحدٌ هاتفيًّا وقال: مَن معي؟، يجيبُ الوالد: معك المسكين. 118- ويقول الوالد رحمه الله تعالى: إنه كان في شبابه لا ينسى ما يسمعه وإلى الآن يحفظ كل ما سمعه في شبابه، أمّا الآن بعد أن ذهب شيءٌ كثير من العمر أصبحت أنسى في وقتٍ قصير. 119- قال الوالد رحمه الله: إن السجع كان يتقنه إلى أعلى درجة، ولكن عندما هاجر تركه نوعًا ما. 120- قال الوالد رحمه الله تعالى: "كان الطلاب في البلاد "مالي" إذا سمع أحدهم فوائد فخشي أن ينساها نظمها إن كان يستطيع أو يبحث عمن ينظمها له، لأن النظم أسهل حفظًا". 121- وسمعته ينشد ولعلّه له: صلّى المصلِّي لأمرٍ كان يطلبه ... فلما انقضى لا صلى ولا صاما

122- وسمعته يقول: "فهرست المكتبة السعودية سنة 1371هـ‍ أو 1372هـ‍ في ثلاثين ألف بطاقة". ثم قال: "وكان ابن قاسم يرسل المخطوطات إليّ بعد العشاء لأفهرسها، وقد قدم العهد بها من ذلك الزمان". قلت: المكتبة السعودية الآن ضمن مبنى الإفتاء بالرياض. 123- ذكر الوالد غفر الله تعالى له أنه هو ومَن كان معه من طلبة العلم دَرَسوا أول شيء الفقه حتى أتقنوه، ثم دخلوا في الحديث. لا كما يفعله العوام اليوم. وقد استفدنا كثيرًا من هذه الطريقة، والله أعلم". قلت: يعني في البلاد "مالي" وفي هذه البلاد. 124- وقال: "أول ما رأيتُ نسخة الترمذي في "كانوا" بنيجيريا على يدٍ أحد رجالِها، وذلك أثناء هجرتي إلى الحرمين". 125- وقال: "لما كنتُ شابًّا كانت ذاكرتي قويّة" 126- وقال: "لَمّا مرضت عيوني ضَعُفَتْ ذاكرتي، وذلك سنة 1411هـ‍". أقول: كان الوالد يحفظ منظومةً في الشهور الميلاديّة. 127- وقال: "لقد استغرقَتْ رحلتي من أفريقيا إلى بلاد الحرمين سنةً كاملةً". 128- وقال: "كنا في البلاد مالي في صحرائها، وكان لدينا إبلٌ وغنم وبقر، ولكنِّي لم أرع شيئًا منها، وذلك لوجود من يرعها من العبيد وغيرِهم". 129- قال الوالد: "أولُ ما حفظت "عمدة الأحكام"، ثم

أخذت أحفظ أحاديث "الصحيحين" بغزارة، لكن ذهب حفظي بسبب كثرة الكتب". 130- كان الوالد إذا ذكر حياتَه مع المشايخ في نجد ينشد هذا البيت: ذهب الذين يُعاشُ في أكنافهم ... وبقيت في خَلْفٍ كجلد الأجرب 131- وسمعتُه يقول: "الشيخ التويجري يُعدُّ من كبار العلماء في نجد، استفدتُّ منه كثيرًا هو والسعدي، والسعدي من العلماء المحقِّقين". ثم قال: "الشيخ السعدي لم يخرج من القصيم مثله في وقته". 132- وقال: "سكنت في الرياض في حيٍّ اسمُه "دخنة" يسمى في ذلك الوقت: "مسكن المشايخ"، وقد أدركتُ مشايخ ذلك الزمان عن بكرة أبيهم". 133- وقال: "الشيخ سالم البليهي والشيخ المطوّع من أكثر مَن استفدتُّ منهما في نجد". 134- وقال: "لا أذكر الخلافات في شيء مما أكتب وأُلّف؛ لأن الخلافات تبلبل فكر الطالب، إنما ينبغي للطالب أن يعرف شيئًا واحدًا ويعملَ به". قلت: الخلافات يعني بها الوالد: الخلافات الفقهية وأقوال العلماء من أهل المذاهب وغيرهم. 135- وسمعته يقول: "يوجد عندي من كتب شيخ الإسلام ما لا يوجد عندَ غيري، فإنّ لي أربعين سنة وأنا أجمعُها.

وتستطيع أن تقول إذا نظرتَ إليها: أنّ أغلبَها عندي. وكنت مَن أول مَن عثَر على كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على الرازي كاملاً، وهذا الكتاب لم يؤلف مثله إلا "منهاج السنة"". يعني كتاب "نقض التأسيس". 136- وقال: "علمان كنت أهتمُّ بهما: علم النحو، والفرائض". 137- سمعته يقول: "سكنتُ في مكة سبع سنين، وفي الرياض إحدى عشر سنة، ودخلت المدينة النبوية أوّل مرة عام سنة 1367هـ‍". 138- سمعته يقول: "لي في التدريس اثنان وأربعون سنة ما غبتُ عن التدريس يومًا واحدًا". 139- وسمعته يقول: "أتعجّب من الذين يغيبون عن التدريس وهم مطالبون به". 140- وسمعته يقول: "خرجت من البلاد وعمي البحر على قيد الحياة". 141- وسمعته يقول: "عشت في أفريقيا إلى أن أصبح عمري تسعة عشر عامًا، وأما هنا فالعمر كله، وعمري الآن سبعون سنة". قلت: قال هذه الكلمة عام 1413هـ، شهر شعبان، ل24 ليلةً خلت منه. 142- وقال: "نظمت "جمع الجوامع" في أصول الفقه عندما كنت بأفريقيا". 143- وقال: "خرجت من أفريقيا ولم أحمل معي ولا ورقة واحدة من مكتبتي". قلت: وذلك أنه خرج بدون علم جماعته وقومه، وأيضًا خوفًا من المستعمر.

144- سمعت الوالد يقول: "قضيت عمرًا في علم الآلة مثل النحو، والبلاغة، وغيرهما". 145- سمعته يقول: "كنت أقرأ أيّ خطّ من خطوط أهل العلم، وكنت أقرأ خط شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر، وهما من الصعب أن أي أحد يقرأ ما يكتبانه لضعف خطهما. وكنتُ إذا حصلت على أي مخطوط أقرأه حتى أعرف مضمونه وأفهرسه كذلك بعد قراءته. وأقرا خط الحافظ الذهبي الرقعة منه والنسخ. وأما الآن فقد ضعف البصر، بل وكَلّ الجسد، وهذا من علامات انتهاء العمر. والله المستعان". 146- قال الوالد: "كان طالب العلم في أفريقيا إذا مرّت عليه فوائد علمية فخشي أن ينساها ينظمها إذا كان يعرف النظم أو يبحث عمن ينظمها له، وذلك أن النظم أسهل لحفظ الفوائد". 147- وقال الوالد: "عشت في مكة قبل المدينة، ودرت مكة كلها، وأعرف ما حولها من القرى". 148- وقال الوالد: "لَمّا وصلت إلى مكان قرب مكة سمّاه الوالد فالتقيت بناس أهل بادية فسألت رئيسهم: ما أركان الإسلام؟، فقال: الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك، ونسيت الرابع؟، فقلت للذين عنده: اذكروه يعني: اذكروا الرابع فقالوا: نسينا، فقلت لهم: أحمد، فقالوا كلهم: نعم هو هذا". ثم قال الوالد: "وذلك عند خروجنا للدعوة سنة 1375هـ". 149- قال الوالد: "لَمّا كنت شابًّا كنتُ لا أنسى".

150- قال الوالد: "لم أشترِ شيئًا من كتب الفقه على المذاهب منذ أن دخلت هذه البلاد، وما عندي منها كله هدايا". 151- قال الوالد: "أنا من الذين قوّموا كتاب "الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولاحظنا عليها أشياء كتبناها في أربعين ورقة، ولكنها لم تلحق به". قلت أنا عبد الأول: يعني بالفتاوى التي جمعها ابن قاسم. ثم قال الوالد: كنت أعمل مع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم وفهرست له مكتبته، وكنت أشتغل فيها من العصر إلى المغرب، لأن هذا الوقت هو الذي كنتُ أتفرّغ فيه. وهذا الرجل يعني: ابن قاسم كان فاضلاً، عالمًا، وكان يجمع مخطوطات في العلم ويقول للعمال: أعطوها للشيخ يعني الوالد نفسه ينظر فيها ويقرأ. وقد لازمتُه في بيته إحدى عشرة سنة، وهذا الشيخُ كان عنده ثلاثون ولدًا غير الأحفاد، وكان عند الشيخ قصر كبير بناه له الأمير عبد الرحمن عم الشيخ عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وكان من خاصة الشيخ ابن قاسم، وكان الناس يقولون له: "خوي الأمير عبد الرحمن". 152- وسمعته يقول: "حضرت المحاضرة التي ألقاها الشيخ السعدي وقال فيها: يا أيها الإخوان عليكم أن تساعدوا المصريين على العدوان الثلاثي. فغضب الناس منه حتى إن بعضهم قال لي: ما تقول في مقالة الشيخ؟، فقلت: ليس فيها شيء، فقال: بل فيها شيء.

وكان لنا مجلس في الرياض كل يوم مع الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله فقال أحد الحاضرين للوالد: كل ليلة، فقال: نعم كل ليلة، ثم قال: وفي ليلة اجتمعنا عند الشيخ، وتكلم بعض الحاضرين عما قال الشيخ السعدي حول معاونة المصريين، فكان الحاضرون ضدّ ما قال الشيخ السعدي". 153- وسمعته يقول: "من عادتي إذا دخلت الجامعة الإسلامية: أذهب إلى المكتبات التجارية أولاً". 154- وسمعته يقول أكثر من مرة: "ولدت سنة 1344هـ، وهي السنة التي دخل فيها الملك عبد العزيز المدينة النبوية، وعرفت ذلك بسؤال والدتي عند استعدادي للهجرة متى ولدت؟، فقالت لي: سنة دخول أهل نجد المدينة". 155- قال الوالد: "سكنت في حي الخَنْساء". 156- وقال الوالد: "لا يوجد لألفية ابن مالك في النحو شرح إلاّ وهو عندي عندما كنتُ في أفريقيا". 157- وقال أيضًا: "وفي علوم القرآن كان لا يوجد عندي في أفريقيا إلا "تفسير الجلالين" و"البغوي" و"العكبري" في الإعراب". 158- قال الوالد: "لقد قمت بفهرسة كتاب "الوهم والإيهام" في وقت دراسته، والسبب في ذلك توثيقًا لنقل نقله منه الحافظ ابن حجر". 159- وقال الوالد: "مراتب الراتب الذي كنت أتقاضاه من الأعمال الدراسية حتى وصلت إلى أستاذ كرسي هي ثلاثمائة خمسمائة ستمائة ثم عشرة آلاف، فلم أستفد منه إلاّ مائة ريال". قلت: يعني بقوله: "فلم أستفد…" وما بعدها أي: أنه يصرفه على المعيشة وشراء الكتب.

160- وقال الوالد: "قطعت السودان من الشرق إلى الغرب". 161- وقال الوالد: "بدأتُ في التدريس في السعودية من سنة 1371هـ إلى سنة 1408هـ، وقد درست في المتوسطة، والثانوية، والجامعة". قلت: يعني: بدأت في التدريس في المدارس النظامية من عام 1371هـ. 162- وقال الوالد: "أخذت التابعية سنة 1378هـ، ودخلت الرياض سنة 1374هبإشارة من الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ، حيث أرسل إليّ تذكرة للقدوم عليه في الرياض، فذهبت إلى المطار وركبت الطائرة أول مرة". 163- وقال الوالد: "كنا نقرأ الدروس بالقمر" يعني: على ضوء القمر في البلاد مالي. 164- وقال الوالد: "حفظت "الكافية" و"الخلاصة" و"ملحة الإعراب" الحريري". 165- وقال الوالد: "كنت أذهب إلى العيون التي في المدينة فأسبح فيها ثم أعود". 166- وقال الوالد: "حفظت "ألفية ابن مالك" وأنا ابن خمس عشرة سنة، كنت أحفظها منها أبياتًا كل ليلة". 167- قال الوالد: "خرجت من البلاد "مالي" سنة 1366هـ". 168- وقال الوالد: "حفظت "الملحة" قبل "الألفية" بكثير، ثم حفظت "الألفية" وأنا قد بدأت بالآجرومية أولاً ثم بالملحة ثم "الألفية"".

قلت أنا عبد الأول: كان الوالد يبدأ في أيّ درس يدرسه بهذه الخطبة وهي: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدْي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له. ويختم هذه الخطبة بقوله: "ما شاء الله ولا قوة إلا بالله". 169- قال الوالد: "كنا في البلاد لا ندرس شيئًا من العلم حتى نحفظه، وممنوع عند مشايخنا الدراسة قبل الحفظ". 170- قال الوالد: "إن عهدي بالاشتغال بالنحو سنة 1364هـ‍". 171- وقال الوالد: "ونسخة "حاشية الجمل على الجلالين" هذه التي في مكتبتي هي التي كانت عندي في أفريقيا" يعني أرسلت إليه. 172- قال الوالد: "جئتُ إلى هذه البلاد سنة 1367هـ‍، وإن سنة 1369هـ‍ هي زمن العلم، وبقيت في المدينة النبوية سنتين أي من سنة 1367هـ‍ إلى سنة 1369هـ‍، ثم رجعت إلى مكة للتدريس بعد أن بقيت في المدينة سنتين فقط". 173- وقال الوالد: "كنا نرقد على الخصفة ولا نبحث عن الكماليّات". 174- وقال الوالد: "كنت أسكن في الرياض سنة 1375هـ‍ في بيتٍ من بيوتها القديمة أسكنتني فيها الدولة، وقامت بفرشه لنا، وذلك أيّام الملك عبد العزيز رحمه الله، وكان عبد الله بن خميس هو الذي يدلّ المشايخ على البيوت حتى يختاروا واحدًا منها".

قلت: إن الوالد رحمه الله تعالى كان يحبُّ التحدُّث عن أخبار بلاد أفريقيا والبلاد التي رحلَ إليها. وكان يكثر من التحدّث في هذا جدًّا، وكان إذا حضر عندَه أحدٌ من الأفارقة أو أحدٌ من البلاد التي رحلَ إليها كمصر مثلاً أخذ يتحدّث عن هذه البلاد ويعرفها، ويذكر أماكن كثيرة زارَها ويصفها أكثرَ من أهلها وقد يخطئ أهلها في بعض الأمور التي شاهدها فيها. 175- قال الوالد: "أول ما عرفت كتب الحديث في السودان لما دخلتُها". 176- قال الوالد: "لما كنت شابًّا كنت حافظًا، وكل ما قرأتُه كنتُ أحفظُه". 177- قال الوالد: "إن قراءة كتب الحديث كالبخاري ومسلم ونحوهما كانت ممنوعة من قبل مشايخنا حتى يبلغ الواحد سنّاً كبيرة". يعني الوالد بقوله هذا التفقّه من خلال هذه الكتب، والله أعلم. 178- قال الوالد: "من أسباب خروجي من أفريقيا: عدم تدريس علم الحديث ومنعه". 179- قال الوالد: "أرادوا تعييني مدرِّسًا في مدارس فرنسا التي في البلاد أدرس العرب المسلمين فلما عرض عليّ هذا الأمر أخذت أفكّر فيه إلى منتصف الليل، ثم قمت إلى بعض أصحابي في آخر الليل أيقظهم من النوم، وقلتُ لهم: أنا عازم على الهروب، قالوا: إلى أين تهرب؟، قلت: إلى آسيا، إلى الحرمين، فقالوا: ونحنُ معك. وكان الوقت وقت الخريف، وذلك وقت كثرة

الإبل، فاخترنا أحسن الإبل وركبناها ونحن ثلاثة فقط أنا الثالث، وكمّمنا فم كل جمل حتى لا يخرج صوتًا. وخرجنا في ليلة مظلمة في غابات من الشجر، وسرنا سيرًا شديدًا حتى قطعنا مسافة يومين، حيث لو أراد أحدٌ من أهل الحي أن يلحق بنا ما استطاع، حتى وصلنا مكانًا يعرف بقاوى قريب من النيجر، ثم سرنا إلى "كنّي" وهذه تابعةٌ للنيجر أيضًا. و"كنّي" هذه الذي يصل إليها سيغامر، لأنّ ذلك في أيام الحرب العالمية، والمستعمر له إقامة في هذا المكان وهو "كنّي"، فلما اقتربنا منها صلينا المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا. ثم أقبلنا على الجيش الفرنسي وكان في الغرب وبريطانيا في الشرق، فلما أقبلنا على الفرنسين أقبل علينا رجلٌ منهم يركب فرسا أسود ذنبه يصل الأرض، فأشار إلينا إشارة: إلى أين؟، فأشرنا إليه أنا من تلك القرية وهذه القرية التي أشرنا له إليها تتجاوز الحدود "يعني: حدود النيجر". ثم سرنا حتى أتينا على الجيش البريطاني فتعجبوا منا وقالوا: كيف تخلّصتم من الجيش الفرنسي؟، قلنا: أنجانا الله منهم، فقالوا لنا: تفضّلوا، فأجلسونا في برحة كبيرة، وقالوا لنا: ستبتونا عندنا اليوم ضيوفًا، فقلنا: لا، نحن نريد الليلة منطقة هناك، ثم قال: وكنا كلما مررنا بمدينة كبيرة أكرمنا البريطانيون وينزلونا في بيوت الضيوف، فالفرنسيُّ شرس، وأما البريطاني صبور". 180- قال الوالد: "أنا من جملة من وضع منهج التدريس للجامعة الإسلامية". 181- قال الوالد: "إن شيخًا لي علّمنا التوحيد من "ألفية النحو" لابن مالك". قلت: لم يسم الوالد هذا الشيخ.

182- قال الوالد: "وقد درست "الهداية" في الفقه الحنفي في مدرسة العلوم الشرعية، وهذه المدرسة هي أكبر جامعة في العالم في ذلك الوقت، وكان محمد خيّال هو المشرفُ علينا، وكانت هذه المدرسة للهنود يعني: هم أصحابها، وهم نقشبندية وماتوريدية، والدولة السعودية لما رأت أن أكبر مدرستين هما "الصولتية" و"العلوم الشرعية" عيّنت لهما مدرِّسين سلفيين. ولما جئتُ لأدَرِّس في "العلوم الشرعية" ذهبتُ إلى مديرِها وهو من الهنود فقال لي: أين شهادتك؟، قلت: ما معي إلا إجازات من المشايخ، فقال لي: اذهب إلى محمد خيّال، فذهبت إليه فما سألني عن الشهادة، إنما سألني عما درست من العلوم، فذكرتُ له أني درست في "كتاب التوحيد" و"كشف الشبهات"، وفي الحديث "عمدة الأحكام"، وهكذا، فقال لي: غدًا تأتيني في الحرم، فصلّيت معه الفجر، وخرجنا سويًّا إلى المدرسة الشرعية، فقال للطلاّب: اليوم يقرأ الأنصاري في "فتح الباري شرح صحيح البخاري"، ثم يقرأ في "فتح المجيد"، وقرأت، فقال لي: أنت ناجح عندي، وكتب لي ورقة إلى المدير فأعطيتُه الورقة فقال لي: أنت نضعك في العالي، قال الوالد: العالي مثل الدراسات العليا اليوم". 183- قال الوالد: "أنا كنت أدرس في دار العلوم الشرعية في المدينة، وأدرّس فيها سنة 1369هـ‍، ثم ذهبت من المدينة إلى مكة فدرَست في الصولتية". 184- قال الوالد: "أنا وصلت مكة سنة 1367هـ‍، ثم بعد الحج إلى المدينة". 185- قال الوالد: "إن الشيخ محمد عبد الله المدني لما خرجت من البلاد "مالي" كان قد أعطاني أسماء كلّ من نزل عليهم سواءٌ في دولة السودان أو غيرها، حتى أنزل عليهم، وكتبهم لي في ورقة".

186- قلت: كان الوالد رحمه الله تعالى في كل رمضان إذا التقى بمن يعرفه يقول له: "أهنئك بهذا الشهر، وأسأل الله أن يعيننا على صيامه وقيامه". 187- والوالد منذ أن صحبته لم أره يصلِّي التراويح إلا عشر ركعات، ولم يكن يصلي هذه الخمس على مذهب من يقول: إنها لا تصلى إلاّ خمسًا، إنما كان يستحسن هذا الفعل، وكان يشدِّد على من يرى أنّ التراويح لا تُصلّى إلا إحدى عشر ركعة، ويرى أنه قد ضيّق واسعاً. 188- قال الوالد: "إن الاستعمارَ منع المشايخ من تدريس كتاب الجهاد ضمن أبواب الفقه في بلادنا". 189- سمعت الوالد يقول: "من سنة 1374هـ‍ إلى 1385هـ‍ مكثتُ في الرياض". 190- قال الوالد: "إن كتاب "الروضة" للنووي كان عندي فأهديتُه". 191- قال الوالد: "كان عهدي بمكة قبل أن أُحال إلى التقاعُد يعني سنة 1410هـ‍". قلت: لم يسافر الوالد إلى مكة بعد هذه السنة إلى أن توفي رحمه الله، وكان كلما ذُكر له السفر يُنشد: ألقيت عصا التسيار من غير مرية ... ولا........................ (1) . وكان الوالد يستثقل السفر كثيرًا في هذا الوقت.

_ (1) لعله بيتٌ قاله هو أو قاله غيره. يُنظر.

192- قال الوالد: "درّست في دار العلوم الشرعية بالمدينة، ثم درست بعدها في الصولتية، وذلك سنة 1374هـ‍". 193- كان الوالد كثيرًا ما يسأل من حضر عندَه في مكتبتِه: ما الذي جدَّ في العلم من كتبٍ وغيرها. 194- قال الوالد: "لما رأيت الدنيا قد تغيّرت خرجت من البلاد (مالي) ". 195- قال الوالد: "كان الناس في البلاد يقرأون الحزبَ من القرآن بعد صلاة المغرب وبعد صلاة العشاء". 196- قال الوالد: "لما خرجت بحثتُ عن صحبة حتى وجدت أربعة نفر". قلت: لم يذكر أسماءهم الوالد. 197- كان الوالد رحمه الله يكثر أن يقول لمن حضر مجلسه أو استأذن للخروج: "حيّاكم الله، وبارك الله فيكم" يقولها للواحد وللجماعة. 198- قال الوالد: "إن بعض الناس يلقّبونني (دكتور) وأقول لهم: لا، وإنما أنا شيخ الدكتاترة". 199- قال الوالد: "كنت أيام الشباب أنسخ الكتب المخطوطة إلى الفجر". 200- وسمعته يقول: "كنت أنتحل النظم وأقول الشعر بكثرة، وكان من شغفي به أني كنت أقوله في الصلاة، فسألت الله أن يعيذني منه، فصرتُ لا أستطيع أن أقول بيتًا".

201- وكان رحمه الله تعالى كثيرًا ما يجلس في صالة المنزل قبل الظهيرة وبعدها، ويأخذ أيَّ كتاب من مكتبته ويقرأ بصوت عالٍ على طريقة أهل البلاد، فإنّ لها نغمة خاصة. 202- سمعته يقول: "إن مكتبة الحرم المكي أعرفها تمامًا، أخذت فيها سبع سنوات أنقل ما فيها من المخطوطات وغيرها، وفي ذلك الوقت لا يوجد تصوير". 203- قال الوالد: "إن اللغة الأفرنجية ما تعلّمْتُها وإن شاء الله لا أتعلّمُها، لقد فات الوقت، ولو كنت تعلّمتُها في الصغر والشباب لا بأسَ بذلك". 204- قال الوالد: "كنت قد عزمت قديمًا على جمع مَن بيّض له ابن أبي حاتم في كتابه (الجرح والتعديل) ". 205- قال الوالد: "كتاب "الأذكار" للنووي درَسْتُه كثيرًا". 206- قد سمعته أكثر من مرة يستشهد بأبياتٍ من مقصورة ابن دُريد. 207- وسمعته يقول: "أول ما سكنتُ الرياض في حارة (آل حماد) ، ثم في (حيّ الشرقية) ، ثم في (الدويبة) ، ثم (حي آل فريّان) ". 208- سمعته يقول: "خرجت من الرياض سنة 1384هـ‍". 209- وقال الوالد: "دخلت الرياض سنة 1374هـ‍، وفيها عرفت القهوة وشربتُها، ورأيت كأن الحياة فيها ليست إلاّ على القهوة". 210- قال الوالد: "والكتاب الذي ندرسه في أفريقيا في علم التنجيم هو للسوسي، وهو كتابٌ جيِّد في هذا النوع من العلم".

211- سمعته يقول: "أنا لا أعرف من بلاد (مالي) إلا بلدة (منكا) ، أما دولة النيجر فهي التي أعرفها كلها. وفي ذلك الوقت الذي كنا في البلاد لم تكن البلاد تعرف باسم (مالي) إنما كانت معروفة باسم السودان الفرنسي". 212- وسمعته يقول: "إن ساعتي هذه التي في جيبي لها عندي 48سنة، اشتريتُها سنة 1367هـ‍ بعشر ريالات". 213- وسمعته يقول: "إن سنة 1367هـ‍ كانت سنة مجاعة، وكانت الحياة فيها تعب كثير، لو اشتغل الرجل اليوم كله لا يجد إلاّ ربع ريال، وقد يجد أقلَّ من ذلك، ويحمل الشخص الزفة من الصباح إلى غروب الشمس بقرشين". قلت: الزفة هي التي يوضع فيها الماء الذي يباع. قاله الوالد. 214- قال الوالد: "درست المذهب المالكي في البلاد". 215- وقال الوالد: "اشتغلت في علم الحديث سنة 1367هـ‍". 216- وسمعته يقول: "لي أكثر من أربعين سنة لم أشتغل بمذهب المالكية، فكيف لا أنسى ما فيه". قلت: قال هذه العبارة وهو يكلم رجل بالهاتف لا أدري ما هو. 217- سمعته يقول: "كثرة التنقل في السكنى تسببت في ضياع أشياء كثيرة لي، خاصة الدفاتر يعني: بعض الدفاتر التي كان يكتب فيها، وقد سكنت في أكثر جهات المدينة بسبب كثرة التنقّل". 218- سمعته يقول: "درَست كتاب (ميزان الاعتدال) للحافظ الذهبي دراسة وافية، ولعلّي قرأته أكثرَ من مائة مرّة، وذلك لعدم وجود غيره عندي في أول طلب علم الحديث".

219- وسمعته يقول: "لولا أني خرجت من البلاد للهجرة إلى الحرمين لكنت أقمت في السودان أثناء ما مررت بها، فقد كانت السودان في أيام بقائي فيها وذلك سنة 1366هـ‍ يُضرب بها المثل في التمسّك بالإسلام والأخلاق والعروبة". 220- قال الوالد: "إن كتبي القديمة يجد الناظر فيها أني أدوّن ما فيها من الفوائد على الغلاف". 221- سمعته يقول: "إذا مرضت لا أحب المكث على الفراش، إنما أذهب وأشغل نفسي في العلم والقراءة لأتسلّى به. وكنتُ إذا أصابني الزكام يضعفني جدًّا". 222- وسمعته يقول: "أسند إليّ تدريس المصطلح لَمّا كنت في الرياض". 223- سمعته يقول: "ما تعوّدت أن أصلي في غير جماعة، وأنا أقتدي بالصحابة في هذا، حيث كان الواحد منهم يهادَى بين الرجلين حتى يدخل المسجد، فإذا مرضت صليت في المسجد اقتداء بهم". 224- وسمعته يقول: "درَست الفرائض ثم درّستها وبيني وبينها الآن أربعين سنة". قلت: قال هذه الجملة سنة 1415هـ‍. 225- وسمعته يقول: "جئتُ من الرياض سنة 1385هـ، وتوفي الشيخ الطيب ابن إسحاق سنة 1365هـ". قلت: الطيب بن إسحاق الأنصاري: أحد العلماء السلفيين الكبار بالمدينة النبوية، وممن هاجر قديمًا من البلاد مالي. 226- وسمعته يقول: "أنا لا أعرف التاريخ الميلادي، ولا أومن به".

227- وسمعته يقول: "كنت لغويًّا، وفي سنة 1367هـ تركتُ الاشتغالَ بعلوم اللغة، قبل ذلك كنت لا أعرف شيئًا من العلم سوى النحو والبلاغة والشعر والتصريف وغيرها من علوم اللغة، وذلك لأنّها هي التي تدرّس في أفريقيا وتُحفظ غيبًا، وقد حفظتها علمًا علمًا". 228- وسمعته يقول: "لما كنت في أفريقا كنت أتاجر وأذهب إلى السوق الكبير في المدن فأشتري منهم". 229- وكان الوالد رحمه الله تعالى كثيرًا ما ينتقد أو يتعقّب أو يحكم على الكتب المطبوعة في هذا العصر المتأخّر. 230- وسمعته يقول: "قلت لأبنائي: أنا لا أطلبُ منكم أن تكونوا محدِّثين أو فقهاء، إنما أريد أن تدرُسوا وتتعلّموا كما تعلّم غيرُكم". قلت: وكثيرًا ما كان يُسْأَل عن الكتب المطبوعة أو المخطوطة من ناحية وجودها أو عدم وجودها، فيقول: هذا موجود، وهذا مفقود". 231- وسمعته يقول: "دولة بني نصر نحن منهم". يعني: أننا وهم من أبناء سعد بن عبادة رضي الله عنهم. 232- وسمعته يقول: "أعرف الجغرافيا جيِّدًا، وعندي ما ليس عند غيري منها، وقد اقتنيت الأطلس الصغير والكبير، وآسيا أعرفُها جيِّدًا حتى الصين أعرفها وأعرف مدنَها". ثم قال: "ونجد كذلك أعرفها كلها". 233- وسمعته يقول: "سكنتُ في مكة سنة 1367هـ في "حي طنضباوي" وفي "جرول" بقسميها، وفي "الخنساء"، وفي "العتيبية"، و "ريع اللصوص"،و "الهنداوية" ". 234- وسمعته يقول: "دَرَّسْتُ في المعهد التابع لجامعة الإمام بمكة".

235- وسمعته يقول: "صوّرتُ كتاب "تاريخ دمشق" لابن عساكر وهو كتابٌ مخطوط بسبعة آلاف ريال، وصوّره الناسُ من عندي". 236- وسمعته يقول: "إن إنسانًا وراءه مسؤوليات كثيرة لا يرتاح". قلت: يعني الوالد نفسَه. 237- وكثيرًا ما كنت أسمعه يكرّر في مجلسه العامر بطلبة العلم: "عليكم بالعقيدة السلفية"، وكان رحمه الله تعالى إذا ذُكرت أسماء بعض العلماء في مجلسه يقول: هذا سلفي وهذا غير سلفي. 238- وسمعته يقول: "انتقلت من المدينة سنة 1371هـ إلى مكة بعد أن مكثت في المدينة وقتًا، وسكنت في مكة بجوار مسجد الكويتي". 239- قال الوالد: "لَمّا كنتُ في الرياض كنت أقضي الإجازة مرّة في مكة ومرّة في الرياض". 240- وسمعته يقول: "كنت أحبّ الاستطلاع والذهاب والإياب" يعني: في طلب العلم. 241- قال الوالد: "لَمّا كنا في البلاد "مالي" لا يُعطى الطالب الإجازة في العلوم التي درسها حتى يدرس علم المنطق والتنجيم، وهذان العلمان لا بدّ منهما عند المشايخ، وهما آخر العلوم دراسة". 242- وسمعته يقول: "لَمّا كنا في البلاد كان المشايخ لا يدرسون الطالب أيّ علم حتى يحفظه". 243- قرأ علينا الوالد رحمه الله عقيدة ابن أبي حاتم بصوت مرتفع، وذلك في مجلسه العامر، وبعد أن فرغ منها أخذ يثني عليها.

244- وسمعته يقول: "سكنت في حيّ المصانع خمسة عشر سنة المدينة المنورة". 245- وكان رحمه الله إذا أجاز أحدًا من طلبة العلم يوقّع على هذه الإجازة بقوله: "كتبه أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري الخزرجي، من ذرية سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري". 246- وسمعته يقول: "إن أعلى سند عندي هو السند الذي أروِيه من طريق "إتحاف الأكابر"". قلت: هذا الكلام فيه نقص، وهذا النقصُ مني. 247- وفي سنة 1416هـ من شهر الله المحرّم لعشرين ليلة مضت منه ليلة الاثنين في مغربها قرأ الوالد رحمه الله علينا إسناد المسلسل بالأولية عن طريق شيخه الأندجاني، ثم قال لنا الوالد رحمه الله تعالى: "قرأت "الأولية" على شيخنا الأندجاني الأولية سنة 1367هـ، ثم بعد فراغه من قراءة المسلسل قرأ علينا ما علّقه على هذا الحديث، ثم قال: "قدمت سند الأندجاني في القراءة عليكم عمدًا، لأنّه أول مسلسل سمعته منه". 248- قال الوالد: "دخلت نجد سنة 1374هـ وخرجت من البلاد سنة 1365هـ". 249- وكثيرًا ما كان رحمه الله إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في الصلاة "وآله"، فيقول: "صلى الله عليه وآله وسلم"، وكان يحثّ على ذكر آله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. 250- وقرأ مرّة المسلسل بالأولية بإسناده فمرّ اسم رجل في السند يقال له: الميدومي فقال الوالد: هذا الرجل تدور عليه غالب الأسانيد".

251- وكان رحمه الله إذا أجاز أحدًا يقول له: "إذا رويت عني فقل: أجازني الراجي عفو ربه الباري حماد بن محمد الأنصاري بكذا وكذا". 252- وسمعته يقول: أُجزْت بثبت الأمير وهو ثاني ما أجزت به من الإجازات أجازني به الفاداني، وهذه الإجازة مكتوبة على ثبت الأمير، وكانت الإجازة الأولى التي أُجزْتُ بها المسلسل بالأولية من الأندجاني. 253- سمعته يقول أكثر من مرة: "أنا مغربي". 254- وسمعته يقول: "قرأتُ من المخطوطات ونسختُ ما يُعجز عن قراءته ونسخه، وما أضعف بصري إلاّ هي. وشرطي في امتلاك المخطوط ألاّ يكون مطبوعًا، والسبب الذي جعلني لا أملك المخطوط المطبوع أني لا أستطيع تصويرَه، وهذا الأمرُ وهو امتلاك المخطوط المطبوع إنما تستطيعه الدولة، وفائدته المقابلة والتصحيح". 255- وسمعته يقول: "دَرَّسْتُ في "سكتو" و "كانو" القديمة لا الجديدة". 256- وسمعته يقول: "دخلت المدينة سنة 1367هـ، وعائلتُنا بأفريقيا عائلة علم، ولما رجعتُ إلى الجزيرة العربية لم يكن في وجهي شعرة واحدة". 257- وسأل رجلٌ الوالدَ عن سنِّه قال له: هل بلغت الثمانين؟ فقال الوالد رحمه الله تعالى في الطريق إليها إن شاء الله، ثم قال: كان الإمام مالك إذا سئل عن سنِّه يقول: سنّ ومال إن سئلت ومذهب ... احفظ لسانك لا تبح بثلاثة بمكفر وبحاسد ومكذّب ... فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة

258- كان الوالد رحمه الله إذا قدّم للضيف تمرًا فامتنع البعض عن أكلِه ينشد هذه الأبيات: تمرًا ولبنًا متكًا لحماً وطيبْ ... عن ردِّ خمسةٍ نهى النبي الحبيبْ 259- وسمعته يقول: "أنا لستُ بمفتي، أنا خادم طلبة العلم". 260- وسمعته يقول: "أنا ألزم نفسي بالقيلولة بعد الغداء". 261- وقيل للوالد رحمه الله تعالى: ألا تسافر فقال: وألقتْ عصا التسيار من دون مرية ثم قال الوالد لزين الغامدي: أكمل البيت. قلت: ولم يكمله. 262- سمعته يقول: "عرفت المدينة النبوية سنة 1367هـ". 263- وسمعته يقول: "أحفظ المذهب المالكي". 264- سمعته يقول: "كنت في أول الطلب أشتري كل ما أجد من الكتب بدون النظر إلى فنونها". 265- وسمعته يقول: "مكثت مرة شهرًا لا أبصر بعيني، وأظن أنّ السبب قراءة المخطوط". 266- سمعته يقول: "أتاني أحد الطلاّب بمخطوط للحافظ ابن حجر بخطّ الحافظ، وعرضه عليّ لأقرأه عليه، وذلك لعدم استطاعته قراءة المخطوط، وقرأته كلّه حتى استطاع نسخه وتحقيقه". 267- وسمعته يقول: "تركت شرب القهوة والشاي والعصيرات المعلّبة بعد أن كنتُ أشربُها، فوجدت راحةً بعد تركِها ولله الحمد".

268- ومرة قال الوالد لأحد الحاضرين في مجلسه: "أتعرف قبيلة بني فلان؟ " فذكر قبيلةً من القبائل "أين تقع؟ " فقال: لا، فذكر له الوالد موقعَها، وأخذ يذكر عددًا من القبائل ويحدّد أماكن وجودها. 269- وسمعته يقول: "إن الأرقام التي كنا نستخدمها في البلاد هي الأرقام التي يستخدمها الهنود، وكنت لا أعرفُ غيرَها حتى هاجرت إلى هذه الدولة، فانتقلت من كتابة الأرقام بالطريقة الهندية إلى الأرقام المستخدمة هنا". ثم قال: "والترقيم الهندي يعرف بالغُبَارِي". 270- سمعته يقول: "مكة كدت أن أكون أعرف بها من أهلها حيث كنت أتجوّل فيها وأنا شاب من أجل أن ينطبق عليّ قولهم: أهل مكة أدرى بشعابها شرّفها الله عزّ وجل". 271- سمعته يقول: "أنا خادم العلماء الذين درست عليهم". 272- وسمعته يقول: "صنفان من الناس أنا بعيد عنهما: الحكّام والتجّار". 273- وكان رحمه الله إذا جاءه رجل من الطوارق أخذ يذكر له قبائل الطوارق بأسمائها وبلادها وأكبر القبائل شأنًا فيها. 274- وسمعته يقول: "كنا في البلاد نلبس عمائم يركض الفرس والرجل عليه ولا تسقط أبدًا، بخلاف الآن نلبس هذه الخرق التي ما كنا نعهدها". 275- وسمعته يقول: "في أفريقيا ندرس النحو والصرف والبلاغة، ولابد أن يدرس الطالب الشعر الجاهلي ويغيبه". 276- وسمعته يقول: إن من شرط الإجازة العلمية في البلاد

"مالي" أن يدرَس الطالب أكثر العلوم الشرعية، وبالأخص أصول الفقه، ثم قال: وأصول الفقه المالكية غير متوفرة عندنا، فلهذا قرّر المشايخ على الطلاّب أصول الفقه الشافعية كـ"الورقات" لإمام الحرمين، ونظمها، و"اللمع" للشيرازي، و"جمع الجوامع" وحواشيه، و"المستصفى" للغزالي، ولم أرَ بعيني من كتب أصول الفقه المالكي شيئًا حتى دخلتُ المدينة النبوية". 277- سمعته يقول: "دَرَّسْتُ في كليّات الجامعة الإسلامية كلّها وكنت أدرس فيها العقيدة والحديث وجميع الدروس التي كنت ألقيها موجودة عندي محتفظ بها". 278- وسمعته يقول: "دَرَّسْتُ بالمعهد العلمي بمكة سنة واحدة". 279- وسمعته يقول: "خرجت من أفريقيا سنة 1366هـ". 280- وسمعته يقول: "دخلت هذه البلاد السعودية سنة 1367هـ". 281- وسمعته يقول: "خطِّي كان في أول الأمر كوفيًّا بحت، ثم حاولت أن أحوِّله إلى فارسي، الفارسي هو المتداول الآن، وأصل الخط العربي الخط الكوفي، وقد رأيتُ خطّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو عندي، وخطُّه كوفي، والعبارة المكتوبة بخطِّه متضمِّنة لكلام يُمليه النبي صلى الله عليه وسلم على عليّ رضي الله عنه". 282- وسمعته يقول: "كلمة "الحاكمية" كلمة بدعة، أصلُها من المستشرقين تلفّقها منهم بعض الناس". 283- وسمعته يقول: "نحن الذين قال فينا زُهير بن أبي سلمى: "سود تنابيل"، والتنابيل معناها: القصار القامة". فقال رجلٌ للوالد: ولكن أنت طويل القامة؟، فقال الوالد: نحن نزعنا عرق، وذلك لأننا نتزوّج من الطوارق، وهم طوال" يعني: الغالب فيهم.

284- وسمعته يقول: "إن ساعتي هذه اشتريتُها سنة 1367هـ". 285- وسمعته يقول: "عهدي بمذهب المالكية الآن 45 سنة، ولَمّا كنت في البلاد لم يكن كتاب للمالكية إلاّ وعندي منه نسخة". 286- وسمعته يقول: "قرأت كتاب "الإحكام" في الأصول لابن حزم على شيخ لي متقن جدًّا لهذا الفن". ثم قال: "وأنا أرى أنّ على طالب العلم أن يقرأ كتب ابن حزم حتى يعرف من هو ابن حزم رحمه الله". 287- وسمعته يقول في سنة 1414هـ في شهر ذي القعدة: "عمري الآن سبعون سنة". 288- وسمعته يقول: "سألت والدتي: متى ولدت؟، فقالت: ولدت في السنة التي دخل أهل نجد فيها المدينة، وذلك سنة 1344هـ". 289- قلت أنا عبد الأول: كان الوالد يبدأ في أيّ درس يدرسه بهذه الخطبة وهي: "الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد: فإن أصدقَ الحديث: كتاب الله، وخير الهدْي: هدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم. من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له". يختم هذه الخطبة بقوله: "ما شاء الله ولا قوة إلاّ بالله". وكان يقول: "إن الإمام مالك كان يكثر أن يقول في بداية درسه: ما شاء الله ولا قوّة إلاّ بالله". 290- وسمعته يقول: "لما أُمِرَ بفتح جامعة إسلامية اختلفوا في أين تكون، فقلت للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: لو وضعتموها في المدينة فإنه سبق أن كانت في المدينة جامعة إسلامية ألا وهي أبو بكر رضي الله عنه يمثّل العرب، وبلال يمثّل الحبشة وهكذا".

291- سمعته يقول: "إن أحد المشايخ بالرياض اشترى كتبًا بمليون ريال ما بين مخطوط ومطبوع". 292- حدثني صاحبنا الشيخ عدنان بخش أن الوالد رحمه الله تعالى حضر مرّة في دار الحديث عند الشيخ المرشد مدير الدار، وذلك أيّام كانت هذه الدار في شارع أبي ذر، وكان الشيخ عمار الأخضر موجود في الدار فحصلت مناظرة في العقيدة أفحم الوالدُ فيها الشيخ عمار، وكان عمار أشعريًّا، وكان الوالد كلما أراد عمّار أن يتكلّم يقول له الوالد: انتظر، فلم يستطع أن يتكلم الشيخ عمار بشيء. وقال عدنان: قد فرحت بهذه المناظرة، لأن الشيخ عمار نناقشه فيغلبنا بعقيدته الأشعريّة، والحمد لله أنّ الشيخ حمّاد أفحمَه. قيّدت هذا الكلام في 6/6/1418هالثلاثاء صباحًا. 293- سمعته يقول: "إن الرياض في أيامنا كانت رياضًا". يعني: لكثرة العلماء وطلبة العلم على أيّامه. ثم قال: "لقد كنت أتنزّه فيها وأحيانًا أذهب إلى حديقة الحيونات لأتفرّج عليهم". 294- وسمعته يثني على أهل نجد ويذكر أنهم كانوا يكرمونَه ويخدمونه، ثم ذكر المشايخ في زمنه بالرياض، وقال: "تلك الأيّام تُسمّى أيّام المشايخ"، وقال: "كانوا مشتغلين في العلم في كل وقت، وما بقيَ منهم أحد اليوم إلا الشيخ ابن باز".

ثم أخذ يذكر بعضًا منهم: - محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى. - عبد الله عفيفي رحمه الله تعالى. - محمد عفيفي رحمه الله تعالى. - عبد الملك آل الشيخ رحمه الله تعالى. - عمر بن حسن رحمه الله تعالى. - إسحاق بن فارس رحمه الله تعالى. - أبو حبيب الشثري رحمه الله تعالى. - عبد العزيز المرشد رحمه الله تعالى. - عبد العزيز بن عبد الله بن حسن، وهو طالب علم جيِّد. - إبراهيم آل الشيخ وزير العدل سابقًا. 295- وسمعته يقول: "كنت أتذاكر مع الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى بعد صلاة العشاء بالرياض". 296- وسمعته يقول: "كان لي شيخٌ يقول لي: لا بدّ أن تسافر إلى نجد فإنّك إذا عشت معهم كأنك تعيش مع الصحابة". ثم قال الوالد: "وهذا الشيخ هو: محمد عبد الله المحمود رحمه الله تعالى". 297- وسمعته يقول: "دخلت الرياض سنة أربع وسبعين، وخرجت منها سنة خمس وثمانين". 298- وسمعته يقول: "كنت نسّاخًا للكتب عندما كنت في أفريقيا؛ لأن الكتب شحيحة".

299- قال الوالد: "كنت قد طبعت كتاب "السنة" للإمام أحمد وكتاب "التحف" للشوكاني ووزعتُها بين الطلاّب ونشرتُها، وذلك في أيّام توفّر الوسيلة الماديّة، أما الآن فلا". 300- وسمعته يقول: "كان مكتوب على باب من أبواب المسجد النبوي هذا الحديث وهو: "اللهم إنك أخرجتني من أحبّ البلاد إليّ فأسكنِّي في أحبِّ البلاد إليك" فأخبرت الطلاّب في الدرس الذي ألقيتُه في المسجد النبوي أنّ هذا الحديث كذبٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي أحد الأيّام التقيت برجل وأنا خارج من المسجد النبوي فقال لي: أنت حمّاد الأنصاري؟، فقلت له: ضائعٌ منك حماد الأنصاري؟، أنا حماد الأنصاري، فقال لي: أنت الذي تقول: إن الحديث الذي على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب؟، قلت: له: نعم، هو كذب، ولو كنتُ أعلم أنّ أمثالَك سيسمعون هذه الكلمة ما قلتُها لعدم معرفتكم بمعناها، فقال الرجل: بل أنت الكذب وأخذ بثوبي وقال: لا بدّ أن نذهب إلى المحكمة، فقلت له: بل أنا الذي أذهب بك إلى المحكمة، لست أنت الذي تذهب بي!، فذهبنا سويًّا إلى المحكمة وكان القاضي مشغول باجتماع مع بعض القضاة، وعندما دخلنا المحكمة صرخ خصمي صرخة أسمَعَتْ مَن في خارج المحكمة حيث قال: يا أيها الناس إنّ هذا الرجل يُكَذِب النبي صلى الله عليه وسلم، واجتمع بعض الناس علينا فذهبنا مرة ثانية إلى القاضي فرأيت أنه ما زال مشغولاً، فعدت إلى خصمي فلم أجده، فذهبت وعدت في يوم آخر وذكرت ذلك للقاضي فاستدعاه وهو مخذول يكاد يبكي يقول: إني كنتُ مخطئًا، وأخذ يكذب، فسامحتُه، فذهب، ثم بعد فترة عاد لمثل هذا العمل، والله المستعان".

301- سمعت الوالد أكثرَ من مرّة يقول: "إن هذا الحيّ حي الفيصليّة الذي أسكن ليس بخارج حدود الحرم النبوي الشريف، فطرفٌ من جبل عير يتجاوزنا فندخل من جهة هذا الطرف". 302- سمعته يقول: عندما كنتُ بالرياض سنة 1371هـ وما بعدها لم يكن في المتناول كثير من الكتب، وذلك لقلّة المطبوعات، وهذا من الأسباب التي جعلتني أقوم بالتأليف في أنواع علم مصطلح الحديث، فألّفت في الألقاب، والمدلِّسين، والمؤتلف والمختلف، والكذّابين. وكنت أقومُ بنسخ أيّ مخطوط أعثر عليه في فنّ المصطلح لِنُدْرة المطبوع منها". 303- حدثني الأستاذ جميل فلاته أنه كان يقرأ مع جماعة على الوالد رحمه الله تعالى "الترغيب والترهيب" للمنذري في بيته، وكان يشرحه لهم. 304- سمعته يقول: "في سنة 1367هـ كنتُ نشيطًا في جمع "الأثبات" التي تحوي الأسانيد إلى الكتب والأحاديث". 305- سمعته يقول: "أنا لم أرحل إلى "رابغ"، وقد أجازني مسندُها الأركاني مكاتبةً، وهذه الإجازة موجودة عندي". 306- وكان الولد رحمه الله تعالى إذا كان أحد الطلاّب يقرأ عليه فلحن ينشد هذا البيت: النحو زينٌ للفتى ... يكرمه حيث أتى من لم يكن يحسنه ... فحقه أن يسكُتَا وكان يشدّد ويحثّ على تعلم النحو في كثير من مجالسه التي يدرِّس فيها كتب العلم.

307- حدثني الأستاذ فهيم موظّف في مركز خدمة السنة معنا أنه سمع الوالد رحمه الله تعالى يقول: "حججت أول ما قدمت إلى هذه الديار على الجمل إلى مكة في اثني عشر يومًا". ولعلّه يقصد أنه حجّ من المدينة إلى مكة. ثم أتيت فهيم وسألته فقال: نعم من المدينة إلى مكة. 308- وسمعته يقول: "كل الذين في ثبت الشيخ حمود التويجري رحمه الله تعالى أروي عنهم من مشايخه ما عدا الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، وغيره ولكن قليل أهـ". 309- قال الدكتور الحكمي محقق كتاب "نظم قواعد المعرب" لمحمد الأنصاري: "فإن صلتي بنظم القواعد النفيسة كان إحدى ثمار اتصالي بفضيلة شيخنا العلامة حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله وبارك في علمه، فقد عرض عليّ قبل سنتين العمل في هذه القواعد بكتابة تعليق أو شرح يوضّح مسطورها ويكشف مكنونها، وكانت رغبة لفضيلة شيخنا توجه له فيها القصد، وأحسن بي الظن، وإن كنتُ دون ظنِّه بكثير". 310- كان الوالد يقول بعد انتهاء الدرس: "أسأل الله العظيم أن يجعلنا هداةً مهتدين". 311- وسمعته يقول: كنت مغرماً بالنظم وكنت لا أحفظ شيئاً حتى أنظمه. 312- تزوجت سنة 1375هـ وعمري 31 سنة، وقد حاول عمي تزويجي وأنا في بلاد مالي فأبيت. 313- سمعته يقول: في شبابي كنت أحفظ من أول وهلة فإذا سمعت من أحد شيئاً لا أنساه أما الآن فقد نقصت حافظتي.

314- وسمعته يقول: كنت بمكة من سنة 1367هـ إلى سنة 1371هـ. 315- وسمعته يقول: أحفظ الرحيبة في الفرائض وهي عندي كافية في هذا الفن. 316- وسمعته يقول: خطي الآن مخضرم: أندلسي ومشرقي. 317- وسمعته يقول: في سنة 1367هـ دخلت مكتبة عارف حكمت للبحث عن المخطوطات الغرائب أو النادرة. 318- وسمعته يقول: الشهور العجمية أحفظها نظماً. 319- وسمعته يقول: إن أصول الفقه الشافعي هي التي ندرسها في البلاد ولا يوجد عندنا سواها والكتب التي ندرسها تبدأ بالورقات لإمام الحرمين ثم اللمع ثم جمع الجوامع للسبكي. 320- سمعته يقول: بدأت في طلب علم الحديث سنة 1366هـ وكانت دراسة علم الحديث بأفريقيا ممنوعة إلا لمن بلغ الأربعين سنة. قلت: سنة 1366هـ كان الوالد بالحرمين. 321- سمعته يقول: سفري من البلاد إلى أن وصلت إلى الحرمين كان مغامرة. 322- سمعته يقول: إن أهلي وجماعتي بالبلاد "مالي" لم يجئ أحد منهم سوى الشيخ عمار وهو بمكة. 323- سمعته يقول: إن أصدقائي بمكة ما أكثرهم. 324- سمعته يقول: ركبت البحر أربع مرات.

325- سمعته يقول: قال لي مرة رجل من الرياض ما اسمك فقلت له: حماد بن محمد الأنصاري فقال متعجباً الأنصاري فقلت نعم الأنصاري فقال: لا يوجد أنصار اليوم فقلت له: يا عجباً هل بنو تميم موجودون قال: نعم، فقلت له: أكتب الله تعالى على الأنصار أن لا يتناسلوا وبنو تميم يتناسلون فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنصار يقلون وغيرهم يكثر فقلت ليس معنى الحديث أنهم ينعدمون. 326- سمعته يقول: سكنت في رباط محمد مظهر عندما قدمت إلى المدينة سنة 1369هـ في غرفة مليئة بالغبار. 327- سمعته يقول: إن أحد الناس أرسل رسالة لي وكتب فيها فضيلة الدكتور حماد الأنصاري فأرسلت إليه جواب رسالته وكتبت فيها أنا لست بدكتور إنما أنا مدكتر الدكاترة. 328- سمعته يقول: كنت ألح كثيراً على الشيخ محمد بن إبراهيم أل الشيخ أن يسمح لي بالنقلة إلى المدينة النبوية حتى وافق رحمه الله تعالى. 329- سمعته يقول: عند خروجي من بلاد مالي كان معي في الرحلة اثنان الشيخ عمار والشيخ أُحيد فقط خرجنا من البلاد سنة 1365هـ كنا نمشي بالليل وننام بالنهار، أخذنا في السفر سنة كاملة. 330- سمعته يقول: كنت مدرساً بمكة سنة 1367هـ. 331- سمعته يقول: في البلاد كان عندنا صحيح البخاري بحاشية السندي. 332- سمعته يقول: عندما كنت بالرياض كنا معشر طلبة العلم بها نجتمع مع المشايخ في الأسبوع مرة نقرأ في بعض كتب شيخ الإسلام أو ابن

القيم ولنا قارئ في هذا اليوم وكان الاجتماع هذا في بيت الشيخ عبد العزيز بن مرشد. 333- سمعته يقول: صحبت بالرياض الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عمر بن حسن آل الشيخ، والشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ رحمهم الله تعالى. 334- سمعته يقول: الأيام التي كنت فيها بالرياض أدرس في الكليات تلك كانت الأيام الذهبية. 335- وسمعته يقول: قدمت المدينة النبوية سنة 1385هـ. 336- سمعته يقول: سكنت في الخنساء بمكة المكرمة وقد عشت بمكة سبع سنين وكنت أدَرِّس بالصولتية، وكان يدرس بها: المشايخ حسن مشاط ومحمد نور سيف، وعلوي مالكي وأمين الحنفي وصالح كنتل وزكريا بيله جاوي وعلي بكر نيجيري. وكان علي هذا من العلماء، ويحي أمان الحنفي وكان يلقب بأبي حنيفة الصغير. ثم قال الوالد: والذين درسوا معي في الصولتيه كلهم سردتهم في كراس، وكان تدريسي في الصولتية سنة 1371هـ. درست فيها أربع سنوات فقط ثم خرجت منها إلى الرياض سنة 1374هـ. وكان مديرها سليم رحمه الله. والإندونيسيان زكريا بيليه وصالح كنتل عالمان. 337- سمعته يقول: دَرَسْتُ على الفاداني العالم بالأسانيد، علم الفلك بمكة المكرمة وعلم الفلك درسته كذلك بأفريقيا من منظومة للسوسي حفظتها ثم درستها وبعض العلوم من علوم الآلة نسيتها ولم أنس هذا العلم. والفاداني أعده آية من آيات الله في هذا العلم يعني علم الفلك مع أني ألتقيت بغيره.

338- سمعته يقول: كدت أحفظ "حاشية الجمل" في التفسير وذلك أننا ليس لنا في أفريقيا تفسير سواه. 339- سمعته يقول: كنا إذا أردنا الذهاب إلى مكة قديماً ركبنا سيارات كبيرة وهذه السيارات صعبة في السير. 340- سمعته يقول: من عادتي إذا قرأت كتاباً من الكتب أن أفرد ما فيه من الفوائد التي لا ينتبه إليها كل أحد. 341- سمعته يقول: كنا في البلاد "مالي" نحفظ ألفية ابن مالك ثم نعرضها على الشيخ ونستشكل ما فيها فيجيبنا على الاستشكالات. 342- سمعته يقول: إن عمي "البحر" كان هو المفتي والقاضي في البلاد، وكانت فرنسا لا تأخذ ممن حوله من الناس ضريبة بسبب أنه المفتي. 343- كان الوالد رحمه الله تعالى كثيراً ما يكرر هذا البيت: لكل إلى شأن العلى وثبات ... ولكن قليل في الرجال ثبات 344- سمعته يقول: أعرف "مدينة كانوا" جيداً وقد دَرَّسْتُ فيها كثيراً سنة 1366هـ. 345- سمعته يقول: من عادتي إذا قرأت كتاباً أن أقيد فوائده على جلدة الكتاب. 346- سمعته يقول: مكثت بمكة سبعة سنين أدرس بها وفي المدينة عشرين سنة. 347- أخبرني الشيخ عبد الله الحاج بمكة حفظه الله أن الوالد رحمه الله كان يحضر درس الأمين صاحب كتاب التفسير "أضواء البيان".

348- سمعته يقول: يوم دخلت السعودية في أول دخولي لها كان عمري تسعة عشر عاماً (19) سنة تقريباً، وفي سنة 1367هـ باشرت التدريس. 349- سمعته يقول: سكنت في المدينة النبوية قديماً جداً في رباط محمد مظهر ثم في رباط العجم. 350- سمعته يقول: عندما عدت للبلاد "مالي" بعد رحلتي الثانية مكثت في البلاد أقل من شهر ثم عدت في آخر محرم. 351- سمعته يقول: من أسباب خروجي من البلاد "مالي" أن طالب العلم لا يتمكن من طلب كثير من العلوم لأكثر من سبب سواء عدم وجود العلماء المتخصصين أو المراجع وغير ذلك ثم قال: خرجت من البلاد ليلاً ولا أحد يعلم من الجماعة وكان ذلك في موسم الربيع والأرض خَضِرة وركبت وصاحبي جملين قويين بسبب الأكل من هذه الخضرة خرجنا مسرعين وكانت الرحلة طويلة حيث إنا سلكنا الطريق الغير معتاد والطريق المعتاد نحو الشرق فاتجهت وصاحبي نحو الجنوب وكان على تلك الجهة بعض المستعمرين، وهذه الجهة بالنسبة للشرق شرها قليل جداً. وقد أخذنا ستة أشهر حتى وصلنا إلى السودان، وقد كنا نمشي ليلاً ونختفي نهاراً في وسط الغابات وتأذينا بسببها كثيراً، وكانت ثلاثة أشهر إلى مدينة كانو بدولة نيجيريا وثلاثة أشهر إلى دولة السودان. وقد رأيت السيارة أول مرة في مدينة كانو وقد ركبنا اللوريات وهي السيارة الكبيرة الخاصة بالبضائع، وبعنا الجمال التي معنا وتزودنا بمالها، وفي ذلك الزمان العالم الإسلامي كله مستعمر، والله المستعان. ثم قال الوالد: فعلى كل مسلم لم ير الإستعمار ولم يدركه أن يشكر الله تعالى على أن عينيه لم تر قبح وحماقة وشر المستعمر العنيد لعنه الله تعالى. 352- سمعته يقول: درَّست جامع الترمذي ثلاث مرات في كل مرة أختمه ثم أعود وأختمه ذلك لأني كنت معجباً به.

353- سمعته يقول: أعلى إسناد بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم عشرون رجلاً وذلك من طريق العلامة الأصولي الشوكاني رحمه الله تعالى، ولي إسناد عدد رجاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين، وإسناد أربعين رجلاً. 354- كان الوالد رحمه الله تعالى يردد أحياناً هذا البيت: ذهب الشباب ثم تنصرما ... فلا يعود إلى اللقا أبداً 355- سمعته يقول: بدأت في طلب علم الحديث وأنا ابن عشرين سنة ومن قبل كنت مع علوم الآلة، والفقه المالكي. 356- وقال أحد طلبة العلم للوالد: كيف العقيدة السلفية في البلاد؟ أو المكان الذي كنتم فيه؟ فقال الوالد: إن العقيدة سلفية؛ لأن رسالة ابن أبي زيد القيرواني متوفرة يقرؤونها ويحفظونها. 357- سمعته يقول: أحفظ أكثر ألفية العراقي في المصطلح. 358- كان الوالد رحمه الله تعالى يقول: أنا حماد الأنصاري الأندلسي الغرناطي الأفريقي المدني. 359- سمعته يقول: في شبابي ما كنت أنام بعد الظهيرة حتى الليل ثم أنام، أقضي الوقت كله في طلب العلم. 360- سمعته يقول: أَيْقَشْ بَكَرْ جَلَسٌ ... دَمَتْ هَنَثْ وَصَخُ زَعَذْ حَفَظْ طَضغٌ ... ذَا الْعَدُّ مُعْتَبَرُ

هذه الأحرف فيها الآحاد والعشرات والمئات والألوف، وهي عبارة عن أعداد، وهذه الطريقة كنا نستخدمها في البلاد "مالي" في معرفة أصحاب الفروض وتقسيم الفرائض، وهي عبارة عن أرقام. اهـ. قلت: وشرحها كالتالي: الهمزة للواحد، والباء للعشرة، والقاف للمائة، والشين للألف. والباء للاثنين، والكاف لعشرين، والراء لمأتين. والجيم لثلاثة، واللام لثلاثين، والسين لثلاثمائة. والدال لأربعة، والميم لأربعين، والثاء لأربعمائة. والهاء للخمسة، والنون لخمسين، والثاء لخمسمائة. والواو لستة، والصاد لستين، والخاء لستمائة. والزاي لسبعة، والعين لسبعين، والذال لسبعمائة. والحاء لثمانية، والفاء لثمانين، والظاء لثمانمائة. والطاء لتسعة، والضاد لتسعين، والغين لتسعمائة. قلت: هذا الشرح قام به الأخ الفاضل محمد المحمود الأنصاري طالب بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية حفظه الله. 361- سمعته يقول: إن أجدادي نزحوا من الأندلس في القرن العاشر إلى أفريقيا الغربية فنزلوا ضيوفاً على المسلمين من الأفارقة والسودان فشاهد السودان من علمهم وطلبهم للعلم الشئ الذي أذهلهم ورأوا أن هؤلاء الضيوف أهل علم ينفعونهم في دينهم وطاعتهم لله تعالى فرحّبوا بهم وأنزلوهم واحترموهم وسمحوا لهم بأن يستقروا في جزء من بلادهم واستقروا فعلاً في

أرضهم بإذنهم وتحت إشرافهم فأصبحوا يتلقون منهم العلم ويخدمونهم حتى طال الزمان وهم في رغدٍ من العيش، حتى داهمهم الاستعمار الفرنسي طالباً أن يكونوا تحت أمره فرفضوا أشد الرفض ولكن الكثرة تغلب الشجاعة فالكفار يمتلكون من السلاح الفاتك الكثير والمسلمون لا يملكون إلا السلاح القديم الأبيض، فقامت المعارك بين الأجداد وبين الكفار في النهار الجولة للكفار وفي الليل الجولة للمسلمين يهجمون على معسكرهم فيقتلون الجنود بحوافر الخيل، ودار الأمر كذلك حتى باغت الكفار المسلمين بجمع من الجنود والسلاح الفاتك عند الفجر بعد انقضاء الصلاة وهم يقرؤون حزبهم جماعياً وكانوا في حزب قوله تعالى {لقد رضي الله عن المؤمنين} فأطلقوا النار فجرحوا الكثير وقتلوا والله المستعان. 362- سمعته يقول: عندما وصلت إلى المدينة سنة 1367هـ التقيت برجل من أهل المدينة في المسجد النبوي: فقال لي تبحث عن منزل؟ أنا أدلك على منزل، فدلنا على المنزل فإذا هو قصر بجوار القلعة التي بقباء فسكنت هناك ويعتبر هذا المكان عند أهل المدينة بعيدًا جداً فكنت أمشي من هناك إلى المسجد النبوي أخرج لصلاة الفجر فلا أعود إلى المنزل إلا عند غلق المسجد بعد العشاء، وكنت أتسلح بعصا طويلة أحملها معي ضد الكلاب وأحمل معي أيضاً كشافاً يضئ لي من أجل المستنقعات التي في الطريق، والله المستعان. 363- سمعته يقول: عندما كنت أسكن بمكة المكرمة كنت أستأجر سيارة فأتجول في مكة كلها لأعرفها. 364- سمعته يقول: خرجت من البلاد مالي سنة 1365هـ. 365- سمعته يقول: في سنة1370هـ كنت أصلي بالمسجد الحرام وصليت بجوار أخ لي من الهند فبينما أنا في الصلاة إذ قام بضرب رجلي برجله

ضربة قوية فظننت أني عملت له عملاً أغضبه، وبعد الصلاة سألته ماذا حصل، فتكلم بلغته، فلم أفهم ما يقول، حتى جاء أحد الناس فترجم لي ما يقوله، وهو: إني أرفع يدي في غير تكبيرة الإحرام فتعجبت من كلامه هذا، فذهبت وتركته؛ لأني وجدته متعصباً جداً، ولن يتعلم الصواب لو علمته. 366- سمعته يقول: كنت في الحج حاجاً وكان في قدمي شقوق فما أستطيع المشي بسببها بلا جوارب فلبست الجوارب فكنت كلما مررت بأحد من الناس يأمرني بنزعها وشدد علي رجلٌ تشديدًا كبيرًا في نزعها فذكرت له الأثر الذي معي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا ولكن أبى أن يفهم فتركته. ثم قال الوالد: ومن أكبر البلايا أن يقابلك عامي وتحاول تعليمه ويرفض أن يتعلم، والله المستعان 367- سمعته يقول: كنت أدرس في المسجد النبوي كتاباً في التوحيد وفي يوم من الأيام قال لي أحد الناس بعد فراغي من الدرس أريد أن أنصحك نصيحة فقلت له تفضل فقال: هل رأيت أحدًا في هذه الأيام يدرس ما تدرسه؟. قلت له: لا، فقال: أتعلم ما السبب؟ فقال الوالد: لا أعلم، فقال نحن خططنا لهم حتى منعناهم من التدريس لأنهم كانوا يدرسون مثل ما تدرس أنت فالأحسن لك أن تمتنع عن التدريس قبل أن يصيبك ما أصابهم فنحن لا نريد هذا التوحيد الذي تدرسه قال الوالد: فأخذت أكلمه فذهب وامتنع أن يسمع، وهذا الرجل وأمثاله هم دائماً في الحرم وأعرف أسماءهم ولكن نسيتها الآن. 368- وسمعته يقول: السبب في أن عمري في التابعية مصغر أنني عندما دخلت على مدير الجنسية بمكة كان يدخن فنهيته فحمل علي في قلبه ثم سألني قال كم تبلغ من السن؟ فقلت: أنا من مواليد 1344هـ فقال لي: ليس كذلك أنت من مواليد 1350هـ، فكتبها هكذا.

369- وسمعته يقول: درست عقيدة ابن أبي زيد القيرواني على شيخ سلفي وذلك بأفريقيا، ودرست القسم الفقهي منها على شيخ أشعري. 370- وسمعته يقول: تركت التدريس العام بعد فتنة 1400هـ. 371- وكان رحمه الله تعالى: إذا أشكل عليه شيء من المسائل الفقهية راجع المغني لابن قدامه وكان كثيراً ما يفعل ذلك. 372- وسمعته يقول: كنت قبل فتنة 1400هـ أكتب عن نفسي خادم الشباب ثم كتبت بعدها حال مشاكل الشباب. 373- وسمعته يقول: أثناء دراستنا بأفريقيا كنا لا نسمع إلا بالمذهب المالكي والشافعي والحنفي، وإذا سألنا المشايخ عن المذهب الحنبلي يقولون لنا الإمام أحمد ليس له مذهب، وينشدون على لسان الإمام أحمد: لا تكتبوا ما قلته ... بل أصله اطلبوا 374- وسمعته يقول: إن كتاب الحيض درسته على المذاهب الأربعة، وذلك على يد المشايخ، ومع هذا كله مازال مُشكلاً عليّ إلى الآن وإذا سئلت عن مسألة فيه أكون أحير من ضب. 375- وسمعته يقول: فتنة 1400هـ وفتنة صدام وكذلك الخميني هؤلاء الثلاث هم السبب فى تركي للتدريس. ثم قال إن بعض من يحضر للدروس يتتبع الأخطاء والهفوات. 376- وسمعته يقول: كنت أدرس في المسجد النبوي قديمًا على ساكنه أفضل الصلاة وأتم التسليم النحو والتوحيد والحديث. 377- وسمعته يقول: كنت أجلس في الحرم المكي بجوار أحد أبوابه وذلك سنة 1367 هـ، وأنام على خَسَفهٍ عند هذا الباب وأخذت على هذا أربع سنين وأنا أبيت فى المسجد الحرام.

378- وسمعته يقول: أول ما قدمت الى هذه الديار السعودية كان معي مال كثير أنفقته كله في شراء الكتب حتى لم يبق معي شيء منه. 379- وسمعته يقول: لم يكن في مكتبتنا يعني طلبة العلم بإفريقيا من كتب الحديث سوى صحيح مسلم والبخاري وأبي داود ومعجم الطبراني الكبير. 380- وسمعته يقول: المنظومة الطليحية ندرسها ونحفظها في البلاد. 381- وسمعته يقول: اشترى المشايخ في البلاد القاموس المحيط في اللغة طبعة حجرية من رجل بناقتين وهذا يُعَدُّ شيئاً كثيراً. 382- وسمعته يقول: في البلاد نُغَيِّبُ الألفية لابن مالك على الألواح وغير الألفية. 383- وسمعته يقول: نحن في البلاد أقرب إلى دولة النيجر من مالي. 384- وسمعته يقول: نحن كانت لنا علاقة قوية بالكنتيين. قلت: الكنتيون قبيلة مشهورةٌ في البلاد مالي يغلب على أهلها طلب العلم الشرعي. 385- وسمعته يقول: سكنت في المدينة فى البساطية ثم في حي المصانع ثم بالحرة الشرقية ثم بحي الفيصلية. 386- وسمعته يقول: دَرَّسْتُ في الدراسة النظامية خمساً وأربعين سنة. قلت يعني مراحل الجامعة وما قبلها. 387- وسمعته يقول: عينت أستاذًا مشاركًا على يد الشيخ عبد المحسن العباد عندما كان رئيساً للجامعة ثم عينت قبل التقاعد بشهرين أستاذ كرسي ولكن بعد فوات الأوان.

388- وسمعته يقول: كنت أذهب مع الانتدابات التي تقوم بها الجامعة الإسلامية، وجمعت بسببها أموالاً كثيرة وقد أعانني الله عز وجل على صرفها على الأخوان والأصحاب ممن له حاجة منهم فقد قلت لهم: من كان له حاجة فليأت، فمنهم من أقرضته خمسة عشر ألفاً ومنهم من أقرضته عشرين ألفاً وهكذا حتى لم يبق منها شيء ولله الحمد. 389- وسمعته يقول: إن نسبي إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه موجود لدى الآن، نقل من على صخرة كان مكتوباً عليها عند رأس قبر لجد من أجدادي وهذه الصخرة طويلة. قلت: ونسب جماعة الوالد أشهر من نارٍ على علم. 390- وقال أحد تلاميذ الوالد يناديه يا شيخ فقال أنا لست من المشايخ. قلت: قالها تواضعاً رحمه الله تعالى. 391- وسمعته يقول: كان الأولاد فى البلاد يحفظون القران فى سن الخامسة. 392- وسمعته يقول: فى البلاد ما درست كتاباً إلا وحفظته وذلك لقلة الكتب وندرتها عندنا. 393- وسمعته يقول: كنا في البلاد نتداول الكتاب الواحد مائة رجل وذلك لعدم توفر الكتب، وكنا نقسم الكتاب الواحد إلى ملازم كل شخص يأخذ ملزمة ويقرأها ويحفظها. 394- وسمعته يقول: جاءني تيسير اليمني ورجل آخر في البيت فى وقت متأخر من الليل فطرقا الباب فنظرت من النافذة ورأيتهما وفتحت لهما الباب فدخلا المكتبة، فقلت لهما: إن مجيئكما في هذا الوقت يظهر أنه لأمر

خطير فقالا: نعم إنك تعلم أن في ظفار حربًا بين المسلمين والشيوعيين فقلت: نعم، أعلم. فقالا: أذن تذهب معنا إليها فقلت: لا أذهب حتى أدرس هذه المسألة، فإنكما أتيتما مفاجأة. قال الوالد ولم أذهب معهم. 395- كان الوالد رحمه الله يعرف مواطن القبائل ومضاربها في الجزيرة العربية ويناقش أهلها فيها. 396- وسمعته يقول: إن الإسحاقيين خمسون قبيلة هذه أعرفها وسبب معرفتي إياها أن كل قبيلة من الخمسين لهم تلاميذ يدرسون عندنا، وكنت إذا مررت بقبائلهم الكبيرة نزلت عليهم. قلت: الاسحاقيون: قبيلة كبيرة في دولة مالي بصحرائها. 397- وسمعته يقول: في سنة 1415هـ في الشهر الرابع منه لثلاث ليالٍ منه في عصر يوم الخميس: إني لا أستطيع الآن قراءة المخطوطات، وقراءتها تتعب عيني. 398- وسمعته يقول: كنت أحفظ مذهب الإمام مالك حفظاً تاماً وأستحضره. 399- وسمعته يقول: في هجرتي إلى هذه البلاد كتب لي شيخي محمد عبد الله ابن محمود تزكية وأمرني بتسليمها للشيخ عبد الملك آل الشيخ. 400- وسمعته يقول: أيام الرياض أيام النشاط يعني عندما كان في الرياض. 401- وسمعته يقول: دَرَّسْتُ كتاب التوحيد كله للإمام ابن خزيمة فى المسجد النبوي، وكذلك كتاب الإبانة لأبي الحسين الأشعري مع تعليقاتي عليه كله.

402- وسمعته يقول: كتاب أطراف الحديث لأبي هاجر ما استفدت منه إلا مرة واحدة، وذلك أن أغلب الأحاديث التي فيه أعرف مواضعها في الكتب، وإنما أرجع إليه في الأحاديث الغريبة. 403- وسمعته يقول: في هجرتي إلى بلاد الحرمين كان معي الشيخ عمار والشيخ رضوان. 404- وسمعته يقول: محفوظاتي في الصغر أغلبها نسيته وبقي منها القليل. 405- وسمعته يقول: كتاب البخاري ومسلم وأبى داود والموطأ هذه الكتب كانت في مكتبتي في البلاد وليس عندي غير هذه الكتب في الحديث. 406- وسمعته يقول: كنت احفظ منظومة جمع الجوامع للسيوطي. 407- وسمعته يقول: خرقة الصوفية موجودة في البلاد التي كنا بها، ولكن كان علماؤنا يبد لونها بالعمامة فلا يعد العالم عالماً حتى يلبسه أكبر العلماء العمامة. 408- وسمعته يقول: انتقلت من الرياض سنة 1385هـ وقد مكثت فيها إحدى عشر سنة. 409- وسمعته يقول: في أول قدومي للرياض دَرَّسْتُ في المعهد الثانوي سنة واحدة وبعد أن مكثت في الرياض سنين عديدة طلبت من الشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبد اللطيف آل الشيخ أن انتقل إلى المدينة فامتنعا، ثم بعد وقت طلبت منهما الانتقال فوافقا. 410- وسمعته يقول: كنت أحرص على معرفة التاريخ فترة من الزمن وبالأخص تاريخ الجزيرة العربية، ولم يبق من أهل الجزيرة العربية إلا صنفان من

الناس حافظوا على أنسابهم وبلادهم وهم أهل نجد وأهل اليمن مع كثرة الفتن، أما أهل الحجاز فلم يستطيعوا أن يسيطروا على أنسابهم وبلادهم بسبب كثرة الفتن، وتستطيع أن تستثني من أهل الحجاز أهل الجنوب فقد حافظوا على أنسابهم وبلادهم ففي فتنة الشريف مع تركيا خاصة أخرج كثير من أهل الحجاز من الحجاز، فقد كان الأتراك يحملونهم في القطارات إلى بلادهم، وقد التقيت مع أُناس شاهدوا هذه الفتنة وحدثوني عن الحال التي وصل إليها العرب في ذلك الوقت ودولتان لا يوجد فيهما عرب محافظون على عروبتهم تركيا والهند. 411- وسمعته يقول: كنت أُحفظ حاشية الخضري في النحو في أفريقيا. 412- وسمعته يقول: مكتبتي في البلاد بها سنن أبي داود والموطأ والمعجم الكبير للطبراني وصحيح البخاري. 413- وسمعته يقول: معجم الطبراني الكبير كنا في البلاد نقرأه حتى نُطبِّقَ به قواعد الإعراب لا للتفقه بما فيه. 414- وسمعته يقول: في سنة 1367هـ كنت نشطاً في جمع الأثبات الحديثية. 415- وسمعته يقول: إن رسالة شيخ الإسلام في تنوع العبادات كنت أشتغل بها أيام النشاط والذاكرة. 416- وسمعته يقول: لما طلبت مني الحكومة السعودية أن آخذ التابعية قدمت لها، فقال لي رئيس الجوازات: أحضر جواز السفر، فقلت له إن الاستعمار الفرنسي كافر، وهو الذي يحكم البلاد التي هاجرت منها، فقلت له:

لا أحضر جواز سفر من عند الكفار، فقال لي إذن نسفرك أو نسجنك، فقلت له: افعل ما شئت، فإني لا أذهب إلى الكفار لأطلب منهم جواز سفر. 417- وسمعته يقول: كان عندي فى البلاد نسخة فريدة للقاموس في اللغة يضرب إليها فرامل الكدلكات. 418- وسمعته يقول: معجم الطبراني الذي كنت أملك منه نسخة في البلاد، كنا نقرأ فيه نتعلم القراءة لا لقراءة الحديث. 419- وسمعته يقول: كنا نقرأ في البلاد على شيخ أعجوبة في علم اللغة والآداب، وكان أحدنا إذا لحن أثناء القراءة عليه يوبخه توبيخاً عظيماً، حتى قد يبكى بعضنا. 420- حدثني الشيخ محمد بن عبد الوهاب العقيل أن الوالد حدثه أنه دخل مكتبة ليشتري بعض الكتب، فرأى كتاباً عن الرافضة في السعودية، فقال الوالد بصوت مرتفع للبائع: هؤلاء ما انتهوا، يعني ما انتهت كثرتهم، فقال له رجل من شيعة الشرقية كان في المكتبة يشتري: يا شيخ نحن عددنا اليوم مليون نسمة، وسنزداد أكثر فأكثر وسترون. 421- وسمعته يقول: قرأت الخزرجية في العروض وهي نظم مع شرحها واستفدت منها. 422- وسمعته يقول: ما كان في الرياض أثناء إقامتي بها ألا مكتبة قرطاسية لعبد الرؤوف المليباري، ثم عزمت أنا وجماعة من الإخوان على تأسيس مكتبة علمية واشترطنا ألاَّ يباع فيها ألا كتب السلف وأن تباع بسعر منخفض، وعَيَّنَّا عليها طالباً اسمه عبد العزيز التويجري، ومكثت هذه المكتبة إحدى عشرة سنة ثم انتهى ما فيها من الكتب ثم أغلقت ومن بعد ذلك الحين بدأت المكاتب تنتشر.

423- وسمعته يقول: إن والدتي كانت ماهرة في الطب الشعبي وخاصة طب العيون، وقد تدلت إحدى عيني رجل بسبب ضربة عليها، واستطاعت والدتي أن تعالجه حتى أصبحت سلمية. وقذفني رجل مرة بحجر فأصاب إحدى عيني فجئت إليها فعالجتني، وقد تعلمت هذا الطب من بعض نساء الحي. 424- وسمعته يقول: إن الشيخ عمار بن الحسن بن حذيفة بن حنه ولدت أنا وهو في سنة واحدة، وخرجنا من البلاد سوياً سنة 1365هـ ووصلنا هنا سنة 1367هـ وقد دَرَّسْتُ أنا في السودان وغيرها. 425- وسمعته يقول: كنت أعهد المدينة النبوية سنة 1368هـ إلى سنة 1370هـ تكثر فيها الأمطار الغزيرة وكنت إذا مشيت من الحرم إلى قباء أرى كثيراً من المستنقعات المليئة بالماء والمدينة كلها خضراء وكان البرد في المدينة لا يأتي إلا بعد هطول المطر وكان في المدينة عيون كثيرة، وكان بجانب المسجد النبوي عين تفور كنا نسبح فيها، وبها حيتان أو ثعابين. وبعد أن غادرت المدينة قدمت إليها بعد زمن فلم أرى تلك العيون الكثيرة، وسألت بعض الناس عن تلك العيون فقال لي: غارت بسبب سحبها. 426- وسمعته يقول: قدمت المدينة من الرياض سنة 1385هـ وكنت قبل ذلك في الرياض. 427- وسمعته يقول: قال لي أحد المشايخ التجار: هذه المخطوطات التي تمتلكها لماذا لا تطبعها؟ فقلت له: يا عجباً منك أنت الذي لا تدري ما عندك من الملايين لم تطبعها، وأنا الفقير المتقوقع في بيتي أطبعها، فهذه المخطوطات من عندي والمال من عندك فنطبعها ولكن اكتشفت أنه قالها كلمة فقط.

428- وسمعته يقول: إن سبب ضعف بصري إني كنت في أحد المساجد أقرأ في مصحف صغير وكان بجواري رجل، فقال لي: أنت في هذه السن وتقرأ في هذا المصحف وبعد الصلاة خرجت من المسجد، فلما جاء الصباح أصابني مرض في عيني فأصبحت لا أري إلا قليلاً. 429- وسمعته يقول: لم أنم طول حياتي بعد العصر إلا إذا كنت مريضاً. 430- وسمعته يقول: كانت الجامعة الإسلامية تصور مني ما أنسخه من المخطوطات التي أملكها. 431- وسمعته يقول: كنت حافظاً لمذهب الإمام مالك عندما كنت في البلاد حفظاً قوياً، وتركت مراجعته عندما ذهبت إلى مكة سنة 1367هـ في رمضان في خمس مضين منه، وقبل أن أدخل مكة سُجِنتُ في الباخرة بجدة وذلك لعدم حملي جواز سفر، ثم أطلق سراحي عندما أخبرناهم أنَّنا مهاجرون وهاربون من الاستعمار الفرنسي الذي يسيطر على إفريقيا في ذلك الوقت. 432- وسمعته يقول: كنت اُدَرِسَ في الرياض في مسجد الشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ من بعد صلاة الفجر الى طلوع الشمس العقيدة وكان الشيخ محمد بن إبراهيم يُدَرِس بعد المغرب وتدريسي هذا كان بناء على طلب من الشيخ وكانت العادة عند مشايخ نجد أنهم يبدؤون الدروس من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس بوقت يسير. 433- وسمعته يقول: كنت إماماً في علم الفرائض بدأت تدريسها سنة 1369 هـ، وكنت أحفظ الرحبية نظم في علم الفرائض، ثم تركت تدريس علم الفرائض بسبب عدم وجود من يرغب فيه في ذلك الوقت.

434- وسمعته يقول: إن الساعة التي في جيبي اشتريتها سنة 1367هـ وهي معي إلى الآن، قلت: توفي وهي معه رحمه الله، وهذه الساعة على التوقيت العربي لا الإفرنجي السائد في هذا الوقت. 435- وسمعته يقول: عملت في المكتبة السعودية بالرياض عشر سنوات. 436- وسمعته يقول: ما دخلت على أمير قط، وتأتيني دعوات من بعض الأمراء فما أذهب. 437- وسمعته يقول: باشرت التدريس في كلية الشريعة بالرياض سنة 1373هقبل فتح معهد إمام الدعوة وذلك بطلب من الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ وقد تتلمذ علي يدي في كلية الشريعة أو قال في معهد إمام الدعوة كل من عبد الرحمن بن مقرن، عبد الرحمن بن عتيق، عبد الله بن جبرين وغيهب هذا قال الوالد عنه: هو رجل عظيم ممتاز في كل الدروس، ومحمد بن عبد الرحمن الفرحان كذلك من الممتازين، ومحمد فواز وهو الآن في الداخلية وهو من الجيدين، وعبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ وكان لا يخرج من بيتي من شدة ملازمته لي في العلم وكان يرى بعين واحدة، ويقرأ عليّ وأنا أشرح له ما يقرأه من الكتب، ثم بعد زمن مرضت عينه التي لا يبصر بها فأمرت الدولة أن يسافر للعلاج، ونصحته ألا يسافر، ولكن سافر وبعد رجوعه حصل المقدر وهو ذهاب العين الأخرى هؤلاء هم الملازمون لي في الرياض إما في البيت وإما في المدرسة وإما خارج الرياض عندما نذهب للصيد في وادي حنيفة وخريص. قلت: عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ هو مفتي المملكة السعودية الآن. 438- وسمعته يقول: كنت أُدَرِّسُ في الصولتيه الموطأ والبخاري وسنن أبى داود، أيامنا تلك كانت أيام علم وكثرة مشايخ، وقد بلغ مشايخي مائة شيخ من مختلف القارات.

439- وسمعته يقول: كانوا بالرياض يلقبونني في الكلية بحال المشكلات يعني المشكلات العلمية. 440- وسمعته يقول: إن نسبي أُرسِلَ إلىَّ من مكتبتي التي تركتها في البلاد، قلت: حيث إنَّ الوالد كما تقدم خرج مهاجراً، ولم يحمل معه إلا مصحفاً. أهـ. 441- وسمعته يقول: منذ أن ارتديت المشلح ما خرجت من البيت بدونه. 442- وسمعته يقول: أتتني رسالتان من رجل وامرأة من أهل مكة يطلبان أن اكتب لهم ترجمة شخصية لي فأبيت. ثم قال: لقد حججت إحدى وعشرين سنة من سنة 1367هـ إلى سنة 1387هـ. وكنت أحب الاستطلاع والذهاب لرؤية الأماكن الأثرية. 443- وسمعته يقول: ما أعرف حارة بمكة إلا وسكنت فيها، والمثل يقول من لم يكن له دار فله فى كل يوم جار. 444- وسمعته يقول: فهرست ثلاثين ألف كتاب بيدي في المكتبة السعودية بالرياض ولله الحمد وقد أشار عليّ الشيخ محمد إبراهيم آل الشيخ أن أساعد ابن قاسم في ترتيب الكتب وفهرستها. 445- وسمعته يقول: انتقلت من الرياض الى المدينة سنة 1385هـ وأقمت بالرياض إحدى عشرة سنة. 446- وسمعته يقول: في سنة 1365هـ ذهبت الى مكان قرب عرفة بمكة المكرمة أسمه الحسينية تكثر فيه البساتين فرأيت أهله ناس على لون العرب القدماء فخاطبتهم بقول ما هي أركان الإسلام فلم يجيبوا فقلت لهم أين

رئيسكم فقالوا هذا وأشاروا إلى رجل منهم طويل القامة فسألته السؤال السابق فأجاب أركان الإسلام مالك وأبو حنيفة والشافعي ونسيت الرابع فقلت له لعلك تقصد الرابع الإمام احمد فقال نعم نعم هو الرابع ثم قلت له أظنك لم تفهم سؤالي تظن أني سألتك عن أئمة المذاهب الأربعة فقال لي كيفما قلت فالإجابة ما سمعت. 447- وسمعته يقول: دَرَسْتُ فى العلوم الشرعية على الشيخ عمر بري صحيح مسلم والترمذي والشيخ عبد الخير قرأت عليه سنن ابن ماجة والشيخ محمد الأمين الشنقيطي قرأت عليه أقرب المسالك. 448- وقال: ما علمت عن مكتبة خاصة بالرياض عندما كنت بها إلاّ ودخلتها ونظرت فى محتوياتها. 449- وقال: عندما انتقلت من الرياض أمر لي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بسيارة كبيرة لتنقل كتبي والمكتبة التي كانت معي في الرياض هي نصف مكتبتي والنصف الآخر بمكة. 450- وسمعته يقول: وقد كان أحد المشايخ في بلاد مالي إذا أراد أن يدرسنا الصرف يقول للعامة وبعض الحضور اذهبوا الى أعمالكم وزرعكم ورعيكم فان هذا العلم لا تعرفونه. 451- وسمعته يقول: دخلت السعودية سنة 1367هـ في شهر رمضان لخمس مضين منه. 452- وسمعته يقول: بدأت التدريس فى الصولتيه سنة 1371هـ إلى سنة 1374هـ ثم انتقلت إلى الرياض. 453- دَرَسْتُ على الشيخين الشيخ عبد الرزاق حمزة وكان يدرس

عند باب على رضي الله عنه بالمسجد الحرام وكذلك الشيخ عبد الحق الهاشمي درست عليه وكان يدرس عند باب إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. 454- وسمعته يقول: عمي البحر هو الذي تربيت على يده بالبلاد مالي. 455- وسمعته يقول: إن والدي طلق والدتي وأنا طفل فعشت معها وتوفي والدي وأنا ابن ثماني سنين وبدأت فى طلب العلم وأنا ابن ثماني سنين وقد درست على عمي البحر علوم الآلة في اللغة وغيرها ولله الحمد. 456- بدأت في دراسة مصطلح الحديث سنة 1366هـ وعندما كنت في البلاد كنت أسأل مشايخي عن الكتب المؤلفة في المصطلح أو في بعض أنواعه فيقولون لا نعرف عنها شيئاً فلما قدمت الى السعودية بحثت عنها فرأيت بعضها ولله الحمد. 457- وسمعته يقول: دَرَّسْتُ العلم ونشرته خمساً وأربعين سنة وقد نويت أن أسجل أسماء التلاميذ الذين تلقوا عني العلم، وسأقيد المشاهير منهم وأما الأساتذة فقد قيدتهم ولله الحمد. 458- وسمعته يقول: إن مما عطلني عن الأسفار حتى إلى مكة المكرمة مرض عيني الذي أُصبيت به سنة 1411هـ في شهر رمضان. 459- وسمعته يقول: كنت إذا حضر عندي بالمكتبة قارئ للقران الكريم آمره أن يقرأ ما تيسر من كتاب الله تعالى ثم أقوم بالتعليق على الآيات التي قراءها قلت: كان الوالد رحمه الله تعالى إذا حضر بعض المجالس من عادته فيها أن يأمر أحد الحاضرين أن يقرأ شيئاً من القرآن ثم يقوم بشرح

الآيات وأحياناً يسأله بعض الحاضرين عن مسألة فيقوم بالإجابة عنها ويستطرد في الجواب أحياناً فإذا حضر الطعام يقول: يقولون إذا حضر الهرس بطل الدرس. 460- قال الوالد: كنا في البلاد لا ندرس شيئاً من العلم حتى نحفظه وممنوع عند مشايخنا الدراسة قبل الحفظ. 461- وقال الوالد: إن عهدي بالاشتغال بالنحو سنة 1364هـ. 462- وقال الوالد: ونسخه حاشية الجمل على الجلالين هذه التي في مكتبتي هي التي كانت عندي في إفريقيا. 463- وقال الوالد: جئت إلى هذه البلاد سنة 1367هـ وإن سنة 1369هـ هو زمن العلم وبقيت في المدينة النبوية سنتين أي من سنة 1367هـ إلى سنة 1369هـ ثم رجعت إلى مكة للتدريس بعد أن بقيت في المدينة سنتين فقط. 464- وقال الوالد: كنا نرقد على الخصفة ولا نبحث عن الكماليات. 465- وقال الوالد: كنت أسكن في الرياض سنة 1375هـ في بيت من بيوتها القديمة أسكنتني فيه الدولة وقامت بفرشه لنا وذلك أيام الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى، وكان عبد الله ابن خميس هو الذي يدل المشايخ على البيوت حتى يختاروا واحداً منها. قلت: إن الوالد رحمه الله تعالى كان يحب التحدث عن أخبار بلاد أفريقيا والبلاد التي رحل إليها. كان يكثر من التحدث في هذا جداً وكان إذا حضر عنده أحد من الأفارقة أو أحد من البلاد التي رحل إليها كمصر مثلاً أخذ يتحدث عن هذه البلاد وَيُعَرَّفِهَا ويذكر أماكن كثيرة زارها ويصفها أكثر من أهلها وقد يُخَطَّئُ أهلها في بعض الأمور التي شاهدها فيها.

466- وقال الوالد: أول ما عرفت كتب الحديث في السودان لما دخلتها. 467- قال الوالد: لما كنت شاباً كنت حافظاً وكل ما قرأته كنت أحفظه. 468- وقال الوالد: إن قراءة كتب الحديث كالبخاري ومسلم ونحوهما. كانت ممنوعة من قبل مشايخنا حتى يبلغ الواحد سن الأربعين أو قبلها بقليل يعني الوالد بقوله هذا التفقه من خلال هذه الكتب والله أعلم. 469- وقال الوالد: إن من أسباب خروجي من أفريقيا عدم تدريس علم الحديث ومنعه. 470- وقال الوالد: أرادوا تعييني مدرساً في مدارس فرنسا التي في البلاد أدرس العرب المسلمين فلما عُرِضَ علي هذا الأمر أخذت أفكر فيه إلى منتصف الليل ثم قمت إلى بعض أصحابي في آخر الليل، فأيقظتهم من النوم، وقلت لهم: أنا عازم على الهروب. قالوا: إلى أين تهرب؟ قلت: إلى آسيا إلى الحرمين. فقالوا: ونحن معك، وكان الوقت وقت الخريف وذلك وقت كثرة الإبل فاخترنا أحسن الإبل وركبناها ونحن ثلاثة فقط. أنا الثالث. وكم منا فم كل جمل حتى لا يخرج صوتاً. وخرجنا في ليلة مظلمة في غابات من الشجر وسرنا سيراً شديداً حتى قطعنا مسافة يومين حيث لو أراد أحد من أهل الحي أن يلحق بنا، ما استطاع. حتى وصلنا مكاناً يعرف بقاوا قريب من النيجر ثم سرنا إلى كني وهذه تابعة للنيجر، وكني هذه من يصل إليها سيغامر؛ لأن ذلك في أيام الحرب العالمية وكان المستعمر له إقامة في هذا المكان وهو كني فلما اقتربنا منها صلينا المغرب والعشاء جمعاً وقصراً. ثم أقبلنا على الجيش الفرنسي وكان في الغرب وبريطانيا في الشرق فلما أقبلنا على الفرنسيين أقبل علينا رجل منهم يركب فرساً أسود ذنبه يصل الأرض فأشار إلينا إشارة إلى أين؟ فأشرنا إليه من تلك القرية وهذه القرية

التي أشرنا له إليها تتجاوز الحدود يعني حدود النيجر ثم سرنا حتى أتينا على الجيش البريطاني فتعجبوا منا وقالوا: كيف تخلصتم من الجيش الفرنسي؟ قلنا: أنجانا الله منهم فقالوا لنا: تفضلوا فأجلسونا في برحة كبيرة، وقالوا لنا: ستبيتون عندنا اليوم ضيوفاً فقلنا: لا، نحن نريد الليلة منطقة هناك، ثم قال الوالد: وكنا كلما مررنا بمدينة كبيرة أكرمنا البريطانيون وينزلوننا في بيوت الضيوف فالفرنسي شرس وأما البريطاني فصبور. 471- قال الوالد: أنا من جملة من وضع منهج التدريس للجامعة الإسلامية. 472- قال الوالد: إن شيخاً لي علمنا التوحيد من ألفية النحو لابن مالك. قلت: لم يسم الوالد هذا الشيخ. 473- قال الوالد: وقد دَرَسْتُ الهداية في الفقه الحنفي في مدرسة العلوم الشرعية، وهذه المدرسة هي أكبر جامعة في العالم في ذلك الوقت، وكان محمد خيال هو المشرف عليها، وكانت هذه المدرسة للهنود يعني هم أصحابها ثم قال: وهم نقشبندية وما توريدية، والدولة السعودية لما رأت أن أكبر مدرستين هما الصولتية والعلوم الشرعية عينت لهما مدرسين سلفيين ولما جئت لأَدْرُسَ في العلوم الشرعية ذهبت إلى مديرها وهو من الهنود فقال لي: أين شهادتك؟ قلت: ما معي إلا إجازات من المشايخ. فقال لي: اذهب إلى محمد خيال فذهبت إليه فما سألني عن الشهادة، إنما سألني عما درست من العلوم فذكرت له أني درست في كتاب التوحيد وكشف الشبهات وفي الحديث عمدة الأحكام وهكذا، فقال لي: غداً تأتيني في الحرم فصليت معه الفجر، وخرجنا سوياً إلى المدرسة الشرعية فقال للطلاب: اليوم يقرأ الأنصاري في فتح الباري شرح صحيح البخاري، ثم يقرأ في

فتح المجيد، وقرأت، فقال لي: أنت ناجح عندي، وكتب لي ورقة إلى المدير فأعطيته الورقة، فقال لي: أنت نضعك في العالي، قال الوالد: العالي مثل الدراسات العليا اليوم. 474- قال الوالد: أنا كنت أَدْرُس في دار العلوم الشرعية بالمدينة وأُدَرِّسُ فيها سنة 1369هـ ثم ذهبت من المدينة إلى مكة فَدَرَسْتُ في الصولتية. 475- قال الوالد: أنا وصلت مكة سنة 1367هـ ثم بعد الحج ذهبت إلى المدينة. 476- قال الوالد: إن الشيخ محمد بن عبد الله المدني لما خرجت من البلاد مالي كان قد أعطاني أسماء كل من نزل عليهم سواء في دولة السودان أو غيرها حتى أنزل عليهم وكتبهم لي في ورقة. قلت: إن الوالد رحمه الله تعالى في كل رمضان إذا التقى بمن يعرفه يقول له: أهنئك بهذا الشهر واسأل الله أن يعيننا على صيامه وقيامه. والوالد منذ أن صحبته لم أره يصلي التراويح إلا خمس تسليمات ولم يكن يصلي هذه الخمسة على مذهب من يقول: إنها لا تصلى إلا عشراً إنما كان يستحسن هذا الفعل وكان يشدد على من يرى إن التراويح لا تصلى إلا إحدى عشر ركعة ويرى أنه قد ضيق واسعاً. 477- قال الوالد: إن الاستعمار منع المشايخ من تدريس كتاب الجهاد ضمن أبواب الفقه في البلاد مالي. 478- سمعت الوالد يقول: من سنة 1374هـ إلى سنة 1385هـ مكثت في الرياض. 479- قال الوالد: إن كتاب الروضة للنووي كان عندي فأهديته.

480- قال الوالد: كان عهدي بمكة قبل أن أحال على التقاعد يعني سنة 1410هـ. قلت: ولم يسافر الوالد إلى مكة بعد هذه السنة إلى أن توفي رحمه الله وكان كلما ذكر له السفر ينشد: ألقيت عصا التسيار من غير مرية ولا………… ولا تردد، وكان الوالد يستثقل السفر كثيراً في آخر حياته. 481- قال الوالد: دَرَّسْتُ في دار العلوم الشرعية بالمدينة ثم دَرَّسْتُ بعدها في الصولتية وذلك سنة 1374هـ. 482- كان الوالد كثيراً ما يسأل من حضر عنده في مكتبته ما الذي جدّ في العلم من كتب وغيرها. 483- قال الوالد: لما رأيت الدنيا قد تغيرت خرجت من البلاد "مالي". 484- قال الوالد: كان الناس في البلاد يقرؤون الحزب من القرآن بعد صلاة المغرب وبعد صلاة العشاء. 485- قال الوالد: لما خرجت من البلاد بحثت عن صحبة حتى وجدت ثلاثة نفر. قلت: لم يذكر أسماءهم الوالد، قلت: يعنى صحبة يهاجرون معه. 486- كان الوالد رحمه الله يكثر أن يقول لمن حضر مجلسه أو استأذن للخروج حياكم الله وبارك الله فيكم يقولها للواحد وللجماعة. 487- قال الوالد: إن بعض الناس يلقبونني الدكتور وأقول لهم: لا، إنما أنا شيخ الدكاترة. 488- قال الوالد: كنت أيام الشباب أنسخ الكتب المخطوطة إلى الفجر.

489- وسمعته يقول: كنت أنتحل النظم وأقول الشعر بكثرة وكان من شغفي به أني كنت أقوله في الصلاة، فسألت الله أن يعيذني منه فصرت لا أستطيع أن أقول بيتاً. 490- وكان رحمه الله تعالى كثيراً ما يجلس في صالة المنزل قبل الظهيرة وبعدها ويأخذ أي كتاب من مكتبته ويقرأه بصوت عال على طريقة أهل البلاد، فإن لها نغمة خاصة. 491- سمعته يقول: إن مكتبة الحرم المكي أعرفها تماماً أخذت فيها سبع سنوات أنسخ ما فيها من المخطوطات وغيرها وفي ذلك الوقت لا يوجد تصوير. 492- قال الوالد: إن اللغة الإفرنجية ما تعلمتها وإن شاء الله لا أتعلمها، لقد فاتنا الوقت ولو كنت تعلمتها في الصغر والشباب لا بأس بذلك. 493- قال الوالد: كنت قد عزمت قديماً على جمع من بيض له ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل وأبحث عن تراجمهم. 494- قال الوالد: كتاب الأذكار للنووي دَرَّسْتُهُ كثيراً. 495- قد سمعته أكثر من مرة يستشهد بأبيات من قصيدة ابن دريد المقصورة. 496- وسمعته يقول: أول ما سكنت الرياض في حارة آل حماد ثم في حي الشرقية ثم في الدويبة، ثم في حي آل فريان. 497- وسمعته يقول: خرجت من الرياض سنة 1384هـ، قلت: وفي هذه السنة أعنى 1384هـ درَّس في المعهد العلمي بمكة المكرمة ثم عام 1385هـ درَّس في الجامعة الإسلامية واستمرّ فيها إلى التقاعُد عام 1410هـ.

498- وقال الوالد: دخلت الرياض سنة 1374هـ وفيها عرفت القهوة وشربتها ورأيت كأن الحياة فيها ليست إلا على القهوة. 499- وسمعته يقول: والكتاب الذي ندرسه في أفريقيا في علم التنجيم هو للسوسي وهو كتاب جيد في هذا النوع من العلم. 500- وسمعته يقول: أنا لا أعرف من بلاد مالي إلا بلدة منكا أما دولة النيجر فهي التي أعرفها كلها، وفي ذلك الوقت الذي كنا في البلاد لم تكن البلاد تعرف باسم مالي، إنما كانت تعرف باسم السودان الفرنسي. 501- وسمعته يقول: إن ساعتي هذه التي في جيبي لها عندي 48 سنة اشتريتها سنة 1367هـ بعشر ريالات. 502- وسمعته يقول: إن سنة 1367هـ كانت سنة مجاعة وكانت الحياة فيها تعب كثير. ولو اشتغل الرجل اليوم كله، لا يجد إلا ربع ريال وقد يجد أقل من ذلك. ويحمل الشخص الزَّفَةُ من الصباح إلى غروب الشمس بقرشين قلت: الزفة هي التي يوضع فيها الماء لبيعه "قاله الوالد". 503- قال الوالد: دَرَسْتُ المذهب المالكي في البلاد. 504- وقال الوالد: اشتغلت في علم الحديث سنة 1367هـ. 505- وسمعته يقول: لي أكثر من أربعين سنة لم أشتغل بمذهب المالكية، فكيف لا أنسى ما فيه. قلت: قال هذه العبارة وهو يكلم رجلاً بالهاتف لا أدري من هو. 506- وسمعته يقول: كثرة التنقل في السُّكْنَى تسببت في ضياع أشياء كثيرة لي خاصة الدفاتر يعني بعض الدفاتر التي كان يكتب فيها وقد سكنت في أكثر جهات المدينة بسبب كثرة التنقل.

507- وسمعته يقول: دَرَسْتُ كتاب ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي دراسة وافية ولعلي قرأته أكثر من مائة مرة، وذلك لعدم وجود غيره عندي في أول طلب علم الحديث. 508- وسمعته يقول: لولا أني خرجت من البلاد للهجرة إلى الحرمين لكنت أقمت في السودان أثناء ما مررت بها، فقد كانت السودان في أيام بقائي فيها وذلك سنة 1366هـ يضرب بها المثل في التمسك بالإسلام والأخلاق والعروبة. 509- قال الوالد: إن كتبي القديمة يجد الناظر فيها أنني أدون ما فيها من الفوائد على الغلاف، قلت: يعنى الكتب التى في مكتبته للقراءة والنظر لا مؤلفاته. 510- وسمعته يقول: إذا مرضت لا أحب المكث على الفراش، إنما أذهب وأشْغِلُ نفسي في العلم والقراءة لأتسلى به. وكنت إذا أصابني الزكام يضعفني جداً. 511- وسمعته يقول: أُسنِدَ إليَّ تدريس المصطلح لما كنت في الرياض. 512- وسمعته يقول: ما تعودت أن أصلي في غير جماعة وأنا أقتدي بالصحابة في هذا، حيث كان الواحد منهم يُهَادى بين الرجلين حتى يدخل المسجد، فإذا مرضت صليت في المسجد اقتداء بهم. 513- وسمعته يقول: دَرَسْتُ الفرائض ثم دَرَّستُها وبيني وبينها الآن أربعون سنة. قلت: قال هذه الجملة سنة 1415هـ. 514- وسمعته يقول: جئت من الرياض إلى المدينة النبوية سنة 1385هـ. وتوفي الشيخ الطيب ابن إسحاق سنة 1365هـ. 515- وسمعته يقول: أنا لا أعرف التاريخ الميلادي، ولا أؤمن به.

516- وسمعته يقول: كنت لغوياً وفي سنة 1367هـ تركت الاشتغال بعلوم اللغة وقبل ذلك كنت لا أعرف شيئاً من العلم سوى النحو والبلاغة والشعر والتصريف وغيرها من علوم اللغة، وذلك لأنها هي التي تُدَرَّس في أفريقيا وتحفظ غيباً وقد حفظتها علماً علماً. 517- وسمعته يقول: لما كنت في أفريقيا، كنت أتاجر وأذهب إلى السوق الكبير في المدينة، فاشتري منهم. 518- وكان الوالد رحمه الله تعالى كثيراً ما ينتقد أو يتعقب أو يحكم على الكتب المطبوعة في هذا العصر المتأخر. 519- وسمعته يقول: قلت لأبنائي أنا لا أطلب منكم أن تكونوا محدثين أو فقهاء إنما أريد أن تَدْرسوا وتتعلموا كما تعلم غيركم. قلت: وكثيراً ما كان يُسأَلُ عن الكتب المطبوعة أو المخطوطة من ناحية وجودها أو عدم وجودها فيقول: هذا موجود وهذا مفقود. 520- سمعته يقول: دولة بني نصر نحن منهم يعني أننا وهم من أبناء سعد بن عبادة رضي الله عنه. 521- وسمعته يقول: أعرف الجغرافيا جيداً، وعندي ما ليس عند غيري منها، وقد اقتنيت الأطلس الصغير والكبير، وآسيا أعرفها جيداً حتى الصين أعرفها وأعرف مدنها. 522- ثم قال: ونَجْد كذلك أعرفها كلها. 523- وسمعته يقول: سكنت في مكة سنة 1367هـ في طنضباوي وفي جرول بقسميها وفي الخنساء والعتيبية وريع اللصوص والهنداوية. 524- وسمعته يقول: دَرَّسْتُ في المعهد التابع لجامعة الإمام بمكة.

525- وسمعته يقول: صَوَّرتُ كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر وهو كتاب مخطوط بسبعة آلاف ريال وصوره الناس من عندي. 526- وسمعته يقول: إن إنساناً وراءه مسؤوليات كثيرة لا يرتاح. قلت: يعني الوالد نفسه. 527- وكثيراً ما كنت أسمعه يكرر في مجلسه العامر بطلبة العلم عليكم بالعقيدة السلفية وكان رحمه الله تعالى إذا ذكرت أسماء بعض العلماء في مجلسه يقول هذا سلفي وهذا غير سلفي. 528- وسمعته يقول: انتقلت من المدينة سنة 1371هـ إلى مكة بعد أن مكثت في المدينة وقتاً، وسكنت في مكة بجوار مسجد الكويتي. 529- قال الوالد: لما كنت في الرياض، كنت أقضي الإجازة مرة في مكة ومرة في الرياض. 530- وسمعته يقول: كنت أحب الاستطلاع والذهاب والإياب. يعني في طلب العلم. 531- قال الوالد: لما كنا في البلاد مالي لا يعطى الطالب الإجازة في العلوم التي درسها حتى يدرس علم المنطق والتنجيم وهذان العلمان لابد منهما عند المشايخ. وهما آخر العلوم دراسة. 532- وسمعته يقول: لما كنا في البلاد كان المشايخ لا يدرسون الطالب أي علم حتى يحفظه. 533- قرأ علينا الوالد رحمه الله عقيدة ابن أبي حاتم بصوت مرتفع وذلك في مجلسه العامر وبعد أن فرغ منها أخذ يثني عليها.

534- وسمعته يقول: سكنت في حي المصانع خمسة عشر سنة في المدينة النبوية. 535- وكان رحمه الله إذا أجاز أحداً من طلبة العلم يوقع على هذه الإجازة بقوله كتبه أبو عبد اللطيف حماد بن محمد الأنصاري الخزرجي من ذرية سعيد بن سعد ابن عبادة الأنصاري. 536- سمعته يقول: إن أعلى سند عندي هو السند الذي أرويه من طريق إتحاف الأكابر. قلت: هذا الكلام فيه نقص، وهذا النقص مني. 537- وفي سنة 1416هـ من شهر الله المحرم لعشرين ليلة مضت منه ليلة الإثنين في مغربها قرأ الوالد رحمه الله علينا إسناد المسلسل بالأولية عن طريق شيخه الانديجاني. ثم قال لنا الوالد رحمه الله تعالى: قرأت الأولية على شيخنا الانديجاني سنة 1367هـ، ثم بعد فراغه من قراءة المسلسل قرأ الوالد علينا ما علقه على هذا الحديث. ثم قال: قدمت سند الانديجاني في القراءة عليكم عمداً؛ لأنه أول مسلسل سمعته منه. 538- قال الوالد: دخلت نجدًا سنة 1374هـ وخرجت من البلاد سنة 1365هـ. 539- وكثيراً ما كان رحمه الله إذا ذكر رسول الله عليه الصلاة والسلام يزيد في الصلاة وآله، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يحث على ذكر آله في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام. 540- وقرأت مرة المسلسل بالأولية بإسناده فمر اسم رجل في السند يقال له: الميدومي فقال الوالد: هذا الرجل تدور عليه غالب الأسانيد. 541- وكان رحمه الله إذا أجاز أحداً يقول له: إذا رويت عني فقل: أجازني الراجي عفو ربه الباري حماد بن محمد الأنصاري بكذا وكذا.

542- سمعته يقول: أُجزت بثبت الأمير وهو ثاني ما أجزت به من الإجازات أجازني به الفاداني، وهذه الإجازة مكتوبة على ثبت الأمير وكانت الإجازة الأولى بالمسلسل بالأولية من الأنديجاني. 543- وسمعته يقول أكثر من مرة: أنا مغربي. 544- وسمعته يقول: قرأت من المخطوطات ونسخت ما يُعْجَزُ عن قراءته ونسخه، وما أضعف بصري إلا هي. 545- وشرطي في امتلاك المخطوط ألا يكون مطبوعاً، والسبب الذي جعلني لا أملك المخطوط المطبوع أني لا أستطيع تصويره. وهذا الأمر وهو امتلاك المخطوط المطبوع إنما تستطيعه الدولة وفائدته المقابلة والتصحيح. 546- وسمعته يقول: دَرَّسْتُ في سكتو وكانو القديمة لا الجديدة كلا المدينتان في نيجيريا وذلك أثناء رحلته إلى الحرمين. 547- وسمعته يقول: دخلت المدينة سنة 1367هـ وعائلتنا بأفريقيا عائلة علم ولما دخلت إلى الجزيرة العربية لم يكن في وجهي شعرة واحدة. 548- وسأل رجل الوالد عن سنه. قال له: هل بلغت الثمانين؟ فقال الوالد رحمه الله تعالى: في الطريق إليها إن شاء الله. ثم قال: كان الإمام مالك إذا سئل عن سنه يقول: احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سنّ ومال إن سئلت ومذهب فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة ... بمكفر وبحاسد ومكذّب 549- كان الوالد رحمه الله تعالى إذا قدم للضيف تمراً فامتنع البعض عن أكله ينشد هذه الأبيات: عن ردِّ خمس نهى النبي الحبيب ... تمرًا ولبنًا متكًا وطيب

550- وسمعته يقول: أنا لست بمفتي، أنا خادم طلبة العلم. 551- وسمعته يقول: أنا أُلزم نفسي بالقيلولة بعد الغداء. 552- وقيل للوالد: رحمه الله تعالى ألا تسافر؟ فقال: ألقيت عصا التسيار من دون مرية. ثم قال الوالد لزين الغامدي: أكمل البيت. قلت: ولم يكمله. 553- سمعته يقول: عرفت المدينة النبوية سنة 1367هـ. 554- وسمعته يقول: احفظ المذهب المالكي. 555- وسمعته يقول: كنت في أول الطلب اشتري كل ما أجد من الكتب بدون النظر إلى فنونها. 556- وسمعته يقول: مكثت مرة شهراً لا أبصر بعيني وأظن أن السبب قراءة المخطوطات. 557- وسمعته يقول: أتاني أحد الطلاب بمخطوط للحافظ ابن حجر بخط الحافظ، وعرضه علي لأقرأه عليه وذلك لعدم استطاعته قراءة المخطوط وقرأته كله حتى استطاع نسخه وتحقيقه. 558- تركت شرب القهوة والشاهي والعصيرات المعلبة بعد أن كنت أشربها فوجدت راحة بعد تركها ولله الحمد. 559- ومرة قال الوالد لأحد الحاضرين في مجلسه: أتعرف قبيلة بني فلان أين تقع؟ فقال: لا. فذكر له الوالد موقعها وأخذ يذكر عدداً من القبائل ويحدد أماكن وجودها.

560- وسمعته يقول: إن الأرقام التي كنا نستخدمها في البلاد هي الأرقام التي يستخدمها الهنود، وكنت لا أعرف غيرها حتى هاجرت إلى هذه الدولة فانتقلت من كتابة الأرقام بالطريقة الهندية إلى الأرقام المستخدمة هنا. ثم قال: والترقيم الهندي يعرف بالغباري. 561- وسمعته يقول: مكة كدت أن أكون أعرف بمكة من أهلها حيث كنت أتجول فيها وأنا شاب من أجل أن ينطبق علي قولهم: أهل مكة أدرى بشعابها. 562- وسمعته يقول: أنا خادم العلماء. 563- وسمعته يقول: صنفان من الناس أنا بعيد عنهما: الحكام والتجار. 564- وكان رحمه الله إذا جاءه رجل من الطوارق أخذ يذكر له قبائل الطوارق بأسمائها وبلادها وأكبر القبائل شأناً فيها. 565- وسمعته يقول: كنا في البلاد نلبس عمائم يركض الفرس والرجل عليه ولا تسقط أبداً بخلاف الآن نلبس هذه الخرق التي ما كنا نعهدها. 566- وسمعته يقول: في أفريقيا ندرس النحو والصرف البلاغة ولا بد أن يدرس الطالب الشعر الجاهلي ويغيبه. 567- وسمعته يقول: إن من شرط الإجازة العلمية في البلاد مالي أن يدرس الطالب أكثر العلوم الشرعية وبالأخص أصول الفقه. ثم قال: وكانت أصول الفقه المالكية غير متوفرة عندنا فلهذا قرر المشايخ على الطلاب أصول الفقه الشافعية كالورقات لإمام الحرمين ونظمها واللمع للشيرازي وجمع الجوامع وحواشيه والمستصفى للغزالي ولم أر بعيني من كتب أصول الفقه المالكي شيئاً حتى دخلت المدينة النبوية. 568- سمعته يقول: دَرَّسْتُ في كليات الجامعة الإسلامية كلها وكنت

أدرس فيها العقيدة والحديث وجميع الدروس التي كنت ألقيها موجودة عندي محتفظ بها. 569- وسمعته يقول: درست بالمعهد العلمي بمكة سنة واحدة عام 1384هـ. 570- وسمعته يقول: خرجت من أفريقيا سنة 1366هـ. 571- وسمعته يقول: دخلت هذه البلاد السعودية سنة 1367هـ. 572- وسمعته يقول: خطي كان في أول الأمر كوفياً بحتًا، ثم حاولت أن أحوله إلى فارسي وهو المتداول الآن. وأصل الخط العربي الخط الكوفي، وقد رأيت خط علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو عندي، وخطه كوفي والعبارة المكتوبة بخطه متضمنة لكلام يمليه النبي صلى الله عليه وسلم على عليّ رضي الله عنه. 573- وسمعته يقول: كلمة الحاكمية بدعة أصلها من المستشرقين تلقفها منهم بعض الناس. 574- وسمعته يقول: نحن الذين قال فينا كعب بن زهير بن أبي سلمة: سود تنابل والتنابيل معناها: القصار القامة. فقال رجل للوالد: ولكن أنت طويل القامة. فقال الوالد: نحن نزعنا عِرقٌ وذلك لأننا نتزوج من الطوارق وهم طوال يعني الغالب فيهم. والسبب في التزاوج من الطوارق لمجاورة الأجداد في البلاد مالي لهم. 575- وسمعته يقول: من عادتي في كل عيد، أتصل على المشايخ وأعيد عليهم. 576- وسمعته يقول: عهدي بمذهب المالكية إلى الآن 45 سنة، ولما كنت في البلاد لم يكن كتاب للمالكية إلا وعندي منه نسخة.

577- وسمعته يقول: قرأت كتاب الأحكام في الأصول لابن حزم على شيخ لي متقن جداً لهذا الفن. وأنا أرى أن على طالب العلم أن يقرأ كتب ابن حزم حتى يعرف من هو ابن حزم رحمه الله. 578- وسمعته يقول: في سنة 1414هـ في شهر ذي القعدة سمعته يقول: عمري الآن سبعون سنة. 579- وسمعته يقول: سألت والدتي متى ولدت؟ فقالت: ولدت في السنة التي دخل أهل نجد فيها المدينة. قال الوالد: وذلك سنة 1344هـ. 580- قال الوالد: كنت قد طبعت كتاب السنة للإمام أحمد وكتاب التحف للشوكاني ووزعتها بين الطلاب ونشرتها وذلك في أيام توفر الوسيلة المادية أما الآن فلا أستطيع الطباعة على حسابي. 581- وسمعته يقول: كان مكتوبًا على باب من أبواب المسجد النبوي هذا الحديث وهو اللهم إنك أخرجتني من أحب البلاد إليّ فأسكني في أحب البلاد إليك. فأخبرت الطلاب في الدرس الذي ألقيه بالمسجد النبوي أن هذا الحديث كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي أحد الأيام التقيت برجل وأنا خارج من المسجد النبوي فقال لي أنت حماد الأنصاري؟ فقلت له: ضائع منك حماد الأنصاري! أنا حماد الأنصاري. فقال لي: أنت الذي قلت إنّ الحديث الذي على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب؟ قلت له: نعم هو كذب، ولو كنت أعلم أنّ أمثالك سيسمعون هذه الكلمة ما قلتها لعدم معرفتكم بمعناها. فقال الرجل: بل أنت الكذاب، وأخذ بثوبي وقال: لابد أن نذهب إلى المحكمة فقلت له: بل أنا الذي أذهب بك إلى المحكمة لست أنت الذي تذهب بي، وذهبنا سوياً إلى المحكمة وكان القاضي مشغولاً باجتماع مع بعض القضاة، وعندما دخلنا المحكمة صرخ خصمي صرخة أسمعت من في خارج المحكمة حيث قال: يا أيها الناس إن هذا الرجل يُكذّب النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع بعض الناس علينا فذهبت مرة ثانية إلى القاضي فرأيت أنه مازال

مشغولاً فعدت إلى خصمي فلم أجده. فذهبت وعدت في يوم آخر وذكرت ذلك للقاضي فاستدعاه وهو مخذول يكاد يبكي يقول: إني كنت مخطئاً وأخذ يكذب فسامحته فذهب. ثم بعد فترة عاد لمثل هذا العمل والله المستعان. 582- سمعت الوالد أكثر من مرة يقول: إن هذا الحي حي الفيصلية الذي أسكن فيه ليس بخارج حدود الحرم النبوي الشريف فطرف من جبل عير يتجاوزنا فندخل من جهة هذا الطرف.. 583- سمعته يقول عندما كنت بالرياض سنة 1371هـ وما بعدها لم يكن في المتناول كثير من الكتب وذلك لقلة المطبوعات. وهذا من الأسباب التي جعلتني أقوم بالتأليف في أنواع علم مصطلح الحديث فألفت في الألقاب والمدلسين والمؤتلف والمختلف والكذابين. وكنت أقوم بنسخ أي مخطوط أعثر عليه في فن المصطلح لِنُدْرة المطبوع منها. 584- وسمعته يقول: لما رأيت وادي ملل القريب من المدينة أنشدت أبياتاً في هذا الوادي تتضمن أموراً منها تسميته بهذا الاسم. 585- القصيدة التي مدحت بها الملك عبد العزيز لم تصل إليه، أما القصيدة التي مدح بها صاحبي الملك سعود وصلت إليه. 586- أنشدت قصيدة عن جبل ملل عند رؤيتي له وقد ضاعت هذه القصيدة، والله المستعان. 587- حدثني عبد الحميد الجزائري عن الشيخ إبراهيم نور سيف أنه سمع الوالد ينشد هذه الأبيات وهي أبيات من شعره: وعالم يسكن بيتاً بالكرى ... وجاهل يملك دوراً وقرى لما قرأت قوله سبحانه ... نحن قسمنا بينهم زال المرى

المجلد الثاني

المجلد الثاني فوائده العلمية ... قال الوالد فوائده العلمية

1- سمعت الوالد يقول: "المتابعة: أن يتعدّد التابعي وتابع التابعي، وأما الشاهد: أن يتعدّد الصحابي، والله تعالى أعلم". 2- وسمعته يقول: "صلاة التسابيح باطلة سندًا ومتنًا، وقد تكلّف بعضُ الناس في بيان صحة حديثها فما كان ينبغي له". 3- وسمعته يقول: "الحكم على الحديث بأنّه ضعيف لا يتلّفظ به إلاّ إمامٌ قد عاش حياتَه في النظر في علم الحديث، والناسُ اليومَ لا يفقهون هذه المسألة فيضعِّفون الحديثَ بمجرّد النظر في إسنادٍ واحد، وهذا خطأ. والله تعالى أعلم". 4- وسمعته يقول: "عبد الله وعبد الرحمن خير الأسماء، وبعدها: محمد وأحمد". 5- قال الوالد: "الرافضة هم منافقوا هذه الأمة". 6- سمعت الوالد يقول: "لا يوجد في نص صحيح أنّ من أسماء الله تعالى (الصبور) ، والترمذي هو فقط الّذي روى الزيادة في الحق عليه: " إن لله تسعًا وتسعين اسمًا " زاد ... ثم سردَها" ثم قال الوالد: "وقد أُدمجت في هذه الأسماء أسماء ثبوتها لا يصحّ، والله أعلم". 7- سمعت الوالد يقول: "مريم أفضل النساء في زمانها، خديجة وفاطمة أفضل على الإطلاق". 8- سمعت الوالد يقول: "النووي رجع عمّا قالَه في شرحه لصحيح مسلم عن أفضليّة الروضة على الصفّ الأوّل، وذلك في (المجموع) بإجماع الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ". 9- سمعت الوالد يقول: "ليلة النصف من شعبان لم يأت فيها فضلٌ خاص مطلَقًا، وإنما تدخل في حديث الأيّام البيض".

10- سمعت الوالد يقول: "زيادات عبد الله بن الإمام أحمد على (المسند) لا تخلو من الضعف غالبًا". 11- قال الوالد: "تساهل ابن حبان في كتابه (الثقات) حذّر منه الحفّاظ". 12- سمعت الوالد يقول: "المعتزلة والخوارج عقيدتهم واحدة". 13- سمعت الوالد يقول: "المعتزلة هم مشايخ الجهمية والأشاعرة والخوارج". 14- سمعت الوالد يقول: " (العقيدة النسفية) نسفت العقيدة السلفية، و (جوهرة التوحيد) وهي ظُلمة التوحيد، و (العقيدة السنوسية الكبرى) وهي تسويس العقيدة السلفية، وهذه كتب المعتزلة والأشاعرة الجهميّة". 15- سمعته يقول: "الأشاعرة مبتدعة، وهم أقرب من المعتزلة والجهمية إلى أهل السنة". 16- قال الوالد: "قال الإمام مالك: احفظ لسانك لا تَبُحْ بثلاثة ... سِنٍّ، ومال إن سُئلت ومذهب فعلى الثلاثة تُبتلى بثلاثة ... بمكفِّر وبحاسدٍ ومكذِّب 17- أوصى الوالد أحدَ الطلبة أن يقرأ (الشريعة) للآجري، وقال: "هي للمبتدئ"، وقال له: "اقرأها كلّ يوم". 18- وقال: "كتاب (الصفات) للبيهقي -رحمه الله- لا يقرأه إلاّ العلماء الكبار، لأنّه كتاب أدلة. وأيضًا البيهقيّ -رحمه الله- تلميذ ابن فروك وهو معتزليّ، فأخذ البيهقيّ عنه بعض الأمور التي لم ينتبه لها".

19- قال الوالد: "الأحناف غضاب على أبي هريرة رضي الله عنه؛ لأنّ أكثرَ ما رواه يردُّ عليهم ولله الحمد". قلت: يعني: أنّ الأحاديث التي رواها تردُّ على أكثر آرائهم التي تخالف الأحاديث. 20- قال الوالد: "كل سلفي ينسب إلى الحنابلة". قلت: يعني كان في بعض القرون المنتسب إلى السلف وعلى عقيدتهم ومنهجهم يقال له: حنبلي. 21- سمعت الوالد يقول: "قول علماء الحديث عن الراوي: (ليس بذاك) أي: ضعيف". 22- سمعت الوالد يقول: "أجمع أهل الحديث قاطبة على أنّ الحديث إذا ذكرت إسناده فلا يلزمك بيان حاله". 23- قال الوالد: "الأحناف المحدِّثون منهم ليسوا كالعوام"، والعوام هم: متعصّبة الأحناف وإن كانوا علماء، فالزيلعيّ –مثلاً- حنفي محدِّث يردّ على الأحناف، والله أعلم. قلت: قوله: "وإن كانوا علماء" يعني: المتعصبة من الأحناف وإن كانوا علماء فهم عوام بسبب تعصبهم. 24- قال الوالد: "جمعتُ طرق حديث "أنتم في زمن من عمل معشار…" فخرجت بأنه إما صحيح أو حسن". 25- سمعت الوالد يقول: "أهل الحديث عندهم أنّ من ذكر السند برئ من العهدة".

26- سمعت الوالد يقول: "حديث " أسألك بحق السائلين " من الصعب تصحيحه، بل هو ضعيف". 27- سمعت الوالد يقول: "الأحناف المتأخرون كلهم ماتردية، وفي الطريقة نقشبندية. والمالكية أغلبهم أشعريّة كلاّبية، والطريقة تيجانية. والشافعية في اليمن وفي أفريقيا الشرقية مثل المالكية، وفي الطريقة رفاعيّة. وهؤلاء هم الذين ضيّعوا الإسلام، وكانوا فتنةً للكفّار". قلت: كلّ من تقدّم يعني بهم الوالد المتأخرين الذين كانوا في العصور المتأخرة. 28- سمعت الوالد يقول: "المعتزلي ينكر صفات الله كلها". 29- سمعت الوالد يقول: "العمل بدون توحيد مردودٌ على صاحبه". 30- سمعت الوالد يقول: "يقولون في المثل: ما أكذب الحاج". 31- قال الوالد: "إن كلّ من عمل عملاً لم يثبت فيه نصّ فهو بدعة". 32- سمعت الوالد يقول: "قلت لأحد الفلاسفة في المغرب: يا رجل إن كنتَ في شكٍّ من دينك فنحن لسنا في شكٍّ من ديننا". ثم قال الوالد: "أخذت معه يومين أحاول معه أن يتوب، ولكن كان لا يرى أنّ العلم إلاّ الفلسفة". سمعت الوالد يقول: "الإيمان قولٌ باللسان، واعتقاد بالجنان،

وعملٌ بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان، فمن أنقص نونًا من هذه فليس بمؤمن". 34- وسمعتُه يقول: "جماعة التّبليغ فيها خير وشر، وهم مبتدعة، ماتريدية في العقيدة، أحناف متعصبون". 35- وسمعتُه يقول: "أهل البدع على النحو التالي: ـ المعطلة والممثلة: الممثلة طائفتان: 1 ـ الحلولية 2 ـ الكرّاميّة. الحلولية: في الذات. والكرّامية: في الأسماء والصفات. ومن طوائف أهل البدع: الجبرية والقدرية. ـ والخوارج. ـ والمعتزلة. ـ والمرجئة. ـ والروافض. ـ والجهمية. ـ والأشعرية. ويجب على المؤمن أن يكون وسطًا بين المعطلة والممثلة وبين الخوارج والمرجئة في الإيمان وفي الوعيد بين المعتزلة والمرجئة، وبين الخوارج والروافض". 36- وسمعته يقول: "المرأة العارية اليوم لا تُكَفَّر ولكن تُعلَّم".

37- وسمعته يقول: "الحوادث بمعنى المتجددات، والحوادث بمعنى المخلوقات". قلت: يعني: تأتي على معنيين. 38- وسمعته يقول: "الكتب التي ألفت عن رجال الكوفة وعلماءها لا يوجد منها شيء مخطوطٌ أو مطبوع". 39 - وسمعته يقول: "من وقع في بدعة قيل له: عملك هذا عمل المبتدعة، وإذا أصرّ عليها قيل له: أنت مبتدع". 40- وسمعته يقول: "قول (ما شاء الله لا حول ولا قوة إلاّ بالله) قالها الإمام مالك لمن سأله: كيف حصلتَ على هذا العلم. فقال بقولي: ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله. وهذا الدعاء فيه شبه إجماع من أهل العلم أنّ من افتتح به الدّرس يفتح الله عليه". 41- سمعته يقول: "الشرك الأصغر قلَّ من لا يقع فيه، ولهذا علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءً ندعو به، وهو: " اللهم أعوذ بك أن أُشرك بك وأنا أعلم، وأعوذ بك من الشرك الذي لا أعلم " أو نحوَه، وهو لا بدّ من حفظه". قلت: الشّرك الأصغر كالرّياء ونحوه. 42- وقال الوالد: "هؤلاء الأشاعرة يؤمنون بعشرين صفة: الأولى: نفسيّة، وخمسة سلبيّة، وسبعة معاني، وسبعة لفظيّة. وأما القول بأن الماتردية يؤمنون بخمس صفات فليس بصحيح". 43- وسمعته يقول: "قولهم: "يَعِزُّ علينا كذا" معناه يمتنع".

44- وسمعتُه يقول: "قولهم بـ (التحكم) أو هذا تحكم معناه الترجيح من غير مرجّح". 45- وسمعتُه يقول: "بِرْكُ الغِمَاد: هذه مدينة تاريخيّة مشهورة بينها وبين جدّة 300 كيلو". 46- وسمعتُه يقول: "مَلَلٌ: هذا اسم وادي، أصل هذا الاسم قول تُبَّع: (مَللنا) عندما وصل إلى جبل وَرِقان". 47- وسمعته يقول: "جبل وِرِقَان" هكذا بكسر الواو والراء وفتح القاف. 48- وسمعتُه يقول: "الخِطءُ غير الخطأ: الخِطءُ: الذّنب الذي لا يُغفر. والخطأ: عكسه" أو كما قال. 49- وسمعتُه يقول: "حديث معاذ بن جبل مدرسة تبدأ بعلم العقيدة، ثم الصلاة، وهكذا". قلت: هو الحديث الذي فيه: بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن ليعلِّمَهم أمور الدين. 50- وسمعتُه يقول: "أقسام الناس كلهم محصورة في قوله تعالى: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} فالحكمة: تُستخدم مع العلماء والحكّام، والموعظة الحسنة: مع العوام، والمجادلة بالتي هي أحسن: مع الكفّار". 51- وسمعتُه يقول: "علم الحديث ليس بسهل، أو ما هو بسهل". 52- وسمعتُه يقول: "أنا أشهد أنّ القرآن متواتر ما فيه ظنّ".

53- وسمعتُه يقول: "يجب الإيمانُ بما فعله الرّسول صلى الله عليه وسلم، أو أقرّه، أو قالَه". 54- وسمعتُه يقول: "الصلاة أمام الإمام اضطرارًا لا بأسَ بها". 55- وسمعتُه يقول: "حديث "نضّر اللهُ امرأً…" ضعّفه غيرُ واحدٍ، وهو لا يحتجّ به على إثبات الأحكام، فسوى الحديث الصحيح لا تثبت به الأحكام الشّرعيّة". 56- وسمعتُه يقول: "تحويل القبلة حجّة قويّة جدًّا في قبول خبر الواحد". قلت: حيث إنّ الصحابة كانوا يصلّون في مسجد قباء إلى بيت المقدس فجاء رجلٌ واحد وأخبرَهم وهم يصلّون أن القبلة تحوّلت إلى الكعبة، فتحوّلوا مباشرة إلى جهة الكعبة. وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم. 57- وسمعتُه يقول: "رواية من له رؤية أو حنّكه النبي صلى الله عليه وسلم أو نحوهم تُعَدُّ مثل رواية التّابعين مرسَلَة". 58- وسمعتُه يقول: "أول من سُمّي بمحمد بعد النبي صلى الله عليه وسلم محمّد ابن مسلمة الصحابي". 59- وسمعتُه يقول: "التصوّف غير الصوفية". 60- وسمعته يقول: "إن الحافظ أبا عمر بن عبد البر ـرحمه الله تعالىـ أكّد بعد البحث أن الأكراد من أصلٍ عربيّ في كتابه: (القصد والأمم) ". 61- وسمعتُه يقول: "إن الصّحيح في مسألة الحليّ للنّساء -أعني: الحُليّ الذي يلبس-: أن يُزكّى". قلت: أي: الذهب المستعمَل عليه زكاة.

62- وسمعتُه يقول: "إنّ قول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ: "صدوق" في "التقريب" يساوي "ثقة" من غيره من المتقدِّمين، وهو اصطلاح يخصُّه". 63- وسمعتُه يقول: "اليهود يقتلون علماءهم لأنهم يعلِّمونَهم ويقولون لهم: هذا حلال وهذا حرام، والنصارى يعبدون علماءهم". 64- وسمعتُه يقول: "مذهب الإمام مالك: أنَّ مَن سبّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يُستتاب، بل يُقتل مباشرة". 65- وسمعتُه يقول: "لو تتبّع العبدُ القرآن من أوّله إلى آخره ما استطاع أن يأتي برابع فوق الإحسان، والإسلام، والإيمان". 66- وسمعتُه يقول: "المعيّة لها معنى خاص ومعنى عام: 1 ـ النصر والتأييد. 2 ـ معكم بعلمِه". 67- وقال الوالد: "كل الدول اليوم أعداء للدعوة السلفية في هذه الدولة السعودية". 68 - وقال الوالد: "جاءت لفظة {أمة} في القرآن لأربعة معاني: 1 ـ الإمام 2 ـ الجماعة 3 ـ الملّة 4 ـ مدّة الزمان". 69- وقال: "كتاب الله نزل لأمرين: للذكرى، والإنذار". 70- وسمعتُه يقول: "المبتدعة وهم نفاة للصفات تعلّموا الفلسفة والمنطق قبل تعلمهم للكتاب والسنة، ولهذا وقعوا في نفي الصفات". 71- وسمعتُه يقول: "شروح رسالة ابن أبي زيد القيرواني كلها شروح أشعريّة".

72- سمعته يقول: "الماتريدية تلامذة الأشاعرة، وافقوهم في كلّ شيء إلاّ في ستّ مسائل" الكراميّة يُسَمُّون حلوليّة، والطوائف الأخرى معطّلة، والأشاعرة الأولى هم المعتزلة". 73- وسمعتُه يقول: "التفويض الصحيح معناه تؤمن بمعنى الكلمة وتفوّض حقيقتها إلى الله تعالى". 74- وسمعتُه يقول: "الصحابة خرجوا إلى ما وراء النهر على أقدامهم، وحصلت لهم كرامات هناك، منها: أنهم مشوا على الماء مع العلاء ابن الحضرمي". 75- وسمعتُه يقول: "ذهبتُ زائرًا جامعة أمّ القرى فرأيت المصريّين يدرِّسون فيها العقيدة، فكلّمت رئيس الجامعة هناك في هذه المسألة وقلت له: المصريّون جُلُّهم أشاعرة والمطلوب منكم أن تعلّموهم العقيدة لا أن يعلِّموكم". 76- قال الوالد: "كتب ما وراء النهر أغلبها فُقد، ذكر ذلك الخطيبُ في ترجمة ابن حبّان". ثم قال الوالد: "ومن أسباب فقدانها: ـ أن الورثة جهلة. ـ وكثرة الأعداء. 77- ذكر الوالدُ بمناسبة أنّ رجلاً سأله عن (صحيح ابن خزيمة) ، وأجاب الوالد الذي سأله عن (صحيح ابن خزيمة) أنه لا يوجد منه إلاّ المطبوع، وأما الباقي فمفقود حتى في عصر الحافظ ابن حجر. 78- وقال الوالد: "قال الحافظ: السبب في خطأ شيخ الإٍسلام في (المنهاج) أنه لم يكن عنده مراجع".

قلت: لعلّه يعني خطأه في عزو بعض الأحاديث، حيث إن شيخ الإسلام كان يكتب الأحاديث من حفظِه. 79- قال الوالد: "مسألة مسح الوجه باليدين بعد الدعاء فيها ثلاثة أحاديث تصل إلى درجة الحسن، والله أعلم". 80- وسمعتُه يقول: "قال الشيطان -يعني بذلك: صدّام ـ قبّحه الله ـ". وسمعته يلقّبه: "الطاغوت". 81- وقال الوالد: "لكثرة استعمال الحسن أفرِدَ عن الصحيح، وإلاّ فهو داخلٌ في الصحيح، وفي البخاري ومسلم أحاديث حسان". 82- وسمعتُه يقول: عن رد خمس نهى النبيُّ الحبيب ... لحمًا ولبنًا متكّئًا تمرًا وطيب. ثم قال: "وقد ذيّل السيوطي على هذه خمسًا أخرى". 83- وقال الوالد: "إن جميع الخرافات في الطُّرُق الصوفية". 84- قال الوالد: "إن الذهبي والسخاوي ذكرا أن المدينة لم يكتب أحد عن علمائها". 85- قال الوالد: "جماعة الدعوة ليست جماعة دعوة وإنما جماعة ادّعاء". قلت: يعني بهذه الجماعة: جماعة التبليغ. 86- وقال الوالد: "وصيّة الإمام البخاري لطالب الحديث كيف يكون محدِّثًا تكلّموا عنها أنّها لا تصحّ".

87- وسمعتُه يقول: "إن (جامع الترمذي) لم يصل إلى إفريقيا والأندلس إلاّ متأخّرًا أدخله الحافظ أبو بكر بن العربي، لكن لم يشتهر كذلك، ولهذا جهل ابن حزم الإمام الترمذي ولم يعرفه، وقال: إنه مجهول". 88- وسمعتُه يقول: "رواية: " من صبر على بردها وحرِّها " ليست في الصحيحين، وفيها كلامٌ، ولكن تدخل في معنى الحديث الصحيح: "من صبر على لاوائها "". 89- وقال: "الجحود كله كفر". 90- قال الوالد: "العلماء المقادسة كثيرون ألفت فيهم كتب". قلت: المقادسة نسبت إلى بيت المقدس. 91- قال الوالد: "الخوارج لا يعرفون الحديث، وكتابهم الذي يقدّمونه على الصحيحين كتاب الإسناد إليه كلهم مجاهيل". قلت: وهو كتاب (الجامع) لابن حبيب. 92- وسمعتُه يقول: "قد حصلت معركة بين التيجانية والقادرية بسبب أن التيجانية قالوا: إن أحمد التجاني يقول: رقبة كل ولي تحت قدمي هاتين، فقالت القادرية مثل قول إمام التجانية، فحصلت المعركة وغلبت التجانية القادرية". 93- وسمعتُه يقول: "أفريقيا أغلبها تيجانية، والتيجاني من أهل الجزائر، خرج من الجزائر مطرودًا وقبرُه في فاس، وموريتانيا هي التي علّمت أفريقيا السوداء هذا المنهج الخطير". 94 - وسمعتُه يقول: "التصوّف مكوّن من اليهوديةّ والماجوسية والوثنية ومبادئ إسلاميّة، والإسلام اسمٌ فقط، وهم إخوان المستعمر".

قلت: يعني: الصوفية الغلاة. 95- وسمعتُه يقول: "القادرية، والتيجانية، والشاذلية أقدم الطرق في المغرب، بل في أفريقيا، وهي أساس الطرق الصوفية، وهي أقدم الطرق، ومنها تفرّعت طرق كثيرة". 96- وقال الوالد: "إن لفظة (سيد الأنبياء والمرسلين) أتت في حديث واحد، وهو حديث ابن مسعود، وهو حديث ضعيف". 97- وقال الوالد: "سَمَّى الأشاعرة أنفسَهم أهل السنة بمقابلة المعتزلة". 98- وقال الوالد: "إن الأشاعرة يؤمنون ببعض الأسماء والصفات. وأما المعتزلة: فيؤمنون بصفات وأسماء بلا معاني". 99- وكان الوالد عنده رسالة في العقيدة الأشعرية فأعطاها لأحد تلامذته وقال له: "خذها وسلِّط عليها النور فإنها ظلمة". 100- وقال: "إن عبارة (الحشوية) يُطْلِقُها أهل البدعة على أهل السنة". 101- وسمعت الوالد يقول: "أحسن كتب أصول الفقه: 1 ـ (الرسالة) للشافعي. 2 ـ (الموافقات) للشاطبي. 3 ـ (الأحكام) لابن حزم. 4 ـ (اللوامع) مع شرحه للتبريزي. 5 ـ (الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع) للسيوطي. 6ـ (الورقات) مع نظمها للعمريطي. 102- وسمعته يقول: "السيرة النبوية تتركّز على ثلاث مراحل: ـ التعليم.

ـ إسلام عمر. ـ الهجرة. ثم قال: "والناسُ أصيبوا ببعض المصائب بسبب أنهم لا يقرأون السيرة النبوية فيفهمونها ويعملون بما فيها من العظات والعبر". 103 - وسمعته يقول: "لو سلّط الإنسان الأضواء على (سورة العصر) لاستزاد إيمانًا بأن القرآن كلامُ الله تعالى، لأنه لا يوجد أحدٌ يستطيع أن يضع الخير كلّه في ثلاث آيات". ثم قال: "قال الشافعي: "لو فكّر الناسُ في هذه السورة لكفتهم"". ثم قال الوالد: "سورة العصر هي تفسيرٌ للقرآن كله". 104 - وسمعته يقول: "إن ابن فرحون كتب فيها مجلّدًا كبيرًا -أي: في مسألة وضع السجّادة في موضع من المسجد لحجزِه-، وهو كتابٌ جيِّدٌ، وابن فرحون في القرن الثامن الهجري". 105 - وسمعت الوالد يقول: "الصوفية عبادتهم لعب". 106 - وقال الوالد: "إن قول بعض الناس عن ابن حبان أن في لسانه (رهق) معناه: أنه يُفْحِشُ القولَ في الراوي". 107 - وسمعتُه يقول: "إن ابن حبّان إمامٌ في باب الجرح والتعديل، ومذهبُه هو: أن الراوي إذا لم يُعرف فيه جرح أو تعديل فإنّه يُحْمَل على العدالة". ثم قال الوالد: "وهذا من ابن حبّان يسمِّيه العلماء تساهل منه، وابن حبّان إذا وثّق رجلاً ولم يتكلّم فيه أحدٌ من الأئمة فقوله مقبول بإجماع المتأخّرين" ا. هـ. ثم قال الوالد: "توثيق ابن حبان يرجع إليه الأئمة إذا لم يكن أحد ضدَّه، أما ترى الذهبي وابن حجر يقولون: (وثّقه ابن حبان) ".

قلت: يعني: إذا لم يعارضه أحدٌ فإن العلماء يذكرونَه وينقلونه عند ذِكر بعض الرواة. 108 - قال الوالد: "فلان أضعف من فلان، أي: أنّه واهٍ". 109 - قال الوالد: " (تغليق التعليق) معنى هذا العنوان: إزالة الإشكال وإظهار المُشْكِل". قلت: و (تغليق التعليق) اسمُ كتابٍ للحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالىـ، وهو مطبوع. 110 - وقال الوالد: "لو بلغنا منزلة الأئمة الأربعة في العلم لما قلّدناهم، فهم عندما بلغوا هذه الدرجة العظيمة من العلم لم يقلدوا مشايخهم". 111 - قال الوالد: "إن ابن حزم يتبرئ من نفي القياس مطلَقًا". ثم قال الوالد: "بل الإجماعُ من الأئمة بأنّ القياسَ موجودٌ، ولله الحمد". 112 - وقال: "بيت الألوسي وبهجة الأثري هذان بيتان جيّدان في طلب العلم وخدمته". 113 - وسمعتُه يقول: "عندما دخل الملك عبد العزيز -رحمه الله تعالى- الحجاز كان يسكنها كثير من الخرافّيين، وولى على المدينة أحد علماء نجد، فكان يعاملهم بالشدّة، بحيث يأتي بهم إلى ديوانه ويأمرهم بكتابة توبة في الرجوع عن البدع، ولكن يتعهّدون ولا ينجزون العهود، وأكثرهم مات على عقيدته المخالفة لما كان عليه السلف الصالح". 114 - وسمعتُه يقول: "كلمة (الديمقراطية) معناها الإباحية". 115 - وسمعتُه يقول: "إن دولة تركيا غيّرت بعض المسمّيات الشرعية وأبدلتها بأسماء من لغتها ولغة الإفرنج".

116- وسمعتُه يقول: "إن طبعة بولاق أحسن الطبعات لشرح (فتح الباري) "، فقال له أحد الحاضرين: أحسن من السلفيّة؟، قال: "نعم". 117 - وسمعته يقول: "الجهلة ثلاثة أنواع: ـ نوعٌ قريب عهد بإسلام. وهذا معذورٌ بجهله. ـ نوع بدوي بعيد عن أهل العلم. وهذا معذور بجهله. ـ ونوع بين أهل العلم. وأما هذا فغير معذور". 118 - وسمعته يقول: "الشرك ينقسم إلى ثلاثة أقسام: 1 ـ شركٌ في القول. 2 ـ وشركٌ في الفعل. 3 ـ وشركٌ في الإرادة". 119 - سمعتُه يقول: "علم الحديث من القرن الثاني الهجري إلى الخامس ما خدمَه إلا العجم من علماء المسلمين، وهذه الظاهرة قد تكلّم عليها الحافظ ابن حجر في أحد كتبه". 120 - وسمعتُه يقول: "قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} ، وقوله سبحانه وتعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة} ، وهذان نونان: نون القرآن، ونون السنان، وهذان لا بدّ من تعلّمهما لطالب العلم". 121 - وقال: "الفقهاء هم أهل الحديث: والفقهاء على قسمين: ـ قسم أخذ الحديث. ـ قسم لم يأخذ بالحديث". قلت: يعني الفقهاء بحقّ هم الذين يستدلون بالأحاديث في كتبهم، ويستنبطون منها، ويبتعدون عن الرأي المجرّد من الدليل.

122 - وقال الوالد: "المذاهب الفقهية الأربعة معناها: تفسير القرآن والحديث، ومن المستحيل أن يفهم القرآن والسنة إلاّ من المذاهب، بعض العوام فهموا أن المذاهب معناها التقيّد بها، وهذا باطل، والمذهب إنما يستضاء به، وأنا درست المذاهب كلها حتى بعض المذاهب الباطلة حتى أعرف فيما اختلفوا فيه". 123 - سمعته يقول: "اتّصف إبراهيم -عليه السلام- بكل صفات الخير، ولذلك أطلق الله تعالى عليه لفظة أمّة". 124 - وقال الوالد: "الصحابة لم يختلفوا في العقيدة أبدًا، إنما الخلاف وقع بعدهم". 125 - وسمعته يقول: " 1 ـ الجبرية يقولون: العبدُ لا فعلَ له، هو كريشة في الهواء. 2 ـ القدريّة ضد الجبرية. 3 ـ الجبريّة أولى باسم القدرية. والجبرية يدخلون في اسم القدرية. 4 ـ الخوارج يُعرِّفون الإيمان بأنه: قولٌ باللسان، واعتقاد بالجنان، وعملٌ بالأركان، ولا يزيد ولا ينقص بالمعصية، بل بالمعصية يذهب بالكلية. 5 ـ المرجئة يقولون: قولٌ باللسان، واعتقاد بالجنان، وهم طوائف. 6 ـ الكرامية يقولون قولٌ باللسان". 126 - وسمعتُه يقول: "لم يجتمع اليهود في مكان قط، إلاّ في هذا الزمان، وهذا من علامات النبوة". 127 - وسمعتُه يقول: "الله تعالى لا يكون لأحدٍ عليه حجة". 128 - وقال الوالد: "الحنيف في اللغة المقبل على الله تعالى".

129 - وقال الوالد: "لا يُسمّى المبتدع مبتدعًا حتى يُصِرَّ على أمرٍ قد نُهي عنه، وهذا الأمر فيه مخالفة صريحة للسنة". 130 - سمعتُه يقول: "المنطق الممنوع هو الذي يشكّك المرء في عقيدته. وأما تدريس أو تعلّم المبادئ في علم المنطق فلا بأس، هذا قولُ شيخ الإسلام في (درء التعارض) ". 131 - سمعتُه يقول: "ثلاثيّات الخير كثيرة، منها: السيرة النبوية على ثلاث مراحل، وهي مشروحة بأكملها في (زاد المعاد) : الأولى: دار الأرقم. الثانية: إسلام عمر وحمزة. الثالثة: الهجرة إلى المدينة". ثم قال الوالد: "يا ليتنا نفقه السيرة النبوية". قلت: وكان الوالد يقول: لم يكتب فقه السيرة النبوية أحدٌ كابن القيم في (زاد المعاد) فإنّ كتابه (زاد المعاد) من أوله إلى آخره شرحٌ للسيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. اهـ. 132 - سمعتُه يقول: "أخطأ الأشعرية في اثنتي عشرة مسألة تنقسم إلى اختلاف لفظي واختلاف معنويّ ستة معنوية وستة لفظية. وما يُذكر عن الأشاعرة أنهم يؤمنون أو يثبتون سبع صفات فهذه السبع من الصفات الذاتية، وأما الصفات الفعليّة فلا يؤمنون بشيءٍ منها. والسبع الصفات التي يزعمون الإيمان بها يؤمنون بها؛ لأن العقل يوافق عليها لا لأنّ الدليل جاء بها".

133 - سمعته يقول: "من أواخر الدولة العباسية إلى زمن قريب والدول الإسلامية على العقيدة الأشعريّة أو عقيدة المعتزلة، ولهذا نعتقد أنّ هذه الدولة السعودية نشرت العقيدة السلفيّة عقيدة السلف الصالح بعد مدّة من الانقطاع والبعد عنها إلاّ عند ثلّة من الناس". 134 - سمعت الوالد يقول: "إنّ لفظ الذات ونحوها المبتدعة هم الذين استخدموها وابتدعوها، والسلف قالوا بها من أجل أن يلزموهم، وإلاّ فهم لا يقرّونهم". 135 - سمعته يقول: "إن تعريف الجاهلية أن يقال: هي الفترة التي قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم". 136 - سمعته يقول: "الاختلاف بين الصحابة في مسألة الرؤية -وهي هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عز وجل أم لا؟ - سببه الاختلاف في فهم النّص". 137 - وقال: "الكلمات العربيّة إذا كانت مشتركة في اللفظ وتختلف في المعنى فإنه يجوز أن يفهم كل عالم معنى من المعاني، وفي الغالب هناك نصوص ترجح أحد المعاني أنه هو الصّحيح، والاختلاف الضّار هو الاختلاف في الأساس". ثم قال: "لا يوجد بين الصحابة خلاف تضاد". ثم قال: "وخلاف التنوّع فائدتُه كبيرة". 138 - مرّة سمعت الوالد ذكر أمرًا فيه شرٌّ وبلاءٌ ثم قال: "لا قدّر الله أن يحصل لنا كذا وكذا". قلت: الشاهد قوله: "لا قدّر الله" فإن الوالدَ يستعملُها أحيانًا في كلامه عند مثل هذا الموضع. 139 - وقال: "قوله تعالى: {اتقوا} معناه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

140 - وسمعته يقول: "ستّ كلماتٍ في كتاب الله تعالى إذا اجتمعت تفرّقت وإذا تفرّقت اجتمعت، نحو: الإيمان، والإسلام". قلت: ذكرها الوالد كلها وغفلت عن كتابتها. 141 - سمعته يقول: "لا يقال في المسائل الفقهية وغيرها ذكر فلان وفلان، إنّما يقال: صح الحديث في كذا وكذا، فكم من قائل لا عبرة بما قال". 142 - وسمعته يقول في درس يوم الجمعة 5/2/1412هـ في سورتي العصر والإخلاص: " 1 ـ لا يقسم الله تعالى إلاّ بشيء عظيم. 2 ـ جهور العلماء على أنّ الصلاة الوسطى هي العصر. 3 ـ من حلف بغير الله تعالى إن كان يعلم يقال عنه: مشرك، وإن كان لا يعلم يقال له: قد قلتَ قول أهل الشرك. 4 ـ مقولة الشافعي ذكرها البيهقي في كتاب (المناقب) وهي: لو تفكّر الناس في هذه السورة لكفتهم. 5 ـ على المعلم والداعية والمرشد: ـ أن يكون موحّدًا. ـ وأن يعمل بمقتضى التوحيد. ـ أن يدعو وينهى. ـ أن يصبر على أذى من يدعوهم". 143 - سمعته يقول: "الأحناف ليس لهم مثيل في معرفة أصول الفقه والتوسّع فيه".

144- سمعته يقول: "أقسام التوحيد أربعة: ـ الربوبيّة. ـ الألوهيّة. ـ الأسماء والصفات. ـ المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم". 145 - ذَكَر الوالد لنا مرةً: أن المدينة كانت خالية من الأنصار كلها في فترة من الزمن، حتى ذكر ابن حزم ـ رحمة الله عليه ـ أنه كان يسأل من يذهب من الحجّاج إلى الحجّ إذا عادوا عمّن في المدينة من الأنصار، فيقولون: لا يوجد إلاّ شيخ وعجوزة، والشيخ والعجوزة لا ينجبون. ثم قال الوالد: "والسببُ في ذلك: بنو العبّاس في دولتهم، والله المستعان". 146 - ثم قال الوالد: "وقد درست الأنصار في المدينة، فكانوا قلّة حتى في عصرنا هذا، منهم من سكن في وادي القرى وهم بنو البركات، والعلمُ عند الله". 147 - وسمعته يقول: "أول من سمى علم الكلام توحيدًا هو: أبو منصور الماتريدي". 148 - وسمعته يقول: "أغلب المسلسلات في السند ضعيفة". 149 - وسمعته يقول: "أحاديث الأبدال إما ضعيف أو موضوع. وقد ألّف السيوطي في ذلك، وهو موجودٌ في (الحاوي) ". 150 - وسُئل عن حديث: " اذكر الله حتى يقال مجنون " فقال: "لا بأسَ به".

151 - وسمعته يقول: "جَلْدٌ: أي: غالٍ". 152 - وقال: "من أراد الزبدة في رجل يذهب إلى (التقريب) لابن حجر، أو (الكاشف) للذهبي -رحمهما الله تعالى-". 153 - وسمعته يقول: "إن في الصدقة على الميت حديثًا صحيحًا". 154 - وسمعته يقول: "إن قول الصحابي يُعدُّ مرفوعاً إلاّ إذا كان للاجتهاد فيه مجال". 155- وسمعته يقول: "أسانيد أحاديث الزهد أغلبها غير مقنع". 156- وسُئل الوالد عن حديث معاذ رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذني خليلاً. فقال الوالد للسائل: أين قرأت هذا؟، فقال: لا أدري. فقال الوالد: هذا دليلٌ على أن الحديث موضوع؛ لأنك لا تدري أين قرأته. ثانيًا: أنه مخالفٌ للحديث الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ". 157 - سمعت الوالد يقول: "إن أبا داود ركّز في كتابه (السنن) على أحاديث الأحكام؛ لأنه رأى أنّ أحاديث الأحكام تدور على خمسمائة حديث من ثمانمائة، فوضع هذه كلها، بخلاف أصحاب السنن والصحيحين". 158 - وسمعتُه يقول: "إن كلمة (ثقة) لا تلزم أن يؤخذ حديثه؛ لأنه يلزم أن ينضمّ إلى كلمة (ثقة) الإتقان والعدالة والحفظ وغير ذلك، فمثلاً: أبو حنيفة ثقة، ولكن ليس بمحدِّث، ولا يؤخذ منه الحديث، بل هو إمامٌ في الفقه". 159 - وقال الوالد: "من تتبّع أحوالَ الرّوافض رأى أنّها أقوال لا يقولُها إلاّ الكفّار، والجمهورً على تكفيرِهم، والزيديّة مبتدعة، والشيعة لا تُطلق إلى على الزيدية وكل من صار شيعيًا، والزيدية ليس لهم أسانيد، وإنما اعتمادُهم على كتاب ليس له إسناد".

160 - وقال الوالد: "جاء رجلٌ إليّ ومعه ورقةٌ مكتوبٌ فيها: عن أبي عمرو السمّاك عن حرب عن الإمام أحمد قال: {جاء ربك والملك صفًّا صفًّا} أي: جاء أمر ربك، فقال لي هذا: أحمد يؤوِّل، فقلت له: ما صحَّ عن أحمد، هكذا قال شيخ الإسلام، فقال: لا أريد قولَ ابن تيمية، أبحث عن غيره، فقلتُ له: قال الدرامي والأئمة، فقال: لعلهم نقلوا عن ابن تيمية، فقلت له: لو سلّمنا بصحته فليست العبرة بما قال أحمد، إنما العبرة بالحق، فسكت وذهب وأبى الحقَّ". قلت: وانظر إلى جهل هذا المجادِل للوالد، حيث قال: إن الدارمي ينقل عن ابن تيمية وهو قبل ابن تيمية بخمس قرون!!؟. 161 - وقال الوالد: " 1 ـ الروافض أخذوا دينَهم من اليهود، وطعنهم في الصحابة طعنٌ في الإسلام. 2 ـ الأشاعرة لما أثبتوا الصفات السبعة لم يثبتوها لأنها وردت في القرآن، وإنما أثبتوها؛ لأن العقلَ لا يعارضُها، ولو كان لأجل القرآن لأثبتوا بقيّة الصفات". 162 - وقال الوالد: "قول الإمام مالك في الاستواء المشهور يقول أهل العلم: إنه دستورٌ لجميع الصفات". قلت: والقولُ هو: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة) . 163 - وقال: "قال ابن تيمية في (الفتاوى) : إن الإمام أحمد كان يدعو للمأمون ويصلِّي خلفه، مع أنّه ظلمَه".

164 - وقال: "الذي جمع من العلماء بين علم الحديث والعقيدة من المتأخِّرين قليل". 165 - وقال: "وقال ابن تيمية في (نقض المنطق) : إن أبا حامد الغزالي مات وهو تائب، و (صحيح البخاري) على صدرِه". ثم قال الوالد: "لكن كتبه نحذِّرُ منها وننبِّه عليها كما قال ابن الصلاح وابن تيمية -عليهما رحمة الله-". 166 - وسمعته يقول: "توحيد الألوهية هو أحدُ أنواع التوحيد الثلاثة المتقدّم ذكرها، وهو أهمّ أنواع التوحيد، لأنّه التوحيد الذي وقع الخلافُ فيه بين الأنبياء وأقوامهم. تعريفه: عرّفه بعضُهم بقوله: هو إفراد الله بالعبادة. وبعضهم: هو إخلاص العبادة لله وحدَه لا شريكَ له. وبعضهم: هو العلم والاعتراف بأنّ الله تعالى ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين وإفراده وحدَه بالعبادة كلها وإخلاص الدين لله وحدَه: {وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون} . ما يطلق عليه من أسماء: يطلق عليه توحيد الألوهية، أو الإلهية، وتوحيد العبادة أو العبودية، وتوحيد القصد والطلب، وتوحيد العمل، سُمِّي بهذا؛ لأنه مبني على إخلاص العمل لله وحَده". ثم قال "ومنهم من يقسم التوحيد إلى ثلاثة: ـ توحيد الربوبية.

ـ توحيد الأسماء والصفات. ـ توحيد الألوهية. ومنهم من يقسمه إلى أربعة: الثلاثة الماضية، ويزيدون: توحيد المتابعة. ثم قال: إلاّ أن أشهر التقسيمات في كتب العقائد السلفية هو تقسميه إلى ثلاثة أقسام: ـ توحيد الربوبية. ـ توحيد الألوهية. ـ توحيد الأسماء والصفات. وقد عُلِمَتْ هذه التقسيمات بتتبّع أهل العلم واستقرائهم لأدلّة الكتاب والسنة ونظرهم في الآيات والأحاديث".ثم قال: "وأنواع التوحيد متلازمة، فمن أشركَ في نوعٍ منها أشرك في الأنواع الأخرى". 164 - وسمعته يقول: "من تتبع أحوال الروافض وأقوالَهم يرى أنها أقوال لا يقولَها ولا يفعلُها إلاّ الكفّار، والجمهورُ على تكفيرِهم". 165 - وسمعته يقول: "الزيديّة مبتدعة، والشيعة لا تُطلق إلاّ على الزيديّة وكل من صار شيعيًّا. ثم قال: الشوكاني أصلُه زيدي، وكذلك الصنعاني، ولكنهم أخذوا كتب السنة وقرؤها وعرفوها ولهذا خفّت زيديّتهم. السياغي عالمٌ كبير من اليمن، وهو زيدي، ولكن من الطائفة الزيديّة التي اعتدلت. والزيديّة ليس لهم أسانيد، اعتمادهم على كتابٍ ليس له إسناد".

169 - وسمعته يقول: "كتب شيخ الإسلام التي لم تأت عن طريق تلامذته فيها كلام لم يقله، لأن المعتزلة وغيرهم بعد موت شيخ الإسلام بحثوا عن مؤلفاته وقاموا بالزيادة فيها". 170 - وسمعته يقول: "ألّف الإمام أحمد في بيان عقيدة السلف والردّ على الجهمية بعد الفتن التي وقعت، وكان هو ممن امتحن. ولم يكتب أحدٌ قبل الإمام أحمد في هذا الباب، لأن القولَ بخلْق القرآن وغيره من البدع لم تقع بعضها في العصور التي قبله". 171 - وسمعته يقول: "دخل علم الحديث بلاد الهند عن طريق علماء اليمن، وعندما انتقل علم الحديث إلى بلاد الهند انقرض من اليمن، والسبب أن علماء الحديث الذين كانوا باليمن خرجوا منه إلى الهند بُعْدًا عن الدولة العثمانية الذين يحكمون الهند، وكانوا يتعصّبون للمذهب الحنفي ويتركون الحديث". 172 - وسمعته يقول: "الكفر كفران: عملي: لا يُخرج من الإسلام. اعتقادي: يُخرج من الإسلام". 173 - وسمعته يقول: "كل من قال على الله تعالى خلاف ما جاء به القرآن الكريم وجاءت به السنة فهو كاذب على الله تعالى". 174 - سمعته يقول: "أنواع الحديث المتّفق عليها خمسة وستّون نوعًا"، ثم قال: "والحديث القدسي هو الخامس والستون فيها". 175 - سمعته يقول: "القولُ بأن الآخرة ليس موضع ابتلاء هذا قولٌ باطل، بل هي موضع ابتلاء". أرشد الوالد عددًا من الطلبة أن يكتبوا عن العلماء المحدثين

الذين هم من قبائلهم. فاستجاب اثنان فكتبا في المحدثين من قبيلتهم، فكتب أحدهما عن محدثي زهران، وكتب الآخر عن محدثي مزينة. والله أعلم. 177- سمعته يقول: "المعصية الصغيرة تقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويوفقهم الله تعالى للتوبة، وهم داخلون في قوله تعالى: {إن الله يحب التوابين} . والمبتدعة يقولون في قوله تعالى: {واستغفر لذنبك} أي: لأمّتك، وهذا تنطّع". 178 - كانت طريقة قراءة الكتب المسندة كـ"صحيح مسلم" وغيره على الوالد كالتالي: يقول للقارئ: قل: قال المصنِّف الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- بالسند المتصل إليه، ثم يقرأ سند الإمام مسلم، وذلك عند بداية القراءة، فإذا جاء اليوم الذي بعدَه واستأنفوا القراءة يذكر الكلام المتقدّم، ثم يقرأ إسناد مسلم. 179 - وسمعته يقول: "عندما يسمعك الأشعرية الكلابية والحنفية الماتردية تقول: إن لله عينين أو غير ذلك، يقولون لك: أنت مجسّم، فهؤلاء فقط يقرأون القرآن والسنة لا للفهم والفقه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " ليس لك من دعائك إلاّ ما عقلت "، وهكذا قراءة القرآن". 180 - وسمعته يقول: "قاعدة في الخلاف: لا أذكر الخلاف إلاّ إذا تكفلت للطلبة ببيان ما أميل إليه، والخلاف نوعان: ـ اختلاف تضاد: وهذا خطير، لا يقع بين السلف، وإنما يقع بين المتأخرين. ـ اختلاف تنوّع: وهو مفيد جدًّا، أي: تنوّع في العبادات".

181 - وسمعته يقول: "الوحي ثلاثة أقسام: 1 ـ قرآن. 2- حديث قدسي. 3- حديث النبي صلى الله عليه وسلم.: ـ " القرآن كلام الله منه بدأ وإليه يعود ". ـ الحديث القدسي كلام الله تعالى. ـ القول الصحيح في القرآن لا يمسّه إلا طاهر. ـ لا يشترط في الحديث القدسي أن يكون متواترًا، والأغلب في الأحاديث القدسية أن تكون ضعيفة الإسناد، والصحيح منها قليل". 182 - وسمعته يقول: "قول بعضهم عن القرآن بأنه دالّ على كلام الله قولٌ في نهاية من البطلان". 183 - وسمعته يقول: "ينبغي للإمام في الصلاة الجهريّة أن يُسِرَّ بالبسملة. وأحاديث الجهر كلها ضعيفة، وهي مضطربة غاية الاضطراب". 184 - وسمعته يقول: "لا يوجد نبيٌّ في الدنيا يُعرف قبرُه إلاّ النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا إجماعٌ بين السلف". 185 - قال الوالد: "إن الإجازة العامة تشمل جميع المرويّات، ومنها المسلسل بالأوليّة". 186 - قال الوالد: "إذا كان القرآن يرفع فمن باب أولى أن يرفع غيره". 187 - وسمعته يقول: "يسأل مشايخنا عن حفظ القرآن، ويقولون لمن لا يحفظ القرآن: لن يكون عالمًا". وكان الوالد يقول: "وفي هذا مبالغة". قلت: يعني: أن المشايخ في البلاد يسألون الطالب هل يحفظ القرآن أم لا، فإن كان لا يحفظه يقولون له: من لا يحفظ القرآن لن يكون عالمًا.

188 - سمعته يقول: "الحديث في اللغة له معنيان: ـ الحديث بمعنى الكلام، قال تعالى: {ومن أصدق من الله حديثًا} . ـ الحديث بمعنى الجديد، قال تعالى: {وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدَث} . 189 - وسمعته يقول: "فضل الأربعة على حسب ترتيبهم في الخلافة، فأبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي ـ رضي الله عنهم أجمعين-". 190 - وسمعته يقول: "العلم بلا أسانيد علم مبتور، كمن يقود جملاً ضخمًا بدون زمام، فمن أتى بالأسانيد أتى بالزمام". 191 - وسمعته يقول: "إن حكم الصور والتصوير وردت فيه أحاديث كثيرة منها المطلق والمقيّد، ومنها المُجْمَل والمبيِّن، ولذا يلزم كلّ من أراد أن يُنكر أن يتعلّم هذه النواحي ويدرسها كلها. وأنا لا أريد من طلبة العلم أن ينكروا على أحدٍ شيئًا قبل استيفاء الأمر المنكَر حقَّه من الدراسة والعلم". 192 - سمعته يقول: "القولُ على الله بلا علم من أكبر الجرائم، وهو أعظم من الشرك ويضمُّه وزيادة، وقد قدّمه الله عز وجل في سورة الأعراف على الشرك". 193 - وسمعته يقول: "إذا قلت: "سَمْعُ الله" و"يد الله" ونحوه لا يدخل فيه المخلوق، فكذلك قولك سمع المخلوق ونحوه لا يدخل فيه الخالق عز وجل". 194 - وسمعته يقول: "الرسل معصومون بالاتّفاق" يعني: من الكبائر.

195 - وسمعته يقول: "كل جنس من المخلوقات عالَم". 196 - وسمعته يقول: "كلمة (الحمد) تدلّ على أنواع التوحيد الثلاثة". 197 - وسمعته يقول: " (سبحان الله) : تنزيه له سبحانه، وهو مصدر مأخوذٌ من الإبعاد. (رب العزة) أي: صاحب العزّة، وهي تأتي بمعنى الغلبة والقوّة والامتناع، والشيء الذي يكون مربوبًا يكون مخلوقًا، فلا يقال: (رب المصحف) . الرب بدون إضافة لا يجوز إطلاقها إلاّ على الله تعالى". 198 - سمعت الوالد ينشد في درسه لصحيح مسلم يوم الخميس صباحًا: وللسماء معانٍ قد أتت لغة ... هي العلو كذاك السقف والمطر كذا السحاب مع السبع الطباق كذا ... قد جاء في الذكر والمنظوم مختصر 199 - وسمعته يقول: "التحريف معناه: أن تأخذ الكلام فتضعه في جانب قد يدلّ عليه جانب من اللغة ولكن ليس على ما أراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. 200 - وقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} هذا نفيٌ مطلَق للشّبه، ثم ذكر عز وجل أنه له سمعٌ وبصر ليس كسمع المخلوق ولا كبصر المخلوق". 201 - ثم قال الوالد: "فالاشتراك في الاسم والمعنى لا يلزم منه التشبيه، وأهل السنة لا يزيلون اللّفظ عن مراد المتكلّم ولا يلحدون". 202 - سمعته يقول: "الصِّدْق هو: مطابقة الحقّ للواقع".

203 - شرح لي مرة بعض المواضع من (عقيدة الإمام أحمد بن حنبل) برواية القرشي فقال: " أولاً: يجب على كل إنسان أن يكون وسطًا في الأسماء والصفات بين الطائفتين المفرِّطة والمُفْرِطَة، وهم على النحو التالي: ـ الجهمية المعطِّلة الذين أنكروا صفات الله وأسماءه. ـ الممثلة المشبهة، وهم الكرّاميّة، وهؤلاء شبّهوا صفات الله عز وجل وأسماءه عز وجل بصفات وأسماء المخلوقات، فالتوسّط بين هاتين الطائفتين يكون على الوجه التالي: الإيمان بجميع صفات الله وأسمائه من دون تعطيل ولا تمثيل، ويجب أن يكون بها على الأسس الثلاث، وهي: ـ إثباتها كما أثبتها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ـ تنزيهها عن مشابهة صفات المخلوقات وأسماء المخلوقات. ـ اليأْس من إدراك كيفيّتها. وعلى المؤمن أن يكون وسطًا في القدَر بين القدرية والجبرية. فالقدرية تقول: إن الإنسان هو الذي يخلُق فعلَه. وأما الجبرية يقولون: إن العبد مجبور ليس له فعل. فالتوسط بين هاتين الطائفتين الضالتين يكون على النحو التالي: الإيمان بقدرة الله تعالى على كل شيء، وأنه عز وجل يخلق الشر والخير معًا، كما أن للعبد فعلاً ويعاقب عليه، ففعل العبد مخلوق كما أن العبد مخلوق. ويجب أن يكون المؤمن في باب الإيمان وسطًا بين المعتزلة والمرجئة.

فالمعتزلة يقولون: إن الإيمان قولٌ واعتقاد وعمل لا يزيد ولا ينقص. والمرجئة يقولون: الإيمان قول واعتقاد دون عمل. فالتوسط بين هاتين الطائفتين المبتدعتين يكون هكذا: هو القول: بأن الإيمان قولٌ واعتقادٌ، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية". ثم قال الوالد: "هذا كله اعتقاد السلف من الصحابة والتابعين". ثم قال: "إن الروافض من الشيعة الذي يزعمون أنهم يحبون آل البيت ويدافعون عنهم. وهم أبعدُ الناس عن حبِّ آل البيت. وإن الزيدية أقرب طوائف الشيعة إلى أهل السنة. إن كثرة الطوائف من الروافض يرجع إلى أنه كلما مات إمامٌ من أئمتهم الطغاة جاء غيرُه، فيخرج عن الطائفة التي كان فيها، ويقوم بتأسيس طائفة أخرى، فبهذا تكثر طوائفهم. والروافض الغلاة يكفِّرون عليّ رضي الله عنه؛ لأنه لم يتبرّأ من أبي بكر وعمر -رضي الله عنهم-". ثم قال: "إن الخشبيّة هم طائفة من الروافض يقولون: لا يجوز أن نقاتل أهل السنة إلا بالخشب حتى يأتي أو يخرج المهدي عندئذٍ نقاتل بالسلاح. وأما الخوارج: فهم ثوّار يحبون القتْل، ويزعمون أن الإيمان قول وعمل، فمن ترك العمل أيًّا كان العمل صغيرًا أو كبيرًا فهو كافر. وهم يرون الخروج على الإمام إذا عصى، وقد قتَلوا عثمان -رضي الله عنه- بزعم أنه ولّى قرابتَه من الوظائف، ويرون أنه بهذا فعل معصية، فهو كافر.

والخوارج في الإيمان معتزلة، وكذلك في الأسماء والصفات. وكذلك في الوعيد واعتقادهم في الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ اعتقاد المعتزلة. وهم يكفّرون مَن خالفَهم، ويكفرون -أيضًا- آل البيت -رضي الله عنهم-. وأما النصيرية: فمن عقيدتهم: أن الصلوات الخمسة أسماء رجال مقدّسين، ويطلقون على أنفسهم العلويين، حيث يخطر على السامع أنهم من ذرية علي ـرضي الله عنه- وهم من ذرية عبد الله بن سبأ اليهودي". ثم قال الوالد: "إن المسلم يلزمُه أن يُبْعِدَ عقيدته عن ثلاثة أمور، وهي: ـ تخليصها من الشرك. ـ تخليصها من المعاصي. ـ تخليصها من البدع، فبهذا يحقق التوحيد". 204 - قال الوالد: "إن قول العلماء على رجل: (ثقة) لا يلزم منها أن يؤخذ بحديثه، حيث إنه يلزم أن ينضم إلى الثقة الإتقان، والعدالة، والحفظ، وغير ذلك". 205 - قال الوالد: "إن قواعد الإسلام التي بني عليها خمسة، وهي: ـ حفظ الدين. ـ حفظ النفس، ولهذا شرع القصاص من أجل حفظ النفس. ـ العقل، وحفظه بجلد من شرب الخمر الذي يزيل العقل. ـ المال، وشرع لحفظه قطع اليد التي تسرق حتى لا تعود. ـ العرض: وشرع له جلد القاذف لحفظه وقذف المحصن".

206 - قال الوالد: "أنواع التوحيد: ـ الربوبية: معناها: السيادة، وهذا التوحيد لا يُدرس، لأنه يعرف، وما أمر الله عز وجل بدراسته في كتابه ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأنه يعرف عند الكفّار فكيف عند المؤمنين، فقد قال الله عز وجل: {قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله} . ـ وأما توحيد الألوهية: فهو الغاية، قال الله عز وجل: {وما أُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين} ، وقال تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} . ـ الأسماء والصفات. قال تعالى: {الرحمن الرحيم} ". 207 - قال الوالد: "إن السلف لا يختلفون في العقيدة والتفسير، إنما الذي يحصل منهم اختلاف تنوّع، مثل قولهم عند قوله عز وجل: {اهدنا الصراط المستقيم} قال بعضهم: الإسلام، وقال بعضهم:…. وهذا الاختلاف ليس من الاختلاف المذموم، إنما هو خلاف تنوّع". 208 - قال الوالد: "إن التصوف معناه: التخلّق بالأمور الشرعية، وكان يُطلق على حسن السلوك" ثم قال: "إذا أطلق شخص على نفسه هذا الاسم فلا بأس، والأحسن البعد عن هذا اللقب أو النسبة إليه ويكتفي المسلم بما سماه الله عز وجل بقوله: {هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا} . وهذا اللقب (الصوفي) لا يدلّ على الذم إلا إذا عُرِفَ ماذا يفعل صاحبه؟. وأما إن قال شخص إنه متصوف فهذا هو المذموم؛ لأنه يُسمِّي نفسَه بغير اسمه ليأكل أموالَ الناس".

209 - قال الوالد: "القاعدة: أن المتأخرين من أصحاب الجرح والتعديل إذا خالفوا المتقدمين فإنه لا يؤخذ بقولهم، نحو: ابن حبان، إذا انفرد في كتاب (الثقات) بذكر رجل لم يوثقه المتقدمون، وكذلك الحاكم أبو أحمد. ثم قال: أصحاب الجرح والتعديل على مراتب: ـ متساهلون. ـ متشدّدون. ـ متوسّطون". 210 - وسمعته يقول: "إن الشافعية انقسموا في الاعتقاد إلى أشاعرة وسلفيّين، وكانت بينهم معركة كلامية، وردّ بين الطرفين، وهذا مما سبب تأخر العلم في القرن السابع، فقد كان هذا الأمرُ شائعًا بينهم. 211 - وأيضًا مما كان سببًا في تأخر العلم في القرون المتأخرة: المذاهب، فقد كان كل أهل مذهب يرى أن المذهب الآخر خصمه، وهذا لا ينبغي أن يكون بين المؤمنين، فمثال ذلك: الزيلعي في (نصب الراية) يذكر مذهب الأحناف في مسألة ثم يقول بعدها: "وقال خصومنا"، ويقصد بهم الشافعية ومن خالف المذهب. والله أعلم". 212 - سمعته يقول: "استدلّ أهل الحديث بأن الأحاديث التي جاء فيها كلمة (الروافض) هي أحاديث مكذوبة، حيث إن هذه التسمية لم يسموا بها إلاّ في زمن العباسيين". 213 - قال الوالد: "إن الأشاعرة يعبدون العَدَم، والمعتزلة عبّاد صنم، فالأشاعرة يقولون: إن الله عز وجل لا داخل العالم ولا خارج العالم، وهذا معناه العدم، والمعتزلة يقولون: هو في كلّ مكان".

214- قال الوالد: "إن قول الأشاعرة والمعتزلة عن الحديث القدسي: "لفظه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله" هذا التعريف باطل، دعاهم إلى ذلك تعريفهم للقرآن. والصواب: أن الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله عز وجل". 215 - قال الوالد: "إن علم أصول الفقه لم يشتغل به ويخدمه من المؤلفات وغيرها إلا المعتزلة والأشاعرة، والسلف لم يشتغلوا به ما عدا الإمام الشافعي". 216 - وقال الوالد: "الإنسان فيه صفات ذاتية وفعلية: الذاتية: مثل اللون، والطول، ونحوه. والفعلية: تحت مشيئته وإرادته. يعني: أنه غير مجبور. والصفة الذاتية: لا تتعلق بمشيئته ولا إرادته". 217 - وقال الوالد: "لفظ (قديم) يضيفه بعض أهل السنة إلى الله عز وجل من باب الإخبار، لا من باب أنها صفة له سبحانه وتعالى". 218 - وقال الوالد: "إن الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله تعالى، تكلم به، ولا يتأتّى الجزم باللفظ إلا إذا أمنت الرواية بالمعنى". 219 - وقال الوالد: "التوحيد على أقسام: ـ توحيد الربوبية. ـ توحيد الألوهية. ـ توحيد الأسماء والصفات. ـ توحيد المتابعة، أي: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم".

220 - قال الوالد: "قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم*صراط الذين أنعمتَ عليهم} أي: العلماء العاملون. وقوله: {غير المغضوب عليهم} : هم اليهود، علموا ولم يعملوا، وهم علماء غير عاملين. وقوله: {ولا الضالين} : هم النصارى: لم يتعلموا، فهم جهّال. فهذه مواقف الثلاثة من الثلاثة". 221 - سمعته يقول: "إن الجهمية أنكرت الأسماء والصفات معًا. والمعتزلة هم أتباع واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري قبل أن ينحرف عن الحسن. ولقّبوا بالمعتزلة بسبب أنّ واصلاً بن عطاء أجاب سائلاً سأله عن مرتكب الكبيرة ما حكمه؟، فأجاب: هو في منزلة بين المنزلتين. والحسن البصري يسمعه، فقال الحسن: إنّ واصلاً قد اعتزل مجلسنا، أي: خالف السنة". ثم قال الوالد: "إن المعتزلة ينكرون الصفات دون الأسماء، وإن الأشعرية الكلاّبية يؤمنون بسبع صفات، ويؤولون ما سواها. والماتريدية أتباع أبي منصور الماتريدي موقفهم من الصفات مثل موقف الأشاعرة، ولكن لهم تصرّف في بعض الأشياء غير الأساسية". ثم قال الوالد: "وإذا أطلقت الجهمية فإنها تشمل المعتزلة والأشعرية الكلابيّة والماتريدية، لأنه لا فرقَ بين من نفى الكل أو الجزء". 222 - وقال الوالد: "الذي يَدْرُسُ علم الفقه دَرَس العلمَ كله". 223 - وقال الوالد: "ينبغي لطالب العلم ألا يكون مستعجلاً".

قلت -والقائل عبد الأول-: كان الوالد كثيرًا ما يردّد هذا البيت: النحو صلاح الألسنة ... والنفس إن تعدمه في سنة 224 - وقال الوالد: "إن (صنهاجة) قبيلة بربرية، وإن البربر فيهم خلاف، والصحيح: أنهم قومٌ من العجم. وسُمُّوا برابرة لأنهم يبربرون في كلامهم". 225 - قال الوالد: "لا ينبغي لأحدٍ أن يتوغّل في النحو كما يفعل الأفارقة، فإن من أسباب خروجي من أفريقيا: خشية ألاَّ أتعلم شيئًا في الدنيا إلاّ النحو، فإن الواحد منذ أن يطلب العلم هناك يطلب النحو حتى يموت". ثم قال: "إن النحو هو: معرفة المرفوعات والمنصوبات والمجرورات والمجزومات، هذا هو النحو لا ينبغي الزيادة على المذكور، ومن عرفها فقد عرف النحو". ثم قال: "يكفي المرء في التصريف آخر (الألفية) و (لامية الأفعال) ". وقال: "إن النحو وسيلة كالوضوء للصلاة، فعلم النحو بدون القرآن والسنة لا ينفع". ثم قال: "إن اللغة العربية هي أوسعُ اللغات وأحسنها، واللغة العجمية ليست لها قواعد". وقال: "إن القواعد النحوية تعرف بالحفظ لا بالفهم". 226 - وقال الوالد: "إن المقلّد وثني مبتدع" أظنّه يعني ـ والله أعلم ـ: أنه شبيه بالوثني. 227 - قال الوالد: "الذي يلحن في الحديث مهدد". يعني بقوله: "مهدَّد" أي: بالوعيد الذي ورد في حديث "من كذب عليّ متعمّدًا فليبتوأ مقعدَه من النار". 228 - وقال الوالد: "ألفية ابن مالك مع الخضري وابن عقيل والأشموني تكفي لطالب العلم في النحو".

229 - وقال الوالد: "إن النزاع بين الأحناف والشافعية والمالكية إنما حصل في آخر الزمان لَمّا كان العلم إنما يُطلَبُ من أجل الدنيا". 230 - وقال الوالد: "طلب العلم عبادة، فلا يجوز تركُه من أجل فساد النية؛ لأن مع الوقت يدلّك على الخير". 231 - وقال الوالد: "إن العمامة هذه التي تُلبسُ اليوم ليست بعمامة، وإنما هي خمار". قلت: يعني: العمامة الخليجية. 232 - قال الوالد: "عند تعلم النحو لا بدّ من تحريك الكلمة، وذلك بأن يقال ـ مثلاً ـ: (قد قامَ زيدٌ) فيقرأ (زيد) بالحركة، بخلاف إذا لم يكن الأمر للتعليم". 233 - وقال الوالد: "إن كل قوم لهم مصطلحات -يعني: من أهل الفنون العلمية-، فإذا رأيت قومًا لهم مصطلح يخالف مصطلحك ولا يخالف الشرع فلا تلمه فإنه لا مشاحّة في الاصطلاح". 234 - وقال: "ذهب بعض الناس في زمن النبوة إلى أنّ عيسى -عليه وعلى نبينا محمد الصلاة والسلام- ابن الله، فجاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا له ذلك، وقالوا: إن القرآن ذكر ذلك، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أين ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه؟ "، قالوا: قال الله تعالى: {وروحٌ منه} ". ثم قال الوالد: "ظنّ هؤلاء أن (من) هنا بمعنى البعض، أي: بعضه، والولدُ بعضٌ من أبيه، فأنزل الله عز وجل ردًّا عليهم قوله: {منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات} ، فهؤلاء لا يعلمون ذلك، وهو أن كتاب الله عز وجل فيه آياتٌ محكمات ومتشابهات.

وأيضًا لو كانوا يعلمون لغة العرب لم يقولوا هذه المقالة الخاطئة، فإنّ (من) تأتي في اللغة العربية بثلاث معاني، وهي: 1ـ التبعيضيّة. 2- البيانية. 3ـ الابتدائية. فهذه الآية التي استدل بها هؤلاء الناس هي من الآيات المتشابهة التي ذم الله تعالى من حاول أن يتعرّف على أسرارها، فهي خاصّة به سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} . وأما الآيات المحكمات التي نزلت في أمر عيسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ كقوله عز وجل: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقَه من تراب} ، وقوله عز وجل: {إن هو إلا عبدٌ أنعمنا عليه} . ويردّ سبحانه على فهم هؤلاء بقوله: {وخلق لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه} ، و {من} هنا ابتدائية، فلو كانت {من} هنا كما يزعمون من أن (من) لا تأتي إلاّ بمعنى التبعيض لقلنا: إن السموات والأرض بعض من الله عز وجل، وهذا أمر لا يقرّون به ولا يقرّ به أحد. والله أعلم". 235 - وسمعته يقول: "الأصول ثلاثة: الكتاب، والسنة، والإجماع. وكان الشافعي -رحمه الله تعالى- يتعرّض للقياس في بعض المرّات. والقياس في مقام الجيفة التي يأكل منها الإنسان للضرورة القصوى". 236 - وسمعته يقول: "لا يوجد كتابٌ في أصول الفقه يعتمد عليه؛ لأنَّ أكثر الذين كتبوا في أصول الفقه استخدموا الفلسفة في كتبهم إلاّ هذه الكتب فإنه يعتمد عليها، فهي تعتبر من أحسن ما كتب في أصول الفقه، وهي: ـ الأحكام لابن حزم.

ـ أصول الفقه المنثورة في كتاب الأم للشافعي. ـ الرسالة للشافعي ـ الموافقات للشاطبي". 237 - وسمعته يقول: الفلاسفةُ لا يُخَاطَبون إلا بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن أبوا ذلك سُكِتَ عنهم لأنهم إذا خاطبوا أحداً بفلسفتهم غلبوه إذ هي علمهم منذ نبات أظفارهم. 238 - وسمعته يقول: مسألة التكفير مسألة عَسِرَةٌ جداً أعجزت أهل العلم الأوائل وكان الخوض فيها سببه الخوارج. 239 - وسمعته يقول: إن آيات القرآن ليس فيها خلاف، إنما الخلاف جاء في فهم الناس للآيات. 240 - وسمعته يقول: كل ذنب عمله الإنسان فهو بدعة؛ لأن المعصية لا تجوز في الشرع، فإذا عصا الإنسان فقد أتي بشي لم يأمر به الشرع. 241 - وسمعته يقول: إن العلل التي ذكرها الإمام الدارقطني في كتابه التتبع والإلزامات على بعض أحاديث البخاري ومسلم هي من باب شغل الوقت ولم يأت بعلة قادحة. 242 - وسمعته يقول: لا يوجد وقت اشتغل فيه أهل الحديث بعلم الحديث تدويناً مثل القرن السابع والثامن فإنهم تحركوا وعملوا وخدموا. 243 - وسمعته يقول: معنى فنجال أي فَنٌّ جَالَ. 244 - وسمعته يقول: أحسن المستخرجات مستخرج البرقاني والإسماعيلي.

245 - وسمعته يقول: المتأخرون من المفسرين أكثرهم لم يطلع على أقوال السلف حول الحروف التي تبدأ في بعض أوائل السور نحو آلم. وقول بعض المفسرين من المتأخرين إن {الم} الله أعلم بمراده، هذه العبارة حق أريد بها باطل، فلا شك أن الله تعالى أعلم بمراد كتابه كله. إن كتب السلف في التفسير تُرِكَت في الخزائن ونُشِر بدلاً منها تفاسير الرأي ونحوها. 246 - وسمعته يقول: يلزم الحافظ المتقن إذا ألف كتاباً وذكر فيه أحاديث أن يبين درجتها. 247 - وسمعته يقول: السلف هم الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والقرون المفضلة كان فيها القدرية والمعتزلة والجمهية وغيرهم من أهل البدع ولكن لا يطلق عليهم سلف إنما يطلق السلف على الصحابة ومن تبعهم بإحسان والسلف ليس عندهم تكلف. 248 - وسمعته يقول: إن علم الصرف يساعد على فهم معاني القرآن ومن لم يتعلمه يختل فهمه للقرآن الكريم. 249 - وسمعته يقول: إن قول العلماء (الصحيحان) على كتاب الإمام البخاري ومسلم يعنون في الجملة لا التفصيل. 250 - وسمعته يقول: "إن حديث عالم المدينة" الأحسن في تفسيره: أن لا يُحْصَرَ في الإمام مالك بل إن مالكاً ذكروه على سبيل المثال. 251 - وسمعته يقول: الصواب أن بداية المفصل من سورة (ق) لا من سورة الحجرات –صح الحديث في الأول وضعيف في الثاني. وقال الوالد: -رحمه الله تعالى- لأحد الحاضرين عنده في المكتبة ما معنى قوله تعالى {آلم} فقال الرجل: الله أعلم بمراده. فقال الوالد: هذا

خطأ فقال الرجل: على هذا أجمع المفسرون، فقال الوالد: بل على هذا أجمع المحرفون فإن هذا الذي قلت هو قول المعتزلة والماتردية والأشاعرة. 253 - وسمعته يقول: "إن معرفة المسائل الخلافية بين العلماء لازم لطالب العلم معرفتها فإن عدم معرفتها من قبل الطالب والعالم يوقع في المشاجرة ورفع الأصوات ونحو ذلك". 254 - وسمعته يقول: "إن الفقيه مُلزَمٌ بفهمه هو للحديث غير ملزم بفقه غيره". 255 - وسمعته يقول: "إن الشرع ثلاثة أمور: آية محكمة. وسنة ثابته. وإجماع". 256 - وسمعته يقول: "إن الذي لا يعرف اللغة العربية يَكْفُر ولا يشعر". يعنى معرفة النحو وغيره. 257 - وسمعته يقول: "إن {آلم} معناها: إن الله تعالى يخاطب الكفار يقول لهم إن {آلم} حروف مقطعة من كلامكم، فهذا القرآن من هذه الحروف التي تنطقون بها". 258 - وسمعته يقول: "إن من وضع يديه قبل ركبتيه فقد أخطأ وخالف، وليس كل أحد يستطيع أن يضع ركبتيه قبل يديه خاصة من كبر سنه. وقد قال بعض أهل العلم إن وضع الركبتين قبل اليدين منسوخ وهو قولٌ ضعيف. وقال لو أن رجلاً وضع يديه وركبتيه سوياً فإنه يكون مخالفاً للبعير فإن البعير يقدم يديه وتبقى ركبتاه قائمتين". ثم قام الوالد وطبق السنة فعلاً.

259 - وسمعته يقول: "ألقيت محاضرة فذكرت أنواع التوحيد الثلاثة ثم قلت: ولامانع من ذكر قسم رابع وهو المتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال لي رجل من الحاضرين يا شيخ من أين لك القسم الرابع هذا -فإن المشائخ لا يذكرونه فذكرت له الأدلة على هذا القسم- ولكن كأنه لا يسمع. 260 - وسمعته يقول: إن النوافل ذات الأسباب تُصَلَّي في أوقات النهي– هذا هو القول الراجح. 261 - سمعته يقول: علم الفرائض نصف العلم؛ لأن العلم علمان: 1– علم الأحياء. 2– علم الأموات. 262 - وسمعته يقول: ثلاثة علوم لا تؤخذ بالقياس إنما بالضبط بالشكل من أفواه العلماء الضابطين وهي: قراءة القرآن. المشتبه من أسماء الرواة. أسماء البلدان. وقد ألف أهل العلم في العلمين الأخيرين؛ لأنها تتوقف على السماع لا القياس. 263 - وسمعته يقول: "لا يوجد في الدنيا رافضي إلا وهو معتزلي العقيدة". 264 - وسمعته يقول: "إن التفصيل في مسألة من ترك الحكم بما أنزل الله تعالى لابد منه -وهو على ثلاثة أقسام- وأما عدم التفصيل فليس بصحيح".

إن حديث افتراق الأمة على سبعين فرقة بعضهم ضعفه وهو يبلغ حد المتواتر 265 - وسمعته يقول: المرجئة أربعة طوائف: 1– الماتردية. 2– الأشعرية. 3- الكرامية. 4- الجمهية. وهؤلاء اختلفوا في اللفظ واتفقوا في المعنى. 266 - سمعته يقول: "إن كل معصية بدعة". 267 - وقال: "إن بعض الأحاديث واضحة المعنى -ولكن بعض الشُرَّاح للحديث يقوم بشرحها والإطالة في الشرح حتى يصبح معنى الحديث غامض عند القارئ". 268 - وسمعته يقول: "إن الإمام أحمد لما سئل عن الرافضة أجاب بأنهم كفار". ثم قال الوالد: وقد قال بعض أهل العلم إنهم مبتدعة. ثم قال: وهذا القول بأنهم مبتدعة خفيف فيهم فإن أعمالهم أعمال الكفار وكذلك أقوالهم. إن معنى قول الإمام أحمد: "تعلم العلم من المهد إلى اللحد. أي تعلم ولا تمل من طلب العلم". 269 - وسمعته يقول: "إن الخوارج كل من خرج عن الأمور الشرعية – والخوارج من قبل هم الخوارج اليوم. فقال له قائل من الحضور: إن الخوارج اليوم يقال هم الذين خرجوا على السلطان؟ فقال الوالد: لا يقيد بهذا بل يقال أيضاً كل من خرج عن الأمور الشرعية".

270 - وسمعته يقول: "إن الحنابلة على قسمين: جمهورهم سلفي، والباقي إمَّا أشعري أو معتزلي". وشيخ الحنابلة في الأشعرية والاعتزال – أبو الوفاء بن عقيل. 271 - وسمعته يقول: إن حديث " إن لله تسعة وتسعين اسماً " هذه الأسماء بهذا العدد اختصها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لإنَّ لها خاصية، فإنّ أسماء الله أكثر من ذلك. 272 - وقال له الشيخ علي بن ناصر فقيهي: إن الحافظ ابن منده قال: إن "الصاحب" من أسماء الله تعالى. فقال الوالد: هذا على سبيل اللغة، وأما من جهة العقيدة فليس كذلك لأن الصاحب صفة وهو أقرب إلى الصفة منه إلى الاسم. 273 - سمعته يقول: كنت أُدَرِّسُ مرة بمكة فقلت: إن الأشاعرة ثلاثة أقسام: 1– كلابية. 2– معتزلية. 3– أتباع أبي الحسن الأشعري. وكلهم ليسوا بسلفيين. فبلغ ذلك الشيخ أمين المصري ومحمد مبارك المغربي، فالتقيت بهم مرة فقالا لي: نريد أن نعتزل بك؟ فقالا لي بلغنا أنك تَسُب الأشاعرة، فقلت لهم: أنا بينت عقيدتهم وأنَّهم ليسوا بسلفيين إنما هم على ثلاثة أقسام ففهم مرادي أمين المصري ولم يفهم مني المغربي. 274 - سمعته يقول: إن الأحناف يقولون: إن أبا هريرة رضي الله عنه: ليس بفقيه وهذه المقالة سبب قولهم لها هو أن أبا هريرة رضي الله عنه صاحب حديث كثير والحديث الذي يرويه يقضى على كثير من آرائهم.

275 - سمعته يقول: "أتمنى لو قام طالب من طلاب علم الحديث بجمع ألفاظ الجرح والتعديل ثم شرحها". 276 - وسمعته يقول: "إن الحافظ الذهبي قال في مقدمة تلخيص المستدرك: لخصت المستدرك ولكن يحتاج إلى تحرير". 277 - سمعته يقول: "قول الجهمية "القرآن مخلوق" يعنون به أن القرآن ليس كلام الله عز وجل، ثم قال: والواقفية الذين يقولون إن القرآن كلام الله عز وجل ولا يقولون غير مخلوق ولا مخلوق إنما قالوا هذا القول؛ لأنهم شاكون في كلام الله عز وجل". 278 - ثم قال: "قولهم ألفاظنا بالقرآن مخلوقة لها معنيان: إذا عُنِي بها الصوت فهو قول صحيح وإن عني بها الملفوظ "وهو القرآن" فهو قول باطل". 279 - ثم قال: قول الرافضة: إن عليًّا رضي الله عنه "يبعث يوم القيامة" يعنون بدلاً من عيسى عليه السلام. 280 - سمعته يقول: "عن كلام للحافظ الذهبي في كتابه معجم الشيوخ ص ج قال: إن هذا الكلام وجهة نظر من هذا الحافظ الكبير -وليس تأييدًا لهذا الفعل- وليس هذا الكلام من الشرك لأن هذه المسألة عند أهل العلم أنَّ من سجد للقبر فهو لا ينسب إلى الكفر مباشرة ولا إلى الشرك حتى يُعَلَّم فإن كان ممن يعلم أن هذا العمل لا يجوز فعله يستتاب، ثم قال: من أحب أن يتمعن في هذه المسائل فعليه بكتاب شيخ الإسلام الرد على البكري والأخنائي. 281 - سمعته يقول: "إن ألفية السيوطي أشمل وأسهل ألفاظاً من ألفية العراقي -يعني في مصطلح الحديث-".

282 - سمعته يقول: "إنَّ قول الحافظ بن حجر عن الراوي "صدوق يخطئ" يعني به الحافظ: أنَّ الراوي حديثه في درجة الحسن". 283 - وسمعته يقول: "إن من عرف عنه الكذب – أو وصفوه بأنه متروك "ثم ذكر ثالثاً نسيته" فهؤلاء الرواة لا تقبل لهم رواية ولا كرامة". 284 - سمعته يقول: "إن الحسن عند المتأخرين إذا أطلقوه فأكثر ما يعنون: الحسن لغيره". والحسن هو السند الذي فيه رجل يطلق عليه "صدوق يخطئ" إذ لا أحد يسلم من الخطأ وهذا عند غير أبي حاتم الرازي. ثم قال: إذ لو رُمِيَ هذا النوع لما استُفِيد منه. 285 - سمعته يقول: "المغازي والتفسير والملاحم أكثرها تُرْوَى بأحاديث موضوعة وضعيفة". 286 - وسمعته يقول: "قال بعض السلف عن الذين ينكرون رؤية الله تعالى يوم القيامة: عسى الله أن لا يريهم وجهه الكريم لأنهم لم يؤمنوا برؤيته". 287 - وسمعته يقول: "إذا تعارض أمر ضيق وأمر واسع قُدَّمَ الأمر الضيق". ثم قال: "ذكر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية قال: لو أن رجلاً دخل المسجد والمؤذن يؤذن هل يصلي ركعتين تحية المسجد أو يردد الآذان؟ ثم قال الوالد: وهنا نستعمل هذه القاعدة". وسمعته يقول: "لا ينبغي لأحد إذا مر بحديث موضوع أن يقول هذا حديث موضوع بل ينبغي أن يقول هذا سند موضوع، فربما إذا قال حديث موضوع أن يكون له طريق أو لفظ في الصحيحين".

289 - سمعته يقول: "إن صحيح أبي عوانة هو عبارة عن مستخرج على صحيح مسلم ومن فوائد المستخرجات الزيادة في بعض الأحاديث من ناحية الألفاظ، وهذا المستخرج له ثلاث أسماء المسند والصحيح والمستخرج". 290 - وسمعته يقول: "الله تعالى لا يُقْسِمُ إلا بشيء عظيم". 291 - وسمعته يقول: "والمعلم أو الداعية يجب أن يكون موحِداً". ـ ثانياً أن يعمل بمقتضى توحيده. ـ ثالثاً أن يدعو. ـ رابعاً أن يصبر على أذى من يدعوهم. 292 - وسمعته يقول: "الرازي في تفسيره أكثر من الفلسفة وكذلك الزمخشري، وأما الثعالبي فأكثر من التصوف في تفسيره وفعلهم هذا فعلوه لكي يَروجَ علمُهُم ومذهَبُهُم". 293 - وسمعته يقول: "المعطلة للصفات الإلهية أربعة هم: 1ـ المعتزلة. 2ـ الأشاعرة. 3ـ الماتوردية. 4ـ الجهمية. والسبب في تعطيلهم للصفات أنهم تعلموا علم الكلام والفلسفة ودخلوا من هذا الطريق إلى العقيدة". 294 - وسمعته يقول: "كتب علل الحديث كثيرة وعلم العلل من أصعب علوم الحديث وخاصة العلة الخفية وأما الظاهرة فليست بتلك وعلوم الحديث خمسة وستون نوعاً وزاد الحافظ البلقيني عليها أنواعاً حتى بلغت المائة. وأحسن نوع من أنواع الحديث المتفق والمختلف وهو أصعبها وقد وهم فيه الإمام البخاري والسبب في ذلك أن الأمام البخاري كتب فيه من حفظه".

295 - سمعته يقول: "جمع الأحاديث التي سكت عنها الحافظ ابن حجر أجود عمل يقوم به الباحث". 296 - وسمعته يقول: "إن الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- قام بذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة في كتاب المستدرك للحاكم وقد خدم هذا الكتاب خدمة جليلة بعمله هذا، والذي لم يُخْدَمْ في المستدرك بعد الحافظ الذهبي هو سكوت الحافظ الذهبي على بعض الأحاديث". 297 - وسمعته يقول: "ما يرويه الإمام البخاري من أحاديث خارج كتابه الصحيح لابد أن يُدْرَسَ، يعني لا يحكم له بالصحة حتى يدرس". 298 - وسمعته يقول: "وبعض الناس يزيد في رد السلام كلمة "ومغفرته" في آخرها وهذه الزيادة لا تصح باطلة". 299 - وسمعته يقول: "إن علماء الحديث حذروا من العمل بقول بعض العلماء عن بعض الأحاديث: رجاله ثقات، وذلك لأنه قد يكون في السند انقطاع أو إعضال أو أي علة خفية". 300 - وسمعته يقول: إن مرسل سعيد بن المسيب حجة ما لم يكن في إسناده ضعف، وكان ـرحمه الله تعالى- مستجاب الدعوة. 301 - وسمعته يقول: "إن قول من قال إن المرسل أقوى من المتصل دليله المقالة المشهورة: "من أسند فقد أحالك ومن أرسل فقد تكفل لك". 302 - وسمعته يقول: "القرآن يُفَسَّرُ بالقران وبالسنة وبلغة العرب وبأقوال الصحابة".

303 - وسمعته يقول: "مسند الإمام أحمد رتبه وتكلم على رجاله وشرحه ابن زكنون وترتيبه له على أبواب البخاري، ورأيت منه ثمانية مجلدات مخطوطة وهو أكثر من ذلك وسماه الكواكب الدراري". وترتيب الساعاتي لمسند الإمام أحمد أنا أجزم بأنه وقف على كتاب الكواكب ونقل منه الكثير، وقد تبين لي ذلك حيث قابلت بينه وبين كتاب الدراري، والساعاتي البنا المؤلف ليس هو الذي ألف هذا الكتاب وإنما لديه لجنة مَوَّلَها فكتبت وألفت وقد أخبرني بذلك رئيس هذه اللجنة بعد وفاة البنا بوقت. 304 - وسمعته يقول: "السنن الأربعة ترتيبها على حسب الصحة أبو داود، النسائي، الترمذي، ابن ماجة". 305 - وسمعته يقول: "الكتب لا يجوز أن تُشكل لأنه ربما يقوم بالتشكيل من لا يعرف الإعراب، فيشكك القارئ، أثناء قراءته". 306 - وسمعته يقول: "إن الإجازة العامة تشمل جميع المرويات ومنها المسلسل بالأولية". 307 - وسمعته يقول: "وعلم البلاغة علم جيد تعرف به أسرار اللغة ولكن أدخلت فيه ثلاث طواغيت وهي: ـ المجاز على المعنى الذي يعنونه. ـ التورية على المعنى الذي يعنونه. ـ التأويل على المعنى الذي يعنونه. وهذه الثلاثة الطواغيت دسها المعتزلة في كتب البلاغة، والمعتزلة هم من أول من ألف في علم البلاغة، وأدخلوا هذه الثلاثة من أجل أن يبرروا موقفهم في نفي صفات الله -تعالى- والتأويل لم يذكر في كتب اللغة القديمة بهذا

التعريف الذي هم عليه، إنما جاء التأويل بمعنى التفسير وجاء بمعنى حقيقة الشيء والتأويل عندهم هو تحريف الكلمات عن معانيها الصحيحة إلى معانٍ باطلة. وأما المجاز فقد أبطله ابن القيم بخمسين دليلاً لخصتها في خمسة أدلة. 308 - وسمعته يقول: "إن المترجم لكتب العلم من العربية الى غيرها له شرطان عندي: ـ أن يكون على عقيدة السلف. ـ أن يكون متقناً للغة العربية واللغة التي يترجم إليها". 309 - وسمعته يقول: عن حديث " إن المؤذنين أطول الناس أعناقاً" "يجوز أن تكون أعناقا بكسر الهمزة أو أعناقاً فالأول يعنى إسراعاً إلى الجنة، والثاني معروف جمع عنق". 310 - وسمعته يقول: "قول المحدثين عند رواية بعض الأحاديث بمثله أو نحوه فمثله يعنون بها لفظاً ومعنى ونحوه معنى فقط". 311 - وسمعته يقول: "إن علماء المشرق من المحدثين يستخدمون "أخبرنا" في السماع وأخبرنا وحدثنا استعمالهم واحد عند المغاربة". 312 - وسمعته يقول: "إن العلم انتقل من جزيرة العرب الى المغرب وعلماء المشرق أعلم من علماء المغرب". 313 - وسمعته يقول: "إن الأعمش مدلس، وأهل العلم يرون أنه يدلس التدليس الفاحش".

314 - وسمعته يقول: "إن علماء الحديث ينتقون من أحاديث المدلس ما سمع، ويتركون مالم يسمع". 315 - وسمعته يقول: "إن الحافظ الخطيب البغدادي ألف الكتب التالية "شرف أصحاب الحديث" "الفقيه والمتفقه" "وكتاب الاحتجاج" رداً على الأحناف الذين ينتقدون أهل الحديث لاشتغالهم بالحديث وتركهم ما هم عليه من الرأي. ثم قال الوالد: والفقه إنما يكون من النصوص لا من الفراغ". 316 - وسمعته يقول: "إن اللُّغَوِيين هم الأدباء". 317 - وسمعته يقول: "ما رأيت أحداً من العلماء وضح معنى خلاف التنوع وخلاف التضاد مثل شيخ الإسلام ابن تيمية. قلت وأكثر هذا التوضيح موجود في كتابه "رفع الملام". 318 - وسمعته يقول: إن التشهد الذي رواه ابن مسعود أحسن ما روي فى التشهد من الصيغ وفيه صيغة لا توجد في الصيغ الأخرى وإختيار هذا التشهد داخل في قوله تعالى {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} وقوله أحسنه لا يمنع اتباع الحسن. 319 - وسمعته يقول: "إن الحافظ الذهبي أفادنا في أن لفظه أو كلمة "تَغَيَّر" غير لفظة "اختلط". 320 - وسمعته يقول: "إن بعض أهل العلم كان إذا نسي شيئاً واراد أن يتذكره يركع ركعتين، وذلك أن الشيطان يقول له في الصلاة اذكر كذا وكذا". 321 - وسمعته يقول: "إن الراوي المُخْتَلِط لا يقبل حديثه إلا إذا له شواهد أو متابعات".

322 - وسمعته يقول: "حديث رفع اليدين حذوا المنكبين في الصلاة وحذوا الأذنين "كلاهما صحيح". 323 - وسمعته يقول: "إن المالكية لا يرفعون أيديهم ألا عند تكبيرة الإحرام في الصلاة، والحنابلة والشافعية على خلاف ذلك يرفعون في أربعة مواضع كما جاء في الحديث. والأحناف لا يرفعون إلا في تكبيرة الإحرام مثل المالكية عملاً بلفطةٍ وردت في أحد الأحاديث في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وهي لم "يعد" وهذا أثر لابن مسعود لا يصح عنه". 324 - وسمعته يقول: "وكلمة (الحد) الواردة في بعض عقائد أهل السنة المراد بها أن الله تعالى مباين لخلقه وبعض الناس يسأل عن معنى "الحد" للمشاغبة لا للمعرفة والصحيح أن الله عز وجل له حد لا يسال عن كيفيته ولاكنهه". 325 - وسمعته يقول: "إن الشام فيها كثير من فرق المبتدعة مثل مصر. والمعتزلة بحثت عنهم في مصر ولم أجد منهم أحدًا، وإن العراق قبل الإلحاد كان فيها الأشعرية والماتوريدية. واليمن فيها الأشعرية والمعتزلة. والزيدية الذين في اليمن كلهم معتزلة والشافعية فى اليمن أشعرية. وقد عملت جغرافية في العقائد في العالم الإسلامي، ووضعت السعودية في الوسط وإن المملكة العربية السعودية دولة سلفية". 326 - وسمعته يقول: "إن معظم من شرح كتب الحديث من الأشاعرة والسلف الذين شرحوا هذه الكتب واحد في المائة. إن علماء السلف لم يسبق أن كانت دولة تؤيدهم وتناصرهم في الغالب بخلاف الأشاعرة والماتوردية والمعتزلة وغيرهم، هؤلاء كلهم قامت لهم دول، ولهذا قل من شرح من علماء السلف كتب الحديث".

327 - وسمعته يقول: "إن الاعتزال خرج من أفريقيا وبقيت الأشعرية". 328- وسمعته يقول: "ان ابن تومرت هو الذي نشر العقيدة الأشعرية في العالم وألف كتابين فيها هما المرشدة الكبرى والصغرى. وقد جلبنا هذين الكتابين ووضعناهما في قسم الممنوعات في الجامعة الإسلامية". 329 - وسمعته يقول: "إنَّ الهنود قديماً يطبعون الكتب ولا يحققونها إنما قصدهم النشر". 330 - وسمعته يقول: "وعلم البلاغة علم جيد تُعْرَفُ به أسرار اللغة ولكن فيه ثلاث طواغيت وهي: ـ المجاز: على المعنى الذى يعنيه المعتزله. ـ التورية: على المعنى الذى يعنيه المعتزلة. ـ التأويل على المعنى الذى يعنيه المعتزله. هذه الثلاث الطواغيت دسها المعتزلة في هذا العلم، وهم أول من ألف في علم البلاغة. وأدخلوا هذه الثلاث من أجل تبرير موقفهم من نفي صفات الله عز وجل. وكتب اللغة التي كتبها المتقدمون لم تذكر هذه الثلاث، نعم ذكرت التأويل ولكن ليس بالمعنى الذي ذكره المعتزلة". وسمعته يقول: "بدأ الله تعالى كتابه بالفاتحة حتى يعلم الناسأهمية التوحيد، والتوحيد ذكر فى الفاتحة كلها، وسورة الناس ذكر الله عز وجل فيها التوحيد نفس الذي في سورة الفاتحة والحكمة أي يا أيها الإنسان كما تحيا على التوحيد يجب ان تموت عليه، وسورة الفاتحة في أول القران والناس في آخره. والمفروض علينا ألا نشتغل عن القرآن بشيء، وأول أمر

جاء في القرآن: جاء بالأمر بالتوحيد وذلك في قوله تعالى {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} وذلك في سورة البقرة. 332 - سمعته يقول: "الأوصاف والألقاب التي تذكر في أول تراجم بعض العلماء من اختراع العجم ولا فائدة منها". 333 - وسمعته يقول: "أكثر كتب علماء الحديث المفقودة كتب الحافظ أبي بكر الخطيب -رحمه الله-". 334 - وسمعته يقول: "طريقة المحدثين عند قراءة كتب الحديث المسندة هي أن نقول: قال المصنف رحمه الله تعالى بالسند المتصل إليه ثم نقرأ إسناده. أو أن تذكر سندك إلى المصنف ثم تقول: العبارة المتقدمة". 335 - وسمعته يقول: "أخطر الناس على الإسلام الرافضة واليهود. وكان الوالد رحمه الله يقول بتكفير الرافضة ويقول إن الإمام أحمد كفرهم، وعقد فصلاً في كتابه السنة للدلالة على كفرهم". 336 - وسمعته يقول: "إن أهل العلم يقولون كل كلمة تحتمل معنيين معنى حق ومعنى باطل، فلا يجوز التكلم بها عند العامة وانما تُذْكَرُ عند أهل العلم". 337 - وسمعته يقول: "إن فتاوى ابن تيمية التي جمعها الشيخ ابن قاسم -رحمه الله تعالى- كنت ممن شارك في ترتيبها وذلك سنة 1375 هـ أنا وجماعة، وكتبنا عليها ملاحظات منها: 1ـ عدم الأصول. 2- كثرة الأخطاء التصحيفات.

قلت: وقد كان الوالد رحمه الله لا يطالع في الفتاوى المذكورة، ويقول: إن بها تصحيفًا وكلامًا ليس لشيخ الإسلام ابن تيمية، ويطالع الفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية بدلاً منها. 338 - وسمعته يقول: إن حديث " إني على كل شيء قادر " هو قطعة من حديث الرجل الذي قال لرب العالمين عز وجل أتستهزأ بي وأنت رب العالمين فيه رد على بعض العلماء حيث يقولون: لا يجوز أن يقال إن الله على كل شيء قادر، بل يجب أن يقال قدير، وهذا الحديث في صحيح مسلم. 339 - وسمعته يقول: "إن اكثر الأحاديث المتواترة تواترها بالمعنى لا باللفظ". 340 - وسمعته يقول: "إن كلمة مجاز استعمالها باطل أول ما أخذت من المعتزلة". 341 - وسمعته يقول: "من فاته علم الصرف فاته جل العلم يعنى علم الكلمة هكذا يقول أهل هذا الفن". 342 - وسمعته يقول: "لقب العارف لا يطلق إلا على الكفار، والمعرفة لا تطلق إلا على الكفار". 343 - وسمعته يقول: "إن كلمة مجاز ليس لها أصل في الشريعة ولافي اللغة، وقد ألف الزمخشري كتابه الأساس في اللغة، ليساعد المعتزلة على القول بالمجاز". 344 - وسمعته يقول: "إن الحافظ بن حجر لا يُقِرُّ كلمة مجاز وقد جمعت من الفتح مواضع تكلم فيها على المجاز بلغت أوراقاً موجودة عندي".

345 - وسمعته يقول: "الحكمة من الغسل من ولوغ الكلب أن فم الكلب متعلق به ديدان صغار ناتجة عن لحسه لدبره، فالغسل بالتراب يميت تلك الديدان". 346- وسمعته يقول: "جهنم لها دركات لا درجات وذُكِرَ لها سبعة أسماء في القران، ومعنى الدركات النزول الى اسفل". 347 - وسمعته يقول: "المُدَّعونَ للمهدية كثيرون جداً، يستطيع أن يجمعهم المتتبع في كتاب". 348 - وسمعته يقول: "الأشعري من المعتزلي، والمعتزلي من الجهمي – والماتوريدي من المعتزلي والمعتزلي والجهمي يعتقدون أن الله عز وجل في كل مكان وهؤلاء أخذوا عن بعض". 349 - وسمعته يقول: "إذا رأيت رجلاً يطوف حول القبر أو يستغيث بغير الله، فلا يجوز لأحد أن يبادره بالتكفير حتى تعلم هل هو جاهل أم عالم. ولا يجوز أن يكفر أحداً حتى يُعَلَّمَهُ". 350 - وسمعته يقول: "من سمع شُبُهاً فليُعْرِض عنها فإنَّ ذلك خير له". 351 - وسمعته يقول: "ان المعطلة للصفات يسمون كل من خالفهم مشبهًا". 352 - وسمعته يقول: "إن الحافظ الذهبي عمله في المستدرك كالتالي: إما أن يخالف الحاكم أو يوافقه بأن يذكر مثل عبارته، وفي أوقات يسكت عنه وحينئذ لا يقال: وافقه الذهبي". 353 - وسمعته يقول: "قال الأئمة: لايطعن في أبي حنيفة من أجل أنه ليس بمحدث لأن هذا فضل من الله تعالى يؤتيه من يشاء. ثم قال الفقه فقهان:

ـ فقه أكبر وهو التوحيد. ـ وفقه أصغر وهو الفروع والإسلام عقيدة وعمل، ولايستطيع أحد في الدنيا أن يستَقِلَّ عن الأئمة في الفقه". 354 - وسمعته يقول: "إن البخاري ومسلمًا فيهما أحاديث ضعيفة ولكن في المتابعات والشواهد والبخاري يروي أحاديث ولكن يعضدها بالأصول بحيث ينفي الضعف عنها، ومسلم وقعت فيه أحاديث غلط لايقال عنها: ضعيفة بينها أبو العباس ابن تيمية في كتابه الحديث والموطأ ليس كله في الحديث بل إن فيه غير ذلك ولهذا لايقارن بالصحيحين والبخاري ومسلم يحاولان دائماً الارتقاء بالحديث عن الآحاد الى العزة والى الاستفاضة. وصحيح ابن حبان وابن خزيمة والمستدرك تسمية هذه بالصحيح ليس كتسمية البخاري ومسلم بالصحيح وأغلب ما في هذه الثلاث أحاديث حسان والذي دعا إلى تسميتها بالصحيح أن الحسن يلزم منه العمل كالصحيح فلابأس من تسميتها صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة وهكذا". وسمعته يقول: "إن الكتب الأصول مع المسند للإمام أحمد كل واحد منهما له ميزة، فصحيح البخاري أبوابه ملئية بالفقه وله ميزات أخرى، وصحيح مسلم له ميزة وهي سرد الأحاديث وطرقها في مكان واحد وهذا يفيد فائدة كبيرة وأما سنن ابي داود فهو كتاب في أدلة الأحكام، وعلماء المالكية يقدمونه على هذه الكتب بسبب هذه الميزة وأما الترمذي كتاب عظيم غفل عنه طلبة العلم فيه ميزات عديدة منها. أنك تستطيع أن تعرف مذاهب العلماء الذين انقرضت مذاهبهم كالليث وسفيان الثوري وغيرهما، وهذا الكتاب فيه أحاديث ضعيفة وموضوعة ولكنها قليلة. والسنن الكبرى للنسائي فيه أحاديث ضعاف قال بعض أهل العلم بالحديث: إن شرط النسائي في

الصغرى مثل شرط الصحيحين أو فوق وميزة النسائي أنه يَذْكُر الطرق المتعارضة وكتابه فيه علم جم. وأما ابن ماجه فميزته كثرة التبويب فتبويبه هذا يساعد على فقه الحديث وفيه ثلاثون حديثاً موضوعاً". 356 - وسمعته يقول: "سورة النساء فيها أية جمعت الأصول الشرعية الثلاثة وهي قوله تعالى {يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} فتضمنت الكتاب والسنة والإجماع". 357 - وسمعته يقول: "وقياس إبليس هو القياس مع وجود النص". 358 - وسمعته يقول: "من قدم رأي رجل على الكتاب والسنة وهو عالمٌ فإنه يخاف عليه الشرك". 359 - وسمعته يقول: "علم أصول الفقه دخلت فيه يد الغير وأصول الفقه الآن قسمان: 1ـ صحيحة. 2ـ غير صحيحة. وغير الصحيحة تسمى أصول فقه وليس كذلك وهي من صنع المعتزله وقلدهم تلاميذهم الأشاعرة والماتوريدية وقد أدخل المعتزله والاشاعرة في أصول الفقه ما ليس منه ويكفي للطالب في أصول الفقه أربعة كتب الموافقات للشاطبي والأم للشافعي والإحكام لابن حزم". قلت: الرابع نسيته. 360 - وسمعته يقول: "الاختلاف في الصحة والضعف المرجع فيها أهل العلم". 361 - وسمعته يقول: "حديث صلاة التسابيح موضوع سنداً ومتناً فالذين حكموا بوضعه، استوعبوا دراسته من كل الوجوه".

362 - وسمعته يقول: "اطلعت على كلمة محدث الشام الألباني وهي أن كل ما قاله الحافظ في كتابه التقريب من اطلاق كلمة مقبول على بعض الرواة إنما هي توثيق ابن حبان حيث ذكر هؤلاء الرواة في الثقات". قال الوالد: "فلم أجد هذا الحكم على إطلاقه بعد التتبع". 363 - وسمعته يقول: "مازلنا نحن معاشر أهل العلم نُنْكِر رسالة النصيحة للحافظ الذهبي أو المنسوبة إليه". قلت: أي لا تصح نسبتها للحافظ الذهبي بل هي من وضع الكوثري. 364 - وسمعته يقول: "كتاب الإمام شرح الإلمام في أدلة الأحكام أكبر كتاب في هذا الباب فالمؤلف الحافظ ابن دقيق العيد يذكر في بعض الأحاديث مائتي مسألة". 365 - قال الوالد: "إن الحافظ الذهلي كان إذا فرغ من الدرس يقول للطلاب حَامِضونا أي اذكروا فوائد ظريفة فان القلب ملول". 366 - قال الوالد: "إن الخرافات الصوفية أخطر على الإسلام من الكفر الروسي والأمريكي. قلت: لأنها مغلفة بالحق". 367 - قال الوالد: "إن تفسير النيسابوري وهو على حاشية تفسير ابن جرير هو تفسير صوفي خطير مليء بالخرافات". 368 - قال الوالد: "إن أفريقيا الغربية غالبهم أشاعرة كلابية وأفريقيا الشمالية فيهم معتزلة كثير وشرق آسيا كلهم عن بكرة أبيهم حنفية ماتوريدية وهم الأغلبية أو أشعرية كلابية وهم الأقل".

369 - قال الوالد: "إنَّ قول بعضهم إن كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم -رحمه الله- هو التاريخ الكبير للبخاري رحمه الله فليس كذلك بل زاد عليه ابن أبي حاتم وإن كان نقل منه". 370 - قال الوالد: "كنا نطبق القواعد النحوية في قراءتنا لكتب الحديث". 371 - قال الوالد: "إنَّ القرآن له شروط ليست تشترط في الحديث القدسي ولا النبوي ثم قال إنَّ الأحاديث القدسية أغلبها ضعاف بل وفيها الموضوع والصحيح منها قليل". 372 - قال الوالد: "إن أفضل الثناء على الله عز وجل قراءة سورة الفاتحة، وسميت الفاتحة صلاة لأنه لا صلاة بدون الفاتحة والهداية تأتي بمعني الإرشاد وبمعني التوفيق". 373 - قال الوالد: "إن الفقه ينقسم الى قسمين: فقه أصغر، وفقه أكبر وحديث أبي هريرة في صحيح مسلم إذا قال العبد الحمد الله قال الله عز وجل حمدني عبدي …………… الحديث هذا الحديث يتضمن هذين القسمين". 374 - قال الوالد: "إن توحيد المتابعة ذكره صاحب شرح الطحاوية وكثير من طلبة العلم لا يعلمون ذلك". 375 - قال الوالد: "إن السر في أنَّ الفاتحة في أول القرآن لأنها تشتمل على القرآن كله بخلاف غيرها من السور وأيضا لأن الفاتحة تشتمل على ثلاثة أشياء هي القرآن كله وهذه الثلاث هي الترغيب والترهيب والتوحيد وهذه السورة من إعجاز القرآن إذ جمعت كل القرآن في سورة واحدة".

376 - قال الوالد: "إن أول واجب على الإنسان أن يتعلمه هو توحيد الألوهية، ثم قال إن عبادة الله هي الخوف منه ويجب معرفة الله بصفاته العلى، وإن الله عز وجل بدأ كتابه بالتوحيد وختمه بالتوحيد وذلك بسورة الفاتحة في أول القران والناس في آخره، ويجب على كل أحد أن يفتح مدرسة للتوحيد في أي بلاد الله كان وهذا أول ما يُبدأُ به". 377 - قال الوالد: إن قوله تعالى {غير المغضوب عليهم} تشمل اليهود والنصاري والعصاة ولكن خص بها اليهود لكثرة مخالفتهم وقوله: {ولا الضالين} أي الجاهلين وهذه صفة النصارى وذلك أن النصارى ما عَرَّجوا على التوحيد ثم قال إن النصارى مبتدعة وذلك لأنهم عملوا بغير علم وكل من كان له علم وعمل به ففيه شبهٌ بالأنبياء وكل من له علم ولم يعمل به ففيه شبه باليهود وكل من كان ليس له علم وأخذ يعمل بدون علم ففيه شبه بالنصارى ثم قال هناك قاعدة عند أهل العلم معروفة وهي أن الوسائل قبل الغايات نحو الوضوء قبل الصلاة لا صلاة قبل الوضوء ولهذا قدم سبحانه وتعالى التوحيد في سورة الفاتحة على العبادة وما بعدها، والله عز وجل هدى كل شيء خلقه ثم قال إن الإلهام من أنواع الهداية". 378 - قال الوالد: "وما ورد في خطبة الحاجة من قوله "أما بعد: فإن خير الهدي" قوله خير الهدي فيها روايتان بكسر الدال من الهداية الى الخير وبفتح الدال من الاستقامة والثبات". 379 - قال الوالد: "إن التوحيد في الفاتحة يكتب فيه أكثر من مجلد". قال الوالد:" إن كل الطوائف الجهمية الجعدية والمعتزلة الزيدية والكرامية السجستانية هؤلاء كلهم قالوا إن الحديث القدسي لفظه من النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله عز وجل، وهذا قولهم أيضاً في القران وما قال بهذا أحد من

السلف بل الذي عليه السلف أن الحديث القدسي كلام الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله وهذه حقيقة لاصارف لها فإذاً يقال: إن الحديث القدسي كلام الله عز وجل حرفًا ومعنًى". 381 - قال الوالد: "لا تصح الصلاة بدون قراءة الفاتحة". 382 - قال الوالد: "من قال قول المشركين والكافرين لا يقال له كافر أو مشرك حتى يُعلَّمَ". 383 - قال الوالد: "الصحيح أن يقال رائعة النهار لا رابعة النهار ومن قال رابعة فقد صَحَّفْ". قلت: رائعة بالهمزة. 384 - قال الوالد: "إن العلم مرتبط بعضه ببعض". 385 - قال الوالد: "الجمهور من الأصوليين يجب عندهم حمل المطلق على المقيد والمجمل على المبين والعام على الخاص". 386 - قال الوالد: "قوله تعالى {وأولى الأمر منكم} معناها الإجماع". 387 - قال الوالد: "إن أصول الفقه علم جليل لا يعرف قدره إلا من دخل فيه". 388 - قال الوالد: "ومن الطواغيت المدسوسة في كتب الأصول: 1ـ ما يسمى بالمجاز. 2ـ ما يسمى بالاستعارة. 3ـ ما يسمى بالتورية. والمجاز طاغوت كبير وله معنيان، والطوائف المبتدعة أخذوا المعنى الباطل وتركوا المعنى الحق والمجاز هو تحريف كلام الله تعالى وسنة رسول صلى الله عليه وسلم هكذا هو عندهم والمجاز بالمعنى الصحيح معناه ما يجوز فيه كذا وكذا ثم قال وهذه المسألة من التحريف الذي عُرِف به اليهود".

389 - قال الوالد: "الجهمية ليسوا بمسلمين لأنهم هم الذين أسسوا هذا الضلال". قلت: يعني الضلال الذي جاءوا به من القول بخلق القرآن والمجاز وغيره. 390 - قال الوالد: "إن الأشاعرة والماتوردية والصوفية ينطبق عليهم قول أهل العلم كل إناء بما فيه ينضح فهؤلاء على عقيدة مشايخهم". 391 - قال الوالد: "وجهم بن صفوان له ثلاث جيمات: 1ـ جهمي. 2ـ مرجيء. 3ـ جبري". قلت كان الوالد رحمه الله تعالى عندما كنا نقرأ عليه في صحيح مسلم يلزم القارئ عليه أن يقول قبل قراءة الإسناد جملة"وبه إليه قال:"حدثنا فلان. ثم يقرأ الإسناد. 392 - قال الوالد: "إن مسلماً في صحيحه يَسْرِدُ طرق الحديث الواحد في موضعها وذلك لبيان العزة والتواتر والشهرة والآحاد". 393 - قال الوالد: "إن سورة الفاتحة لها أسماء كثيرة وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، وان الفاتحة عنوان على القران كله كما تقول: كتاب الطهارة وهو عنوان لكل أبواب الطهارة، وإذا درست الفاتحة وحدها كفت عن القران كله وسميت الفاتحة مثاني لآن فيها من الثناء على الله عز وجل الكثير أومن التثنية لأنها تكرر في الصلاة وكلا المعنيين صحيح وقيل لأن فيها الترهيب والترغيب، والصحيح أن البسملة من الفاتحة، ففي صحيح مسلم وابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسرُّ بها وهذا القول أقرب للصواب، والذين قالوا بأنها ليست من الفاتحة استدلوا بأدلة مجملة".

394 - قال الوالد: "إن حديث أبي بكرة رضي الله عنه: " لا تَعُدْ " معناه إلى الجري إلى الصلاة؛ لأن الإتيان إلى الصلاة بالطمأنينة هو المطلوب". 395 - قال الوالد: إن حديث الفرقعة ضعيف جداً قلت أظنه يعنى حديث النهي عن فرقعة الأصابع فى الصلاة أو في المسجد. 396 - قال الوالد: إن التشبيك منهيٌ عنه إذا كان يريد أن يصلي بعد فراغه من الصلاة أما إذا لم يكن له نية الصلاة بعد ما صلى فليس في التشبيك شيء. فاستدل الوالد بحديث ذي اليدين حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم شبك بين أصابعه؛ لأنه لم يكن يظن أنه ترك شيئاً من الصلاة. 397 - قال الوالد: إن القران كله ثلاثة أشياء: 1 – التوحيد. 2 – الترغيب. 3 – الترهيب. أو 1ـ التوحيد. 2– الوعد. 3 – الوعيد. وهذان القسمان هما اختلاف نوع وإلا فهما شيء واحد. وسميت الفاتحة أم الكتاب؛ لأنها مفسرة للقران كله". 398 - قال الوالد: "إن حديث المسيء لصلاته فيه علم جم وينبغي أن يُدْرَسَ هذا الحديث". 399 - قال الوالد: "إن بعض أهل العلم من حفاظ الحديث يذكرون الأحاديث الضعيفة والموضوعة في مؤلفا تهم ولا يبينون ضعفها ولا وضعها وذلك أنهم قالوا إننا نكتب هذه المؤلفات لأهل العلم بالحديث, وقد أبرزنا أسانيدها".

400 - قال الوالد: "إن الحافظ ابن حجر تتبع ما تتبعه الدارقطني على البخاري فوجد أنَّ ما تتبعه الدارقطني على البخاري الصواب فيه مع الأمام البخاري إلا القليل لم يجد فيه جواباً، وأما تتبع الحافظ الدارقطني لما في صحيح مسلم فالصواب فيه مع الدرقطني في الغالب". 401 - قال الوالد: "إذا قال الإمام الدارقطنى عن حديث إنه باطل فمعناه حديث موضوع". 402 - قال الوالد: "إن قول بعضهم: إن الأول ما ترك للآخر شيئاً هذا قول من لا عقل له والصحيح كم ترك الأول للآخر". 403 - قال الوالد: "إن الجهمية كفار". 404 - قال الوالد: "إن السياسية قسمان: ـ سياسة شرعية: وهي التي تضع كل شيء في موضعه. ـ سياسية الجنكزخانية: وهي التي وضعها ملك التتر وذلك أنه قال لأصحابه "أتعبنا الإسلام بكثرة شروطه" فوضع لهم كتاباً في السياسية كله خلاف الشريعة الإسلامية". 405 - قال الوالد: "إن الزيدية لا تُذْكَر في الرافضة، فالرافضة طائفة لوحدها". 406 - قال الوالد: "تبين لي بالاستقراء أنَّ الحافظ ابن حجر في كتابه التهذيب إذا قال قلت فإن ما بعدها من العلم نقله عن مغلطاي من كتابه (إكمال تهذيب الكمال) ". 407 - قال الوالد: "قد يكون الراوي ثقة ولا يحتج به مثل ابن اسحاق ثقة ولا يحتج به".

408 - قال الوالد: "البدعة كلها تفسق صاحبها". 409 - قال الوالد: "إن علم المتفق والمفترق في الحديث أخطأ فيه كبار علماء الحديث يعنى لصعوبته". 410 - قال الوالد: "إن الإمام البخاري أخطأ في بعض الرواة الذين يدخلون في علم المتفق والمفترق، وذلك لأنه أملى كتابه التاريخ الكبير من حفظه في الحج". 411 - قال الوالد: "لا يكفي أن يقال: فلان ضعيف بل لابد من البحث، والعلماء القدماء لا يقولون: فلان ضعيف إلا بعد الدراسة". 412 - قال الوالد: "إن المسألة إذا وقع فيها خلاف، فالقاطع للنزاع والخلاف هو الحاكم في تلك الديار التي وقعت فيها المسألة ـ أعني ـ بالحاكم العالم". 413 - قال الوالد: "النسخ في القران والسنة لا يقال بالاحتمال -يعني- أنه لا يقال إلا بالجزم والقطع". 414 - قال الوالد: "إن الناس في البدعة أقسام منهم عوام ومنهم علماء". 415 - وكان الوالد -رحمه الله تعالى- إذا سأل أحداً ممن في مجلسه مسألة علمية، وكان جوابها فيه تقسيم وأنواع يسأله أولاً كم نوعًا لها أو قسمًا؟ ثم إذا ذكر المسؤول عدد الأنواع أو الأقسام يقول له: "اشرحها، ثم يقول إن هذه هي طريقة العلماء، وكان -رحمه الله تعالى- يكثر من هذه الطريقة". وسمعته أكثر من مرة إذا ذكر ابن تُومرت يقول عنه الظالم الغشوم. وقال مرة هو رجل بطَّال، وكان يقول عنه هو الذي أخرج عقيدة

السلف ومنعها في افريقيا وأبدلها بعقيدة الأشاعرة وكانت افريقيا قبل ابن تومرت على عقيدة السلف الصالح. 417 - قال الوالد: "كون البخاري ومسلم أصح الكتب أي في الجملة لأنَّ فيهما أحاديث منتقدة وأيضاً قد يوجد حديث في غيرهما هو أصح مما فيهما". 418 - قال الوالد: "إن التنجيم التيسيري هو الذي يُدَرَّسُ عندنا، وليس به بأس وأما النوع الثاني وهو التقديري فهذا حرام وشرك وكفر ولا يُدَرَّسُ عندنا والتقديري هو ربط الأحداث الكونية بالكواكب ثم قال: والتنجيم التيسيري لا يدرسه الطالب عندنا حتى يَمُرَّ على العلوم الشرعية في الغالب، والكتاب الذي ندرسه في إفريقيا هو التنجيم للسنوسي وهو كتاب جيد في هذا النوع". 419 - قال الوالد: "إن الروافض إذا خافوا سكتوا عن بدعتهم، وأخفوا نفاقهم، وأما إذا لم يخافوا أظهروا وأعنلوا نفاقهم وخبثهم". 420 - وقال إن الشريعة على قسمين: 1ـ وسائل. 2ـ غايات. واسم الشريعة يشمل كل الدين. 421 - قال الوالد: "إن قول بعضهم إن سكوت الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير عن الحديث هو تصحيح للحديث هذا القول مردود على صاحبه، فالحافظ إنما سكت عن الحديث لعدم استحضاره لكلام فيه ويُحْمَل سكوته على مثل سكوت البخاري وابن أبى حاتم وذلك أن ما يسكتان عنه لم يعرفاه وهو مجهول عندهما وكذلك الحافظ لم يستحضر الكلام على الحديث".

422 - قال الوالد: "إن الطرق الصوفية اليوم في الدينا أربعون طريقةً". 423 - قال الوالد: "إن المالكية اعتمدوا على سنن أبي داوود في الفقه، وذلك لأن هذه السنن معظمها في الأحكام، وعلماؤهم كل ما رواه أبو داوود في سننه من الأحكام اعتمدوا عليه وأخذوا به دون غيره ثم قال والمعروف عن كتب المالكية أن سنن أبي داود هي العمدة ثم قال: والمالكية إذا وجدوا لأي مسألة حديثاً في سنن أبي داوود أخذوا به ولو كان في البخاري أو مسلم ما يخالفه". 424 - قال الوالد: "إن المؤرخين الذين يقولون: "إن المدينة أول من سكنها اليهود" قولهم هذا مردود عليهم وخطأ إنما أول من سكنها العرب قوم تبع، أما اليهود فكانوا يسكنون خيبر ويأتي بعضهم للمدينة منها". 425 - قال الوالد: "إن البصريين في النحو متكلفون واما الكوفيون فما وجدوه في القران والسنة أخذوا به والنحاة في العقيدة فيهم كل بليه". 426 - وسمعته يقول: "أين المتقدمون عن نقاش مسائل المصطلح حتى ناقشها المتأخرون، ولعل المتقدمين لم يحصل لهم إشكال فيها". 427 - قال الوالد: الأشعرية يقولون في عقيدتهم: "إن أول واجب على كل إنسان النظر الى المخلوقات لمعرفة أن لها خالقاً هو الله تعالى". وقولهم هذا هو توحيد الربوبية، وفى كتبهم في العقيدة لا يذكرون غير هذا التوحيد، وتوحيد الربوبية فطري وهم لا يذكرون توحيد الألوهية الذي يحتاج إلى دراسة النصوص وأول واجب على العبد معرفة الله بأسمائه وصفاته وقيامه بعبادته بخلاف قول الأشاعرة المتقدم.. والعلماء من السلف ردوا على

مقالة الأشاعرة المتقدمة وكتب الأشاعرة كابن عاشر والسنوسية الكبرى والصغرى والجوهرة لا يوجد فيها توحيد الألوهية. 428 - قال الوالد: "يقولون إن تفسير ابن كثير أصله تفسير ابن جرير ـ يعني ـ اختصاره". 429 - قال الوالد: "إن المتقدمين من المحدثين يسوقون أحاديث موضوعة وضعيفة باسانيدهم في كتبهم والعلة هي أنهم يقولون "من أسند فقد أحالك" وعملهم هذا يعملونه حتى يأتي من بعدهم فيفحصها". 430 - وسمعته يقول: "إن بعض الناس يقولون: لا نريد هذه المذاهب الأربعة والصحيح أن يقال: إن هذه المذاهب ضرورية، لأنها تساعد على التفقه بالقران والسنة والتفقه فيهما واجب، والتعصب لهذه المذاهب هو المذموم ولا أدعوا أحداً أن يتخذ لنفسه مذهباً، إنما يَدْرُسُ مذهباً منها ولا يتعصب". 431 - وسمعته يقول: "غالب الذين صنفوا من العلماء في غريب الحديث إنما قصدهم الكلمة الغربية سواء في الحديث الموضوع أو الصحيح أو الضعيف". 432 - وسمعته يقول: "إن دولة الموحدين هم الذين أدخلوا عقيدة المعتزلة والأشعرية في بلاد الأندلس والمغرب كله، والى اليوم وتلك البلاد على ما جاء به الموحدون وكان الموحدون يرون أن من كان على خلافهم في العقيدة كافر." 433 - وسمعته أكثر من مرة يذكر مقالة شيخ الإسلام ابن تيمية حول الصحيحين وهي أن صحيح البخاري أنْتُقِدَ وكذلك صحيح مسلم وما انتقد على مسلم أكثر وأصوب وأما البخاري فالصواب معه. وسمعته يقول: "بحثت عن أصل قول الناس في هذا الزمان عن

(المدينة المنورة) ووجدت أن أول من أطلق عليها المنورة العثمانيون أما الصحابة والتابعون ومن بعدهم بقرون كثيرة فإنهم يقولون عنها المدينة النبوية. قلت: وقد لاحظت على الوالد -رحمه الله تعالى- إذا رأى شخصاً يكتب المنورة يقول له امسح المنورة واكتب النبوية. 435 - وسمعته يقول: "ان المغاربة والهنود كانوا من احرص الناس على الإجازات والأسانيد في القرون المتأخرة فقال بدر العماش وكذلك الحلبيون قال نعم صدقت". 436 - وسمعته يقول: "لو قام رجل بإحصاء علماء العرب وعلماء العجم لوجد أن نسبة علماء العرب إلى علماء العجم واحد في المائة". 437 - وسمعته يقول: "إن الأشاعرة والماتوريدية سبب إنحرافهم في العقيدة أَنَّهم ما أخذوا العقيدة من مصدرها الأساسي الكتاب والسنة بل أخذوا العقيدة من علم الكلام والمنطق". 438 - وسمعته يقول: "توحيد المتابعة داخل في توحيد الألوهية". قلت: توحيد المتابعة تعريفه: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 439 - وسمعته يقول: "المنازعات التي كانت بين الشافعية والأحناف، كان بعضها على المناصب ولم تكن المالكية والحنابلة لهم ذكر في هذه المنازعات". ثم قال: "ما ودِدتُ أَنَّ الأحناف والشافعية لم يحصل بينهم تنافس، حيث إن هذا التنافس كان سبباً في تأليف كثيرٍ من الكتب العلمية". 440 - وسمعته يقول: "إن قول الإمام أحمد: "تعلم العلم من المهد الى اللحد" فهم بعضهم أن المقصود بالعلم في هذه المقولة علم النحو ونحوه من علوم الآلة وانما الصواب أنَّ العلم المقصود هو علم الغاية كالفقه".

441 - وسمعته يقول: "إن مكتبة محمود سبكتكين لا يوجد نظيرها في القرن السادس وما بعده، وكانت في زمن الحفاظ". 442 - وسمعته يقول: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا التقى بأحد سأله عن اسمه واسم أبيه". 443 - وسمعته يقول: " إن أهل العلم يطلقون على المدينة (النبوية) ". 444 - وسمعته يقول: "مختصر خليل في الفقه المالكي ليس فيه سوى حديثين وهو عند المالكية كصحيح البخاري". 445 - وسمعته يقول: "إذا أخرج الحديث البخاري أو مسلم فلا يلزم أن يُضَمَّ إلى أحدهما أو إليهما عزوٌ أخر -يعنى- يكفي العزو إلى أحدهما". 446 - وسمعته يقول: "إن الأشاعرة يقولون: إن الله تعالى في كل مكان". قلت: يعنى ينفون العلو، وقولهم: هذا باطلٌ. 447 - وسمعته يقول: "إن الذي يقرأ بدون تكلف فإنه لايلحن بخلاف لو قرأ بتكلف". 448 - وسمعته يقول: "ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقران " أي لابد من السلطان، وأنه لا يجوز الخروج عليه". وسمعته يقول: "الكلام إذا احتمل حقاً وباطلاً، فإنَّ الذي عليه أهل العلم أن يُحْمَلَ الكلام على الحق وبالأخص إذا كان المتكلم على العقيدة الصحيحة ثم قال: إن الذي يكون على العقيدة الصحيحة إذا قال شيئاّ يحتمل حقاً وباطلاً يحمل كلامه على المراد الحق، وأما من كان فاسد العقيدة فإن قوله لا ينبغي تأويله بل يترك على فساده فصاحب العقيدة السلفية مثاله شيخ الإسلام

الهروي في كتابه مدارج السالكين فإن له فيه كلامًا يحتمل حقاً وباطلاً ومثال صاحب العقيدة الباطلة الحلاج وابن عربي فإن كلامهما لا يتأول لهما". 450 - وسمعته يقول: "من عقيدتي ان ليس كل من ليس له مذهب سفيه بل قد يكون في بعض الأحيان العكس". 451 - وسمعته يقول: "إن التاريخ لا يُقْبَل إلا بالأسانيد". 452 - وسمعته يقول: "آخر عهد أفريقيا بالعقيدة السلفية زمن دولة ابن تاشافين دولة (المرابطين) ". 453 - وسمعته يقول: "لا يوجد اليوم عقيدة أشعرية صرفة، إنما الموجود أشعريه مختلطه بالكلابية والاعتزالية". 454 - وسمعته يقول: "إن غالب علماء الحديث سلفيون، واما غالب الأدباء فما بين جهمي ومعتزلي وماتوريدي". 455 - وسمعته يقول: "إن السلف لم يذكر أحد منهم المجاز على الطريقة أو المعنى الذى استخدمه المعتزلة وغيرهم". والمجاز يطلق عند بعض السلف على الكلمتين المشتركتين في المعني، فيقولون مثلاً يجوز كذا وكذا ثم قال والمجاز والتأويل والتورية هذه الثلاث طواغيت. 456 - وسمعته يقول: "إن الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب أصابوا في الكثير وأخطأوا في القليل". 457 - وسمعته يقول: "إن مسند الإمام أحمد يُقَدَّمُ على الكتب الست". 458 - وسمعته يقول: "إن العلمانية معناها العلم المادي".

459 - وسمعته يقول: "عندما أرسلت مكتبتي الأولى إلي عمي فى البلاد - مالي - أرسلتها كلها ماعدا كتاب تقريب التهذيب للحافظ، وذلك لأنه نسخة نادرة وقد اشتريتها في ذلك الوقت بثمانين ريالاً – قلت تقريباً عام 1369هـ". 460 - وسمعته يقول: "إن الطريقة السنوسية على العقيدة الأشعرية وهم سلفيون في العمل أي يصلون ويصومون ويزكون على حسب النصوص الواردة". 461 - وسمعته يقول: "العالم الإسلامي اليوم على أربعين طريقة مبتدعة". 462 - وسمعته يقول: "إن علماء أفريقيا في القرون المتأخرة يشتغلون بعلوم الآلة والفقه المالكي ولا اشتغال لهم بالحديث". 463 - وسمعته يقول: "إن الإمام مالكًا وأحمد لهما مراجعات مدونة وذلك في مسائل فقهية رجعا عن القول بها إلى قول آخر". 464 - وسمعته يقول: "إن ابن جرير -رحمه الله- في تفسير هـ يرجح بعد سرد الأقوال في معني الآية قولاً منها أو ينفرد عنها بقول له وهذا مما يميز تفسيره عن غيره من التفاسير". 465 - وسمعته يقول: "الأحاديث التي في المستدرك للحاكم التي لم يعلق عليها الذهبي لا يقال فيها سكت عنها الذهبي ولكن يقال أقره الذهبي، فان السكوت من طبع النساء واما الرجال فليس من طبعهم السكوت". وسمعته يقول: "بعض الناس يتسرع فيقول "هذا الحديث ضعيف" وقوله: هذا خطأ بل ينبغي أن يقول هذا الحديث ضعيف بهذا الإسناد

وإطلاق كلمة ضعيف لا يطلقها إلا مثل ابن معين والإمام أحمد وذلك لأنهما صاحبا استقراء وحفظ. 467 - وسمعته يقول: "من طبقة الإمام مالك بدأ التدوين للعلم وتوسع في طبقة الشافعي". 468 - وسمعته يقول: "الأشعرية من القرن الخامس الى اليوم خليط من الاعتزال وغيره". 469 - وسمعته يقول: "إذا حكى البخاري قولاً لأحد من الأئمة في أحد الرواة ولم يبد رأيه هو فإن هذا الفعل لا يعد سكوتًا منه". 470 - وسمعته يقول: "النص إذا جاء لزم الأخذ بظاهره ما لم يأت نص يصرفه وهذا القول إجماع". 471 - وسمعته يقول: "ان شروط قبول العمل الإيمان والإخلاص والمتابعة قال الله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن} {فاعبد الله مخلصاً له الدين} {قل إن كنتم تحبون الله فتبعوني يحببكم الله} . 472 - وسمعته يقول: "الأمم السابقة لا يعرف عنهم حفظ للكتب المنزلة عليهم". 473 - وسمعته يقول: "إن إطلاق لفظ المنورة بعد كلمة المدينة زادها العجم، فإن المعروف عند الصحابة والتابعين إضافة النبوية، وكذلك مكة إضافة المكرمة اليها غير معروف".

حكمه ونصائحه

حكمه ونصائحه ... 1ـ سمعت الوالد يقول: "لو كانت الدنيا تساوي عند الله عز وجل شيئًا لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بها من غيره". 2ـ سمعت الوالد يقول: "ينبغي لكل طالب علم أن يقرأ (الرسالة التابوكية) ، وهي في غاية الحسن". قلت: وهي من رسائل الامام ابن القيم –رحمه الله تعالى-. 3ـ سمعت الوالد يقول: "كون الشخص عالمًا ليس معناه يحيط بكل العلم، ولكن يكون له تخصّص في علم". 4ـ سمعت الوالد يقول: "ينبغي أن يُحفظ (المسند) للإمام أحمد". قلت: يعني بالحفظ: حفظ غيب. 5 ـ سمعت الوالد يقول أكثرَ من مرة: "بعض الشرّ أهون من بعض". 6ـ سمعت الوالد يقول: "الفيديو أخبث وأكثر بلاءً من التلفزيون، والتلفزيون هذا الخبيث غزا المسلمين في بيوتهم وأَكْثَرَ البلاء فيهم". قلت: كان الوالد يسمِّي الشهادة الدراسية: قارورة تشرب منها لتعيش. 7ـ سمعت الوالد يقول: "الكفّار في أفريقيا يقولون للمسلمين: كيف أنتم مسلمون وأنتم على هذه الحال، ولهذا قال تعالى: {ربنا لا تجعلنا فتنةً للذين كفروا} ، ولهذا أصبح لناس اليوم فتنةً للكفار بحيث أنه قلّ أن يُسلم كافر". قلت: يعنون بالحال: سوء الخلْق والضعف وكبائر الذنوب.

8 ـ سمعت الوالد يقول: "كان من الحُجّاج من يأتي إلى الحج للاستطلاع لا للحج". 9ـ سمعت الوالد يقول: "الإنسان عدوُّ ما يجهل". 10ـ سمعت الوالد يقول: "قارة آسيا أفضل القارات، لأنّها مركز الأنبياء". 11ـ قال الوالد: "الكتب المؤلفة الآن ليست بكتب علم". قلت: يعني: بعض الكتب المؤلّفة بقصد أنها كتب علم. 12ـ سمعت الوالد يقول: "أحاديث البخاري في تاريخه الكبير لو عمل فيها رسالة علمية لكان جيّدًا". 13ـ قال الوالد: "كتب الحديث كثيرة للغاية مطبوعة ومخطوطة". 14ـ سمعت الوالد يقول: "يقولون اليوم: تحرير المرأة، بل هو تخريب المرأة". 15ـ وسمعتُه يقول: "الذي يقرأ من الكتب ولا يقرأ على العلماء في تخصّصاتهم يسمّى: صُحُفيًّا". 16ـ وسمعتُه يقول: "العلم لا ينتشر إلاّ عن طريق الدولة، فإذا لم تنشره الدولة لم ينتشر". 17ـ وقال الوالد: "كل شيء تبنّاهُ شرعنا لا أحبّ أن يُخرجَ عنه إلى غيره". وقال الوالد: "إذا كان حاميها حراميها فمن يحميها".

19ـ وسمعتُه يقول: "العلماء ثلاثة: ـ عليم اللسان والقلم. ـ عليم اللسان فقط. ـ عليم بالعلم فقط". 20ـ وسمعتُه يقول: "من يجمع الكتب لا يستطيع أن يجمع المال". 21ـ وسمعتُه يقول: "أنا أنصح بأن لا يسافر أحدٌ إلى مصر ولا سوريا ولا المغرب ولا غيرها فضلاً عن أوروبّا، والله المستعان". قلت: وذلك لكثرة التبرّج والفتن في الخارج، والله المستعان. 22ـ وسمعتُه يقول: "الموحِّد إذا لحن يُتّهم بأنه لا يفهم". قلت: يعني أنه ينبغي لصاحب السنة أن يتعلّم النحو وعلوم اللغة العربية حتى لا يلحن. 23ـ وسمعتُه يقول: "لا تعبد الله بما في كتاب (الإحياء) للغزالي من التصوّف والبدع وغير ذلك مما لا يوافق القرآن والسنة". 24ـ وسمعتُه يقول: "يجب أن تحترم العلماء لعلمهم حتى لو كانوا أشاعرة أو ماترديّة وتخدمهم أيضًا، وبهذا تستطيع أن تصل إلى قلوبهم فيستجيبون لسلفيّتك، وبهذا الأسلوب خرجت أُمَمٌ من الظلمات إلى النور". 25ـ وسمعتُه يقول: "علّموا العوام بأسلوب ليِّن، فإنّ هذا الأسلوب الليِّن سببٌ لتكوين أمة صالحة تدعو غيرها". 26ـ وسمعتُه يقول: "حديث أبي سعيد الخدري في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قليل جدًّا من يفقهه في هذا الزمان من الدعاة".

27ـ وسمعتُه يقول: "معنى (بقلبه) أن يقول الشخص: إنّ هذا منكر لا نرضاه". 28ـ وسمعتُه يقول: "قالت العرب: ليس بعشّك فَادْرُجي". 29ـ وسمعتُه يقول: "ينبغي لطالب العلم أن يكون له أصول مخطوطة، لأن الناس اليوم يطبعون من غير تحقيق ويقوم بتحقيق الكتب غير العلماء". 30ـ قال الوالد: بعد قول أحد الحاضرين: الناس اليوم تحضّروا، قال: "بل تخسّروا". 31ـ وقال الوالد: "التمر فيه منافع كثيرة، منها: أنه لا يحتاج إلى تجهيز". 32ـ قال الوالد: عند حديث " مالنا إلا الأسودان ": "هذا دليلٌ على أن الدنيا لا تساوي شيئًا، فلو كانت تساوي شيئًا لكان هو صلى الله عليه وسلم وأهل بيته أولى بها". 33ـ وسمعتُه يقول: "لا بدّ لطالب العلم أن يكون عنده كتاب في كل قضية طارئة، فيكون عنده المرجع الذي يشرح له كيف يتعامل معها". 34ـ وقال الوالد: "لا ينبغي العجلة بالتأليف، بل علينا بالتأنِّي والوَرع". 35ـ وقال الوالد: "طريقة طلب العلم باختصار كالتالي: أولاً: السماع، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم نشر العلم، والنشرُ آخر مرحلة". 36ـ قال الوالد: "طالب العلم إذا كان يجمع بين التدريس والتأليف، فإنّ ذلك ينفعه كثيرًا ويكون نشيطًا جدًّا، وإذا لم يوجد أحد منهما يصبح غير نشيط، وهذا مجرّب".

37ـ قال الوالد: مستفهمًا: "هل يوجد تاجر صادق؟ " وسكت. 38ـ سمعتُه يقول: "العَوْدُ أحمد". 39ـ سمعتُه يقول: "المثل يقول: "حجًّا وتجارة". 40ـ وقال الوالد: "ينبغي لنا أن نطلب العلم حتى نعرف الطريق الصحيح". 41ـ قال الوالد: "من أصابته الحية خاف من الحبل"، ثم قال بعدَه: "هذا الزمان قد تغيّر عما قبل". 42ـ قال الوالد: "لا أُسمَّى ما يسمّونه تربية، بل تردية". 43ـ وسمعتُه يقول: "المسلم لا بدّ له من اثنين: ـ الاعتقاد الصحيح. ـ والعمل بما يتضمّنه هذا الاعتقاد". 44ـ وسمعتُه يقول: "ليس المقصود أن تقرأ، ولكنّ المقصود أن تفهم، والله أعلم". 45ـ وقال الوالد: "إنّ العلمانيّين يسمّون ويطلقون على المسلمين لقب (المتطرِّفين) و (المتشدِّدين) و (الأصوليّين) ". قلت: قال الوالدُ هذا على سبيل الإنكار وبيان ضلالهم. 46ـ قال الوالد: "من غاب فانسوه، ومن حضر فاعطوه، ومن نام فاتركوه". 47ـ ذُكر الربيع بن خُثَيم عند الوالد فقال لأحد الحاضرين: "اقرأ ترجمته، فإنّ مثل هذا تُقرأ ترجمته، واقرأها بصوتٍ مرتفع حتى نسمع".

48ـ قال رجل للوالد: أنا عندي أربع بنات، فقال: "أنا أغبطك". 49ـ قال الوالد: "لا ينبغي لطالب العلم أن يبكِّر بالزواج، فإن المرأة سببٌ في قلة الطلب". 50ـ وسمعتُه يقول: " (الرسالة المستطرفة) أرى أن يقوم طالب العلم بإفراد أسماء الكتب التي في هذه الرسالة، ويكتب أمام المطبوع منها: مطبوع، والمخطوط: مخطوط، والله أعلم". 51ـ وقال الوالد: "الحسّاد يكشفون لصاحب النّعمة عيوبه". 52ـ قال الوالد: "لو كان عدوّك نملةً فلا تنم له". قلت: أي: لا تغفل عن عدوّك ولو كان حقيرًا. 53ـ وسمعتُه يقول: "إنّ الذي يذهب إلى السلطان لأمرٍ من أمور الدنيا فهذا هو المنهيّ عنه، وأما الذي يذهب لقصد النصيحة لا يدخل تحتَ النهي، فإن المعروف أنّ السلطان هو الذي يطرق أبواب العلماء، فأما الآن فالعلماء بعضهم خالف ذلك". 54ـ قال الوالد: "هذه الدولة السعودية قد عملت بشيء من قول عمر بن عبد العزيز لعمّاله: (اصرفوا الرّواتب على العلماء حتى يشتغلوا بالعلم) ، والله أعلم". 55ـ وسمعتُه يقول: "زاحم العلماء بركبتيك، ولا تجادلهم فيمقتوك". قال الوالد بعد هذه العبارة: "هذه كلمات تكتب بماء الذّهب". ثم قال عن العبارة الثانية: "هذه حق والله". 56ـ قال الوالد: "احذروا من قرمطة الخطّ فإن صاحبه سيندم" أي: بعدَ كبَر سِنِّه. قلت: قال صاحب (القاموس) : "القرمطة: دِقّة الكتابة ومقاربة الخطّ".

57 ـ وقال: "منظمة اليونسكو ومنظمة الماسونية أكبر وأخبث وأجرم منظمتين في الأرض". 58 ـ وسمعتُه يقول: "ثلاث آيات إذا تخلّى عنها الداعية فليس بداعية، وهي: ـ قوله تعالى: {وما أُمروا إلاّ ليعبدو اللهَ مخلصين} . ـ وقوله: {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} . ثم ذكر آية ثالثة نسيتُها. 59 ـ وقال الوالد: "أكل المرقة والسلطة فيه صحة للجسم كبيرة وكثرة شُرب الماء تسبب تعب الجسم". 60 ـ وقال: "لا تقربوا (جماعة الإخوان المسلمين) فكلُّ ما عندهم شُبَهٌ". 61 ـ وقال: "أنا أوصي بالتعلّم، ولا يجوز لأحدٍ أن يتكلّم فيما ليس من تخصّصه من العلوم". 62 ـ وسمعتُه يقول: "عصرنا هذا انطبق عليه هذا الحديث: " إنما أخاف عليكم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام"، وهذ الحديث ينطبق على الخوارج، والخوارج سفهاء الأحلام غير عقلاء". 63 ـ سمعت الوالد يقول: "تعلموا أيها الشباب قبل أن تصبحوا كبارًا، فإنكم عندئذٍ لا تستطيعوا أن تتعلموا". 64 ـ وسمعته يقول: "ما بعد العُود من قعود". يعني بالعُود: البخور أو الطيب.

65 ـ سمعته يقول: "وصيّتي لطلبة العلم أن يجتنبوا التشكيكات التي ينشرها أعداء الدين، وأن يبتعدوا عن الإطلاقات التي لا تبنى على اطلاع علمي منهم". 66 ـ وقال: "إن التروِّي والتأنِّي في طالب العلم يزيدان في عقله. وإن طالب العلم الصغير العقل والسن يضيّع الأمة إذا تدخل فيما لا يعنيه ولا يعرفه". 67 ـ وقال الوالد: "إن طالب العلم لا يسمح له المشايخ بتدريس العلم وإقرائه للناس حتى يكون له منهم شهادة بأنه يحسن النحو واللغة والعلم، ويؤكّدون على النحو من أجل أنهم يقولون: إن الطالب إذا كان لا يحسن النحو فإنه يلحن في القرآن والحديث فيتغيّر معنى ما يقرأ فيكون كاذبًا على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم " ا. هـ. 68 ـ قال الوالد: "قال الذهبي: كل من طَعن في السِّن يكثر نسيانه". قلت: هذه العبارة يقولها الوالد في بعض الأحيان عندما ينسى شيئًا. 69 ـ سمعت الوالد يقول: "هذه الجرائد الصَّحَفِية أخشى أن تكون وضعت بين الناس لتصرفهم عن قراءة القرآن الكريم". 70 ـ كان الوالد- رحمه الله تعالى- يكثر أن يقول: "انتظار الفَرَج من الفَرَج" لبعض الإخوان من جلسائه إذا اشتكى إليه ضائقة. 71 ـ وسمعته يقول: "العلم إذا كان خاصًّا لا ينفع الله به، أما إذا كان عامًّا ينفع الله به". 72 ـ سمعته يقول: "ما أكثر ما كتب وما أقل ما قرئ". 73 ـ وسمعته يقول: "كان المشايخ في الكلية بالرياض وأيضًا بأفريقيا إذا رأوا الطالب غير مجتهد في دروسه حبسوه في سجن المدرسة حتى يتأدّب. ثم قال: وهذا الأمر نفعَ كثيرًا من الطلبة وزادهم طلبًا للعلم".

74 ـ وسمعته يقول: "كان المشايخ يقولون لنا: من أخذ ثورين فرَّ هذا أو هذا". قلت: يعني الوالد: أنَّ من طلب أكثر من علم في وقتٍ واحد فإنه لا يستفيد. 75 ـ وسمعته يقول: "من تعجّل أخطأ أو كاد، ومن تأنَّى أصاب أو كاد". 76 ـ قال الوالد: "التدرّج في أصول الفقه التالي: ـ الورقات للجويني. ـ إرشاد الفحول للشوكاني. ـ ثم جمع الجوامع للسبكي". 77 ـ وسمعته يقول: "تصدّر للتأليف والنقد في عصرنا هذا كثيرٌ من الشباب، وأغلبهم -بل كلهم- ليس أهلاً للتأليف ولا النقد لعدم مخالطتهم لأهل العلم واستشارتهم لهم، والدافع لهم أمران: ـ التكسّب. لاحب الظهور". 78 ـ وسمعته يقول: "إن هذا الزمان زمن خطير شاع فيه أمران: - ندرة وقلّة المتفقهين وأهل الفقه في هذا الزمن. ـ ظهور طائفة كبيرة من المتطفلين على العلم، وهم الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم في حديث البخاري: " اتخذ الناسُ رؤوسًا جهّالاً فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا ".

79 ـ وسمعته يقول: "لا ينبغي لأحدٍ أن يشتغل بالتأليف مبكّرًا، بل علينا أن نقتدي بالسلف الصالح، فقد كان أحدهم يكتب ولا ينشر ما كتبه، بل يُبقيه حتى ينضج ويصبح أهلاً. والسلفُ يقولون: (من ألف فقد اسْتُهدِفَ) ، ويقولون: (من ألّف فقد وضع عقلَه في طبق يعرضه على الناس) ، وقد كان بعضهم يكتب ثم يمسح ما كتبه، وقد قال الشافعي: تمنّيت أني لم أكتب (الرسالة) ، فانظروا فوا الله إن الشافعي لأَهْلٌ للكتابة والتأليف، ولكن هذا هو الورع واتباع الحق، وقد كتب في هذا الموضوع الحافظ الخطيب، وذلك في كتابه (الجامع) فأحسن وأوفى". 80 ـ وسمعته يقول: "قال الذهبي: كل من يطعن في السن يكثر نسيانه". قلت أنا عبد الأول: هذه العبارة يقولها الوالد في بعض الأحيان عندما ينسى شيئًا. 81 ـ وسمعته يقول: "إن المطوفين والمزورين أغلبهم خرافيّون" ثم قال: "كان الحجاج قبل أن يأتوا إلى هذه البلاد يجتمع بهم المزورون والمطوفون ويقولون لهم: إذا قدمتم إلى هذه البلاد فلا تسمعوا لعلمائهم فإنهم يسحرون الناس بألسنتهم". 82 ـ كان الوالد إذا قيل له: إن فلانًا محسودٌ، قال: "عليه أن يقرأ القرآن، فإنه يُذْهِبُ الحسد". 83 ـ وسمعته يقول: "إن إمام المسجد النبوي والمكي لا بدّ أن يكون قارئًا وفقيهًا، لأنَّ أنظار الناس عليه، ويكون مسئولاً، أي: يُسأل في العلم". 84 ـ وسمعته يقول: "الدنيا دروس".

85 ـ وسمعته يقول: "إن أهل العلم يقولون: إذا جاء الطالب إلى الشيخ ليدرس عليه فلا يعين التلميذ للشيخ علمًا يدرسه عليه، ولكن يترك للشيخ التعيين". 86 ـ وسمعته يقول: "إن المشايخ في أفريقيا يقولون للطلاّب: هل تريدون أن يبارَك لكم في علمكم؟، إذًا اقرؤا (ملحة الإعراب) للحريري، وذلك لأن الحريري دعا وغيره لم يدع". قلت: أي: دعا الله أن يبارك له في منظومته هذه. 87 ـ وسمعته يقول: "إن العلم الذي لا تغيبه لا تفهمه، والنحو في هذا الزمان يُدَرَّس للطلاب قبل حفظهم له، ولهذا لا يفهمه كثيرٌ من الطلاّب الآن". 88 ـ وسمعته كثيرًا يقول: "يقولون: العلم من أراده جملةً فاته جملة". 89 ـ وسمعته كثيرًا ما ينشد هذا البيت: داوم العلم مذاكرة ... فحياة العلم مذاكرته 90- وكثيرًا ما سمعته ينشد هذا البيت: النحو زين للفتى ... يكرمه حيث أتى من لم يكن يحسنه ... فحقه أن يسكتى 91- وسمعته يقول: "لاحظت أن طلبة العلم في هذا العصر لا يتذاكرون العلم". 92- وسمعته يقول: "إن أهل العلم لا يضيّعون أوقاتهم فيما لا ينفع". 93- وقال: "إن الناس اليوم يطلقون على الدنيا أنها في تطور وحضارة، والذي يقولونه خطأ، إنما هذه الحضارة تدهور وتمرّد على الله عز وجل".

94 وسمعته يقول: "كل ما جاء به الإسلام يجب التمسُّك به، وكلُّ ما كان في الإسلام يغني عما سواه ولا يجوز تجاوزه". 95 وقال الوالد: أنا لاحظت أن طلبة العلم في هذا العصر لا يتذاكرون. 96 وقال الوالد: إن أهل العلم لا يضيعون أوقاتهم فيما لاينفع. 97 وسمعت الوالد ينشد هذا البيت: ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها ثم قال بعد أن أنشد هذا البيت لتلميذيه محمد الصنعاني ونزار السوداني: اكتباه. 98 ـ وقال الوالد: إن طالب العلم لا يؤلف حتى يصل الى الوقت الذى يصلح للتأليف والكتابة فيه. 99 ـ وسمعت الوالد يقول لبعض طلبة العلم: خذوا كتاب ابن جماعة في آداب السامع والمتعلم واقرءوا كل يوم فصلاً منه. 100 ـ وقال الوالد: أنا لاحظت أن أكثر طلبة العلم اليوم لا يستشيرون- يعني لا يستشيرون العلماء في ما ينفعهم. 101 ـ قال الوالد: ينبغي لطالب العلم أن يحفظ ديوان الأمام الشافعي حتى يعرف آداب الطالب مع الشيخ. 102 ـ وقال الوالد: العلم لابد أن تنظر فيه ولو بعد مائة سنة من عمرك حتى تتعلم.

103 قال الوالد لأحد الناس: إن الطالب الحريص على طلب العلم والموصوف بالذكاء مثل هذا عندي لا يُنْسَى. 104 ـ قال الوالد: وطالب العلم لا يرحل من بلده لطلب العلم حتى لا يوجد في بلده من يعلمه العلم الذى خرج له. 105 ـ قال الوالد يجب على من رحل في طلب العلم إذا وصل الى المدينة أو البلد التي قصدها أن يبحث فيها عن عالم سلفي. 106 ـ قال الوالد: كانت عادة أهل العلم الذين يحتاطون أنهم لا يُدَرَّسُونَ من حفظهم إنما يدرسون من كتبهم، وان كانوا يحفظون. 107 ـ قال الوالد: إن من عادتي أن الخلافات العلمية لا أذكرها في دروسي ونحن علينا الالتزام بالنصوص. 108 ـ قال الوالد لرجل حضر عنده في المكتبة: لا تُعَادِ لحيتك. 109 ـ قال الوالد: إن عمل هذا البيطري المعروف بالقلعجي في تحقيق كتب العلماء سببه غفلة الناس عن العلم وغفلة أهل العلم عنه ولهذا أخذ يتجرأ على كتب العلماء ويطبعها وهو جرئ جدا. قلت: وكان الوالد رحمه الله تعالي ينكر اشد الإنكار على عمل القلعجي في الاستذكار والتمهيد والسنن والآثار، ويقول: "ان القلعجي خرب هذه الكتب ولم يحققها. 110 ـ وسمعت الوالد: يسأل أحد علماء أفريقيا جاءه زائرًا في المكتبة أين ابنك؟ فقال هو في مصر يدرس فقال له الوالد: لا تجعله يدرس في مصر اجعله يدرس في الجامعة الإسلامية حتى يتعلم العقيدة السلفية.

111ـ جاء رجل الى الوالد واستشاره في أن يعمل مشروعاً خيرياً في بلاد مالي فقال له الوالد: إن أهل الخير موجودون ولكن من يَهْتَدِي إليهم. 112ـ قال الوالد: زارني شابان في البيت وطرقا الباب فقلت من قالا: نحن ضيوف فقلت: تفضلا فلما نزلت إليهما قلت لهما: أنتما طالبا علم قالا: لا قلت فما أنتما؟ قالا نحن نعرف الكتاب والسنة فقلت لهما كيف تعرفان الكتاب والسنة وأنتما لا تقرآن على أهل العلم قالا: ما نحتاج فقلت: أنتما ضائعان فقاما وخرجا. 113ـ قال الوالد إن الناس اليوم يستخدمون كلمة سيد على كل أحد. قلت: يعني الوالد أن هذا خطأ منهم. 114ـ إن فلاناً وفلانًا -سماهما الوالد، وتركت تسميتهما عمداً- ليسا من أهل الحديث إنما اقتحما هذا الباب من أجل التكسب يعني باب تحقيق كتب الحديث. 115ـ وسمعته يقول: "ان من عادتي إذا سألت أحداً الى أين يذهب مثلاً فقال لي: لي حاجة أقضيها، لا أساله ما هذه الحاجة. 116ـ قال الوالد: ان التجارة لها فوائد إلا أن فيها مغامرة، فإن صاحبها قد يكذب وقد يرابي وقد يكثر من الحلف. 117ـ قال الوالد: إن العلم علمان: 1 - شرعي 2ـ غير شرعي.

وغير الشرعي يصير شرعيًّا إذا أخلصت النية فيه ولكن العلم الشرعي على اسمه ولابد من الإخلاص فيه". 118ـ وسمعته اكثر من مرة يقول لبعض تلامذته في مجلسه: "تعلم من المهد الى اللحد". 119ـ قال الوالد: "إن فى هذا العصر يلزم كل محقق للكتب إذا مر معه أسماء بعض الكتب في الكتاب الذي يحققه أن يذكر في الحاشية هل هو مطبوع أم مخطوط، وإذا لم يكن مخطوطاً ولا مطبوعا يشير الى من تكلم عنه أو ذكره من أهل العلم، فإن هذا العمل متيسر في هذا العصر". 120ـ وسمعته يقول: "بعض طلبة العلم لا يعرفون كيف يمسكون الكتاب، فتراهم يمسكونه كأنهم على غضب منه. 121ـ وقال الوالد: "إن طلبة العلم في هذا الوقت شغلهم العدو عن الطلب، وإن طلب العلم واجب عليهم في هذا الوقت". قلت: يعنى الوالد بالعدو الكفار. 122ـ قال الوالد: "إنَّ طلبة العلم غير العلماء، والعلم هو الفقه فليس كل من قرأ حديثا ونحوه يصبح عالماً حتى يتمكن من علم الفقه". 123ـ قال الوالد: "ان هولاء الذين يسمون أنفسهم أهل الصحوة أساءوا الى أنفسهم والى غيرهم بأفعالهم التي تخالف ما كان عليه السلف الصالح من الصبر والطاعة لولاة الأمر فيما هو من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم".

124ـ وسمعته يقول: "كتبت كلمة قلت فيها: "إن كتب العلم المخطوطة اليوم اشتغل في إخراجها وتحقيقها من ليس من أهل العلم وأهل العلم تركوا إخراجها إما كسلاً وهذا لا ينبغي واما انهم لا يستطيعون لانشغالهم". 125 ـ وسمعته يقول: "إن بعض الخرافيين يؤلف كتاباً فينسبه الى أحد أهل العلم الكبار ومن ذلك الفتاوى المنسوب للشاطبي وهو مطبوع. 126ـ وسمعته يقول: "الإنسان ابن عصره وزمانه". 127ـ وسمعته يقول: "ينبغي لطالب العلم ان يحرص على الاعتذار للعلماء قبل اللوم". 128ـ وسمعته يقول: "خير الكلام ما قل ودل ولم يمل". 129 ـ وقال الوالد: إن مرض الزكام لم نجد له علاجاً إلا الراحة. 130 ـ سمعته يقول كثيراً بعد الفراغ من أي كتاب قام بمقابلته: "إن لم تقابل فارمِ في المزابل" قلت: كان- رحمه الله تعالى- كثيراً ما يقابل مع تلامذته أو من يحضر مجلسه من أهل العلم أو مع أحد أبنائه. 131 ـ وسمعته يقول: "إنَّ طلاب العلم فقراء". قلت: هذه الجملة كثيراً ما سمعته يقولها. 132 ـ قال الوالد: إن الورق الأبيض يضر العين أثناء القراءة. 133 ـ وسمعته يقول: "ينبغي للمحقق أن يكتب مقدمة في أول الكتاب الذي يحققه يذكر فيها منهجه الذى يسلكه في التحقيق.

134 ـ وسمعته يقول: "إن الدولة كالأسد، فإن الأسد إذا لم تتحرش به لا يؤذيك، وإذا تحرشت به آذاك". 135 ـ وقال الوالد: "لا يوجد بنك يسلم من استعمال الربا". 136 ـ وقال الوالد: "إذا دخل طالب العلم أي بلد يجب عليه قبل ان يَدْرُسَ العلم على أحد من علمائه أن يفتش عن علماء السنة حتى لا يقع في شباك أهل البدع كالمعتزلة والأشعرية ونحوها". 137 ـ قال الوالد: "إن العلم لا يأتي مع الكسل". 138 ـ قال الوالد: "إن المتزوج بأربع نسوة يصير شاباً بخلاف الذى معه واحدة أو اثنتان أو ثلاث". 139 ـ إن العلم اليوم الذى يُتَلْقَى في المدارس العصرية غير مبني على علم المتقدمين الذين يكتبون بإخلاص وفقه. 140 ـ قال الوالد: "طالب العلم الذي لا يحمل قلماً معه دائماً لا يستفيد". 141 ـ قال الوالد: "ان حر مكة فيه فوائد كثيرة، وبلاد الحرمين ليست للنزهة وإنما هي للعبادة". 142 ـ سمعته يقول: "مختصر خليل هو البخاري عند المالكية يعني المتأخرين منهم. وسمعته يقول: "أوصي طلبة العلم بالبحث عن حل المشكلات العلمية، وعن مواصلة الدراسة والمذاكرة فيما بينهم والمذاكرة ينتج عنها حصيلة علمية نافعة ويحرص على سؤال أهل التخصص في كل علم وعلى تحصيل العلم وتحصيل العلم في وقتنا هذا قليل وذلك بسبب أن طلبة العلم مغرر

بهم فبدلاً من المذاكرة ومواصلة الطلب يدخلون في أمور لا تنفعهم وأتمني لو أن طلبة العلم يستفيدون من التطورات في كل مجال، ويستفيدون من هذه الدولة التي تدرسهم وتعلمهم مجاناً. فالناس في ماعدا هذه البلاد يتعلمون بعرق جبينهم. 144 ـ سمعته يقول: "إن العلم كثير والعمر قصير. 145 ـ وسمعته يقول: "السفهاء هم النساء والشباب الطائش الذين يعملون بتقاليد أوروبا. 146 ـ وسمعته يقول: "إن ما يسمَّي المضيفات اليوم، ما هُنَّ مضيفات بل مخيفات. 147 ـ وسمعته يقول: "ان التلفاز هو تلف العيون وان الدش هو الدس الإمريكي. 148 ـ سمعته يقول: "إن النساء امتزن في هذا الزمان بالنشاط والاستعداد للبحث. 149 ـ قال أحد الطلبة للوالد: إن ياقوت الحموي، لا يعرف شيئاً وذلك لأنه أخطأ في ضبط إحدى القرى واسمها خُبّان، فقال له الوالد لا تقل لا يعرف شيئاً بل قل: فاته شيء. 150 ـ سمعته يقول: "الذي يطلب الحديث ولايتذاكره مع غيره لا يستفيد ثم أنشد: دَاوِمْ للعلم مذاكرةً ... فدوام العلم مذاكرته 151 ـ وسمعته يقول: "نحن الآن لا ينقصنا العلم، إنما ينقصنا العمل.

152 ـ وسمعته يقول: "إن ميدان الدعوة يجب ألا يدخل فيه إلا أهل البصيرة". 153 ـ وسمعته يقول: "ان طريقة أهل العلم كثرة القراءة في الكتب، فإذا مر إشكال في شيء منها أثناء القراءة يسألون فيما أشكل عليهم، ولم تكن طريقتهم الإكثار من الأسئلة مما يسبب انشغال أهل العلم بالإجابة ونحوها". 154 ـ وسمعته يقول: "إن من الأمر المستغرب أن الكتب الستة لم يشرحها أحد من العلماء السلفيين، فلو أن شيخ الإسلام ابن تيمية أو ابن القيم ونحوهما من علماء السلفية شرحوا أحد هذه الستة لأخرجونا من ظلمات نعاني منها. يعني الوالد: ظالمات الأشعرية والمعتزلة وغيرهم من المبتدعة". 155 ـ سمعته يقول: "إن ساعتكم هذه فيها تلبيس إبليس". يعني الساعة الإفرنجية. 156 ـ وسمعته يقول: "إن قراءة الكتب الستة تغني عن قراءة غيرها من كتب العلم، ويلزم طالب العلم أن يدرسها قلت: القراءة التي يعنيها الوالد هي القراءة بالتمعن والتفقه". 157 ـ وسمعته يقول: "إن الناس اليوم يطلبون العلم للتكسب والذين يطلبون العلم بحق قليل". 158 ـ وسمعته يقول: "إن الأمراء إذا جاءهم خطاب بخط غير جميل لا يقرأونه والعلماء خطوطهم في الغالب غير جميلة". 159 ـ وسمعته يقول: "إذا تعلم الرجل أكثر من لغة، اصبح أكثر من رجل".

160ـ وسمعته يقول: "مجلة السنة لسرور زين العابدين رأيتها بيد بعض الناس فأمرتهم بإحراقها، وقلت قولي هذا قبل ان اعرف هذا الرجل". 161ـ وسمعته يقول: "إذا كان ولاة الأمر منعوا بعض الناس من الدعوة ونحوها، فعليهم أن يلزموا بيوتهم لأنهم لا يستطيعون أن يغيروا الواقع بالقوة. ثم قال: سمعاً وطاعةً للسلطان، وهذه الدولة لا تأمر بمعصية". 162ـ وسمعته يقول: "إن فتنة سنة 1400هـ ابتلاء أُبتلي به المسلمون، وقد ذهب العلم بسببها وأنا تركت التدريس بعدها". 163ـ وسمعته يقول: "يجب على طالب العلم أن يعرف سيرة السلف ويتبعها. وان عصرنا هذا ابتلي بعدم دراسته لسيرة السلف". 164ـ وسمعته يقول: "العلماء كانوا يتألفون الناس ولا يُنَفِرونَ". 165ـ وسمعته يقول: "إن قبيلة طي لغتهم تنسجم مع الضعيف من طلبة العلم. قلت لعله يعني الضعف في التحدث بالأعراب". 166ـ سمعته يقول: "إن الاستطراد أثناء إلقاء الدرس مما يفيد الطلبة". وقال: "يجب أن يكون الدرس على مستوى الدارس". 167ـ وسمعته يقول: "إن من حفظ الألفية لابن مالك كُفِيَ النحو كله وهي كما قال ابن مالك في آخرها: أحصى من الكافية الخلاصة ... كما اقتضى عنىً بلا خصاصة

وهي مفيدة للغاية، والمسائل غير المنظومة فيها، هي مسائل فضلة ويستطيع كل أحد أن يقف عليها من خلال شروحها". 168ـ وسمعته يقول: "إنَّ الناس ما أضلهم عن الهدى إلا عدم سؤالهم أهل العلم بالقران والسنة، إنما يسألون الخرافيين الذين لا علم لهم". 169ـ زار رجل من دولة الإمارات الوالد -رحمه الله تعالى- وذكر أن له أخاً صوفياً مبتدعاً خرافياً فأمره الوالد أن يأخذ إلى أخيه هاتين الآيتين: الأولى: قول الله عز وجل: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} . الثانية: قول الله عز وجل: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} . 170ـ وسمعته يقول لبعض طلبة العلم: "احرص على تعلم علم أصول الفقه الصحيح". قلت: يعني الموافق للكتاب والسنة الخالي من المنطق والفلسفة. 171ـ وسمعته يقول: "إن هذا العصر وخاصة من بعد فتنة 1400هـ عصر مريب، أعمل فيه بالحديث الضعيف وهو "احترسوا من الناس بسوء الظن" وأنا أتحفظ كثيراً من أهل هذا العصر، وبالأخص من الشباب". 172ـ وسمعته يقول: "إن العلم سيذهب، يجب ان يستفيد الناس من العلماء الموجودين اليوم قبل أن يذهبوا. وعلى الشباب ألا يتدخلوا فيما لا يعنيهم".

173ـ وسمعته يقول: "العوام يعلمهم العلماء على حد قول علي رضي الله عنه "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله" ويجب على العلماء ألا يدخلوهم في المتاهات". 174ـ كان الوالد -رحمه الله- كثيراً ما يكرر قول عمر بن عبد العزيز "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور" ويقول هذا مروي عن عمر ابن عبد العزيز". 175ـ وسمعته يقول: "الخائف لاينام ولاينعس وقد جربت ذلك فى رحلتي إلى بلاد الحرمين". قلت: يعني – لا يتلذذ بنوم ولا نعاس. 176ـ وسمعته يقول: "الأسفار مفيدة جداً". 177 ـ وسمعته يقول: "الشاي ونحوه من هذه العادات تُضيع الوقت". 178ـ وسمعته يقول أكثر من مرة::هذه الدولة السعودية هي الباقية اليوم لخدمة العلم والدعوة السلفية". 179ـ وسمعته يقول: "الإنسان إذا إعتاد على أمر فمن الصعب إبعاده عنه". 180ـ وسمعته يقول: "الكفار لهم عقل واحد ونحن لنا عقلان: عقل مادي وعقل شرعي". 181ـ وسمعته يقول: "الموجود الآن من كتب العلم يغني عن المفقود".

182ـ وسمعته يقول: "إن دراسة الأسانيد تؤخذ عن أهل الفن". 183ـ وسمعته يقول: "آفة العلم النسيان وخاصة لمن كبر سنه وعندي كتاب في معالجة النسيان". 184ـ وسمعته يقول: "العلماء قسمان منذ أن خلق الله الدنيا عالم مشارك، وعالم متخصص". 185ـ وسمعته يقول: "عدم ذكر الكتاب المنقول منه العلم أثناء التأليف أو الكتابة طريقة المتقدمين وهم معذورون". 186ـ وسمعته يقول: "علم النفس يسمونه في هذا الزمان تربية وأنا أسميه تردية". 187ـ وسمعته يقول: "هذا الزمان الذي نحن فيه اشترى بعض الناس حديث رسول صلى الله عليه وسلم بثمن قليل". 188ـ وسمعته يقول: "لكل مقام مقال، ولكل جولة رجال." 189ـ وسمعته يقول: "السبب في سيطرة الهنود الكفار على المسلمين في بلاد الهند أن المسلمين متفرقون، والكفار يسلطون طوائف المسلمين على بعضهم، وطوائف المسلمين في الهند كثيرة هناك طائفة الديوبنديين وهم أحناف: وطائفة البروِيين وهم قبوريون. وطائفة البُهرة وهم روافض. وطائفة الجعفريين وهم روافض وكذلك يوجد الإسماعيلية وهم روافض.

وطائفة القاديانية وهم روافض. ويوجد في الهند جماعة أهل الحديث، والجماعة الإسلامية، وجماعة التبليغ والسلفية." 190ـ وسمعته يقول: "نظم طلبة العلم كضيافة البخيل". 191ـ سمعته يقول: "قال لي أحد المنتسبين للإخوان المسلمين: أنا أستطيع أن أقتل بورقيبه حاكم تونس. فقلت له: اتق الله، فإنك سَتُحْدِثْ فتنة يذهب فيها الصغير والكبير ولا تستطيع أن تنقذا أحداً". 192ـ وسمعته يقول: "متقاعد معناها مُت قاعداً". 193ـ وسمعته يقول: "أنا أسمي هذا الزمان زمن المشاكل." 194ـ وسمعته يقول: "إن تركيا دمرها أتترك المجرم الذي حرمها من الخير". 195ـ وسمعته يقول: "هل من لا يصلي يظن أنه مسلم". 196ـ وسمعته يقول: "لو شكلت لجنة من العلماء باسم المحافظة على التراث وذلك من اجل أن يحافظوا على ما يطبع وكيف يطبع". 197ـ وسمعته يقول: "استأجر حجاج من لبنان بيتاً لي في المدينة النبوية، ولاحظت أنهم لا يصلون فسألتهم عن عدم صلاتهم، فقالوا: نحن نتوب الآن من عدم الصلاة، والشباب عندنا فى لبنان لا يصلون حتى يشيبوا". 198ـ وسمعته يقول: "أوصيكم بتقوى الله وبدراسة جامع الإمام الترمذي فإنه لم يؤلف قبله ولا بعده مثله في غزارة الفوائد".

199ـ وسمعته يقول: "نخبة الفكر ومقدمة ابن الصلاح يكفيان للمبتدي في طلب الحديث". 200ـ وسمعته يقول: "لابد لطالب العلم أن يدرس على أهل التخصص في كل فن". 201ـ وسمعته يقول: "من أخذ ثورين فر هذا أو هذا قلت يعني: أن المبتدء في طلب العلم ينبغي بل يجب أن يركز على علم واحد حتى يفهمه ثم ينتقل الى الآخر". 202ـ وسمعته يقول: "العلم علمان: علم شرعي وعلم إفرنجي." 203ـ وسمعته يقول: "قال العقلاء: ويل لقوم لا سفيهَ لهم". 204 ـ وسمعته يقول: "أربعة علوم من أهم شيء لطالب العلم وبها يصدق عليه قولهم: قرأ بنفسه وهي: ـ النحو وعليه بالألفية. ـ البلاغة وعليه بالجوهر المكنون. ـ وأصول الفقه ويكفيه الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع". ـ وغريب اللغة ويكفيه منها المصباح. 205ـ وسمعته يقول: "إن حديث اغتنم خمساً قبل خمس يجب أن يكون نُصْبَ عين الواحد مِنَّا." 206ـ وسمعته يقول: "إن قارة آسيا هي أم الدينا، وذلك لأن الأنبياء كلهم منها".

207ـ وسمعته يقول: "سورة الفاتحة وسورة الكافرون والإخلاص والناس هذه السور الأربع ينبغي لطالب العلم أن يبدأ بها دراسة وفقهاً حتى يفقه العقيدة السلفية ثم ينتقل الى الأحكام." 208ـ وسمعته يقول: "مامن راد إلا وعليه مردود". 209ـ وسمعته يقول: "أخاف أن يأتي زمان لا يبقى من الكلمات العربية شيء بسبب استبدال الناس الكلمات العجمية بدلاً منها، والله المستعان". 210ـ سمعته يقول: "خطأ مشهور خير من صواب مهجور." 211ـ وسمعته يقول: "إن الغزو الفكري أخطر غزو". 212ـ وسمعته يقول: "لا تقرأ الكتب التي يكثر فيها الشذوذ العلمي." 213ـ وسمعته يقول: "ينبغي لطالب العلم أن يشتغل بجمع الفوائد والاستفادة منها قبل أن يذهب عمره بلا فائدة فيتعب". 214ـ وسمعته يقول: "ان الردود لا يصح أن يتصدر لها أي أحد وانما يتصدر لها من مارس العلم وطال عمره فيه، ولا يجوز أن تكون الردود بين أتباع السلف بل الرد إنما يكون على من خالف عقيدة السلف." 215 ـ وسمعته يقول: "جربت صنفاً من الناس يبخلون بالعلم بخلاً عجيباً، حيث إن أحدهم لا يفيدك بشيء، إذا طلبت منه، ثم يأتيك يرجو منك فائدة فهذا تناقض عجيب، وقد كلمت أحدهم بذلك". 216ـ ومرة كان الوالد -رحمه الله تعالى- يكتب فأخطأ في أثناء الكتابة فقال: "إنَّ اليد عمياء".

217ـ وكان يتصل به أثناء جلوسه في المكتبة في المنزل كثيرٌ من النسوة يسألنه وكان يتعجب ويقول: "ما كنا نظن أنه يأتي زمان يسأل النساء فيه عن تحضير الدكتوراه والماجستير وما هذا إلا أمرٌ عجيب-". 218ـ وسمعته يقول: "إن صلتنا العلمية باليمن منقطعة مع أن لنا فيها تلاميذ كثيرين ولكن لم يفيدونا بشيء، والله المستعان". 219ـ وسمعته يقول: "العلم بدون همة لا يأتي. 220ـ وسمعته يقول: "الذي اتخذه الناس في هذا الزمان من إخراج الجني من الناس، هذا الأمر لم يكن معهوداً من السلف، وقد نصحت بعض من يشتغل في هذا الأمر بتركه وقبل هذا الوقت بقليل ماكنا نسمع أن رجلاً تلبس به شيءٌ من الجن ألا النادر بخلاف هذا الزمان." 221ـ وسمعته يقول: "قال لي رجل كبير في السن مرة: إن المدينة ومكة شديدتا الحر والبرد، والهواء فيهما جاف؟ فقلت له: الحكمة في هذا الحال أن هاتين البلدتين جعلهما الله للعبادة وطلب الخير لا للنزهة، فلو كانتا خضراويين الأرض لأتاهما الناس للنزهة لا للعبادة". 222ـ وسمعته يقول: "أمراض القلب قسمان شبهة وشهوة، ومرض الشبهة كفر ومرض الشهوة معصية، والشبهة لا يجوز ذكرها عند أهل السنة أمام العامة ولاغيرهم خشية أن تسبق الى القلب." 223ـ وسمعته يقول: "كل أحد قُرئت عليه النصوص من الكتاب والسنة ولم يأخذ بها ويلتزم بها يُتْرْك ولا يُجَادْل بأكثر من النصوص." 224ـ وسمعته يقول: "دم البعوضة عند النصيرية أكثر حرمة من دم المسلم".

225ـ وسمعته يقول: "النشاط والهمة في هذا الزمان قاصران عما كان عليه السلف، والعلم موجود ولكن يحتاج إلى رجال يَدْرُسُونَ الكتاب والسنة أناء الليل وأطراف النهار". 226ـ وسمعته يقول: "إن الدولة السعودية لها الحظ الأوفر في هذا الزمان بنشر العلم وعليكم بالدعاء لها بالنصر على جميع الأعداء". 227ـ وسمعته يقول: "نحن طلبة العلم لا نوافق على اللحن". 228ـ وسمعته يقول: "لو كان لي سلطان على الذي يقول بعدم القرءاة في فتح الباري وشرح النووي على صحيح مسلم لأخذته وسجنته حتى يتوب وهذا القول لا يقوله إلا سفيه يعني عدم قراءة الفتح وشرح مسلم". 229ـ وسمعته يقول: "الطريقة في الدراسة أولاً: حفظ القرآن الكريم ثم تعلم التوحيد وذلك من خلال كتاب فتح المجيد وهو كتاب لم يؤلف مثله." ومن كتب التوحيد: الشريعة للآجري، والعقيدة الواسطية ثم على طالب العلم أن ينظر في المذاهب الفقهية، وليكن مذهبه فيها الدليل. وليعلم أن التعصب مذموم، وهو عبادة لغير الله تعالى يستتاب صاحبه". 230 ـ وسمعته يقول: "إن التشبه بالعجم لا يجوز، وذلك لأن غالب أعمالهم وأفعالهم غلو". 231 ـ وسمعته يقول: "إن فتنة الخليج أحدثت سكوناً وكسلاً في طلبة العلم وغيرهم". 232ـ وسمعته يقول: "هذا الزمن الذي نحن فيه مضطرب اضطراباً كبيراً جديداً لم نكن نعرفه من قبل".

233ـ وسمعته يقول: "كون العالم يُتعقب في علمه من أهل العلم لا يدل ذلك على أنه ليس بعالم." 234ـ وسمعته يقول: "إن هذا الزمان يذكر فيه الصحوة وهي ليست بصحوة وإنما غفلة عن العلم وطلبه". 235ـ وسمعته يقول: "إن هذه الدولة لها فضل كبير على العلم والعلماء، وقد نشرت علم السلف في الداخل والخارج (فجزاها الله خيراً) ، فلو استعرض الإنسان العالم اليوم ما وجد من خدم العلم مثلها. فأفريقيا أهلها في الغالب أشاعرة كلابية، والهند أحناف ماتريدية، واليمن معتزلة زيدية وهؤلاء الثلاثة هم أكثر الناس اليوم. والأحناف الماتريدية أخذوا بنصيب الأسد في الكثرة والانتشار لأنهم كانوا هم الحكام يعني زمن الدولة العثمانية. والعلم ومنه العقيدة يتبع الدولة وبدون دولة فلا علم. وإن السبب في انحراف الناس عن العقيدة السلفية هو هؤلاء الفرق. إن الأحناف لما تولوا القضاء في عصر الدولة العباسية قاموا بتحريف العقيدة السلفية وإبعادها عن المجتمع وإبدالها بعقيدة المعتزلة الجهمية، وكانت العقيدة قبلهم هي العقيدة السلفية الصافية". 236ـ وسمعته يقول: "قل من لا يَهِمُ من العلماء وغيرهم". 237ـ سمعته أكثر من مرة يقول لبعض الشباب المتزوجين إذا رأى من أحدهم قلة الحرص على الطلب يقول لهم: قال السلف: "ضاع العلم بين أفخاذ النساء". 238ـ وسمعته يقول: "إن السؤال – من طلب العلم وغيره – يجب أن يكون على سبيل التعلم لا التعجيز".

239ـ وسمعته يقول: "الإنسان يحب أن يهتم بالتوحيد أولاً ثم بالقرآن ثم بالفقه". 240ـ ينبغي للناس أن يبحثوا عن كتب شيخ الإسلام وخصوصاً أهل نجد. 241ـ وسمعته يقول: "إن كتاب الشريعة للآجري - وفتح المجيد- والواسطية لشيخ الإسلام والإبانة للصابوني هذه الأربع تكفي لطالب العلم في العقيدة." 242ـ وسمعته يقول: "إن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية: لا ينبغي أن يقرأها الا طلبة العلم الأقوياء الذين يفهمون". 243ـ وسمعته يقول: "الحديث يقرأه الناس ولكن ما كل أحد يستطيع أن يفقهه إلا أهل العلم." 244ـ وسمعته يقول: "إن الذي يقرأ من الكتب ويتعلم منها فقط "يسميه أهل العلم – صُحُفِي" أي غير ضابطٍ ويكثر خطؤه". 245ـ وسمعته يقول: "أي كتاب ألف في أي فنّ من الفنون العلمية ولم ينظر فيه أهل العلم المعاصرين للمؤلف فيقرظوه فإنه لا يصلح للنشر. ثم قال قال أهل العلم: الكتاب الذي لم يقرظه العلماء لا تجوز القراءة فيه". 246ـ وسمعته يقول: "سألني بعض الشباب ما تقول في قراءة كتب المبتدعة مثل ابن حجر والنووي – وغيرها؟ فقلت لهم: لو كنت مسؤولاً لكبلتكم ورميتكم في السجون. وسؤالهم هذا سؤال إضلال وضلال". 247ـ وسمعته يقول: "إن الذي يقولون إنّ العلماء في هذا العصر لا يفقهون الواقع -قد أخطأوا في قولهم- وهذه عبارة لا تنبغي.

248ـ وسمعته يقول: "إن عادة تقبيل الرأس هذه عادة سيئة." 249ـ وسمعته يقول: "إن السياسة الشرعية واجب على الناس أن يتعلموها. 250ـ وسمعته يقول: "إن أهل العلم ينصحون طالب العلم إذا رحل لطلب العلم أن لا يأخذ العلم عن عالم أو شيخ حتى يعرف عقيدته فإن كانت عقيدة سلفية أخذ عليه العلم وإن كان خلاف ذلك فلا". 251ـ وسمعته يقول: "إن والي العراق صدام حسين - لا أشبهه بالحجاج والي العراق قديماً - فإن الحجاج خيرٌ منه مرات ومرات". 252ـ وسمعته يقول: "أحسن الخط - ما كان يقرأ". 253ـ وسمعته يقول: "إن النشء الجديد سيجهل كثيراً من تقاليد الإسلام". 254ـ وسمعته يقول: "النسيان يطرأ من أمرين: المرض- والهرم". 255ـ وسمعته يقول: "أي كتاب لا يُدَرِّسُهُ أحد للعامة حتى يقرأه أهل العلم ولا يمنعون من قرأته". 256ـ وسمعته يقول: "إن هذا العصر عصر التمرد على الله عز وجل". 257 ـ وسمعته يقول: "إن هذا العصر عصر ابتذال العلم – حيث أصبح كل من رغب في التأليف والكتابة في العلم كتب ونشر – والسبب في اندفاع بعض الناس الى هذا الفعل عدم وجود هيبة العلم والعلماء في قلبه".

258ـ سمعته يقول: "إن أهل العلم قالوا إن الإنسان إذا خير بين أن يكون قاضياً أو مفتياً فليختر القضاء فان القاضي في الغالب لا يفتي إلا بعد التأكد بخلاف المفتي". 259ـ وقال له بعض طلبة العلم من أهل الرياض بمَ تنصحنا يا شيخ؟ فقال: بتقوى الله تعالى – وبطلب العلم من الكتاب والسنة وطلب العقيدة السلفية –وأيضاً لا بأس بمعرفة علوم الآلة– وأيضاً لا بد من التأدب مع العلماء والعلم فإن من تأدب مع العلماء والعلم يكون عالماً، ثم قال إن الشافعي -رحمه الله تعالى- لما رحل إلى مصر قال: تمنيت أني بقيت عند الإمام مالك حتى أتعلم الأدب. 260ـ سمعته يقول: "العلم كثير يحتاج إلى شباب يخرجونه للناس." 261ـ سمعته يقول: "إن هذه الدولة السعودية - هي الدولة التي بقيت للإسلام وخدمته". 262ـ سمعته يقول: "طالب العلم لا يكون إلا فقيراً". 263ـ سمعته يقول: "إن الناس اليوم يبيعون كتباً فاسدة لم يكن في السابق يتجرؤن على بيعها". 264 ـ سمعته يقول: "إن الأحداث اليوم يكتبون قبل أن ينضجوا وأنا نصحتهم وقلت لهم لا تكتبوا حتى تنضجوا." 265 ـ وسمعته يقول: "الغفلة أخت النسيان". 266ـ سمعته يقول: "إن هؤلاء الحزبيين يكفرون النعمة".

267ـ سمعته يقول: "دخلت مرة المسجد النبوي فرأيت جماعة كبيرة تحت الساعة الكبيرة – فسألت أحدهم من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء جماعة التبليغ، فقلت له: ماذا يبلغون؟ فقال لي: يبلغون الدعوة في هذه البلاد العربية – فقلت له: هل بلغوا السيخ والبوذية؟ ثم قلت له: إن هؤلاء الجماعة لا يريدون العلم ولا يطلبونه، فبهذه الطريقة يفسدون أكثر مما يصلحون – وجماعة التبليغ أعرفها جيداً، هم في العقيدة ما ترديه جشتيه، وفي المذهب أحناف متعصبة، ومرة كان لي محاضرة بمسجد في الجرف بالمدينة المنورة فعندما بدأت في إلقاء المحاضرة – كان في المسجد جماعة من التبليغ خرجوا كلهم مع بداية المحاضرة. 268ـ سمعته يقول: "إن التلميذ على عقيدة شيخه". 269ـ سمعته يقول: "إن فتنة جهيمان والخميني وصدام أفسدت على الناس كثيراً." 270ـ سمعته يقول: "إن تعلم اللغة يلزم طالب العلم". 271ـ سمعته يقول لطالب: احفظ ألفية ابن مالك في النحو - فانك إذا حفظتها فهمتها وان لم تحفظها لم تفهمها". 272ـ سمعته يقول: "كنا نقول ونحن بأفريقيا من أراد أن يرى أباه وأمه فليذهب الى الهند قلت: يعني لكثرتهم". 273ـ سمعته يقول: "سنة 1411هـ في شهر محرم، إن فتنة صدام حسين لم يمر علي في التاريخ مثلها. فقد أهلكت الناس والدواب وأفسدت الهواء ودمرت الأرض." 274ـ سمعته يقول: "هذا الزمان الذي نحن فيه أسميه عالم النوم أو عصر النوم –والسبب في ذلك الرفاهية".

275ـ سمعته يقول: "إذا رأى أحد من عالم خطأ لابد أن يلتمس له عذراً." 276ـ سمعته يقول: "هناك من طلاب العلم من يستعيرون الكتب ليمتلكوها لا ليقرؤها ثم يرجعوا ما استعاروه". 277ـ كان الوالد كثيراً ما يوصي طلبة العلم بقوله: "أوصيكم بتقوى الله تعالى في السر والعلانية والحرص على العلم فإن العلم شرف لصاحبه، قال المولى عز وجل {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ". 278ـ سمعته يقول: "كل من ليس له أبناء فكنيته -أبو عبد الله– فكلنا عباد الله". 279ـ وقال أحد طلبة العلم للوالد- رحمه الله تعالى- الله يحفظكم لنا ويمد في أعماركم. قال الوالد: آمين –ثم قال: إن هذا الزمان الذي نحن وأنتم فيه زمان يستعاذ بالله منه، فإن الفتن فيه ليست كالفتن السابقة. نحو فتنه خلق القرآن والتأويل والتحريف والتعطيل وغير ذلك من البدع، بل إن الفتنة في زمانكم هي إخراج المسلمين من الإسلام إخراجاً تاماً وتركهم مذبذبين بين ذلك لا إلى الإسلام ولا إلى غيره، فالله المستعان. 280ـ سمعته يقول: "لو اشتغل طالب العلم "برسالة النخبة" في مصطلح الحديث للحافظ ابن حجر اشتغالاً جيداً – لا استغنى أو كاد عن الألفيتين وذلك أن الحافظ جمع في هذا المختصر القواعد العامة ". 281ـ سمعته يقول: "العلم كثير والعمر قصير". 282ـ سمعته يقول: "العوام لا يجوز نقل أخبارهم وأقوالهم والتحدث بها".

قوله في الذين عاصرهم

قوله في الذين عاصرهم ... 1ـ سمعت الوالد يقول: "صاحب كتاب "العلماء الأماجد في زهران وغامد" الشيخ الزهراني كان نشيطًا في طلب العلم عند طلبنا له سويًّا على العلماء بمكة المكرمة". 2ـ سمعت الوالد يقول: "التُّباني المغربي: عالمٌ كبير، كنتُ أجلس عندَه". قلت: التّباني المغربي هذا كان له حلقةٌ علميّة في المسجد الحرام. 3ـ سمعت الوالد يقول: "إن الشيخ عبد الله نصيف كنتُ أذهبُ إليه وهو في جدة من أجل أنّ عندَه مكتبةً كبيرة فيها المطبوع والمخطوط، وهذا الرجل من الأعيان ومن كبار تجّار جدة، وكنت أدخل المكتبة أَقِيل فيها ثم أرجع إلى مكة، والله أعلم". 4ـ قال الوالد: "أحمد شاكر أعطاني تحقيقه لكتابه (صحيح ابن حبان) فقلت له: متى ينتهي يا شيخ؟. ثم قلتُ له: وكيف تنتهي وأنت يا شيخ تعمل في أكثر من كتاب في آنٍ واحد: تعمل في "المسند" وابن جرير والترمذي و"صحيح ابن حبان" وغير ذلك؟. فقال لي: أنا أعمل في كتاب ثم أدخل في غيره لأني أريد أن أستردّ النشاط في الدخول في غيره. ثم قال: وهذا الحوار سنة 1376هـ". 5ـ سمعت الوالد يقول: "عمّار الجزائري شيخي. قلت له: أريد أن تكتب لي ترجمة لنفسك، وقد مات وهو يدرس في الحرم، وعُمِّر طويلاً، وكان رجلاً عظيمًا تَسلَّمتُ منه ترجمةً لنفسه من يده، وتوفي قبل عشر سنين". قلت: قال الوالد هذا الكلام عام 1412هـ. 6ـ سمعت الوالد يقول: "الشيخ منّاع القطّان كان لا يشتغل في كتب الحديث". قلت: لأنّه كان متخصصًا في التفسير وأصول الفقه وغيرهما.

7ـ سمعت الوالد يقول: "محمد بن المختار الشنقيطي تلميذي، درَس في الجامعة الإسلامية، وقد درّستُه، وهو طالب علم جيّد". قلت: محمد هذا دكتورٌ في الجامعة الإسلامية، ومدرِّسٌ في المسجد النبوي الشريف. 8ـ سمعت الوالد يقول: "شيخي عبد الرحمن المعلمي- رحمة الله عليه- كان كثير البحث جدًّا، يبحث في أكثر من كتاب في وقت واحد، وكنت أجالسُه في مكتبة الحرمين، وكان يعطيني كتبًا فيقول: "ابحث عن كذا فما أجده فأعطيه إيّاها فيقول لي: هذا هو أين أنت عنه؟. هذا في سنة 1367هـ. السبب في هذا: عدم الانتباه والسرعة". 9ـ وسمعته يقول: "الشيخ إسماعيل الأنصاري ابن عمِّي". 10ـ سمعت الوالد يقول: "تقي الدين الهلالي أخرجه من المدينة أميرها ابن إبراهيم، لأنه- يعني الشيخ تقي الدين- يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بشدّةٍ. ثم عاش في العراق مدّة بعد خروجه من المدينة، وتزوّج هناك، وكان شاعرًا يمتاز بميزات نادرة. قلت له مرّة: علمك هذا لا يستفاد منه، فالمغاربة يشكتون من شدّتك فلو خفّفت، فغضبّ عليّ وقال: لم تسر الأمور معي إلاّ بالشدّة. وخفّ بصره في آخر عمره حتى أصبح لا يرى". ثم قال الوالد: "مررت به وأنا خارج من المسجد النبوي يلبس نعله فقلت له: كيف حالك يا شيخ؟، فقال لي: لا تقل لي يا شيخ، قل لي: يا دكتور، فقلت له: لماذا؟، فقال: كلمة شيخ أصبحت مشتركة بين الحيوان

والإنسان اليوم، فقل لي: دكتور، لأني عشت بها. وكان يعرف من اللّغات: اليهودية، والألمانية، والانجليزية، والأسبانية بجانب العربية، بحيث لو أنه كان في زمن الأصمعي لسلم له بأنه إمامٌ في العربية، والله تعالى أعلم". 11ـ سمعت الوالد يقول: "الشيخ محمد بن عثيمين يُعدّ إمامًا في أبواب الفقه". 12ـ سمعت الوالد يقول: "دخلت مكة فرأيتُ حلقة حامد فقي، فرأيته قويًّا في التوحيد السلفي، فجلست عندَه حتى أذّن العشاء، ثم انفردت به فقلت له: يا شيخ كيف تعلّمت التوحيد؟، فقال لي سوالك وجيه، ثم قصّ عليّ القصة المشهورة". 13ـ سمعت الوالد يقول: "الشيخ محمد بن سبيّل كريم متعاون مع الناس". 14ـ قال الوالد: "رأيت أبا ريّة وهو رجلٌ مصري في الرياض، إذا رأيته تحسبه من العجم، وحمل عليه الإخوان وعنّفوه وتكلّموا عليه". قلت: يعني بالإخوان: طلبة العلم بالرياض. 15ـ وقال الوالد: "المعلِّمي رجلٌ محدِّث عالم، وهو شيخي". 16ـ وقال الوالد: "عبد الرزاق حمزة كان إمامَ الحرم المكّي". 17ـ وذُكر أبو ريّة عند الوالد فقال: "هو وأمثاله ممن يشكّكون العامّة، وإلاّ لا يستحقون الردّ عليهم، وأبو رية لعدم رويَّته". قال الوالد: "قلت للزاحم الكبير سنة 1369هـ: يا شيخ أرى

في المسجد النبوي بعض البدع والاختلاط فلو غيّرتم هذه الأمور وأنكرتموها؟، فقال لي: نحن في بلدٍ له أعداءٌ يتربّصون به". ثم قال الوالد: "وهذا الرجل فقيه وعاقل، وكان رئيس المحاكم كلها في المدينة النبوية". 19ـ سمعت الوالد يقول: " (إعراب القرآن) للتواتي نظمه عمِّي وهو الذي بقي من مكتبته التي في البلاد"، وقد طبع-. قلت: وأخذ الوالد يمدحها كثيرًا. 20ـ سمعت الوالد يقول: "إنّ أبا تراب رجلٌ جمّاع لكل ما وجد من كتب العلم سواء في الحديث أو التاريخ أو غيره، وكنتُ أطالعُ في مكتبته. وكان ساكنًا في غرفة صغيرة في الحرم المكي، وعنده مخطوطات، وكنتُ كلما احتجتُ إلى شيءٍ من الكتب آتيه وأكتب وأنقل من الكتب التي عندَه". قلت: أبو تراب هو ابن الشيخ السلفي عبد الحق الهاشمي. 21ـ وسمعتُه يقول: "الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- هو فوق الذكاء، بل هو عبقري". 22ـ وسمعتُه يقول: "أحمد شاكر خدم (المسند) خدمة جيّدة، والشيخ أحمد جامعٌ بين الفقه والدراية بعلم الحديث، وعمله عمل عالم ـ رحمه الله تعالى-". 23ـ وقال: "كل الكتب التي يطبعها القلعجي وهو (العربجي) لا تصلح، لا بدّ أن يعاد تحقيقها وتعاد طباعتها". وسمعتُه يقول: "ذهبت مرة إلى الجامعة عصرًا عندما كان الشيخ عبد المحسن العبّاد رئيسُها، ولم يكن في الجامعة إلاّ أنا وهو، فقلت له: لماذا لا

تأتي بمن يفتح لك الجامعة قبل أن تحضر؟، فقال: لا أستخدم أحدًا في هذا الوقت، لأنه وقت الراحة، وكان ذلك وقت العصر". 25ـ وسمعتُه يقول: "عبد الرحمن المبارك فوري كان حيًّا وأنا موجود، وأدركت تلميذه عبيد الله وهو الذي نسخ له كتابه (تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي) ". 26ـ وقال الوالد: "بقيت العلماء في الهند أكثر من بقيتهم في باكستان، ورئيسهم عبيد الله المبارك فوري، وهو من علماء الحديث، أماكنهم: 1- (لكنو) . 2- (أُتْرَ برديش) ". 27ـ وقال الوالد: "عبد الحميد كشك مثله لا ينبغي أن يُمنع من الوعظ والتدريس". 28ـ وقال الوالد: "والمصريون يمنعون أنفسهم من نشر الخير بأنفسهم، أي: العلماء والدعاة". قلت: يعني بسبب تهجُّمهم على السلطان وذكرِهم للدولة التي هم فيها بسوء، ممّا يجعل الدولة تتسلّط عليهم، وفعلُهم هذا يخالف منهج السلف، بل كان عليهم أن يُعَلِّموا العامة التوحيد وأحكام الدين ويكفّوا عن السلطان. 29ـ وقال الوالد: " (تفسير الشعراوي) للقرآن عبارة عن فلسفة، ويجتمع عندَه عددٌ كبيرٌ من الناس يصفقون له ويهلّلون ويكبّرون". وسمعتُه يقول: "إن حركة (جهيمان) ضيعت العلم، و (جهيمان) هذا جاهل لم أرَه قطّ إلاّ مرةً واحدة، فقد جاءني رجلٌ بدوي وقال لي: إن جماعة جهيمان منعوني أن أقول في أذان الفجر (الصلاة خيرٌ من النوم) ، فقلت له: لا بأس تأتيني غدًا وأذهب معك إلى مسجدك، فجاءني فذهبتُ معه إلى هذا

المسجد وبعد الصلاة تكلّمتُ في هذه المسألة وقلت: هذه مسألة خلافيّة لا ينبغي أن تتكلّموا فيها أنتم إنما يتكلّم فيها العلماء، فقاموا كلهم ليضربوني، فقام بعض الإخوان فمنعوهم وأخذوني إلى السيّارة، وذهبنا". 31ـ وقال: "ولما كان (جهيمان) في الجامعة كنتُ في الدراسات العليا أدرس". 32ـ وسمعتُه يقول: " (أُحيد) : لما كانت وقعة (كِبْرٌ) كان عمره ست عشرة سنة، وهذا أكبر الباقين سِنًّا وهو آخرهم، أي: الجماعة من أقارب الوالد بمالي". ومات في سنة 1413هـ في شهر جمادى الآخرة. وكان بدويًّا قويًّا صاحب رأي وشجاعة، وضعُف بصرُه قبل موته بقليل. وتزوّج مرّة واحدة وطلّق، ثم لم يتزوّج بعد حتى مات". 33ـ وسمعتُه يقول: "كان عمّار شاعرًا". قلت: أحيد وعمار: أخوان وأبوهما اسمه حسن بن حذيفة الأنصاري، وكلاهما ابن عم الوالد. 34ـ وسمعتُه يقول: "إنّ الشيخ إسماعيل الأنصاري أرسل مكتبته الأولى إلى عمِّه كما أرسلت مكتبتي الأولى إلى عمِّي". 35ـ وقال: "درَّستُ سفر الحوالي في كليّة الشريعة بالجامعة الإسلاميّة". وسمعتُه يقول: "راشد الراجح رئيس جامعة أمّ القرى أنا شيخُه،

علّمتُه قبل أن تُفتح الجامعة، وكان ساكنًا في غرفة في مسجد وهو إمامُه يصلِّي بنا، وكان نشيطًا غاية النّشاط في طلب العلم، وبدأ في أول اتجاهه إلى علم الحديث يقرأ عليّ (الترمذي) و (البخاري) وغيرهما". 37ـ وسمعتُه يقول: "الدكتور عبد الله الزايد والشيخ عبد المحسن العبّاد كانا في الفصل الذي أُدَرِّس فيه في الكلية بالرياض". 38ـ وسمعتُه يقول: "الجامعة الإسلامية هي جامعة العبّاد والزايد والشيخ ابن باز" وأخذ يمدح أيّامَهم. 39ـ وسمعتُه يقول: "إنّ السقّاف الحضرمي خرافيّ كبير، لو أنّ الدولة هنا طلبته فأدّبته وقتلته فإنه يستحقّ القتل". قلت: السقّاف الحضرمي الذي ألف كتبًا في الردّ على الشيخ الألباني، وكتابًا في إنكار أقسام التوحيد الثلاثة، وهو موجود في الأردن. 40ـ وسمعتُه يقول: "الكوثري خرافي كبير، وكتاب (المقالات) للكوثري فيه علم في بعض الأماكن، ولا ينبغي أن يكون هذا الكتاب عند كلّ أحد إلا من يعرف أنّ هذا الرجل عدوّ للعقيدة السلفية وأهلها. وهذا الرجل له اطلاع عجيب في زمنِه لا يوجد مثله، فلهذا سمّوه شيخ الإسلام". 41ـ وسمعتُه يقول: "دَرَّست الشيخ عطيّة سالم علم الفرائض، وكذلك الشيخ محمد أمان". 42ـ وسمعتُه يقول: "ما رأيتُ من علماء نجد مثل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والسعدي، وهما مثل بعض، أو السعدي أكثر علمًا". 43ـ قال الوالد: "الألباني كان حنفيًّا، ثم دخل في علم الحديث حتى وصل فيه إلى الغاية، وهو ممن يقال في مثله دَرَس بنفسه".

قلت: وفي عام 1400هـ خاطب مركز الملك فيصل للبحوث الوالد -رحمه الله تعالى- يستشيره من يرشّح لجائزة الملك فيصل في علم الحديث وعلومه؟، فكتب الوالد لهم جوابًا أنّه يرشّح الشيخ العلاّمة: محمد ناصر الدين الألباني، ولكن لم يرشح في هذه السنة، ثم رُشّح بعد وفاة الوالد عام 1419هـ. 44ـ وسمعتُه يقول: "أتوسّم في علي حسن عبد الحميد أن يكون خليفة الشيخ ناصر الدين الألباني". قلت: قال الوالد هذه العبارة عام 1412هـ. 45ـ وقال الوالد: "أحمد الغماري لم يأت بعدَه مثله في علم الحديث، ولا أرى أحدًا يدانيه فيه، وقد أدركتُه". 46ـ وسمعتُه يقول: "أعرف الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الزهراني من خمس وأربعين سنة، وهو صاحب كتاب (المحدِّثون الأماجد من زهران وغامد) ". 47ـ وسمعتُه يقول: "إنّ تقي الدين الهلالي كان جاري في حيّ المصانع، وقد سافر إلى دولة السويد، وما ترك بلدًا إلاّ ساح فيه سواءً شرقًا أو غربًا، وقد وصل إلى الصين، وشاهد في سياحته هذه أمورًا عجيبة كان يحكيها لي". 48ـ وسمعتُه يقول: "الشيخ صالح اللحيدان شُعْلَةٌ في العلم، والصلة التي كانت بيني وبينَه في الرياض قويّة". 49ـ وسمعتُه يقول: "عن الغماري أحمد أبو الفضل: "خرافي". قلت: الغماري: من علماء المغرب في القرن الرابع عشر، معروف بكثرة المؤلّفات وبالأخص في علم الحديث.

50ـ قال الولد للشيخ أبو بكر الجزائري: "أنت تستطيع أن تصوغ كلمات لا أستطيع صياغتَها". قلت: وهذا مدحٌ. 51ـ سمعتُه يقول: "إن الشيخ محمد دفتر دار ألّف كتابًا في عوائل المدينة، فقلت له: انشر الكتاب فقال لي: لا أنشرُه الآن، بل بعد موتي يسخر اللهُ من ينشرُه". 52ـ قال الوالد: "حافظ حكمي فيه ذكاء عظيم وعلم واستحضار لا يستحضره الكبار، ولو استمرّ به العمر لكان عالمَ زمانه، توفي وعمرُه 36 سنة". 53ـ وسمعتُه يقول: "إن الشيخ عبد الله بن جبرين درّسته في الرياض تسع سنين". 54ـ وقال الوالد: "لم ألتق بعبد السلام هارون، ولم أره". 55ـ وسمعتُه يقول: "إن عمر بن حسن آل الشيخ حصل بيني وبينه قصة ألاَ وهي: أني كنت أمشي مرّة في الرياض فرأيتُ جماعةً من النساء يمشين متبرّجات فأخبرت عمر بن حسن فسكت، ثم قال لي: الذي سيأتي أشدُّ من هذا". 56ـ سمعتُه يقول: "قرأ عليَّ عبد العزيز القاري (جامع الترمذي) ". قلت: وقرأ على الوالد وأنا حاضر بالمكتبة (وصية الذهبي لتلميذه السُّلامي) . 57ـ وسمعته يقول: "سعود الفنيسان والرومي يسكنون الرياض، وهم من الخواص عندي".

58ـ وسمعته يقول: "إن عبد الله التويجري الذي يسكن الرياض صوّر المخطوطات التي عندي كلّها". 59ـ وسمعته يقول: "عندما كنت بمكة سمعت من الناس أنه أتى إلى جدة رجلٌ عالم من موريتانيا، فذهبت إليه، ووجدته نازلاً في منزل أعدّه جمجموم للموريتانيين، فذهبنا إلى هناك فوجدناه يلقي درسًا في المنطق، فجلسنا نستمع، وبعد الدرس سأله الوالد سؤالاً في المنطق، وهو: ما هي الأشكال الأربعة؟، وما هي الآيات التي في كتاب الله الدالة عليها أو نحو ذلك؟، وعندما قال له هذا السؤال فكأنّما سقطت عليه قنبلة فغضب وقال: من أنت؟، فقال الوالد: الجواب لا يتعلّق بمن أنا، أنا أريد الإجابة فقط، فقال له العالم: اخرج من عندنا ولا تجلس. فخرج الوالدُ من عنده. ودارت الأيام ثم بعثت الدولة الشيخ الموريتاني إلى الرياض من أجل أن يدرِّس في الكليّة هناك وكان الوالد ممن بُعث إلى هناك، فكان من حسن الحظ أنّ الشيخ سكن بجوار منزل الوالد وعلم أنه ساكن بجنبه، فذهب إليه هو وأحد الشناقطة فدخلوا عليه في منزله وعرّف الوالد بالشيخ فقال: ألا تعرف خصمك؟، فقال: من أين لي أن أعرفه، فذكر له ما سبق، فقال الشيخ: ما كنتُ أعرفك فجهلتك، وندمت بعد هذا الفعل في ذلك الوقت. قال الوالد: فمِن بعد أصبح الشيخ يتناقش معي في المسائل وأتناقش معه بكل محبة وهدوء، والحمد لله. قلت: وهذا الشيخ هو الأمين صاحب (الأضواء) - في التفسير-. 60ـ قال الوالد: "في سنة 1375هـ قام الشيخ ابن قاسم بجمع (الفتاوى) وكنتُ مشاركًا له في جمعِها". 61ـ وقال: "الكوثري أكبر خرافيّ في الدنيا وأشعري".

62ـ سمعته يقول: "إن عبد القادر الجزائري القاضي في المستعجلة صديقي من سنة 1367هـ، وكنتُ أزورُه في بيتِه". 63ـ سمعته يقول: "إن حسين مدني أعرفه، كنتُ أزورُه في بيته الذي في طريق الجامعة لأرى المخطوطات التي عنده فإذا أكثرها مخطوطات في الأدب والتاريخ". 64ـ سمعته يقول: "إن الشيخ رشيد قرأتُ عليه الكتب الستة و (المشكاة) ، وذلك في العلوم الشرعية، حيث كان يدرِّس بها، ودراسة التحقيق والتدقيق كانت عند قراءة (المشكاة) و (سنن الترمذي) ". 65ـ وسمعته يقول: "الشيخ الصاوي أعرفُه جيِّدًا حصلت لي معه قصّة". 66ـ وسمعتُه يقول: "إن الشيخ حامد فقي وعبد الرزاق حمزة لا يصبغان لحيتيهما". 67ـ وسمعته يقول: "إنّ أبا الحسن الندوي هو رئيس جماعة التبليغ في الهند وهو نقشبنديّ حنفي متعصِّبٌ، فصيحُ اللسان، وقد التقيتُ به في رحلتي للهند. والسببُ في إقبال الناس عليه: فصاحته وكتاباته الجيِّدة، وهو سياسيٌّ كبير". 68ـ وقال: "إن عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ كنت أدرِّسُه بأمرٍ من الشيخ محمد بن إبراهيم في المواد التي يدرُسها في المدرسة". 69ـ وسمعته يقول: "كتاب (السنة) لابن أبي عاصم المخطوط أرسلتُه للشيخ ناصر الألباني فحقّقه وطبعه، ولكن لم يخدمه خدمةً جيِّدة". 70ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ محمد الخيّال وضعته الدولة السعودية مشرفًا على مدرسة العلوم الشرعية حتى لا يُدَرَّسَ فيها إلاّ كتب السلف".

71ـ وقال: "إنّ عطيّة سالم كتبَ لنفسه ترجمةً وقرأتُها في حضرة المشايخ في مجلس الشيخ الزاحم، وذكر فيها أنّه قرأ عليَّ الفرائض وهو- أي: عطيّة بن سالم- عالمٌ في الفرائض". 72ـ وسمعتُه يقول: "إن حميد الذي كان مدير المعهد العلمي بالمدينة النبوية رجلٌ فاضل". 73ـ وقال الوالد: "حضرت وفاة المرغني في السودان، وقد ضيّفني ضيافةً غريبة، حيث دعاني للحضور عنده فجئتُ إلى بيته وهو محاصَرٌ بالجنود المستعمِرين- بريطانيا- والحكومة السودانية تحرُسه. وكانت السودان في ذلك الوقت مرتاحة راحة كاملة، وهذا سنة 1367هـ. وفي يوم موته حصل مأتم لم أرَ مثلَه في العالم، حيث اجتمع السودان كلّه بجميع الناس نساء وأطفال وغيرهم، والنساء ترفعن الترابَ وتضعنه فوق رؤوسهنّ، وداروا بالمرغني في كلّ الحارات". 74ـ وسمعته يقول: "درَّستُ الشيخ عطية سالم (الرحبية) في الفرائض، وأظهرتُ له مشكلاتها، وأمليتُها عليه". 75ـ سمعته يقول: "إن سليمان الحمدان التقيتُ به أكثرَ من مرّة، وعندما انتقل إلى الطائف كنتُ كلما ذهبت إلى الطائف ألتقي به. وكان قاضيًا في المدينة النبوية، وكان فيه شدّة". 76ـ وسمعته يقول: "صلتي قوية بأبي حبيب الشثري النجدي الذي كان في الرياض وتوفي فيها، وكان يُدرِّس هناك معنا وحصل أن ذهبت إليه مرة أنا وبعض الإخوان فدخلنا عليه في قصره" ثم ذكر الوالد قصة فتح مدارس البنات التي سبق أن ذكرتُها.

77ـ وسمعته يقول: "أبو غدّة والطحّان مثل بعض إن لم يتب الطحّان". قلت: يعني: أنّ كليهما على عقيدة الأشاعرة. الطحّان اسمه: عبد الرحيم، وأبو غدة اسمه: عبد الفتاح. 78ـ وسمعته يقول: "الكتّاني صاحب (فهرس الفهارس) أروي عنه بواسطة، وقد أدركته ولكن لم ألتق به لأنه كان في أوروبّا هاربًا من الحسن الثاني". 79ـ سمعته يقول: "إن الشيخ عبد الله- آدُّ- الشنقيطي رجلٌ متمسِّكٌ بعقيدة السلف الصالح. وكذلك الشيخ الأمين الجكني الشنقيطي صاحب "التفسير" كان على عقيدة السلف الصالح". قلت: الشيخ عبد الله آدُّ، حيٌّ قد جاوزَ الثمانين سنة، كفيف البصر، أخبرني أنه كُفّ بصره قبل عشرة سنوات، أي: عام 1411هـ أو 1410هـ تقريبًا. اهـ. 80ـ وسمعته يقول: "حدَثت حادثة في الجامعة الإسلامية وهو أنّ شخصًا كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: وآله. فسمعه مدرِّس فذكر للشيخ ابن باز أنّ هذا الشخص شيعي، فقال ابن باز: إن هذا الشخص هو المصيب". 81ـ وسمعته يقول: " (زكريا بيله) طالب علم جيّد، كنت أنا وهو نتدارس دائمًا، وهو أندنوسي من أهل مكة". حدثني فضيلة الشيخ ربيع بن هادي -حفظه الله- قال: إن والدك الشيخ حماد الأنصاري -رحمه الله تعالى- ناولني مخطوط "المدخل إلى

الصحيح" للحافظ أبي عبد الله الحاكم -رحمه الله تعالى- وقال لي: حقّق هذا الكتاب. 83ـ سمعته يقول: "زرت المودودي أنا وبعض الإخوة أثناء وجوده في الرياض في فندق البطحاء عصرًا، دخلنا عليه وهو يصلي العصر، فأخذت ألاحظ صلاته، فقلت له بعد فراغه من الصلاة: صلاتُك هذه تحتاج إلى مدارسة فإنك لا ترفع يديك، ولا تطمئنّ وغير ذلك؟، فقال: أنا حنفي المذهب، فقلت له: هذه أطمّ من الأولى، فإنه لا يجوز لك أن تقول هذا، فإنك فوق هذه العبارة. فقد عرفنا من خلال كتاباتك أنك حر الفكر، فظهر لنا الآن أنك مقيد الفكر، ثم قلت له: إن الإمام أبا حنيفة أنت تقلده، فمن الذين يقلدهم الإمام أبو حنيفة؟ فسكت، والله المستعان. 84ـ سمعته يقول: "في الحقيقة لم ألتق مع رجل يحوي علماً جماً في فنون عديدة مثل الدكتور الهلالي، وقد مضت عليَّ الآن خمس وأربعون سنة لم أر مثله. 85ـ وسمعته يقول: "كان الشيخ محمد الخيال رئيس المحكمة المستعجلة في المدينة النبوية وقد دخلت عليه يوماً فقال لي: اقرأ من فتح المجيد ثم أخذ يسألني عن أشياء فيه فأجبته ثم قال لي: خذ فتح البارئ واقرأ، فأخذته وقرأته فلما فرغت قال لي: سنلحقك بمرتبة التخصص يعني مدرس في مرتبة عالية. وقلت له: إني لا أبلغ هذه المرتبة، بل أنا أدنى من ذلك فقال: لا بل أنت تكون فيما أخبرتك، فكنت أحضر الدروس مع الطلاب ثم أذهب إلى ما وظفني فيه. 86ـ وسمعته يقول: "محمد بن تركي شيخي كان زاهداً – كنت أدرس عليه في فقه الإمام أحمد.

ومرة كنت أمشي معه، فمررنا بابنتين يلعبان بالكرة كل واحدة منهما ترمي بها إلى الأخرى فقال لي: قف ننظر إليهما، ثم قال: إن هاتين البنتين يخبر حالهما عن أن المستقبل سَيُخْرِجُ لنا نساءً متبرجات. 87ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ ابن جبرين تتلمذ عَليَّ وأعرفه جيداً والأمر الذي حصل اليوم له غرّر به فيه. قلت: يعني قضية (لجنة رفع الظلم عن المظلومين) التي أنشأها المسعري. وقد بين مساوئ هذه اللجنة الشيخ العالمُ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله تعالى-، وذلك في شريطٍ مشهور، ويا ليت هذا الشريط يفرغ ويصدر على هيئة كتاب. اهـ. 88ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ عبد العزيز المرشَد الموجود الآن تجاوز المائة سنة، فقد أخبرني بسنة ولادته ولي به معرفة جيدة، وقد كان مع الملك فيصل في غزوة الحديدة باليمن، أخبرني هو بذلك سنة 1375هـ. 89ـ سمعته يقول: "إن الشيخ عبد الله بن حُمَيد- رحمه الله تعالى-: كان كفيفاً – وقد صوَّرتُ من مكتبته –رحمه الله تعالى سنة 1393هـ كتاب المتفق والمفترق للخطيب البغدادي (المجلد الأول فقط) واشترط علي إذا وجدت المجلد الثاني أصوره له فيسر الله تعالى ووجدت المجلد الثاني بمصر فصورت نسخة منه للشيخ –رحمه الله تعالى-. وكان الشيخ عبد الله بن حميد كثيراً ما يسألني عن الجديد في عالم الكتب عندما ألتقي به (بمكة المكرمة) . وآخر مرة التقيت فيها معه قلت له يا شيخ اسمح لي أن أدخل مكتبتك فقال لي: إن المكتبة غير مرتبة فقلت له: لا بأس أنظر فيها على حالها،

فقال لصالح ابنه اذهب مع الشيخ وافتح له المكتبة ففتحها لي فبينما أنا في البحث والنظر في موجوداتها إذ عثرت على كتاب الحافظ الخطيب (المتفق والمفترق) فصورته. 90ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ تقي الدين الهلالي ضَيَّعهُ تلامذته. يعني: لم ينشروا علمَه ولم يترجموا له. 91ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ عبد الله الزاحم هو رئيس الفتوى بالمدينة. 92ـ وسمعته يقول: "إن الأركاني – الذي ظهر في هذا العصر تَحصَّل على إجازات كثيرة جداً من عدد من الشيوخ وخاصة شيوخ مكة المكرمة فلعله أخذ عن غالبهم وقد أجاز للفاداني وأجازه الفاداني – والإجازات التي عند الأركاني لم أجد أحداً في هذا العصر عنده مثلها – وهو صغير السن لا يتجاوز الأربعين – وقد أرسل إلي إجازاته كلها وهي عندي الآن ولم أر هذا الرجل إلى الآن لكن أخباره جاءتني عن طريق بعض تلامذتي منهم يوسف المرعشلي وصالح الرفاعي. 93ـ وسمعته يقول: "كنت أعرف رجلاً في المكتبة المحمودية اسمه (علوي) كان هو المناول لرواد المكتبة الكتب. 94ـ وسمعته يقول: "إن عبد الله بن سعدي الغامدي العبدلي: كان من أصحابي بمكة والطائف وكان لا تأخذه في الحق لومة لائم وحصلت له قصص معي ومع غيري. وسمعته يقول: "إن مقبل الوادعي تلميذي وأنا الذي اخترت له الموضوع (في الماجستير) وكان يقرأ عَليَّ في البيت أيام الحرة الشرقية، وكنت

أناصحه وأقول له يا مقبل أنت قدمت من بلادك لطلب العلم فلا تخالط (هؤلاء الناس) دع عنك مخالطتهم وأقبل إلى ما رحلت من أجله – ولكنه أُبتلى وأُمتحن فوقع فيما حذرته منه – وكنت أقول له: أرجو أن تكون في اليمن في هذا الزمان كالشوكاني في زمانه. وقد كان مقبل تلميذاً ما رأيت مثله في النشاط وطلب العلم. قلت: قول الوالد هؤلاء الناس يعني بعض من كان في نفسه شيٌ على هذه الدولة السعودية السَّلفية. 96ـ وقال: إن الشيخ عبد العزيز الزهراني صاحب كتاب (المحدثين الأماجد في زهران وغامد) زميلي في الطلب على المشايخ بمكة وقد دَرَسنا سوياَ على يد الشيخ عبد الرزاق حمزة – وكان الشيخ عبد الرزاق يُدَرِّس بالمسجد الحرام عند باب علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكذلك درسنا سوية على الشيخ عبد الحق العمري الهندي وكان يدرس عند باب إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. 97ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ الأديب –حمد دفتردار –زميلي وصاحبي– كانت لي به صحبه قوية كان يؤلف مرة كتاباً عن أعيان (المدينة النبوية) – فقلت له: ألا تكتب عن الأحياء منهم فقال: شرطي أن لا أكتب إلا عن من مات منهم. 98ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ حافظ الحكمي –رحمه الله تعالى– كان يُضْربُ بذكائه المثل – وكان يعرف الكتب المطبوع والمخطوط منها معرفة قوية.

99ـ وسمعته يقول: "إنَّ الشيخ عبد العزيز المَرَشَد من علماء نجد في وقته – وهو حي الآن قد جاوز المائة سنة ملازم للفراش. قلت: قال الوالد هذا الكلام سنة 1414هـ. 100ـ وسمعته يقول: "إن سنن سعيد بن منصور –المخطوط– كان طلبة العلم بالرياض يقرأونه على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ولم أكن وقتها بالرياض وعندما قدمت الرياض للتدريس والعمل سألت الشيخ محمد عن هذا الكتاب فقال لي: حقاً كان يقرأ علي ولكن لا أدري أين هو الآن ولكن اذهب وابحث عنه في مكتبة الشيخ صالح فذهبت إلى هذه المكتبة بعد أن أمر الشيخ محمد آل الشيخ بفتحها لي فدخلتها فإذا الغبار والحشرات قد سيطرا عليها– وبحثت عن هذا الكتاب فلم أعثر عليه ولكن عثرت على كتاب الحافظ الذهبي –تهذيب سنن البيهقي –نسخة مخطوطة جيدة – ولأول مرة أرى هذا الكتاب. قلت: في سنة 1414هـ لسبع مضين من شهر صفر عصر يوم الاثنين زار الوالد بمكتبته الشيخ عبد الله بن جبرين- حفظه الله- وحصل بينهما من سرد القصص والحكايات القديمة الشيء الذي طال المجلس بسببه. 101ـ وسمعته يقول لأحد الحاضرين بالمكتبة: لو دخلت مكتبة عبد العزيز القارئ لقلت إنها لا تحوي سوى الكتب المؤلفة في تاريخ المدينة النبوية من اهتمامه بها وحرصه عليها. 102ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ أبا بكر التنبكتي توفي بسبب العملية التي عملها له الأطباء حيث أنه -رحمه الله تعالى- كان قد كَبِر سِنَّه فأخطأ الأطباء في استعجالهم بعمل العملية له.

103ـ سمعته يقول: "كنا أشرنا على الشيخ ابن قاسم أن يوثق المخطوطات عند نسخها فيذكر مصادرها ولكن ضَعُفَ عن ذلك فنسخها فقط. وكان الشيخ ابن قاسم سألني عن كتب شيخ الإسلام فجمعت له شيئاً منها من بعض البلاد. 104ـ وسمعته يقول: "إن الرجل الذي ظهر في الأردن واسمه "السقاف: هذا رجل خسَّاف – ألف كتاباً سماه التنديد بمن عدد التوحيد" وهو كتاب كل ما فيه باطل باطل، وأنا أرى أنه كتاب إجرام يدل على أن مؤلفه قد تمكن من الحُلول والإجرام إلى حدٍ لا مثيل له. 105ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ محمد أمان –رحمه الله تعالى– أرسله الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ إلى صامطة ليدرس الناس، وقد تلقى العلم من الشيخ القرعاوي، وقد كان نشيطاً في طلب العلم متفوقاَ فيه. 106ـ سمعته يقول: "إن صاحب مكتبة الإيمان -بالمدينة- يتتبع بعض كتب البدع ويطبعها – وقد نصحته ولكن ما يسمع. 107ـ سمعته يقول: "كان الشيخ عبد العزيز بن مرشد لا يرد لي طلباً وطلبت منه مرة أن أدخل المكتبة التابعة له فأذن لي فدخلتها فعثرت فيها على كتابين المجلد الأول من السنة للمروزي. المجلد الأول من كتاب إكمال الإكمال لابن نقطة وقمت بطبع كتاب السنة للمروزي في ذلك الوقت، وكنت جاراً للشيخ بحارة آل حماد، وكنت إذا وجدت فراغاً أدخل مكتبته وأقرأ فيها بإذنه.

108ـ سمعته يقول: "تعرفت على الشيخ عطيه سالم سنة 1369هـ بالمدينة النبوية. 109ـ سمعته يقول: "إن العلماء الذين هم أهل التحقيق في العلم ماتوا كلهم لم يبق منهم إلا الشيخ عبد العزيز بن باز. 110ـ سمعته يقول: "إن البوطي أكبر عدو للسلف –وقد اجتمعت به بدمشق– وقلت له أنت إلى الآن ما تبت؟، قال من أي شئ؟ قلت أنسيت ما كتبته في ذم السلف فقال: هؤلاء ليسوا سلفاً إنما هم خلف. 111ـ سمعته يقول: "للشيخ بكر "أبو زيد" هاتفياً قل للشيخ صالح اللحيدان إن محبكم يسلم عليكم. 112ـ سمعته يقول: "إن الشيخ عبد المحسن العباد ينبغي أن يَكْتُبَ عنه التاريخ، كان يعمل أعمالاً في الجامعة تمنيت لو أني كتبتها أو سجلتها، وقد كان يداوم في الجامعة على فترتين صباحاً ومساء بعد العصر، ومرة جئته بعد العصر بمكتبه وهو رئيس الجامعة فجلست معه ثم قلت يا شيخ أين القهوة؟ فقال: الآن العصر ولا يوجد أحد يعملها، ومرة عزمت أن أسبقه في الحضور إلى الجامعة فركبت سيارة وذهبت، فلما وصلت إلى الجامعة فإذا الشيخ عبد المحسن يفتح باب الجامعة قبل كل أحد. ثم قال الوالد: والشيخ عبد المحسن في الجد في العمل حدث ولا حرج. 113ـ سمعته يقول: "إن الشيخ عبد العزيز بن مرشد فقيه ومحدث ولغوي كان يستحضر الفقه. 114ـ سمعته يقول: "إن صبحي السامرائي العراقي محقق بعض كتب التراث كان يزورني بالمدينة فلما وقعت حادثة الخليج انقطع.

قلت: وقد رأيت بعض كتبه التي حققها أغلبها كاتب عليها إهداء للوالد -رحمه الله تعالى-. 115ـ وسمعته يقول: "إن الدكتور راشد الراجح كان يطلب علم الحديث. 116ـ سمعته يقول: "إن الفاداني خدم فن الأسانيد – ولا أعرف أحداً أعلم منه في هذا العلم. 117ـ وسمعته يقول: "الشيخ عبد الخبير شيخي –درست عليه وكنت ساكنًا في رباط محمد مظهر وقبل ذلك في رباط العجم– عندما درست عليه بالمدينة النبوية. 118ـ سمعته يقول: "إن الشيخ عمر بن محمد فلاته قدم المدينة النبوية وهو صغير السن. 119ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ حامد فقي فتح مدرسة التوحيد بالطائف، ونشر كتب السلف بمصر وان مكتبة الشيخ حامد من أحسن ما يكون، فيها العلوم بأنواعه وقد استفدت منها. 120ـ وسمعته يقول: "إن عمي البحر كان يحفظ متن صحيح البخاري، وكان وهو ابن تسعين سنة إذا أراد أن يرحل إلى أيّ بلد أو قرية لا يركب شيئاً إنما يرحل ماشياً وهو في هذا السن يقرأ بنفسه دائماً ومرة مرضت إحدى عينيه فقرأت عليه بأمره وعمِّي هذا قرأت عليه الفقه المالكي كله، وأخذت عنه أيضا الفقه الحنفي. قال رجل للوالد: ما الذي جاء بالفقه الحنفي عندكم؟ قال الوالد: إن تركيا كانت تحكمنا ولهذا انتشر الفقه الحنفي.

121ـ وسمعته يقول: "إن الترابي فيلسوف كبير، وهو المسيطر على الحكومة السودانية. 122ـ وسمعته يقول: "إن حامد فقي من الذين نشروا العقيدة السلفية في العالم ولم تنشر إلا على يده يعني فى وقته. 123ـ وسمعته يقول: "ان الشيخ عبد الرحمن الإفريقي العلامة انتفخ جسده بسبب مرض غريب أصابه حيث لو وضعت إصبعك على جسمه لغاص فيه، ولما أراد الذهاب إلى لبنان للعلاج قلت له لا تذهب، فقال لي: سأذهب إن شاء الله فمات رحمه الله تعالى- في لبنان. 124ـ وسمعته يقول: "إن أبا تراب الظاهري ابن الشيخ عبد الحق الهاشمي كانت مكتبته هي المرجع لما فيها من النوادر، وكان أبو تراب يرحل لجمع المخطوطات والكتب المطبوعة والشيخ أبو تراب لولا الأثر الذي أصيب به لكان عالم هذه الديار حيث أنه كان أديباً وعالماً باللغة العربية وغير ذلك وكنت استفيد منه كثيراً في حال المذاكرة، ولما تزوج خف عليه مرضه. قلت: والمرض الذي أصابه كان بسبب عين أصابته سمعت الوالد يذكر ذلك. 125ـ وسمعته يقول: "كنت أُسافر من مكة الى جدة من أجل مكتبة الشيخ محمد نصيف فأمكث فيها من العصر الى المغرب وذلك سنة 1367هـ و1368هـ و1369هـ وهذه المكتبة استفدت منها وكانت لا نظير لها.

126ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ عبد الحق الهاشمي والد أبي تراب كان متحرراً لا يتقيد بمذهب، وكان علمه بالحديث جيدًا وكذلك علمه بالفقه الحنفي. 127ـ وسمعته يقول: "لما رجع شيخنا محمد عبد الله المدني إلى بلاد (مالي) رجع وهو يحمل معه جملة من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فآذاه الناس ولقبوه بالخارجي والوهابي وأرادوا إخراجه فدافع عنه بعض أقاربه وناصروه. وسئل شيخنا محمد عبد الله المدني مرّةً عمن بقي من الناس في الجزيرة العربية مازال يتكلم بلغة العرب الفصحى؟ فأجاب بقوله: يوجد في شمال اليمن أناس يسكنون الجبال مازالوا على اللغة الفصحى. 128ـ وسمعته يقول: "حامد فقي شيخي استفدت من مكتبته التي في السودان لما دخلتها، وبعثة الحج المصرية في زمن الملك فاروق كان أميرها حامد فقي والشيخ حامد كان يُدَرِّسُ في المسجد الحرام عند باب علي -رضي الله عنه- في تفسير ابن كثير، قلت للشيخ حامد لما التقيت به: أريد أن أستفيد منك وكان الشيخ حامد إماماً فى التوحيد، وهو الذي أنشأ مدرسة التوحيد في الطائف، وذلك أن الملك عبد العزيز -رحمه الله- أرسله الى الطائف لنشر التوحيد بها، ففتح مدرسة وسماها مدرسة التوحيد قلت لشيخ حامد مرةً: كيف أصبحت رئيس أنصار السنة وأنت بمصر فإن مصر لم يكن بها جماعة أنصار السنة؟ فقال لي يا ولدي هذا سؤال وجيه، لم يسألني عنه أحد قبلك ثم ذكر قصته مع الفلاح الذى كان سبباً فى هدايته إلى العقيدة السلفيه. قلت: وهذه القصة كتبتها فى غير هذا الموضع فلتراجع- ولكن في هذا المجلس ذكر الوالد زيادةً أورد هنا ما سمعته في هذا المجلس وهي: قال الوالد: قال الشيخ حامد فقي: إن الشيخ الرمال هو السبب في هداية الرجل

الفلاح لعقيدة السلف، وذلك أن هذا الفلاح تتلمذ على يد الشيخ الرمال، والشيخ الرمال كان على عقيدة السلف وكان ينشرها بين الضعفة والعمال خشية من بعض الناس، هذا الكلام كله للشيخ حامد فقي وسببه أن الوالد ـرحمه الله- سأله ما السبب في هداية الفلاح الى العقيدة السلفية". 129ـ وسمعته يقول: "كان معي في الرياض رجل مصري اسمه عبد اللطيف سرحان وهذا الرجل كان أديباً آية في الفصاحة والأدب خطيباً مفلقاً، سألته مرةً عن سبب تمكنه في علم الأدب؟ فقال نحن المصريون كنا إذا تعلمنا علم اللغة والأدب قمنا بتطبيقه ومن تطبيقه أن يخرج أحدنا الى مكان خال، فيتكي على شجرة ويقوم بإلقاء خطبة بصوت مرتفع". 130ـ وسمعته يقول: "لقد فقدنا شيخين كبيرين يحتاج أن يقوم أحد مقامهما وهما الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد العزيز بن صالح رحمهما الله والشيخ عبد الرزاق العفيفي كان صاحب نكت وظرافة وكنت أجتمع معه للمذاكرة والدرس في الرياض. قال لي مرة: ألا تريد أن أزوجك مصرية، فقلت له إن مصر بها اختلاط، فقال لي أزوجك من الريف". 131ـ وسمعته يقول: "إن عمران الشريف من أهل البلاد –مالي- أرسل ألي أبياتاً يهنئني فيها بأول مولود لي، وقد توفي سنة 1373هـ"ـ. 132ـ وسمعته يقول: "سفر الحوالي أعرفه جيداً وعندما كان بالجامعة الإسلامية كان منكباً على العلم". 133ـ وسمعته يقول: "مقبل الواعي كان زيدياً ثم ترك الزيدية وأعلن تركه لها".

134ـ وسمعته يقول: "الشيخ الزنداني من الزيدية وله عقل نادر، وعنده فلسفة وذكاء وقد اجتمعت به مراراً". 135ـ وسمعته يقول: "ما استأنسنا منذ هجرتنا من البلاد (مالي) بمثل لقاءنا بالشيخ محمد عبد الله المدني، ورأيت عنده تفسير الحافظ ابن كثير فقال لي اقرأ علي منه، وقرأت عليه في ليلة ظلماء على فانوس صغير كاد أن يذهب بصري من ضعفه". 136ـ وسمعته يقول: "الفاداني عنده أسانيد للمتأخرين لا توجد عند غيره وهو حافظ للأسانيد وقد اجازني سنة 1367هـ ذهبت إليه في المدرسة التي يدرس فيها وسلمت عليه وقلت له نحن معشر الأفارقة نرغب في نيل الأسانيد فإن شئت أن تختبرني قبل الإجازة فأنا مستعد فقال لي خذ القلم والورقة فأجازني بدون اختبار وقد توفي وعمره مائة سنة". 137ـ وسمعته يقول: "تراث السلف الذي صُوّر للجامعة الإسلامية أغلبه في عهد الشيخ عبد المحسن العباد عندما كان رئيسًا للجامعة الإسلامية". 138ـ وسمعته يقول: "صاحب تحقيق الخلاصة للخزرجي رجل متكلم عندما رحلت الى مصر ذهبت الى بيته فلم أجده، وكان قد طلب منى إذا زرت مصر أن أزوره". 139ـ وسمعته يقول: "قصة الشيخ حامد فقي التي ذكر فيها دخوله في عقيدة السلف وحبه لها قصها علينا سنة 1367هـ في الدرس. وكان الشيخ حامد فقي إذا مرت به آية تتحدث عن الشرك وذلك أثناء درسه فى الحرم المكي يصرخ بها ويرفع بها صوته".

140ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ إسماعيل الأنصاري قل علم إلا وله منه نصيب، وهو رجل مطلع". 141ـ وسمعته يقول: "الشيخ عبد الله زايد وصالح الفوزان واللحيدان وعبد المحسن العباد كانوا يَدْرُسُون بكلية الشريعة في الرياض وكنت أُدَرِّسُهم فيها وكانت الرياض في ذلك الوقت قد أطلق عليها رياض العلم، وكانت المساجد معمورة بالعلماء، والعلماء كلمتهم مسموعة ومن لم يدرك ذلك العهد لم يدرك الرجال وكانت كلية الشريعة بالرياض مكتظة بالفحول من علماء مصر أبناء التسعين وأقل، وكنا نُدَرِّسُ في هذه الكلية طلاباً أبناء ستين سنة وخمسين سنة وكان بعض الطلاب إذا تخرج من الثانوية يتقاعد لكبر سنه". 142ـ وسمعته يقول: "كان الشيخ الأمين الشنقيطي صاحب التفسير معنا بالرياض يدرس فى كلية الشريعة وانتقل الى المدينة قبلي، وكان جاراً لي في المسكن وكنت أتذاكر معه في علم الفلسفة وأصول الفقه". 143ـ وسمعته يقول: "الشيخ عبد العزيز بن مرشد لم يكن أحد أعلم منه في الرياض في وقته وهو موجود الآن". قلت: قال الوالد لنا هذه الفائدة في عام 1412هـ في الشهر الثالث لأربعة أيام مضين منه. 144ـ وسمعته يقول: "الشيخ حمد الجاسر مؤرخ كبير". 145ـ وسمعته يقول: "راشد الغنوشي أعرفه التقيت به في تونس وكان من أكبر الأخوان المسلمين". 146ـ وسمعته يقول: "رأيت في المنام الشيخ أبا بكر الجزائري يمشي وهو لابس لباساً لم أر أحداً في الدنيا لابسا مثله ومعه شخص آخر لابسٌ لباساً أقل منه، فأولته بلباس التقوي".

147ـ وسمعته يقول: "شيخ الأزهر عبد الحليم محمود الذي كان مفتي مصر أكبر صوفي في الدنيا". 148ـ وسمعته يقول: "إن مريم الغزالي رايتها امرأة طويلة، وهي من جماعة الأخوان المسلمين، وكانت توزع الطعام على مساكين المدينة النبوية وتطعمهم في كل حج وأنا أرى أن عملها هذا دعاية لنشر طريقة الأخوان، وكانت عالمة". 149ـ وسمعته يقول: "إن محمد المسعري رجل خطير وفيلسوف". 150ـ وسمعته يقول: "إن محمد قطب شقيق سيد قطب أشعري خطير، وقد ألّف لوزارة المعارف السعودية كتاباً في التوحيد وهذا الكتاب كله علم كلام وفلسفة". 151ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ الألباني قد سهل لنا المسند تسهيلاً جيداً جداً حيث عمل فهرساً للصحابة المذكورين فيه، وكنا قبل ذلك نتعب تعباً كبيراً في الحصول على الحديث". 152ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ تقي الدين الهلالي المغربي كان في اللغة العربية إماماً، وكان على مذهب الظاهرية، وهو شيخي استفدت منه كثيراً، وكان سلفي العقيدة لو قرأت كتابه في التوحيد لعلمت أنه لا يعرف التوحيد الذي في القرآن مثله، وقد ألف رسالة اسمها الصبح السافر فيما ورد في صلاة المسافر. قلت له لما ألفها: قولك في هذه الرسالة شاذ، وكان -رحمه الله تعالى- كلما أشكل عليه حديث يأتيني ويسألني عنه وقلت له مرة: لولا شدتك لتعلم أهل المغرب عقيدة السلف منك، فقال لي: أما تدري أن بشدتي انتشرت دعوتي".

قال الوالد: "والشيخ تقي الدين الهلالي لم يستفد منه أهل المغرب، وقد كان على علم كثير وكان من أهل المغرب ناس يبغضونه ويقولون له: أنت وهابي". 153ـ وسمعته يقول: "إن الحافظ السيوطي يعتبر موسوعة علمية كبيرة ويندر علم إلا وقد ألف فيه كتاباً ماعدا علم الحساب، وقد استفيد منه أكثر مما استفيد من غيره وبعض أهل العلم يطلق عليه الخيوطي بدلاً من السيوطي ويقصدون بقولهم الخيوطي: لتمسكه بالخيوط أي أنه ضعيف وهو ليس كما زعموا". 154ـ وسمعته يقول: "في سنة 1367هـ أرسل الي الشيخ راغب الطباخ- المحدِّث- إجازته لي بمروياته". 155ـ وسمعته يقول: "كنت بمكة أُدَرِّسُ بمدرسة الصولتية صحيح البخاري والفقه المالكي والموطأ للإمام مالك". 156ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ الألباني خرج من المدينة المنورة قبل ان أسكن بها، ودرس في الجامعة قبلي وما اجتمعت به". قلت (1) : علق الوالد- رحمه الله تعالى- بقوله: وقد تعرفت عليه بعد ذلك وعرفته حق المعرفة". وسمعته يقول: "اجتمعت مع الشيخ حامد فقي مرة وقلت له: إن مصر يندر فيها السلفيون، وأنت سلفي، فمن أين جاءتك السلفية؟ فقال

_ (1) إن الوالد اطلع على أحد الدفاتر التي كنت أُسَجِّلُ فيها ما أسمعه منه في مجالسه المباركة، فحشى عليه بما تقدم. اهـ. (عبد الأول) .

لي: "كنت قد تخرجت من جامعة القاهرة أو الأزهر فأثناء عودتي إلي قريتي حاملاً شهادة الجامعة معي مررت بمزرعة فرأيت شيخاً جالساً وسلمت عليه فقال لي: ما هذا الذي بيديك؟ فقلت شهادة التخرج، وكان بجواره كتاب التوحيد مع شرحه فتح المجيد فقام الشيخ، وذهب لقضاء غرض وأطال الغياب، فأخذت الكتاب أقرأه فجاء الشيخ بعد ذلك فسألته عن هذا الكتاب، وأخبرته أني أُعْجِبْتُ به فأخذ يشرح لي عقيدة السلف، وقال لي: يا بني عليك بنشر التوحيد وعقيدة السلف، فإنك لم تتعلمها في الجامعة التي تخرجت منها ومن بعد ذلك أصبحت أدعو إلى عقيدة السلف وهذا الشيخ كان فلاحاً في هذا المزرعة". 158ـ قال الوالد -رحمه الله تعالى- لأحد الحاضرين في مكتبته -حفظها الله-: إذا أردت أن تعرف حامد فقي جيداً فتعال عندي وقد كنت أحضر مجالسه بكثرة، وإذا حضر في الحج الى مكة أرحل إليه للالتقاء به وأحضر حلقته الكبيرة بالمسجد الحرام عند باب علي -رضي الله عنه-، وقد أذن له الملك عبد العزيز بالتدريس، وكان الشيخ -رحمه الله تعالى- يذكر في بعض دروسه نكتاً مضحكة فإذا ذكرها كنا نستأنس بها ونضحك، وكان رحمه الله تعالى ذا لحية بيضاء تضرب على صدره عريضة وقد حدث له موقف مع مشايخ نجد، وذلك أنه رحمه الله قد علق على كتاب مدارج السالكين لابن القيم تعليقاً فيه تأنيب لابن القيم فما أعجبهم ذلك، فحصل بينه وبينهم محادة فرجع الى مصر فمات بها في تلك السنة". 159ـ وسمعته يقول: "إن زكريا بيلا أندنوسي من أهل مكة كنت اجتمع معه في الحرم المكي لمدارسة العلم، وكان يتمنى أن يلاحظ عليَّ شيئاً يضحكه مِنِّي، ولكنه لم ير ولله الحمد".

160ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ عمر حمدان لازمته متأخراً أظن الوالد يعني- في آخر حياة عُمر حمدان، والشيخ عبد الرزاق حمزة ما أجازني إنما أخذت عنه إجازة بالواسطة والشيخ حسن مشاط وأمين كتبي قد التقيت بهم في سنة 1367هـ وذلك أول لقائي بهم، ولم آخذ الإجازة عنهم إلا بواسطة. يعني: عن عمر حمدان وعبد الرزاق حمزة وأمين كتبي فقط. وأما حسن مشاط فيروي عنه بدون واسطة. 161ـ وسمعته يقول: "سألت عن القلعجي الذي يحقق كتب العلم -لما كنت بمصر- رجلاً ثقة فقال لي هذا رجل بيطري، ترك البيطرة واشتغل بتحقيق كتب العلم ونشرها للتجارة وجمع المال، ويجمع الشباب والشابات المتبنطلات لهذا الغرض". 162ـ وسمعته يقول: "إنَّ محمد الصنعاني كان جاراً لي في الحرة الشرقية، وكان أدبياً، يأتي بأدبيات نادرة. قلت: هذا الرجل اعرفه يمني من صنعاء مكث في المدينة وقتا طويلا". 163ـ وسمعته يقول: "الشيخ عبد العزيز المرشد من أعلم أهل نجد، وكنت أتذاكَرُ معه في كتب ابن تيميه وابن القيم". 164ـ وسمعته يقول: "إن صاحب كتاب -بستان الأزهار اختصار نيل الاوطار- من مشايخي، استفدت منه كثيراً وقد أهدى لي كتابه هذا وهو يسكن بحائل أو الجوف". قلت: "الشك مني" والمؤلف لهذا الكتاب هو الشيخُ آل مبارك، وكتابه مطبوع، وموجود ضمن مكتبة الوالد -رحمه الله تعالى-".

165ـ وسمعته يقول: "ان الشيخ عبد المحسن العباد ما رأت عيني مثله في الورع، ثم ذكر قصة الورقة." قلت: وقد تقدم ذكر قصة هذه الورقة. 166ـ وسمعته يقول: "كان الشيخ عبد المحسن العباد أثناء رئاسته للجامعة الإسلامية يأتي بالمدرسين من الخارج وإن كان بعضهم صاحب بدعة ولكن بشرط ألا يكون داعية". 167ـ وسمعته يقول: "الشيخ بن قعود دَرَّسته والغديان كذلك والغديان كان يحضر عندي في البيت للدراسة. قلت: ابن قعود- محمد أو عبد الله- والغديان عضو الإفتاء، واسمه عبد الله. 168ـ سمعته يقول: "الشيخ بن قاسم جامع الفتاوى كنت ملازماً له ملازمة واسعة، وأنا الذي رتبت له مكتبته الخاصة في سبع سنين وخدمته في جمعه للفتاوى وكنت أخرج معه الى البر نتدارس العلم". 169ـ وسمعته يقول: "إن النصيرية قتلوا أحد الدعاة نشر كتاباً ضدهم في أسبانيا أسمه نزار الصباغ، وكان شاباً لبقاً حسن الخلق نشيطاً في الدعوة، وهو رئيس جماعة الإخوان المسلمين هناك، وقد التقيت به في أسبانيا". 170ـ وسمعته يقول: "إن ملا علي خاطر كنت أظن أنه له اشتغال بعلم الحديث فلما نظرت في كتابه فضائل المدينة أدركت أنه لا يعرف اصطلاح أهل الحديث". 171ـ وسمعته يقول: "إن الحضرمي الأردني الذي ظهر هذه الأيام بكتاباته خرافي خطير مبتدع ضال لا يعرف كتب السلف".

قلت: يعني بالحضرمي: السقاف الذي ألف كتبًا في الرد على الشيخ الألباني. 172ـ وقال الوالد: "إن عمي -أحمد محمد الملقب (البحر) لم يدرس في النحو إلا ملحة الإعراب للحريري ومع هذا فقد دَرَّس الكافية والخلاصة والأشموني وغيرها للطلاب. 173ـ قال الوالد: "ليست عندي إجازة في الحديث من الشيخ المعلمي، إنما عندي إجازة من مشايخه الهنود والمعلمي شيخي كنت معه حتى مات." 174ـ إن عمي الملقب (بالبحر) لم يكن خطاطاً ولم يكتب شيئاً بيده وإنما كان يُمْلِي علينا ونكتب. ثم قال الوالد: نحن جماعتنا لم يكن فيهم خطاط وأنا لست من الخطاطين. قلت: يعني بجماعته: من عاشرهم من المشايخ وطلبة العلم في البلاد (مالي) . 175ـ سمعت الوالد يقول عن الشيخ عطية سالم: "هذا القاضي الكبير". 176ـ قال الوالد: "إن يوسف المطلق رجل عظيم محب للعلم وكان من تلامذتي وكان يلازمني." 177ـ قال الوالد: "إن الشيخ ناصر الألباني اعرفه جيداً ولم أدركه في الجامعة الإسلامية لأني لما جئت إليها كان قد خرج منها". قال الوالد: "إن أكرم الشريف شيخي في البلاد –مالي- هو رجل عظيم وقد أصيب في فتنة أدرنبوكار في سنة 1336هـ حيث كان الغزاة في هذه الفتنة يقتلون الأطفال وغيرهم وكان شيخي من جملة الأطفال

فأخذ ليقتل كما قتل غيره من الأطفال فلما أخذ أحد الغزاة السكين ليقطع رقبته قام أحد الغزاة فنزع شيخي وهو طفل من يد القاطع وقد مس السكين رقبته فجرحها ولا تزال علامة مسة السكين في رقبته إلى أيام تدريسه لنا وكان يرينا إياها". 179ـ قال الوالد: "إن الشيخ الألباني درس العلم دراسة وافية واتخذ إصلاح الساعات معيشة له كما كان يفعل الأئمة الأوائل فإن كل واحد منهم له صنعة لمعيشته فمثلاً أبي حنيفة كان قماشاً". 180ـ قال الوالد: "أول مرة رأيت الألباني فيها سنة 1374هـ عند الشيخ عبد العزيز بن باز في الرياض، وكان عندما رأيته يحمل معه تخريج سنن أبي داود له وهو يقرأ منه على الشيخ، فقال له الشيخ عبد العزيز: هذا الكتاب ينبغي أن يقرأ كله ثم يطبع، ثم انفض المجلس ولم أرَ الشيخ الألباني بعدها إلا لما أصبح يدرس في الجامعة الإسلامية". قلت: لعل الوالد زار المدينة تلك الفترة فرأى الشيخ الألباني فيها. 181ـ قال رجل للوالد: "إنني التقيت بالشيخ محمد السبيل (إمام المسجد الحرام) وَعيَّدتُ عليه، فقال له الوالد: نِعم من رأيت". 182ـ سمعته يقول: "إن عبد القدوس الأنصاري ذهب إليه رجل من الناس فقال له إن حماد الأنصاري يقول: "إنك لست بأنصاري وسبَّبَ هذا الرجل نُفْرَهً بيني وبين عبد القدوس وقد كذب هذا الرجل فيما قال، فإن عبد القدوس الأنصاري ابن عمي في النسب". 183ـ قال الوالد: "إن صاحب كتاب (تنبيه المسلم) على تعدي الألباني على صحيح مسلم ليس له ذوق ولاعلم."

184ـ قال الوالد: "إن صنيع الشيخ الألباني في الكتب الأربعة وذلك بتقسيمها إلى صحيح وضعيف هو تمزيق لها، وهو عمل لم يُسْبَقْ إليه، وعمله هذا يعني أن هذه الكتب الأربعة من تأليفه لامن تأليف أصحابها، والمفروض أنه لما عُرِضَ عليه هذا العمل أن يمتنع عنه، فقال الشيخ عبد الرحمن محي الدين: أليس عمله هذا إجتهاد منه؟ فقال الوالد: هذا اجتهاد خاطئ وليس كل إجتهاد صحيح." 185ـ سمعته يقول للشيخ بكر أبو زيد وهو يخاطبه في الهاتف: "أنت الأستاذ الكبير". وسمعته يقول له أيضاً: "لقد أفدتنا كثيراً"، وكان أثناء ما هو يخاطبه يمازحه ويضحك معه. 186ـ قال الوالد: "كنت مرة مع الشيخ ابن عوده في مجلس بعض العلماء بالمدينة النبوية، فأحضروا القهوة بدون تمر فقلت: قهوة بلا قدوع لا تسمن ولا تغني من جوع، كصلاة بلا خشوع، فلما سمعها ابن عودة ضحك فقال للقائم على القهوة: اذهب وأت بتمر فذهب وأتى به. قال الوالد فأصبح ابن عودة كلما جلس في مجلس يحكي هذه الكلمة عنَّي وأنا أتعجب من كونه يحكيها عني وأنا إنما سمعتها من قومه أهل نجد." 187ـ قال الوالد: "كان معنا في الرياض من مشايخ دولة مصر الجهابذة مئتي شيخ وهم أصحاب الكاكولات"، قلت الكاكولات هي: زِيٌّ خاص بكبار العلماء بمصر. قال الوالد: "الشيخ الألباني فتح بكتابه الحجاب باباً للعامة، وليته لم يفعل، والعلماء من قديم كانوا لا يفتحون للعامة الباب في مثل

هذه المسألة أو غيرها، قال: وكذلك توسع الشيخ الألباني في مسألة عدم كفر تارك الصلاة فتح الباب أمام العامَّة فيه، وهذا لا ينبغي من عالم مثله". قلت: ويعني بالباب الذي فُتح في مسألة الحجاب هو: قيام المرأة بكشف وجهها مطلقًا. ويعني بالباب الذى فتحه في مسألة كفر تارك الصلاة خشية التساهل من العامة في أداء الصلاة المفروضة. ثم قال الوالد: "إن الشيخ الألباني له شواذ تتبعها وأفتى بها وهذا لا ينبغي إنما كان عليه أن يبحثها لنفسه ولايفتي بها العامة". 189ـ قال الوالد: "إن الشيخ حمود التو يجري -رحمه الله تعالى- أجازني بمروياته وذلك أثناء زيارته لنا في مجلس الإشراف وأملى علي الإجازة". قلت: مجلس الإشراف هو مجلس يجتمع فيه جملة من المشايخ والقضاة برئاسة الشيخ عبد الله الزاحم في هذا الوقت، وهو يشرف على دروس المسجد النبوي، وهذا المجلس يعقد مرتين في الأسبوع ليلة الثلاثاء وليلة السبت. 190ـ قال الوالد: "لما كنت في دمشق كنت أزورُ الألباني في بيته في سفح جبل قاسيون، أسهر عنده بعد العشاء حتى يذهب الليل، وذلك لأنظر في كتبه ومكتبته لابأس بها وان الشام حُرمت من الشيخ ناصر الألباني فهو لا يوجد مثله في الشام، خاصة في تخصصه." 191ـ سمعته يقول: "أنا خرجت من البلاد سنة 1365هـ وخرج الشيخ إسماعيل الأنصاري سنة 1369هـ". سمعته يقول: "لما كنت في الرياض كنا نجتمع كل يوم مع الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بعد العصر وبعد المغرب، وكان الشيخ محمد

ابن إبراهيم آل الشيخ كثيراً ما يمازحني، وكان يُكَنَّيني بأبي زيد، وأنابني بدلاً منه في الدرس بعد صلاة الصبح، وكان الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ إذا أتيناه ضيوفاً عليه يعمل لنا بادية، وهي عبارة عن صحن كبير مليء بالطعام لا يحملها إلا أربعة رجال، وهذه البادية لاتكون إلا عند الأمراء أو الشيوخ الكبار". 193ـ قال الوالد: "إن عمي البحر شقيق لوالدي". 194ـ سمعته يقول: "إن حذيفة جد الشيخ عمار كان عالماً كبيراً." قلت: عمار بن حذيفة الأنصاري من سكان مكة المكرمة وهو ابن عم الوالد نسبا"ً. 195ـ قال الوالد: "إن الشيخ شعيب الأرنؤوط فَنَّي لا علمي". قلت: يعني: تحقيقاته للكتب عمله فيها فني لا علمي. 196ـ قال الوالد: "إن بشار عواد مؤرخ، سمعته يقولها أكثر من مرة." 197ـ وقال الوالد: "البوطي أعرفه التقيت به بدمشق، وهو أكبر خرافي اليوم". 198ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ عبد الله الغنيمان كان كلما عاد من القصيم يُهْدِي إليَّ من تمر نخله". 199ـ وسمعته يقول: "إن عمي البحر يحفظ صحيح البخاري بالأسانيد، وكان هو القارئ في البخاري في أيام رمضان حيث إن العادة في البلاد أنهم يُجزءون صحيح الإمام البخاري الى ثلاثين جزءً يقرأون كل يوم جزء منه."

200 ـ وسمعته يقول: "التقيت بالترابي في المدينة المنورة وعرفت اتجاهه". قلت: كان الوالد رحمه الله تعالى يذم الترابي ولا يمدحه، ومرة قرأ أحد طلبة العلم السودانيين واسمه عارف على الوالد مذكرة فيها أقوال الترابي وأفعاله في السودان فقلما قرأ هذا الطالب شيئاً من أفعال الترابي وأقواله إلا يقول الوالد: معلقاً على بعض عبارات الترابي المنقولة هذه عبارة كفر هذه عبارة كفر وهكذا. 201 ـ سمعته يقول: "حججت مرة فالتقيت بشيخ فلسطيني اسمه عبد الحفيظ عليه سِمَةُ أهل العلم وذلك سنة 1367هـ ومعه مذياع وكنت في ذلك الوقت لا أعرف المذياع فقلت له ما هذه الآلة التي تتكلم؟ فقال لي: المذياع، فقلت له: ما هذا الذي يذاع؟، فقال: الحرب بين اليهود والجرب، فقلت: لم تقول لهم جرب؟، فقال: هؤلاء جرب وحربهم مع اليهود لنصرة اليهود لا لنصرة الإسلام". 202 ـ قال الوالد: "إن عبد الله الغماري كانت له مكتبة فيها مراجع قل أن توجد عند غيره ومرة رأيت له نقلاً من كتاب لإبن دقيق العيد عنوانه (ما خالف فيه الأئمة النصوص) وبعد أن ينتهي من النقل من هذا الكتاب يقول "هذا النقل من نسختي" وطلبت منه هذه النسخة فأبى عليَّ جداً. وسمعته يقول: "إن أحمد الغماري عالم كبير لم أر مثل كتابه (الإقليد في ذم التقليد) يعني في بابه، وهو في توحيد العبادة خرافي وفي توحيد الأسماء والصفات جيد فقد ألف كتاباً في جواز البناء على القبور وكتابه الإقليد في الأسماء والصفات- ثم قال الوالد: وأحمد الغماري لم يوجد في سعة

الاطلاع مثله في المغرب بعد القرن الرابع عشر وقد كشف عن أمورٍ لم يكشف عنها غيره، وعنده نوادر وشواذ) . 204ـ وقال الوالد: (إن الشيخ تقي الدين الهلالي صحبته في أثناء تدريسه في الجامعة الإسلامية، وكان جاراً لي بالمدينة، وكان -رحمه الله تعالى- مصاباً بالربو وكان يؤثر عليه جدا"ً. 205ـ قال الوالد: "كان الشيخ عبد العزيز بن باز قاضياً في قرية الدلم فترك القضاء فيها بأمر من الملك عبد العزيز وذلك لأنه كان يقضي بأن الطلاق الثلاث واحدة ثم بعد فترة عُيَّن مدرساً وكنت أُدَرِّس معه ثلاثين سنة والشيخ- حفظه الله- عاش في أول أمره عيشة ضيقة وأصبح عليه ديون كثيرة بسبب إنفاقه على الناس من ماله الخاص وغيره ثم لما عرفه المحسنون أعطوه المال ليوزعه على الفقراء والمساكين وكان ثقة عندهم ثم بعد وقت جعل لنفسه وكلاء في كل مدينة يوزعون الأموال بالنيابة عنه ولم أر مثل الشيخ في الإنفاق أبداً وقد أدركت كثيراً من المشائخ". 206ـ وسمعته يقول: "لم يبق في تونس من أهل العلم إلا الشاذلي النَّفر." 207ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ المجذوب الشامي عندما كان في الجامعة الإسلامية كان نشيطاً في كل عمل يعمله، وهو الآن مسن وملازم للفراش". قلت: قال الوالد -رحمه الله تعالى- هذا الكلام سنة 1415هـ في شهر ذي القعدة. قلت: والمجذوب توفي سنة 1420هـ بسوريا.

208ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ العتيق عالم كبير وبارز في كل العلوم. قلت: العتيق شيخ من مشيخة بلاد مالي وقد أجاز الوالد في علم الحديث وهو من أقرانه في السن. ثم قال الوالد: وإن العتيق إمام في علم الصرف والنحو تُضْربُ إليه أكباد الإبل. 209ـ وسمعته يقول: "إن أحمد شاكر عمله في المسند يضاهي عمل المتقدمين وقد احسن في عمله هذا". قلت: كان الوالد- رحمه الله تعالى- يثني كثيراً على أحمد شاكر وعمله في المسند. 210ـ قال الوالد: "إن الشيخ محمد عبد الله المدني لما قدم إلى البلاد (مالي) أخذ يدعو الى عقيدة السلف وقد نفع الله به كثيراً وقام بنشاط كبير في نشر العقيدة السلفية وقد ألفت كتاباً (1) ذكرت فيه نشاطه هذا وذلك سنة 1373هـ وقد توفي الشيخ في السنة التي توفي فيها الملك عبد العزيز". 211ـ وسمعته يقول: "إن الشايقي كان جاراً لي في المصانع ومن خواص أصحابي، وكان يحضر درسي في الجامعة بالكلية يجلس مع الطلاب". قلت: الشايقي هذا لا أعرفه.

_ (1) قلت: وهذا الكتاب الذي ألفه الوالد عن محمد عبد الله المدني موجودٌ ضمن هذا المصنف. اهـ.

212ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ حامد فقي من شيوخي وهو من أنصار السنة في كل مكان وقد توفي سنة 1379هـ." 213ـ وسمعته يقول: "إن العلامة الطباخ الحلبي محدث جيد." 214ـ وسمعته يقول: "تعرفت على الشيخ الشاعر صالح بن عثيمين سنة 1376هـ بمكة وكان طالب علم حريصًا على الطلب وكان يُجِيد الغوص في السباحة وكانت إحدى رجليه مقطوعة من المفصل وسألته عن سبب انقطاعها فقال لي: قطعتها سمكة كبيرة، ثم قال الوالد: وهذا الشيخ توفي قبل خمسة عشر سنة وقد اتصل بي بعض أهله وقال لي أطلب منك أن تُمْلِيَ علي شيئاً عن حياة الشيخ صالح، فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فقد طلب مني بعض أهل الشيخ صالح بن عثيمين أن أكتب له بعض ما أعرفه عن الشيخ، فأقول إن معلوماتي عن الشيخ صالح قديمة لطول الوقت بيني وبينه فعهدي به سنة 1376هـ وقد انقطع الاتصال بيني وبينه حتى توفي وأسال الله ان يتغمده برحمة منه فبناءً على هذا أذكر ما أحفظ من ذكرياتي حول الشيخ فالشيخ صالح شخصية بارزة ومن العلماء المشاركين في كل علم من العلوم الشرعية، لاسيما في الحديث واللغة والأدب وكانت له مكتبة عامرة، فيها كتب قيمة. وكنت أنا والشيخ علي هندي وراشد الراجح وسليمان القاضي وعبد الرحمن الشعلان إمام الحرم المكي بالتناوب مع الخُليفي، نتذاكر والشيخ صالح معنا في الحديث ونراجع الشيخ صالح فيما أشكل علينا، بالإضافة الى أنه كان كاتباً بارعاً يكتب في الصحف وغيرها." 215ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ حسنين مخلوف يعتبر إماماً وأعرفه معرفة جيدة، التقيت به في هذه البلاد".

216ـ قال الوالد: "إن الشيخ عبد الرحمن الإفريقي كان مدير شعبة الحديث في المدينة النبوية، وكان يجيد اللغة الفرنسية وتعلم في أفريقيا واسم بلدته فيها "فافا" وهي قريبة من (قاوا) وقد هاجر من بلاده الى هذه البلاد فى طلب العلم وهو رحمه الله عالم كبير، وقال الوالد: كان الفا هاشم عالماً كبيراً وهو أيضاً من بلدة (فافا) القريبة من (قاوا) بأفريقيا وله كتاب في نسب الفُلاَّنِيينَ عندي وهو كتاب نفيس جداً". 217ـ وسمعته يقول: "إن مؤلف كتاب "المحدثون الأماجد في زهران وغامد" زميلي أثناء الطلب درسنا معاً سنة 1367هـ على الشيخ عبد الرزاق حمزة والشيخ عبد العزيز الزهراني مؤلف هذا الكتاب عالم كبير وسلفي". 218ـ قال الوالد: "كنت أُدَرِس في الجامعة الإسلامية مادة العقيدة في إحدى الكليات، فأخذت اتكلم عن الأشاعرة ومخالفتهم للسلف الصالح في العقيدة، فاعترض علي عبد الرحيم الطحان وكان من الطلاب قال يا شيخ لا تتكلم في الأشاعرة ورفع صوته، فأردت أن أفهمه، فقال لي أنت تعلمنا العقيدة الوهابية فأمرته بالإنصات إلي، ولكنه أبى، فأمرت أحد الطلبة بإحضار المراقب، فقال الطحان للمراقب: أنت وهابي، ثم حضر الشيخ عبد العزيز بن باز فأخذ يُعَلَّمَهُ ولكن لا فائدة وطوى قيده من الجامعة فسافر إلى مصر ودرس في الأزهر". 219ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ بكر أبو زيد تعلم على يدي وقد تولى القضاء في المدينة النبوية وكان إماماً للحرم النبوي، وكان يكثر الإطلاع في مكتبتي وقلمه سيال وقد أنتج في الموضوعات كتباً ولم ينتج في تحقيق الكتب".

220ـ وسمعته يقول: "إن الحداد يعني به محموداً جاء إليَّ بمخطوطات من أجل المبادلة وكتب عشرة أسماء لمخطوطات موجودة عندي وحققت له رغبته." قلت: وهذا الأمر قد حصل قبل أن يتبين حال الحداد للوالد. ثم سمعت الوالد يقول: "بعد زمن نُقِلَ إليَّ أنَّ الحداد يقول إن كتب المبتدعة يجب إحراقها ومنها كتاب الفتح للحافظ بن حجر وشرح مسلم للنووي، ثم قال الوالد: وهذا الحداد قد سيطر على بعض طلبة العلم، ولا أدري كيف سيطر عليهم، أهو ساحر أم ماذا؟ ثم قال الوالد: لقد غُزِينَا في عُقْرِ دارنا". قلت: وكان الوالد- رحمه الله تعالى- يحذر طلبة العلم من الحداد، ويقول: "إن الشباب يَضِيْعُ بعضهم بسبب الركض خلف كل من هب ودب. 221ـ وسمعته يقول: "لما مرض الشيخ عبد العزيز بن صالح ولزم الفراش فقدنا من يتعاون معنا في حل بعض المشكلات". قلت: عبد العزيز بن صالح إمام المسجد النبوي. 222ـ وسمعته يقول: "إن أبا حبيب الشثري من علماء نجد وهو عالم صاحب طُرفَةٍ، وكان أبو حبيبُ يَدرِّسُ معنا وكان ضعيف النظر والسمع". 223ـ وسمعته يقول: "إن مُلاَّ خاطر طلبت منه تصوير كتاب (الشافي العِي) لابن الأثير فأمتنع عن تصويره لي وهذا الرجل من عادته إذا كان عنده مخطوط لا يخبر به احداً".

224ـ وسمعته يقول: "إن أحمد بن حجر آل طامي كان أشعرياً لما قدم علينا في الرياض، فَتَناوَشَتْهُ العقيدة السلفية من كل مكان فأصبح سلفياً حتى كأنه نشأ عليها. ولما كنت في مكة كان يزورني في البيت نتدارس العلم. 225ـ وسمعته يقول: "إن حكمت بشير من الأكراد وهو مهتم بم يتعلق بالتفسير". 226ـ وسمعته يقول: "اجتمعنا مرة مع الشيخ ابن قاسم ونحن أربعون رجلاً في مكان اسمه المُغيدر وهو قرب الرياض فأخذنا بعض فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية نقرأ فيها وكانت بخط شيخ الإسلام، فما استطعنا مواصلة القراءة بسبب صعوبة قراءة خطه، وأخذنا على ذلك أربعة أيام نحاول قراءته." 227ـ سمعته يقول: "إن كتاب (سبيل الرشاد) للشيخ تقى الدين الهلالي أهداه لي لما التقيت به في دولة المغرب – ثم أرسل إليَّ نسخة أُخرى وأنا بالمدينة النبوية وهذه النسخة أهديتها للشيخ بكر "أبو زيد". 228ـ سمعته يلقب أبا دجانة (عبد القادر السوري) بالرحَّالةِ. وسمعته يقول: "أول ما وصلت الى الرياض سنة 1374 ـ بحثت عن الشيخ عبد العزيز بن باز، حتى التقيت به في مجلس، وسأله أحد الناس عن مسألة فرضية فأجابه عنها بطريقة الحساب الحرفي فسألت الشيخ عمن علمه طريقة الحساب الحرفي؟ فقال إن المشايخ: علمونا إياها. ثم قال الوالد: كنت أظن أنه لا يوجد أحد في آسيا يعرف طريقة الحساب الحرفي، والشيخ عبد العزيز -حفظه الله- يتقن هذا العلم فقد سألته عن هذه الطريقة، فوجدته متقناً لها، وهذا العلم يعرف من خلال نظم مفرد فيه، وهو عبارة عن أحرف إذا عُرِفَ

عرف مقدار كل حرف من العدد تتم به الطريقة الحسابية، فمثلاً رقم 9 حرفه "ط" وهكذا. قلت: كان الوالد -رحمه الله- لا يحسب إلا بهذه الطريقة سواء في الفرائض أو غيرها. قلت: تقدم في بحث (حياته) ذكر الأبيات وشرحها. 230ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ أبا بكر الجزائري رجل فاضل كثير الخدمة لمن قصده". 231ـ وسمعته يقول: "منذ أن عرفت سيد حبيب وذلك سنة 1368هـ ما طلبت منه شيئاً دنيويًّا ثم قال أول معرفتي بسيد حبيب سمعت أن له مكتبة كبيرة، فبحثت عنه حتى وجدت الدليل إليه فذهبت معه، فلما جئت إلى بيته استأذنت فأذن لي بالدخول فكلمته عن مكتبته فسمح لي برؤيتها وأطلعني عليها ثم تركني فيها وذهب الى عمله وقال لي إذا انتهيت من المطالعة فأخبرني". 232ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- أمرني أن أُدَرِسَ في مسجده العقيدة، وكان هذا الدرس عامَّاً يحضره الأمراء والمشايخ والعوام. 233ـ سمعته يقول: "إن أبا حبيب الششري من كبار مشايخ نجد". وسمعته يقول: "إن الشيخ علي هندي كان نشيطاً في المذهب الحنبلي وكان يسكن بمكة في حي ريع اللصوص وكنت صاحباً له من 1368هـ الى أن انتقلت الى الرياض قلت له مرةً: لم لُقبُتم بالهندي وانتم لستم

من الهند؟. قال الوالد: فقال أحد الحاضرين: كلمة أغضبت من فى المجلس وذلك قبل ان يجيب الشيخ على السؤال والكلمة التي قالها هذا الرجل علق عليها الشيخ بتعليق موجود عندي. قلت: قال أحد الحاضرين بالمكتبة للوالد إن الشيخ علي له ترجمة في كتاب (زهر الخمائل في علماء حائل) فقال الوالد: نعم هذا صحيح والكتاب عندي". قلت: والكلمة التي قالها أحد الحاضرين لم يذكرها الوالد عمداً. قلت: والشيخ علي هندي من أهل نجد، وقد توفي بعد الوالد بسنة، أي: عام 1419هـ. 235ـ ما سمعت الوالد قط ذكر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ إلا قال: "أسكنه الله الجنة ومرة قال إنه شيخ لطيف". 236ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ الطيب الأنصاري وابابكر التنبكتي والد محمد الطيب ووالدي والمحمود والد الشيخ عبد الله المدني قَبض عليهم الإيطاليون بين تونس وليبيا ثم أفرجوا عنهم وبينما هم يسيرون قال الشيخ المحمود نسيت كيس من المال "بماي" فمن يأتي به؟ فقال أبو بكر التمبكتي: أنا آتيك به فذهب من تلك البقعة مابين تونس وليبيا إلى "مالي" حتى أتى بالمال فجاء الى الشيخ وهو بالمدينة بعد أن قضوا بالمدينة النبوية وقتاً طويلاً يُعَدُ بالأشهر. ثم قال الوالد: قال لي الشيخ أبو بكر لما أتيت بهذا المال لم يكن في وجهي شعرة واحدة، وسافرت على الجمل للإتيان بالمال". 237ـ وسمعته يقول: "إن شيخي في العقيدة السلفية عبد الله بن المحمود المدني".

238ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ الزغيبي كان شيخاً لي، وكان يؤم الناس في المسجد النبوي". 239ـ وسمعته يقول: "إن سيد قطب في توحيد الأسماء والصفات أشعري، وسبب قتله أنه دعى إلى تحكيم شرع الله تعالى". 240ـ وسمعته يقول: "أعرف الشيخ أحمد شاكر ومحمود شاكر قديماً منذ سنة 1374 هـ ومحمود شاكر اجتمعت به بمصر مرتين في بيته وهو أديب ولغوي كبير وأما أحمد شاكر فهو محدث كبير ما جاء بعده في مصر من اشتغل بعلم الحديث مثله". 241ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ عبد الرحمن السعدي أعرفه تماماً كان يزور الرياض كثيراً وتعرفت عليه". 242ـ وسمعته يقول: "إن ابن شلهوب كان تلميذ الشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ الخاص". 243ـ وسمعته يقول: "أن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ عالم بالفرائض". 244ـ وسمعته يقول: "إن الشاذلي النَّفر لا يوجد كتاب من كتب المالكية إلا عنده منه نسخة". 245ـ وسمعته يقول: "إن سيد قطب له حزبية كبيرة وزبائن كثر". وسمعته يقول: "دَرَسْتُ المذهب الحنبلي على يد الشيخ محمد الخيال -رحمه الله تعالى- وذلك سنة 1369هـ وكان رئيس المحكمة في

ذلك الوقت، ومراقب على الدروس العلمية ومراقبته هذه من أجل أن لا يُلْقَى في هذه الدروس شيٌء مخالف لعقيدة السلف". 247ـ قال الشيخ حماد -رحمه الله تعالى-: "قابلت ببور سودان حال مروري بها الى المملكة العربية السعودية الشيخ أبا طاهر السواكني -رحمه الله تعالى- وجلست في حلقته وكان من أهل الحديث وكان سبباً فى انتقالي إلى علم الحديث فأشتريت من بور سودان كتب الحديث وقال الشيخ حماد: إن الشيخ السواكني كان شديداً جداً يمنع السؤال في درسه منعاً باتاً ويُعنَّف من يسأله". قلت: وهذه الفائدة كتبها لي الأخ الفاضل نزار السوداني. 248ـ قال الوالد: "إن الشايقي كان يُدَرِّس في الجامعة الإسلامية، وكان دائمًا يكونُ عندي في مكتبتي". 249ـ قال الوالد: "إن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- إمام ليس بعالم فقط". ثم قال الوالد: "كان الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ لا يكلّمُه أحدٌ إلا أنا، فقد كنت أكلّمُه". ثم قال الوالد: "ما أظنّ أن بريدة وعنيزة ولدت مثلَه، وهو عالمٌ كبير". قال الوالد: "إن الشيخ عبد الله بن المحمود المدني استأذن الملك عبد العزيز -رحمه الله- في الرحيل إلى أفريقيا للدعوة، فأذن له، فلما وصل الشيخ إلى أفريقيا فتح مدرسةً للقرآن والتوحيد السلفي، فاستفدنا نحن الصغار منها، ولم ينتفع الكبار منها". ثم قال الوالد: "وأخذ الشيخ في الدعوة هناك ثلاثين سنة، وتوفي سنة 1373هـ". ثم قال: "إن الشيخ عبد الله المدني سبب

خروجه من المدينة: أهل المدينة، وذلك أنه كان إذا خرج إلى الصلاة لا يترك دكّانًا مفتوحًا، ولا يؤمّ الناس في المسجد النبوي حتى تغلق، فشكاه الناسُ إلى الملك عبد العزيز، فلما وصلته الشكوى كتب إليه الملك عبد العزيز –رحمه الله-: أنا على يقين أنّ أهل المدينة غير صادقين، ولكن درءاً للفوضى أرجو أن تكتب استقالتك، فكتب الشيخ، وذهب بعدها إلى البلاد (مالي) ". ثم قال الوالد: "والشيخ عبد الله المدني دخل أفريقيا سنة 1357هـ". ثم قال الوالد: "إن الشيخ عبد الله المدني له قصيدةٌ في وصف رحلته إلى أفريقيا وأسماء البلاد التي مرّ بها، ثم دخل بعد ذلك في المقصود، وهذه القصيدة سبعون بيتًا أو قريبًا من المائة. وأخذت هذه القصيدة منه لأني كنت في صدد الكتابة عنه، فما كتبت عنه إلا بعد ما مات، وسميّت كتابي (جهود الشيخ عبد الله المدني في أفريقيا الغربية) ". 251ـ وقال الوالد: "لما دخلت السودان سنة 1367هـ رأيتُ طاهر السواكني فإذا هو حافظٌ كبير، وله حلقة كبيرة". ثم قال: "التقيت في السودان بموسى عبد الحفيظ، وهو أيضًا بعد طاهر في العلم والحفظ". 252ـ قال الوالد: "إن الشيخ حامد الفقي يُكْنَى بأبي عادل".

حياة الشيخ محمد عبد الله المدني

حياة الشيخ محمد عبد الله المدني مدخل ... بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي وعليه اتّكالي الحمد لله الذي يَقضي ولا يُقضى عليه، الجاعل لكل شيءٍ سببًا يُفضي إليه، المتفضِّل بالهداية على الراغب فيما لديه، سبحان من لا ينقضي فيَضانُ يديه. والصلاة والسلام على سلالة معد وعدنان نبيِّنا محمد الذي قصم بالحق ظهور من خان، وهاجر من مرابض الكفر والأوثان حتى نصره الله على الأعداء بآيات القرآن، وعلى آله وصحبه المؤتسين بهديه، الرادعين كل غاوٍ عن غيِّه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الجزاء عن الأديان. وبعد: فإني قد كنت عزمتُ منذ زمان على تنقيح خلاصة فيمن هاجر من الإخوان من مواطنهم التي استولت عليها يد العدوان، فلم يتيسّر ذلك حتى مضت أعوام وأنا مع ذلك في كل يوم من الأيام أقدِّمُ رجلاً وأؤخِّر أخرى لإعواز ذلك إلى من أحاط به خُبْرًا. فلما رأيت أن جمع ذلك فيه إحياء أثر يقتدى، صمّمت على تحرير ما فكّرتُ فيها من المبتدى، فقلت مفوِّضًا إلى الله أمري، متوكِّلاً عليه في عسري ويُسري. إنا كنا معشر ثواة الصحراء الكبرى في أفريقيا الغربية قبل حكم فرنسا الذين أذاقوا الناسَ مرًّا، كنا في غاية الراحة والطمأنينة، في بلادٍ مخصبة أمينة. إلا أن لبعض جفاة البرابر فيها إغارات على البيادر، ينهبون ويغصبون كل مَن كانت لهم عليه قدرة، وليس في قلوبهم عليه شفقة ولا رحمة، إلى أنْ سلّط

اللهُ عليهم فرنسا عام 1336هـ فأذاقوا الكبير والصغير والحر والعبد التنكيل المرير، وكانت فرنسا قبل ذلك قد استولت على الصحراء استيلاءً ضعيفًا وليس لهم على الناس حينئذٍ إلا شيء تافه من المال، حصلت عليه هدنة بينهم وبين الناس، ولكنها هدنة غير مؤقتة، ومِن ثَمَّ لما منع البربري الحاكم على الصحراء فهر ابن الإنصار -بكسر الهمزة- لما منع ذلك المبلغ منهم، وأعلن بحربهم في السنة المتقدّم ذكرها هجمت فرنسا على الصحراء هجمة واحدة، حتى قتلت رجالَها ونساءها، وسبت عبيدَها وإماءَها، وأكثروا فيها الفساد إكثارًا هادمًا، واستعمروها استعمارًا ظالمًا فوق استعمار أيّة دولة أجنبية لأيِّ أمة أخرى، وجعلوا على الناس ضريبة سنويّة باهظة على النفوس، مستأصلةً لما معَهم من الفلوس، ومنعوهم من بيع الرقيق، ومن إقامة الحدود على أهل الفسوق، ولم يأذنوا لهم إلاّ فيما لم يصادم استعمارَهم الجائر كالصلاة والزكاة والصيام، وأما الحج فقد حظروه من يوم استيلائهم، بل سدّوا الطريق إليه، لِمَا فيه من صرف المال الذي وضعت تلك الدولة الملعونة يدَها عليه، اللهم إلاّ مَن تسلّل خفيَةً منهم مع الخطر الشديد لو اطلعوا عليه مِن سجنِه ومصادرة كل ما بيديه، وذلك لإحاطتهم بالصحراء من نواحيها الأربع لأجل نيل غرضهم الشنيع من استعمار الناس على غباوة وعزلة من العالَم، لأن الناسَ لو أمكنَهم الهروب منهم لهربوا، ولو علموا بما تريد لزاد ذلك في قلوبهم العداوة. ولم يزل الناس معهم على تلك الحالة الخطرة من عام 1335هـ حتى منَّ الله عليهم بوصول الشيخ محمد عبد الله المدني بن المحمود الشريف التنبكتي من الحجاز عام 1357هـ فدعا الناسَ إلى العقيدة السلفية والعمل بالكتاب والسنة النبوية، وذلك لأنه أدرك ناسًا رُبُّوا على العقيدة الأشعرية الكُلاّبية وعلى التعصّب للآراء الرديّة والإذعان لسلطان الطرق الغوية، واجتهد في عمله ذلك غاية الاجتهاد، فصار الناسُ فيه بين قابل وراد، وبين متذبذبٍ لم يفهم المراد،

وقد بذل جميعَ ما لديه من القوى مضحِّيًا بنفسِه لإنقاذهم من تلك الهُوى، ولم يقض نحبَه -رحمه الله- حتى بيَّن لهم أن طريقة الهجرة مفتوحة، وقد ساعد مَن أرد سلوكَها بإرشاد ونصيحة. جزاه الله على ذلك خيرَ الجزاء، وجعلنا وإيّاه ممن بقي لهم أحسن الثناء.

نسب الشيخ أبي عبد الملك محمد عبد الله المدني

نسب الشيخ أبي عبد الملك محمد عبد الله المدني: هو: أبو عبد الملك الشيخ محمد عبد الله المدني بن الشيخ المحمود بن محمد ابن محمد بن حَمْلاسي بن محمد الملقّب بالمتنقل بن محمد المعروف بولت سكيا ـأي: بالبلد الذي دفن فيه ـ بن محمد الملقب بصاحب الرأس الكبير بن محمد الملقب بصاحب المسجد بن محمد الملقب وانسطفن -يعني: بلده الذي يسكن فيه- بن أحمد الملقب ءايَّ بن أبي الهدى محمد بن أبي بكر بن محمد الملقّب بالرئيس بن ضرار بن أبي جعفر بن محمد بن جعفر المثلّث بن عبد الله بن علي ابن محمد بن أبي جعفر عبيد الله بن عبد الله بن الحسن بن علي بن محمد الملقّب قذار بن علي بن عبيد الله الملقّب بالأدرع بن عبد الله بن الحسن بن علي ابن محمد بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي -رضي الله عنه-. توفي في ثلاث خلون من صفر يوم الخميس سنة 1371هـ كما قال سالم بن محمد اليماني الملقب إِغْلَس: أَشسَعَ الجهلُ نعلَه لثلاث ... صفر قد خلون ذا الطغيان في خميس كم بات قبل لهذا ... شاكس جاهز يُعاني إلى آخر المرثيّة.

وقال عالي في مرثيّته للشيخ محمد عبد الله المدني: أرِّخْ بأشْعَثَ صاحٍ ثُلْمَةَ الدين ... نَجْمُ لدى تِيْنتْكمَّارينَ مدفون قال الفقيه السوقي إسماعيل محمد بن محمد الصالح نجل الولي أحمد ميدي في قصيدة سرد فيها نسب أبي الهدى، قال ما نصُّه: وأبو الهدى هذا الذي هو جدُّنا ... يمني نشأ عند قوم نُقَّد حتى إذا شاع التشيُّع في الورى ... هنّا وغرَّد فيه كل مغرّد ألقى عصا التسيار وهو مهاجر ... بمدائن التكرور أيَّ مسوَّدِ قد حج وهو مع السيوطي مرافقًا ... لهما المغيليّ أبو الهدى بن محمد فله الإجازة بالشفاه عن الفتى ... السيوطي أخي الطريق الأيد قد قال ذا شيخ الطريقة بايعن ... خطّ بترجمة الولي الأسعد ومن الذين أبا الهدى قد عاصروا ... محمود تنبكتو الفسيح الفدف ولقد تواتر عن شرافة من هموا ... أصلي وفرعي قعددا عن قعدد فالشيخ حنّا وشيخنا حماد قد ... مضيا على الإثبات دون تردّد وكذاك هارون الولي وغيرهم ... كمحمد التفسير ثمت أحمد وكذا حذيفة نجل حنا وصنوه ... في العلم والتقوى محمد الحدي أبو الهدى هو ثامن الأجداد في ... خطّ لأقربهم إليّ محمد وكفى لمعرفة الأصول شيخنا ... والشيخ حنا ومن ذكرت هكذا في قصيدة ذكر فيها نسب الدغوغيين وغيرهم من الأشراف في تنبكتو، والقصيدة موجودة عندي بخطِّ الناظم.

وأما الأدرع الذي ينتسب الشيخ إليه فهو لقب أبي جعفر الكوفي الرئيس بها، قيل لقّب بهذا اللّقب لأنه كانت له أدراعٌ كثيرة، أو لأنه قتل أسدًا أدرع، مات بالكوفة ودُفن في الكناسة، وأبوه كان أميرًا بالكوفة من قبل المأمون بن هارون الرشيد. وللأدرع أخٌ هو أبو الحسن علي بن عبيد الله الملقب بباغر، وولد أبي الحسن محمد بن علي بن عبيد الله، ولمحمد هذا لقب وهو (قُذار) -بضم القاف- هكذا في (تاج العروس شرح القاموس) للزبيدي (ص 262 ج5، وج3ص 485) ، و (تبصير المنتبه) للحافظ ابن حجر عند كلمة (باغر، ج 1ص 57، وج3 عند "قذار" ص 1123) ، وقد ذكر الزبيديّ في نفس الشرح أنّه سردَ هذا النسب في كتابه (المشجرات) .

هجرة الشيخ المحمود والد الشيخ عبد الله المدني وجماعته

هجرة الشيخ المحمود والد الشيخ عبد الله المدني وجماعته: هذا وقد كان هو وأبوه المحمود مع جماعة كثيرة من طلبة العلم المهاجرين السابقين الذين أحيوا الهجرة من الصحراء الكبرى بعد أنْ كانت نسيًا منسيًّا. وكانت هجرتهم سنة 1324هـ، وقد لاقوا وكابدوا في طريقِهم إليها من فرنسا غاية المشقّة، لكن لم يثن ذلك من عزمِهم مع بعد الشقّة. وقد مات أبوه الشيخ المحمود التنبكتي المؤسس الأول للهجرة من الصحراء الكبرى مع بعض رفقائه في المدينة النبوية قبل تأسيس هذه الحكومة السعودية، ولم نسمع بعدَهم مهاجرًا من الصحراء لحيلولة فرنسا بين الناس وبين الحج فضلاً عن الهجرة، بل صار اسم الهجرة بعدَهم مهجورًا حتى كأن لم يكن بين طلبة العلم شيئًا مذكورًا، إلى أن قام محرِّر هذه الحروف حماد بن محمد الأنصاري مع بعض الجماعة،

منهم: الشيخ محمد بن محمد أحمد، وعمار ابن الحسن، والمحمود بن عبد الهادي- مهاجرين بإرشادات المجاهد في الله محمد عبد الله (1) الناصح الأوّاه. وقد شرح ووضح لنا أنّه لا مهاجر ولا مفرّ من فرنسا إلاّ إلى الحكومة السعودية التي نُشرت فيها الدعوة السلفية على يد مجدد القرْن الثاني عشر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب القائم بالدعوة إلى الحق والصواب -أثابه الله خير ما جزى من دعا إليه وأناب-.

_ (1) هو صاحب الترجمة. اهـ. عبد الأول.

قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب

قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ... قيام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: هذا وقد كان شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في زمن كان للشرك فيه أرفع منار، فهدمَ أعلامَها ونكّسها على الأدبار، وأسّس دولةً على الكتاب وسنة النبي المختار صلى الله عليه وسلم بمساعدة من الإمام محمد بن سعود. وأما ما سواها من الدول آنذاك فأكثرها خرافات عاتية وبدع كثيرة فاشية، فمن ثمّ آثرنا إليها الإنضمام لنكونَ تحت راية الإسلام، فوصلنا إليها في حياة مؤسِّسها الثاني الذي يهنئ المهاجرين بأحسن التهاني ألا وهو جلالة الملك عبد العزيز آل سعود -أيّد الله دولته غرمًا عن أنف أيّ عدو وحسود-. ثم توالت زمر المهاجرين من الصحراء الكبرى أفواجًا، فوصلت إلى البلاد المقدّسة الجماعة الثانية برئاسة الأمير محمد علي بن الطاهر الأنصاري. ثم الفوج الثالث مع الأخ إسماعيل الأنصاري وغيره، ثم جماعة الشيخ ناجي ابن إبراهيم الهاشمي.

ثم جماعة محمد بن الحسن الهاشمي، ومحمد بن أحمد بعيالهم، والأخ أحمد محمد بن حَمَنُو وعائلته، والأخ نوح بن منصور، وإبراهيم بن إيايا كلهم مع عوائلهم، ووصلوا في سنة 1373هـ. ثم ما زالت أفواجُ المهاجرين يردون من الصحراء الكبرى إلى الحكومة السعودية من شتّى القبائل المختلفة منهاجًا من سنة 1379هـ إلى كتابة هذه العُجالة، وذلك كلّه بسبب ما أخبرَهم به الشيخ محمد عبد الله المدني المؤسس الثاني للهجرة من الصحراءبعد أبيه المحمود مع نشره للعقيدة السلفية الصِّرفة القُحَّة في تلك الصحراء لما أخبرهم به من أنه لم يبق على البسيطة حكومة إسلامية إلاّ الحكومة السعودية، فقد صادفوا ما أخبرَهم به كما أخبرهم لم ينقص ولم يزد. ونرجو من الله أن تكون الحكومة هي المعنيّة بالحديث المعروف: " لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرّهم مَن خذلهم ولا مَن خالفَهم إلى يوم القيامة ". وأكثر من أتى مهاجرًا من الصحراء الكبرى هم البرابر الطوارق الذين لم يعهد لهم سلفٌ في الهجرة، بل هجّيراهم في بلادهم التنافس في الإمرة، إلاّ أنه لما قام الشيخ محمد عبد الله المدني فيهم مقام الناصح المناضل في سبيل الله أثّرت دعوته الصافية في قلوبهم القاسية التي أُشربت حبّ الفساد في الأرض. ثم جاءت مجموعة أخرى من مهاجرة الصحراء الكبرى إلى البلد المقدّس أم القرى، منهم عالِم محمد ـ تلميذ الشيخ محمد عبد الله المدني. وليس أحد ممن جاء باسم الهجرة إلاّ ومعه بعض عياله إلاّ كاتب هذه الحروف، فإنه ليس معه إلاّ شخص واحد من أبناء عمه: عمّار بن الحسن ابن حذيفة الأنصاري، بل ترك جميعَ أهلِه راجيًا من الله القدير على كل شيء أن يعوّضه خيرًا منهم كما عوّض الصحابة -رضوان الله عليهم- إذْ هاجروا وتركوا أهليهم خيرًا كثيرًا وأثابهم أجرًا كبيرًا.

نعم، وقد وفى الله الجميع من مهاجرة الصحراء بما وعد به المهاجرين من السعة في الرزق ليبلوهم أيشكرون أم يكفرون، {ومن شكر فإنما يشكرُ لنفسه ومن كفر فإن الله غنيٌّ عن العالمين} ، وهذه التوسعة مصداقُ قوله تعالى: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعة…} الآية. قال إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة 774هـ في تفسيره الجليل، قال: "في هذه الآية تحريضٌ على الهجرة وترغيبٌ فيها وفي مفارقة المشركين، وأن المؤمن حيث ما ذهب وجد مندوحةً عن المشركين وملجأً يتحصّن فيه، والمراغم المضْطَرَب، ومنه قول النابغة الجعدي: كطود يلاذ بأركانه ... عزيز المراغم والمهرب وقال آخر: إلى بلد غير داني المحلِّ ... بعيد المراغم والمضطربْ وقوله: {وسعَة} يعني: الرزق، قال غيرُ واحدٍ -منهم قتادة- في قوله تعالى: {يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعة} قال: "يجد سعة من الضلالة إلى الهدى ومن القلّة إلى الغنى". هذا، وقد تعلم بعضهم الخياطة كعمّار بن الحسن الأنصاري، ومحمد ابن سهل، ومحمد بن المحمود، وأما الأولاد الصغار فقد انتظموا في المدارس الحكومة طلبة، منهم: محمد محمود الخيّاط، كان في معهد المعلِّمين في مكة المكرّمة، ومحمد بن ناجي، ومرداس بن نافع في المعهد العلمي في الرياض. ولله الحمدُ على هذا الخير الجزيل المستحقّ أن يُقابَل بالشكر الجميل. ومما ينبغي -بل هو واجب على جميع المهاجرين من الصحراء الكبرى- بعد شكرهم لربهم بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر مما يجب عليهم:

الدعاء الدائم بالخير والترحّم على المجاهد الذي أنعم الله به عليهم حتى أخرجهم من ظلمات الجهل والشرك إلى نور العلم والهدى ألا وهو الشيخ محمد عبد الله المدني المولود سنة 1313هـ المتوفى لثلاث خلت من صفر سنة 1371هـ. وهو رجل ربعة، أسمر اللون، أصلع الرأس، توفي عن عمرٍ يناهز ثمانية وخمسين سنة، وله مشاركة جيِّدة في العلوم، وقدم راسخ في التفسير، وعلم الحديث، وعلم العقائد، والسير، وله معرفة بالشعر، تخرّج في دار العلوم الشرعية بالمدينة النبوية.

رحلات الشيخ من المدينة

رحلات الشيخ من المدينة النبوية: أولاً: رحلته إلى الهند: أما رحلتُه إلى شبه القارة الهنديّة: فقد ارتحل إلى الهند سنة 1353هـ بعد استقالته من إمامة الحرم النبوي بالتناوب مع الشيخ صالح الزغيبي. ولما وصل إلى الهند انضمّ إلى جمعية أهل الحديث ببنارس، واستفاد من علماء هذه الجمعية، ومنهم: الشيخ عبد الرحمن المباركفوري صاحب (تحفة الأحوذي) ، وشمس الحق العظيم آبادي صاحب (عون المعبود) ، والحافظ زكريا الكاندهلوي صاحب (أوجز المسالك) الذي قرّظه الشيخ بالتقريظ الآتي إن شاء الله تعالى. ثانيًا: رحلتُه إلى اليمن: وقد ذهب إلى اليمن من أبها، لما جاء إلى أبها من الهند لملاقاة إمام اليمن يحيى. وفي مجيئه إلى أبها عام 1353هـ باشر التدريسَ فيها، ومما درسه: (الأصول الثلاثة) ، وتحفيظ القرآن.

ثم تولى القضاء فيها -أي: أبها- نيابةً عن الشيخ فيصل بن عبد العزيز المبارك مدّة شهرين. وفي رجوعه من صنعاء عاد إلى أبها، وفي أثناء إقامته في أبها تزوّج عمة محمد عبد القادر الحفظي، ولم ينجب منها على ما قاله محمد عبد القادر. وكان من تلامذته الملازمين له في أبها: محمد أحمد أنور العسيري الذي أفادني هذه المعلومات. وقال محمد عبد القادر: كان الشيخ -رحمه الله- يحب التجوال، ولما عاد بتجارة من صنعاء سأله طلبة العلم كيف يشتغل بالتجارة وهو عالِم، فقال: "أنا أحقّ بها لأني أعرف حلالَها من حرامِها". وفي عام 1357هـ سافر من أبها إلى المدينة ولم يَعُدْ إلى أبها. وقال في أبها: ألا سقيًا لأبها من بلاد ... عليل نسيمها يشفي العليلا بلاد ما ألم بها غريب ... فودّ مخيرًا عنها الرحيلا ثالثًا: رحلته إلى أفريقيا: أعني إلى (مِلّي) التي تسمى الآن (مالي) ، وقد ارتحل إليها سنة 1357هـ، ولما وصل إلى تلك البلاد التكرورية أقام فيها مدّة طويلة تبلغ ستّ عشرة سنة يشتغل فيها بأمرين: أولاً: تعليم الناس التوحيد السلفي، والحديث النبوي. ثانيًا: يشتغل بالتجارة، ويذهب فيها إلى النيجر، وإلى نيجيريا، وإلى غانا، وهو على طريقة السلف حيث إنهم يُعلِّمون ويتّجرون لكي يستغنوا عن الناس فيما يتّصل بدنياهم.

وقد استفاد منه عددٌ كبير لا سيّما قبيلته، وكذلك الشباب من غير قبيلته، حتى إنَّ الطوراق تأثّر كثيرٌ منهم بدروسه التي يلقيها في التوحيد. والحاصل: أن الشيخ محمد عبد الله المدين يستحقّ أن يكتب عنه أكثر من هذه العجالة، لو كان معه هناك طلبة علم متحمسون لدعوته السلفية، وذلك لأن الشيخ ما قصّر في توجيه أهله في (مالي) ولا في توجيه غير أهله هناك. ولقد رأيته في نيجيريا في عاصمتها الشمالية (كانو) في بلاد (هوسا) يتجوّل فيها يعلّمهم العقيدة السلفية والحديث. وكذلك في (غانا) التابعة آنذاك لنيجيريا في سنة 1366هـ، ولو كان الشيخ أبو عبد الملك محمد عبد الله المدني غير شديد لانتفع به كثيرون. وقد قال لي أثناء مفارقتي إيّاه: أرجو من الله عز وجل أن يقضي على شدّتي ويمنحني الرفق بالناس. نسأل الله عز وجل أن يجعل جهوده التي قام بها في أفريقيا الغربية في ميزان حسناته، ويلحقه بالصالحين. وأنشد قصيدة دالية ذكر فيها أسماء الأماكن التي مرَّ بها في طريقه إلى مالي، ومطلعُها: ألمع برق سرى من علو أجياد ... فبت ما بين تذكار وتسهاد تنفك ما بين إنشاء وإنشاد ... أم طاف طيف من سعاد فما يضل فيها القطا الكدري والهادي ... أنِّى اهتدت في فيافٍ لا منار بها

جازت ببحر خضم لا قرار له ... لا زال يقذف أزبادًا بأزبادِ عهدي بها غادة هيفاء خُرْعُبة ... لا تستطيع الخطا إلا بإسعاد جازت سواكن (2) فالسلوم (3) عن كثب ... فقطر عَطْبَرة (1) من دون إرشاد فأم درمان فالخرطوم ودمرتِي (5) ... منار تَنْدَلْتِي (4) مأوى كل رواد ثم الأُبَيِّض من قبل النُّهود إلى ... جبال حِلّة دون أم كدَّاد فكبكبية بعد الفاشر اشتبكت ... فيها أفانين أزهار وأوراد ثم الجنية مأوى كل فاكهة ... دار المساليت أمجاد وأنجاد فآدرى (6) ثم ودّاي فآتيةٍ ... فبيكرو ثم فَرْلاَميِّ بلد شاد فأرض كُسْرى (7) فيروى (8) ثم أرض كنو ... من بعدها كشنا جبْيا بتعداد فادخل مُرادى (9) فما داوا بأرض نمي ... فسر إلى آيرو سيرا بإجهاد

_ 1- عطبرة: مدينة بين الخرطوم وبورتسودان. 2- سواكن: ميناء على البحر الأحمر للسودان بجنوب بورتسودان. 3- السلوم: مدينة من مدن السودان. 4- تندلتي: منقطة من تشاد. 5- دمرتي: مدينة من مدن السودان، عاصمة تندلتي. 6- آدرى فما بعدَها: هي مدن تشاديّة. 7- من مدن الكاميرون. 8-من مدن نيجيريا. 9- مرادى فما بعدها: بلاد النيجر.

فادخل لسينا (1) لذات النور تتبعها ... تين فاضماتُ لتيسي أرض إمغاد سقى مرابعها غر السحائب لا ... تنفكّ تهمي بها من دون إفساد وهي قصيدة دالية طويلة، وبقيّتها: أتت قصيدتك الغرّاء منبئة ... عن الوداد بلا ريب وترداد لا ذكر للغوث في الذكر الحكيم ولا ... للقطب كلا ولن يروى بإسناد فقل لمن يدعي الإثبات من سفه ... هاتوا أدلّتكم وأتوا بأشهاد بل ذالكم سَنَنُ الماضين من أمم ... التابعين لآباء وأجداد يا عاليًا فوق أضداد وأنداد ... لا زلت في أرَبَنْدا ركن إرشاد وشد أزرك إِغْلَسْ مَن معارفه ... دكت قوى كل إضلال وإلحاد وقل لأحمدُ لا يكتم نصائحه ... وينشر السنة الغراء في النادي واحْدُ الركاب نحو العلم مجتهدًا ... تظفر بما شئت من إرشاد شرّاد إني استعذت برب العرش خالقنا ... فلا معاذَ بأغواث وأوتاد وقد يعوذ رجالٌ لا خلاق لهم ... بالإنس والجنّ قد باءوا بإبعاد آلَ اليماني لا زلتم جهابذة ... موضحين لخافي العلم والبادي أحييتموا سنة الهادي على زمن ... يَعِزُّ والله محيو سنة الهادي صبرًا جميلاً على ما فيه من إحنِ ... ومن هناتٍ ومن بغيٍ وحسّاد

_ 1- سينا: بلد يفصل بين النيجر ومالي.

فالحق أبلج لا يخفى على أحد ... والشمس شمس بأغوار وأنجاد وحائر جامدٍ في العلم مبتدع ... ما إن له غير إنذار وإيعاد فغير خاف بأن الصبر آخره ... أحلى وأذكى من الحلواء والجادي لكنَّ بابَ النصارى يلتقون به ... وغوثكم لا يُرى في كل آباد وقد زعمتم بأنّ الغوث مركزه ... في بطن مكة مأوى كل قصاد سلوا الحجيج وكم في الدهر من عبر ... هل كان بينهم لُقْيًا بميعاد واهل مكة أدرى بالشعاب فهل ... رأوا بها الغوث في أرجاء أجياد ما الغوثُ إلا إله العرش خالقنا ... سبحانه من حكيم مرشد هادي

أدبه

أدبُه: أولا: تقريظه لكتاب (شرح موطأ الإمام مالك) للشيخ زكريا الكاندهلوي تقريظ الفاضل النبيل والحبر الألمعي الشهير اللوذعي النحرير الجامع بين أنواع العلوم النقلية وأصناف الفنون العقلية العلامة الأديب والفهّامة الأديب الصالح التقي الشيخ محمد عبد الله النتبكتي المدني إمام الحرم المدني بالتناوب مع الشيخ صالح الزغيبي: "بسم الله الرحمن الرحيم. وبه ثقتي. الحمد لله العليِّ الماجد الحميد، الرؤوف الودود، من رفع قدر المنتصبين لخدمة الحديث، وشرح صدر من اتصل بمرفوعه في القديم والحديث، وأعلى درجاتهم مذ أرسلوا أزمة مطايا الطلب والسير الحثيث، وصحّح من متفقههم أدراجًا في مسلسل رحمته كل عليل رثيث. وصلى الله تعالى على من وطّا مسالك الهدى والمدارج، ووضح عن أمته

الآصار وسلك بها أوجز المسالك وأحسن المعارج، وعلى آله وأصحابه الذين وقفوا على سنته أكمل وقوف، ولم يتركوا منقطعًا لضعفه إلا أسندوه، وما شأنُهم التبديل والتحريف وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فإن العالم الأفضل، العالم الأمثل، صدر الأفاضل، بدر المحافل، العلامة المحقق، البحّاثة المدقق، الحبر النحرير، الشيخ الشهير أبو يحيى الحافظ محمد زكريا بن العلامة محمد يحيى شيخ الحديث بمدرسة مظاهر العلوم، لازالت أفنانُ دوحته باسقة، وغيوث معارفه دافقة، ماتوا إلى الملوان، أهداني تصنيفه المجلى، وترصيفه المحلى المسمى "أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك"، فوجدته مرتعًا أُنُفًا لم يقتطف، ومكرعًا قُدُسًا لم يرتشف، رائق المبنى، فائق المعنى. كتاب فيه من غُرَر المعاني ... قلائد لا تنظمها اليدان إذا نُشِرت صحائفه تجلت ... بروضتها أزاهير المعاني ترود العين منه في مرَادٍ ... مريع جاده فيض البنان كيف لا وقد تفجّر ينبوعه من أقلام حِبْر هو البَحْر، فلا غروة أن بدا منه كل سطر بمنزلة سفر، وهو البحر الرائق، وملتقى بحار الدقائق، وكنز العمّال والمحدِّثين، والدرّ المختار، ورياض الصالحين، فجزى الله تعالى مؤلّفَه عن بذل مجهوده وإعمال فكره، وإدمان نظرِه وإدامة سهرِه، إنه لا يضيع أجرَ المصلحين. وقد قرّظته بهذه الكلمات الجديرة بالقصور، وقفيّتها بأبياتٍ خليقة بالتقصير، ورمزت لاسمه وصفته بأول حرف من كل بيت على الطريقة الموسومة بالتشجير، وهي هذه: ش ... شأن المحبة أن يُرَى مَخْفِيًّا ... والدمع يجعله لنا مرئيّا

يهوى المحبّ عن العزول تستّرًا ... لو يستطيع تصبّرًا مرضيًّا خ ... خل الهوى إن النوى تلو الهوى ... متشابهان مرارة وعِتيّا ا ... أحرى بشعرك أن يكون منوهًا ... بالحافظِيْنَ المسند المرويا ل ... لهم على وجه البسيطة رحلة ... برًّا وبحرًا بكرة وعشيّا ح ... حازوا بها ذكرًا جميلاً خالدًا ... في الآخرين معنبرًا مسكيا د ... درست مآثر غيرهم ممن خلا ... والعلم ينشر ما غدا مطويّا ي ... يتعاقبون ذُرى المعارف إن مضى ... سلف بدا خلف له مهديّا ث ... ثجت على أوراقهم أقلامهم ... حبرًا يحور دم الشهيد زكيّا م ... منهم أبو يحيى محمد الذي ... شرح (الموطأ) مخلصًا ووفيّا ح ... حَلَّتْ عبارته (موطأ مالك) ... والروض أبهج ما يرى مَوْشِيّا م ... ملكت أبا يحيى حلاك ودادنا ... لله درُّك مالكًا حنفيّا د ... دعني أحبر فيه مدحًا رائقًا ... جزلا رقيقًا حاضرًا بدويّا ز ... زادت بلاغته ورقّة لفظه ... فتخاله أحيى الفتى الخطفيّا ك ... كان "الموطأ" درة مكنونة ... فشرحتها شرحًا أتى موفيّا ر ... راقت مبانيه لناظره كما ... راقت معانيه فجاء سويّا ي ... يهنيك يا شيخ الحديث مصنَّفٌ ... فاق المجرة راقيًا وعُلِيّا ا ... إذا جا يؤرّخه أبيٌّ ماهر ... حبر الحديث محمد زكريّا سنة 1353هـ. إمامُ الحرم المدني: محمد عبد الله التنبكتي المدني. غفر الله له آمين.

الرد على الكلالي الخرافي: قال الشيخ محمد عبد الله المدني: تبًّا لشيخ السوء لا يلوي على ... قول الإله ولا مقال رسولِ يتلو الكتاب كما تلى الحاخام ... للتوراة والقسيس للإنجيلِ أو كالحمار الحامل الأسفار لا ... يدري الذي فيها من التنزيل وإذا تلى الآيات فهو يخوض ... في التحريف والتأويل والتبديل وقال فيه أيضًا: قد زدت في دين النبي محمد ... سفهًا كما زدت في اسم محمد أوَ ما علمتَ ومثل جهلكَ واضح ... أنّ النحاة للاحن بالمرصد فارجع إلى الخضري تعلمْ أنَّ اَلْ ... ما إن تزاد به ولا في أحمد وقال فيه أيضًا: استوف بالكيل يا كلالِ ... واشرب كئوسًا من النكال واعلم بأن النضال مر ... وأنت أدنى من النضال فإن تكن في الوغي جسورًا ... فعد إلى ساحة القتال آثرت للشر مستطيرًا ... فبؤ بما فيه من وبال وإن تجيء راجيًا لعفو ... فالعفو من شيمة الرجال والنصر حلف الأولى تفانوا ... في حب مولاي ذي الجلال لم يشركوا بالإله غوثًا ... وما أتوا بابتداع غال

لم يعدلوا بالكتاب قولاً ... كفعل غُمْر أخي ضلال وقول خير الورى لديهم ... أهدى وأولى من كل قالي صلاة ربي بلا انقطاع ... ولا انتهاء ولا زوال على إمام الورى جميعًا ... والصحب والآل خير آل وفيه أيضًا: خب الكلالي إلى العلياء طاقته ... فضلَّ عنها فلم يلحق ولم يصل قل للكلالي طريق المجد مُجْهدةٌ ... من لم تصله عرى العلياء ينفصل أتى الكلالي المعالي وهو يخطبها ... فجدعته ونحته عن الأمل الشوق إلى وطنه المدينة النبوية: قال الشيخ محمد عبد الله المدني: إلى الله أشكوا أنّةً ثم زفرة ... لها بين أرجاء الضلوع وجيبُ وشوقًا إلى الأوطان في كل ساعة ... تغنّت على الأغصان ورقا ندوب وكنت إذا ما الشوق نادى أجبته ... وذا هو يناديني ولست أجيب دعوتك يا رب لتفريج كربتي ... وأنت لمن يدعو قريب مجيب وقال أيضًا: القلب بعد فراقكم مجروح ... والدمع من هجرانكم مسفوح كتم اللسان عن الأنام هواكم ... لكن دمعي بالغرام يبوح

وقال أيضًا: لمن طلل يلوح بتا رجابا ... أُسائِلُه ولكن ما أجابا يلوح به سنا برق ولكن ... إذا ما لاح يحتجب احتجابا ذكرت به زمانًا كان صفوًا ... وقد أقضي به العجب العُجابا به أدعو الصِّبا طورًا وأدْعى ... فلم أبرح مجيبًا أو مجابا ذم من يتحاكم إلى الطاغوت: ومن يجر مسلمًا لكافر ... لا لشريعة النبي الطاهر فإنه بمقتضى الأحكامِ ... خرج عن دائرة الإسلام لأنه انتصر بالنصارى ... ولمحاكم النصارى صار وقال أيضًا مبتهلاً: إلهي تيسير العسير يسير ... عليك وإني عاجز وأسير أسير ذنوب خلفتني عن التي ... إليها وفود العالمين تسير فمُنَّ بتوفيق ونصر مُؤَزَّرٍ ... فإنك يا مولاي نعم النصير وكن لي عونًا في الأمور جميعها ... متى تك عونًا فالعسير يسير وقال أيضًا في ذم الدَّين: الدَّين أوله حلو وآخره مر ... وأوسطه هم وأكدار وللمَدين مُرُوّات ممزقة ... وليس تسلم للمديون أقدار وقد روى مالك عن الرضا عمر ... نهيًا عن الدَّين لا يغررك غدار فإن وردت حياض الدَّين عن ظمأ ... فاصبر فقد يعقب الإيرادَ إصدار

حثُّه على طلب العلم: قال محمد عبد الله المدني لتلميذه أبي سالم محمد بن حبيب التنبكتي في حثِّه على طلب العلم: إن يومًا يمرُّ في غير علم ... واكتساب فذاك يوم مُضاعُ إنما العمر ساعة فاغتنمها ... ليس للعمر إن تولى ارتجاعُ وقال أيضًا: يا عازبًا كلفًا بالبيت يبنيه ... مهلاً عليك ففيه غير سديه إن النساء لأهل المال عاشقة ... لا يلتفتنّ إلى ما ليس يسديه وأم خارجة بالعار إن رضيت ... فالعار لا يرتضيه غير أهليه وقال في وصف الشاي: جمع المكركب في الجمال محاسنًا ... لكنه في غيره لم تجمع اللون ياقوت تكلل عُلْوه ... بلآلي زهيت بكل تنوع والريح في البراد طيبة الشّذَى ... سطع البخار به وإن لم يسطع وتراه دون الكأس وهو محجب ... بكؤوسها فحجابها لم يمنع والطعم لذّ لشارب فانقع به ... جوفًا مضى زمن ولما ينقع ودع الرقيقة والذي يدعونه الـ ... مفتول في قفر خراب بلقع فهو الشراب وإن أردت صفاته ... فاسمع لما يحكي الأديب اللوذعي وهذه القصيدة قد أنشدَها الشيخ محمد عبد الله في أثناء وجوده في المدينة المنورة، وقد عثر عليها مؤخّرًا في بعض سجلاّت أحد أصدقائه، وقد قال في

فضل العلم ونُشرت في أول عددٍ من أعداد مجلة (المنهل) ، قال: العلم أفضل ما سعيت لكسبه ... وأجلّ مدّخر وخير عتاد العلم خير مكاسب ومرابح ... وذخائر الأجداد للأحفاد العلم ذلل زاخرًا متلاطمًا ... وبه اختراع الجو بالمنطاد وبه اختراع الغائصات سوابحًا ... في اليم والنساف والطرادِ كم أمة مهضومة نهضت به ... فاقتادت الجوزاء دون عتادِ وعماده الإخلاص فهو قوامه ... والبيت لا يبنى بغير عمادِ والشرق مطلعه ومنه تشعشعت ... أنواره فأضاء كل بلادِ والغرب قبل الشرق كان مُكَبّلاً ... بالجهل في الأغلال والأصفادِ إن ابن رشد فيلسوف زمانه ... أستاذ هذا الغرب في الإرشاد والغرب أقبل بعده بسفاسف ... وزخارف ومطالع الأوغادِ شتان بين معلم أدبًا ومن ... هو قائد لخلاعة وفسادِ يا غرب إن تك لم تزل متغطرسًا ... فاعلم بأن الشرق بالمرصاد يا شرق قدت الغرب في عدل وفي ... علم ونور بصيرة وسداد فأظلك الغرب الغشوم سحابه ... بفواجع الإبراق والإرعادِ أبني الجزيرة يا سلالة يعرب ... الفاتح الأغوار والأنجاد شيدوا المعاهد وارفعوا أعلامها ... بعزيمة وبصيرة وجهادِ في ظل باني المسجدين مليكنا ... عبد العزيز الماجد الأجداد

فالعلم يرفع ما بنت آباؤكم ... وجدودكم من طارف وتلاد ولنا بخير الخلق أفضل أسوة ... للمقتدي وبصحبه الأمجاد كالسابق الصديق والفاروق مع ... عثمان ذاك مجهز الأمداد وعليّ الكرّار في وهج الوغى ... وأبي عبيدة قائد الأجناد وبخالد وبجعفر وبقاهر ... للفرس سعدُ كاسر الآساد والتابعين بحكمة وبصيرة ... كابن الفرات وطارق بن زياد ثم الصلاة مع السلام على النبي ... والصحب والأزواج والأولاد وقال أيضًا -رحمه الله- مخاطبًا لمحمود الكلالي: الحمد لله رب من ألوذ به ... فيما أؤمّله ومن أعوذ به الله أحمده على تحببه ... الله أشكره على تقرّبه الله حسب الفتى في دفع مفسدة ... والله حسب الفتى في جلب مطلبه ثم الصلاة على المختار صفوته ... طوبى لعبد رآها في تكسّبه أزكى سلامًا وأنماه وأكمله ... أهدى لأفصح إنسيٍ وأخطبه هذا وقد قام إزب العصر مرحبه ... يدعو إلى بدع كصنع مرحبه يرمي بتكذيب خير الخلْق صفوته ... من لم يكن غاليًا من غير موجبه لغير رب الورى يا سوء مركبه ... ويدعي قسمة الأزراق من سفه تشتق غوثًا من الرب المغيث كما ... اشتقت قريش مناة فاخش وانجبه فالغوث لو كان مخلوقًا فمركزه ... بمكة لا بغرب في تغربه

وقلت يا ولدي وذا مغالطة ... أو مطمع من غبي العصر أشعبه أأرنب قد تسامي الورد من سفه ... أسد الشرى لا ترى وزنًا لأرنبه أما الجلال فما قد قال بينه ... في النازعات بأجلى القول أعذبه إن الملائك بالتدبير نازلة ... ليست مدبرة تبًّا لمكذبه بالقَسْم نازلة ليست بقاسمة ... فارجع لأقطع برهان وأثقبه وحكمة الكون للأكوان يُوضحها ... ما جاء في الذاريات غير مشتبه الجن والإنس مخلوقان من قدم ... ليعبدوه جزاءً عن ترببه قد قلت ما قال عبّاد المسيح لنا ... فبؤ بما باء عُبّاد المسيح به حزب الحديث تعالى في مداركه ... عن أجنبي تعامى عن مهذبه فمن مصححه بل من مخرجه ... فالغيث لا ينهمي من برق خلّبه هب الحديث صحيحًا لا دليلَ به ... فما السراب شرابًا في تأوبه أما المعاني التي خصّ الإله بها ... نبينا الوارث العليا عن أبه وعن أبيه إلى عدنان مرتقيًا ... لآدم قبل قحطان ويعربه إلى أن قال: فطر إلى الجو من غيظ ومن كمد ... أو فاتّخذ نفقًا كيما تضل به هذي القصيدة لابتراء تجمعها ... من كل قول سخيف الأصل أخيبه فيها ضمائر لا تدري مراجعها ... وكل قول مضل الفكر متعبه هذي القصيدة لا عجماء مصدرها ... من أعجم طمطميّ غير منتبه

بل من منازله قبا إلى أحد ... ومن ثبير فنعمان فكبكبه ابْرُزْ ورُدَّ ترى والله أجوبة ... مثل الصواعق تُرْدِي من تمر به وقال أيضًا: قل لأزب العصر ماذا تبتغي ... من صدام الليث والليث حَرِبْ اخش ليثًا باسلاً منقبضًا ... ليس شأن الجد من شأن اللعبْ نحن لا نخشى نعامًا جافلاً ... دأبه الفر إذا الشر اقتربْ حسبنا الله تعالى ربنا ... حسبنا في رغب أو في رهبْ نحن أنصار النبي الهاشمي ... نحن نفديه بأم وبأبْ بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ محمد عبد الله بن المحمود المدني في مساجلته مع محمود الكلالي: يا بارقًا في ذُرَى أكنافِ ذي سلم ... قد هجت قلبًا براه دائمُ السقم هيجت في القلب شوقًا قد يعاهده ... ذكَّرته بليالي جيرةِ العلم فانهل شمل دموعي وهو منتظم ... وءاض شمل اصطباري غير منتظم يا واقفًا واجمًا في الربع ذا أسف ... طال الوقوف وما بالربع من أَرمِ ربع عهدت به الأزهار زاهرة ... من كل مبتسم بالحسن متسم ربع عهدت به الغزلان رائعة ... من فاتن الطرف أو من مطرب النغم ربع عهدت به سلمى منعمة ... هيفاء رافلة في الحسن والنعم

ربع عهدت به سلمى إذا نظرت ... تَقُدُّ في القلب قدَّا غير ملتئم أيام أصبح من سلمى على ثقة ... وحبل وُدِّي وثيق غير منفصم أيام تنجز لي سلمى مواعدها ... ولا تماطل في دين ولا سلم أيام لست من الواشي على حذر ... وما رقيبي سوى بعض من الحشم يا ربع سلماي لا تنفكّ مرتويًّا ... من كل غيث خفوق البرق منسجم يا ليت وصلك يا سلمى يدوم لنا ... والوصل منقطع في الدهر لم يدم ألاطف الليل كيما ينقضي فأبَى ... ليل المحب طويل غير منفصم رأيت أوله فليت ءاخره ... ما قد توهمته إن كنت لم أهِمِ يا عاذلاً نائمًا عما أكابده ... إن كنت نمت فليل الحب لم ينم قد كنت ناعم بال لست ذا شجن ... ولو تكابد ما كابدت لم تلم عدلت في الحكم إذ رمت السلو فهل ... عدلت عن عزل مشتاق لذي سلم سلمى سلمت عدى المضنى وإن ضمنت ... وعودك الخلف فالإنجاز في عدم إن كنت ءافكة للوعد مخلفة ... فقد نجوت نجاء الآفك الأثم إذ قال خالع جلباب الحياء على ... جسر من الإفك والإضلال والظلم ليس التفكّه بالأعراض من شيمي ... قد فُهْتُ بالزور والبهتان والأثم فكم تعرضت للعرض المصون بلا ... داع سوى أنه عال على القمم وكم هجرت فتى قد كان متبعًا ... للمصطفى المجتبى في الهَدْي والكلم وكم لسعت كريمًا سيدا نبهًا ... وقد يكون صحيح العرض والأدم

وكم لدغت همامًا ماجدًا فطنًا ... إن كان ذا رحم أو ليس ذا رحم وكم تعرضت للأعراض تنهشها ... ولا تبالي بأهل الحل والحرم ولا تبالي بمن تهجو وتشتمه ... وظل في حلل أو بات في رحم وكم عدوت ولا ترعى لحرمته ... إن اللئيم لعداء على الحرم وكم عدوت وكم عاديته سفهًا ... إن اللئيم عدو المجد والكرم وكم تفكهت بالأعراض واعجبًا ... من ظالم منكر أن كنت ذا هدم الله أكبر كم في الدهر من عجب ... هذا الكلالي يُزهي غير محتشم كم من غرائب في غرب وأغربها ... أنّ الكلالي ذو فخر بلا سأم أضحى يفاخرنا من لو يطاولنا ... لا يبلغ الرأس منه أخمص القدم من في الجلاد كهام السيف مرتعش ... وفي الجدال ردئ القول والقلم وفي الحوار عييٌّ جد مرتبك ... وفي الجوار مضيع العهد والذمم وفي الخلاء كمى ذو محافظة ... وفي الملا بهمة من أضعف البهم أربع على الظلم وانكص عن مبارزتي ... فما مبارزة الظلعاء من هممي وإن تشابهت بالعشواء في خطأ ... فما مخابطة العشواء من شيمي وإن تكن عن مقال الحق في صمم ... فما مخاطبة الصماء من أمم يا ظالعًا في سباق الخيل ضامرة ... إن الصقور لقد تعلو على الرخم زعمت نفسك شهمًا باسلاً بطلاً ... إن التجارب أبدت منك غير كمي فلا تَرُمْ إن ترى المشتاق من سفه ... إلى مراماتنا فمن رمانا رمى

ورطت نفسك في دهياء داهية ... فغادرتك صريعًا من يد لفم يا إزْب ذا العصر يا من كان مرحبَه ... أقلتَ واندمي إذا قلتَ وا ألمي هلا انتهيت على ما قد نهيتك إذ ... قد كنت في سعة عن لذعة النّدمِ تحدِّي الكلالي: رد الشيخ على الكلالي في نسبته إلى الإعتزال، قال الشيخ محمد عبد الله المدني: إن الكلالي صرّح بأني معتزلي زمخشري، وإني أتحدّى الكلالي فأسلُه: أولاً: ما هو العصر الذي نشأ فيه الاعتزال؟، ومتى بلغ أشدَّه؟، ومتى بدأ أُفولُ نجمِه؟. ثانيًا: مَن سمى المعتزلة بهذا الاسم؟. ثالثًا: ما الحكمة في اختيار هذا الاسم دون غيره من الألقاب؟. رابعًا: ما المسائل التي انفردت بها أتباع أبي الهذيل العلاف عن سائر المعتزلة دون أهل السنة والجماعة؟. خامسًا: لم عُدَّت الجهمية أتباع جهم بن صفوان من المعتزلة والجهمية جبرية والجبرية والمعتزلة على طرفي نقيض؟. سادسًا: هل الجمع بينهم إلا كما قيل في المثل جمع بين النعام والأَرْوَى، والضبّ والنون، حتى قال في الجهمية رأسٌ من المعتزلة: ننفيهم عنا ولسنا منهم، ولاهم منا، ولا نرضاهم. سابعًا: ما الداعي إلى رجوع الإمام ابي الحسن الأشعري عن الاعتزال؟، وهل هو مسألة الصبيان وإفحامه للجبائي فيها أم غير ذلك؟، وكم أطوار الأشعري في الاعتقاد؟.

ثامنًا: الإمام الأول للمعتزلة هل هو سني كما يعتقد السلف الصالح أم هو معتزلي كما ادّعى أهل الاعتزال؟، وهل كان ذلك الإمام اعتنق عقيدة الاعتزال ثم رجعَ عنه كأبي الحسن؟، أم لم يفارق العقيدة السلفيّة بادئ ذي بدء وإنما رُمِيَ به من تلويث المعتزلة فقط؟. تاسعًا: كم ألقاب المعتزلة؟، وهل إنما بقي الاعتزال في الأمة أم انقرض؟، وإن كان باقيًا فمن أهلُه في الأقطار الإسلامية؟، وهل لهم دولة مستقلّة الآنَ أم لا؟. وإني أتبرع بتأجيل الكلالي حولاً كاملاً وعامًا منصرمًا فإنْ أجابَ في اثنى عشر شهرًا فيُقبلُ منه تلقيب من لقّبه معتزليًّا بالشرط المعتبر وإلا هو كالضبع: قيل للضبع: هل تعرفين اللبن والحليب؟، قالت: نعم هو أسود نائم تحت الثمام. وهل يتلوّث اللبن بمعرفة الضبع له هذه المعرفة الخاطئة؟، وهنا أُنشد ما قاله حسّان: لا أبالي أنبَّ بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم وقد بلغني أن الكلالي استسمن من نفسه ذا ورم فقال: بلغ النصاب فحوله شوال ... أما القريض فإنه لي مال فقلت ناقضًا لبيتِه الخرب: أفلست في علم القريض وتفلس ... في كل فن غيره يا مفلس قل للذي يرجو زكاتك فليمت ... جوعًا وعُرْيًا إنه لموسوس منتك نفسك في الخلاء مطامعًا ... كذبتك نفسك فايئسن يا أهوس

عجبًا لأعجم طمطمي يدعي ... علم القريض وذاك علم موئس يا من غدا ذنبًا أخيرًا هل ترى ... ذنبًا على أهل العلى يترأس ولأمحونّ خرافة سطرتها ... ولأقلعن عروق ما قد تغرّس ولأبعثن من القريض نواطقًا ... تركتك أخرس مُعْجِمًا لا تنبس ولقد وضعتك في الأداهم موثقاً ... فالغوث من بكا الأداهم مبلس لا الغوث غوثك لا ولا بدل ولا ... قطب فكل عن جوابك أخرس وقال محمد أحمد عبد الله: هذه القصيدة وجدتها بين مخطوطات المرحوم الشيخ محمد عبد الله بن الشيخ المحمود -رحمهما الله-، وهي بخطّ يده وأغلب ظنّي أنها قيلت فيه، إلاّ أني لم أقف على مطلعها، ولم أتمكّن من كتابة بعض أبياتِها لفساد القرطاس، فرحم الله قائلَها. ولا انتديت مع الأُلى بذكرتهم ... يرتج قلبي شوقًا أي ذي زجل ولا عقدت قريضًا في مجادلة ... ولا مددت بروح الشعر والجدل ولا تواطأ قلبي في عقيدته ... نطق اللسان ولا كان الهدى شغلي إن كنت أسلو فلن أسلو حياتي عن ... قوت الفؤاد بلالي نهْلَتي عَلَلِي إنسان عيني روحي أستريح به ... وفي مريئي مثل الراح والعسل من أرضعته لبان المجد في صغر ... عناية الله لم يُطبع على خلل بل فيه حنَك لم يجزع تكالفه ... بعد البلوغ فلن يلجأ إلى ملل

خاتمة المطاف

خاتمة المطاف: هذا، وقد كان للشيخ محد عبد الله المدني بحوثٌ كثيرة في إفريقيا تتعلّق بالعقيدة السلفية وبتعليم علوم الحديث روايةً ودراية غير ما سطّرتُ في هذه العجالة، ولكن مع الأسف لم يتيسر لي العثور على تلك البحوث، أما في الشرق فلم أجد له شيئًا غير ما ذكرت إلا تحقيقه لكتاب (عبث الوليد) لأبي العلاء المعرِّي، والذي يغلب على ظني وأعتقد أنه واقع أن عدم نشاط الشيخ محمد عبد الله في التأليف مع قدرته عليه من كل الجهات أنه اشتغل في أفريقيا بالأمرين الذين ذكرتهما فيما تقدم، وهما: أولاً: التدريس في العقيدة السلفية والتدريس في علوم الحديث. ثانيًا: اشتغالُه بالتجارة، فلذا لما أنكر عليه تلامذته في أبها لأنه من طلبة العلم قال: "أنا أولى بالتجارة ممن لم يعرف حلالها من حرامها". والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

تلاميذه

تلاميذه ... 1ـ حدثني الشيخ عبد الرحمن محيي الدين أنّه آخر من أخذ الإجازة عن الوالد. أي الإجازة في مرويّات الوالد في الحديث وغيره. 2ـ كان الوالد في سنة 1415هـ في شهر جماد الأولى يدرّس بعد العشاء (متن الآجرومية) لاثنين فقط أنا ثالثهما، وهم: محمد الصنعاني، ونزار السوداني، وذلك في مكتبته". 3ـ وسمعته يقول: "أحسن مرافق لي في الرحلات التي رحلتها الأخ صالح المحيسن، ويليه الأخ علي فقيهي". وإن الشيخ علي فقيهي تلميذي، وكان ملازمًا لي ملازمةً قوية، وكان يأتي من مكة من أجل الأخذ عني، ومن شدة حرصه كان ينام في المكتبة بجانب الكتب، وخاصة عند تحضيره للماجستير والدكتوراه. وقد استفاد كثيرًا من ملازمته لي وللكتب". 4ـ قال الوالد: "إن عبد الله البحريني كان طالباً مخلصاً". قلت أنا عبد الأول: وعبد الله البحريني هذا قد لازم الوالد خمس سنين ملازمة لم أر أحداً من تلاميذ الوالد لازم الوالد مثله، وقد كان يخدم الوالد في كل شئ حتى في نعله وبعض خواصه وقد سجل هذا الطالب عن الوالد فوائد كثيرة منها ما هو في أشرطة ومنها ما هو بخط اليد. 5ـ وقال الوالد: "إن راشد الراجح مدير جامعة أم القرى كان تلميذاً لي قبل أيام المدارس تتلمذ عَليَّ". 6ـ قال الوالد: "إن جمال عزون طالب علم مجتهد في الطلب. وأنا أحب أن أساعده".

7ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزير العدل الآن كان من تلامذتي الخواص وكان أبوه يرسله إلى فأدرسه وكان صغيراً، وخاصة في عطلة المدارس، يرسله والده إلي ويقول لي: درسه دراسة إضافية". ومرة كنت أصلي في المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وكان يصلي خلفي عبد الله ومعه حاشيته فلما قضيت الصلاة مسكني من خلفي فنظرت إليه مندهشاً فقال لي: ما تعرفني، فقلت لا: فقال: أنا فلان فقلت: حياكم الله، فأكدت النظر فيه، فإذا هو قد تغير علي". 8ـ وكان -رحمه الله تعالى- يكلف بعض تلامذته أن ينسخ له بعض المخطوطات وبعض مؤلفاته تارة، فمن ذلك أنه كلف ياسر البرزنجي أن ينسخ له كتاب (ذوي العاهات من المحدثين لابن المِبْرَدِ) فنسخه ثم أتى به إلى الوالد وقال له الوالد الآن نقابله فقابل معه الوالد بنفسه، وذلك سنة 1415هـ في شهر ذي القعدة. 9ـ قال الوالد: "إن الشيخ بكر أبو زيد حريص ومجتهد رأيت منه حرصاً ما رأيته في أحد، وكان تلميذي الخاص لا يغادر مكتبتي، وكنت أُعَرِّفه بالمراجع". سمعت الوالد مرة يمازح الشيخ بكر أبا زيد يقول له: "لو اتخذت أربعة زوجات لكان خيراً لك وأنت صاحب استطاعة. وفي هذا امتثال للأوامر فقال الشيخ بكر أبو زيد: وأنت لو اتخذت أربع زوجات كذلك فقال الوالد: لو كان عندي استطاعة لما تركت هذا الأمر". وقال الوالد: "إن الشيخ على ناصر الفقيهي لما كان يكتب في الماجستير جاء إليَّ في حي المصانع حيث كنت أسكن هناك فنظرت في كتابته

فوجدته قد خرج عن تخصصه في العقيدة فألزمته بالإعادة فأعاد تحت إشرافي فأتقن العمل حينئذٍ". 11ـ وسمعته يقول: "-إن حافظ حكمي تلميذي- يعني به الوالد صاحب المؤلفات والمنظومات المتوفى قديمًا". 12ـ قلت: قرأ الوالد علينا المسلسل بالأولية، وذلك سنة 15/12/1415هـ عصر الاثنين، وهي المرة الأولى على حسب علمي التي يقرأ فيها الوالد المسلسل بالأولية، فالعادة أن أحد الطلاب هو الذي يقرأه، وكان سبب قراءاته لهذا المسلسل أنه حضر عنده رجل من الصومال ومعه أربعة من أولاده يطلب الإجازة له ولهم وأكبر هؤلاء الأولاد لا يتجاوز التاسعة من عمره، وقد وافق الوالد –رحمه الله تعالى– على إجازتهم وقرأ عليهم المسلسل بالأولية. وأسماء هؤلاء الأولاد: عبد الله ومحمد وعبد الشكور وعبد الرحمن. 13ـ قال الوالد: "وقد انتقلت من المدينة سنة 1371هـ إلى مكة، وسكنت بجوار مسجد الكويتي، وكان إمامه راشد الراجح، وكان جاري، فكان يأتيني في البيت ويقرأ علي في سنن أبي داود لوحده، استمر على هذا إلى سنة 1374هـ وفيها انتدبت إلى الرياض للتدريس في الكليات، وغاب عني من ذلك الوقت، ونُقِلَ لي عنه خبر غريب وهو أنه سافر إلى لندن لدراسة النحو. وكان راشد تلميذي الخاص بمكة". 14ـ وسمعته يقول: "إن ابن الشيخ محمد بن إبراهيم واسمه … أمره والده أن يلزمني حتى أذاكِرَ له دروسه، وكنت أُدَرِسُهُ حتى فرغ من الثانوية، وكنت عندما أنزل إلى مكة في الإجازة يلتقي بي هناك وأُدَرِسُهُ". قلت: وأظن أن هذا الرجل اسمه: إبراهيم.

15ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ عبد الله بن جبرين كان من تلامذتي من المتوسطة إلى الكلية وذلك من سنة 1374هـ إلى 1385هـ". 16ـ وسمعته يقول: "إن طلبة العلم بالرياض في الزمن الذي كنت أدرس فيه، كانوا على أدب". 17ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ بكر أبو زيد تعلم على يدي وقد تولى القضاء في المدينة النبوية، وكان إماماً في الحرم النبوي، وكان يكثر الإطلاع في مكتبتي، وقلمه سيال، وقد أنتج في الموضوعات كتباً، ولم ينتج في تحقيق الكتب المخطوطة". 18ـ سمعته يقول: "إن عبد الرحيم القشقري تعلم زمناً علي يدي". 19ـ كان عبد الرازق بن الشيخ عبد المحسن العباد قلما يكتب شيئاً ويطبعه إلا ويهدي الوالد –رحمه الله– نسخة منه، وقد كان كثيراً ما يسأل الوالد عن بعض الإشكالات العلمية ونحوها – وكان الوالد بعض الأحيان يأمره أن يقرأ عليه بعض الأشياء التي استشكلها. 20ـ وسمعته يقول: "مساعد الراشد من الخواص عندي". 21ـ وسمعته يقول: "إن عبد الله بن جبرين من الخواص عندي". 22ـ وسمعته يقول: "كان من الطلاب الذين أدرسهم في كلية الشريعة بالرياض طالب كفيف لم أر كفيفاً أذكى منه، كان يحفظ جميع الدروس التي ألقيها في الفصل، وكان يكتب بحروف براي وهي حروف اللمس". 23ـ وسمعته يقول: "إن عبد الله الجلالي طالب علم جيد، دَرَسَ في الكليات بالرياض، وَدَرَّسْتُهُ فيها".

24ـ وسمعته يقول: "كان بعض الطلاب الذين يدرسون في هذه البلاد وهم من غيرها إذا درسناه وانتهينا من تدريسه اختبرناه فنسأل بعضهم عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} ، فيقول: "استوى بمعنى استولى فإذا سألناه لماذا أجبت بهذا الجواب، فيقول: "إن أهلي في بلدي حذروني منكم ومن أن أقول غير هذا، فإذا رجعت إليهم يطردونني إذا أجبتهم بخلاف هذا الجواب". 25ـ قلت –أنا عبد الأول–: سمعت من الوالد الحديث المسلسل بالأولية أكثر من مرة وأقدم سماع فيما أظن كان يوم الأحد سنة 1412هـ لتسعة وعشرين يوماً مضين من شهر ذي القعدة المبارك ولله الحمد. 26ـ وسمعته يقول: "أجاز الوالد الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد سنة 1411هـ في شهر ذي الحجة صباح يوم السبت بعد صلاة الفجر في مكتبته بالمسلسل بالأولية وغيره من الأسانيد. 27ـ قرأ الأخ زين الغامدي كتاب مختصر علوم الحديث لابن كثير وشرحه لأحمد شاكر على الوالد رحمه الله تعالى وأنا حاضر أسمع ما يقوله الوالد على بعض المواطن، وكان زين هذا يسجل ما يمليه الوالد عليه، وكذلك قرأ على الوالد كتاب المدرج – للسيوطي كان يقرأه من النسخة التي بخط الوالد –رحمه الله تعالى– وكذلك شرع في قراءة كتاب الوالد في المختلطين فقرأ المقدمة فقط وأنا أسمعها كلها وهذه القراءة في هذه الكتب كانت سنة 1414هـ في شهر محرم – عصراً بمكتبة الوالد. 28ـ قرأ الأخ زين كتاب (يانع الثمر) للوالد عليه وكنت حاضراً ووقف قبل نهاية الكتاب بصفحات ثم أكمل قراءته عليه جمال الجزائري. 29ـ قال أحد طلبة العلم للوالد: "هل الشيخ ربيع المدخلي من تلامذتك؟. فقال الوالد: نعم من تلامذتي".

فوائد عامة

فوائد عامة ... 1ـ سمعته يقول ـرحمه الله تعالى-: "لو ترك المستعمر التّراث الذي في مصر لاستغنى طلبة العلم عن كلّ تراث في الدنيا، لأنّ الحفّاظ الذين كانوا هناك لم يفتهم شيءٌ من الكتب، والشاهدُ على ذلك: كتاب الحافظ (المعجم المفهرس) فرحمة الله تعالى عليه". 2ـ وسمعته يقول: "المكتبة السليمانية في تركيا أكبر مكتبة في الدنيا، تحتوي على التّراث الإسلامي". 3ـ وسمعته يقول: "الحكّام اليوم في إيران من البهائية، والخميني من الصفويّة". 4ـ وسمعته يقول: "المندي يسمّى عند العرب (حنيذًا) أو (محنوذًا) ، وهو من أحسن الطعام عند العرب". 5ـ سمعت الوالد يقول: "إنّ القرن الخامس عشر تكلّم عنه العلماء قبل أن يأتي فأخبروا عن كثرة الفتن فيه". 6ـ سمعت الوالد يقول: "كان الحرم المكّي ليس فيه موضع إلاّ وفيه مدرِّسان". قلت: يعني عند قدومِه لبلاد الحرمين وبعد ذلك بزمن قليل. 7ـ سمعت الوالد يقول: "المغرب كله بجميع نواحيه تلاميذة للمشارقة رضوا أم أبوا". 8ـ سمعت الوالد يقول: "الريال كلمةٌ إيطاليّة أخذتها تركيا من إيطاليا". 9ـ قال الوالد: "الفهارس عمل المسلمين، وهذا هو الحقّ، لا عمل المستشرقين".

10ـ سمعت الوالد يقول أكثرَ من مرّة: "هذه المملكة العربية السعودية هي التي بقيت لخدمة الإسلام والدعوة السلفية". 11ـ سمعت الوالد يقول: "كما يقولون: صُدْفة". قلت: ذكر الوالد كلامًا ثم قال العبارة المتقدِّمة وكان لا يُنْكر هذه الكلمة على أحدٍ يتلفّظ بها. 12ـ وسمعتُه يقول: "كتب بغداد ذهب بها التتار فأهلكوها ودمّروا المكاتب الموجودة في بغداد، وهكذا فعلت فرنسا بما عندنا من الكتب في البلاد (مالي) ". 13ـ وسمعتُه يقول: "أرض (مالي) مليئة بالخيرات ولكن أهلها كسالى جدًّا، والله المستعان". 14ـ وسمعتُه يقول: "اليمن الجنوبي كلهم شافعيّة، وأما الشمالي فيهم الزيديّة والشافعية" ثم قال: "اليمن الشمالي ـ وهم الزيديون ـ وقفوا ضدّ الشيوعيّة". 15ـ وسمعتُه يقول: "أما سوريا فقد سلّط الله تعالى عليهم أخبث طائفة (النصيرية) ". 16ـ وسمعتُه يقول: "تُسمّى (شيراز) الآن طهران". 17ـ وسمعتُه يقول: "المغاربة يَكثُر فهيم اسم (محمد) ، وهذا شاهد على المحبة، ولا يوجد عندهم نقص إنما الموجود الغلوّ في النبي صلى الله عليه وسلم ". 18ـ وسمعتُه يقول: "الشيخ في الغالب إذا وصل إلى الشيخوخة يصيبه سلسل البول".

19ـ وسمعتُه ينشد: الباشا باراجات ما يقدم ... للضيف من نزوله إذ كرم ثم قال هذا الاسم يطلق على القهوة، وهذا في أفريقيا". 20ـ وسمعتُه يقول: "إن الذين يعرفون بالمزوّرين أو المطوّفين في هذه البلاد قبل زمان كانوا قبيل الحج يذهبون إلى الناس في بلادهم حتى يأتوا بهم للحج فيقولوا لهم: إنكم إذا قدمتم إلى هذه البلاد ستلتقون بأناس هناك لهم مذهب خامس يعرفون بالوهابيّة فلا تسمعوا لهم إذا خاطبوكم". 21ـ وسمعتُه يقول: "المكتبة الظاهرية بسوريا أغلبها مجاميع". قلت: المكتبة الظاهرية بالشام مكتبة كلها في المخطوطات أو جُلّها. 22ـ وسمعتُ الوالدَ يقول: "قام عبد الناصر بقتل العلماء في مصر في زمانه، وهم من فطاحلة العلماء في ذلك الوقت. وكذلك في المقابل صدّام في العراق قام بقتل فطاحلة العلماء في بلده". 23ـ وسمعتُه يقول: "العمامة التي يلبسها الهنود والإيرانيون عمامة العجم". 24ـ وسمعتُه يقول: "هذا العصر أُطلق عليه عصر ظهور العورات، فلا تكاد ترى امرأةً في خارج السعودية إلا وهي متكشّفة متبرّجة إلاّ من رحم الله تعالى". 25ـ قال الوالد: " 1ـ تركيا هي الأم في المخطوطات والتراث الإسلامي. 2ـ ثم مصر تليها.

3ـ ثم حيدر أباد الدكن. هذه الأماكن الثلاثة إذا توصل الإنسان أن يُصوّر منها كل ما يحتاج من المخطوطات العلمية سيحصل على علمٍ جَمٍّ.. ـ والفاتيكان فيه مكتبة عظيمة". 26 ـ وسمعتُه يقول: "ضل بن ضل" فقال أحدُ الحاضرين: يعني امرؤ القيس؟، فقال: "نعم"، ثم أنشد له بيتًا. 27 ـ قال الوالد: "إن لغة البربر لغة قديمة جدًّا، يقال: إنهم من ذريّة برّ بن قيس، وهو رجلٌ خرج من اليمن بعد انهدام سدّ مأرب". قلت: وكان الوالد يرجح هذا القول. 28ـ سمعت الوالد يقول: "في أفريقيا يقدِّمون إلى الضيف بدلاً من التمر والقهوة شيئًا يسمّونَه (الباشا بارجات) ". ثم أنشد: الباشا باراجات ما يقدم ... للضيف من نزوله إذ يكرم ثم قال: وأما في نجد فيقدِّمون للضيف التمر والقهوة، ويسمّونها (القدوع) . وإذا جاءهم الضيف وقدّموا له التمر والقهوة قالوا له: اقدع". ثم قال الوالد: "قهوة بلا قدوع لا تسمن ولا تغني من جوع كصلاة بلا خشوع". 29 ـ سمعتُه يقول: "تمنَّيت لو أنّ المخطوطات التي بأيدي الدول العربية الآن هي لدى أوروبا، لأن الأوربيين يعرفون قيمتَها ويحافظون عليها ويفهرسونها، وأما العرب فالله المستعان".

30ـ سمعته يقول: "إنّ الناس في البلاد (مالي) نشأوا على: ـ علم الكلام. ـ التعصّب لمذهب خليل. ولا يعرفون مالكًا ولا أصحابه. ـ الطريقة القادريّة والتيجانية، وهاتان الطريقتان الناس من ليبيا إلى موريتانيا عليها". 31ـ وقال الوالد: "الإصطلاح في نجد: أن الأمراء يُطلق عليهم مشايخ، والعلماء يُطلق عليهم شيوخ". 32ـ سمعتُه يقول: "دهن العود والمسك سبب في ظهور الشيب في الرأس واللحية". 33ـ وسمعتُه يقول: "تكتب الكلمة الأعجمية بالأحمر في المخطوطات". 34ـ وسمعته يقول: "ما رأيت أحدًا متمسّكًا بنسبه مثل أهل عُمَان". 35ـ وسُئل الوالد عن بداية معرفة الشاي فقال: "في القرن الثامن الهجري". 36ـ وسمعته يقول: "إن الأكراد في أول أمرِهم متمذهبون بالمذهب الشافعي، وكانوا غيورين على مذهبهم، أما الآن فقد أصبح منهم روافض سواء الأكراد الذين في إيران أو الذين في العراق، وكذلك الذين في سوريا منهم روافض ومنهم سنة". 37 ـ سمعت الوالد يقول: "قال الشافعي: من لم يتزوّج مصريّة فهو ليس بمحصن".

38ـ وقال الوالد: "من لم ير جبل طارق في الأندلس لم ير شيئًا". 39 ـ قال الوالد -رحمه الله تعالى-: "إن الناس قبل الاستعمار كانوا يقولون: ستين درجة، ثم بعد الاستعمار أصبحت الناس تقول: ستين دقيقة". 40ـ سمعت أبي -رحمه الله- يقول: "إنه كان في مكة المكرمة -شرّفها الله، آمين- مكان يسمّى (مولد النبي) ، وهذا المكان كان مجمعًا للحمير، وهذه الحمير للخرافيين، وكان إذا جاء رجب يركبونها إلى المدينة، وهذا في سنة 1369هـ حتى منعتهم الحكومة من هذا الفعل، وكانوا يفعلون ذلك مع وجود السيارات والطائرات ولكن يتعبّدون الرحمن بذلك، فقامت الأوقاف ببناء مكتبة إلى الآن موجودة تسمّى مكتبة الحرم المكي". 41 ـ وسمعته يقول: "إن أصل تسمية موريتانيا من أسبانيا هي سمّتها، ومعناها: بلاد البيضان حتى تُميّز عن السودان". 42ـ سمعت الوالد ذكر أنهم في زمن الشيخ عبد العزيز بن باز ذهبوا إلى قرية من قرى هذه البلاد فوجدوا أهلَها لا يعرفون قراءة القرآن ولا حتى قراءة الفاتحة فأخذنا نعلّمهم". ثم ذكر أنه لما ذهبت البعثة التي كان فيها الشيخ عبد الله بن غنيمان فوجدوا في القرية التي أُرسلوا إليها ناسًا يعبدون صنمًا فوق الجبال يسجدون له، وكان في مجلس الوالد أحد الطلبة فقال: ذهبت إلى (العيص) -وهي قرية قرب ينبع- فوجدت أهلها في قحط عظيم وهم يقولون: كنا نذهب إلى صنم فنسأله فينزل علينا المطر، والآن نسأل الله فلا ينزل علينا المطر، فقال: ما أجهلَهم من ناس".

43ـ سمعت الوالد يقول: "تقول المعتزلة: إن الأمور عقلية، أي: لا يحتاجون إلى النصوص إنما إذا كان الأمر يوافق العقل أخذوا به وإلاّ تركوه. وإن الأمور لو لم يكن شرع نزل فيها ما احتجنا إليه لأن العقل يكفي". قلت: يعني أنّ قولهم هذا باطل، وقد ذكر الوالد قولهم هذا على سبيل التهكُّم بهم. 44ـ وسمعته يقول: "سبب تسمية تنبكتو عاصمة مالي أنه كان أناس يسكنون هناك وعندهم جارية إذا نزل المطر وضعوا حوائجهم عندها من أجل أن تحفظها واسمُها (انتبن أبكوت) ، وقالوا علينا: أن نبني هنا مدينة، فبنوا مدينة وسمّوها باسم هذه الجارية". 45 ـ وقال: "إنّ الهنود الذين طبعوا كتب الحديث وغيرها كانت قلّة الورق سبب في أن أن يجموا أكثرَ من كتابٍ ورسالة في مجلّد واحد أو أكثر، وطبعُهم للكتب يُعدُّ عملاً جبّارًا عظميًا. جزاهم الله خيرًا". 46ـ قال الوالد: "لما جئتُ إلى هذه البلاد السعودية كانت اللغة التركية سائدة فمنع الملك عبد العزيز من الكلام بها وبكلماتها". 47 ـ وقال: "إن مكتبة بولاق أحسن مكتبة في العالم". قلت: أظنُّه يعني في طباعة الكتب في وقتِها، وذلك لأنه كان المشرفون على الطباعة علماء في شتّى العلوم والفنون. 48 ـ وسمعته يقول: "دار الكتب المصرية أو المحمودية كانت حاوية على جميع التراث الإسلامي، ولكن سطا عليها نابليون ففرّقها". 49 ـ وسمعته يقول: "التراث يوجد في الثلاثة المعروفة ثم المتحف البريطاني: (مكتبة لندن) ، ثم الهند: (حيدر آباد الدكن) فيها خمس مكاتب للمخطوطات" ثم سردها كلها.

قلت: يعني بالثلاثة: تركيا، ومصر، والشام. إن أفريقيا ليس لهم علم إلا النحو. قلت (يعني) يغلب عليهم علم النحو وعلوم اللغة العربية. 50ـ قال الوالد: أدركت في المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام ثلاثة مُسَمَّعِين. قلت: يعني مؤذنين يؤذنون مرةً واحدة في وقت واحد ثم منعوا. 51 ـ وقال الوالد: "العالم كله اليوم علماني ما عدا هذه الدولة السعودية، والعلمانية هم عباد المادة". 52ـ قال الوالد: "إن اليهود أصل كل ضلال في هذه الدنيا". 53ـ قال الوالد: "العالم الذي نحن نعيش فيه لا يجوز أن تعيش فيه وأنت لا تفقهه". قلت يخاطب الوالد أحد تلامذته. 54ـ قال الوالد: "إن حكمت يار الزعيم الأفغاني رافضي والذي أدخله في الرفض دُسْتُم". 55ـ قال الوالد: "إن الاستعمار البريطاني (مكَّارٌ) ، والاستعمار الفرنسي (أحمق) ". 56ـ قال الوالد: "إنَّ الزيدية كان لهم نشاط كبير في نشر علم الحديث في اليمن كالشوكاني وغيره". 57ـ قال الوالد: "إن الأفريقي والأوروبي إذا تبنى واحد منهم العنصرية يكون شديداً فيها جداً".

58ـ قال الوالد: إن الطوارق الذين في بلاد مالي وغيرها قالوا عنهم قديما: اتفقوا على ألاَّ يتفقوا. 59ـ وقال: إن بلاد مالي حكامها في الأصل السودان ولكن سكنها البيض الذين خرجوا من ليبيا وغيرها وتكاثروا فيها ثم حكموها مائة سنة، والقاعدة أن البلاد لمن حكم. 60 - قال الوالد: كان الطوارق في البلاد إذا أراد بعضهم السفر إلى فرنسا وغيرها يصطحبون بعضاً منا وذلك أنهم يعتقدون أنهم إذا صحبهم أحد منا لا يصيبهم سوء. قلت: قوله (أحد منا) يعنى من العلماء الذين يجاورونهم في البلاد. 61ـ قال الوالد: إن القهوة التركية هي القهوة العالمية. أما القهوة التي في نجد، فهي في الجزيرة العربية. 62ـ قال الوالد: إن إفريقيا الغربية كلها من عادتهم إذا صلوا المغرب يقرؤون حزباً من القرآن. 63ـ قال الوالد: أمضينا وقتاً طويلاً مع الساعة العربية التي لم تتغير إلى الساعة الإفرنجية إلا في سنة 1385 هـ. 64ـ قال الوالد: لم يؤلف ويَنْشُر ويَطْبَع ضد الدعوة السلفية أحدٌ في الدنيا مثل تركيا ودولة الروافض في إيران. فإنَّ العقيدة السلفية ما قلَّ إنتشارها حتى حكم الأتراك وهم نقشبندية والنقشبندية أعداء للعقيدة السلفية. 65ـ قال الوالد: إن غالب المزوَّرين اليوم ضد الدعوة السلفية ويحذرون الحجاج والزوار منها.

66ـ قال الوالد: إن طلبة العلم في إفريقيا أول ما يَدْرُسُونَ مذهب ابن القاسم في فقه مالك ثم خليل يدرسونهما على أنهما مذهب مالك، ولهذا يقال كان الناس في أول الأمر مالكيين ثم قاسميين ثم خليليين ومازالوا. ثم قال: والقاسميون والخليليون قالوا مسائل تخالف ما في الموطأ ولم يقل بها مالكٌ في غيره". 67ـ وسمعته يقول: " إن الهنود يطبعون الكتب ولا يقومون بتحقيقها البتة، إنما قصدهم نشرها فقط، ولم يُحَّي علم الحديث بعد أن مات إلا الهنود وهم تلاميذ الصنعاني والشوكاني اليمانيين". 68ـ وسمعته يقول: "انصرف العرب عن العلم الشرعي فوضعه الله تعالى في أيدي العجم ثم تلا قوله تعالى: {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} ". 69ـ وسمعته يقول: "ما أحيا الحركة الحديثية –علم الحديث– بعد أن ماتت إلا علماء الحديث في الهند، وأغلبهم من تلاميذ الصنعاني والشوكاني". 70ـ وسمعته يقول: "إن الكتب التي كانت في بلاد وراء النهر في المشرق لا أمل في الحصول عليها، لأن التتر أخذوها ورموها في النهر عن بكرة أبيها". 71ـ وسمعته يقول: "كثير من أهل الرياض يُكَنَّون بعضهم باسم الأب إذا كان ميتاً أو حياً". 72ـ وسمعته يقول: "الكتب ضاع منها الكثير، وبقي الكثير". 73ـ وسمعته يقول: "من فاته علم الصرف فاته جل العلم هكذا يقول أهل هذا الفن".

74ـ وسمعته يقول: "يقولون القلم أعمى". 75ـ وسمعته يقول: "إن العراق فيها ثلاث قافات الافتراق والشقاق والنفاق". 76ـ وسمعته يقول: "كنا إذا أردنا أن نختبر أحداً يحفظ القرآن ذكرنا له آية وقلنا له اذكر ما قبلها". 77ـ وسمعته يقول: "إذا قال العلماء: عبارة (قال المتقدمون) فالمقصود من قبل القرن الرابع". والقرون الثلاثة الأولى هي قرون علماء السلف، ثم أتى بعد القرن الثالث الخَلَفُ". 78ـ وقال الوالد: "إن أفريقيا يعني بلده الأول – سنة 1364هـ- كان العلم منتشراً فيها وأما الآن فقد رحل منها وذلك منذ أن حَكَمَها حُكَّامُهَا في هذا الوقت، وفي أيام فرنسا يعني –الاستعمار– كان فيها علماء كبار في العلم أو كل منهم في علمه". قلت: قوله أما الآن يعني هذا القرن الخامس عشر الذي هو فيه. 79ـ وسمعته يقول: "المغاربة أيام الاستعمار كانوا يرغبون كثيراً في سُكْنَى المدينة النبوية ولهذا منهم كثير في المدينة". 80ـ قال الوالد: "نحن فتشنا العالم اليوم فلم نجد دولة تطبق الإسلام ومتمسكة به وتدعو إليه إلا هذه البلاد يعني -السعودية-". قال الوالد: "أهل اليمن هم العرب حقاً ولا نظير لهم في الأخلاق، وما وصفهم به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " الإيمان يمان، والحكمة يمانية " لم

يوصف به عربي قط. ثم قال الوالد: وترى الزيدي الذي يخالفك في الاعتقاد يتعامل معك أحسن معاملة". 82ـ وسمعته يقول: "طلبة العلم في البلاد (مالي) لا يتسلحون ولو بإبرة". 83ـ وسمعته يقول: "إن آل بركات كانوا يُعْرَفون بالزرنديين، وقدمت هذه الأسرة من بلاد إيران وسكنت بالعُلاَ قرب المدينة وخيبر، وهم من الأنصار، وكانت هذه العائلة معروفة بالعلم، وهي الآن تشتغل بالتجارة، وبالأخص تجارة الأقمشة". 84ـ وسمعته يقول: "إن الشناقطة ليس لهم مثيل في الرحلات، ولكن أَغلبها من أجل المعيشة". 85ـ إنَّ مدارس البنات رفضها المشايخ، ثم وافقوا عليها وهذا في سنة 1381هـ أو 1382هـ. 86ـ وسمعته يقول: "إنَّ تركيا حكمت إفريقيا ماعدا المغرب وكُنَّا نستغرب من عدم حكمها للمغرب. – قلت يعنى بالمغرب– المغرب العربي". 87ـ وسمعته يقول: "إنَّ المُحَدِِّثينَ قل أن يكون فيهم من يُحْسِنُ الخط (في الكتابة) ". 88ـ سمعته يقول: "حدثني سعد وكان في المدينة، أنَّ حرب الشريف مع الأتراك كانت سبباً في خروج الأنصار من المدينة وكان الأتراك يُخْرِجونَ الناسَ من المدينة بالقوة فيوزعونهم ما بين الشام ومصر وغيرهما. والسبب أنهم أرادوا أن يجعلوا المدينة مدينة عسكرية".

89ـ وسمعته يقول: "إن القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر قرنا الفتن، وكان الناس يأكل بعضهم بعضاً". 90ـ سمعته يقول: " إن المكاتب التي حوت التراث المخطوط هي: مكاتب تركيا. مكاتب مصر. مكاتب الهند. مكاتب العراق. ثم قال: لولا هذه الحوادث والفتن في العراق لاستفدنا منها". 91ـ وسمعته يقول: "إن النخاولة (وهم الروافض الذين بالمدينة النبوية) لقبهم هذا اختلف أهل العلم في سببه. فقال بعضهم: نسبة إلى النخل". 92ـ وسمعته يقول: " إن الأنصار لم تقم لهم دولة إلا في غرناطة". 93ـ وسمعته يقول: "إذا أردت الرجال فالغطغط هم الرجال، كانت أخلاقهم كأخلاق الصحابة. وإن شيخنا محمد عبد الله بن المحمود سأله بعض الناس عن السعودية، فقال: لا أخبركم ولكن اذهبوا إليها وابحثوا عن الإخوان –قال الوالد: يعني الغطغط– فإنهم مثل الصحابة رضي الله عنهم. فسأل أحد طلبة العلم الوالد قال: الغطغط نسبة إلى ماذا؟ قال الوالد: نسبة إلى مدينة قرب بريدة تعرف بالغطغط. ثم قال الوالد لهذا الطالب يمازحه: أين هم الآن؟ فقال: تحت التراب، دخلوا حرباً مع الإنجليز فقتلوهم". 94ـ وسمعته يقول: "العلماء الأوائل لا يُنْقِطونَ الكلمات ويقولون: التنقيط للعوام، وإنَّ الحجاج نقط القرآن بسبب كثرة العجم". 95ـ وسمعته يقول: " (بخش) كلمة هندية معناها عبد".

96ـ وسمعته يقول: "المصريون أساتذتنا وإخواننا، وهم أساتذة الأمريكيين والأوروبيين". 97ـ وسمعته يقول: "إن يوسف بن تاشفين من الطوارق". والطوارق كان أحدهم إذا عمل عملاً سيئاً، فأراد قومه أن يعاقبوه أخذوا بعمامته لينزعوها فيقول لهم: العمامة لا تنزع إذا كان لابد فانزع السروال". والطوارق تسودهم النساء بمعنى أن القبيلة تحكمها امرأة. 98ـ وسمعته يقول: "إنَّ أفريقيا اليوم ليس عند علمائهم إلا مختصر خليل والنظم". 99ـ وسمعته يقول: "إن المكتبة المحمودية يُضْرَبُ بها المثل في جمع التراث العلمي". 100ـ وسمعته يقول: "رأيت السالمي العُمَاني الاباضي في الحج واجتمعت به وبمن معه ولم أر أُناساً أشبه بالعرب من الخوارج في زيهم وأخلاقهم العربية في هذا الزمان وقد رأيت أُمماً من الناس". 101ـ وسمعته يقول: "اللغة بجميع أقسامها والفقه المالكي وعلم الكلام هذه الثلاث هي التي كانت متداولة في إفريقيا". 102ـ وسمعته يقول: "ما من دولة بعد الدولة الأموية مثل دولة يوسف ابن تاشفين (المرابطين) في نشر العلم والعقيدة السلفية، وإذا قرأت عنها تتعجب مما كانت عليه من نشر العلم، ومن بعد زوالها ضاعت المغرب". وسمعته يقول: "السبب في دخول بعض القبائل بالمدينة في الرفض والتشيع، أن أهل البادية كانوا إذا أقبلوا على المدينة في أيام الدولة

العثمانية أول ما يستقبلهم النخاولة فيتعاملون معهم في البيع والشراء، وَيَدْعونَهم إلى الرفض والتشيع. ثم قال الوالد: هذا الكلام قاله لي رجل من أعيان المدينة سألته عن سبب تشيع بعض القبائل". 104ـ وسمعته يقول: "ضاعت كتب كثيرة ولكن عندنا ما ينوب عنها". 105ـ وسمعته يقول: "إنَّ قصة العالم الهندي الذي اعتنق العقيدة السلفية وكان السبب قراءته لكتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حدثني بها شاهد عيان". قلت: وهذه القصة باختصار هي أن أحد علماء نجد أهدى لعالم من علماء الهند كتاب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب (التوحيد) ، ونزع الغلاف فلما قرأ هذا العالم هذا الكتاب اعتقد ما فيه. 106ـ وسمعته يقول: "في القرون الوسطى كان لا يقبل علم العالم إلا إذا كان صوفياً". 107ـ وسمعته يقول: "كلمة الزاوية لا تستخدم إلا عند الصوفية". وسمعته يقول: "مضى القرن السابع والثامن ولا يوجد في المدينة إلا الروافض وكذلك مكة ذكر ذلك ابن تيمية والذهبي والسخاوي وأنا اعتقد أنه لا يوجد للمسلمين عدو مثل الروافض واليهود. والروافض والدهم عبد الله بن سبأ وهو يهودي، وقد عقد شيخ الإسلام في منهاج السنة باباً

في بيان مشابهة الروافض لليهود. ولو أن سلطانا من المسلمين سايس الروافض واليهود ما أمن مكرهم، والروافض لا يعرفون من الإسلام شيئاً". 109ـ وسمعته يقول: "الأنصار أصلهم من قوم تبع، والأزد الذين منهم الأنصار من قوم تبع وتبع هذا هو المذكور في القرآن". 110ـ وسمعته يقول: "جبل وَرِقَان أكبر جبل في الحجاز". 111 ـ وسمعته يقول: "كنت قد سمعت في الزمن الماضي أنَّ جماعة الأخوان المسلمين تجمعوا في مصر في زمن الملك فاروق على أن يتفقوا في أن يُبَينُوا أنَّ الرفض يُعَدُ مذهباً من مذاهب المسلمين، ولابد أن يُدْمَج ضِمْنَها، ولهذا هم الذين أَيَّدوا ثورة الخميني وفرحوا به. وقالوا: إن الإسلام لا يوجد إلا عنده". 112ـ سمعته يقول: "إذا قال العلماء عبارة (قال المتقدمون) فالمقصود مَن قبل القرن الرابع. والقرون الثلاثة الأولى هي قرون علماء السلف، ثم أتى بعد القرن الثالث الخَلَفُ". 113ـ وسمعته يقول: "في أيامنا في الرياض كانت الكلية يطلق عليها المستوى العالي ولا يقال الكلية، والدراسات العليا تسمى التخصص". 114ـ وسمعته يقول: "أكثر التراث المخطوط في تركيا، ولما وقعت المعركة بين الشريف وتركيا أرسلت تركيا عشرات المركبات المتصل بعضها ببعض لغرض أن يُحْمَلَ فيها جميع ما يمكن الحصول عليه من المخطوطات سواء بمكة أو بمصر أو بالمدينة أو بالشام ثم العودة بها إلى تركيا، وقد حصل لها ذلك، وقد أخبرني أحد مشايخ المدينة أنه رأى هذا القطار وهو يحمل الكثير من المخطوطات التي بالمدينة".

قلت: وهذا الشيخ الذي أخبر عنه الوالد هو أبو بكر الشريف التنبكتي والد عبد الرحيم ومحمد الطيب. 115ـ وسمعته يقول: "أنا أتفاءل بأن أفريقيا عما قريب ستنتقل إلى عقيدة السلف إما كلها أو أكثرها. وقد كان يُلاَزِمني أحد التلاميذ من موريتانيا لقبه جَلَبَةُ، وكنت أُكْثِرُ أَن أقول له يا جَلَبَةُ أرجو أن تَجلِبَ التوحيد وعقيدة السلف إلى موريتانيا". 116ـ وسمعته يقول: "لا يطلق على الدكاترة مشايخ بل يقال لأحدهم: دكتور كما اصطلحوا عليه". 117ـ وسمعته يقول: "الموقع المسمى (باب لُد) الذي يقتل فيه عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام الدجال، اتخذه اليهود اليوم مطاراً". 118ـ وسمعته يقول: "إن الإخوان المسلمين من أنصار الخميني والروافض". 119ـ وسمعته يقول: "إن هذا الزمان جاء فيه ثلاثة رجال تسببوا في انحراف بعض الشباب وهم:1- جهيمان. 2-الخميني. 3- صدام حسين. 120ـ وسمعته يقول: "وقفت على كتاب لأحد علماء اليمن شرح فيه (زاد المعاد) لابن القيم –وقرأت فيه مسألة في الحج– وهذا الكتاب موجود في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية". 121ـ وسمعته يقول (مازحاً) : "من أراد أن ينال الماجستير والدكتوراه في أسرع وقت فعليه بدولتين (مصر وباكستان) فإنه يأخذها بالمال في هاتين الدولتين غالبًا إن شاء الله".

122ـ وسمعته يقول:"إن جريدة المسلمين تأتي أحيانا (بِخُزَعْبَلات) وهذه الجريدة كنت أقتنيها لأن فيها فتاوى بعض طلبة العلم". 123ـ وسمعته يقول: "إن بدعة الإرجاء نشرتها الحكومة العثمانية أثناء حكمها للدنيا". 124ـ وسمعته يقول: "أخبث نِحَلتين اليهود والهندوس، والهندوس أخبث من اليهود". 125ـ وسمعته يقول: "المدينة النبوية الآن لا يوجد فيها أحد من نسل القبائل التي كانت في المدينة على عهد النبي عليه الصلاة والسلام". قلت: يعني –في الغالب أو الأكثر– وأما مكة ففيها قليل من الذين كانوا من قبل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام –بمكة-. 126ـ وسمعته يقول: "صليت بمسجد قباء وعند الخروج من المسجد التقيت بدكتور كبير في السن أعرفه جيداً فسلمت عليه وقلت له: كيف أنت يا شيخ؟ فغضب وقال لي: لا تقول لي يا شيخ، فإن كلمة شيخ أهينت وذلك أَنَّي كنت بمكة فرأيت إمراة كبيرة في السن آذاها كلب فقالت له اذهب عني يا شيخ، فبعد هذا الذي سمعته من المرأة كرهت كلمة شيخ، وأيضاً فإن لقب (دكتور) أكلتُ بسببه وشربت". 127ـ وسمعته يقول: "إن مدينة جدة ضبطها بضم الجيم". 128ـ وسمعته يقول: "إن المدرسة الصولتية أكثر من كان فيها من الغرباء من الهند واندونيسيا وغيرهما". 129ـ وسمعته يقول: "إن المرض المنتشر في الجزيرة العربية الآن هو مرض الأفخاذ والساق وهو مرض يمنع الحركة".

130ـ وسمعته يقول: "إنَّ الأمطار صحة – فلما فقدناها الآن أصبحنا مرضى. ثم قال: والمدينة النبوية – كانت تكثر فيها العيون من الماء (وكان بجوار المسجد النبوي عين ماء) فيها سمك من غزارتها وكثرتها وذلك سنة 1369هـ ولما جئت إلى المدينة سنة 1385هـ سألت عنها فقيل لي إنها غارت أخذتها الارتوازات. وكان حي سيد الشهداء تكثر فيه العيون". 131ـ وسمعته يقول: "كان بالمدينة النبوية على أيامنا في كل بيت بئر لأصحاب البيت". 132ـ وسمعته يقول: "إن السَحَرةَ عند الأفارقة محترمون". قلت: يعني عند العوام وبعض من ينتسب إلى العلم. 133ـ وسمعته يقول: "إن الهنود يطبعون كتب العلم بكثرة ولكن لفقرهم يَضمَّون الكتب مع بعضها فيطبعونها. قلت: يعنى يضعون أكثر من كتاب مع بعضها في مجلد واحد أو أكثر". 134ـ وسمعته يقول: "أصيبت الكويت على يد صدام حسين (حاكم العراق) بما لم تُصَب به بغداد على يد التتر". 135ـ وسمعته يقول: "أتمنى العثور على تاريخ نيسابور لأهميته –ثم قال: وإن هذا التاريخ كان في القرن العاشر موجوداً وأنا أكاد أجزم أنه موجودٌ الآن في إيران والبرهان على هذا –أنَّ أحد الروافض من –طهران– قام باختصار التاريخ– وهذا الاختصار في مجلد موجود عندي بالمكتبة وله مقدمة بالفارسية.

136ـ وسمعته يقول: "أشراف مكة حسنيون والتشيع فيهم قليل وأشراف المدينة حُسَينيون والتشيع فيهم كثير". 137ـ قال الوالد: "إن الملك فيصل -رحمه الله- لما أمر بفتح مدارس للبنات، جاء جمع من العلماء كبير من أهل نجد إليه يعارضون فِعلهُ فقال لهم الملك: "أنا فتحتها لمن يريد وأنا لا أجْبِرُ أحداً على الدخول فيها". 138ـ سمعت الوالد يقول: " إن الشاة (هكذا ينطقها بالتاء المربوطة) تهكّمًا به -يعني شاه إيران- كان علمانياً وأخو ميني (هكذا ينطقها) ويقصد به الخميني كان رافضيا وفي زمن الشاة كان يأتي إلى الجامعة طلاب من إيران وقد ادركتُهُم ثم لما عادوا إلى إيران بعد الدراسة في الجامعة قبضت عليهم حكومة الخميني التي تولت بعد الشاة". قلت: يعني الوالد أن زمن الشاة لم يكن الروافض لهم قوة وسلطة فكان أهل السنة من أهل إيران في سعة وراحة. 139ـ سمعت يقول: "إنَّ أوروبا كلما تغلبت على بلد من بلاد المسلمين سرقت تراثهُ من المخطوطات وغيرها وهم يعرفون أهمية هذا التراث". 140ـ وسمعته يقول: "إن أهل القصيم يسكن كثيرٌ منهم المدينة النبوية، وأهل الرياض الموجود منهم بالمدينة قليل..". 141ـ قال الوالد: "إنَّ فلسطين مصابة من قديم من النصارى وغيرهم".

142ـ وسمعت الوالد يقول: "كان الناس في الرياض إذا أضافك أحدهم يقدم لك ماء وتمرًا وذلك لقلة ذات اليد، أما الآن فقد شبع الناس". 143ـ سمعته يقول: "علم الحديث من القرن الثاني الهجري إلى الخامس ما خدمه إلا العجم من علماء المسلمين وهذه الظاهرة قد تكلم عليها الحافظ بن حجر في أحد كتبه". 144ـ وسمعته يقول: "عندما دخل الملك عبد العزيز –رحمه الله تعالى- الحجاز كان يسكنها كثير من الخرافيين وولي على المدينة أحد علماء نجد فكان يعاملهم بالشدة بحيث يأتي بهم إلى ديوانه ويأمرهم بكتابة توبتهم في الرجوع عن البدع ولكن يتعهدون ولا ينجزون العهود وأكثرهم مات على عقيدته –والله المستعان-". 145ـ وسمعته يقول: "إنَّ الحافظ عمر بن عبد البر –رحمه الله تعالى– أكد بعد البحث أنَّ الأكراد من أصل عربي في كتابه (القصد والأمم) ". 146ـ التصوف غير – والصوفية غير. 147ـ وسمعته يقول: "هذا العصر أطلق عليه عصر ظهور العورات فلا تكاد إمرأة في الخارج إلا وهي منكشفة متبرجة". 148ـ وسمعته يقول: "الموالي لا يُعرف آباؤهم في الغالب". قلت: وذلك بسبب انتسابهم إلى أسيادهم. 149ـ وسمعته يقول: "إن أهل البادية كانوا في زمن الحكومة التركية جياعًا، حيث كانت الحكومة التركية مضيِّقة عليهم، مما جعل بعضهم يسرق أموال الحجيج ويقطع الطريق بسبب الجوع ونحوه".

150ـ سمعته يقول: "أغلب تلاميذ الإمام مالك من المصريين". 151ـ سمعته يقول: "إن أهل أفريقيا البيضاء عندهم عقيدة أو اعتقاد في اسم محمد". 152 ـ وسمعته يقول: "لما جئت إلى هذه البلاد كانت اللغة التركية سائدة حتى منع الملك عبد العزيز -رحمه الله- من الكلام بها وبكلماتها". 153ـ وسمعته يقول: "إن مكتبة بولاق أحسن مكتبة في العالم". قلت: أظنه يعني في طباعة الكتب في وقتها، وذلك لأنه كان المشرفون على الطباعة علماء في شتى العلوم والفنون. 154ـ وسمعته يقول: "إن المفسرين بحق هم الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم من العلماء المفسرين إلى القرن الرابع، ومن جاء بعد هذا القرن وفسر القرآن العظيم فأغلبهم أصحابُ رأي لا تفسير للقرآن". 155ـ وسمعته يقول: "إن اللغة العربية تنقسم إلى قسمين: ـ منثورة. ـ منظومة". 156ـ وسمعته يقول: "إن الرفض أتى من قبل العجم، أما العرب فلم يكونوا روافض، ولكن بعد أن اختلط العجم بالعرب أصبح فيهم روافض".

وبسبب انتشار الجهل في القرن السابع والثامن والتاسع والعاشر في العرب ضاع العرب، وأصبحوا لقمة سهلة في يد من يريد، ولكن عندما كانوا منشغلين بالعلم لم يستطع أحد أن يفرّقهم ويتغلّبَ عليهم". 150ـ وسمعته يقول: "إن العلم كاد أن يموت، وذلك في القرن الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر، ولذلك سببان: ـ الاستعمار. ـ التعصب المذهبي البحت. والدليل على الثاني: أني عندما كنت في أفريقيا سألتُ مالكيًّا: من هو الإمام مالك؟، فقال: هو خليل. وهذا الجواب دليلٌ على جهل بعض من زعم أنه على مذهب الإمام مالك من أتباع الإمام مالك، بل إن أكثرهم لا يعرف عن (الموطأ) ولا غيره من الكتب الثابتة التي تُكْثرُ الاستدلال بالآثار ولا تأخذ بالآراء المُعَرَّضة للخطأ والصواب".

كتب العلماء

كتب العلماء ... 1ـ سمعته يقول: " (كشف النقاب) لابن الجوزي يعدّ أوسعَ كتاب في الألقاب، والله تعالى أعلم". 2ـ وسمعته يقول: "كتاب (الإشراف) ، وكتاب (الاختلاف) لابن المنذر، و (سنن سعيد بن منصور) ، و (المحلّى) لابن حزم، و (المصنّف) لابن أبي شيبة، و (المصنّف) لعبد الرزّاق هذه الكتب هي التي تذكر الأمور الفقهيّة بالدليل والآثار عن الصحابة -رضي الله عنهم-". 3ـ سمعت الوالد يقول: " (تاريخ السَّرَّاج) مفقود". 4ـ سمعت الوالد يقول: "كتاب الحافظ ابن حجر (لسان الميزان) ينقسم إلى الأمور التالية: ـ رجال قصّر فيهم الحافظ الذهبي فزاد ابن حجر الكلامَ فيهم. ـ ورجالٌ زادَهم الحافظ ابن حجر". 5ـ سمعت الوالد يقول: " (فنون العجائب) للنقّاش من أعجب الكتب". وقال: "للحربي كتبٌ أغلبُها مفقود". قلت: يعني به: الحافظ المحدِّث تلميذ الإمام أحمد: وهو إبراهيم الحربي أبو إسحاق. 6ـ سمعت الوالد يقول: "أكبر كتاب للدارقطني بعد (الأفراد والغرائب) : (العلل) له". 7ـ قال الوالد: "السخاويّ جمعَ ما لم يجمع غيرُه في كتاب (فتح المغيث) ".

8ـ وقال: "المستخرجات على البخاري لا يوجد منها شيء". قلت: يعني لا يوجد منها مخطوط في متناول اليد. 9ـ سمعت الوالد يقول: "إن نصيحة الحافظ الذهبي لابن رافع تستحقّ أن تُكتب بماء الذهب، فهي نصيحة جيّدة، والله تعالى أعلم". قلت: هذه النّصيحة مخطوطة، وقد حقّقها الأخ جمال عزّون الجزائري بطلبٍ من الوالد، وهذه المخطوطة ضمن مكتبة الوالد. 10ـ وسمعتُه يقول: "كتب ابن أبي داود كلها مفقودة إلاّ كتابين فقط، والله تعالى أعلم". 11ـ قال الوالد: "أكبر كتاب في الزوائد كتاب البوصيري وهو بالأسانيد". يعني: كتابه: (إتحاف الخيرة المهرة) وهو مطبوع. 12ـ قال الوالد: "الطبراني الكبير ناقص منه أربع مجلدات مخطوطة، منها (مسند علي رضي الله عنه) ، و (أبو هريرة رضي الله عنه) . وكذلك اختصار (تاريخ دمشق) لابن منظور ناقص من الوسط خمس مجلدات". 13ـ سمعت الوالد يقول: "إن كتاب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التوحيد لم يؤلَّف مثله من قبل، وأهل العلم الأوائل يستطيعون الكتابه مثله وأحسن". 14ـ وقال الوالد: "إن (الموضوعات) لابن الجوزي اختصره السيوطي وزادَ عليه".

15 ـ سمعت الوالد يقول: "ابن المنذر له تفسيرٌ قلّ مَن كتبَ مثلَه". 16 ـ سمعت الوالد يقول: " (المعجم المفهرس) للحافظ ابن حجر يدلّ على سعة اطلاعه على كتب الحديث". 17 ـ وقال الوالد: "كتاب (بدائع الفوائد) للإمام ابن القيم هو تذكرة له، وفيه فوائد في الحديث وغيره، وفيه فوائد نادرة". 18 ـ وقال الوالد: " (الكتاب الأخضر) هو الكتاب الأفجر، وكلُّ من أراد أن يأكل ويعيش تسمّى باسم الإيمان وهو فاجر فاسق". قال هذه الكلمة عند ذكر التُّرابي. 19 ـ قال الوالد: "إذا أُطلق النيسابوري في التفسير فالمراد به المخرِّف". قلت: وتفسيره كما كان الوالد يقول لنا هو في حاشية تفسير ابن جرير المطبوع قديمًا طبعة قديمة جدًّا، وهي موجودة عندَه. 20 ـ قال الوالد: "قلَّ أن يوجد كـ (المجموع) للنووي في الفقه". 21 ـ وقال الوالد: "ابن يونس يترجم للمصريّين حتى الغرباء منهم". قلت: في (تاريخه) عن مصر. 22 ـ سمعت الوالد يقول: "كتاب (الواسطية) وفّق فيه شيخ الإسلام، فقد جمع فيه التّوحيد كله، واختصرتّها في خمس نقاط، كل نقطة تأخذ محاضرة قدرها ساعتان". 23 ـ سمعت الوالد يقول: " (المغني) أُلِّف هذا الكتاب في عشرين مجلّدًا، وهذا الكتاب ما ترك شيئًا من الفساد إلاّ ذكرَه"، قلت: وكتاب (المغني) -هذا- لعبد الجبار المعتزلي المشهور".

قلت: (المغني) هذا لأحد كبار المعتزلة في القرن الخامس، وكلُّه من أوّله إلى آخره في عقيدة الاعتزال. 24ـ وسمعتُه يقول: " (العقيدة الواسطية) لشيخ الإسلام ابن تيمية كبيرة المعنى، نستطيع أن نضع في شرحها مجلدات". 25ـ وسمعتُه يقول: "لو فُهرست أحاديث (تاريخ دمشق) لكانت موسوعة هائلة". يعني: أنّ أحاديثه كثيرة جدًّا. 26ـ وقال الوالد: " (مصنف عبد الرزاق) عبارة عن كتابين الأول منه يسمى (المصنف) ، والآخر منه (الجامع) ". 27ـ وقال الوالد: "إنّ عقيدة الطحاوي مشوبة بأشياء خطيرة ولكنها قليلة جداً من اعتقاد الماترديّة". 28ـ وقال الوالد: " (تاريخ ابن أبي خيثمة) من أكبر التواريخ، وقد تعبنا في البحث عنه ولم نجد منه إلا قطعتين صغيرتين". قلت: وهاتان القطعتان عُثر عليهما في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية مكتوب عليهما: (معجم الطبراني الكبير) . 29ـ وسمعتُه يقول: " (المدونة) تسمى عند أهل العلم بالمدوّنة". ثم قال: "ومعناها أنها دَوَّنت أقوال أصحاب مالك، وفيها ما هو مخالف لمالك". 30ـ وقال: "مذهب مالك في كتابين: (الموطأ) و (المدونة) ". 31ـ وسمعتُه يقول: "كتب القابسي لا يوجد منها إلا اختصاره لموطأ ابن القاسم".

32ـ وقال الوالد: "كتاب (تاج العروس) أحسن من (لسان العرب) ". 33ـ وسمعتُه يقول: "كتاب (فتح المغيث) أوسع وأكثر تقييدًا لعلم مصطلح الحديث". 34ـ وقال: "كتاب (الفوائد) للخطيب يوجد المجلّد الثاني، وأما المجلّد الأول فلا يوجد". 35ـ سمعت الوالد يذكر كتاب (المبهات) لولي الدين أبي زُرعة، و (المبهمات) للخطيب، و (المبهمات) لابن بشكوال وأوسعُها كتاب (المبهمات) لابن بشكوال". قلت: يذكرها على سبيل أنّها هي كتب المبهمات المشهورة. 36ـ قال الوالد: "إنّ القسطلاني أخذ شرحه من شرح الحافظ، والله أعلم". قلت: يعني الوالد غالب شرح القسطلاني للبخاري نقولات من شرح الحافظ ابن حجر للبخاري. 37ـ قال الوالد: "أول كتاب انتَقَد (صحيح مسلم) كتاب (العلل) لابن الشهيد". قلت: وهو كتابٌ مطبوع. 38ـ للشقراطيسي نظمٌ في السيرة مخطوط عند الوالد قال عنه: "قلّ من يعرف عنه، وهو كتابٌ مفيدٌ جدًّا، عندي منه نسختان، نسخة اقتنيتُها في أفريقيا". قلت: الشّقراطيسي: من علماء الأندلس.

39ـ سمعت الوالد يقول: "كتاب (الأحاديث المعلولة في صحيح مسلم) دَرَس صحيح مسلم دراسة عندي هي أحسن من دراسة الدارقطني، وهو كتابٌ مع صغرِه فيه فوائد"، قلت: المؤلف: ابن الشهيد. 40ـ قال الوالد: " (صحيح ابن خزيمة) ومسند إسحاق بن راهوية كليهما لم يُعْثر على تكملتِهما". ثم قال الوالد: "إن الحافظ ذكر أنّ هذين الكتابين لم يُعثر على بقيّتهما". 41ـ سمعت الوالد يقول: "كتاب ابن عبد البر اسمه (الاستيعاب من الأصِّحاب) ". 42ـ قال الوالد: " (تقييد العلم) للخطيب صوّر كيف الإنسان يكتب ومتى ينشُر". 43ـ وسمعتُه يقول: "كتاب (الأحكام) لعبد الحق ينقسم إلى ثلاثة أقسام: ـ كتاب الأحكام الكبرى: وهو بالأسانيد، ولا يتكلّم على الأحاديث، لأنّه أسندها، وهو في ثمان مجلّدات -أي: الأصل-. - كتاب الأحكام الوسطى: وهي اختصار الكبرى، وحذف الأسانيد منها، وتكلّم على الأحاديث. ـ أما الصغرى: فهي اختصار الوسطى، وذكر فيها أحاديث الترهيب والترغيب والأحكام باختصار ولا يتكلّم فيها على الأحاديث". 44ـ وسمعتُه يقول: "الهيثمي في كتبه التي ألفها في الزوائد لا يتكلّم على الأسانيد، ولكن في (المجمع) يتكلّم لأنه حذف الأسانيد". قلت: يعني (الزوائد المفردة) مثل زوائد مسند الحارث بن أسامة وغيرها.

45ـ وسمعتُه يقول: "إنه قرأ كتاب ابن تيمية (نقض التأسيس) فوجد أنّ هذا الكتاب لا يقدر عليه من ناحية الفهم إلاّ من له لسان الفلسفة، فإنّ الشخص يقرأ فيه أكثر من صفحة، فينتهي من قراءته لم يفهم شيئًا بسبب كثرة الفلسفة في الكتاب". 46ـ سمعته يقول: "كتبتُ على نسخة (الكشّاف) للزمخشري الحكمة المشهورة: "رُبَّ أمٍّ لولا ابنها طُلِّقت" وذلك أنّ هذه النسخة طُبعت قديمًا وفي حاشيتها كتابٌ نفيسٌ للحافظ ابن حجر وهو (تخريج أحاديي الكشّاف) ، فلهذا اقتنيتُ كتاب (الكشّاف) وإلاّ فهو كتاب صاحبه معتزليٌّ يَدُسُّ السُّمَّ في الدّسَم". 47ـ سمعته يقول: "لم نعثر على مستخرج ابن منده كاملاً". 48ـ قال الوالد: "لم نجد كتابًا مستقلاًّ يحمل اسم (كتاب الإيمان) للإمام أحمد، وإنما الموجود ضمن (جامع الخلاّل) ". 49ـ قال الوالد: "مسائل الإمام أحمد أغلبُها فيها أسئلة عن العقيدة ما عدا المسائل لابنِه عبد الله فأغلبها في الفقه". 50ـ قال الولد: "أجمعوا على أنّ أكبر المسائل عن الإمام أحمد: مسائل الكوسج، وهو مطبوع في رسائل جامعيّة، وفيه أنواع الفنون". 51ـ وقال: "قرأتُ (الإصابة) في الصحابة أكثرَ من مائة مرّة، لأنه أفضلُ كتاب في هذا الباب. وأغلب الكتب في تراجم الرجال مرتّبة على الحروف الهجائيّة". 52ـ قال الوالد: "كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) ثبت عندي أنه للإمام أحمد، والبعض لا يثبته للإمام".

53ـ قال الوالد: "أوسعُ مَن كتب عن الإمام أحمد هو الحافظ ابن الجوزي". 54ـ قال الوالد: "الكتب التي تُنْسبُ للإمام أحمد أكثرها إملاءات من الإمام نفسه". ثم قال الوالد: " (المسند) هو الذي كتبه، و (السنة) هو الذي كتبها، و (السنة) كبير وصغير". 55ـ قال الوالد: " (مسائل الإمام أحمد) منها ما يتعلّق بالعقيدة والرجال والفقه والعلل". 56ـ قال الوالد: "كتاب (الصلاة) الصحيح أنه للإمام أحمد، وأنا عندي نسخة مخطوطةٌ له". 57ـ أخرج الوالد -رحمه الله تعالى- ذات يومٍ رسالةً مكتوبة بالآلة الكاتبة فقال: هذه رسالة للشوكاني اسمُها: (إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع) ، ثم قال: "وهذه الرسالة أعتقد أنّ كثيرًا من الناس لم يرها، وهذا المؤلف الشوكاني وضع نفسه فيها حَكَماً بين ابن حزم والجمهور". 58ـ وسمعته يقول: "إن ابن رجب ألّف كتابه (شرح البخاري) ووصل فيه إلى الجنائز، ثم ذهب هو إلى الجنازة". 59ـ وسمعته يقول: "كتب (الإبانة) كالتالي: ـ (الإبانة) للحافظ السزجي: الكبيرة: لم نرها، والصغرى: موجودة. ـ (الإبانة) لابن بطة الكبرى، والصغرى: الكبرى: حقّق نصفها وطبع، والنصف الثاني حقّق ولم يُطبع. الصغرى: حقّقت كلها. ـ (الإبانة) لأبي الحسن الأشعري. ـ (الإبانة) للحافظ الصابوني".

60ـ وسمعته يقول: "إسحاق بن غانم له رسالةٌ في الرد على ابن الجوزي ردًّا قويًّا. ولابن الجوزي رسالة في الردّ على الحنابلة وعقيدة السلف. وكلتا الرسالتين موجودتان عندي". 61ـ وسمعته يقول: "كتاب (الكشّاف) للزمخشري هو كشّاف عن فضائحه، يقال: إذا قيل له: من أنت؟، يقول: "أنا رئيس المعتزلة". 62ـ سمعته يقول: "إن الإمام مسلمًا رتّب صحيحه ترتيبًا عظيم الفائدة. والنووي هو الذي بوّب كتاب (صحيح مسلم) ، أي: قال: باب كذا، وباب كذا". 63ـ وسمعته يقول: "كتاب (الكشف عن مجاوزة الأمة الألف) ملخّصه أنّ السيوطي يهدف إلى استخراج مسألة من هذه الروايات الضّعيفة تدلّ على أنّ قيام الساعة في القرن الخامس عشر". 64ـ وسمعته يقول: "إن (صحيح مسلم) لم يشرحه النووي شرحًا وافيًا، بل شرحه شرحًا مختصرًا". 65ـ وسمعته يقول: "إن السواك أُلّف فيه مؤلفات عديدة، أحسنها كتاب أبي بكر الشّافعي، وعنوانه: (السواك وما أشبه ذاك) موجود، وهو مخطوط". 66ـ سمعته يقول: "أحسن كتب السيرة النبوية: كتاب الحافظ ابن كثير، وهذا الكتاب أقرب كتب السيرة إلى الصحة، ومن الصعب أن يكتب أحدٌ سيرة صحيحة".

67ـ وسمعته يقول: "إن كتاب الشيخ الأمين الشنقيطي لو أُطْلِقَ عليه أضواء البيان في بيان آيات الأحكام لكان أولى من قوله: (أضواء البيان في تفسير القرآن بالقران) ". 68ـ وسمعته يقول: "كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد لامثيل لهما ولم يؤلف من قبل ولا من بعد مثلهما في توحيد الألوهية". 69ـ وسمعته يقول: "إن كتاب فضائل المدينة لملا خاطر جمع فيه أشياء لا أصل لها وهو كتاب غريب". 70ـ وسمعته يقول: "إن كتاب الاعتقاد لابن الجوزي كتاب ضلالٍ لا يصلح". 71ـ وسمعته يقول: "كتاب الشيخ تقي الدين الهلالي (سبيل الرشاد) ما أُلَّف في عصرنا مثله في التوحيد". 72ـ وسمعته يقول: "إن كتاب أجوبة ابن سيد الناس أحسن من كتاب أجوبة السخاوي -رحمهما الله تعالى-". 73ـ وسمعته يقول: "كتاب الأذكار للنووي كتاب جيد". 74ـ وسمعته يقول: "إن تفسير القرطبي المعروف -بجامع الأحكام- هو عندي: ليس بتفسير إنما هو كما سماه المؤلف جامع لأحكام القرآن. وكذلك كتاب ابن العربي والجصاص. وهؤلاء يستفاد من كتبهم فوائد لا تفسير". 75ـ سمعته يقول: "إن كتاب المستصفى للغزالي– فيه علم كثير". 76ـ سمعته يقول: "إن كتاب النابلسي في النسيان –مخطوط– قرأته فرأيت أنه لا يُستَفادُ منه وهو كتاب ملئُ بالخرافات".

77ـ وسمعته يقول: "إن شيخ الإسلام بن تيميه له كتابان في الإيمان وهما:- - كتاب كبير. - كتاب صغير. 78 ـ سمعته يقول: "إن أحسن نسخ الترمذي –النسخة التي اعتمدها الحافظ ابن سيد الناس- في شرحه لسنن الترمذي". 79ـ سمعته يقول: "تهذيب الكمال يعد بحراً خِضَمَّاً من يسبح فيه يغرق". 80 ـ سمعته يقول: "إن كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على البكري والأخنائي– فيهما من علم شيخ الإسلام ابن تيميه ما لا يوجد في أكثر كتبه". 81ـ سمعته يقول: "إن كتاب الحافظ الذهبي (من يعتمد قوله في الجراح والتعديل) كتاب مفيد جداً في مسائل الخلاف الواقعة في الجرح والتعديل". وكذلك كتاب الحافظ المنذري في الجراح والتعديل وهو عبارة عن أسئلة وأجوبه مفيد جداً. 82 ـ سمعته يقول: "إن البيضاوي وأبا السعود وأمثلهما أرادوا بتصنيفهم تفسير كتاب الله عز وجل أن يُرَوَّجوا تصوفهما والتصوف على الناس". 83ـ وسمعته يقول: "أحسن ما ألَّف في الفتن وأشراط الساعة -كتاب الفتن- لاِبن كثير (الحافظ) وذلك أنه يبيِّن الضعيف والصحيح وغيره من الكتب فيه كل ما هب ودب".

84ـ قال الوالد: " إنَّ النووي في كتابه المجموع يَدْرُسُ الأحاديث ليس كالمغني لابن قدامه فإن المغني يوردها في الغالب فقط". 85ـ قال الوالد: " إن كتب زين دحلان الخرافي كانت تُوَزْعُ في بلاد مالي بأفريقيا". 86ـ قال الوالد: " إن كتاب التحف للشوكاني هو كتاب في العقيدة جيد وقد اشتغلت به قديماً ولكن فيه مسألتان وقع الشوكاني في الخطأ فيهما ثم قال لنا: سأطلعكم على هاتين المسألتين". 87ـ قال الوالد: "الرسالة للشافعي أول ماألَّف في الأصول الشرعية وليس في الرسالة شائبة. ثم قال وكذلك الموافقات للشاطبي ليس فيه شائبة إنما فيه أمور تحتاج الى تعديل وأما الإحكام لابن حزم ففيه شواذ فمن لم يقرأه على من يعرفها وقع فيها وما عدا ذلك من كتب أصول الفقه فهو ما بين أشعري وماتوريدي وهي كثيرة". 88ـ قال الوالد: "الحقيقة أن النووي في تعليقاته على أحاديث صحيح مسلم يترك فوائد وعلماً في هذه الأحاديث لا يتعرض لهما وأهل العلم يقولون السبب في ذلك أن النووي اعتمد في شرحه هذا على المغاربة". 89ـ قال الوالد: " إن السيوطي لما عمل كتابه الجامع الكبير في الحديث لاشك أنه عمل معه تلاميذه واصحابه وغيرهم". 90ـ قال الوالد: "أول ما كانت تُنْشَر الصحيحة للألباني في مجلة وكنت اشتريها أولاً بأول كلما تصدر". 91ـ وقال: "من فوائد كتاب الأعلام للزركلي فائدة مهمة وهي: ذِكْرُهُ لمصادر ترجمة كل رجل يترجم له".

فيهما ثم قال: والفوائد التي تتعلق ببعض الأمور الشرعية مثل نونات الإيمان فإن ابن القيم كثيراً ما يورد في كتبه هذا النوع من الفوائد". 106ـ وسمعته يقول: " إن كتاب (فرحة الأنفس في تاريخ الأندلس) لأبي غالب التميمي من أحسن الكتب في تاريخ الأندلس". 107ـ وسمعته يقول: "من أحسن من ألف في أنساب الناس وقبائلهم العلامة القلقشندي". 108 ـ وسمعته يقول: " إن الرد الذي كتبه صالح السندي على الحداد فيه فوائد وأشياء مجملة، وهذه الأشياء المجملة قد تكون طريقاً للخصم". 109ـ وسمعته يقول: " إن كتاب الصحاح للجوهري فيه غُنْيةٌ للناس، وما فات الصحاح فالناس في غِنَى عنه". 110ـ وسمعته يقول: "إن الاعتماد على الفتاوى التي في خمسة وثلاثين مجلداً لا ينبغي وتحتاج إلي إعادة النظر وقد وجدت فيها تصحيفاً وتحريفاً". 111ـ وسمعته يقول: "إن كتاب السنة للخلال -رحمه الله- مكتبة كاملة، قلت لما اشتمل عليه من العقيدة والفقه والحديث وغير ذلك". 112 ـ وسمعته يقول: " إن محمد العربي بن التباني بن الحسين الواحدي المغربي المدرس بمدرسة الفلاح بمكة خرافي أعرفه، كنت أحضر دَرَسه في المسجد الحرام، وكتابه (إسعاف المسلمين والمسلمات بجواز القراءة ووصول ثوابها إلى الأموات) كتاب لا يجوز أن يقرأه إلا مُحَدَّثٌ حتى يُمَيَّزَ بين الأحاديث التي فيه وهذا الكتاب ينبغي أن يُحْرَقَ.

97ـ وسمعته يقول: "الخازن صاحب التفسير صوفي وهو لا يعرف الحديث ولكن له تعليقات جيده ومفيده". 98ـ وسمعته يقول: "إن كتاب السخاوي الأجوبة الحديثية كتاب عظيم النفع". 99ـ وسمعته يقول: "وكتاب (الإتحاف في أطراف الكتب العشرة) للبوصيري كتاب عظيم". 100ـ وسمعته يقول: " إن الصاوي صاحب الحاشية على تفسير الجلالين صوفي وخرافي كبير". 101ـ وسمعته يقول: "أحسن كتاب في المؤتلف والمختلف الإكمال للأمير ابن ماكولا". 102ـ قال الوالد: " إن شرح الأربعين النووية لابن رجب كتاب جيد". 103ـ وسمعته يقول: "وكتاب المستخرج للإسماعيلي من أحسن المستخرجات". 104ـ سئل الوالد -رحمه الله- عن كتاب ضوابط الجرح والتعديل للدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف؟ فقال: "هو كتاب جيد والدكتور شاب جيد، ولو كان يُذَاكِرُ طلبة العلم لكان له مستقبل في العلم". وسمعته يقول: "إن مفتاح دار السعادة والفوائد كلاهما لابن القيم كتابان مفيدان جداً، وفيهما فقه كثير، وقل من الناس من يشتغل

فيهما ثم قال: والفوائد التي تتعلق ببعض الأمور الشرعية مثل نونات الإيمان فإن ابن القيم كثيراً ما يورد في كتبه هذا النوع من الفوائد". 106 ـ وسمعته يقول: "إن كتاب (فرحة الأنفس في تاريخ الأندلس) لأبي غالب التميمي من أحسن الكتب في تاريخ الأندلس". 107 ـ وسمعته يقول: "من أحسن من ألف في أنساب الناس وقبائلهم العلامة القلقشندي. 108ـ وسمعته يقول: " إن الرد الذي كتبه صالح السندي على الحداد فيه فوائد وأشياء مجملة، وهذه الأشياء المجملة قد تكون طريقاً للخصم". 109ـ وسمعته يقول: " إن كتاب الصحاح للجوهري فيه غُنْيةٌ للناس، وما فات الصحاح فالناس في غِنَى عنه". 110ـ وسمعته يقول: "إن الاعتماد على الفتاوى التي في خمسة وثلاثين مجلداً لا ينبغي وتحتاج إلي إعادة النظر وقد وجدت فيها تصحيفاً وتحريفاً". 111 ـ وسمعته يقول: "إن كتاب السنة للخلال -رحمه الله- مكتبة كاملة، قلت لما اشتمل عليه من العقيدة والفقه والحديث وغير ذلك". 112ـ وسمعته يقول: " إن محمد العربي بن التباني بن الحسين الواحدي المغربي المدرس بمدرسة الفلاح بمكة خرافي أعرفه، كنت أحضر دَرَسه في المسجد الحرام، وكتابه (إسعاف المسلمين والمسلمات بجواز القراءة ووصول ثوابها إلى الأموات) كتاب لا يجوز أن يقرأه إلا مُحَدَّثٌ حتى يُمَيَّزَ بين الأحاديث التي فيه وهذا الكتاب ينبغي أن يُحْرَقَ.

113ـ وسمعته يقول: "طُبِعَ كتاب تفسير ابن جرير في مطبعة بولاق وبهامشه كتاب أحد النيسابوريين وهو كتاب تصوف باطل، طبعه بهامش هذا التفسير بعض المصريين لإنَّه يُعْجِبُهُم". 114ـ وسمعته يقول: "كتبت على نسخة الكشاف للزمخشري المثل المعروف (رب أم لولا ابنها طُلقَّت) تم قال وذلك أن كتاب الكشاف للزمخشري طُبِعَ معه كتاب تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر فاشتريت نسخة من الكشاف بسبب هذا الكتاب". 115ـ وسمعته يقول: "كتب العالم إسماعيل بن إسحاق بن المالكي مفقودة كلها لا يوجد منها سوى كتاب الصلاة وهو صغير". 116 ـ وسمعته يقول: "لم يشرح عقيدة ابن أبي زيد القيرواني عالم سلفي، إنما شرحها الأشاعرة". 117 ـ وسمعته يقول: "السنوسية الكبرى والصغرى وجوهرة التوحيد وغيرها من عقائد الأشاعرة التي أُلفت في القرون المتأخرة هذه المؤلفات ليست على العقيدة الأشعرية الصِرفة إنما هي خليط من الاعتزالية والكلابية". 118 ـ وسمعته يقول: "إن الأشاعرة المتأخرين يُكَذِبون بالإبانة والمقالات لأبي الحسن الأشعري، ويُنْكِرون ثبوتها عنه، وتكذيبهم وإنكارهم باط"ل. 119ـ وسمعته يقول: "إن ماصنعه الإمام ابن القيم مع أبي إسماعيل الهروي وذلك في شرحه لمنازل السائرين من الاعتذار له صحيح يوافق عليه. وأمَّا انتقاد الشيخ حامد الفقي الإمام ابن القيم اعتذاره للأمام أبي إسماعيل فانتقاد خاطئ".

120ـ وسمعته يقول: " إن الكتاب الأخضر المعروف ـ أخبث كتاب في الدينا". 121ـ وسمعته يقول: " إنَّ كتاب العتيق (أخبار الملثمين) حشد فيه كل خرافة في بلاد إفريقيا على أنها من الدين، والعتيق ليس له اطلاع على العالم، إنما إطلاعه محصور". 122ـ وسمعته يقول: " إن تاريخ الإسلام للذهبي لا يوجد مثله". 123ـ وسمعته يقول: " كتاب الرد على الزنادقة والجهمية ثبت عندي أنه للإمام أحمد والبعض لا يثبته للإمام". 124ـ وسمعته يقول: "الكتب التي تنسب للإمام أحمد أكثرها إملاءات أملاها على تلاميذه، والمسند وكتاب السنة هذان الكتابان كتبهما بيده، والسنة مُؤَلَّفُ صغير وكبير. والكتب المعروفة بمسائل الإمام أحمد منها ما يتعلق بالعقيدة وعلم الجرح والتعديل والفقه والعلل، وكتاب الصلاة المنسوب للإمام أحمد الصحيح أنه ليس من مؤلفاته، وهذا الكتاب عندي نسخة منه". لم نجد كتاباً مستقلاً يحمل اسم كتاب الأيمان للأمام أحمد وإنما الموجود من مسائل الإيمان مدونه ضمن الجامع للخلال ومسائل الإمام أحمد لا تخلو من مسائل في العقيدة ماعدا المسائل لعبد الله ابنه، وأجمعوا على أن أكْبَرَ المسائل عن الإمام أحمد مسائل الكوسج حيث فيها أنواع من العلوم. 125ـ وسمعته يقول: " إن ما عمله أخونا الألباني في كتاب الجامع الصغير للسيوطي وذلك من قوله عن الأحاديث ضعيف أو صحيح بدون ذِكر سبب الضعف أو الصحة عمل غير صحيح، فقال أحد الحاضرين: يا شيخ، إنه يُحيل، فقال الوالد الإحالة لا تكفي".

126ـ وسمعته يقول: "أحسن كتاب في فضائل مكة، كتاب الفاكهي لأنه أقدمها". 127ـ وسمعته يقول: "كتاب الموطأ للإمام مالك يمتاز بكثرة الآثار فيه". 128ـ وسمعته يقول: " إن كتاب السنن والآثار للبيهقي فرع من كتاب الأم للشافعي". 129ـ وسمعته يقول: " إن كتاب (إعلاء السنن) مليء بالموضوعات وأغلب أدلته أحاديث كذب أو ضعيفة". 130ـ وسمعته يقول: "قبل أربعين سنة أغلب كتب الحديث طبعها الهنود، وكذلك كتب ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب والسبب في ذلك أن علماء نجد كانوا يلاقون شدة في العيش وكثرة في الفتن، فكانوا يأخذون كتبهم معهم الى المطابع الهندية فيطبعونها هناك، والهنود لا يعتقدون ما فيها". 131ـ وسمعته يقول: "اكبر كتاب في أفراد الأحاديث كتاب الحافظ الدارقطني". 132ـ وسمعته يقول: "كتاب الأغاني للأصفهاني لا يجوز النقل منه لأن صاحبه رافضي لا يعرف الحديث". 133ـ وسمعته يقول: "كتاب (قدر الصلاة) للمروزي كتاب عظيم". 134ـ وسمعته يقول: "كتاب تفسير القران للفخر الرازي ما هو إلا إظهار لعضلاته ونشر لصنعته -يعني بصنعته الفلسفة والمنطق".

135ـ وسمعته يقول: "كتاب إتحاف السادة شرح الإحياء (للزبيدي) يَندُر له مثيل في هذا الزمن المتأخر في التوسع في تخريج الأحاديث". 136ـ وقال: "إنَّ المناوي فاته كثيرٌ من الأحاديث في كتابه (الأزهر) ". 137ـ وسمعته يقول: "إن سيد قطب استعمل طريقة الأدباء في تفسيره القرآن". 138ـ وسمعته يقول: "إن كتاب (مشارق الأنوار) للقاضي عياض كتاب عظيم في موضوعه".

مؤلفاته

مؤلفاته ... 1ـ سمعت الوالد يقول: "كتبتُ عن الأنصار في أفريقيا". 2ـ وسمعتُه يقول: "إن كتاب (تراجم شيوخ الطبراني) كتبتُه على مرحلتين: المرحلة الأولى: طويلة، ثم أشار عليّ بعض أصحابي أن أختصر التراجم، فاختصرتُها واختصرت مقدّمة الكتاب، والله الموفق". 3ـ وسمعتُه يقول: "كتاب (إعلام الزمرة) سمّيته بهذا بناءً على أنّ الجماعة الذين كانوا معي أشاروا عليّ بتأليف شيء في الهجرة، ففعلتُ، وهذا الكتاب أَعُدُّه من باب التّسلية". قلت: الجماعة يعني بهم: الذين هاجروا معه من إفريقيا إلى بلاد الحرمين. 4ـ قال الوالد: " (المعجم المفهرس) للحافظ أريد الآن أن أُبيّن المطبوع والمفقود والموجود منه". قلت: قال هذه الجملة يوم الأربعاء: 23/4/1412هـ، وقد قام الوالد -رحمه الله تعالى- بتبيين ما في مختصر كتاب المعجم المفهرس للسيوطي. وأما الأصل الذي للحافظ ابن حجر فلم يتسنّى له بيان ما فيه كما ذكر هو فيما تقدّم ا. هـ. 5ـ قال الوالد: "قال لي الشيخ عبد العزيز بن باز أريد منك أن تخرج حديث أم الطفيل، ففعلت، ولله الحمد". 6ـ وقال الوالد مرة: "قال لي أيضًا الشيخ عبد العزيز بن باز خرّج طرق حديث أمّ الطّفيل وبيّنه لنا".ثم قال الوالد: "وقد فعلتُ ما طلبه منِّي". قلت: وحديث أمّ الطفيل أوله: " رأيت ربي عز وجل في المنام ... ".

7ـ قام الوالد بتخريج حديث: " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول الخزرج ". 8 ـ سمعت الوالد يقول: "قد كتبتُ دُفيترًا فيه تعليمات عن كيف يتعامل الطالب مع (الإصابة) للحافظ ابن حجر". 9 ـ وسمعته يقول: "إنه كان بمكة زائرًا فبينما كان يسمع الإذاعة إذ سمع حديث حفظ القرآن يذكره صاحب الإذاعة عن أبي بكر الصدِّيق سنة 1390هـ، فعند ذلك كتب في هذا الحديث بعد البحث والوقت غير القصير فخرج من هذا أنّ الخبر موضوع له ثلاثة طرق، كلّ واحد منها فيه كذاب، والله أعلم. 10 ـ سمعته يقول: "الكتاب الذي ألّفته حول حديث الصورة جمعته قبل أن أقف على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية المطوَّل على حديث الصورة الذي هو ضمن كتابه (نقض التأسيس في الرد على الرازي) ، وكلام شيخ الإسلام في مائة صفحة". قلت: وقد أفرد الوالد -رحمه الله تعالى- هذا الكلام من كتاب (النقض) لشيخ الإسلام بتصويره وتجليده، فأصبح كأنه جزءٌ مستقل، وكتاب النقض لا يزال مخطوطًا، وهو موجود في مكتبة الوالد -رحمه الله تعالى-. 11 ـ وقال الوالد: "لقد ألفت كتاباً في النكاح وسبب تأليفي له أني قلت لا أدخل في هذا الميدان حتى أعلم ما هو". قلت هذا الكتاب موجود وعنوانه الإفصاح فيما ورد في النكاح. 12 ـ قال الوالد: "ألفت رسالة بعنوان البت في نقض الطواغيت الست".

13ـ قال الوالد: "إن بعض خطى لا أقرأه وإنما يقرأه لي من وفِقَ". 14ـ قال الوالد: "إن عبد العزيز القاري وضع صورتي على الكتاب الذي طبعه لي بدون إذني وأنا غير راضٍ عن فعله هذا وسألته كيف صورت هذه الصورة؟ فقال: صوَّرتك مرة ونحن في رحلة وأنت لا تدري. فقلت له: اطمس الصورة من على الكتاب، فوعدني ولكنه لم يفعل، فالتقيت به بعد ذلك فقلت له: لا أقبل الكتاب حتى تطمس الصورة، فأرسل إلىَّ مائة نسخة وطمس الصورة التي على كل نسخه منها". 15ـ رأيت الوالد يكتب رداً على فتوى الشيخ ناصر الألباني التي أفتى بها في جواز الطواف بعد فسخ الإحرام ثم العودة إليه والطواف. وهذه المسألة ذكرها الشيخ ناصر في كتابه الحج وقد خَرَجَ الوالد من هذا البحث بأن هذه الفتوى شاذة وقال الوالد: "إنه سبق أن كتب رداً على هذه المسألة قال: وقد بحثت عنه فلم أجده فأعدته. 16ـ وسمعته يقول: "نظمت مقدمة تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر سنة 1364هـ قلت: سمعت هذه المنظومة كاملة من الوالد، فإنه قرأها علينا في مجلسه وذلك سنة 1415هـ في شهر شوال يوم الخميس عصراً في مكتبته العامرة". 17ـ وسمعته يقول: "قد وضعت أسئلة على ألفية ابن مالك من تأليفي فاستعار دفتراً منها فلان وشخص آخر -سماهما الوالد- وذلك أيام دراستهما وبعد الفراغ من الدراسة سألتهما عن الدفتر فقالا: لا ندري أين هو". قلت: ولم يبق للوالد الى الآن إلا الدفتر الثاني فيه من وسط الألفية إلى آخرها.

18ـ وكتاب الوالد الرحلات الأنصارية سمعته منه أكثر من مرة، فقد كان -رحمه الله- يقرأه علينا في مجلسه أو يناوله من يقرأه ونحن حاضرون. 19 ـ وقال أحد طلبة العلم للوالد: كتابكم شيوخ الطبراني الجزء الثاني متى ستطبعونه، وهذا الجزء الثاني على ماذا يشتمل؟ فقال الوالد له: سيطبع إن شاء الله وسنعمل عليه حتى يخرج، والجزء الثاني هذا ذيل على الجزء الأول. قلت: وقد جمعت مادّة الجزء الثاني (الذيل) ، وانتهيت من أغلب تراجمه التي بلغت فوق السبعمائة ترجمةً بنيّف. سهّل الله تعالى الفراغَ منه. 20ـ كتاب أسئلة الألفية حضرت قراءته على الوالد بصدد المقابلة وذلك يوم الإثنين بعد صلاة المغرب الموافق 11/9/1415هـ بقراءة عبد الباري عليه. 21ـ سمعته يقول: "ألفت كتاباً في خصائص كل كتاب من الكتب الستة وذلك عندما بدأت أشتغل في علم الحديث سنة 1367هـ وكنت أحفظ قبل ذلك مختصر خليل في المذهب المالكي". 22 ـ قال الوالد: "إن رحلتي إلى إفريقيا دَوَّنتُ منها الكثير ولكن لم يبق من هذا المدَّون إلا دفتر واحد. وهذا الدفتر ليس فيه سوى موضوع الفرقُ بين إفريقيا وآسيا من ناحية العلم وغير ذلك". 23ـ قال الوالد: "الأسئلة التي وضعتها على الألفية، كتبتها سنة 1375هـ".

24ـ قال الوالد: "لي تخريج لكتاب بداية المجتهد لابن رشد وقد خرجت الأحاديث والآثار التي يذكرها بخلاف الغماري في تخريجه فإنه لم يُخَرَّج الآثار". قال رجل للوالد: ولماذا لم تطبعه؟ فقال الوالد له: "ذلك أن معي شريكًا وقد أخرج ما شاركني فيه وطبعه ولكنه لم يخرج الآثار وهذا الشريك هو العبد اللطيف". 25ـ قال الوالد: "كتابي في ترجمة الشيخ عبد الله المدني كتبته سنة 1373هـ بعد القدوم من البلاد بوقت. 26ـ وسمعته يقول: "كتابي الزمرة في أحكام الهجرة ألّفته سنة 1367هـ. 27 ـ وسمعته يقول: "لما كنت بمكة كتبت عنها شيئأً كثيراً، وجاءني رجلٌ مرة من المدينة وأنا بمكة قد علم أن لي كتابة عن مكة، فاستعارها مِنَّي من أجل أن يُعِيدَ كتابتها، فغاب عنَّي وقتاً طويلاً، ثم انتقلت إلى الرياض والتقيت به وسألته عن البحث الذي استعاره مني فقال لي: أمهلني أبحث عنه، فقلت له هل أعدت كتابته؟ قال: لا أدري. ثم قال الوالد: ومكث هذا البحث عنده عشرين سنة، ومات هذا الرجل ولم أعثر على البحث". وسمعته يقول: "إنَّ رحلتي من إفريقيا إلى هذه البلاد مدوَّنة عندي فقال بعض الحاضرين للوالد: اعرنيها فقال الوالد: أعُيرك إياها إن شاء الله، فقال الرجل هذه الرحلة مطبوعة؟ قال الوالد: لا، إنما هي موجودة ضمن الأوراق التي عندي".

29ـ وسمعته يقول: "بدأت بجمع شيوخ الطبراني في الرياض، وما منعني أن استمر في الجمع إلا أن المراجع قليلة في ذلك الوقت". 30ـ وسمعته يقول: "ألفت رسالة عنوانها (القول المختار فيما ورد في الشَّعْر المستعار) ". 31ـ وسمعته يقول: "قمت مرةً بجمع صيغ التشهد ورواياته فقابلتني رواية عزاها الحافظ ابن حجر إلى الإمام مسلم في صحيحه فأخذت صحيح مسلم أقلبه من أوله إلى آخره أبحث عن الرواية، فلم أعثر عليها، وأخذت سنتين أبحث حتى عثرت عليها في سنن النسائي، فما أدري الحافظ أخطأ أم الطابع". 32ـ وسمعته يقول: "كتبت عن كل العلوم حتى الهندسة والتنجيم". 33ـ وقال الوالد: "كنت أَنِظُم كل ما يشير الأشموني إلى أنه فائدة وذلك في شرحه للألفية، كنت أقوم بهذا في البلاد وبقي من هذه المنظومات بعض الأبيات موجودة عندي". 34ـ وسمته يقول: "ألفت مقامه سميتها بالمقامة الأنصارية وهي تعريف لأنواع العلوم الشرعية وغيرها". 35ـ وسمعته يقول: "ألفت مقدمة الإبانة التي أوضحت فيها حال أبي الحسن الأشعري سنة 1375هـ، ونشرتها بعد طبعها في السودان وسوريا ومصر ومالي وغيرهم من الدول". 36ـ وسمعته يقول: "استغرق كتابي البلغة في شيوخ الطبراني أكثر من ثلاثين سنة وذلك لعدم توفر المراجع".

37ـ وسمعته يقول: "عملت جغرافية أو خريطة للطوائف في جميع العالم أثناء تدريسي للطلاب" 38ـ وسمعته يقول: "اختصرت كتاب جدي في تاريخ الطوارق الموجود عندي الآن على عجل وذلك سنة 1372هـ، والسبب في العجلة أن المحمود بن عاشر جاء بهذا الكتاب أثناء الحج ولم أعلم به إلا بعد الحج، فاستعرته منه واختصرته على عجل" 39ـ وسمعته يقول: "كتبت رسالة صغيرة حول ما ألف عن المملكة العربية السعودية من التاريخ" 40ـ وسمعته يقول: "إن محقق كتاب ابن الكيال في المختلطين أخذ بحثي في المختلطين وفرَّغه في أثناء تحقيقه البحث الذي كتبته في المختلطين لم يؤلف أحد في موضوعه سواي" 41ـ وسمعته يقول: "كل ما ألفته كنت أشترط ألا يكون قد أُلَّفَ فيه. وكنت قد عزمت أن أكتب فيما لم يؤلف فيه" 42ـ وسمعته يقول: "إن هجرتي من إفريقيا إلى بلاد الحرمين قيدتها وسطرتها" 43ـ وسمعته يقول: "أبطل الإمام ابن القيم المجاز في خمسين دليلاً ولقد لخصتها في خمسة أدلة" 44ـ وسمعته يقول: "سبب تأليفي في علم ألقاب المحدثين والمختلطين تدريسي مقدمة ابن الصلاح في مصطلح الحديث وذلك بالرياض أثناء إقامتي بها"

45ـ وسمعته يقول: "نظمت جمع الجوامع للتاج السبكي حتى يَسْهُلَ عليَّ معرفته" 46ـ وسمعته يقول: "عندي دفتر فيه من البحوث التي كتبتها شيء كثير، كنت نشرت بعضها في بعض المجلات، وكنت أنزع البحث من المجلة واجلده لوحده" 47ـ وسمعته يقول: "لما بدأت أجمع ألقاب المحدثين أُخْبرتُ بأن الشيخ المعلمي عنده نسخة مخطوطة من كتاب الحافظ ابن حجر في الألقاب فرحلت من الرياض إلى مكة فالتقيت بالشيخ المعلمي فرأيت نسخة كتاب ابن حجر فرأيت أن كتاب الحافظ بن حجر ليس على شرطي لأنه جمع كل من عُرِفَ بلقب واشتُهِرَ به وان لم يكن من المحدثين. واما جمعي أنا فهو في المحدثين فقط". 48ـ وسمعته يقول: عندما شرعت في جمع المدلسين كان عندي كتاب ابن سبط العجمي وكتاب الحافظ بن حجر فجمعت بينهما وزدت عليهما" 49ـ وسمعته يقول:"الكتاب الذي ألفته في الرد على عبد الله الغماري في مسألة التوسل سبب تأليفي له. أن الشيخ عبد المحسن العباد في رحلته إلى المغرب اقتنى نسخة مطبوعة من كتاب الغماري وهو بعنوان: (إتحاف الأذكياء في التوسل بالأنبياء والصالحين والأولياء) فعرضه عبد المحسن العباد عَليَّ وأعطاني إياه فرددت عليه". 50- سمعته يقول: "ترجمة عمَّي مكتوبة عندي وهو الذي تربيت على يديه وكان قاضى البلد". قلت: عمه محمد أحمد الملقب بالبحر؛ لتوسعه في العلم.

51ـ وسمعته يقول: "سأقوم إن شاء الله بشرح كتابي -يانع الثمر–". قلت: أدركته المنية ولم يشرح هذا الكتاب". 52ـ سمعته يقول: "كنت إذا كتبت بحثاً قديماً أنشره في جريدة أو مجلة ثم أقطعه وأجلده". 53ـ سمعته يقول: "سنة 1416هـ في شهر ربيع الثاني كتبت خمسين بحثاً أو لي خمسون بحثاً". 54ـ سمعته يقول: "ألفت أو جمعت تاريخاً عن البلاد –مالي- ولكن بسبب كثرة تنقلاتي ما بين أكثر من بيت ومدينة ضاع أكثره ولم يبق منه إلا القليل". 55ـ وسمعته يقول: "أول من كتب عن حديث الصورة أنا". قلت: وحديث الصورة أوله: " إن الله خلق آدم على صورته ".

قوله في العلماء قبله

قوله في العلماء قبله ... 1ـ سمعت الوالد يقول: "مالكٌ أصلُه يماني، وكان بعض طلبته لحدّة الإمام مالك وشدّته يُضيفُه إلى المغاربة، لأنهم هم المعروفون بالحدّة". 2ـ سمعت الوالد يقول: "إن الشيخ المغيلي ومحمد بن يوسف التقوا بالسيوطي -رحمة الله عليه-". قلت: المغيلي: أحد العلماء في أفريقيا، وكذلك محمد بن يوسف ـ وهو جدُّنا ـ، وكان من العلماء المعروفين في زمانه. 3ـ سمعت الوالد يقول: "ابن عساكر هو المعتمد والمرجع في التراجم، الكلُّ ينقل منه". قلت: يعني في تراجم الدمشقيّين وأما غيرهم فقليل. 4ـ سمعت الوالد يقول: "إنّ الإمام مالكًا كانوا لا يسألونه هيبةً منه، وكان فيه حدّة". 5ـ سمعت الوالد يقول: "القرطبي صاحب التفسير أشعري". قلت: يعني: تفسير (أحكام القرآن) . 6ـ وقال: "الذهبيّ الدمشقي المصري، هكذا يقول أهل العلم عن الذهبي الحافظ". 7ـ وسمعتُه يقول: "العجلوني ناقلٌ وليس بمحقّق أيضًا ولا محدّث". 8ـ سمعت الوالد يقول: "صدِّيق حسن خان من العلماء الكبار، وهو الذي أدخل العقيدة السلفية والحديث إلى الهند. والشوكاني والصنعاني وتلاميذهم يسمّون أنفسهم سلفيّين، أي: يعملون بالحديث فإذا هم أشاعرة أو معتزلة أو زيديّة، فهم إذًا سلفيون عملاً لا اعتقادًا".

9ـ سمعت الوالد يقول: "إن السيوطي لم يكن مثله في الاطلاع". 10ـ سمعت الوالد يقول: "ابن حزم قلّ أحدٌ من الأشاعرة يوازيه في العلم والفقه، وهو مع ذلك جهميّ جلْد". 11ـ سمعت الوالد يقول: "قطلوبغا: كلمة تركيّة، وهي رُتبةٌ عسكريّة". 12ـ وسمعتُه يقول: "قال الفيروزآبادي إنه من ذريّة أبي بكر الصدِّيق فأنكروا عليه ذلك". 13ـ وسمعتُه يقول: "أشدّ الناس تحاملاً على الغزالي المالكيّة، ومنهم: الطرطوشي، والمازري، والقاضي عياض". 14ـ وسمعتُه يقول: "صاحب (الفتاوى الحديثية) هو فقيه وله استعداد بالتكلّم في العلوم الأخرى، يعني: مشاركٌ في العلوم". قلت: هو ابن حجر الهيتمي. 15ـ وقال الوالد: "الفارابي فيلسوف كبير". 16ـ وقال الوالد: "أبو منصور البغدادي رئيس علم الكلام في زمانه وهو شيخ أبي المعالي الجويني". 17ـ وسمعتُه يقول: "ابن خويزمنداد أبو بكر البغدادي قوله في المذهب المالكي ضعيف". 18ـ وسمعت الوالد يقول: "الحافظ ابن عساكر أشعريّ المعتقَد". 19 - وقال الوالد: "خطّ السيوطيّ أحسن من خطّ ابن حجر، وخطّ ابن حجر أحسنُ من خطّ ابن عبد الهادي، وخطّ ابن تيمية رديءُ -رحمة الله عليهم-". قلت: ابن عبد الهادي هو: ابن المِبْرَد.

20ـ وقال الوالد: "إنّ أبا حامد الغزالي لا مثيلَ له في الفلسفة والتصوّف والفقه الشافعي في زمانه". 21ـ وسمعته يقول: "إنّ ابن الجوزي يكره ما كان عليه الحافظ الخطيب البغدادي من الاعتقاد، ويذم الخطيب بسبب اعتقاده، وذلك أنّ ابن الجوزي يرى أنّ اعتقاد الخطيب حنبليٌّ مخالفٌ لما كان عليه الإمامُ أحمد وأصحابُه، وأنّ الذي هو عليه هو الموافقُ لأحمد وأصحابه". ثم قال الوالد: "وابن الجوزي مخطئٌ ولم يكن على عقيدة الإمام أحمد، بل كان أشعريًّا معتزليًّا بسبب ابن عقيل وغيرِه". 22ـ قال: "كتاب السيوطي (الحاوي) يدلّ على طول باعِه ونفَسِه في التأليف". 23ـ وقال: "إن الخطيب قد كتب في كلّ أنواع علم المصطلح". 24ـ وسمعتُه يقول: "كوّن المحمود -والد عبد الله المدني- جماعةً للهجرة من (مالي) ، وذلك سنة 1317هـ، وقد عانوا صعوبات عظيمة في هذه الهجرة، وعندي مؤلَّفٌ في هذه الهجرة كتبتُه عنهم". قلت: الشيخ عبد الله المدني -ابن المحمود- كان من العلماء السلفيّين، وقد نشر الله على يده العقيدة السلفيّة في صحراء (مالي) ، وقد كان هذا الشيخُ إمامًا في المسجد النبوي، وقد كتبَ له الوالدُ ترجمةً متوسّطةً ورائعة. ووالدُه المحمود كذلك كان من العلماء، ومن أقدم الجماعة الذين هاجروا إلى الحرمين، وقد توفّي في المدينة النبوية، وهجرتهم كانت أيام دولة العثمانيين. 25ـ وسمعتُه يقول: "كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بعض كتبه لا يفهم بسرعة، لأنه يكتب في بعضها للعوام ويخاطبهم حتى يفهموا، فلهذا ينبغي التّريّث عند قراءة بعض ما يكتبُه فلا يستعجل في الفهم، والله الموفق".

26ـ سمعت الوالد يقول: "كتاب (التوحيد) لمحمد بن عبد الوهاب كتاب نادر مثله في هذا الزمان". 27ـ وقال الوالد: "محمد بن عبد الوهاب يعتبر مجدّدًا التوحيد في القرون الوسطى" ثم قال الوالد: "حركة الشيخ من أعظم الحركات الإسلامية، لأن الشركَ من أقبح الذنوب وأعظمها" ثم قال الوالد: "ينبغي أن نعتني بكتبه -رحمة الله تعالى عليه-" ثم قال الوالد: "الأوائل كتبوا في هذا الباب، ولكن ضمن كتب غير مفردة" ثم قال الوالد: "وفي الحقيقة لم يؤلَّف (1) مثله في هذا الباب على حسب علمنا". 28ـ وسمعتُه يقول: "إن الذهبي بذل مجهودًا جبّارًا في رجال الحديث". 29ـ سمعتُه يقول: "إن ابن قدامة ـ صاحب (المغني) في الفقه ـ دخل في فنٍّ لا يحسنه وهو أصول الفقه، وقد كتبتُ ملاحظات كثيرة على كتابه في أصول الفقه (روضة الناظر) ، فابن قدامة أراد أن يختصر كتاب الغزالي (المستصفى) وهو لا يحسن هذا الفنّ فأتى بالعجائب، وقد أحسن ابن بدران حيث عمل حاشية جيّدة على كتاب ابن قدامة في أصول الفقه". 30ـ وقال الوالد: "إن القرطبي ـ صاحب (التفسير) ـ والنووي ـ صاحب (شرح صحيح مسلم) ـ أشعريّان على العقيدة الأشعريّة". 31ـ وسمعته يقول: "إن اسم النسائي فيه أربعة ألفاظ"، ثم ذكرها تنطق ولا تكتب". ذكر الوالد الشوكاني ثم قال: "إنه لم يكن في توحيد الألوهية -أي: توحيد العبادة- بذاك، لأنّه عاش في بيئة اعتزاليّة وهي بيئة الزيديّة" ثم

_ (1) يعني (كتاب التوحيد) .

قال الوالد: "الشوكاني أصلُه زيديٌّ، وكذلك الصنعاني، ولكن أخذوا كتب أهل السنة فنظروا فيها وعرفوها جيِّدًأ وقرأوها، ولهذا خفَّت زيديّتُهم". 33ـ وقال الوالد: "السياغي عالمٌ كبير من اليمن، وهو زيديٌّ ولكن من الطائفة الزيديّة التي اعتدلت". 34ـ وقال الوالد: "أحمد التيجاني في القرن الثاني عشر، وهو جزائري". 35ـ وسمعته يقول: "الخطّابي فيه نوعٌ من الاضطراب في العقيدة السلفية، لأنه درسها على أُناس ليسوا بذاك، فلا يصحُّ الاشتغال بكتبه في العقيدة". 36ـ وسمعته يقول: "إن كون ابن حزم ظاهري ليس معناه أنه ليس بعالم، بل هو من العلماء. وإن ابن حزم عليه ملاحظة وهي: أنه جهميّ معتزلي في العقيدة، والسببُ في ذلك: أنه أوّل ما درَس الفلسفة فعند ما جاء إلى القرآن والسنة لتعلمها أخذ يدخل الفلسفة فيهما، فكان يعرض القرآن على الفلسفة، فإن خالف القرآن الفلسفة لم يأخذ بالقرآن، وهكذا جميع الفرق الضالة، فإنها تعلمت الفلسفة قبل القرآن". ثم قال الوالد: "فيجب على طلبة العلم: أن يتعلموا القرآن أولاً". وكان الوالد يقول: "إن الإمام مالك كان يُكثر أن يقول في بداية درْسه: "ما شاء الله، ولا قوة إلا بالله". وسمعته يقول: "إن الحافظ بقيّ بن مخلد من أفضل العلماء الذين خرجوا من المغرب الأندلسي، وهو سلفيّ، وقد قام بجمع (مسند الإمام أحمد) ،

وضمّه إلى (مسنده) ، وهو في طبقة البخاري، وسبب ضياع شخصية هذا الإمام الحافظ: ضياع (مسنده) و (تفسيره) ". 38ـ وسمعته يقول: "إن السبكي تاج الدين خرافيّ مقلِّدٌ لأبيه، وهو أشعريّ عاقّ لشيخه الحافظ الذهبي". 39ـ وسمعته يقول: "إن الإمام الشعبي كانَ أعلمَ عصرِه بالرافضة، وكادوا أن يقتلوه، ولكن بفضل الله نجى منهم". 40ـ وسمعته يقول: "إن ابن عقيل الحنبلي هو رئيس الجماعة من الحنابلة الذين خرجوا عن عقيدة الإمام أحمد -عقيدة أهل السنة- إلى العقيدة الأشعرية، وسبب خروجهم عن عقيدة الإمام أحمد: أنهم عاشوا بين الأشاعرة وفي دول الأشاعرة، حيث إن الأشاعرة حكموا العالم الإسلامي مدّة طويلة". 41ـ وسمعته يقول: "إن ابن حزم إمامٌ في علم الحديث، وجهلُه لبعض رجال الحديث إنما ذلك لسببين: ـ قول ابن حجر: إن ابن حزم تندر عنده المراجع في كتب الحديث. ـ وأقول أنا: أن ابن حزم رجلٌ مطارَدٌ من قبل بعض الناس، فلا عجب أنّ ابن حزم يجهل بعض رجال الحديث، إذا المعلوم أن الإنسان المطارَد لا يمكنه الاطلاع وحمل المراجع. والله أعلم". 42ـ وسمعته يقول: "قال أهل الحديث: لا يقع في نعيم بن حمّاد إلا مبتدع، فإن الذين كانوا ضدّه هم الأشاعرة والمعتزلة، لأنه أكثرَ من إثبات الصفات وردَّ عليهم، وجلس لهم في الطريق". 43ـ وسمعته يقول: "نسبة الدارمي يشترك فيها عالمان:

الأول: الدارمي: شيخ الإمام البخاري، وهو صاحب الإمام أحمد، وله كتاب (السنن) المشهور. الثاني: الدارمي تلميذ الإمام أحمد، وهو الصغير، له كتاب (الرد على بشر المريسي) ، وهو كتابٌ في الرد على الجهمية، وغيره من الكتب". 44ـ وسمعته يقول: "إن الخلاّل هو الذي جمع كتب ومقالات الإمام أحمد في (السنة) ، والخلاّل هذا تلميذ الأثرم، والأثرم تلميذ الإمام أحمد". 45ـ وسمعته يقول: "أول من سمّى علم الكلام توحيدًا هو: أبو منصور الماتريدي". 46ـ قال الوالد: "إن الشوكاني كان زيدياً وحاول بكل ما يستطيع أن يتخلص من الزيدية فلهذا ألف كتابه التحف". 47ـ قال الوالد: "إن ابن عبد الهادي الصغير يعني -ابن المِبْرَد– هو مثل السيوطي كلاهما يكثران من الكتابة فقط". يعني الوالد أنهما يكتبان بدون تحقيق. 48ـ قال الوالد: "إن السيوطي انتفع الناس بعلمه أكثر مما انتفعوا بعلم غيره فالسخاوي لم ينتفع الناس بعلمه بقدر انتفاعهم بعلم السيوطي والسيوطي له حسنات وسيئات والحسنات يذهبن السيئات ثم قال: قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن هؤلاء الذين وقعوا في البدعة قد يكون الواحد منهم ولياً من أولياء الله تعالى الذين إذا حلفوا على الله تعالى أبرهم وهم يعدون مجتهدين". 49ـ قال الوالد: "وابن حزم جهمي جلد قلت: قوله جهمي جلد هذه العبارة قالها عن ابن حزم الحافظ ابن عبد الهادي في كتابه طبقات المحدثين".

50ـ قال الوالد: "الرسالة للشافعي أول ما ألف في الأصول الشرعية، وليس في الرسالة شائبة. ثم قال: وكذلك الموافقات للشاطبي ليس فيه شائبة إنما فيه أمور تحتاج إلى تعديل، وأما الإحكام لابن حزم فيه شواذ فمن لم يقرأه على من يعرفها يقع فيها وما عدا ذلك من كتب أصول الفقه فهو ما بين أشعري وما توريدي وهي كثيرة". 51ـ قال الوالد: "إن أبا حنيفة ما كان يشتغل بالحديث في أول حياته، وقال الدارقطني ما وصل أبا حنيفة إلا ثمانية أحاديث. وقال المروزي: ما وصله إلا ثلاثة أحاديث". 52ـ قال الوالد: "إن النووي أشعري والسبب في هذا أنه لم يشتغل بكتب السلف في العقيدة كما اشتغل في فقه الفروع". 53ـ قال الوالد: "لما كنا بدمشق سهرنا عند الشيخ ناصر الألباني –يعني العلامة المشهور– في مكتبته للإطلاع عليها لعلنا أن نجد شيئاً نصوره منها وكان الشيخ الألباني نشيطاً واشتغل معنا. 54ـ قال الوالد: "إن السيوطي موسوعة هائلة. 55ـ قال الوالد: "إن ابن حزم ألقبه أنا بالرجل الجريء لأنه كل شئ يريده يقوله". 56ـ قال الوالد: "إن تاج الدين السبكي أشعري كبير". 57ـ وقال الوالد: "ناقشت البوطي ولكنه ما تاب". قلت: البوطي هذا من أهل الشام، معادي لعقيدة السلف ومحاربٌ لها، والله المستعان".

58ـ وسمعته يقول: "إن كلام ابن القيم في فناء النار أجمل فيه ثم فصل في بعض كتبه بقوله "إن التي تفنى نار الموحدين بعد أن يعذبوا فيها"". 59ـ وسمعته يقول: "إن عبد الغني النابلسي خرافي خطير". 60ـ قال الوالد: "وابن فورك هو الذي نشر العقيدة الأشعرية في وقته، وكتابه مشكل الحديث كتاب في أبطال عقيدة السلف". 61ـ وسمعته يقول: "إن الحافظ الذهبي عاش في زمن خطير هو زمن التصوف والتعصب المذهبي، وقد حاول -رحمه الله- أن يسلم من هذين الاثنين ولكنه ما سلم من بعض الأمور كلبس الخرقة الصوفية". 62ـ وسمعته يقول: "إن ابن أبي العز الحنفي شارح الطحاوية حنفي المذهب ولكنه مخالف للأحناف في العقيدة". ـ يعني ـ أنه كان سلفي العقيدة. 63ـ قال الوالد: "كان الفضيل بن عياض من أولياء الله تعالى". 64ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ صديق حسن القنوجي أول من قام بنشر تراث العلماء من الكتب في الهند، وذلك لزواجه بملكة في الهند". 65ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ أحمد بابا أقت ومعنى أقت العمود الذي تحتك به الإبل عند دخولها لمعاطنها وهذا تشبيه بمن يكون المرجع في العلوم". وسمعته يقول: "إن السيوطي آية من آيات الله تعالى، وإذا نظرت إليه وإلى السخاوي تقول الآتي: إن السيوطي انتفع الناس بمؤلفاته وأكثر من التصنيف والتأليف وهو مشارك في كل فن، وأما السخاوي فترى التحقيق في

مؤلفاته بارزاً، وذلك أنه صنف في تخصصه، فأتقن وحقق بخلاف السيوطي فلم يحقق في مصنفاته". 67ـ وسمعته يقول: "السيوطي صاحب همة وهمة وهمة، تقولها حتى تتعب، وكلام السخاوي فيه لا يسمع منه". 68ـ وسمعته يقول: "السيوطي عالم كبير ولكن علمه ممزوج بخرافات". 69ـ وسمعته يقول: "إن الحاكم صاحب المستدرك يقول على بعض الأحاديث، صحيح ولم يخرجاه ويكون الحديث موضوعاً مفضوحاً". 70ـ وسمعته يقول: "إن عاصم بن عمر بن قتادة عجزنا أن نجد أحداً تكلم فيه -أظنه يعني جرحاً-". 71ـ وسمعته يقول: "إن السيوطي محدث كبير لغوي ومؤرخ ونحويوأديب، اتصف بأوصاف قل من اتصف بها". 72ـ وسمعته يقول: "إن الإمام النووي اعتمد على القاضي عياض في شرحه لصحيح مسلم اعتماداً شبه كلي، وذلك لأنه ما وجد في المشارقة من شرح صحيح مسلم، ولا أعرف شرحاً لصحيح مسلم للمشارقة قبل شرح النووي". 73ـ وسمعته يقول: "إن محمد قطب أشعري، والنووي أشعري والقاضي عياض أشعري". 74ـ وسمعته يقول: "إن علماء الهند في الآونة الأخيرة اشتغلوا في نشر كتب الحديث وطبعها والاشتغال بها وقد تأثروا بعلماء اليمن كالشوكاني والصنعاني".

75ـ وسمعته يقول: "إن النابلسي صاحب كتاب تعطير المنام في تفسير الأحلام -وغيره خرافي كبير-". 76ـ وسمعته يقول: "إن الغماري (أحمد) أشبهه بالسيوطي في كثرة مؤلفاته -وله ردود على السيوطي-". 77ـ وسمعته يقول: "إن عمي صاحب (المنظومة) توفي قبل أن آتي إلى الدنيا بقليل وهذه المنظومة – مطبوعة مع شرحها للحكمي –الدكتور– وهذه المنظومة في الصرف والنحو". 78ـ وسمعته يقول: "إن الزمخشري –اشتغل بالبلاغة المختلطة بالحق والباطل – وكتابة الكشاف كشف عن حاله، ـ يعني عن عقيدته الاعتزالية-". 79ـ وسمعته يقول: "إن الثعلبي صاحب التفسير –صوفي– ألف كتاب التفسير لنشر التصوف – وكذلك أبو السعود والبيضاوي". 80ـ وسمعته يقول: "السيوطي عندي حاطب ليل". 81ـ وسمعته يقول: " (الغزالي) صاحب المستصفى وغيره –أشعري كلابي– متصوف فقيه فيلسوف كبير، لما أراد أن يتوب من هذا كله كما يزعم ألف كتابه (إلجام العوام بالنهي عن علم الكلام) –إذا قرأت المقدمة تجزم بأنه رجع إلى عقيدة السلف فإذا تعمقت رأيت أنه لم يستطع أن ينفك من الفلسفة". 82ـ وسمعته يقول: "الصحيح أن ابن العربي المالكي لم يتتلمذ على الغزالي -فإنه جاء إلى الغزالي وهو على فراش الموت-". وسمعته يقول: "إن أبا حنيفة تتلمذ على جهم بن صفوان وكان لا يعلم أنه يقول بخلق القرآن وعنده بدع عظيمة، ثم لما اجتمع أبو حنيفة

-رحمه الله تعالى– بأهل العلم بينوا له ما عليه جهم بن صفوان فتركه، وأبو حنيفة ثبت رجوعه عن الإرجاء ورجوعه هذا ذكره ابن عبد البر – وهو كما قال". 84ـ سمعته يقول: "إن ابن أبي العز شارح الطحاوية ليس له خطأ عقائدي في شرحه لعقيدة الطحاوي … وأما الطحاوي فله خطأن:- 1– إنه قال: إن الولي هو العارف أو أن الأولياء هم العارفون". 2– تعريفه للإيمان بأنه قول وتصديق فقط، أو كما قال الوالد". 85ـ وسمعته يقول: "إن ابن تومرت ظلوم غشوم – هو الذي أدخل عقيدة الاعتزال –أو المعتزلة– للمغرب وهو أول من أفسد عقيدة السلف بالمغرب وأفريقيا". 86ـ سمعته يقول: "إن النووي لم يتزوج بسبب إنشغاله بالعلم". 87ـ سمعته يقول: "إن الحافظ بن حجر قبله رجال من أهل العلم لم يبلغ درجتهم في العلم". 88ـ ومرة أنكر على من قال: إن الحافظ بن حجر (إمام) وقال: إن كلمة (إمام) ليست سهلة لو قلت الحافظ لكان أحسن". 89ـ سمعته يقول: "إن الشوكاني صاحب علم وسياسة استطاع أن يسلك بالزيدية طريق السنة". 90ـ سمعته يقول: "إن ابن الوزير اليمني العالم عقيدته سلفية". 91ـ سمعته يقول: "ما خدم أحد من العلماء – علم الرجال والتراجم- أكثر من الحافظ الذهبي وكل من بعده عالة عليه".

92ـ سمعته يقول: "إن الحافظ السيوطي من أغرب أهل العلم". 93ـ سمعته يقول: ما خدم علم الحديث في القرن الحادي عشر والثاني عشر إلا أهل اليمن وعلى رأسهم الشوكاني المحدث الكبير الذي خدم الحديث خدمة لا مثيل لها في ذلك الزمن". 94ـ سمعته يقول: "لم يكتب الإمام الشافعي: بيده مؤلفاً إلا (الرسالة) حيث كتبها في الحجاز واليمن ثم كتبها من جديد بآراء جديدة بمصر". وأما كتاب (الأم) وغيره من التآليف فهي مما يمليه الإمام فيكتبه الطلبة وكذلك الإمام أحمد –لم يؤلف شيئاً من كتبه إلا المسند– والمسند ليس كله للإمام أحمد بل ضُمَّ إليه ما رواه ابنه عبد الله عنه وعن غيره من الأئمة – وفيه أيضاً: ما رواه القطيعي عن غير عبد الله: وأما الكتب التي تنسب إلى الإمام أحمد فهي إملاءات من الإمام على تلاميذه". 95ـ سمعته يقول: "أغلب تلاميذ الإمام مالك رحمه الله تعالى المصريين ابن وهب وابن القاسم وغيرهما".

فتاواه

فتاواه ... 1ـ سئل الوالد -رحمه الله تعالى- عن الجهمية والمعتزلة هل يُكَفَّرون؟. فقال: "لا يُكَفَّرون حتى تُقام عليهم الحجّة. فقال السائل: وأصحاب وحدة الوجود؟. فقال: أما هؤلاء فيكفَّرون". 2ـ كان الوالد إذا قيل له: إن فلانًا محسود قال: "عليه أن يقرأ القرآن، فإنه يُذْهِبُ الحسد". 3ـ وقال الوالد: "إن أذان أبي محذورة فيه زيادات ليست في غيره من الأذان، وهو أحسنُها، وأفضلُها، وأشملها". 4ـ سئل الوالد: "هل كتاب (زغل العلم) من مؤلفات الحافظ الذهبي؟. فأجاب: أنا في شكّ من نسبة هذا الكتاب إلى الحافظ الذهبي، وذلك لأن فيه كلامًا لا تصحّ نسبته للذهبي عندي. والذين نسبوه للذهبي أغلبهم يفرحون بنسبته إلى الذهبي، وذلك لأن فيه جرح لشيخ الإسلام ابن تيمية، الرجل الذي حمل أعباء العقيدة السلفية على كاهله. وأيضًا الرسالة الملحقة بهذا الكتاب مشكوكٌ في نسبتها إلى الحافظ الذهبي، ولم ينسبها إليه إلا السخاوي، ومعلومٌ أن السخاوي أشعري مقلّد لأشياخه في مصر. والله أعلم". 5ـ قال الوالد: "إن مكبر الصوت يوضع للأعداد الكبيرة لا للصف الأول والثاني".

6ـ قال الوالد: "إن الكفار لا يدافعون عنا إنما يريدون أن يضعفونا". 7ـ قال تلميذ الوالد نزار السوداني للوالد: إذا تكلم أحد أنصار السنة في الحكومة يقبض عليه. فقال الوالد: "لا يجوز لهم الكلام في الحكومة؛ لأن الكلام في الحكومة تَهَوُّر". 8ـ قال الوالد: "طلبوا مني أن أكون مفتياً ولكن قلت لهم: ما عندي وقت للفتوى لأني مشغول مع الباحثين". قلت: الذين طلبوا منه هم الدولة -حفظها الله تعالى-. 9ـ قال الوالد: "الصلح مع اليهود جائز الآن وذلك لأن جهادهم غير حاصل ومن قال: خلاف هذا فهو سفيه". 10ـ قال الوالد: "إن التصوير الفوتوغرافي حلال عندي ولكن لا أفتي بهذا احتراماً لأهل الفتوى في هذه البلاد لأنهم على التحريم." قلت: وفي مرة كان الوالد –رحمه الله– يتصفح جريدة المسلمين فرأى عنواناً بخط كبير مفاده أن الشيخ ابن عثيمين يجيز فيه التصوير الفوتوغرافي، فقال الوالد: "هذا الذي قلته من قبل. 11ـ وسئل الوالد -رحمه الله تعالى-: هل صحيح أن الأمير أو ولي الأمر إذا لم يعمل بالمشورة أو يضع ناساً للشورى يعزل؟، فقال الوالد: "مثل هذا الكلام جاء الحديث بخلافه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حتى تروا كفراً بواحاً " وعدم المشورة ووضع ناس لها ليس كفراً بواحاً، والخروج على السلطان أمر ليس بسهل وهو خطير".

12ـ وقال الوالد: "إن الحمار الذي يركبه الدجال كما جاء في الحديث الصحيح، أرى إنه هو القطار اليوم." قلت: وكان الوالد رحمه الله تعالى كثيراً إذا ما سئل عن مسألة في العلم يحيل على المراجع التي فيها الجواب. 13ـ وسمعته يقول: "سألني رجل عن سبب اختلاف أجناس الناس في المدينة النبوية؟ فقلت له: هذا الاختلاف في الأجناس قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن الإيمان ليأزر إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها". قلت: سمعت الوالد أكثر من مرة يقول: "إن الحية ليس لها جحر، لأنها لا تستطيع أن تحفر فهي تدخل جحر غيرها، وكذلك الناس يأتون من بلاد شتى إلى المدينة وهي ليست بلادهم فيستقرون بها". 14ـ وسئل الوالد عن رفع الصوت بالدعاء عند القبور والتأمين على الدعاء، فقال: "هذا الفعل بدعة ماله أصل". 15ـ وكان -رحمه الله تعالى– في بعض الأحيان يحيل بعض المستفتين له على الشيخ القاضي عبد الله بن زاحم والشيخ القاضي عطية سالم وخاصة في مسائل الطلاق والمنازعات ويقول: "لا يجوز أن يفتي فيها إلا من له سُلْطَةٌ". 16ـ سأل الشيخ محمد الثاني إمام المسجد النبوي الوالد ما معنى (نَابِتَة) ؟ فقال: "أي جديدة". 17ـ وسمعته يقول: "حي الفيصلية الذي أسكن فيه داخل في الحرم والدليل على هذا الحديث الذي في مسند أحمد وهو: " ما بين الجماوات إلى حرم ".

18ـ سمعته يقول أكثر من مرة: "أنا لست بمفتي، أنا خادم طلبة العلم". 19ـ سمعته يقول: "لا يجوز للمرأة أن تحلق شعرها وفي الحج تأخذ من شعرها قدر أنملة". 20ـ وسمعته أكثر من مرة يقول لمن يستفتيه: "أنا لا أفتي لأنه لم يؤذن لي بالفتوى ثم يقول للسائل: إذا كان لديك مسألة علمية كسؤال عن حديث أو كتاب أو نحو ذلك فهاته". قلت: وهذا السبب في قله فتاويه. 21ـ وسمعته يقول: "إن الآية القرآنية إذا تليت للاستدلال ونحوه، فلا يقال قبلها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وبعض الناس يقرأ البسملة قبل الاستعاذة وهذا خطأ فاحش، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يستدل ببعض الآيات ولا يذكر الإستعاذة وللسيوطي –رحمه الله- كتاب في المسألة الأولى وكان الوالد -رحمه الله– إذا أراد أن يفتي في بعض الأمور يقول: "إن الحكم على الشئ فرع عن تصوره. 22ـ سئل الوالد: -رحمه الله– عام 1414هـ شهر شعبان المبارك في ستة أيام مضت منه عصر يوم الاثنين، والسائل من الكويت قال للوالد: من هم أهل السنة والجماعة؟ فأجاب الوالد قائلاً: "هم المتمسكون بما كان عليه الصحابة". ثم قال السائل: السلفيون هم أهل السنة والجماعة؟ قال الوالد: "نعم، السلفية هي السنة والجماعة؛ لأن معنى السلفية التمسك بما كان عليه السلف الصالح في الماضي".

قال السائل: "يا شيخ، جماعة الأخوان والتبليغ هم من أهل السنة؟. قال الوالد: كل من كان على فكر مخالف لأهل السنة فليس منهم، فجماعة الإخوان والتبليغ ليسوا من أهل السنة؛ لأنهم على أفكار تخالفهم. قال السائل: يا شيخ ما هو الكفر البواح؟ قال الوالد: هو الواضح الذي ليس فيه تأويل. قال: يا شيخ ظهر في هذا الزمان أناس يدعون إلى قتال الحكام بزعم أنهم كفار. قال الوالد: هؤلاء يجب أن يؤدبوا فإن السلف الصالح قالوا: الصبر على إمام جائر سَنَةً خير من الصبر على وقت بدون إمام سِنة السِنة النعاس". 23ـ سمعته يقول: "إن الخوارج لا يُكفّرون وذلك لأن عندهم شبهة، فقد قال علي -رضي الله عنه- لما سئل عنهم أهم كفار فقال: من الكفر فروا. ثم قال الوالد: الشخص الذي عنده شبهة لا يفُسّق ولا يُكفّر". 24ـ وقال رجل للوالد: "إن بعض الناس يطلق على سيد قطب عبارة مجدد؟ فأنكر الوالد هذا القول وقال: أي شئ جدده قطب أجدد التوحيد يعني أدعا للتوحيد؟ أم جدد الدعوة إلى الحكم بما أنزل الله وذلك بكتاب يؤلفه؟ بل كلامه كله فلسفة". 25ـ وسمعته يقول: "إن إطلاق كلمة صناعة على القرآن بأن يقال: صنع الله تعالى حرام لا يجوز، فإن كلمة الصنع تطلق على المخلوقات لا على القرآن، إنما الذي يقال عن القرآن: كلام الله تعالى". وسمعته يقول: "خرجت مرة من المسجد مقبلاً على المنزل فلحق بي جماعة من الشباب فقالوا: لدينا أسئلة، فقلت لهم: لا أجيب عنها في الطريق

فقالوا: لو سؤالاً واحداً فقلت لا بأس فقالوا: ما هو موقف الإسلام من حكام هذا العصر؟ فقلت: لا أجيب عن هذا، أنتم ما جئتم تسألون إنما جئتم تشوِّشون". 27ـ وسمعته يقول: "إن الذي يعلن بدعته فهذا يطلق عليه زنديق، وأما الذي لا يعلن فهذا يطلق عليه مبتدع". 28ـ وسمعته يقول: "أنا لا أفاضل بين المدينة ومكة إنما أقول: إن مكة أكثر أجراً في العبادة من المدينة". 29ـ وسمعته يقول: "إن النخاولة والقرامطة والإسماعيلية أمة واحدة، يكاد الأئمة أن يجمعوا على تكفيرهم". 30ـ وسمعته يقول: "جاءني رجل يسألني قال: هل يجوز تعلم المذاهب الأربعة؟ فقلت له: سؤالك هذا فيه حكم وجواب، وذلك إن قولك يجوز هذه الكلمة معناها خطير، فإن المذاهب الأربعة كلها حق". 31ـ وسمعته يقول: "قولنا فلان أشعري معناه مبتدع". 32ـ وسمعته يقول: "إن ما أفتى به الشيخ محمد بن عثيمين من أن الدجال ميت الآن، وإن الله تعالى سيحيه، ثم يخرج على الناس واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى على رأس مائة سنة أحد ممن هو على وجه الأرض الآن" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فهذا فهم خاطئ وذلك أن هذا الحديث في أهل الأرض، وأما الدجال فهو في جزيرة في البحر غير داخل في هذا الحديث". 33ـ وسمعته يقول: "إن مراتب الحكام أو الولاة في الحكم بغير ما أنزل الله ثلاث مراتب إما أن يكون الحاكم جاهلاً أو مجتهداً أو متعمداً. فمن حكم عمداً بغير ما أنزل الله يقاتل بشرط أن توجد قوة تقدر عليه".

34ـ وسمعته يقول: "إن كل من خرج على السلطان المسلم فهو خارجي". 35ـ وسمعته يقول: "في سنة 1414هـ في شهر ذي الحجة: إن ما يحصل اليوم في الجزائر تهور وعمل غير صحيح وما يقوم به هؤلاء –يعني جبهة الإنقاذ – فإنه عمل قائم على غير تأسيس من قرآن أو سنة". 36ـ قال رجل للوالد -رحمه الله تعالى-: أنا أتعجب من الحافظ الذهبي وأمثاله ما هذا الوقت الذي كتبوا به فيه العلم هذا كله". فقال له الوالد: "العلم وكتابته عملهم وشغلهم الشاغل ليس لهم عمل سواه". ثم قال الرجل: لو كلفت بنسخ تاريخ الذهبي لما استطعت. فقال الوالد: "أنا في أيام الشباب لو كلفت بنسخه لنسخته". 37ـ وسمعته يقول: "قبر حواء الذي بمدينة جدة لا أصل له". 38ـ وسمعته يقول: "إن ما يسمى بفقه الواقع ليس بفقه واقع وإنما هو فقه المجانين وأعني بفقه المجانين فقه الذين لا يفقهون، وليس من الفقه التشويش وإدخال الناس في متاهات وأمور لا يهضمونها". 39ـ وسمعته يقول: "إن الماتوريدية والأشاعرة كلاهما مرجئة وكذلك الجهمية مرجئة". 40ـ وسمعته يقول: "إن السرورية طائفة من الإخوان المسلمين انفردت عنهم وهي تعيش بلندن". 41ـ وسمعته يقول: "أن أبا حنيفة كان مرجئاً ثم تاب".

42ـ وسمعته يقول: "إن القدرية من المعتزلة وكل من قال بنفي القدر فهو معتزلي". 43ـ وسمعته يقول: "أخبث كافر على وجه الأرض هو الشيوعي الذي يقول: "لا خالق". 44ـ وسمعته يقول: "ثلاثة جدران بينك وبين النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلمت عليه من الخارج. يعني من خلف الشبك، وإن كانت هذه الجدران الثلاثة متقاربة يسمع النبي صلى الله عليه وسلم السلام عليه، وأما إذا لم تكن متقاربة لم يسمع السلام عليه بل يبلغه الملك كما جاء في الحديث". من حلف بغير الله تعالى وهو يعلم عدم جواز الحلف بغير الله فهذا يقال عنه مشرك، وإن كان لا يعلم فهذا يقال له: قد قلت قول أهل الشرك". 45ـ قيل للوالد أتعرف جماعة الجهاد، فقال لا أعرفها لأول مرة أسمع بها". قلت: جماعة الجهاد والهجرة منشقة من جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعةٌ تكفيريّة، تكفّر المجتمعات والحكّام". 46ـ وقال الوالد: "لا يجوز أن يناقش موضوع لم يتكلم فيه السلف ولم يتطرقوا إليه". 47ـ وقال الوالد: "لا يجوز أن يطلق على اليهود الذين احتلوا فلسطين إسرائيل بل يقال: بنو إسرائيل أو اليهود". 48ـ قال الوالد: "المسلم الذي لا يصلي لا يُزَوَّجُ؛ لأنه كافر وذكر حديث: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر أو أشرك" ثم قال: المسلم المبتدع كذلك لا يُزَوَّجُ, وقال: من لا يصلي يستتاب ثلاثاً ثم يقتل إذا لم يتب".

49ـ قال الوالد: "تؤخذ الإجازات العلمية الحديثيه من المبتدعة ولكن لا يؤخذ منهم العلم لأن أخذ العلم منهم يؤدي إلى الدخول إلى ما هم فيه من البدع، وقد أخذ الإمام البخاري الإجازات ورواية الحديث من القدرية والخوارج". 50ـ وسمعته يقول: "إن حلق اللحى فيه أربعة أمور هي: - – معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. – تغيير خلق الله عز وجل. – تشبه بالكفار. – تشبه بالنساء". 51ـ وسئل الوالد –رحمه الله تعالى– عن قول بعض الناس "إرجاء العامة" فقال: "هذا قول صحيح فإن بعض الناس إذا قلت له لا تحلق لحيتك قال الإيمان هاهنا ويشير إلى قلبه". 52ـ وسأله سائل عن رجل صلى خلف رافضي مؤتماً وهو يعلم بأنه رافضي. فقال: "لو أعاد بعد انتهاء الصلاة كان أحسن ولكن بعد أن ذهب الوقت فلا". 53ـ سئل: إذا غلب حاكم فاسد حاكماً صالحاً وتمكن الفاسد فهل يبايع؟ فقال: نعم يبايع –حتى تروا كفراً بواحاً". 54ـ وسئل عن قول بعض الناس لبعضهم "مولانا". فقال: "كلمة مولانا لها عشرة معان –منها سيدنا– ولكثرة معانيها الأفضل تركها وعدم مناداة أحد بها".

55ـ سئل الوالد: "عن حديث: إن الشيطان تمكن من أهل العراق وفرخ وبيض في مصر؟ فأجاب: هذا الحديث ضعيف سنداً، وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات في قسم فضل البلدان". 56ـ وسئل: طهل ورد أنه في آخر الزمان يكون النصر للإسلام من جهة المشرق كما أن الشر أصاب أهل الإسلام من هذه الجهة؟. فأجاب الوالد: "لم أقف على ما يدل على أن الخير لأهل الإسلام في آخر الزمان يعود إليهم من جهة المشرق بل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الانتقال إلى الشام في آخر الزمان لأن الخير يكون فيها". 57ـ سئل الوالد عن زكاة الحلي؟ فأجاب: حيث قال للسائل: "ما المذهب الذي أنت عليه؟ فقال المذهب الحنفي. فقال الوالد: إن الإمام أبا حنيفة يرى أن الحلي الذي يلبس فيه زكاة إذا بلغ الحول وبلغ القدر الذي يزكى فيه فإنه يزكي وأما الأئمة الثلاثة فيرون أن الحلي الملبوس لا زكاة فيه. قال السائل: كيف أزكيه؟ فقال الوالد: تزكيه بعد أن توزنه فترى أيبلغ عشرين مثقالاً، فإن بلغ ففيه ربع العشر". قلت: سأله الوالد عن مذهبه بسبب أن هذه المسألة فيها قولان قويان مختلفان وإلا فالعبرة بالدليل عند الوالد – رحمه الله تعالى- أهـ..

رحلاته

رحلاته ... 1ـ وسمعته يقول: "فهرس الظاهرية للشيخ الألباني صوّرنا ما فيه كلّه للجامعة الإسلامية في أثناء رحلاتي إلى سوريا وغيرها على نفقة الجامعة الإسلامية". 2ـ سمعت الوالد يقول: "شَرْطي على الشيخ عبد المحسن العبّاد أثناء إدارته للجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية أن لا أصوَّر في رحلاتي لجلب المخطوطات إلا كتب الحديث المُسْنَدة والعقيدة السلفيّة". 3ـ قال الوالد: "عندما دخلت المكتبة الكبرى التي في مصر أخذني رجل في المكتبة (عامل) إلى غرفة حجرية قديمة واسعة وقال لي: هذه الغرفة التي كان يجلس فيها الحفّاظ للمطالعة وهم: الزركشي، والعلائي، والحافظ، والسيوطي، والسخاوي، والعيني، وغيرهم، والله أعلم". 4ـ وقال: "أنا سحت في الهند أغلبها لم أر فيها عربيًّا إلا في حيدر آباد الدكن، وجدت حيًّا كاملاً لا يسكنه إلا الحضارمة ولم تتغيّر عاداتهم العربيّة". 5ـ سمعتُه يقول: "كنتُ أنا والشيخ أبو بكر الجزائري في دولة تونس نتناوب في إلقاء المحاضرات. وفي يومٍ قلت له: يا شيخ إنّ لي عليك ملاحظات، قال لي: ما هي؟، قلت: - يا شيخ يجب عليك أن تقرأ في كتب السلف في العقيدة حتى تستحضر الجواب على الإشكالات في العقيدة عند تدريسك وعند طرح الأسئلة عليك فيها. - وثانيًا قلت له: كتابك في التفسير فيه أخطاء تخالف ما كان عليه السلف، لأنّك لم تنقل من كتبهم".

6ـ وسمعته يقول: "لما ذهبت إلى مصر قبل وصولي إليها كنت أفكِّر ألا أجلس إلا قليلاً فلما وصلت إليها رأيت أن أجلس فيها كثيرًا، وذلك لما رأيت من العلم فيها فكنت أقضى وقتًا في الأزهر مع المشايخ ووقتًا أقضيه في المكاتب المليئة بالكتب". 7ـ وسمعته يقول: أنه عندما كان في (كانوا) بنيجيريا ركب هو ومن معه سيارة أجرة، وكان سائقُها مجوسي ولكن لم يكن أبي يعلم ذلك، وكانوا متّجهين إلى مكان ما فنزلوا عند بيتٍ فقال هذا المجوسي: لا بدّ أن ننزل هنا حتى نرتاح إلى الصباح، فرأى الوالدُ شيئًا استعجبَ منه وهو أنَّه رأى نارًا عظيمة موقدة، فقال: ما هذا؟، فقال الذي معه: هذه نارٌ للمجوس تُعبد، فقال الوالد: إذن هذا السائقُ مجوسيّ؟، فقال له الذي معه: نعم، فقال السائق عندئذٍ: لا بدّ أن تنزلوا عندي في البيت ترتاحوا، فقال الوالد: لا تنزلوا عند مجوسيّ أبدًا، فقال لهم: إذن أين تنامون؟، فقال الوالد: ننام هنا في الطريق، فقال لهم: إذن تُسرقون لأن هناك سارقين، فقال الوالد: لا ننزل عندك والله ييسّر لنا الأمر. فذهب عنهم الكافر، وأرسل إليهم نساء عاريات ليس عليهن من الملابس ما يستر العورة وهم يحملن الطعام من أجل الوالد والذين معه، فقال لهن: ارجعن لن نأكل طعام المجوس لأنهم نجس، فقالت النسوة: لا نستطيع أن نرجع، فقال: ارجعن لن نأكله فإذا وضعتنه نرمه، فقام النسوة بوضع الطعام وهربن، فترك الوالدُ ومَن معه الطعام. فعندما جاء الصباح أتاهم المجوسي فقال لهم: لماذا لم تأكلوا، فذكروا له العلّة، فقال: يا عجبًا منكم إذّا ماذا أفعلُ معكم؟، فقالوا له: نريد منك أن توصلنا فقط".

8ـ وقال الوالد: "لما دخلتُ تونس والمغرب في رحلتي إليهما أردت أن أُلقي محاضرات في المساجد، فمنعني المسؤولون في هاتين الدولتين وقالوا لي: إنّ الوهّابية تُبَلبِلُ الأفكار، فكنتُ ألقيها في بعض بيوت طلبة العلم خفيةً". 9ـ وسمعته يقول: "دخلت مكتبة حامد فقي بمصر قسم المخطوطات فوجدت المخطوطات ملقاة على الأرض تمشي عليها من بعثرتها، ولا تكاد تجد مخطوطًا كاملاً، وصوّرت منها مائة كلّها تالفة، وكذلك الذي بقي من المخطوطات. وغلَّوا علينا في هذه المخطوطات" يعني: أحفاد الشيخ الفقي -رحمه الله تعالى-. 10ـ قال الوالد: "رحلت إلى الهند مرتين". 11ـ قال الوالد: "قطعت دولة السودان من الشرق إلى الغرب". قلت: إن الوالد -رحمه الله- كان يحب التحدث عن بلاد أفريقيا والبلاد التي رحل إليها وكان يكثر من التحدث في هذا جداً وكان إذا حضر عنده أحد من الأفارقة أو أحد من البلاد التي رحل إليها كمصر مثلاً أخذ يتحدث عن هذه البلاد ويعرفها ويذكر أماكن كثيرة زارها ويصفها أكثر من أهلها وقد يخطئ أهلها في بعض الأمور التي شاهدها فيها. 12ـ قال الوالد: "لما كنا بدمشق سهرنا عند الشيخ ناصر الألباني -يعني العلامة المشهور- في مكتبته للإطلاع عليها لعلنا أن نجد شيئاً نصوره منها وكان الشيخ الألباني نشيطاً واشتغل معنا". 13ـ قال الوالد: "أنا دخلت الرس في القصيم مرتين".

14ـ قال لي أحد شيوخ المغاربة: "لما جاءنا والدك في طنجة في المغرب انبسط هناك مع الأخوان كثيراً وقال والدك: لو قُدِّرَ لي أن أبقى في غير المدينة النبوية لما سكنت إلا في (طنجة) ". 15ـ قال الوالد: "لما دخلنا أسبانيا ما زرنا إلا جهة الغرب منها والجنوب لوجود المكتبات فيهما وأما الشرق والشمال فما زرناهما". 16ـ قال الوالد: "كل رحلاتي كتبتها". 17ـ قال الوالد: "في رحلتي إلى تونس نزلنا في إيطاليا وأخذنا بالتجول فيها، ثم ذهبنا إلى تونس وأثناء ما كنا في إيطاليا ذهبنا إلى مكتبة الفاتيكان، فوجدناها مغلقة وأخبرني بعضهم إن مكتبة الفاتيكان فيها من الكتب المخطوطة شئ عظيم". 18ـ قال الوالد: "تجولت في غالب الشام". 19ـ قال الوالد: "كل حركات البلاد -مالي -مسجلة عندي بعد خروجي منها". 20ـ قال الوالد: "في أيام يحي حاكم اليمن أردت أن أذهب إليها، ثم في أيام أحمد حاكمها كذلك أردت الرحلة إليها ولكن ما تيسر لي، والسبب في رغبتي في السفر إلى اليمن أن شيخاً لي من مشايخ أفريقيا قال لي: إذا وصلت إلى الحجاز فاذهب إلى اليمن حتى تلتقي بالإمام يحي حاكمها". قلت: أظن هذا الشيخ هو شيخ الوالد: عبد الله بن محمود المدني. 21ـ وسمعته يقول: "أخذت في تونس شهراً كاملاً وسافرت إلى مصر في طلب العلم مرتين".

22ـ وسمعته يقول: "جلبت للجامعة الإسلامية أثناء رحلاتي على حسابها خمسة آلاف مخطوطة، وأغلب الرحلات التي من أجل جلب المخطوطات وتصويرها وكانت في وقت رئاسة الشيخ عبد المحسن العباد للجامعة". 23ـ قال الوالد: "قرية اليتمة أعرفها تماماً كنت أذهب إليها لإلقاء بعض المحاضرات". 24ـ وسمعته يقول: "ذهبت إلى الربذة ثلاث مرات في موسم الشتاء". 25ـ وسمعته يقول لرجل من دولة السودان: "أنا أعرف السودان أكثر منك". 26ـ وسمعته يقول: "لما كنت في السودان نزلت ضيفاً على جماعة أنصار السنة وأسكنوني في قصر جميل". 27ـ سمعته يقول: "عندما كنت في الهند سمعت بعض المسلمين فيها يقول عن نفسه: الأنصاري، ومنهم من يقول القرشي". فسألت شيخاً كبيراً من أهل الهند عن أصل هاتين النسبتين وهل لهما سلسلة نسب؟ فأجابني قائلاً: إن الناس هنا ما بين قصاب ونساج والصحابة رضي الله عنهم كان لأكثرهم مهن يتكسبون بها فأراد هؤلاء أن يتشبهوا بالصحابة فنسبوا أنفسهم إلى الأنصار وقريش فكل من انتسب لك من الهنود إلى هاتين النسبتين فهذا أصله. 28ـ وسمعته يقول: "رحلت إلى بلاد كثيرة، وكانت عادتي إذا رحلت إلى أي بلد أكتب عنها وأنا موجود فيها".

29ـ وسمعته يقول: "لما كنت في أسبانيا في مدينة جيان كنت أمشي مع رفقتي فمررت بمراحيض ودخلت في واحد منها للوضوء، فلما خرجت تفاجأت بفوج كبير من النساء أمام المراحيض يضحكن ومنعنني من الانصراف، فأخذت ألح عليهن أن يتركن لي الطريق فأوسعن لي ومازلن يضحكن ولما وصلت إلى رفقتي قصصت عليهم ما حدث وقلت لهم: إن هذا سببه الجهل باللغات، فينبغي لكل واحد أن يعرف أكثر من لغة. قال أحد الحاضرين في المجلس: كنت بلباسك العربي؟ قال: نعم". 30ـ وسمعته يقول: "أقمت في السودان عشرة أيام فقط، ورأيت بها الصوفية يرقصون ويغنون، وكانت رؤيتي لهذا المنظر أول مرة. وَدَرَّسْتُ العقيدة في بورسودان وفي جنينة وأم درمان، وكذلك الحديث والفقه المالكي، وكنت أُدَرَّسُ مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في الفقه ومختصر خليل، وفي الحديث عمدة الأحكام. وشَارَكْتُ في القضاء ولولا مكة والمدينة لما تركت السودان؛ لأن الدعوة فيها جيدة. ودخولي السودان كان قبل دخول الشيخ الأمين الشنقيطي صاحب التفسير. ولما كنت في السودان التقيت بطاهر بن إسماعيل وهو طالب علم جيد، وكذلك بشيخه عبد المجيد بن موسى وعبد المجيد كان محدثاً يقرئ الحديث في المسجد الجامع في بورتسودان، وكذلك طاهر بن إسماعيل السواكني كان محدثاً". 31ـ وسمعته يقول: "لو حكم الشام غير النصيرية لسافرت إليها في كل عام".

32ـ وسمعته يقول: "ما أظن أن طالب علم في الدنيا يستغني عن الذهاب إلى مصر". 33ـ سمعته يقول: "وفي رحلتي إلى مصر إلتقيت بصاحب مطبعة كتب تعرفت عليه فلما زرته في مطبعته رأيت عنده امرأتين إحداهما متبرجة والأخرى متسترة، فلما طلبت من الرجل كتاباً أرسل المتبرجة لتحضره، فقلت له: لماذا أرسلت المتبرجة وتركت المتسترة، فقال: إنَّ المتبرجة وقتها الآن في الخدمة، وأنت جئت في وقتها، فسألته عن هاتين الفتاتين فقال: ابنتي، فقلت له: لم لا تأمر المتبرجة بالتستر فقال: نحن هنا في بلاد ديمقراطية، فإذا أمرتها بالتستر اشتكتني إلى الدولة، والمتسترة هي التي اختارت التستر، ثم قال الوالد، فقمت وتركته ولم آخذ منه شيئاً". 34ـ وسمعته يقول: "عندما كنا في قرطبة جاءنا رجلان من الأسبان غير مسلمين يحملان معهما أوراقاً فاطلعنا عليها، فإذا في الورقة الأولى نسب أحدهما إلى قبيلة جهينة والأخرى فيها نسب الآخر إلى بني تميم". 35ـ وسمعته يقول: "لما ذهبت إلى مصر زرت غالبها وأنا أعرف مصر جيدا"ً. 36ـ وسمعته يقول: "إن رحلتي إلى الهند كانت بصحبة الشيخ الجزائري –حفظه الله تعالى– وقد حصل لي في رحلتي هذه أن جاء إلينا في الفندق قوم من الهندوس يحملون على ظهورهم ثعابين، فقرأت قول الله تعالى: {ما جئتم به السحر إن الله سيبطله} فانقلبت حبالاً". 37ـ قال الوالد: "لما دخلت جلبة وهي مدينة بين الجزائر وليبيا رأيت فيها الخوارج وهم سكانها، فرأيت رجالاً مظهرهم عجيب كأنهم في زيهم الصحابة والذي يراهم يقول: إنهم أحباء الله تعالى، وهم أعداء الله عز وجل".

38ـ وسمعته يقول: "أقمت في السودان أثناء الرحلة إلى الحرمين قريباً من سنة". 39ـ وسمعته يقول: "أكبر جمال رأيتها جمال دولة السودان طويلة وضخمة". 40ـ وسمعته يقول: "خرجت من البلاد (مالي) متسللاً وركبت جملاً وسقت جملاً آخر وضعت عليه ما أحتاج إليه في الرحلة وأخذت على ظهر الجمل أربعة أشهر وكنت لا أرتاح خلالها إلا قليلاً، حتى صرت أبول دماً في أيام الصيف، ولما وصلت السودان دخلت المستشفى، فمكثت شهراً فلم يستطع علاجي، ثم بعد أن مكثت في السودان زمناً أكملت الرحلة حتى بلغت مكة لخمس ليال مضت من رمضان وشربت من ماء زمزم بنية الشفاء، فبعد الفراغ من شربه بوقت يسير خرج مني حجران مع البول". 41ـ وسمعته يقول: "كنت أدرس في الخرطوم العاصمة المثلثة". 42ـ وسمعته يقول: "ما فاتني في البلاد التي يستفاد منها سوى العراق واليمن، والعراق عُرِضَ علي الذهاب إليها فقلت: لا أذهب لما فيها من الفتن الحاصلة في ذلك الوقت". قلت: يعني حرب العراق وإيران. 43ـ وسمعته يقول: "كنت إذا سافرت إلى بريدة ألقي محاضرة في جامعها، كنت أمكث فيها يوماً واحداً ثم أذهب إلي الرس ثم إلى الأبانات وكنت إذا مررت بعنيزة أمر على الشيخ محمد بن عثيمين، وأجلس معه. وكان سفري هذا أثناء الإجازات من أجل إلقاء المحاضرات". 44ـ وسمعته يقول: "يا ليتني ذهبت إلى الصين للفرجة".

45ـ وسمعته يقول: "كنت قبل زمن أذهب كثيراً إلى القصيم أثناء الإجازات فأذهب إلى البكيرية والرس والمذنب والإبانات، أما عنيزة فلم أمكث فيها كما مكثت فيما قبلها. وكنت كلما أذهب إلى القصيم ألقي محاضرة في المسجد الجامع في البكيرية وغيرها ماعدا عنيزة كنت أمر بها مروراً". 46ـ وسمعته يقول: "في أثناء رحلتي إلى الحرمين أقمت في السودان، فلم أر أكمل كرماً منهم، وهم يطمع في السكنى بينهم". 47ـ وسمعته يقول: "لما كنت في دولة المغرب ألقيت محاضرة في مدينة الرباط وذلك في أحد مساجدها، فلما انتهت المحاضرة وخرجنا من المسجد مرَّ بي جمع من النساء متبرجات ومعهن واحدة متسترة فقلت لهن: لماذا لا تتسترن؟ فقالت إحداهن: نحن الشابات لا نستر شعرنا ولا أجسادنا". 48ـ وسمعته يقول: "وقد عزمت على أن أطوف العالم كله حتى الصين ولكن لم يتيسر". 49ـ وسمعته يقول: "ركبت الباخرة في حياتي أربع مرات كلها في السودان وإلى السودان، وأصابني في المرة الأولى دوار شديد منعني من الصلاة بها وبعد ذلك تعودت عليها". 50ـ وسمعته يقول: "دخلت دولة تونس، فرأيتهم لا يؤذنون في مساجدهم وإنما يضعون مسجلاً بجانب مكبر الصوت فيه أذان مكة أو المدينة". 51ـ وسمعته يقول: "دخلت جامعة تونس فرأيت فيها قسماً يسمونه قسم الحقوق فقلت لهم: يا ليتكم سميتموه قسم العقوق، فغضبوا علي". قلت: يعني العقوق للشريعة الإسلامية.

52ـ سافرت مرة إلى جنوب السعودية فتنزهت في أودية الجنوب وجبالها. 53ـ وسمعته يقول: "في رحلتي إلى السودان لم أر مثل إبلها ضخامة". 54ـ وسمعته يقول: "إن مجاميع المكتبة الظاهرية بدمشق صورتها للجامعة الإسلامية كلها –وهي ثمانين مجلداً". 55ـ وسمعته يقول: "أول ما دخلت مصر صليت بالأزهر، ثم بعد ذلك عزمت أن أصلي بالمسجد الذي يخطب فيه كشك– وذلك لأني لا أعرف أفصح منه – حتى أسمع خطبته". 56ـ وسمعته يقول: "في رحلتي إلى تونس: التقينا بالشيخ (حبيب بالخوجة) وقد ساعدنا في تصوير كثير من المخطوطات، وقد ألقيت في تونس عشر محاضرات وجامع الزيتونة ألقيت فيه خمس محاضرات".

الرحلة من إفريقيا إلى بلاد الحرمين

الرحلة من إفريقيا إلى بلاد الحرمين مدخل ... (مقدمة لأحد الطلبة) ... فنشكرك جدًّا لتجاوبك، فنريد أن تحدثنا الآن يا شيخ عن مولدك، وعن بلدك، وصباك، وعن رحلتك إلى المدينة. قال الشيخ حماد -رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين: نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهَدْي هدي محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وشر الأمور محدَثاتُها، وكل محدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلا بالله. بمناسبة سؤالكم عن مولدي وعن رحلتي من إفريقيا: فإنني وُلدت سنة 1344هـ-في شهر ذي القعدة في تلك السنة، وهذا الخبر مؤكَّدٌ لأنه كان مكتوبًا. وُلدت في هذا الوقت في بلدٍ يسمّى (مناقة) -ومعنى (مناقة) أن هذه البلدة في الأصل كانت بادية يسكنها رُعاة الإبل ومَن كان على شاكلتهم، ولكن بُنيت مدينة بعد مُدّة بعد أن كانتْ بادية، بُنِيت فيها مدينة، وهذه المدينة تُعتبر الآن من أهم المراكز في (مالي) ، ... فولادتي في (مالي) في تلك المدينة، يعني: ولدت في (مالي) في مدينة (مناقة) .

و (مناقة) هذه كانت في السابق تابعة للمركز الكبير المسمى (تاد مكة) ، (وتاد مكة) هذا بلد يعرفه التاريخ، كل المؤرخين ذكروه ووصفوه بكل ما يحتوي عليه من الناحية التجارية، كان بلدة تجارية كبيرة، وكان هذا المركز الكبير في السابق يسمى (السوق) ، وسمي بالسوق لأنه كان متوسِّطًا بين هذه الدول التي هي أولاً (ليبيا) ، و (الجزائر) و (المغرب الأقصى) و (موريتانيا) و (مالي) ، وهي في وسط هذه الدول، وكانت هذه الدول ترد على هذا المركز لنشاط التجارة فيه، فسُمِّي بالسوق. ثم تغيّر هذا الاسم بسبب أن الموريتانيين الذين في الغرب -يعني: تقريبًا بين هذا البلد الذي يسمى بالسوق ثم تغير اسمُه إلى اسم (تادا مكة) -أصرّ الإخوان الموريتانيّون- وما كانوا أي المورتانيون يسمون بالموريتانيين، وما كانوا يسمون أيضًا بالشناقطة، كانوا يسمون بالقبلاويين ـ، يعني: كل ما هو في غربنا نسميه (قبلاوي) ، فكان هؤلاء يأتون باسم (الحج) فيمرون على هذا البلد، لأن هذا البلد في الطريق، هو في الطريق، لأنهم إذا وصلوا إليه وخرجوا إما أن يتجهوا إلى (تونس) وإما أن يتجهوا إلى (ليبيا) في طريقهم إلى (مصر) ، ومن مصر إلى (ينبع) ، هكذا كان طريق الحج سابقًا قبل الاستعمار. طيب، فهم -هؤلاء القبلاويون أي الموريتانيون- إذا جاءوا عندنا يأتون بكثرة باسم الحج وباسم التجارة، فإذا جاءوا وصلوا إلى البلد فإنهم لا يخرجون منه، بل يبقون ويستوطنون ويتجّرون، ففي يوم من الأيام بعض أهل البلد سأل بعض أعيانهم، قالوا لهم: يا جماعة أنتم لما جئتم عندنا تقولون: نحن حجّاج، تقولون: أنتم جئتم إلينا في طريقكم إلى الحج، كيف إذًا أقمتم ولم تذهبوا إلى الحجّ؟، فيقولون لهم: حقًّا إننا جئنا باسم الحج، ولكن عندما وصلنا إلى هذه البلدة وجدنا أن هذه البلدة هي مكّة. انظر!، هي مكة. أي: أنهم استفادوا

كثيرًا، ولهذا صاروا يقولون لها: (تا مكة) ، فلما كثُرت هذه الكلمة منهم أطلق الناس على البلد اسم (تا دمكة) (تاد مكة) ، وبقي هذا الاسم إلى الآن، وتنوسي السوق، فصارت البلدة إلى يومنا هذا تسمى (تاد مكة) كما ذكره البكري في "تاريخه"، وكما ذكره -أيضًا- الناصري في تاريخه (الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى) . هذا هو سبب تسمية هذه البلدة بـ (تادا مكة) بعد أن كان اسمها (السوق) . فهذا المركز الذي أنا وُلدت عنده هذا المركز اسمُه (مناقة) هو تابعٌ لهذه المدينة. ولكن بعدما هُدمت هذه المدينة، لأنها هُدمت في القرن التاسع الهجري، هدمها واحد إفريقي معروف بفسقِه وفجوره يسمى (سون غلي) ، هذا الشيوعي هو الحاكم على عاصمة المنطقة الشرقية في (مالي) ، وتسمى هذه العاصمة بـ (قاوا) ، وهي على النيل -يعني: نيل النيجرـ، هذه المدينة هي عاصمتُه، ومدينة (تادا مكة) في شمالها بين (مالي) وبين (الجزائر) يعني أقرب إلى الجزائر، فهذا الشيوعي هو الذي تسلّط على هذه المدينة فهدمها، وهرب من سلِم منه، وشردوا إلى بلادٍ أخرى، وهذا هو سبب بناء مدينة (مناقة) بدلاً منها، وإلا في الأصل المفروض أن هذه كانت بادية، وهذه البلدة تابعة لهذه المدينة، ولكن لما هُدمت الناس الذين شردوا تمركزوا في هذه المدينة الجديدة التي تسمى (مناقة) ، وبنوها وصارت مركزًا، وما زال إلى الآن، ما زال مركزًا مشهورًا. وهذا الشيوعي الذي هدم هذه المدينة هذا الشيوعي كتب عنه العلماء، ومن جملة العلماء الذين كتبوا عن كفره: عبد الكريم المغيلي المغربي الأصل الجزائري الاستيطان -كتب عنه كتابًا هو عندي-، الكتاب هذا موجود عندي، مطبوع، وكذلك كتب عنه الشيخ (عثمان فوديو) الذي كان حاكمًا في (نيجيريا) في القرن الثاني عشر، كتب أيضًا عن هذا الشيوعي، وكتب عن

كفره، وهذا الكتاب -أيضًا- مطبوع، بواسطة الشيخ عمر محمد فلاّته؛ لأنَّ الشيخ عثمان أيضاً من قبيلة فُلاّتة، والشيخ عمر محمد من فُلاّتة الذين في (نيجيريا) ، فهو الذي طبع هذا الكتاب الذي كتبه الشيخ (عثمان فديو) في كفر هذا الشيوعي المسمى بـ (صون غري) . هذا من ناحية البلد وتفاصيلِه، ولهذا أنا الآن حينما أذكر النسبة كاملةً أقول: حمّاد بن محمد بن محمد الأنصاري، الإفريقي، المالي، التادا مكي، المناقي. هكذا سلسلة النسبة. هذا من ناحية مكان الولادة. وأُسرتنا أسرة علم وقضاء وفتوى معروفة، حتى إنَّ السخاوي في كتابه (الضوء اللامع) ترجم بعض أجدادي -وهو محمد ابن يوسف الأنصاري-، ترجمه، وكذلك -أيضًا- عندي كتابان الآن في ترجمة هذا الجدّ، هو وبقية الأجداد، كلهم مترجمين، في كتاب عندي في ثلاثة مجلدات. هذا من ناحية، والأسرة أصلُها من (غرناطة) ، وسببُ ذلك الأصل القديم، كما ستراه إن شاء الله بعد هذه الكلمة -أن سعيد بن سعد بن عبادة هذا الصحابي بعدما تولّى معاوية -رضي الله عنه- بدلاً من علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، بعدما تولى تتبع كل الأمراء الذين كانوا من طرف علي بن أبي طالب فعزلهم كلَّهم، ومن جملتهم: سعيد بن سعد ابن عبادة، كان أميرًا لعلي في صنعاء، فعزله، فلما عزله وكانت هناك مناسبة وهي أن معاوية بعث جيشًا لأفريقيا لتثبيت الإسلام في تلك البلاد التي وصلها المجاهدون قبل معاويةـ، فأُرسل في ضمن هذا الجيش -سعيد بن سعد-، ومن هنا بقي سعيد بن سعد بن عبادة -رضي الله عن الجميع- في مصر وأنجب أولادًا، هؤلاء الأولاد

موجودين عندي مكتوب تراجمهم عندي، أنجب أولاداً، وثُمَّ هؤلاء الأولاد بعضهم ذهب إلى المغرب الأقصى، ومن المغرب الأقصى ذهبوا إلى الأندلس، حتى وصلوا إلى طُليطلا، ومن طُليطلا توصلوا إلى (غرناطة) ، فبقوا هناك وأنجبوا هناك. الحاصل: الأسرة موجود عندي الكتابة عنها وأصل وصولهم إلى (غرناطة) ثم رجعوهم من (غرناطة) حتى وصولهم إلى إفريقيا التي أنا وُلدت فيها، هذا كلُّه موجود عندي مكتوب. فهنا من ناحية الأسرة: أن الأسرة من الأنصار بالوثائق، الوثائق موجودة عندي منها العدد الذي فيه إثبات أن أسرتنا من الأنصار. طيب، هنا ننطلق إلى الرحلة، ولكن قبل الرحلة لا بدّ من كلمة حول الدراسة: كيف، لأني أنا ما درستُ إلاّ هناك، دراستي كلها هناك، من الصبا إلى أن جئت هنا، لأني أنا جئت هنا -كما ستسمع- جئت وأنا رجل، جئت وأنا مدرِّس. الشاهد: من ناحية الدراسة تحتاج إلى وقت حتى نعطيك التفاصيل جيداً، ولهذا نؤخر هذه الكلمة وندخل في مسألة الرحلة: أما الرحلة من البلاد من مالي أيام الاستعمار: أنا ارتحلت عند انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة خمسة وستين هجرية في القرن الرابع عشر الذي انقضى، خرجت في هذه السنة باسم (الهجرة) ، خرجت أنا باسم الهجرة أيام الاستعمار الفرنسي -ما زالت فرنسا موجودين في البلاد، وما زال استعمارهم على البلاد-. وسبب خروجي باسم الهجرة: أنه لما انتهت الحرب العالمية الثانية فرضت

علينا فرنسا وضعاً شديداً ما كانوا أولاً يعاملوننا به، وهو أنهم قالوا: لا بد أن ندخل أبناءكم مدارسنا لكي يتعلموا اللغة الفرنسية كما هو الحال في كل المستعمرات، ويقولون: لماذا أنتم لم تدخلوا أولادكم في المدارس مثل أولئك، فنحن كانت عقيدتنا مع الاستعمار الفرنسي: أن الاختلاط بهم لا يجوز لأنهم كفّار، لاسيما دخول مدارسهم هذا عينُ الكفر، هكذا كنا …. فلهذا نحن صمّمنا على أنه لا يدخل أي ابن أو أي بنت من أبنائنا في المدارس، فلما انتهت الحرب العالمية الثانية جاءت فرنسا بجيش أربعمائة جندي مدجّج بالسلاح -بالبنادق-، وجاءونا ونحن نصلِّي المغرب على غفلة، لأنه ما كانت الاتصالات، متوفرة، ولما جاءوا عند باب المسجد وقف الجيش واصطفّ أمام باب المسجد ونحن نصلِّي، فلما صلينا قال المترجِم الذي يترجِم للقائد -قائد الجيش- قال: لا يخرج أحد من المسجد أبدًا، لا يخرج أي أحد، لماذا؟، قالوا: لأن القائد يقول لا يمكن أن يخرج أحد من المسجد إلاّ بعدما توافقون على إدخال أبنائكم في مدارسنا، وإلا فكل من اعترض فدمُه هدر، هكذا، بهذا الشكل. طيب، الناس في المسجد عُزّل، ولا كان أحد عنده علم حتى مثلاً يدافع ولو بخشبة أو حجرًا، ما في، فالحاصل: صارت هذه طامة عظيمة على الناس، فمن هنا قال الكومندي لبعض العسكر: ادخلوا البلد أي ولد تجدونه تمسكونه، وأي أحد اعترض فاقتلوه. هذا ما حصل، وفعلاً أخذوا أولادًا كثيرين منًّا، لأنه لا يوجد أحد يستطيع يقاوم، ما معنا أيُّ شيء نستطيع أن نقاوم به في تلك اللحظة، فأخذوا الأولاد. فلما أخذوهم وذهبوا بهم، وقال الكمندي بعدما أخذوهم، وقد ألقى خطبة قال: نحن نعرف أن سبب امتناعكم من تسليم أولادكم للمدارس عندنا

أنكم تعتقدون أو ترون أنَّ إدخال أولادكم في مدارسنا عبارة عن تكفيرِهم، ولكن –يقول- من باب التطمين لكم ومساعدةً لكم فإنّا نعطيكم عهدًا إذا أردتم أن تبعثوا معنا مدرِّسين تثقون بهم يعلمونهم الإسلام في مدارسنا في جانب اللغة الفرنسية فنحن موافقون. فلما أعطى هذه الكلمة أفادت الناس، لأنه أولاً ظنوا أنهم إذا أخذوا الأولاد هؤلاء فإنهم يذهبون بهم إلى مدرستهم ولا يسمحون لأحد -يعني: مسلم- أن يدرِّس، فلما فتح هذا الباب، قام المسئولون في البلد فعينوا مدرِّسين للتوحيد وللفقه واللغة، وذهبوا معهم.... ثم -أيضًا -تنازل كذلك فقال: إضافة إلى هذا فإنه سنفتح لهم مدرسة عندكم حتى يكونوا تحت رقابتكم. وفعلاً فتح المدرسة عندنا في مركز (مناقة) ، نعم فتحها لأن المدرسة التي نحن ظننا أن الأولاد يذهبون إليها بيننا وبينها سبعة أيام بالجمل -وهذه الأيام لا يوجد شيء إلاّ الجمال، حتى هو راكب على الجمل، جاء هو والجيش يركبون على الجمال، ما كانت توجد سيارات في ذلك الزمان أبدًا ـ. فالحاصل: لما عمل هذه العملية وبنى مدرسة، ودخل، وسمحوا لمدرِّسين منا بالمشاركة في تدريس الأولاد استقرّت المدرسة. فلما استقرّت كان هناك شباب ما هم مقتنعين بما حصل وأنا منهم، قلنا: هؤلاء المجرمون الكفّار حينما يعلمون أولادنا وينصِّرونَهم معنى ذلك يرجعون إلينا لكي ينصرونا أيضًا، فإذًا لا بدّ لنا من طريق ننظر إليه كيف نعمل، فهنا اتفقنا نحن أربعة نَفَرٍ من الشباب، اتفقنا على أننا نخرج من هذه البلاد باسم الهجرة، حتى لا يُدركنا الوضع المرتقب، اتفقنا وخرجنا سنة 1365هـ، ونحن أربعة.

خرجنا بدون جواز خرجنا متسلِّلين، لأن فرنسا لا تسمح لأحد لا بالحج ولا بالهجرة. وأنا كتبتُ في ذلك كتاب، هذا هو انظر إليه، هذا بخطِّي في ذلك الوقت، هذا الكتاب: (إعلام الزُّمرة بأحكام الهجرة) ، هذا سبب كتابته وأنا هنا، انظر هذا، هذا بخطِّي لما كنت في البلاد، هذا الكتاب سبب كتابته أن الإخوة لما عزموا على الخروج قالوا: إذًا نريد أن تكتب لنا كلمةً حول الهجرة، لأنه ما كانت الهجرة تُذكر حتى –مثلاً- يعرفون عنها شيئًا كافيًا، فكتبت هذا، نعم، كتبته بخطٍّ غير هذا هناك، ولكن بعدما خرجنا فوصلنا إلى مكة، وكانت منه نسخة منها، هذه النسخة بيضتها، فهذا سبب كتابة الرسالة "إعلام الزمرة بأحكام الهجرة". فخرجنا متسلِّلين بدون جوازات، نسافر ليلاً ونكمُن نهارًا، من (مالي) إلى (النيجر) ، ومن (النيجر) إلى (نيجيريا) ، ومن (نيجيريا) إلى (الكامرون) ، ومن (كامرون) إلى (تُشاد) ، ومن (تُشاد) إلى السودان، ومن السودان إلى جُدة، هكذا الرحلة، ولم نخرج من التسلُّل ومن التفتيش إلا بعدما وصلنا إلى (نيجيريا) -لما وصلنا إلى (نيجيريا) بعد شهرٍ ونصف -على الجمال، هذا كلُّه على الجمال، لما وصلنا إلى (نيجيريا) هناك انتهى الاختفاء وصرنا ظاهرين، لأن (نيجيريا) في ذلك الوقت تحكمها (بريطانيا) . ومن نيجيريا اتصلنا بمدير الجوازات، لأننا سنخرج من نيجيريا إلى الكامرون إلى تشاد، فلما جينا إلى مدير الجوازات في نيجيريا في بلدة تسمى (يروة) -وهي الفاصل بين الكامرون وبين نيجيريا- لما وصلنا إليها وقدمنا لمدير الجوازات -وكان مدير الجوازات هوساوي أو برناوي، لا، برناوي، كان برناوي- دلّنا عليه بعض الإخوان في تلك المدينة، لأنهم قالوا لنا: لا تخرجوا على عادتكم لما كنتم قادمين من فرنسا، لا تخرجوا إلاّ بجواز، لماذا، لأنكم إذا

وصلتم إلى تُشاد، تُشاد في حكم فرنسا -أيام ديجول- قال: إذا وصلتم إلى هناك يردُّونكم، لأن حكم فرنسا واحد، وهم في مالي وهم في تشاد، قلنا: ماذا نعمل؟، قالوا: أحسن تذهبون إلى الجوازات، يعني: مدير الجوازات في هذه المدينة -التي هي (يروى) ـ، ذهبنا إليه واستشرناه، نعم، شاورناه، قلنا له: نحن جئنا من مالي وهي في الاستعمار الفرنسي بدون جواز، والآن نحن مقبلون على تشاد فما هو رأيُك حولنا؟. هذا الرجل تجاوب معنا تجاوبًا جديًّا، قال لنا: اعطوني مبلغًا من المال ونحن معنا فلوس كثيرة، قلنا له: لا بأس، أنت حدِّد، حدِّد الذي تُريد، فحدّد، قال: كل واحد يعطيني عشرين جنيهًا استرلينيًّا، العشرين جنيهًا استرلنيًّا في ذلك الوقت -هذا عند انتهاء الحرب العالمية الثانية -تساوي مبلغًا كبيرًا، وفعلاً أعددنا له المبلغ رأسًا، كل واحد منا أدّى له عشرين جنيهًا استرلينيًّا، وكانت العملة هذه في تلك البلاد -بلاد نيجيريا -ما تسمى جنيه استرليني -الذي هي اسمُها في بريطانيا التي تحكم البلاد-تسمى (الفام) ، اسمها بلغة المواطنين ما يقولون الجنيه يقولون (الفام) ، ويقولون: (سِلي) ، نعم، (فام) هو الجنيه، (سلي) هي التفاريق هذه. فالشاهد لما أعددنا له المبلغ قال: أنا الآن أعطيكم جواز، وفعلاً كتب لنا جوازات بطريقة غير مستقيمة، وهي أنه قال لنا: أنتم من مالي، لا يمكن أعطيكم جوازات باسم مالي، لماذا؟، لأنه لو أعطيتكم جوازات باسم مالي ودخلتم تشاد -تشاد تحكمها فرنساـ، وفرنسا تعرف، هي الحاكمة لمالي إذا نظرت إلى أنّ معكم جوازات من نيجيريا وهي تابعة لبريطانيا تسكت عنكم وأنتم باسم مالي؟، إذًا قلنا: ماذا تعمل؟، قال: أنا أعطيكم جوازات باسم ليبيا، قلنا له: لماذا؟، قال: لأن ليبيا في ذلك الوقت تحكمها إيطاليا، قال: أنتم

أمثالكم في ليبيا كثيرون- ذكر لنا قبائل كذا وكذا، فحينما تحملون جواز ليبي ما في أحد يتعرّض لكم في تشاد، لأن الليبين والتشاديين شيء واحد، وهو كذلك، يعني: هذا يدخل وهذا يخرج. الحاصل: عمل لنا هذه الطريقة، أعطانا جوازات باسم ليبيين، وسافرنا، ولا أحد تعرّض لنا، لأننا ليبيّون، الليبي مع التشادي شيء واحد. بهذه الطريقة وصلنا إلى تشاد، ومن تشاد إلى السودان الفرنسية. ومن هنا سلكنا هذه الطريقة البعيدة التي تساوي في ذلك الوقت تساوي سنتين -سفر سنتين- لولا أن الله عز وجل منَّ علينا بالسيارات في نيجيريا لا يمكن أن نصل من هذا الطريق إلاّ بعد سنتين لو كنا على الجمال كالعادة. فلهذا آثرنا هذا الطريق لأنها قد نسلم فيها ما لا نسلم لو سلكنا الطريق التي هي أقرب". (ولكن ألم تتعرّضوا لمخاطر؟) "لا توجد مخاطر؛ لأننا كنا نسافر ليلاً ونكمُن نهارًا، لم تقف أمامنا أيُّ مخاطر، حتى إنه لما وصلنا إلى الحدود بين فرنسا وبريطانيا، بريطانيا تحكم نيجيريا، وفرنسا تحكم مالي، وتوجد حدود بينهما، والجيش الفرنسي هو الذي يلينا، والجيش البريطاني هو الذي على الجهة الثانية في الوادي، إذًا لا بدّ من المرور به، مهما كان في الطريق من مخاطر، وقد أحاطوا بنا من كل جهة. فلما جئنا إلى هذا الموقع، هذا الموقع يسمى هناك عندنا (إيّاك وإيّاك) ، يعني: معناها إذا قربت من هذا المكان خذ من الحذر كل ما تستطيع، ولهذا لكثرة الخطر سمّاه الناس هناك (إياك وإياك) . فلما جئنا إلى هناك والجيش الفرنسي هو الذي يلينا، عملوا شيئًا غريبًا:

لما كان الجيش على شاطئ الوادي، على اليمين وعلى اليسار عملوا طريقًا ضيِّقًا حتى إذا جاء الجمال -نحن على الجمال- الجمل ما يستطيع يتحول، لازم يكون الجمل أمام الجمل، جمل خلفَه جمل، ما يمكن غير هذا حتى يتمكنوا من الناس، استقبلنا العسكر وهم راكبون على خيول -لا توجد سيارات في ذلك الوقت-. لما استقبلونا كان من الحظّ كنت أنا أمامَ الإخوة جميعهم، فاستقبلني العسكري الأول -هم كذلك لا بد يكونوا مترتِّبين-، استقبلني رافعًا يديه -وعندهم إذا أقبل عليك سلامه يكون برفع يديه-، وقال كلمة فرنسيّة (بونجور) . وأنا في الحقيقة هذه الكلمة ما أعرف معناها، أول مرّة أسمعها، فالحاصل: استوقفنا وعندهم مترجم، قال المترجم: أنتم من أين؟، ونحن عندنا تعليمات أننا إذا وصلنا إلى هناك لا نقول نحن قادمين من مالي أبدًا، لا بدّ أننا نقول شيئًا آخرًا، وهو أننا نقول أننا من نيجيريا، لأن في هذه الحدود توجد قرى نيجيريّة حولها. فالشاهد: قلنا نحن من نيجيريا، وذكرنا قبيلة تسكن بجنب هذا المكان. فلما ذكرنا هذا قالوا: إذن ادخلوا. فدخلنا، فلما وصلنا إلى مكان آخر تعدينا الخطر فاستقبلنا الجيش البريطاني يصرخون ويرحِّبون، فلما وصلنا عندهم قالوا: الليلة أنتم ضيوفُنا لأنكم تعديتم -تجاوزتم- الخطر، فنزلنا عندهم، وأكرمونا وضيّفونا عند الجيش، وقالوا: ما رأيكم بالمقارنة بيننا وبين الفرنسيين؟، قلنا: هذا شيء ما يحتاج إلى المقارنة، فنحن الليلة كأننا في مكة، فأخذوا يضحكون.

فلما أصبحنا دخلنا في أول مدنية من نيجيريا الشمالية وتسمى (ليلى) ، دخلنا فيها واسترحنا فيها ونحن قاصدون (سكوتوا) عاصمة الشمال، وفي هذه المدينة -سكوتوا- رأيتُ فيها السيارات لأول مرة. هذا من ناحية الرحلة التي لما وصلت إلى نيجيريا حصل فيها أمن، وحصلت فيها بعض الراحة، إلى أن أخذنا الجواز الذي ذكرتُه لك، أخذناه في آخر مدينة، التي إذا تجاوزناها ندخل في بلاد تشاد -والكامرون وفي تشاد ـ، والكامرون ما تعرّض لنا المستعمرون، لأن المدينة التي تسمى (كوسلي) -وهي آخر مدينة من دولة الكامرون جهة تشاد -هذه على البحيرة- على بحيرة فولامي التي تسمى الآن أنجميناـ، هذه البحيرة طرفُها الغربي تبع للكامرون، وطرفها الشرقي تبع لتشاد. هذه المدينة -كوسلي- تابعة للكامرون على الضفة الغربية، جئنا إليها ولا يمكن أن ندخل تشاد حتى نَمُرَّ فأشار إلينا المستعمر قفوا، فختموا لنا على الجواز، فركبنا في العبّارة، لأن البحيرة لا يمكن مجاوزتها إلاّ بالعبارة، فركبنا إلى تشاد. لما وصلنا إلى أنجمينا -التي هي فورلامي سابقًا-كان في طريقنا مركز للتفتيش -يتبع الفرنسيين-، هذا المركز فتّشنا تفتيشًا لم أرَ له نظيرًا في حياتي في الدنيا، وهو أنهم فتشونا حتى إنهم أمرونا بفسخ السراويل، لازم نفسخ السراويل ونفسخ النعال، فهم يفتشون السراويل ويفتشون النعال، ونحن عندنا تعليمات مسبّقًا عن هذا، وبتوفيق من الله -عزّ وجل- وضعنا المال قبل الوصول إليهم في القِرْبة ونشفناها، ولما نشفت هذه القربة أخذنا الفلوس كلها ووضعناها في داخلها، ثم علقناها على جانبٍ من السيارة، وهي ناشفة تمامًا، فلما فتشونا وفتشوا السيارة وهذه القربة لم يفتشوها، حيث لم يأتي على بالهم أنّ بها مالاً.

ثم بعد ذلك انطلقنا من تشاد إلى السودان بالسيارة، والمسافة بين تشاد والسودان في غاية من الوعورة، وهي عبارة عن رمال تغرِّز فيها السيارات كثيرًا ولا يوجد غير هذا، وقطعنا المسافة بين تشاد وجنينا -جنينا هي آخر مدينة سودانية جهة تشاد- قطعنا المسافة في ستّة أيام. ولما وصلنا إلى المركز الفرنسي الذي دون جنينا -وفيه أيضًا تفتيش خطير، تفتيش في غاية من الخطورة، لما وصلنا كانت القربة معلّقة على طرف اللَّوري (1) ، فتشونا وبهدلونا، حتى انتهت هذا المهمّة. ولما وصلنا إلى جنينا سألت عن رئيس القضاة، حيث كانت عندي تعليمات سابقة أننا إذا وصلنا إلى مدينة جنينا فاسألوا عن رئيس القضاة فإنه رجل عظيم، فدلونا عليه، فجئنا عنده وسلمنا عليه، ورحب بنا، وسكّننا في بيت، هنا عرفنا الناس، أول نحن ضائعون، ولكن لما وصلنا إلى السودان عرفنا الناس، وبقينا عنده مدّة، حتى استرحنا. وانطلقنا من مدينة جنينا إلى مدينة (الأبيّض) ، والأبيض والجنينة الطريق بينهما مثل ما بين تشاد وجنينا: رمال وعرة، أخذنا فيها أيضًا ستّة أيّام، حتى وصلنا الأبيض. لما وصلنا مدينة الأبيّض نزلنا عند رجل عظيم يسمى محمد إسماعيل، وهذا رجل عظيم سلفي، وكان الرجل هذا له اتصال قوي بشيخنا الشيخ محمد عبد الله المدني الذي إن شاء الله سأعطيك عنه كلمة، فجئنا عنده ورحّب بنا وأنزلنا -أيضاً- في بيت، وأقمنا عنده مدة تقريبًا أظن نصف شهر.

_ (1) اللوري: السيارة الكبيرة (عبد الأول) .

ثم بعدما عزمنا على السفر إلى الخرطوم -العاصمة المثلثة- رفض أن نسدّد أجرة القطار -لأن هناك القطار لا السيارة-، قال: لا، سفركم من الخرطوم إلى بورسودان، هذا كله على نفقتي، لقد أكرمني إكرامًا ما أستطيع أصفه. فالحاصل: أدخلنا في القطار، وكلُّ شيء على نفقته سواءًا أجرة القطار ونفقة السفر كلّه، واتّصل بالتلفون برئيس أنصار السنة في أم درمان على أنك تستقبل الجماعة في الساعة الفلانية في محطة القطارات في (الخرطوم قِبلِي) ، لأن العاصمة المثلثة هكذا: خرطوم قبلي، شرقي، خرطوم بحري أم درمان، هكذا هي العاصمة، والقطارات التي تأتي من مدينة الأبيّض تقف في خرطوم قبلي. فلما وصلنا إليها من الضحى إلى الضحى فإذا رئيس أنصار السنة هو والإخوان واقفون ينتظرونا، ونزلنا وهم واقفون، ثم أخذونا إلى أم درمان، لأن أم درمان هي البلد فيها مركز أنصار السنة الذي منه إسماعيل طاهر الذي جئنا من عندِه من مدينة الأبيض. ولما وصلنا إلى أم درمان نزّلونا في قصر من الطراز الحديث -قصر في ثلاثة أدوارـ، وهذا القصر الدور الأسفل كلُّه مكتبة للمطالعة، والدور الثاني والذي فوقه هذا للسكنى، نزلونا في هذا القصر على شاطئ النيل جهة أم درمان بقرب بيت عبد الرحمن المهدي. فالشاهد: ضيّفونا في هذا البيت، ولم يتركوا أحدًا يسكن معنا في هذا القصر، القصر تركوه لنا نحن أربعة أنفار مع المكتبة. وهذه المكتبة فيها عرفت كلّ ما يتعلّق بعقيدة السلف، في هذه المكتبة عرفت العقيدة السلفية، وكتب الحديث التي كان حامد فقي يبعثها لأنصار السنة في أم درمان من مصر، لأن هذا الفرع فرعٌ لأنصار السنة في القاهرة.

أخذنا تقريبًا شهرين في هذا القصر، ومنعونا من أن ننفق على أنفسنا، وإنما إذا أردنا أن ننفق شيئًا أنفقنا سرًّا، أما علانية فلا يمكن أن ننفق شيئًا، وأخبرناهم أن عندنا فلوس كثيرة، قالوا: لا، هذه الفلوس أمامَها مسئوليات، أنتم تذهبون إلى الحجاز والحجاز يغلب عليه الفقر -قالوا هذا -في ذلك الوقت. الشاهد: لما أردنا السفر من الخرطوم إلى بورسودان، عفوًا نسيت أن أقول لك: لما أردنا أن نتوجّه إلى تشاد كل واحد منا معه مبلغ من المال، قالوا لنا هذا المبلغ لا تأخذوه معكم، يجب أن تحولونه، قلنا له: ما معنى التحويل؟، هذه أول مرّة نسمع هذه الجملة؟، قالوا لنا: البنك، يوجد بنك تضعون هذه الفلوس في هذا البنك ثم تستلمونها في جدّة، فهذه عملية أول مرة نسمع بها، فوضعنا كميّة كبيرة من الفلوس في ذلك البنك واحتفظنا بالمبلغ الذي وضعناه في القربة. فلما عزمنا على السفر من الخرطوم وسألنا عن التكاليف من بور سودان إلى جدة، وجدنا أن المبلغ الذي معنا والذي بقي ما يكفي لتلك التكاليف، فقلنا لرئيس أنصار السنة طه كردي كيف الحل، فقال لنا: أنا أعمل لكم طريقة، ودلّنا على (علي المرغني) في خرطوم بحري، وهذا رجل عظيم، واتصل به تلفونيًّا وقال له: عندي جماعة من أنصار السنة الآن أمامهم مشكلة وهي أن عندهم شيكات محوّلة من الخرطوم إلى جدّة وهم يحتاجون إلى فلوس فكيف الحل؟، قال علي الميرغني أرسلهم إليَّ -ونحن في أم درمان-، فركبنا العبّارة إلى خرطوم بحري، لما وصلنا خرطوم بحري وجدنا خُدّامًا ينتظرونا، استلمونا وسكّنونا في بيت، فبقينا ثلاثة أيّام في هذا البيت، قال لنا الخدّام: الشيخ سيخرج اليوم لاستقبالكم يوم كذا فأنتم اصبروا فصبرنا، ولما جاء يوم خروجِه -في اليوم الثالث- جاءنا الخادم وقال لنا: استعدوا لمقابلة الشيخ، خرجنا

ولبسنا ومشينا معه، فلما أقدمنا على القصر -قصر كبير- فإذا العسكر محيطون به من كلّ جانب -العسكر البريطاني والعسكر السوداني- فاستغربنا الوضع قلنا ما هذا؟، قال: هذه هي العادة، أنه إذا كان اليوم الذي يخرج لازم يحيط العسكر لقصره، قال لنا: لا تخافوا، فدخلنا عليه وكان الناس عنده ما بين بارك وجاثم على ركبتيه للسلام عليه. فالشاهد: نحن الغرباء ما عملنا شيئًا من هذه الخرافات، مشينا مع الخادم رأسًا وقطعنا هؤلاء حتى وصلنا إليه على دكّة عند مدخل داخل القصر، فلما أقبلنا عليه قام وسلّم علينا، وأخذني أنا على يمينه أنا وواحد، واثنين على شماله. ورحّب بنا، ثم قال: أبلّغني طه كردي عن قضيتكم أبشركم أنكم إن شاء الله ناجحون، ودعونا له بالخير. وكلّم البنك البريطاني بالتليفون ونحن جالسون، قال له سيأتيك جماعة-، وكتب ورقة بأسمائنا مع خادمه -سيأتون إليك، فإذا جاءوا سلمهم المبلغ الذي كتبته لك، ثم سلمنا عليه، وخرجنا مع الخادم إلى الخارج بالسيارة –سيارته- حتى وصلنا إلى البنك، ثم استلمنا المبلغ. وذهبنا إلى مكان منزلنا عند طه كردي وسُرَّ كثيرًا، وشكر للرجل هذا التعاون على البر والتقوى، وقلنا له: الآن نحن نغادر إلى بورسودان. غادرنا بورسودان في القطار إلى الخرطوم قبلي من الضحى إلى الضحى في القطار. وصلنا إلى بورسودان، وبورسودان طبعًا فيها أنصار السنة، ورئيس أنصار السنة في أم درمان اتصل بالفرع الذي في بورسودان، ورئيس الفرع اسمه وكيعة الله، اتصل به وقال له: إنه سيصلكم الإخوة الساعة الفلانية في القطار الفلاني. ما وصلنا إلى بورسودان في القطار إلاّ والإخوان واقفين ينتظرونا، لما نزلنا من القطار أخذونا إلى حارتهم -لهم حارة تسمّى دمشاط في بورسودان- أخذونا إلى هذه الحارة وسكّنونا في بيت.

بقينا في بورسودان مع أنصار السنة حتى أخذنا تقريبًا شهرًا كاملاً معهم وأنا أُلقي دروسًا في الجامع الكبير، وأُلقي دروسًا في مسجد أنصار السنة تارة. هذا ما يتعلّق بمجمل الرحلة. ولما غادرنا بورسودان في الخامس من شهر رمضان سنة ستٍّ وستين، ولما أتينا إلى محل الباخرة -أنا كان عندي صندوقان مملوءان من الكتب الحديثية والعقدية، لما جئنا إلى محلّ الجمرك عند الباخرة، المشرفون على العملية بريطانيون، قال لي البريطاني المشرف على العفش افتح الصندوقين حتى ننظر فيها، ففتحته فقال: افتح الثاني، ففتحته، فقال: أنت تاجر، تحمل الكتب من عندنا إلى الحجاز لكي تبيعَها، قلت: لا، أبدًا، حاشا وكلاّ، قلت له: هذه الكتب للعلم فقط، للتعلُّم، أما التجارة أنت الآن -قلت له- لو أردت أن تشتريها مني الآن بنصف بورسودان ما أعطيك إيّاها، قال لي: هكذا؟، قلت له: نعم، لا يمكن أبدًا أن تشتريها مني ولو بنصف بورسودان، فقال: يا عجبًا هذا الكتب ما هي للبيع؟، أنا الآن لو أعطيك نصف بورسودان الصندوقان هذان لا تسلمها لي، قلت: لن أسلمها لك أبدًا، إلاّ إذا ضمنت لي أنني إذا وصلت إلى الحجاز أجد هذه الكتب، قال: عجيب، ثم قال للعمال: اغلقوها، هذه الكتب ليست للتجارة، وأمروهم أن يرفعوها إلى الباخرة ومشينا. ثم لما وصلنا إلى جدة -ولله الحمد- جاء المسئولون عن الباخرة -ونزّلوا الناس- وهذا في رمضان ونحن صائمونـ، إلا نحن، ثم قالوا لنا أين الجواز، أعطيناهم الجواز الليبي، فلما لما نظروا إليه قالوا: يا عجبًا أنتم لستم ليبيين، لأنّ المكيين والمدنيين يعرفون الناس، جوازاتكم هذه مستعارة، فلذلك لم ننزل من الباخرة، نحن الأربعة فقط بقينا في الباخرة، والباخرة تحمل ألفا نفر، ولم يبقى في هذه الباخرة إلاّ نحن الأربعة.

قلنا لهم: لماذا نحن نبقى؟ إلى متى؟، قالوا: أنتم ما عندكم جوازات، الجوازات التي معكم مستعارة أو مزيّفة، هكذا قالوا. فبقينا ذلك اليوم في الباخرة. وكان أحد المسوؤلين يدور علينا في الباخرة كل يوم، ويقول لنا: أنتم ترجعون، لا بد من رجوعكم لأنكم ما عندكم جواز. فبتنا يومنا ذلك في الباخرة، وفي اليوم التالي جاء إلى الباخرة أحد المسؤولين، فقلت له: يا أخي لماذا نحن مسجونون في البحر؟، قال: ما عندكم جوازات، قلت: إذا كان ما عندنا جوازات تسجنوننا في البحر بعفونته وبكل شيء، قال: هل تعرفون أحد في مكة أو في المدينة؟، قلنا: نعم، ذكرتُ له أننا نحن نعرف الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ، تعليمات أخذناها من الشيخ محمد عبد الله المدني عن بعض أهل الحجاز. قال لنا: كيف تتصلون به، قلنا: نحن نريدك أنت تتصل به لأنه هو إذا عرف أننا مسجونون في البحر سيكفلنا حتى نرى ماذا يفعل الله بنا. ثم ذهب واتصل به تلفونيًّا، هذا الرجل ساعدنا كثيرًا، وهذا الرجل من جماعة برهان، هذا المسئول عن الحجاج الذين يأتون من إفريقيا السوداء. اتصل به وذكر له كما قلت أنا له، فقال الشيخ عبد الملك: إذًا الإخوان هؤلاء تُخرجونهم على كفالتي، وفعلاً أخرجونا بعد أن مكثنا أربع وعشرين ساعة في الباخرة. ثم استرحنا يومين أو ثلاث في جدّة، ثم سافرنا إلى مكة في العصر، وفي ذلك الوقت تعرف أنه لا توجد طرق معبّدة للسيارات، ومكثنا بين جدة وبين مكة يومًا كاملاً بالسيارة، وذلك بسبب الرمال.

ثم وصلنا ليلاً إلى مكة ولله الحمد والمنة، ولما انتهينا من العمرة ذهبنا إلى إخوان لنا من السودان تبع مالي يسمون (باجا) ، وهم ساكنون في جرول، ونزلنا عندهم وما شاء الله استقبلونا وكانت المساكن في ذلك الوقت عشش، لا توجد بيوت من اللَّبن ولا من الطين، كانت (جرول) كلها من العشش والصنادق، أنزلونا في عشّة من العشش، وكان هناك عبارة عن عشتين: عشة للسكنى وعشة كمسجد، فصرنا نحن الأربعة مشرفين على المسجد هذا. بقينا هناك في جوارهم وفعلاً جاورونا جوارًا طيِّبًا، وأكرمونا إكرامًا، ودلّونا على ما نجهل، لأنك تعرف أن للقادم دهشة. فالحاصل: أرشدونا ودلّونا، فبقينا في مكة سنة 1367هـ في رمضان، وشوّال وذو القعدة وذو الحجة، ثم حجينا ورجعنا من الحج وبقينا المحرّم وصفر، ثم توجهنا إلى المدينة. وفعلاً المدينة ما استطعنا أن نتوجّه إليها رسميًّا، فتوجهنا إليها على طريق غير رسمي، لأننا ما عندنا جوازات، هم كتبوا أنه ما عندنا جوازات وأننا على كفالة الشيخ عبد الملك آل الشيخ. فلما عزمنا على التوجه إلى المدينة النبوية سألنا كيف الطريق؟، قال لنا بعض الإخوان يوجد سائقوا خشبية (1) يمكن يأخذونكم بطريقة غير رسميّة، وذهبنا عند واحد سائق إفريقي قال لنا: أنا آخذكم ولكن كلما اقتربنا من أيّ مركز تفتيش تنزلون وتأتون ماشين، لأنهم إذا وجدوكم مَعِي فإنهم يعاقبوني معكم.

_ (1) خشبية: السيارة الكبيرة المصنوع جوانبها من الخشب ا. هـ (عبد الأول) .

فركبنا معه على هذا الشرط، كلما قربنا من مركز يُنْزِلُنا، وهو ينتظرنا حتى نأتي إليه. وقبل أن نصل إلى ذي الحليفة بمسافة -يعني عند البيضاء ـ، لما وصلنا إلى هناك أنزلنا نحن وعفشنا، أما في المسافات الأخرى يُنْزِلنا نحن دون عفشنا، ونحن كل واحد عنده صندوق فيه كتب. فنزلنا هناك، قال السائق: أنا ما أستطيع آخذكم إلى ذي الحليفة فمركز التفتيش هناك، ولا يمكن أن أُبقيَ عفشي مع عفشكم ونذهب إلى المدينة لأنه يوجد تفتيش شديد، وافقنا رغمًا على أنفنا، وأخذنا صناديقنا، حملناها على ظهورنا إلى ذي الحليفة، هذا في الضحى، وصلنا إلى ذي الحليفة قبل أذان الظهر ماشين، ونزلنا في المسجد، وبقينا حتى صلينا الظهر وصلينا العصر، فلما صلينا العصر حملنا صناديقنا رأسًا إلى المدينة النبوية. والشيء الذي أتعبنا في هذه المشي: وادي العقيق، حيث كانت تغوص فيه أقدامُنا ونحن حاملون الصناديق. فالشاهد: مشينا من العصر حتى وصلنا إلى باب العنبرية إلى المسجد الذي فيها، وصلنا عنده والناس يصلون المغرب، لما وصلنا عنده وجدنا رجلاً واقفاً، قلنا له: ما هذا المكان؟، قال لنا: هذا باب العنبريّة، قلنا: ما هو هذا المسجد؟، قال لنا: هذا المسجد النبوي، قلنا: عجيب هذا المسجد النبوي؟، قال: نعم. فدخلنا المسجد والناس كانوا في آخر ركعة من المغرب سألنا الناس الذين في الصف، قلنا لهم: هذا المسجد هو المسجد النبوي؟، قالوا: لا، المسجد النبوي هناك، هذا غير، هذا مسجد العنبرية، فعرفنا أن الشخص الأول الذي أخبرنا هذا جاهل.

خرجنا من المسجد وأخذنا صناديقنا، مشينا نبحث عن المسجد النبوي، في ليلة مظلمة، ما في كهرباء، يا عجبًا، ولا في قمر نسأل كلما مرّ بنا أيّ أحد من المدينة: نسأله أين المسجد النبوي، وهكذا حتى وصلنا إلى المسجد النبوي من جهة باب المجيدي بعد صلاة المغرب، ما وصلنا إلاّ والناس يصلون العشاء، وكان العسكري واقف عند الباب -أنت تعرف وضع المدينة في ذلك الوقت كلّه دكاكين-, قلنا للعسكري نحن ندخل في الصلاة والصناديق نتركها عندك، قال: أبدًا، ولا يمكن أبدًا، ابحثوا عن محل تضعون فيه صناديقكم فقلنا له: يا أخ العرب نحن غرباء ما نعرف أحد وأنت عسكري مسئول الواجب عليك أنك توافق، رفض رفضًا باتًّا، ونحن لا يمكن أن نرمي صناديقنا، قال لنا العسكري: من تعرفون؟، قلنا له: نعرف الشيخ عبد الرحمن الإفريقي ونعرف الشيخ أبو بكر التنبكتي، قال: أين هؤلاء؟، ما أعرفهم، قلنا: يا عجبًا. وفي أثناء التفاهُم مع هذا العسكري رأينا أحد الأفارقة، قلنا له: تعال نحن الآن في ورطة مع العسكري هذا، العسكري يقول: ما نضع الصناديق، لا بدّ أننا نبحث لنا عن مكان نضعها فيه، ونحن لا نعرف فما العمل؟، قال: أنا أذهب معكم الآن أدلّكم على بيت الشيخ عبد الرحمن الإفريقي. فمشينا معه إلى بيت الشيخ، ولما وصلنا إلى بيت الشيخ، قال: هذا البيت، قلنا له: كيف ندخل؟، قال: لا ما تدخلون، تجلسون على الدرج حتى يجي الشيخ بعدما يأذن لكم الشيخ. قلنا له: وأنت؟، قال: لا، أنا أرشدتكم إلى المكان، مالكم بي أيُّ تعلّق. جلسنا على الدرج وهرب منا، فجلسنا هناك في ليلة مظلمة مدلهمّة في غاية من الإظلام، ونحن جالسون على الدرج. فبينما نحن جالسون فإذا الشيخ عبد الرحمن الإفريقي أقبل علينا، ونظر إلى

الأسودة لأنه لا يوجد نور، عرف أنه يوجد ناس، فقال: من على الباب؟، لما قال: مَن على الباب؟، قلنا له: نحن الجماعة: حماد الأنصاري وفلان قال: أهلاً وسهلاً، فدخل ثم رجع، قال: تفضلوا، قلنا: نحن ما صلينا العشاء يا شيخ، قال: أنتم صلوا هنا الحرم أُغلق، قلنا له: أين القبلة، فأرانا القبلة فصلينا وبتنا تلك الليلة في غاية من الشوق إلى الحرم النبوي، فلو كانت لنا أجنحة نستطيع أن نطير بها حتى ننزل لنزلنا، بقينا تلك الليلة ما نمنا ننتظر الفجر، ورغم هذا جاء الفجر وسمعنا الأذان ومع ذلك ما استطعنا أن نخرج، ما نعرف كيف نخرج. والشيخ ما أدري ما الذي أصابه هل نسينا، طبعًا هو ذهب وصلّى الفجر ولكنه ما مرَّ علينا ولا دلّنا وبقينا محصورين ما نعرف أين نذهب، نسمع الأذان ولكن ما نستطيع نخرج، لأنه لو أردنا أن نخرج كيف نخرج؟. وفعلاً صلينا الفجر في نفس الغرفة، وبقينا وما نمنا أيضًا، هكذا حتى طلعت الشمس، فلما طلعت الشمس جاءنا واحد إفريقي -أرسله الشيخ-، فلما جاء هذا الإفريقي، قلنا له: يا أخي ما نريد منك إلاّ أن تدلنا على منزل الشيخ أبي بكر التنبكتي" (ثم قال الشيخ) : "الشيخ أبو بكر أين كان ساكن؟، تعرف القلعة التي دون قباء؟، هو كان ساكن هناك في بيتٍ منفرد وليس حوله أيّ بيت، هذا بيت أظنُّه لواحد من الناس بناه على الطراز الحديث ولم يجد أحدًا يسكنُه فسكنه الشيخ لأنه ما عنده مأوى. قال لنا الإفريقي بيت الشيخ بعيد، قلت: ولو كان بعيدًا نريدك تدلنا عليه.

وفعلاً مشينا أخذنا صناديقنا ومشينا، فوصلنا إلى الشيخ عند هذه القلعة. الحمد لله عندما وصلنا إلى الشيخ عاد إلينا النفَس الذي تعبنا منه، نحن تعبنا داخل المدينة، لأننا نحن من المغرب والعشاء والفجر ما ندري عن أنفسنا شيء، يعني: كأننا في السجن. استرحنا عند الشيخ، وذكرنا له أننا ما دخلنا الحرم إلى الآن، فلذلك نحن قصدنا الآن أن نصل إليكم ونسلِّم عليكم ثم بعد ذلك نخبركم بماذا نريد أن نفعلَه. وفعلاً رحّب بنا، وقال لنا: أنتم الآن تنزلون عندي، قلنا: ما يمكن ننزل عندك وأنت بهذا البُعد، نحن ما جئنا لك نحن جئنا للحرم، فلا بدّ لنا من السكنى في مكان قريب من الحرم، أما في مكانك فلا، قال، فحاول، ولكن ما استطاع، قلنا له: نحن الذي نريده نترك العفش عندك أما نحن بأشخاصنا نحن في الحرم، وفعلاً، وحاول أننا -مثلاً -يكون الغدا عنده والفطور، قلنا له: لا، مالنا غدا عندك ومالنا فطور عندك، ومالنا عشى، نحن يكفينا أن عفشنا عندك. وفعلاً اشترينا السجاجيد وإذا أُغلق الحرم بعد العشاء نفرش عند الباب في الزحام. هكذا مضى عينا المحرّم وصفر وربيع وربيع، فلما انتهت علينا هذه الأربعة الأشهر هذه اتصل بعض الإخوان من أم درمان، اتصلوا بأهل مكّة، يطلبوني أنا، وفعلاً كتب لي بعض الإخوان الذي اتصلوا به أن فلان -رئيس أنصار السنة- يلحّ عليك بالزيارة، وفعلاً لما بلغني هذا الطلب رأسًا أنا مشيت وتركت الإخوان في مكة، وذهبت أنا رأسًا في الباخرة إلى أم درمان، حتى وصلت بورسودان ومن بورسودان إلى أم درمان، وبقيت هناك جمادى وجمادى

شهرين، ثم بعد ذلك رجعت، من ذلك التاريخ إلى الآن أنا هاهنا في البلاد المقدّسة، هذا سنة ثماني وستين، والوصول سنة سبعة وستين، إلى هذا الوقت. لما رجعت الرجعة الثانية من الخرطوم -أم درمان-جئت مباشرةً إلى المدينة النبوية، نحن عادتنا هكذا، نحن ما نسكن عادة إلاّ في المدينة. لما وصلت المدينة النبوية سكنت في أحد الأربطة، وقد تفرّقنا الإخوان بقوا في مكة، أنا فقط سكنت المدينة في رباط العجم وهو عند باب جبريل، حتى إنك تستطيع لو أمكن أنك تخرج من بابِه تمدّ رجلك في باب جبريل. وبمناسبة أن هناك واحد من جماعة الشيخ الطيب الأنصاري وهو عبد القدوس الأنصاري كان أيضًا ساكن في هذا الرباط، وهو الذي طلب مني أن أسكن معه، وفعلاً سكنتُ معه. وهذا الرباط ضيّق، وجدت منه ضيقًا شديدًا، ذهبت للشيخ أبي بكر في قباء وقلت له: يا شيخ أنا ساكن مع الإخوان في رباط العجم وهو ضيّق وأنت تعرف الناس، وأريد أن تدلّني على مكان يمكن أن أضع فيه كتبي وأجد فيه ولو غرفة واحدة، فخرج معي إلى رباط أمام البقيع، ودلني على غرفة نظيفة مفروشة بخسف فيها مكتبة وأعطاني المفتاح -مفتاح المكتبة -لأن الرباط كله لطلبة العلم، مليء هذا الرباط إلاّ هذه الغرفة. جئت وكأني سكنت في أبهى قصر في الدنيا، سكنت في هذه الغرفة بجانب المكتبة، وإذا جاء وقت المكتبة أخرج من الغرفة إلى غرفة المكتبة أفتحها للطلبة، أنا أطالع فيها، وهذا في سنة ثمانية وستين وتسعة وستين وسبعين (1) -أربع سنوات-.

_ (1) 1368 ـ 1369 ـ 1370هـ.

وكنت في أثناء هذه المدة أدرِّس في المسجد النبوي وكذلك أدرُس في دار العلوم. لماذا؟، لما استقررت في المدينة، سألت الإخوان في هذه الدار -وما شاء الله فيها كمية كبيرة من الطلاّب لاسيما الغرباء- قلت لهم: أنا هل يمكن أن أنضم إليكم؟، قالوا: لا يمكن إلاّ إذا راجعت محمد خيّال -قاضي المستعجلة الأولى-، فسألت عنه حتى عرفت شخصيّتَه، فلما عرفت شخصيته كتبت ورقة صغيرة جئت وسلمت عليه وقلت له: يا شيخ أنا في أمس الحاجة إلى التعاون على البر والتقوى، قال لي: كيف، قلت له: أنا طالب علم ولكن لا يمكن لي أن أطلب العلم إلاّ عن طريق المدارس، قال لي: طيب، ما يمكن نقبلك إلاّ بعد الاختبار، قلت: أنا مستعد للاختبار، ولما جاء وقت الموعد رأسًا أنا حضرت ووجدته جالساً وسلمت عليه، وقال لي: الآن أنت جئت للاختبار؟، قلت: نعم، فاختبرني في التوحيد، واختبرني في الحديث، في مادتين فقط، وكتب أن فلانًا ناجحٌ في مادة التوحيد ومادة الحديث، بناءً على هذا، وقد اختبرني في (صحيح البخاري) ، واختبرني في التوحيد (فتح المجيد) فلذلك كتب: أن فلانًا بمناسبة نجاحه في هاتين المادتين يستحق أن يكون في قسم التخصص على مراحل: الابتدائي، والمتوسطة، والثانوي، والعالي، والتخصص، كتب أن فلانًا يدخل في التخصّص ولكن بشرط أنه بعد صلاة الصبح -لأن محمد خيّال إذا صلى الصبح وصلى الناس الفجر يخرج رأسًا ويدرس في دار العلوم لأنه يلقي درسًا في "كتاب التوحيد" في البخاري -فيقول: بشرط أنه كلما جلست بعد الصبح يحضر يستمع للدرس، وفعلاً أنا التزمتُ بهذا الشرط، فلما وجدني ملتزمًا بها أمر المدير أنه يدعني في الفصل الذي أريد في التخصص، وفعلاً دخلت في التخصص. لما دخلت في التخصص كان الأساتذة هؤلاء -اسمع يا شيخ-: كان عمر بَرّي يدرِّسنا في (صحيح مسلم) ، وفي (الهداية) في المذهب الحنفي، وفي (ديوان المتنبِّي) ، وفي (ألفية ابن مالك) أربع مواد، التخصص.

ومحمد الحافظ (1) الموجود الآن -الشيخ- ذا يدرسنا في (سنن النسائي) . والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -لأنه كان من المدرسين- يدرسنا في (ابن كثير) وأصول فقه الروضة – (روضة الناظر) . الحاصل: أنه توزعت الدروس هكذا بين المشايخ. وعمار المغربي -تسمع به؟ -عمار المغربي يدرسنا في (صحيح البخاري) و (جامع الترمذي) . الحاصل: هكذا توزعت الدروس، هذا كله سنة 68-69-70 -ثلاث سنوات-، وسنة واحد وسبعين أيضًا، ولكن واحد وسبعين جاءني طلب من مكة بواسطة الإخوان الذين تركتهم، ألحوا على أني لا بد وأن أرجع إليهم، وفعلاً عملوا هذه الطريقة للرجوع إليهم: وهو أنهم كتبوا للمدرسة الصولتية -لأنهم كانوا يدرِّسون فيها- نريد أن تطلبوا فلانًا من دار العلوم، وفعلاً هم طلبوني من المدرسة الصولتية، وألحّوا عليّ الإخوان أيضًا فانتقلت" (أسماء رفقاءك هؤلاء؟) أنا أذكرهم لك: رفقائي: واحد منهم حي الآن: عمار بن الحسن بن حذيفة الأنصاري، وهذا يشتغل الآن في رئاسة الإشراف على الحرمين الآن، هذا الذي بقي منهم من رفقائي. أما الآخرون لم يبقى منهم إلا إثنان أنا وعمّار بن الحسن بن حذيفة الأنصاري: موجود الآن.

_ (1) توفي بعد الوالد بسنة عام 1419هـ. رحمه الله تعالى (عبد الأول) .

لما وصلنا إلى الصولتية للتدريس سنة واحد وسبعين، حيث إني خرجت من هنا واحد وسبعين، وبقيتُ فيها واحد وسبعين، اثنين وسبعين، وثلاث وسبعين، أربع سنوات، أدرِّس كمتخصص. وفي السنة الرابعة من عملي تعرّفت في أثناء وجودي مع المشايخ: تعرفت على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد اللطيف آل الشيخ، وأمثالهم من المسئولين في الرياض، فلما عرفوا أني في الصولتية وقد فتحت الكليّات والمعاهد في الرياض طلبوا أن أنتقل إلى الرياض مدرِّسًا، وفعلاً انتقلت سنة 1374هـ، بعد انتهائي للاختبارات. أربع وسبعين انتقلت إلى الرياض، وباشرت العمل في الرياض خمسة وسبعين، باشرت العمل في المعهد العلمي، التابع لإدارة العامة للمعاهد والكليّات في ذلك الوقت، اسم العمل هناك، ما هناك جامعة، يقال: المعهد التابع للإدارة العامة للكليات والمعهد. فالشاهد باشرت التدريس في المعهد العلمي، وأسندوا إليَّ المواد التّالية: أسندوا إليّ تدريس (ألفية ابن مالك) ، و (كتاب التوحيد) ، و (روضة الناظر) ، و (بلوغ المرام) ، هذه هي المواد التي أسندوها إليَّ. ولما مضت السنة الخامسة والسبعون ودخلت السنة السادسة انضممتُ إلى الكليّات، نقلوني إلى الكليات، وبقيت في الكليات من سنة ستة وسبعين إلى سنة خمس وثمانين هـ، هنا نقلوني إلى الجامعة الإسلامية، هكذا المراحل هنا. وأرجو أن يتيسر لنا وقت، لأن الوقت الآن ضيق، لأجل أن نعطيكم معلومات عن الدراسة في إفريقيا حتى تعرفوا كيف كان الناس يدرُسون في إفريقيا وكيف يتلقّون العلوم وما هي العلوم التي كانوا يتلّقونها، وفي أثناء ذلك -أيضًا- أعطيكم كلمةً حول وصول الشيخ محمد عبد الله المدني الذي كان

إمامَ المسجد النبوي قبل الشيخ عبد العزيز بن صالح أيام الشيخ صالح الزغيبي، ووصولُه إلينا سنة ألف وثلاثمائة وسبعة وخمسين هجري، لما وصل إلينا في إفريقيا فتح مدرستين: مدرسة في توحيد السلف، ومدرسة في تعليم السنة النبوية. وهذا الرجل في الحقيقة نستطيع أن نقول أنه سبب في نجاح هجرتنا، وأنا عندي الآن كتابة موجودة عن الشيخ وعن رحلتِه إلينا وبقائه عندنا يعلم العقيدة والسنة إلى أن خرجنا وتركناه هناك-، هو الذي أعطانا المعلومات التي قلت لك نحن نجيء كل بلد فنعرفه كأننا قد رأيناه سابقًا، كلها منه، وعندي كتابة الآن هنا لو كان الوقتُ واسعًا نخرجها ونقرأ عليك منها تفاصيل اللقاء وإقامة الشيخ عندنا حتى تعرف كيف كان التعليمُ في تلك البلاد، سواءٌ قبل الشيخ أو بعد الشيخ، والشيخ أصلُه من عندِنا، جاء به أبوه المحمود وهو ابن خمس سنوات، إلى هنا زمن حكم تركيا، وصل إلى هنا سنة سبعة عشر من القرن الذي قد انصرف (1) -القرن الرابع عشر-، وبقي هنا وتعلّم في دار العلوم، لأنه ذلك الوقت لا توجد إلاّ مدارس أهلية، تعلم فيها وبقي هنا حتى جاءت هذه الدولة، وتلقّى العقيدة عن الشيخ عبد الله بن الحسن آل الشيخ، الذي هو المسؤول عن المنطقة الغربية، هو وشيخُه الطيب الأنصاري، والشيخ أبو بكر التنبكتي، هؤلاء كلهم منا، لأن الشيخ الأنصاري ابن عمِّي، أما الشيخ أبو بكر التنبكتي أنا خالُه، وكذلك الشيخ محمد عبد الله أنا خالُه، فلذلك تحتاج مسألة الشيخ إلى وقتٍ أوسع من هذا حتى نعطيكم عنه جملة تستفيدون منها إن شاء الله فيما بعد.

_ (1) عام 1317هـ.

ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وهذه مجمل الرحلة، وهذه الرحلة لها تفاصيل، وهذه التفاصيل مكتوبة عندي أيضًا". طبعت؟ "لا ما طبعت، كنانيش، لعلك تعرف معنى كنانيش؟، كُنَّاشات موجودة عندي، إذا حصل لنا وقت نعطيكم منها نبذة غير هذه المقتطفات"

جلسة أخرى

جلسة آخرى "سم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلاّ بالله. أما مشايخي في إفريقيا أولاً، لأنهم هم الذين استفدت منهم كثيرًا: فمشايخي في إفريقيا الغربية التي هي الآن تسمى (مالي) فهم كالتالي: أولاً: خالي: أحمد بن محمد بن تقي الأنصاري: هذا أول شيخٍ لي في الكتاتيب إلى أن بلغتُ خمسة عشر سنة، هذا هو أولُ شيخٍ ربّاني. وبدأت عندَه في المبادي العلمية، وهو رجلٌ عظيم، كان هذا الرجل من مشايخي في ذلك الوقت إلى أن توفي -رحمه الله- ان معتنيًا كثيرًا بتعليم الأطفال، يجمع أطفال الحي ويفتح لهم مدرسة باسم الكتاتيب، واستمرت المدرسة في الكتاتيب إلى أن تخرّج فيها عددٌ لا بأس به في كلّ العلوم، سواء كانت العلوم اللغوية والفقهية والتوحيدية والتفسيرية. والشيخ الثاني: عمي اسمه: محمد أحمد -الملقّب بالبحرـ، وعمي هذا يعدّ هو المقدَّم في التعليم، لأنه ما لُقِّب بالبحر إلاّ لتبحره في علوم كثيرة قلَّ من تبحّر فيها في وقته. وعمي هذا هو الذي درست عنه في الفقه المالكي بجميع المقررات في هذا الفقه التي منها: "مختصر خليل" متنًا، ومنها: (رسالة ابن أبي زيد القيرواني) ، ومنها -أيضًا-: (شروح مختصر خليل) التي من أهمِّها: (الحطّاب على مختصر

خليل) ، والخيرشي) ، و (عبد الباقي) ، و (التيتائي) ، و (الموّاق) ، وهذه الشروح تعتبر من كبريّات شروح (مختصر خليل) . هذا بالإضافة إلى أصول الفقه، ودرست عنه كذلك في أصول الفقه: (الورقات) لإمام الحرمين، وجمع الجوامع) للتاج السبكي بشروحه المعروفة التي منها (البنّائي) والمحلِّي) ، هذه بعض الموادّ التي أملاها علينا؛ لأن التدريس عندنا هناك ليس كالتدريس هنا، التدريس عندنا هناك بالإملاءات، لأنه لا توجد كتب، المشايخ ما عندهم كتب، أغلب الكتب مخطوطات نادرة قليلة، فلذلك هم يُملون علينا في الحلقة، فنكتُب على الألواح هذه الدروس، يُملونها فنكتبها فنحفظها غيبًا، وبعد ذلك يشرحون لنا كل ما يحتاج إلى شرح. هذا الشيخ الثاني الذي يعدّ -كما أشرت إليه- عد في تلك البلاد مفتيًا وقاضيًا، ويحفظ كثيرًا، يعني: من ناحية الحفظ غيبًا يحفظ مقررات -أو كتبًا- همّة قلَّ أحد يحفظها في زمنه، حتى إنه يحفظ متن البخاري، يحفظه بأسانيدِه، هو رجلٌ نادر في تلك البلاد، هذا ثانيًا. وثالثًا: البليغ الكبير الذي هو موسى بن الكسائي، وموسى بن الكسائي هذا رجلٌ عظيم اجتمع فيه علومٌ -أيضًا- نادرة، منها: الأدب، فهو أديب، متخصِّص في الأدب، هو الذي درست عنه الدواوين الستّ التي منها: (ديوان امرئ القيس) ، و (ديوان زُهير) ، و (ديوان علقمة الفحل) ، و (طرفة العبد) ، و (عنترة) ، هذه الدواوين سمعتها من هذا الشيخ الأديب الكبير موسى ابن الكسائي. وكذلك درست عليه في علوم البلاغة: (الجوهر المكنون في الثلاثة الفنون: المعاني، والبيان، والبديع) -هذا مؤلفُه عبد الرحمن الأخضري-، ودرست عليه كذلك: (عقود الجمان) في الفنون الثلاثة أيضًا -في المعاني، والبيان، والبديع- لسيوطي.

هذه هي العلوم التي درست عن هذا الشيخ هناك في إفريقيا. وكذلك أيضًا الشيخ الرابع: حَمُود بن محمود المعروف بالحسن: هذا الشيخ شريفٌ -من الأشراف-، نسبه يعود إلى عليّ بن أبي طالب، وهذا النسب موجود عندي لأني قيّدته عنه فما زال معي منه نسخة إلى الآن. هذا الرجل درست عليه في الفرائض: درست عليه (الرحبية) في الفرائض، لأنه فرضي -يعني: يحسن الفرائض جيّدًا-، واستفدنا منه في هذا العلم استفادة عزيزة، وقلّ شيخ اجتمعنا به في هذا الفن وجدنا منه مثل ما وجدنا عنده من إدراكه لهذا الفن، ولهذا استفدنا كثيرًا، حتى إنني بعدما درست هذا الفن واعتنيت به كدت أن أكون أنا بنفسي متخصصًا فيه. هؤلاء أربعة، وهؤلاء هم الذين لهم الأثر الكبير في تربيتي وفي تعليمي، واستفدت منهم كثيرًا، هؤلاء أشهر مشايخي هنا، وإلاّ عندي في إفريقيا كثيرون، ولكن هؤلاء هم الذين عليهم المدار في التعلم بالنسبة لي أو بالنسبة لغيري. أما مشايخي بعدما جئت إلى هذه البلاد المقدّسة -لأنني لما جئت انخرطت في الحلقات في مكّة المكرمة التي يتقدمها حلقة: حسن مشّاط: المعروف. ثانيًا: علوي مالكي. وثالثًا: التُّبّاني العربي. ورابعًا: أمين الحنفي. وخامسًا: عبد الرزاق حمزة. وكان -أيضًا- من مشايخي هنا في مكة: حامد فقي: رئيس أنصار

السنة –المصري-، كان في ذلك الوقت كلما جاء وقت الحج يأتي في بعثة الحج المصرية، فإذا جاء يَفتح له درسًا عند باب علي في مكة المكرمة في المسجد الحرام، فنجتمع عنده. ومن مشايخي -أيضًا- الذي استفدت منه كثيرًا في مكة: الشيخ عبد الحق العُمَري الهندي. هؤلاء بعض المشايخ الذين استفدت منهم كثيرًا في مكة المكرمة في علوم كثيرة لا سيّما في الحديث. أما في المدينة النبوية لما انتقلت إلى المدينة فقد دخلت في حلقات مشايخ كثيرين كذلك، منهم: عمّار المغربي، ومنهم -أيضًا-: عمر بَرِّي، ومنهم أيضًا: محمد تركي هذا نجدي، وكذلك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب (تفسير أضواء البيان) . كل هؤلاء كانوا يدرِّسون في الحرم النبوي وفي دار العلوم، وأنا أحضر دروسهم سواء في الحرم النبوي وفي دار العلوم الشرعية. هذا فيما يتعلّق بأهم المشايخ في الحرمين الذين جلست إليهم واستمعت منهم واستفدت منهم. أما في نجد: في الرياض فلقد حضرت -أيضًا كذلك -عند مشايخ كثيرين: منهم الشيخ محمد بن إبراهيم الشيخ: المفتي الأكبر في أيّامِه، هذا الشيخ شيخٌ عظيم، وعندَه مشاركة قويّة في علوم عديدة منها: التوحيد، ومنها: التفسير، ومنها: الحديث، كان هذا الرجل النشيط، رغم كوني أدركته في آخر

عمره، كان يجلس بعد صلاة الصبح في المسجد ويلقي درسًا، وهكذا بعد المغرب، وبعد أذان العشاء كذلك يجلس ويلقي درسًا في التفسير، فنحن نحضر في هذه الأوقات لهذه الدروس لأنها دروس مفيدة. وكذلك -أيضًا- أخوه الشيخ عبد اللطيف كذلك فهو فرضي، أعني: في الفرائض ممتاز، وأنا -كما ذكرت سابقًا- درست هذا الفن -هذا العلم- وأنا في إفريقيا، واستفدت من هذا العلم هناك، ولذلك لما كنت أحضر عند الشيخ عبد اللطيف في درسه في الفرائض، لأنه متخصص فيها أفهم أكثر مما يفهمه الحاضرون وأستفيد زيادة على ما أستحضره أنا قبل أن أحضر في هذا الدرس. وكذلك الشيخ عبد الله -أخوهم -وهو أسنُّ منهم، وهذا الشيخ -أيضًا- استفدت منه فيما يتعلّق بالتنجيم مثلاً معلومات كونية في التنجيم المعروف بتنجيم التسيير، وهو عبارة عن معرفة النجوم التي يستدلّ بها على القبلة وكذلك وقت الزراعة، وكذلك -أيضًا -علم بالفصول الأربعة، وغير ذلك مما يتعلق بهذا النوع، استفدت منه لأنني جالسته مرارًا في مناسبات عديدة، وهو يُملي عليّ وأنا أقيِّد. هذا بعض المشايخ. وهناك شيخ يجب أن يكون في المقدمة ولكنني لم أتذكر إلاّ الآن، وهو الشيخ محمد عبد الله المدني، والشيخ محمد عبد الله المدني هذا الرجل أولاً كان من المدينة، وعاش في المدينة أيّام تركيا، وأيّام الشريف، وحتى جاءت دولة الملك عبد العزيز هذه -نصرها الله عز وجل-، وهذا الرجل درس في دار العلوم الشرعية، ثم لما أدركته هذه الدولة تعلم زيادةً على ما عنده من المعلومات لاسيما في التوحيد والسنة.

هذا الرجل لما وصل إلينا في إفريقيا استفدنا منه، لاسيما فيما يتعلق بالتوحيد وبالحديث وبرجال الحديث، لأن الرجل عنده معلومات قويّة في هذه الفنون ولا سيّما في السيرة النبوية وفي الأدب كذلك، وهو مشارك في هذه العلوم. وهذا الرجل الحقيقة مجيئه إلينا في إفريقيا فتح لأنه قبل أن يأتي لتلك البلاد -مالي- ما كان الناس يعرفون أو يذكرون شيئًا يتعلّق بتوحيد السلف أبدًا، بل إن السائدَ في تلك البلاد فيما يتعلق بالتوحيد: علم الكلام، وهذا العلمُ -الذي هو علم الكلام -لا يصح أن يسمّى علمًا، هذا ينحصر فيما يتعلّق بعقيدة الأشاعرة وأيضًا الأشاعرة الكلاّبية فقط التي لا تؤمن إلاّ ببعض الصفات-، فالشيخ لما جاء صار فتحًا عظيمًا في هذا الباب، حيث اتضح -بعد الله أولاً ثم بمجيئه- أن التوحيد غير ما هو مقرّر في تلك البلاد، فإنما التوحيد هو توحيد السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. وكانت الكتب التي تُقرَّر قبل أن يأتي الشيخ هي: أولاً: (السنوسية الصغرى) – أم البراهين الصغرى) و (أم البراهين الكبرى) ـ، وبجانبها كتيّبات أخرى، وكلّها عبارة عن فلسفة وكلام، ولكن لما جاء الشيخ تبيّن أن هناك كتبًا في العقيدة السلفية لها منهجٌ مخالف لمنهج كتب الفلاسفة والمتكلمين التي كانت مقرّرة قبلَه. ومنها -أي: الكتب التي تبيّنت وظهرت بعد مجيء الشيخ عبد الله المدني- منها: أولاً: كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب ابن القيم، بل وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. وكذلك -أيضًا- كتب علماء السلف التي اقتبس منها هؤلاء الثلاثة التي منها أولاً: (خلق أفعال العباد) للبخاري، و (كتاب الشريعة) للآجري، و (كتاب التوحيد) لابن خزيمة،

و (كتاب السنة) للإمام أحمد، و (كتاب السنة) لابنه عبد الله، و (كتاب السنة) لابن أبي عاصم النبيل، وغيرُ ذلك كثير من الكتب التي بيّنت وظهر لكثيرين ممّن يرغبون فيها أنّ العقيدة السلفيّة ما زالت موجودة ويقوم بها رجالٌ ينشرونها كثيرًا، فتغيّر الوضعُ عندنا كثيرًا بعد الله ثم بمجيئه فيما يتعلّق بالعقيدة. وهذا الشيخ -الشيخ محمد عبد الله- أنا كتبت عنه بعدما توفي، والكتابة موجودة عندي هنا نسخة منها (1) . وكذلك -أيضًا- من مشايخي في إفريقيا: الأخ عمران بن محمود، هذا الأخ عمران بن محمود كاد أن يكون زميلي ويكون قريني، ولكنه هو أسنُّ مني كثيرًا، فلذلك استفدت منه فيما يتعلّق بالنحو والتصريف، سمعت منه في "الكافية" لابن مالك، و"اللامية" لابن مالك، وكذلك -أيضًا- في شروح "الألفية" كالأشموني والصبّان، والخضري -"حاشية الخضري على ابن عقيل) ، وكذلك (التوضيح) ، و (التصريح) ، وكذلك يس (2) ، هذه كلها شروح (الألفية) ، وهذه الشروح أغلبها سمعتها من الأخ عمران بن محمود. وهو أخو حَمُود ابن محمود الذي درست عنه في الفرائض. وكذلك -أيضًا- مَلُّول بن محمود: مَلُّول بن محمود هذا رجلٌ عظيم، وكان هذا الرجل يجلس كثيرًا لطلبة العلم ويلقون عليه أسئلة وهو يجاوبهم في علوم كثيرة، منها: في التفسير، وكذلك أيضًا في اللغة، وكذلك أيضًا في السيرة، وقد استفدنا أيضًا من الرجل فيما يتعلّق بهذه العلوم.

_ (1) كتاب الوالد هذا موجود ضمن هذا الكتاب الذي ألفتُه في ترجمته (عبد الأول) . (2) يس~ على رسم القرآن. وهو أحد شرّاح ألفية ابن مالك (عبد الأول) .

ومنهم أيضًا -من مشايخي في إفريقيا، لأن مشايخي في إفريقيا كثيرون، وعندي الآن قائمة لهم، موجودة عندي هناـ، ومنهم: الشيخ عبد الله بن صالح، الشيخ عبد الله بن صالح هذا رجلٌ فتح الله عز وجل عليه فتحًا فيما يتعلّق بالفقه في الإسلام، فهو فقيه نفسي، بحيث إذا سمع أيَّ مسألة يفتح الله عليه في هذه المسألة ما لا يستحضره أيُّ شيخ أو أيُّ طالب علم حينما يسمعُها، فهو رجلٌ عظيم، لو كان في القرون الوسطى لقُيِّد أنه من أولياء الله؛ لأن الرجل يتكلّم، وكذلك أيضًا إذا سمع فإنه يصدُق عليه ما جاء في الحديث: " رب مبلَّغ أوعى من سامع "، أعني يعي فيما سمعه ما لا يعه الذي بلّغه إيّاه أو سمعه منه. هؤلاء الذين ذكرتهم سواء في إفريقيا الغربية أو في الحجاز أو في نجد، هؤلاء جملة من مشايخي. وكذلك -أيضًا- أخذت إجازات عديدة عن مختلف المشايخ من مختلف الأقطار، فهذه الإجازات موجودة عندي في ثَبَتي حيث عندي ثَبت -سمّيته: (إتحاف القاري بِثَبَت الأنصاري) (1) ، هذا موجود عندي، ويحوي الذين أخذت عنهم إجازة، وكذلك -أيضًا- حتى الذين سمعتُ منهم قيّدتهم فيه. فهذا العدد -فيما أرى- يكفي الآن، فندخُل في مسألة أخرى". حدثنا يا شيخ عن وصايا لم تنسها من هؤلاء المشايخ علّها تكون نبراسًا للطلاب في هذا الوقت هؤلاء المشايخ أخذت عنهم وصايا كثيرة، منها -وهي أهمُّهاـ: من الوصايا التي أخذتها لاسيّما عن الشيخ محمد عبد الله المدني، هذا في الحقيقة

_ (1) هذا الثبت نسختُه بخطي تحت ملاحظته وعنايته. وسألحقه -إن شاء الله- بالترجمة هذه، ولكن في الذيل الذي سَيُطبع بعد إخراج هذا الكتاب للناس. ا. هـ (عبد الأول) .

استفدت من وصاياه ما لم أستفد من غيره، وذلك أن الشيخ محمد عبد الله أوّل اجتماعي به بدأ بالتوصية لأنه جاء الاجتماع طارئًا ما كان على موعد، اجتمعنا على غير موعد، فهو بمناسبة ذلك خاف أن نفترق قبل أن يوصيني بما يريد، فلذلك بادرني بالوصية، فقال لي: يا فلان؟، قلت له نعم لبيّك، قال لي: أنا أوصيك وأوصيي نفسي أولاً بتقوى الله في السر والعلانية، ثم أوصيك بالاشتغال بعلم السلف، عليك بأن تهتم وتحرص على علم السلف، وعلم السلف هو كالتالي: أوّلاً: اشتغل بالعقيدة السلفية وتعليمِها، وكذلك -أيضًا -قال لي: اشتغل بالحديث، يعني: لا تعتمد على الآراء، قال لي: لا تعتمد على الآراء إلاّ إذا عرفت الدليل الذي استمدت منه هذه الآراء. قال لي: أما في النقطة الأولى -وهي التوحيد -يقول لي: التوحيد هذه الكلمة لا تُطلق شرعًا ولا في عُرف علماء السلف إلاّ على التوحيد الذي اعتمد على القرآن وعلى السنة النبوية، فلذلك قال لي: أنا أذكر لك الكتب التي ينبغي العناية بها والاشتغال بها حتى تعرف معنى التوحيد، قال لي هكذا، قال لي: أولاً: عليك بكتب الإمام أحمد بن حنبل في التوحيد في العقيدة، وقد ذكرت لك الآن بعضَها: ذكرت لك (كتاب السنة) للإمام أحمد، وكذلك -أيضًا- (كتاب الرد على الزنادقة والجهمية) للإمام أحمد، وكذلك كتاب (الإيمان) للإمام أحمد، وكذلك (كتاب السنة) لابنه عبد الله، وكذلك -أيضًا- (كتاب الشريعة) للآجرّي، وكذلك كتاب (شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة) للحافظ اللآلكائي، وكذلك كتاب (خلق أفعال العباد) للبخاري -كما ذكرتُه سابقًا-، قال لي: هذه الكتب هي التي إذا اعتنيت بها واشتغلت بها فإنك ستتعلم -أو ستعلم- ما معنى التوحيد.

وكذلك -أيضًا- يقول: لا تُغْفِل كتب المشايخ الثلاثة التي هي: كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب ابن القيم، وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وأملى عليّ منها عددًا كبيرًا، في ذلك الوقت ما كنت أعرف عن تلك الكتب، ولكن أنا قيدتها لما أملاها عليّ، نعم ولما رَحَلْتُ إلى هذه البلاد بحثت عن هذه الكتب وقلّ أحد جمع مثلَها، هذه الكتب موجودة عندي الآن، هذه كلُّها هي الكتب التي وصاني الشيخ محمد عبد الله المدني بدراستها وتدريسها والعناية بها وتعليمها للناس، هذه قيّدت أسماءها، ولما أتيت إلى هذه البلاد المقدّسة أوّل ما بحثت عنه هذه الكتب. وبتوفيق من الله عز وجل قد تحصلت على جملة كبيرة منها قلّ أن توجد عند أحد في هذه البلاد، هذا من فضل الله، ثم من أثر هذه الوصية. وكان هناك من الأسباب بعد هذه الوصية حصولي على هذه الكتب التي لو -مثلاً- نظرت هذه الأدراج تجد شيء قلّ أن يوجد اليوم، هذا من الأسباب أنني لما وصلت بعد هذه الوصية إلى الخرطوم -إلى أم درمان كما قلت لك أمس- ونزلت عند أنصار السنة، وأنا نزلت عند أنصار السنة بوصية منه أيضًا؛ لأنه يعرفهم لما خرج من هذه البلدة إلى إفريقيا مرّ على الخرطوم، فهو بوصيته أولاً بعد الله حصل لي الاتصال بهؤلاء، ولما وصلنا إلى أم درمان أضافونا في عمارة على شاطئ النيل في أم درمان، وكانت هذه العمارة الدور الأرضي كلُّه مكتبة، وهذه المكتبة في الحقيقة قلَّ كتاب تعلّق بالعقيدة السلفية أو يتعلّق بالحديث إلاّ وهو موجود فيها. ولما نزلنا فيه ووجدت في المكتبة كثيرًا مما وصّاني الشيخ به أخذت دفترًا كبيرًا وصرت أكتب أسماءها كلها إضافة إلى ما ذكر لي الشيخ وصرت أكتب طبعاتِها في المكان الفلاني، هكذا حتى جمعت منها دفترًا كبيرًا يحوي شيئين:

أولاً: ما يتعلق بالتوحيد -أسماء الكتب المتعلقة بالتوحيد-، وثانيًا: الكتب المتعلقة بالحديث وعلومه، هذه قيّدت منها عددًا لا يستهان به في تلك المكتبة. ولما جئت إلى هذه البلاد بدأت أبحث عنها، وبتوفيق من الله قد وجدتها كما ترى، من هنا تبدأ إلى هنا، هذا كله حديث، هذه أغلبها بعد الله بوصية الشيخ، ولهذا هذا الذي ترى الآن فقط الحديث متنًا، وهذه أغلبُها بوصية من الشيخ. وثانيًا: هذه علوم الحديث والمصطلح، هذا الركن كله، هذا المصطلح، هذا كله بعد الله بوصيةٍ من الشيخ. وكذلك -أيضًا- مما أوصاني الشيخ قبل أن نفارقه قال لي: أنت حينما تكون هناك -يعني: في الحجاز -فأنت تحتاج إضافة إلى كتب الحديث والعقيدة ستحتاج إلى كتب الرجال، لأن الحديث -يقول لي- لا يمكن أن تعرفه بدون كتب الرجال، ولهذا -أيضًا- لما جئت إلى أم درمان في تلك المكتبة النادرة من جملة ما كنت أقيّده أيضًا: كتب الرجال التي تساعد على هذه الكتب، وقد قيّدت منها جملة، هي هذه، هذا كله رجال، فلهذا انظر الآن كيف كان الوضع، فالحديث شرقًا، والرجال غربًا (1) . فهذا عندي في الحقيقة من أعظم الوصايا التي سمعتها من جميع مشايخي، لماذا صارت هذه من أعظم الوصية؟، لأن مشايخي أغلبهم أشاعرة، أعني: يعنون بالعقيدة الأشعرية الكلاّبية، هذه واحدة، وثانيًا: أغلبهم لا يشتغلون بالحديث، إنما يشتغلون بالفقه -أعني: بالفقه المالكي-، اللهم إلاّ اثنان منهم فقط، وهما:

_ (1) هذا وصفٌ لمكتبته الحالية (عبد الأول) .

أولاً: عمي محمد أحمد الملقّب بالبحر، هذا في التوحيد السلفي إمام، هو الذي درست عليه (مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني) ، وهذه المقدّمة من أولها إلى آخرها في العقيدة السلفية، وكذلك خالي محمد أحمد الملقب بأستاذ الأطفال هو كذلك سلفي، ولم يوجد من مشايخي في إفريقيا سلفي إلاّ هذان، نعم، انتبه لذلك، إنهم علماء مشاركون في علوم كثيرة ولكن رغم كونهم علماء لم تكن هناك كتب مقررة في العقيدة السلفية إلاّ قليل. وكذلك -أيضًا- لم يكن من مشايخي في إفريقيا محدِّث يشتغل بالحديث أيضًا كذلك إلاّ قليل، منهم عمي الملقّب بالبحر الذي ذكرت لك أنه غيّب متن "البخاري" في الحقيقة يعدّ إمامًا في علم الحديث وفي الفقه وفي علومٍ كثيرة، فهذا-أقوله بصراحة -لأن السبب كما ذكرت أنه ما كانت توجد الكتب التي تتعلق بالعقيدة السلفية أو تتعلّق بالتعمّق في علم الحديث متوفرة في تلك البلاد، وإلاّ بمجرد ما وصل الشيخ محمد عبد الله المدني وتبيّن أن هذه الكتب موجودة وأنها توجد مطبوعة وأنها منتشرة في العالم بدأوا يبحثون عنها، فلذلك تغير الوضع وصار العلم في تلك البلاد الآن على غير المنهج الذي كان قبل أن يأتي الشيخ محمد عبد الله، قبل أن يأتي المقررات كلها في الفقه المالكي واللغة والأدب والسيرة والتفسير والبلاغة وأصول الفقه وغير ذلك من علوم كثيرة، ولكن بعدما جاء الشيخ محمد عبد الله صار طلبة العلم يبحثون عن الكتب الأصلية التي هي كتب السلف، سواء في التفسير والحديث والعقيدة وغير ذلك. ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علّمنا، ويفقهنا فيما علّمنا". نريد منك إجراء مقارنة بين طلاّب العلم في القديم والحديث "ماذا تعني بالقديم والحديث؟ ".

في أيامكم والآن؟ هذه "أعطيتكم إشارة عنها الآن". يعني: هل قصرت همم طلاّب العلم الآن؟ "الآن أنا أعطيتك الإشارة في الكلمة التي أنهيناها الآن أعطيتك الإشارة. إذا كنت تعني بطلاّب العلم في إفريقيا أو بطلاّب العلم في آسيا، ماذا تريد؟ ". بصفة عامّة؟ "بصفة عامة: أنا قد عاصرت طلاّب العلم في القارّتين -سواء في إفريقيا أو في آسيا كما تعرف-: الحقيقة أن المقارنة بين طلاّب العلم في إفريقيا في أيامي هناك وفي آسيا في هذه الأيّام هي كالتالي: أما ما يتعلّق بإفريقيا فهو كما ذكرتُ أن إفريقيا -وخصوصًا مالي بالخصوص-، اعلم: أنَّ إفريقيا تنقسم إلى قسمين: إفريقيا البيضاء وإفريقيا السوداء، وأنا الآن أتكلم عن إفريقيا السوداء لأنه هي التي عشت فيها تلك المدّة القصيرة التي عشتها هناك، وهذه إفريقيا السوداء التي أعنيها أيضًا أخصُّ منها مالي فقط، لأن أفريقيا السوداء بجميع دولها لا يوجد فيها بلد يُعنى بالعلم وبدارسة العلوم إلاّ مالي، أما ما سوى مالي من إفريقيا السوداء فليس عندهم من العلوم ومن الدراسات مثل ما يوجد في مالي، ولذلك جميع إفريقيا السوداء الذين يجاورون مالي يدرسون في مالي، فإذا درسوا في مالي رجعوا إلى بلادهم، ومالي تُعدّ هي القاعدة -هي قاعدة العلم- هي تنبكتوا، وتنبكتوا هذه بلد علم، من حين ما تأسّست في القرن الثامن الميلادي وهي بلد علم إلى أن جاء الاستعمار الفرنسي، ولما جاء الاستعمار الفرنسي نقل العاصمة عن تنبكتوا وجعل العاصمة (قاوا) صارت هذه البلدة خلاف ما كانت عليه سابقًا، انتقل

العلماء إلى (قاوا) ، أولاً كان مركزهم في تنبكتوا، والأثر لهذا النشاط الآن مؤلَّفٌ فيه كتب كثيرة، فمثلاً كتاب عبد الرحمن السعدي عن تنبكتوا وعلمائها، و (فتح الشكور في تاريخ بلاد تكرور) -يعني بتكرور تنبكتواـ، هذه الكتب أعطتنا فكرة عظيمة وكبيرة حول نشاط العلم في تنبكتوا. هذا هو السبب الوحيد بعد الله في أن إفريقيا السوداء الغربية لا يوجد فيها بلدٌ يُعنى بالعلم والتعليم أبدًا إلا نادرًا، وإنما العلمُ قبل الاستعمار وبعد الاستعمار انحصر تعليم العلم بجميع أنواعه وفنونه في هذه المنطقة التي تسمّى (المنطقة الشرقية في مالي) التي عاصمتها الآن (قاوا) ، وعاصمتها في الماضي تنبكتوا. هؤلاء العلماء في تلك المنطقة -مثلما ذكرت سابقًا- العلماء يُعنون بالعلوم التي وجودها في تلك المنطقة التي ذكرتُ لك بعضَها، يعنون باللغة، وهم في علم اللغة أئمّةٌ، سواء في اللغة أو في مفرداتها، وفي الأدب. وكذلك -أيضًا- يُعنون بالتفسير، ولكن هنا ملاحظة: التفسير الذي يعتني به العلماء في تلك المنطقة هو التفسير الذي يُطلق عليه التفسير بالرأي، ما يُعنون بالتفسير المسند، مثلاً: تفاسير الصحابة المسنَدة والتابعين المسنَدة، بل وكذلك التفاسير المرفوعة، ما يُعنون بها، والسبب في ذلك: قلّة الكتب في هذا الموضوع في تلك البلاد. هذا أوّلاً. هكذا كان العلم أن العلماء في تلك البلاد يحرصون على دراسة هذه العلوم التي ذكرتُ بعضَها التي منها: التفسير المجرّد، وكذلك أيضًا اللغة بأنواعها، والأدب، والسيرة، وكذلك أيضًا تجد واحدًا من عشرة يدرُس (الموطأ) . هكذا كان العلم أولاً في تلك البلاد، ولكن تغيّر الوضع -ولله الحمدُ والمنة- وذلك لتيّسر هذه المواصلات التي حصلت من زمن إلى الآن، لما حصلت

هذه المواصلات واتّصل علماء تلك المنطقة بآسيا عرفوا -كما ذكرت- أولاً بوصول الشيخ محمد عبد الله إلى تلك البلاد، وثانيًا بتيسّر المواصلات حتى تمكّن طلبة العلم هناك من الوصول إلى هذه البلاد وإلى مصر وإلى أيّ بلدٍ يريدون في آسيا، هذا كلُّه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تغيّر وضعُ التعليم في منطقة مالي عما كان عليه سابقًا قبل الحرب، صار العلماء بعدما انتهت الحرب صاروا يدرُسون كتب العقيدة السلفية، وصاروا يدرُسون -كذلك -كتب الحديث، وصاروا يدرُسون مصطلح الحديث، وصاروا يدرُسون التفاسير المسنَدة، كـ"تفسير ابن جرير"، و"تفسير البغوي"، وصارت هذه المقرّرات بعد الحرب العالمية الثانية صارت هي العمدة، وصارت هذه الكتب هي التي عليها المدار بعد الحرب الثانية، بخلاف ما كان قبل الحرب حيث إنه كانت العمدة في التفسير عندهم: "تفسير الجلالين" و"تفسير البيضاوي" و"تفسير النسفي" وما إلى ذلك من التفاسير المجرّدة، فلذلك العلم بالنظر إلى التوحيد وإلى التفسير وإلى الحديث في تلك البلاد الآن أحسن من العلم فيما قبل هذا الوقت، وإن كان أولئك الذين قبل الحرب العالمية الثانية عندهم علم، ولكن هذا العلم يُعدّ كوسائل ليس غاية، أما في الوقت الحاضر من الحرب العالمية الثانية إلى الآن العلمُ عند طلبة العلم اشتمل على شيئين: أحدهما: وسائل التي كانت عند أولئك قبل الحرب. وثانيًا: الغايات التي تنقص أولئك في زمنهم. ومن الأسباب في ذلك -كما ذكرتُ- قلّة وجود هذه الكتب بين أيديهم في وقتهم، وإلاّ لو وجدوها في وقتهم لبادروا إليها كما بادروا إليها بعدما وُجدت، هكذا العلمُ في إفريقيا. أما العلمُ في آسيا -المقارنة بين العلماء في آسيا وإفريقيا-: الحقيقة آسيا

قبل هذه الدولة ما كان العلمُ في آسيا كما ينبغي قبل هذه الدولة، لأن هذه الدولة -دولة الملك عبد العزيز -هذه الدولة جاءت بخير كبير لآسيا أوّلاً ثم العالم الآخر ثانيًا، وذلك أنه قبل هذه الدولة ما كان العلماء يُعنون بالتوحيد في آسيا كما يجب، وما كانوا -كذلك -يُعنون بالحديث كما ينبغي تطبيقًا، قد تجد العلماء قبل هذه الدولة يشتغل بعضهم بالحديث هنا في آسيا ولكنهم لا يطبِّقونه -لا يطبِّقون الحديث-، وإنما يعتمدون على مجرّد ما في المذهب -من المذاهب التي يتقيّدون بها-، فهذا من ناحية. وكذلك -أيضًا- ما كانوا يُعنون -أي: العلماء قبل هذه الدولة -ما كانوا يُعنون بالسيرة كما يجب، ولكن بتوفيقٍ من الله عز وجل لما جاءت هذه الدولة- وهي الدولة السعودية التي نرجوا أن تكون هي الطائفة المنصورة -لما جاءت هذه الدولة قامت بعملٍ عظيم، وهو أن هذه الدولة نبّهت العالم الإسلامي إلى أنّ العلم لا بدّ وأن يتركّز على شيئين: أحدهما: العقيدة -وهي الأساس-. وثانيًا: القرآن والحديث تطبيقًا، ما هو مجرّد قراءة، فلذلك الآن العلماء من أيام هذه الدولة إلى الآن -إن شاء الله إلى آخر الدنيا -يخالف وضعهم قبل هذه الدولة، حيث إنّ الدولة نشرت العقيدة السلفية، وكذلك أيضًا نشرت السنة النبوية، وكذلك أيضًا نبّهت الناس إلى أن القرآن يجب أن يدرَس كما درسه الصحابة وكما درَسه التابعون -رضي الله عن الجميع-". جزاك الله خيرًا. هنا يا شيخ حملات مسعورة على السنة النبوية تتهمها بضعف الثقة وتدعوا إلى طرحها جانبًا والاكتفاء بالقرآن الكريم. كيف نردّ على هذا؟ هذه الحملات ليست جديدة، هذه حملات قديمة، وهذه الحملات يتبنّاها

ناسٌ ليس عندهم فقهٌ في الإسلام وإلاّ الذي يطرح السنّة بدعوى أنه يكتفي بالقرآن هذا يلزمه أنه لا يصلِّي الظهرَ أربعًا ولا يصلِّي العصر أربعًا، ولا يصلي المغرب ثلاثًا، فمثل ما قال عمران بن الحصين للرجل لما قال له: نحن يكفينا القرآن وما نحتاج إلى السنة، فقال عمران بن حصين -الصحابي الجليل-: إذا كان الأمرُ كذلك كيف تصلي الظهر، وكيف تصلي العصر، والسنة مبيِّنة للقرآن كما قال الله عز وجل: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} ، وكذلك قال الله عز وجل: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم} ، وقال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ، وقال في آية أخرى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} . الذي يطرح السنة على جانب هذا إنسانٌ عدوٌّ للإسلام، يُعدّ من أعداء الإسلام؛ لأن السنة طرحها لا يمكن بعدما تكون ثابتة، لأن كلمة الإخلاص التي هي: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" تشتمل على شيئين: أحدهما: "لا إله إلا الله" وهذا الشِّقُّ منها معناه: طاعة الله وعبادة الله وحدَه. والشقُّ الثاني: "محمد رسول الله" وهو اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ومَن كان على خلاف ذلك فإنه ليس من أهل "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فلذلك هذه الحملات يجب أن يُضرب بها عرض الحائط ويقدّم أهلُها للمحاكمة إنْ تابوا وإلاّ قُطعت رقابهم. هذا حكم الله فيهم". يا شيخ هل صحيح أن الأمة الإسلامية عندما بدأت تدوين الحديث على رأس المائة الأولى للهجرة كانت تهدف إلى الجمع لا إلى التمحيص؟

"لا، لا، ما هو هكذا، هؤلاء العلماء من حينما بدأ التدوين بدأ في أيّام النبوة ليس بعد النبوّة، وإنما انتشارُه وتوسُّعه بعد النبوة، وإنما بدايته من زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وكان العلماء من الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم لما بدأوا يكتبون السنّة ويجمعونها، كما قال عمر بن عبد العزيز للزُّهري وغيره، وهذه السنة التي يجمعونَها بأسانيدِها، والعلماء في ذلك الوقت غير العلماء في وقتنا هذا ولا فيما بعد أولئك، العلماء في ذلك الوقت علماء بحيث إذا قرأ العالم هذا الحديث أو كتبه فإنه يعرف أن هذا صحيح أم ضعيف أم موضوع أو حسن بسنده الذي معه، فلذلك هم في ذلك الوقت اكتفوا بجمع الحديث بأسانيده ليقدِّموه لمن يعرف هذه الأسانيد، والذين يعرفون هذه الأسانيد بمجرّد ما يقرؤون الحديث يعرف أن هذا الحديث حسن أم ضعيف أم موضوع أم موقوف أم مقطوع وهكذا. ولذلك نرى الآن حتى العلماء المتأخِّرين -أترك المتقدِّمين-، لأن المتقدِّمين عندهم من العلم بهذا الباب ما ليس للمتأخِّرين، ولكن رغم هذا فإن المتأخرين من العلماء مثلاً مثل الطبراني، وكذلك -أيضًا- الخطيب البغدادي، وكذلك -أيضًا- تلامذتهم، هؤلاء يكتبون الحديث بأسانيدهم ومع ذلك قلَّ أن يعلّقوا على تلك الأحاديث بأن هذا الحديث صحيح أو ضعيف، لماذا، لأنهم يقولون: كلُّ من ذكر السند فقد كفاك المؤنة، لماذا؟؛ لأن السند لا ينبغي أن يقرأه إلاّ أهلُ السند، هم يذكرون السند لأهل العلم لا يذكرونَه للجهلة، الذي لا يعرف السند لا يجوز له أن يقرأ الحديث أبدًا، بل إنما يجب عليه أن يسأل أهلَ العلم بالحديث حتى يبيِّنوا له أن هذا السند صحيح أو ضعيف وغير ذلك. فلذلك قول هؤلاء إن المتقدِّمين عُنوا بجمع الحديث دون تمحيص هذه كلمة قد تكون من جهة صحيحة ومن جهة غير صحيحة:

أما من جهة صحتها: أنه إذا كان هذا الشخص يعني أن المتقدّمين يكتبون الأحاديث بأسانيدهم ويكتفون بذلك دون تعليق هذا صحيح. أما إذا كان يعني أنهم يجمعون الحديث دون أن يذكروا أسانيدَه فهذا قولٌ باطل، فإنهم لا يذكرون حديثًا بدون سند أبدًا، لأن السند زمام للحديث، الجمل بدون زمام من الصعوبة قيادته، فلذلك هم يذكرون السند ليُعرف أن هذا الحديث صحيح أو غيرُ صحيح". أيضًا هناك يا شيخ من يقول: الفكر الإسلامي اليوم يعيش في أزمة، وأن المفكرين الإسلاميين المعاصرين اليوم يعيشون عالة على المتقدمين، وأنهم عاجزون عن تقديم حلول إيجابية لقضايا العصر، فما رأيُك؟ "لا، لا، هذه الكلمة لا بد تُبَيَّن تمامًا، هذا السؤال غير واضح". هناك من يقول: إن الفكر الإسلامي في أزمة، وأن المفكرين الإسلاميين؟ الفكر الإسلامي في أزمة؟. "ما معنى (الفكر الإسلامي في أزمة) ؟، أولاً: لازم تُشرَح الكلمة هذه؛ لأن هذه كلمةٌ مجملَة، لا يمكن نسلط عليها الأضواء إلاّ بعد تحليلها هي نفسها -نفس الكلمة ـ. ما معنى الفكر الإسلامي: أولاً: حتى تُشرح كلمة (الفكر الإسلامي) ، ما معنى الفكر الإسلامي، أولاً حتى يُعرف معنى هذه العبارة، والعبارات المحدَثة لا يمكن تسلَّط عليها الأضواء إلاّ بعدما تُرد إلى المصطلحات القديمة الشرعية، لأن في الشريعة لا يوجد كلمة (الفكر الإسلامي) لا يوجد هذا، لا يوجد هذا لا في زمن النبوة، ولا في زمن الصحابة، ولا في زمن التابعين، إلى القرن السادس لم توجد هذه

العبارة، فلذلك الذي ينطق هذه العبارة يجب أن يشرحها أولاً ثم بعد ذلك تسلّط عليها الأضواء. ما معنى الفكر الإسلامي؟، نريد هذا، أولاً: اشرحها أنت أولاً كلمة (الفكر الإسلامي) ، ما هذه الإضافة، نحن نريد أن نعرف أولاً معنى هذه الإضافة ثم بعد ذلك نشرح الكلمة. هذه كلمةٌ لا تُقال لا لغة ولا شرعًا ولا عُرفًا، إنما هذه كلمةٌ محدَثة مأخوذة من المستشرقين والفلاسفة، مفهوم هذا؟. فإذا كان هذا الشخص يعني أن علماء الإسلام عجزوا عن حلول للقضايا التي تُطرح عليهم فيما يتعلّق بالإسلام، فهذا له جواب، ولكن بعبارة (الفكر الإسلامي) لا جواب له أبدً. وإنما هذه الكلمة التي ذكرتها الآن لها إجابة وهي: إذا كان علماء الإسلام عجزوا عن حلول للقضايا التي تُطرح عليهم حول الإسلام. هذا حقٌّ إن كان حصل، وسببُ ذلك: أن علماء الإسلام في وقتنا -أو في وقتٍ مضى- لما تخلّفوا عمّا يجب عليهم نحو الإسلام، لأن الإسلام ليس مجرّد الانتماء فقط، لا، الإسلام لا بدّ وأن يكون بمعناه الصحيح، الإسلام معناه الصحيح هو التمسُّك بما في القرآن وبما في السنة النبوية علمًا وعملًا، يعني: إذا كان علماء الإسلام متمسِّكين بالقرآن والسنة وبسيرة السلف علمًا وعملاً فإنهم يجدون كلّ حلّ لكل قضية إلى ما لا نهاية. ولكن إذا تخلّف هؤلاء العلماء عن القرآن والسنة وعن السيرة النبوية واعتمدوا على غيرهم من أعدائهم، وتخلّقوا بأخلاق أولئك، وتزيّوا بزيِّهم، وجعلوهم هم القدوة ففي هذا لا يمكن أن يجدوا حلاًّ لأيِّ قضية من قضايا الإسلام، لماذا؟، لأنهم تركوا الطريق التي يوجد فيها الحلول وذهبوا إلى طريق هي ضدّ تلك الحلول.

هذا هو الذي أنا أراه أنه هو السبب فيما طرحتَ الآن". وما رأيكم في القول بأن علماء اليوم يعيشون عالة على علماء الأمس؟ "أما هذه الكلمة حقًّا أنها تستحق أن تسلّط عليها الأضواء. علماء اليوم حقًّا أن أغلبيّتهم عالة على من تقدّمهم، وكونُهم عالة على من تقدّمهم هذا ليس عيبًا فيهم، ولكن ينبغي للعالم أن يكون عنده حريّة الرأي (1) وأن يكون عنده التمييز بين الصواب والخطأ، لأن الذي قبله قد يصيب وقد يُخطي، فلذلك يجب على عالم اليوم أن لا يعتمد على ما قاله عالم الأمس إلاّ بعد دراسته طبق القرآن وطبق السنة وطبق الفقه الإسلامي، وإلاّ حقًا أن القصور -أو التقصير -حاصل من كثير من علماء اليوم، حيث إنه تجد أغلبهم يتقيّدون بمذهب من المذاهب: هذا حنفي، هذا شافعي، هذا حنبلي، هذا مالكي، تجد أنه يعتمد على كتبٍ جامدة -الكتب التي في أغلب هذه المذاهب كتب جامدة- يعني: قلّ أن تجد بجانب هذه القضية في هذا الكتاب دليلاً تستطيع أن تعتمد عليه، فتجد هؤلاء يتمسّكون بما وجدوا في هذه الكتب بدون دراسة وبدون تمحيص، فهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يستمر ولا ينبغي أن يكون، بل إن العالم -إذا كان عالِمًا، وأنا أعدّ أولئك غيرَ علماء- أنا أعدّ أولئك الذين لا يدرُسون المسائل على ضوء القرآن والسنة أعدُّهم جهلاء ليسوا بعلماء، العالم هو ذلك الذي إذا درَس مسألة في أيّ مذهب من المذاهب وفي أيِّ قضيّة من القضايا يسلّط عليها الأضواء من القرآن والسنة، ما وافق القرآن والسنة أخذ به، وما لم يوافق القرآن والسنة رفضه وتركه. هكذا يكون العالم.

_ (1) هذا الفصل وهذا الكلام مهم جدًّا ومفيد (عبد الأول) .

أما مجرّد التقليد هذا المقلِّد ليس بعالم، المقلِّد كما قال ابن عبد البرّ: لا فرق بين مقلّدٍ وبهيمة ... تنقاد بين دعافل وجنادل المقلِّد على خطر، اللهم إلاّ للضرورة، التقليد يجوز للضرورة، إذا كان الإنسان -مثلاً- في غابات إفريقيا التي لا يوجد فيها علماء ولا يوجد فيها كتب الحديث ولا يوجد فيها كتب التفسير المعتبَر، فوجد (مختصر خليل) مثلاً، جاز له أن يقلّد ما وجد لغاية ما يفتح الله عليه، فإذا فتح الله عليه بالعلم الصحيح لا يجوز أن يقلّد (مختصر خليل) إلاّ بعد تسليط الأضواء عليه". يا شيخ هل يمكن أن يتكرّر أمثال الإمام البخاري والإمام الشافعي ومسلم وغيرهم من أولئك الجهابذة؟ "هذا فضلُ الله، البخاري، ومسلم وغيرهما من أولئك الجهابذة ما أعطوا أنفسَهم، الذي أعطاهم هو الله، الله هو الذي أعطاهم قادرٌ على أن يعطيَ غيرَهم في كلِّ زمان، المدار على الاتصال بالله عز وجل وسؤالِه من فضلِه {واسألوا الله من فضله} اللهم إنا نسألك من فضلك العظيم". يا شيخ ما رأيك في القول بأن باب الاجتهاد أُغلق؟ "قولهم: باب الاجتهاد أُغلق هذا الكلمة جاءت من عدم فهم معنى الاجتهاد، هؤلاء الذين يُطلقون هذه الكلمة أطلقوها لأنهم لا يعرفون معنى الاجتهاد ففسروا الاجتهاد بغير معناه، وهذا المعنى الذي فسّروا به الاجتهاد حقًّا أن هذا المعنى الذي تبادر إليهم لا وجودَ له. هم فسّروا الاجتهاد بالاختراع، يعني تخترع شيئًا لم يسبقك أحدٌ إليه لا قرآن ولا سنة ولا اجتهاد عالم من العلماء، هذا معناه الاختراع، الاختراع يكون في الصناعات والحِرَف. أما الاجتهاد الذي هو -كما قاله الأصوليّون، اسمع: ـ

والاجتهاد بذل الوسع في ... بلوغ الغرض لذي التصرُّف أما الاجتهاد بهذا المعنى بابُه مفتوح إلى أن تقوم الساعة، الاجتهاد بذل الوسع في بلوغ الغرض. يعني: معناه بذل الجَهد والطاقة لفهم ما دلّت عليه هذه الآية الكريمة أو دلّت عليه هذه السنة النبويّة، وهذا الجَهد وهذا الاجتهاد لا يزال إلى أن تقوم الساعة. لو فسّر أولئك العوام -أنا ما أسميهم بالعلماء، وحتى كلمة الجُهّال ما أطلقها عليهم، هؤلاء عوام ما يفقهون-، لو فسروا الاجتهاد بهذا المعنى الذي فسّره به جميع العلماء قاطبةً لعرفوا أن الاجتهاد بهذا المعنى الذي هو مراد العلماء بالمعنى الصحيح لا يمكن أن يُغلق إلى أن تقوم الساعة، ولهذا أهل العلم الذين فقهوا وأدركوا مراد هؤلاء العوام ردّوا عليهم وبيّنوا لهم أن الصواب خلافُ ما قلتم أنتم، فكتبوا كتبًا منها: أولاً (جامع بيان العلم) لابن عبد البر، ومنها: (تيسير الاجتهاد) للصنعاني، ومنها: (القول المفيد في الاجتهاد والتقليد) للشوكاني. وهؤلاء هم الذين وضّحوا لأنهم جاءوا في زمن هؤلاء العوام -أعني: في زمن المقلِّدين -المقلدون عوام، انتبه لهذا!، ولهذا -كما سمعت في هذا البيت-: لا فرق بين مقلّدٍ وبهيمة ... تنقاد بين دعافل وجنادل العامي لا يجوز أن يطرح كلامُه بين أهل العلم إلاّ للتحذير منه فقط، إنما الذي يجب: أننا نفقّه الناس ونفهمهم أن هنا شيئين: أولاً: اجتهاد، وثانيًا: تقليد. الاجتهاد هو: أن يعتمد الإنسان على ما فتح الله عز وجل عليه في القرآن والسنة على ضوء ما فهمه مَن قبلَه من الأئمة، هذا هو الاجتهاد.

وأما التقليد فهو: التمسُّك برأيٍ من الآراء دون أن تعرف دليلَه، ولهذا يقولون: تقليدهم: قَبول قول القائل ... بدون حجة لدفع الصائل يعني: التقليد: أن تقبل من أيِّ أحدٍ من الناس قولاً دون أن تسمع منه الدليل على القول، هذا في الحقيقة لا يجوز إلا في الضرورة كما ذكرت لك في غابات إفريقيا، ولكن الإنسان الموجود بين أهل العلم، وموجود في بلاد العلم لا يجوز له أن يكتفي برأي زيدٍ أو عمرو حتى يسألَه عن دليلِه كما قال الله عز وجل: {فاسألوا أهلَ الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر} . أما من ناحية وجود علماء مجتهدين في عصرنا هذا هذا شيءٌ لا خلافَ فيه إلاّ عند العوام، العلماء في وقتنا هذا فيهم مجتهدون كثيرون، لماذا؟، لما ذكرتُه لك سابقًا: أن تأسيس هذه الدولة السعودية جاء بخيرٍ لم تأت به أيُّ دولة قبلَها بعد الدولة العبّاسية، التي هي آخر الدول الإسلامية المتمسكة بالقرآن وبالسنة. أنا أقول بصراحة: لم أعرف بعد هذه الدولة -الدولة العباسية- دولة قامت بمثل ما قامت به هذه الدولة السعودية من نشر العقيدة السلفية بنصوصها، وكذلك -أيضًا -ما يتعلّق بالسنة النبوية بأدلّتها، فلذلك نستطيع أن نقول: إنَّ هذا الفتح العظيم الذي حصل بعد مجيء هذه الدولة وقبلَها الدولة الأولى التي هي دولة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فتح على المسلمين حتى عرفوا أن العمدة على ثلاثة أشياء: أولاً: آية من كتاب الله محكَمة. وثانيًا: سنة عن نبي الله. وثالثًا: فريضة عادلة.

ومن قبل كان الناس (طلبة العلم) كانوا غافلين عن هذا، ولكن لما جات هذه الدولة الناس بدأوا يفقهون ويفهمون هذا، فلهذا المجتهدون من العلماء في هذا العصر كثيرون، وكلُّ مَن خالف في ذلك يجب عليه أن يتّهم نفسَه ويعترف بأنه جائر ويريد أن يطبِّق ما عليه هو من الجهل على الآخرين، لأن الاجتهاد على المعنى الذي ذكرنا من المستحيل أن يخلوَ منه عالم أبدًا، وإنما الاجتهاد بالمعنى الذي توهمه بعض الناس فإنه لا يكون في الوجود مجتهد. أنا في الحقيقة (1) لم أشتغل بالتأليف وإنما اشتغلت بالتعليم، حياتي كلُّها تعليم، أنا الآن في هذه الدولة لي أربعون سنة وأنا مدرِّس في جميع مراحل التعليم من الابتدائي -بل من التحضيري والابتدائي-، والمتوسطة، والثانوي، والكليّة، والجامعة، والدراسات العليا، هذه المراحل كلها درّستُ فيها وما زلتُ إلى الآن أدرِّس في الدراسات العليا منذ أربعين سنة إلى الآن، وهذا العمل هو الذي شغلني كثيرًا ما وجدت فراغًا للتأليف، إضافةً إلى كثرة المراجعين وكثرة الطلبة في كل وقت؛ لأن الطلبة عندي ليسوا كالطلبة عند الآخرين، أنا عندي الطلبة الرسميّون -هؤلاء في المدرسة -وعندي الطلبة الإضافيون، هؤلاء في البيت وفي المسجد وفي الشارع وفي أيّ مكان تيسّر، هذا شغلني كثيرًا عما أنا عزمتُ عليه من الاشتغال بالتأليف، فلذلك لم يتسيّر لي أن ألّف الذي أريد ألّفه أو أجمعه، ولكن رغم هذا فإنني قد كتبتُ بعض الرسائل في موضوعات مختلفة في العقيدة، وفي الحديث،، وفي الرجال، وفي النحو. منها في العقيدة: "البت في الحكم في الطواغيت الست" هذه موجودة عندي.

_ (1) فصل مهم جدًّا عن سبب قلة مؤلفات الوالد -رحمه الله تعالى- (عبد الأول) .

ومنها: (كشف الستر عما ورد في شدّ الرحال إلى القبر) . ومنها: الرد على المغربي الغماري أبي الفضل عبد الله الغماري هذا المغربي موجود الآن في طنجة، كتب رسالة -أو رسالتين- سمّى إحداهما: (إتحاف الأذكيا في التوسل بالأنبياء والأوليا) ، فرددت عليه برسالة أخرى سمّيتها: (إتحاف القاري بالرد على الغماري) . هذه أصلها-أيضًا- موجودة مطبوعة. وكذلك -أيضًا- كتبت رسالة في الهجرة، هذه موجودة سميتها: (إعلام الزُّمرة بأحكام الهجرة) ، ما طبعت، ولكن يُمكن أن تُطبع إن شاء الله؛ لأني أنا الآن بدأت أطبع كلَّ ما كتبت بواسطة مطبعة الكويت. وكذلك -أيضًا- كتبت رسالتين إحداهما سميتها: (تعريف أهل الرسوخ بمن رُمي بالتدليس من الشيوخ) ، هذه -أيضًا- مطبوعة، طبعت. والرسالة الثانية: "فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدِّثين بالألقاب". وكذلك -أيضًا- كتبت كتابًا: (بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني) ، هذا موجود أيضًا، طُبع بالآلة، وما قدّمناه إلى الطبع الرسمي إلى الآن. وبجانب هذه الرسائل كتب تحقيق: حقّقت كتابًا للذهبي، وهو (ديوان الضعفاء) للذهبي. وكذلك حققت (ذيل ديوان الضعفاء) أيضًا. فهذان أيضًا مطبوعان. وعندي مجموعة كبيرة من هذا النوع من الرسائل سلسلتها الآن للطبع، يعني: عملت السلسلة الأولى: ثلاث رسائل، والسلسلة الثانية: أربع رسائل، والسلسلة الثالثة: خمسة رسائل، والسلسلة الرابعة: ستّ رسائل، وهكذا الآن

ما زالت على هذا التسلسل في الطبع، وفي الطبع الآن الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة، هذه الآن في الطبع، هذا أهمُّ ما جمعتُ من الرسائل ومن الكتب. ومنها: (سبيل الرشد في تخريج أحاديث بداية ابن رُشد) هذا أيضًا مطبوع بالآلة وسنقدمه إن شاء الله للطبع الرسمي". ماذا عن المخطوطات يا شيخ ماذا لديكم منها؟ أما المخطوطات ما بين مصوّر ومخطوط على الطبيعة فعندي منها تقريبًا ألف مخطوطة، وهذا الألف يتكوّن مما يلي: أولاً: مخطوطات في الحديث، يعني: متون الحديث. وثانيًا: مخطوطات في رجال الحديث. وثالثًا: مخطوطات في العقيدة السلفيّة. ورابعًا: مخطوطات في التفسير السلفي فقط. هذه هي المخطوطات عندي، فأنت تستطيع أن ترى الآن نموذجًا منها: هذه الغرفة كلّها مخطوطات، كلّها في الحديث، والرجال، والعقيدة". ما هي أول مخطوطة يا شيخ عثرت عليها؟ "أول مخطوطة حصلت عليها: "التعريف والإعلام بما أُبهم في القرآن من الأسماء والأعلام للسُّهيلي، وهو هذا أمامَك". سنة كم يا شيخ؟ "انظر إليه، أوّل مخطوطة حصلتُ عليها، وبها بدأت، هي موجودةهنا. هذه وقفت عليها منذ سنين، هذه هي، أحسنت يا شيخ!، انظرها على

الطبيعة، وتُعد هذه المخطوطة أندرُ مخطوطة لهذا الكتاب، رغم أن هذه المخطوطة -هذا الكتاب- قد حُقِّق ثلاث مرّات ولكن أولئك المحققين الذين حققوه لم يعثروا على هذه النسخة النادرة؛ لأن هذه النسخة بخطّ تلميذ المؤلِّف عند المؤلف، المؤلِّف جالس ونسخها تلميذُه، والمؤلِّف لكونه كفيفًا لم يستطع أن يوقّع عليه، ولكن أقرَّها، وهي تُعدّ أقدم مخطوطة عندي أنا". سنة كم يا شيخ حصلت عليها؟ "هذه حصلت عليها في مكة المكرمة، عثرت عليها في مكة المكرمة سنة واحد وسبعين هجري، وفي ذلك الوقت ما كنت متجهًا للمخطوطات كنت متجهًا للمطبوعات، كنت أشتري المطبوعات الحديثيّة وفي الرواة وفي العقيدة السلفيّة بكل ما أملك أنا، حتى إنه تلك الأيّام، كوّنت مكتبة قيِّمة، من النادر من المطبوعات الهندية وغيرها؛ لأنّ في ذلك الوقت ما كانت المطبوعات العربية بكثرة، إنما أغلب المطبوعات في الحديث هنديّة. كوّنت مكتبة لا بأس بها جيّدة تصل إلى هذا الحد الذي ترى الآن، وهذه المكتبة أرسلتُها لعمي في إفريقيا في تلك السنة -واحد وسبعين-، كان أرسل يقول: أنا أحتاج إلى كتب، فأرسلت المكتبة كلها كاملة عن بكرة أبيها، ولم يبق من هذه المكتبة إلاّ كتاب واحد الآن أريك إيّاه، الكتاب الوحيد الذي لم أستطع أن أرسلَه له، فأرسلتُ المكتبة كلها، وبعدما أرسلتُها بدأتُ بهذه في تلك السنة. وهذه المكتبة كما ترى تصنيفَها". آخر مخطوطة يا شيخ؟ "آخر هناك، تعال، انظر إليها الآن، صغيرة مرّة، ما جاءت إلاّ أول أمس،

أول أمس جات يا شيخ، أريك إياها، وهي صغيرة للغاية، هذه هي، هات المناظر يا شيخ، صغيرة مرّة واحدة، ولكنها في الحقيقة قديمة؛ لأن المولِّف قديم -شيخ الدارقطني-، هذه جات أول أمس، ما جاني بعدها مخطوطة إلى الآن". من أين أتت؟ "هذه المخطوطة جاءتني من الظاهرية". الكتاب الذي قلت أنك لم ترسله لعمك؟ "هذا هو، هذا الذي أمامَك، هذا هو، هذا ذاك الوقت اشتريتُه بكم؟، هذا الكتاب، لأنه ذلك الوقت نادر مثل هذا الكتاب، هذا (التقريب) للحافظ ابن حجر في رجال الستّة، وبهامشه: (التقعيب) شرحٌ له، هذا نادر لا يوجد، "التقريب" موجود بكثرة ولكن هذا لا يوجد". اسمُه يا شيخ؟ "هذا اسمُه: (التقريب) للحافظ ابن حجر في رجال الستّ، وبهامشه (التقعيب) شرحٌ له. هذا اشتريته في ذلك الوقت سنة واحد وسبعين اشتريته بثمانين ريالاً فضّة من الريالات السعودية في مكة، وكانت الريالات السعودية في ذلك الوقت شحيحة، ولكن لما وجدت هذه النسخة عند واحد، وكان غيرَ مجلَّد يا شيخ، كان غير مجلّد عند هذا الشخص، فاشتريته وجلّدته بهذا التجليد العالي. وهذا الكتاب لازم يكون معي في كلّ مجلس، كلما جلست في المكتبة هو ما يدخل في الرفوف، حتى الرفوف لا يدخل فيها، لا بد يكون دائمًا في المجلس الذي أجلس فيه في المكتبة، لماذا؟، لأنه كلما أجلس في المكتبة وأنا محتاج إليه، أرجع إليه".

يا شيخ. خاتمة مطافِنا وصايا قصيرة إلى أهل المدينة؟ "أنا الحقيقة أقول: أولاً (1) : أوصي نفسي أوّلاً بتقوى الله في السرّ والعلانية كما وصّى الله عز وجل نبيَّه وأمتَه. ثم أوصيك أنت وأوصي الشباب بالخصوص إلى الحرص بتقوى الله في السر والعلانية. وأوصيهم -أي: الشباب كذلك- بالتعلُّم، وهذا التعلُّم يجب أن يتركّز على ما يلي: أولاً: يتعلمون لغتَهم أولاً، لأن الطالب إذا تعلم اللغة العربية استطاع أن يتفقّه في الإسلام. يجب تعلُّم اللغة أولاً. ثم التفقه في القرآن وفي السنة على ضوء ما قال أئمتنا من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة، يعني: يجب أن يكون التركيز على العلم العتيق، لا على العلم المحدَث، العلم المحدَث نحن لا نركِّز عليه، أما العلم العتيق الذي هو علم الكتاب والسنة هذا يجب أن ينحصر في القرآن وفي السنة وفي سيرة السلف لأنهم هم القدوة. ويجب على الشباب أن لا يشذّوا، لأن الشذوذ آفة، وهذا شيء ملاحظٌ في كثيرٍ منهم. لا ينبغي -أيضًا- أن يحتقروا علماءهم، بل يحترموا العلماء، ولا يكونوا

_ (1) فصل مهم جدًّا (عبد الأول) .

كاليهود ولا كالنصارى: اليهود لا يحترمون علماءهم، والنصارى يعبدون علماءهم، فيجب على الشباب أن يحترموا علماءهم ولا يعبدوا علماءهم، وهذا هو قوله عز وجل: {وكذلك جعلنكم أمّة وسطًا} ما معنى {وسطًا} معناه: نحن وسطٌ بين أمتين ضالّتين: إحداهما اليهود والأخرى النصارى، كيف؟، اليهود لا يحترمون العلماء بل يقتلون الأنبياء وغيرهم من الصالحين، هذا عكس الاحترام والتقدير، والنصارى بالعكس، النصارى يعبدون الأنبياء، يعبدون عيسى وغيرَه، يعني: أدّاهم الغلو -الذي هو الاحترام- إلى العبادة -إلى عبادة غير الله-، فالله عز وجل يقول لنا في هذه الآية لا تكونوا مثلَهم، أنتم احترموا العلماء، ولكن لا تغلوا في العلماء ولا تعبدوا العلماء. هذا الذي أريد من الشباب ومن طلبة العلم أن يحرصوا على أن يمتثلوا هذه الآية الكريمة. ونسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يجعلنا وإيّاكم هداةً مهتدين، من الذين يستمعون القولَ فيتبعون أحسنَه. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".

مكتبته

مكتبته ... 1ـ وسمعتُه يقول: "عندي كتاب باسم (الروضة البهية فيما اختلف فيه الأشعرية والماتريدية) ". 2ـ وسمعتُه يقول: "إن أكثر مخطوطات السؤالات التي وجهت للحافظ ابن معين صُوّرت من عندي وحقّقت". قلت: وللأسف أنّ كثيرًا ممّن صوّر مخطوطًا من مكتبة الوالد أو أكثر ثم طبعَه لم يذكر في كتابه أن (المخطوط) صوّره من عند الشيخ حماد الأنصاري، بل إنّ بعضَهم يقول: إن هذا المخطوط من مكتبة كذا في ألمانيا أو مصر أو غيرهما ـوهو لم يصوره إلاّ من مكتبة الوالدـ، والله المستعان. وسأفرد لهؤلاء فصلاً من هذا الكتاب إن شاء الله. 3ـ وسمعتُه يقول: "عندي (ميزان الاعتدال) للحافظ الذهبي نسخة الشيخ الإمام العلامة عبد الله بن المحمود الشّريف -رحمة الله تعالى عليه-". قلت: وهو شيخ الوالد. وهذه النسخة طبعت عام 1325هـ، الطبعة الأولى بمطبعة السّعادة. 4ـ قال الوالد: "إنّ الفهرس الذي عنده له ثلاثون سنة يعني: (مسيل اللُّعاب) ". قلت: هذا الفهرس فيه نوادر المخطوطات من كتب التفسير والحديث، وقد لقّبه الوالد بمسيل اللُّعاب لما فيه من النوادر، وهو فهرسٌ لأسماء مخطوطات لمكتبة في ألمانيا - برلين. 5ـ سمعت الوالدَ يقول: "في سنة 1373هـ رسلت مكتبتي إلى البلاد (صحراء مالي) ، وهذه المكتبة أسّستها سنة 1367هـ في الرياض". قلت: المكتبة الثانية يعني بها الوالد المكتبة الحالية الآن.

6ـ وكان يقول -رحمه الله تعالى-: "لا أعرف مكتبة الآن تفتح في الصباح إلى المساء إلاّ هذه المكتبة" فقال أحد الطلبة: لو كنا نعرف يا شيخنا أنّ هناك مكتبة تفتح في هذين الوقتين ما استغنينا عن مكتبتك. 7ـ وسمعته يقول: "المكتبة لا يفوتها من الكتب إلا الكتاب المفقود". ثم قال: "ما سمعتُ عن كتاب في الحديث إلا جريتُ خلفَه حتى آتيَ به". 8ـ قال الوالد: "عندي (جامع ابن وهب) و (موطأ ابن وهب) و (مسند ابن وهب) ". 9ـ وسمعته يقول: "تحوي مكتبتي أغلب ما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية". 10ـ قال الوالد: "المكتبة فيها كل ما يحتاج الكاتب". 11ـ قال الوالد: "إن نساء من الطالبات رحلن إلي من مكة في سنة من السنين -أظنها عام 1413هـ- وذلك من أجل تصوير بعض المخطوطات". 12ـ وسمعته يقول: "إن كتاب الحد له قصة معي وذلك أني لما زرت جامعة أم القرى دخلت قسم المخطوطات فوقفت على رسالة الحد فطلبت تصويرها فقالوا لي ممنوع فقلت لهم: هذا الكتاب لا يجوز أن يكون ممنوعاً فإنه من كتب السلف فامتنع المسئول من تصويره لي فذهبت لمدير الجامعة راشد الراجح فطلبت منه أن يسمح لي بتصويره لي فأمر بتصويره لي والحمد لله".

قلت: كتاب (الحد) في العقيدة، ويتكلم عن علو الله عز وجل، ومؤلفه الدشتي. 13ـ قال رجل من العاملين في مجال الكتب للوالد: "يا شيخ هناكرجل يهدي كتاب ابن كثير الجامع للسنن. فقال الوالد: اجعله يهدي لي نسخة فإنه إذا أهدى لي نسخة فقد أهداها للعالم كله وذلك أن مكتبتي يَرِدُهَا الناس". 14ـ قال الوالد: "لا يوجد عندي كتاب في فقه الأحناف وفقههم هو الرأي". 15ـ قال الوالد: "إن كتاب التتبع والإلزامات للدار قطني أول من اقتناه في المملكة أنا". 16ـ وسمعته يقول: "إن شرح كتاب الإلمام وكذلك كتاب الإمام كلاهما لابن دقيق العيد لا يوجدان إلا عندي, أنا صورتهما من مصر من دار الكتب وكل من صورها بعد ذلك فقد صورها من عندي". قلت: وقد طبع الكتاب، حققه سعد الحميد، وعلى المخطوطة التي اعتمدها خطّ الوالد، ولكن.... 17ـ قال الوالد: "إن مكتبتي في أفريقيا مهمة جداً ففيها الفقه والتنجيم واللغة, وهذه المكتبة ذهبت في الاستغلال الذي سموه بالاستقلال". وسمعته يقول: "إن مكتبتي الأولى أرسلتها إلى عمي البحر في البلاد مالي وذلك لطلبه مني بعض الكتب, فأرسلت إليه تسعة صناديق كبار مليئة بالكتب ثم بعد ذلك أخذت في جمع مكتبة من جديد وهي هذه الموجودة الآن، ولم يبق من تلك المكتبة التي أرسلتها سوى تقريب التهذيب الطبعة

الهندية، وهي طبعة نادرة اشتريتها من السودان. ثم قال: وأكثر كتب الحديث اشتريتُها من السودان". 19ـ وسمعته يقول: "إن إمراة من الباحثات صورت من عندي عشرين مخطوطة مختلفة الفنون، وإن بعض الباحثات كن إذا انتهين من رسالة الماجستير والدكتوراة يهدينني نسخة منها". 20ـ وسمعته يقول: "في مكتبتي ستون نوعاً من أنواع علم الحديث المائة". 21ـ وسمعته يقول: "مكتبتي الأولى كانت كلها طبعات هندية قديمة". 22ـ سمعته يقول: "لم يطبع لشيخ الإسلام ابن تيميه كتاب وقفت عليه إلا اشتريته وقد اجتمع عندي من كتبه المطبوعة ما لم يجتمع لأحد". 23ـ وسمعته يقول: "أول كتاب مخطوط صورته في حياتي تخريج أحاديث البيضاوي لابن همات؟ وكتاب الكامل لابن عدي". 24ـ وسمعته يقول:" إن مكتبتي هذه يوجد فيها كل ما يساعد الباحث. ثم قال: مع قصر اليد". قلت: يعني: عدم توفّر المادة لجلب أكثر من فنّ لهذه المكتبة. 25ـ وسمعته يقول: "كتاب المدخل للبيهقي أول من جاء به أنا وَنَسخْتُُه". 26ـ وسمعته يقول: "كانت مكتبتي في أول الأمر يغلب عليها الطبعات الهندية ثم أرسلت هذه المكتبة سنة 1373هـ إلى عمي بأفريقيا, ثم أخذت بالجمع من جديد وبدأت الجمع من سنة 1373هـ إلى الآن".

27ـ قال أحد الطلبة للوالد: "لم لا يوجد في مكتبتكم كتاب الفروق لأبي هلال العسكري؟ فقال الوالد له: لو أردت أن أشتري كل كتاب لاحتجت إلى ميزانية تعادل ميزانية قارون", قلت فضحك من في المجلس. 28ـ وسمعته يقول: "كتاب الطرائف والتلائد الموجود في مكتبتي ومؤلفه سيدي المختار الكنتي يوجد فيه ترجمة لجدي, ولهذا اقتنيته وإلا ففيه بعض الخرافات". قلت: لم يسم الوالد جده هذا. 29ـ وسمعته يقول: "بدأت في إنشاء مكتبتي سنة 1366هـ وكانت البداية من السودان". 30ـ وسمعته يقول: "الذين صوروا من مكتبتي كتباً سواء مخطوطة أم مطبوعة مئات لا أستطيع إحصاءهم. ثم قال: وهذه المكتبة فتحتها لهذا". 31ـ وسمعته يقول: "وجد لمسند الإمام أحمد خمس نسخ, عندي منها نسختان". 32ـ وسمعته يقول: "كتاب مسائل الإمام أحمد للخلال أعتقد أنه لم يصل لأحد قبلي, صُور لي من المتحف البريطاني, ومن مكتبتي صوره الناس". 33ـ وسمعته يقول: "كانت عندي نسخة من القاموس لفيروز أبادي مطبوعة تُضرب إليها فرامل الكدلكات". 34ـ وسمعته يقول: "كنا نقرأ في البلاد على شيخ أعجوبة في الأدب واللغة, فإذا لحن أحدنا يوبخه توبيخاً قد يبكي من شدته". 35ـ وسمعته يقول: "إن الدفاتر التي عندي سواء كانت مخطوطة أو منسوخة أو فوائد أو نحو ذلك صورتها الجامعة الإسلامية لتجعلها أثراً".

36ـ وسمعته يقول: "أنا أمتلك أندر كتب شيخ الإسلام ابن تيميه سواء المطبوع أو المخطوط". 37ـ وسمعته يقول: "كان عندي كتاب تفسير سيد قطب في المكتبة ثم أخرجته منها, بعد أن اطلعت على أشياء فيه تخالف العقيدة السلفية". 38ـ وسمعته يقول: "عندي جل المذاهب الفقهية -يعني المؤلفات- سواء الروافض أو الزيدية أو الخوارج وغيره". 39ـ وسمعته يقول: "شرطي في المخطوطات التي أجلبها لنفسي أن لا أجلب إلا المخطوط الذي لم يطبع قبل وذلك لأني لا أستطيع إحضار ما طبع وما لم يطبع وذلك لأن هذا العمل لا يقدر عليه إلا أحد رجلين (الدولة أو الأثرياء) . مكتبتي هذه أسستها سنة 1366هـ ولله الحمد". 40ـ وسمعته يقول: "شرطي في شراء الكتب أن أشتري الكتب المؤلفة في الحديث بشرط أن تكون مسندة وكذلك الكتب المؤلفة في العقيدة السلفية المسندة". 41ـ سمعته يقول: "فهرس مسيل الُلعاب … له عندي ثلاثون سنة، امتلكته سنة 1374هـ" (1) .

_ (1) وهو فهرس فيه عجائب وغرائب المخطوطات التي ألفها كبار الحفاظ والمحدثين وهذا الفهرس مكتوب فيه أسماء مؤلفات عظيمة المكانة عند الناس ومذكور فيه أنها كلها في المانيا في مكتبة في هذه الدولة.

36ـ سمعته يقول:"إن مكتبتي هذه هكذا كانت في الرياض أفتحها لطلبة العلم يطالعون فيها". 37ـ وكان الوالد -رحمه الله- يقول لبعض ضيوفه من غير المدينة المنورة. إذا سألكم أحد هل توجد مكتبة مفتوحة للباحثين فدلوه على هذه المكتبة. وسمعته يقول: "مكتبتي (الأولى) التي أرسلتها للبلاد كلها كانت طبعات هندية".

بعض كلام العلماء في عصره عنه

بعض كلام العلماء في عصره عنه ... 1ـ حدثنا الحسن العلوي المغربي: إنه لما أراد القدوم إلى السعودية قال له الشيخ تقي الدين الهلالي: إذا قدمت المدينة فأتي الشيخ حماد الأنصاري فإنه عالمٌ من علماء السلف، صاحب عقيدة سلفية، والتزم الجلوسَ معه. 2ـ وقد سمعت الشيخ مرزوق الزهراني يقول عن الوالد: "هو أبو العلم والعلماء". 3ـ وقال -أيضًا-: "كان الشيخ حماد إذا جاء إلى مكان وجد فيه أحدًا جالسًا بين الكتب كان يقول: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم". سمعتُه منه 26/6/1418هـ بعد وفاة الوالد. 4ـ قال لي الشيخ إسماعيل الأنصاري: "إن والدك كان آباؤه كلهم علماء، وهو الذي تخرّج من تحت يده العلماء في الجامعة الإسلامية، وتخرّجوا من تحت يدي هنا في الرياض". 5ـ وقال لي شيخُنا محمد أحمد بن عبد القادر القرشي: "إن والدك عالمٌ باللغة، وعلمُه فيها قوي". قلت: إن كلام العلماء في عصرِه عنه قصّرتُ فيه، فإنّ هذه الفوائد الخمسة -أو الأقوال- سمعتُها عرَضَا بدون طلبٍ لها أو بحث، ولعل التراجم التي قدّمتها في أول الكتاب تَسُدُّ مكان هذا العنوان، والله الموفق.

من أجاز الوالد

من أجاز الوالد ... 1ـ سمعته يقول: "أنا أروي عن سليمان بن حمدان". 2ـ وسمعته يقول: "عندي أسانيد في جميع العلوم". 3ـ وسمعته يقول: "طلبت من الشيخ التويجري أن يجيزني قبل وفاته بشهر، التقيت به في المسجد النبوي وطلبتها منه". 4ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ سليمان بن حمدان أجازني مثل إجازة الشيخ التويجري وكذلك أجازني الزهراني صاحب كتاب (العلماء الأماجد في زهران وغامد) فإن الشيخ سليمان أجازهما". 5ـ وسمعته يقول: "من شيوخي شيخ اسمُه: محمد محمود الإيرواني من إيروان بمالي، وهذا اللقب جمع (إير) بمعنى (عنق) ، وشيخي هذا ما زال مجودًا، وهو من علماء (اير) ، وكان بهذه البقعة جمعٌ من العلماء، وقد أجازني هذا الشيخ، وإجازته محتفظٌ بها، وكان يحجّ كل سنة". قلت: قوله: "ما زال موجودًا" قاله في سنة 1415هـ. 6ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ راغب الطباخ لم ألتق به إنما أرسلت إليه أطلب الإجازة منه فرد علي الجواب بالإجازة بخط بعض تلامذته وتوقيعه، طلبت منه الإجازة أنا وأحد أصحابي (ولم يسمه) ". 7ـ وسمعته يقول: "في سنة 1367هـ أرسل إليَّ الشيخ المحدث راغب الطباخ إجازته لي بمروياته". 8ـ وسمعته يقول: "إن الشيخ حمود التويجري أجازني بثبته".

9ـ وسمعته يقول: في سنة 1411هـ في شهر الحج للشيخ عبد الله ابن عبد الرحمن السعد الزبيري: ليس لي إجازة علمية من أحد من أهل نجد إلا من الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ. 10ـ ناولني الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ سنة 1414هـ شهر ربيع الأول لسبع مضين منه عصرًا (ثبتة المختصر) الذي كتبه له الشيخ الدكتور (يوسف المرعشلي) وفيه جميع المشائخ سوى الشيخ عبد العزيز الزهراني -فإنه قال لي: إن شئت أن تلحقه بهذا الثبت فافعل فقد أرسل إليَّ إجازته، ثم ناولني الوالد -رحمه الله تعالى- المسلسل بالأولية مكتوب في ورقة مفرداً عن الثبت مكتوب بخط الوالد- والله تعالى الموفق. 11ـ سمعته يقول: في سنة 1367هـ راسلت الشيخ الطباخ الحلبي من مكة أطلب الإجازة منه فأجازني. قلت: كان عمر الوالد وقتها 23 سنة. 12ـ سمعته يقول: أجازني الشيخ صالح الزغيبي وكان الشيخ صالح على خلق ودين عظيم، وكان إمام المسجد النبوي لا يغيب عنه. قرأت عليه اللمعة والواسطية وكان لا يغتاب أحداً ولا يسمح لأحد أن يغتاب عنده. 13ـ وسمعته يقول: أجازني المشاط مرتين. 14ـ وأجازني محمد يوسف البنوري وقرأت عليه المسلسل بالمالكية، وقال لنا عند قراءاته أنا دَرَسْتُ المذهب المالكي ثم طلبت الحديث ووالدي كان مالكياً وكان في مدينة (رابغ) يأتيه العلماء عندما ينزل في رابغ.

الرسائل التي أشرف عليها فضيلة الشيخ

الرسائل التي أشرف عليها فضيلة الشيخ ... بسم الله الرحمن الرحيم 1- ابن رجب الحنبليّ وأثره في توضيح عقيدة السلف. الباحث: عبد الله بن سليمان بن عبد الله الغُفَيلي، الجنسية: سعودي، المرحلة: الدكتوراه، التقدير: الشرف الأولى. تاريخ المناقشة: 19/10/1410هـ. القسم: قسم العقيدة. 2- الجامع لشعب الإيمان. للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقيّ (ت 458هـ) ثلاث شعب منه وهي: الخوف من الله تعالى، الرجاء من الله جلا جلاله، التوكل على الله عز وجل والتسليم لأمره تعالى وتقدّس دراسة وتحقيق. الباحث: عبد الإله بن سلمان بن سالم الأحمدي، الجنسية: سعودي، المرحلة: الماجستير، التقدير: جيِّد جدًّا. التاريخ: 14/8/1406هـ. 3- الجامع لشعب الإيمان. للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ) الشعبة التاسعة عشر، وهي باب في تعظيم القرآن الكريم دراسة وتحقيق. الباحث: سعود بن عبد العزيز بن سالم الدعجان، الجنسية: سعودي، المرحلة: الماجستير. التاريخ: 13/10/1407هـ، التقدير: جيّد جدًّا. 4- الجامع لشعب الإيمان. للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ) أربع شعب، وهي: إخلاص العمل وترك الرياء، السرور بالحسنة والاغتمام بالسيئة، معالجة كل ذنب بالتوبة منه، القرابين والإبانة عن معناها دراسة وتحقيق. القسم: العقيدة، الباحث: عبد الله بن سليمان بن عبد الله الغُفيلي. الجنسية: سعودي، المرحلة: الماجستير، التقدير: جيّد، التاريخ: 10/10/1407هـ.

5- الجامع لشعب الإيمان. للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ) خمس شعب منه، وهي: محبة النبي صلى الله عليه وسلم، تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، شحّ المرء بدينِه، طلب العلم، نشر العلم دراسة وتحقيق. القسم: العقيدة، الباحث: محمد بن عبد الوهاب بن محمد العقيل. الجنسية: سعودي، المرحلة: الماجستير، التقدير: جيّد جدًّا. التاريخ: 22/10/1407هـ. 6- الرسائل والمسائل المروية عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في العقيدة. القسم: العقيدة. الباحث: عبد الإله بن سلمان بن سالم الأحمدي. الجنسية: سعودي. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشّرف الثانية. التاريخ: 9/8/1409هـ. 7- حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة. القسم: العقيدة. الباحث: محمد بن خليفة بن علي التميميّ. الجنسية: سعودي. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشرف الثانية. التاريخ: 25/11/1410هـ. 8- دلائل النبوة. لقوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي. القسم: العقيدة. الباحث: مساعد بن سليمان الراشد الحميد. الجنسية: سعودي. المرحلة: الماجستير. التقدير: ممتاز. التاريخ: 15/11/1409هـ. 9- طوائف المرجئة وموقف أهل السنة منهم. القسم: العقيدة. الباحث: هادي بن أحمد علي طالبي. الجنسية: سعودي. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الدكتوراه. التاريخ: 12/3/1405هـ. 10- إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة. للبوصيري من كتاب: الإيمان، إلى نهية كتاب العلم دراسة وتحقيق. القسم: فقه السنة. الباحث: سليمان بن عبد العزيز بن سليمان العُريني. الجنسية: سعودي. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشرف الأولى. التاريخ: 15/8/1406هـ.

11- إثبات عذاب القبر. للإمام البيهقي. دراسة وتحقيق. القسم: فقه السنة، الباحث: مصطفى سعيد خالد فطاني. الجنسية: أردني. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد. التاريخ: 25/7/1399هـ. 12- الأسامي والكُنى. لأبي أحمد الحاكم الكبير. دراسة وتحقيق. القسم: فقه السنة. الباحث: يوسف بن محمد بن عبد الله الدخيل. الجنسية: سعودي. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشرف الأولى. التاريخ: 15/6/1411هـ. 13- الإيثار في معرفة رواة الآثار. لابن حجر العسقلاني. دراسة وتحقيق، قسم فقه السنة. الباحث: سليمان بن عبد العزيز بن سليمان العُريني. الجنسية: سعودي. المرحلة: الماجستير. التقدير: ممتاز. التاريخ: 1/8/1401هـ. 14- البعث والنشور. للبيهقي من أوله إلى باب "يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب ولا عذاب" دراسة وتحقيق. القسم: فقه السنة. الباحث: عبد العزيز بن راجي بن سعد الصاعدي. الجنسية: سعودي. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشّرف الأولى. التاريخ: 1/8/1403هـ. 15- الرؤية. للدارقطني. دراسة وتحقيق. القسم: فقه السنة. الباحث: سليم بن مسعد بن جبر الأحمدي. الجنسية: سعودي. المرحلة: الدكتوراه. التقدير:. التاريخ: 17/7/1404هـ. 16- السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفّار -تخريجًا وتحقيقًا-. القسم: فقه السنة. الباحث: سهيل حسن عبد الغفار. الجنسية: باكستاني. المرحلة: الماجستير. التقدير: ممتاز. التاريخ: 12/8/1401هـ.

17- المنتخب من زوائد البزّار على الكتب الستة ومسند أحمد. للحافظ ابن حجر. دراسة وتحقيق. القسم: فقه السنة. الباحث: عبد الله مراد علي السلفي. الجنسية: سعودي. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشرف الثانية. التاريخ: 15/2/1405هـ. 18- تحريم النرد والشطرنج والملاهي. لأبي بكر محمد بن الحسين الآجريّ. دراسة وتحقيق. القسم: فقه السنة. الباحث: محمد سعيد عمر إدريس. الجنسية: سوداني. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد. التاريخ: 5/7/1399هـ. 19- خصائص علي بن أبي طالب. للنسائي. دراسة وتحقيق وتخريج. القسم: فقه السنة. الباحث: أحمد ميرين سياد. الجنسية: إيراني. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدًّا. التاريخ: 6/6/1402هـ. 20- سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي. القسم: فقه السنة. الباحث: يوسف بن محمد بن عبد الله الدخيل. الجنسية: سعودي. المرحلة: الماجستير. التقدير: ممتاز. التاريخ:20/7/1400هـ. 21- معجم ابن الأعرابي. دراسة وتحقيق» ستة أجزاء منه «القسم: فقه السنة. الباحث: أحمد ميرين سياد. الجنسية: إيراني. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشرف الأولى. التاريخ: 28/6/1406هـ. 22- الكنى والأسماء. للإمام مسلم بن حجّاج. دراسة وتحقيق. القسم: علوم الحديث. الباحث: عبد الرحيم بن محمد أحمد القشقري. الجنسية: سعودي. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدًّا. التاريخ: 14/7/1400هـ.

23- المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر. للزركشي. دراسة وتحقيق القسم: علوم الحديث. الباحث: عبد الرحيم بن محمد أحمد القشقري. الجنسية: سعودي. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشرف الثانية. التاريخ: 27/3/1404هـ. 24- طبقات الرواة عن الإمام الزهري ممن له رواية في الكتب الستة. جمع ودراسة. القسم: علوم الحديث. الباحث: فاروق بن يوسف ابن أحمد الخاجة. الجنسية: بحريني. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدّا. التاريخ: 30/10/1411هـ. 25- عكرمة مولى ابن عباس وتتبّع مروياته في صحيح البخاري. القسم: علوم الحديث. الباحث: مرزوق بن هيّاس بن سعيد الزهراني. الجنسية: سعودي. المرحلة: الماجستير, التقدير: جيّد جدّا, التاريخ: 28/6/1399هـ. 26- مُسْتَخرج أبي علي الطوسي على جامع الترمذي والذي سماه مختصر الأحكام. دراسة وتحقيق لتسع وتسعين ورقةً منه. القسم: علوم الحديث. الباحث: أنيس بن أحمد طاهر لأندونيسي. الجنسية: سعودي. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشرف الأولى. التاريخ: 3/11/1412هـ.

الرسائل التي ناقشها فضيلة الشيخ

الرسائل التي ناقشها فضيلة الشيخ ... بسم الله الرحمن الرحيم 1- السنة. لأبي بكر أحمد بن محمد الخلاّل (ت 311هـ) الأجزاء الثلاثة الأولى دراسة وتحقيق. القسم: العقيدة. الباحث: عطية بن عتيق بن عبد الله الزهراني. الجنسية: سعودي. المشرف: عبد الله بن محمد الغُنيمان. المرحلة: الدركتواه. التقدير: الشرف الثانية. التاريخ: 12/8/1406هـ. 2- الشرك وأنواعه. القسم: القعيدة. الباحث: جفري أفندي وهّاب بن عبد الوهاب. الجنسية: إندونيسي. المشرف: عبد الله بن محمد الغُنيمان. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدّا. التاريخ: 9/4/1404هـ. 3- رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب. لأبي الحسن الأشعري (ت 324هـ) . دراسة وتحقيق. القسم: العقيدة. الباحث: عبد الله شاكر محمد الجنيديّ. الجنسية: مصري. المشرف: علي بن محمد ناصر فقيهي. المرحلة: الماجستير. التقدير: ممتاز. التاريخ: 26/2/1405هـ. 4- مباحث في العقيدة الإسلامية على ضوء سورة التكاثر. القسم: العقيدة. الباحث: كمال الدين بن شاه الحميد. الجنسية: هندي. المشرف: عبد الله بن محمد الغُنيمان. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدّا. التاريخ: 6/7/1403هـ. 5- التفسير النبوي في القرآن الكريم النصف الأول من القرآن القسم: التفسير. الباحث: عوّاد بن بلال معيض الزويرعي العوفي. الجنسية: سعودي. المشرف: أبو بكر جابر الجزائري. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدّا. التاريخ: 5/3/1402هـ.

6- أحاديث سورة الكهف من تفسير ابن كثير -تحقيق وتخريج ودراسة- القسم: فقه السنة. الباحث: محمد عبده عبد الرحمن. الجنسية: يمني. المشرف: د/ محمد سيّد عطية طنطاوي. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشرف الثانية. التاريخ: 15/7/1404هـ. 7- الأحاديث التي حسّنها الترمذي وانفرد بإخراجها عن أصحاب الكتب الستة -دراسة حديثيّة- القسم: فقه السنة. الباحث: عبد الرحمن بن صالح محي الدين. الجنسية: سعودي. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدّا. التاريخ: 2/3/1401هـ. المشرف د/ محمود أحمد ميرة. 8- تاريخ مولد العلماء ووفياتهم. لابن زبر الربعي (دون ذيوله) دراسة وتحقيق. القسم: فقه السنة. الباحث: عبد الله بن أحمد بن سليمان الحمد. الجنسية: سعودي. المشرف: د/ محمود أحمد ميرة. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدّا. التاريخ: 3/7/1401هـ. 9- تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس. لابن حجر (الجزء الأول) دراسة وتحقيق لسبعمائة حديث. القسم: فقه السنة. الباحث: مصطفى سي يعقوب. الجنسية: عاجي. المشرف: د/ السيّد محمد الحكيم. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشرف الثانية. التاريخ: 4/6/1406هـ. 10- مرويّات غزوة الخندق -جمع ودراسة وتحقيق-. القسم: فقه السنة. الباحث: إبراهيم بن محمد بن عمير مدخلي. الجنسية: سعودي. المشرف: الشيخ عبد المحسن بن حمد العبّاد. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدًّا. التاريخ: 27/7/1402هـ. 11- الإرشاد. للنووي -دراسة وتحقيق-. قسم علوم الحديث. الباحث عبد الباري فتح الله. الجنسية: هندي. المشرف: د/ محمود أحمد ميرة. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدّا. التاريخ:9/2/1406هـ.

12- الرواة الذي تُكلّم فيهم في صحيح مسلم. القسم: علوم الحديث الباحث: سلطان سند عبد المطلب العكايلة. الجنسية: أردني. المشرف: د/ محمود أحمد ميرة. المرحلة: الماجستير. التقدير: ممتاز. التاريخ: 22/7/1401هـ. 13- كتاب العظمة. تأليف: أبي الشيخ الأصبهاني أبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان (ت 369هـ) -دراسة وتحقيق-. القسم: العقيدة. لباحث: رضاء الله بن محمد إدريس. الجنسية: هندي. المشرف: د/ علي بن محمد ناصر الفقيهي. المرحلة: الماجستير. التقدير: ممتاز. التاريخ: 17/11/1405هـ. 14- أحاديث الهجرة. -تخريج وتحقيق ودراسة-. القسم: فقه السنة. الباحث: سليمان بن علي بن محمد السعود. الجنسية: سعودي. المشرف: د/ السيد محمد الحكيم. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدًّا. التاريخ: 17/1/1403هـ. 15- النفح الشذيّ شرح سنن الترمذي الجزء الأول. لابن سيد الناس -دراسة وتحقيق-. القسم: فقه السنة. الباحث: عبد الرحمن بن صالح محي الدين. الجنسية: سعودي. المشرف: د/ السيد محمد الحكيم. المرحلة: الدكتوراه. التقدير: الشرف الثانية. التاريخ: 23/1/1407هـ. 16- مرويات نكاح المتعة. -جمع وتحقيق-. القسم: فقه السنة. الباحث: محمد بن عبد الرحمن شميلة الأهدل. الجنسية: يمني. المشرف: د/ أكرم ضياء العمري. المرحلة: الماجستير. التقدير: ممتاز. التاريخ: 16/7/1398هـ. 17- السابق واللاّحق. للخطيب البغدادي -دراسة وتحقيق-. القسم: علوم الحديث. الباحث: محمد بن مطر بن عثمان الزهراني. الجنسية: سعودي. المشرف: د/ أكرم ضياء العمري. المرحلة: الماجستير. التقدير: جيّد جدًّا. التاريخ 9/8/1401هـ.

مرض الوفاة

مرض الوفاة ... كانت بداية مرضه في شهر رمضان عام 1417هـ لخمس وعشرين يومًا مضت منه، حيث بدأ معه المرض في ساقه الأيمن. أخذ يشتكي من وجعٍ وانتفاخ فيه -رحمه الله تعالى-، وكان من أول شهر رمضان إلى الخامس والعشرين منه، يذهب كلُّ يوم إلى المسجد النبوي -على صاحبه أزكى الصلاة والتسليم- فيصلي فيه العشاء والتراويح مع الإمام الأول منها، ثم يعود إلى المنزل، وبعد العودة يتعشّى، ثم ينزل إلى مكتبته لاستقبال طلبة العلم وغيرهم إلى قُرب الساعة الواحدة ليلاً. ثم أخذ الوجعُ والألم الذي في ساقه يؤلمُه أكثر فأكثر وتسبِّب في حمّى شديدة، جعلته لا يتحرّك من فراشه، مستلقٍ في غرفته الخاصّة به. وقمنا في السادس والعشرين من شهر رمضان باستدعاء أكثر من طبيب، واستطاع أن يستعيد شيًا من نشاطه بسبب المُسكِّنات التي كان يتناولها، ولكن سرعان ما يزول تسكينها ومفعولها، فأصبح الوالد ـ رحمه الله ـ ملازمًا لغرفته، مستلقيًا على سريره، بادية عليه علامات الضعف والإرهاق والتعب الشديد، وكان يذكر الله -سبحانه وتعالى-، ويتحدّث مع مَن حولَه من أهل البيت، ويسأل عنهم حتى أوشك شهر رمضان على النهاية ومرضُه يزداد ولا ينقص، وهو مع ذلك صابرٌ محتسب. وكان الأقارب وطلبة العلم ما بين سائل عنه هاتفيًّا وزائر. ثم في مستهل شهر شوّال المبارك أشار علينا بعض محبِّي الوالد أن نَنْقله إلى مستشفى الملك فهد بالمدينة النبويّة، وسيقوم هو بعمل اللاّزم والاستعدادات لاستقباله. وقمنا في الصباح الباكر من أول أيّام العيد بإحضار (كرسي متحرّك) ،

وأجلسناه عليه، وحملناه من الدور الأوّل إلى السيارة، وذهبنا به إلى المستشفى، وفي المستشفى قاموا بعمل أشعّة لمعرفة سبب الحرارة المرتفعة في جسم الوالد -رحمه الله تعالى-، ثم عملوا أشعّة للساق، وشخّصوا المرض بأنه (جَلْطَة في الساق) ، وأخذوا يعالجونه من هذه الجلْطة المزعومة بمادّة طبيّة مذيبة للجلطة (هَبِرين) ، وأعطوه كميّة كبيرةً جدًّا من هذه المادة التي تُعطى في عُرْف الأطبّاء بكميّة مقنّنةٍ لا تتجاوز حدًّا معيّنًا وكميّة قليلة أيضًا. فأخذت صحّة الوالد في التدهوُر الشديد والتناقص السّريع، حتىفقد الكلام في اليوم الثاني من دخوله المستشفى، وفقد أيضًا الحركة، وفقد التركيز. واجتمعت عليه عائلته أغلبُها فأخذ يشيرُ بيده بحركات لم نفهمها، فكتبنا له على ورقة العبارة التالية: ماذا تريد؟، وأعطيناه قلمًا وأمسكنا ورقة ليكتب عليها، فكتب بكلّ صعوبة: هل ينقصكم شيء؟ أو نحوَها، فأخذنا الورقة منه وكتبنا: الحمد لله، وأعطيناه الورقة فكتب: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله ثلاث مرّات، وبعد هذه الحادثة لم يتكلّم الوالد بشيء حتى انتقل إلى رحمة الله تعالى. ثم بعد أن مكث في مستشفى الملك فهد بالمدينة النبويّة نحو أسبوع انتقل محمولاً بطائرة الإخلاء الطبي-التي أمر بها صاحب السموّ الملكي وزير الدفاع والطيران حفظه الله وأيّده- لتنقل الشيخ حماد الأنصاري إلى مستشفى التخصصي بالرياض، وصحب الوالد في هذه الطائرة بعض أبناءه. ودخل مستشفى التخصصي في شهر شوّال عام 1417هـ، ومكث فيه إلى شهر جمادى الأولى عام 1418هـ، وهو خلال هذه الأشهر لم يزل في (غيبوبة) أو شبه غيبوبة، وكنا نحن أبناؤه نرافقه في هذا المستشفى حيث كنا

نتناوب في مرافقته والجلوس بجواره، وأنا الكاتب مكثت عنده شهرًا إلاّ خمس أيّام، وكان الوالد ينام ويستيقظ فَتُرىا عيناه مفتوحتان من غير تركيز ولا نطق ولا حركة ولا جلوس، وكان يأكل ويشرب عن طريق فتحة في أعلى الحلق، وكان شربه فقط لمعلّبات فيها شراب مصنوع لمن بهذه الحال. والله المستعان. وقد شخّص أطباء هذا المستشفى حالة الوالد وأخبرونا بأنّ خلايا المخّ قد ماتت جميعًا بسبب مادّة (الهبرين) التي مُلئ جسده الضعيف منها، وقالوا لنا أيضًا أن نسبة استرداد الوعي: صفر، وأن والدكم أعطي هذه المادة وهو ليس في حاجة إليها، حيث لم يكن معه (جلطة) قطعًا. وحسبنا الله ونعم الوكيل. وعملوا له عمليّة في الساق المنتفخ، واستأصلوا (خُرَّاجًا) من داخل الساق، وقالوا لنا: هذا هو سبب الحمّى والتعب. وقد كان بعض أهل العلم يعودُ الوالد -رحمه الله تعالى- منهم الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-، وقد عاده مرّتين ورقاه، وعاده أيضًا الشيخ عمر بن محمد فلاّتة -صدِيق الوالد الحميم-، وكان الشيخ عمر أتى إلى المستشفى التخصّصي لعمل فحوصات طبيّة، وكانت غرفته بجوار غرفة الوالد. وعاده أناس كثيرون من طلبة العلم وغيرهم، وحالة الوالد الصحيّة من سوء إلى أسوء. ومكث في هذه المستشفى نحو سبعة أشهر وأيّام، ثم أعدناه إلى المدينة النبوية عن طريق الإخلاء الطبي –كذلك-، ودخل (مستشفى طيبة الخاص) ، ومكث فيه خمسين يومًا وحالته الصحيّة متدنّية جدًّا، وبعدَها غادر الحياة الدنيا بعد أن بقي في المرض والغيبوبة والجَهد والتعب ثمانية أشهر وعشرين يومًا متّصلةً لم يفق من الغيبوبة دقيقة واحدة -بل ولا ثانية واحدة-.

وحضرته المنية فجر يوم الأربعاء الموافق: / 6/ 1418هـ، وكان عندَه أخي عبد الحليم وعبد اللطيف، وكنت أنا عنده ليلة الأربعاء وآثار الموت بادية على وجهه وجسده. وحضرتُ الساعة السابعة صباحًا إلى المستشفى وقد غادرت الروح الجسد، وحضر بعض إخوتي والشيخ عمر بن محمد فلاّته، حيث كشف الغطاء عن وجه الوالد وقبّله وأخذ يبكي بكاءً حارًّا، وقال: "رحمك الله يا شيخ حماد" وسكت، فأخذنا في تجهيز الوالد لنصلّي عليه صلاة العصر فنقلناه إلى بيته، وغسله الدكتور عمر حسن فلاتة وكنا معه، وحضر المكفِّن فكفنه، وحملناه إلى المسجد النبوي -على ساكنه الصلاة والسلام-، فصلى عليه الشيخ عبد الباري الثبيتي، ثم خرجنا به من المسجد النبوي -على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم-، وحملناه إلى (بقيع الغرقد) ، فرأيت جموع المشيّعين عددًا هائلاً وعظيمًا امتلأت به الساحة المؤدية للبقيع، ولا يكاد يمشي الناس إلاّ بكلّ صعوبة من الزّحام. ودُفن -رحمه الله تعالى- بجوار بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يسار الداخل إلى المقبرة في بدايتها. وبعد وفاته بأشهر قدّمنا شكوى ضدّ الأطبّاء في مستشفى المدينة النبوية الذين أشرفوا على مرض الوالد في بداياته إلى وليّ الأمر، وهذه الشكوى مضمونها باختصار: أنّ هؤلاء الأطباء -وهم اثنان- أخطأوا طبيًّا، وتسبّبوا في موت خلايا المخ في جسد الوالد، وحصل منهم تقصير وإهمال شديدان، وأثبتنا هذه الشكوى بحجج وبراهين من مستشفى التخصصي بالرياض. وبعد مداولات وذهاب وإياب حكم قاضي المحكمة الكبرى الشيخ السديس ومعه لجنة طبية من جدّة بخطأ الطبيبين وإهمالهم وتقصيرهم وبالأخص طبيب المخ والأعصاب، وغرّمهم نصف الدية. والله المستعان.

المراثي

المراثي مرثية محمد ثاني ... في رثاء محدث الحجاز الشيخ حماد بن محمد الأنصاري خادم سنة المختار صلى الله عليه وسلم، بقلم: محمد ثاني. (1) في كل يوم نرى للعلم تخمادًا ... واليوم ننعى عميد العلم حمّادا طم المصاب به في وقت فاقتنا ... إلى رعايته نصحًا وإرشادا لكل رزء إذا ما حل كاشفة ... والرزء هذا يزيد النار إيقادا وكل بيت له لا بد أعمدة ... إن زال منه عمود ماد أو بادا ليس البكاء على أمر قضاه له ... رب العباد بأن لباه إذ نادى فالموت للحي باب سوف يدخله ... من عاش يومًا ومن قد عاش آماد لكنها لوعة رجّت مضاجعنا ... وزلزلت صفنا جمعا وآحادا حماد عشت عظيمًا لا ترى أبدا ... إلا إلى خدمة للعلم إسعادا وهبت عمرك في تحقيقه فغدت ... ذكراك تملأ آفاقًا وأبعادا فهذه سنة المختار عشت لها ... وعشت تخدمها متنًا وإسنادا رحلت شرقًا وغربًا ناشدًا كتبًا ... ضمت عوالي إسناد وأجوادا حتى غدوت بفضل الله ناقدها ... وصرت تذكر في (كانوا) (2) وبغدادا

_ 1- محمد ثاني: طالب علم جيد في الدراسات العليا، وهو الآن يحضر الدكتوراه، وبلده نيجيريا -حفظه الله ورعاه، وجزاه خيرًا-. (عبد الأول) . 2- مدينة عريقة في غرب إفريقا وبالتحديد في شمال دولة (نيجيريا) ، وقائل القصيدة من ساكنيها.

قد شدت مكتبة تزهو خزائنها ... بكل مخطوطة يا نعم تصيادا ما كان يبخل مما عنده أبدًا ... بل يتحف الكل طلابًا وروادا وكم كتاب يرى دومًا محققه ... يولي الثناء له شكرًا وتحمادا زهت مجالس طلاب العلوم به ... وقد غذا سوحها النهر الذي جادا في مكة أمه الجمع الغفير بها ... لما أشع بنور العلم إرشادا (1) وكم أفادت جموعٌ بالرياض به ... تحلقوا عنده شيبًا وأولادا (2) وصرح طيبة لن ينسى محاسنه ... فكم أقام به (3) درسا وإسنادا (4) ما زال رجع صداه فيه مرتفعًا ... يروي فيلحق بالأجداد أحفادا هذا حديث روى سفيان مرسله ... مخالفًا فيه من يرويه إسنادا (5) وما تلاه هشيم في روايته ... فإنه ما أقام المتن بل حادا لأنهم ضعفوه في تحمله ... عن الإمام (6) الذي في العلم قد سادا فهذه علة في المتن قادحة ... لا ينتفي ضعفها أصلاً وإشهادا

_ 1- تولى الشيخ حماد التدريس بالمدرسة الصولتية بمكة من سنة 1371هـ إلى سنة 1374هـ. 2- درّس الشيخ في المعهد العلمي التاريع لإدارات المعاهد العلمية والكليات، ثم انتقل في سنة 1375هـ إلى معهد إمام الدعوة ودرّس بجميع مراحله إلى نهاية عام 1384هـ. 3- صرح طبية: الجامعة الإسلامية التي انتقل إليها الشيخ بالتدريس منذ سنة 1385هـ. 4- المراد بالإسناده هنا: سلسة رجال السند، والمقصود: علوم الإسناد. 5- يقال: أرسله فلان، وهو هنا عكس قولهم: أسنده فلان، أي: رواه موصولاً بذكر الصحابي، وهذا من جملة معاني المرسل. 6- هو الإمام محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري.

فهكذا شيخنا يجري مباحثه ... في العلم يقتلها بحثًا وإعدادا وهكذا كل باب ما تذاكره ... إلا تراه قوي العرض وقادا وهكذا عاش يغذو روح أمته ... بالعلم يصقل إصادرا وإيرادا وخلفت بيننا أقلامه كتبًا ... يعنى بها من سما في العلم إنجادا منها رسالته في شرح معتقد ... للأشعري (1) بتنقيح كما اعتادا ورد قول الغماري في توسله ... ردًّا (2) يوجه مرويا وإسنادا وجمعه لذوي التدليس في جزء ... وفاق سابقه في الجمع أعداد كذلك الطبراني في مشايخه ... لجمعهم (3) ناصبًا للجمع أرصادا وحقق الشيخ آثارًا منوعة ... في غير مسألة (4) نقدًا وإيرادا قد بارك الله عمر الشيخ أزمنة ... حتى أقام لصرح العلم أطوادا يا رب بلغه فردوسًا تنعمه ... في مقعد الصدق إسعادًا وإقعادا (5)

_ 1- هي رسالة: (أبو الحسن الأشعري وعقيدته) ، وهي صغير طُبعت بالرياض في عام 1382هـ. 2- هي رسالته: (تحفة القاري في الرد على الغماري) ، وهي رسالة صغيرة ردّ فيها على الشيخ المذكور. 3- هو كتابه: (بلغة القاصي والداني بتراجم شيوخ الطبراني) طبع منه الجزء الأول. 4- من ذلك رسالة: (إسعاف الخلان بما ورد في ليلة النصف من شعبان) مطبوعة. وللشيخ -رحمه الله- آثار مازالت مخطوطة. 5- صاحبُ هذه القصيدة الشيخ الفاضل محمد ثاني النيجيري ـ طالب يحضّر الدكتوراه بالجامعة الإسلامية -حفظه الله-. اهـ (عبد الأول) .

مرثية أحمد بن أحمد

مرثية أحمد بن أحمدُ ... ومن ذلك ما رثاه به الشيخ أحمد بن أحمدُ -بضم الدال- وهو ابن عم الشيخ العتيق بن سعد الدين فقال: الله أكبر حكم مبرم فلا ... ترضون أجرًا ببدر التم إن أفلا شيخ تضلع من بحر العلوم ومن ... حسن التأدب فيما قال أو فعلا زين الشريعة سنيٌّ مناقبه ... تترى فسبحان من سواه جل وعلا حماد مولاه آناء الليالي وأطـ ... ـراف النهار ولا يستشعر المللا يجني ويُجني قطوف العلم دانية ... ويكرم الجلسا والضيف ما نزلا في فهم (حدثنا) أو (قال أنبأنا) ... مصحِّحًا في الثقات اضرب به مثلا مدينة الخير قد تبكي مدينته ... مدينة المصطفى إذ غاب وارتحلا والى عليه اللطيف من مواهبه ... يسقى الهنا نهلاً يستتبع العللا وأعظم الأجر للأهلين فيه كما ... يرضون له لامرئ أن يعدو الأجلا والصبر في الناس مهجور وصاحبه ... عند المهيمن مأجور ولا حِوَلا معية الله خير من معيته ... وألمعيته يا معشر العقلا إنا لمسترجعون في تكرره ... والحمد لله لا نبغي به بدلا والله يُخْلِفه في آله وأنا ... لهم وارثة علم يصحب العملا والله يفسح في أعلى الجنان له ... كما نظن فكم من بُلّغ الأملا يا أهل مكة يا أهل المدينة يا ... أهل الرياض ويا إخوانه الفضلا

منا إليكم تعاز عين واجبنا ... مسلياتٌ عسى أن تجبر الخللا وقد أنبنا على أقدامنا مقة ... أقلامنا ثقة أن تشفي العللا لا تزعموا أجل ما شطّت دياركم ... ننسى الحقوق ولم نعبأ بها هملا فالحق أوضح من أن لا نفوه به ... نعوذ بالله مما يورث الوحلا يكسو المهيمن من غُرِّ الصلاة ومن ... أبهى السلام الرسول المصطفى حُللا في آله الغرّ والصحب الأكارم ما ... أثنى عليه الإله والثناء جلا

مرثية أحد طلبة الشيخ

مرثية أحد طلبة الشيخ ... ومن ذلك: ما نظمه أحد طلبة الشيخ ومحبيه فقال: بقية السلف الأخيار قد رحلا ... ومن علوم حديث المصطفى حملا تبكيه أسفار علم طالما لقيت ... درسًا وحفظًا وبذلاً كان متصلاً تبكيه أعين طلابٍ له فقدوا ... حبرًا لسنة خير الخلق ممتثلا تبكيه أعينُ إخوان له فقدوا ... شيخًا جوادًا كريم النفس ما بخلا فالعلمُ يُقبض إن ماتت أئمته ... والجهل يفشوا إذا ما العلم قد أفلا فمن يقومُ مقامَ الشيخ حين يُرى ... في مجلس العلم صدّاحًا به جذلاً ومن لمعضل علم كان يوضحه ... ويفتح المغلقات الصمّ إن سُئلا ومن له السند العالي لسنتنا ... ومن يسوق لنا الأخبارَ والمُثلا أوقاته في فنون العلم ذاهبة ... فلا تراه بغير العلم منشغلا تراه مقتفيًا آثار من سبقوا ... أعلام أمتنا الأخيار والنبلا لله مكتبة قد كان أنشأها ... يا طالب العلم لا تُلفي لها مثلا حوت نفائس كتب لا نظيرَ لها ... لو أعطي الدر لا يبغي بها بدلا تلقى رعاية شيخ لا يفارقها ... وبابه عن شداة العلم ما قفلا لم يدّخِر في سبيل العلم من سببٍ ... يفيد طلابَه إلا وقد بذلا ما مات قومٌ قد آحيا العلم ذكرهم ... وخير مدّخر علم به عُملا فالله يرحمه ولله يسكنه ... جنات عدن ويكسيه بها حللا والله يجزيه خيرًا عن أحبّته ... وعن سوابق خير كان قد عملا ثم الصلاة على المختار سيدنا ... ما هيّج الموت دمعًا غادر المقلا

شيخ الشيوخ أبو عبد اللطيف حمى ... ربي به العلم من تزييف ديّار إني تذكرت من ألطاف مجلسه ... سفيان وابن حميد وابن عطار فأنت ثالث حمادين أعرفهم ... حماد زيد وحماد بن دينار أحمد قاري.

مرثية الشيخ العتيق

مرثية الشيخ العتيق بن الشيخ سعد الدين (1) : نبأ عظيم فالق الأكباد ... فجعت حواضرنا به وبوادي فقدان بحر العلم غرة عصره ... شيخ الشيوخ المرتضى حماد زان المجالس والمدارس بُرهة ... من دهرنا بالوعظ والإرشاد ثم استجاب ندا منادي الموت هل ... من صارف للموت حين ينادي كلا فما من حادث يبقى وهل ... بقي الملوك الأقوياء كعاد وعد الإلهُ لكل نفس موتها ... والله ليس بمخلف الميعاد فالصبر أجمع للمصاب من البكا ... والأجر أعظم لامرئ منقاد رضي القضاء من الإله رجاء أنْ ... يحظى بأجر وافر متمادي فرجو عنا لله جل بحمده ... ولوعده نرجو مدى الآبادي يا آله صبرًا لما قاسيتم ... وثقوا بوعد من كريم هاد إن الصلاة ورحمة وهداية ... خير من الآباء والأجداد ولعلكم وعساكم أن تُكرموا ... بصلاة ربكم وبالإسعاد لله درّ الشيخ حماد فكم ... راض الصعاب بذهنه الوقاد ألف المكاتب والمدارس مولعًا ... بالجمع والإصدار والإيراد

_ 1- هذه المرثية أُرسلت لنا من دولة (مالي) (عبد الأول) .

ما همه الدنيا ولكن همه ... حفظ المتون وصحة الإسناد ومطالعات شروحها بتأمل ... وتبصر متحليًا بسداد ولكم أفاد من استفاد وكم أتى ... بمصنف يأبى على النقاد يسعى إلى العلياء منذ شبابه ... يعلو على الأحباب والأضداد هو من بني الأنصار يعضد ناصري ... دين الهدى بالنصح والإرشاد هو للمناظر حجة ولغيره ... نعم المقلد وهو زين النادي ومحبة العلماء أكبر زاده ... وعتاده أكرم به من زاد يلقاهم مستبشرًا ومعظمًا ... وممازحًا لهم مزاح وداد فيجيئهم من فيضه بغرائب ... وفوائد للمنتهي والشادي والأجنبي العالم الآوي إلى ... مأواه يعليه على الأولاد والمعرضون عن التعلم لا يرى ... لهم وإن قربوا سوى الإبعاد يا آله قوموا بحفظ تراثه ... لا تكسلوا لا تركنوا لحياد إنا نعزيكم ونسأل ربنا ... لكم عظيم الأجر في حماد ندعوه بالبركات في الباقي وأن ... يرثوا مورثهم بدون تعادي يا بقعة عمرت بجسم الشيخ لا ... يقربك غاو مارد أو عادي الله يقبل منه إحساناته ... فضلاً ويعفوَ عن خلاف رشاد الله يرحمه ويحفظ آله ... وينيلنا منهم أتم مراد ثم الصلاة مع السلام على الهدى ... والآل والأصحاب أشرف ناد

§1/1