المجتنى

ابن دريد

بسم الله الرحمن الرحيم رب أعن اخبرنا الشيخ الامام الأوحد تاج الدين فخر الأئمة لسان العرب وحجة اهل الادب ابو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندى ادام الله ايامه وحرس انعامه بمدينة دمشق في العشر الاول من جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وخمس مائة للهجرة النبوية على صاحبها افضل السلام. قال اخبرنا الشيخ الامام العالم الزاهد الثقة ابو محمد عبدالله بن على المقرى النحوى قال اخبرنا ابو منصور محمد بن محمد بن احمد بن الحسين بن عبدالعزيز قال اخبرنا ابو الطيب محمد بن احمد بن خلف بن خاقان قال اخبرنا محمد بن الحسن (¬1) بن دريد الازدي سنة احدى وعشرين وثلاث مائة وحدثنا (¬2) القاضي ابو محمد عبدالله بن على بن ايوب (¬3) قال اخبرنا ابو بكر محمد بن الحسن بن دريد - واللفظ للقاضي. قال نحرس نعم الله عندنا بالحمد عليها ونمترى المزيد منها بالشكر عليها ونرغب إلى الله في التوفيق لما يدنى من رضاه ويجير من سخطه انه سميع الدعاء. هذا كتاب يشتمل على فنون شتى من الاخبار الموثقة والالفاظ المسترشقة والاشعار الرائقة والمعاني الفخمة والحكم المتناهية والاحاديث المنتخبة سميناه كتاب المجتنى لاجتنائنا في ظرائف الآثار كما تجتنى اطائب الثمار. وجرينا فيه إلى الاختصار إذ كان الاكثار مقرونا بالسآمة؛ ¬

_ (¬1) تنبيه: هذا الجزء "المجتنى" لأبي بكر محمّد بن الحسن ابن دريد، من الأجزاء النفيسة الذي اشتمل على نصوص عالية عزيزة، كانت موردًا عزيزًا لكثير من العلماء؛ منهم الحافظ ابن عساكر الذي خرّج منه في "تاريخ دمشق" نصوصا كثيرة عزيزة على صِغَر حجمه؛ ممّا يدلّك على أهميته وعلوّ قدره ورفيع منزلته؛ غير أنه قد وقع فيه - كما يقع في غيره مِن المدوّنات الأدبيّة - بعض النصوص التي يلحظ فيها القارئ الكريم نَيلا من بعض الصحابة وغيرهم من أئمّة الهدى، سواء كان هذا النَّيل صريحًا أو إشارة؛ لذا ينبغي التأكيد على أنّ الأخبار المتلقّاة في أبواب الاعتقاد ونحوها من الأبواب الكبار، لا تؤخَذ مِن أيّ أحد كان، وإنّما تؤخَذ من الأئمّة الموثوقين المشهود لهم بالعدالة والاستقامة والحفظ والضبط؛ أمّا ابن دريد، فقد "تكلموا فيه"، كما قال الدارقطني (سؤالات السهمي60) وقال الأزهري: "سألت إبراهيم بن محمّد بن عرفة الملقَّب بنِفْطَوَيْه عنه: فاستخفَّ به، ولم يوثّقه في روايته" (تهذيب اللغة 1: 27، وعنه في لسان الميزان 7: 80). وقال مسلمة بن قاسم: "كان كثير الرواية للأخبار، وأيّام الناس والأنساب، غير أنّه لم يكن ثقة عند جميعهم". (لسان الميزان 7: 81). ش (= وهو رمز "المكتبة الشاملة" فيما يُستقبَل من تعليقات منسوبة إليها؛ لتتميّز عن تعليقات تحقيق الجزء). (¬2) القائل هو أبو منصور - وهو: العكبري -. (¬3) هنا سقط؛ فإنّ أبا محمد القاضي عبد الله بن عليّ بن أيوب-وهو العكبري-، وُلد سنة 320، يعني قبل وفاة ابن دريد 321 بسنة واحدة، وعبد الله بن عليّ بن أيوب، يروي عن ابن دريد بواسطة أبي بكر أحمد بن محمد بن الجراح الخزاز، كما في مواضع من تاريخ دمشق لابن عساكر، وبغية الطلب لابن العديم. والله أعلم. ش

(باب) ما سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يسمع من غيره قبله

وقد قال من قبلنا إذا كان الايجاز كافيا كان الاكثار هذرا وإذا كان الاكثار ابلغ كان الايجاز عيا وخير الامور اوسطها والله الموفق للصواب. فاول ما نستفتح به ما جاءنا عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من الفاظه التي لا يشوبها كدر العىّ ولا يطمس رونقها التكلف ولا يمحو طلاوتها التفيهق وقد ضمنت هذا الكتاب اخبارا واشعارا سمعتها فعزوتها الى من سمعتها منه واشياء قرأتها فيما قرأت من الكتب على اشياخنا رحمهم الله فمنها اجازة ومنها سماع ومنها ما رويته بنزول وسابين ذلك في مواضعه ان شاء الله تعالى (باب) ما سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يسمع من غيره قبله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ينتطح فيها عنزان" قاله في عصماء بنت مروان اليهودية، وكانت تهجو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتوذيه، فقتلها القارى رجل من الانصار (¬1) وكان ضعيف البصر فطرقها ليلا فقتلها فلما صلى الصبح مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له اقتلت عصماء قال نعم يا رسول الله فقال لا ينتطح فيها عنزان فخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم العنزين دون الغنم، لان العنز انما تشام العنز ثم تفارقها وليس كنطاح الكباش وغيرها، فانظر اين هذا الكلام من قول عدى بن حاتم لما قتل عثمان رضى الله عنه: "لا تحبق فيها (¬2) عنز" ففقئت فيها عينه يوم صفين وقتل ابنه طريف فقال له معاوية بعد الاستقامة هل حبقت العنز في قتل عثمان قال اى والله والتيس الاعظم. ¬

_ (¬1) هو عمير بن عدى الخطمى - كما في سيرة ابن هشام. (¬2) كذا في المطبوع، وفي الجمهرة 1: 281: "فيه". ش

قوله عليه السلام "مات حتف انفه" اخبرنا محمد بن الحسن (¬1) قال اخبرنا عبد الاول بن مؤيد (¬2) احد بنى انف الناقة من بنى سعد في اسناد ذكره قال علي رضوان الله عليه ما سمعت كلمة عربية الا وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمعته يقول "مات حتف انفه" وما سمعتها من عربى قبله صلى الله عليه وآله وسلم، قال ابو بكر: ومعنى حتف انفه: ان روحه تخرج من انفه بتتابع نفسه لان الميت على فراشه من غير قتل يتنفس حتى يقضى (¬3) رمقه فخص الانف بذلك لانه من جهته ينقضى رمقه. قوله صلى الله عليه وآله وسلم حمى الوطيس قاله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين لما جال المسلمون ثم تابوا فلما اختلط الضراب قاله عليه السلام وهو منتصب مشرف ركابيه على بغلته الشهباء، والوطيس: حفيرة تحفر في الارض شبيهة بالتنور يختبز فيها، والجمع وطس، فاذا كانت حفيرة اعظم من الوطيس يشتوى فيها اللحم فهى ارة؛ والجمع إرين، وللارة موضع غير هذا. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" اراد صلى الله عليه وآله وسلم ان حظ العاهر حجر، اى لا شىء له في الولد. ولهذا الكلام معنيان اما ان يكون اراد ان حظه الغلظة والخشونة من اقامة الحد رجما او ضربا واما ان يكون اراد بالحجر ما لا ينتفع به ولا محصول له يريد به الخيبة. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يلسع المؤمن من جحر مرتين" قاله صلى الله عليه وآله وسلم لابي عزو الشاعر وكان اسر يوم بدر فسال النبى صلى الله عليه وآله وسلم ان يمن عليه وذكر عيالا وفقرا فمن عليه فاخذ عليه عهدا ان لا يحضض عليه ولا يهجو ففعل ثم رجع الى مكة فاستهواه صفوان ابن امية وضمن له القيام بعياله فخرج مع قريش وحضض على النبى صلى الله ¬

_ (¬1) هو أبو بكر ابن دريد. ش (¬2) كذا في المطبوع، والصواب (مُرَيْد)، بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء المعجمة باثنتين من تحتها، كذا ضبطه ابن ماكولا في الإكمال 7: 181. ش (¬3) كذا في المطبوع، وفي المزهر 1: 241 عن ابن دريد: "ينقضي". ش

عليه وآله وسلم فاسر فسال النبى ان يمن عليه فقال صلى الله عليه وآله وسلم "لا يلسع المؤمن من جحر مرتين" لا تمسح عارضك (¬1) بمكة فتقول سخرت من محمد مرتين، ثم امر النبى صلى الله عليه وآله وسلم بقتله* وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "كل الصيد في جوف الفرأ - او بطن الفرأ" مهموز وهو الحمار والوحشى والجمع فراء ممدود* قال (مالك) بن زغبة: بضرب كآذان الفراء فضوله * وطعن كايزاغ المخاض تبورها الايزاغ: دفع البول والبورة (¬2) أن تعرض الناقة على الفحل ليعرف ألاقح هي ام حائل، وقال آخر عامر بن كثير المحاربى: اذا اجتمعوا علي واشقذونى * فصرت كأنني فرأ متار اراد بذلك متأر فخفف الهمزة من قولهم اتأرته بصرى اذا احددت اليه النظر وهذا كلام خاطب به صلى الله عليه وآله وسلم ابا سفيان ابن حرب بن عبد الله بن عبد المطلب واسمه المغيرة حين جاءه مسلم، اوكان قد هجا النبى صلى الله عليه وآله وسلم هجاء قبيحا - وله حديث في المغازى والفرأ: الحمار الوحشى وهو اعظم ما يصاد فكل صيد دونه فالمعنى انت اعظم من يأتينى من اهل بيتى اذ كلهم دونك كما ان الصيدكله دون الحمار. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "الحرب خدعة"، قاله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاحزاب لما بعث بنعيم بن مسعود ليخذل بين قريش وغطفان ويهود، يريد ان المماكرة في الحرب انفع من المكاثرة والاقدام من غير علم. ومنه قول بعض الحكماء: "نفاذ الراى في الحرب انفع من الطعن والضرب"، والمثل السائر: "اذا لم تكن تغلب فاخلب"، أي اخدع، والخلابة: الخديعة، قال الشاعر - وهو النمر بن تولب: ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع، وفي المصادر: "عارضيك". انظر مثلا: مغازي الواقدي 1: 111. ش (¬2) كذا في المطبوع، وفي مجمل اللغة 1: 139 وشمس العلوم 1: 663: "البَوْر". ش.

بان الشباب وحب الخالة (¬1) الخلبة وقال آخر: وشر الرجال الخالب الخلبوت (¬2) اى الخداع ومنه البرق الخلب الذى لا ماء فيه. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "اياكم وخضراء الدمن" قاله صلى الله عليه وسلم في بعض ما كان يؤدب به اصحابه، وقد فسر هذا الكلام في الحديث، وله تفسيران: قال بعضهم يريد المرأة الحسناء في المنبت السوء، وتفسير ذلك ان الريح تجمع الدمن وهو البعر في البقعة من الارض ثم يركبه الساقى فاذا أصابه المطر نبت نبتا غضا ناعما يهتز وتحته الدمن الخبيث، يقول: فلا تنكحوا هذه المرأة لجمالها ومنبتها خبيث كالدمن، فإن اعراق السوء تنزع اولادها؛ والتفسير الآخر بمعنى قول زفر بن الحارث شعر: وقد ينبت المرعى على دمن الثرى * وتبقى حزازات النفوس كما هيا يقول: نحن وإن اظهرنا لكم بشرا فان تحته الحق والسخيمة كهذا الدمن الذي يظهر فوقه النبت مهتزا وتحته الفساد، وهذا نحو قول الآخر - وهو عمير بن الحباب: وفينا وإن قيل اصطلحنا تضاغن * كما طر أوبار الجراب على النشر الجراب: الجربى من الابل؛ والنشر: أن يظهر الوبر على الدبر؛ فيغطيه فيكون فيه الفساد، يقول: نحن وإن تداجينا وأظهرنا صلحا كالشعر او الوبر النابت على الدبر فظاهره سليم وباطنه دو، ويقول في بيت آخر: يظل اذا اقبلت كاسر عينه * ولا جن بالبغضاء والنظر الشزر وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "وإن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا او يلم" هذا كلام من ابلغ الكلم في تحذير الدنيا والركون اليها وذلك ان الماشية يروقها نبت الربيع منه بأعينها فربما تفتقت سمنا فهلكت يقول: من اعطى كثرا ورفاهية عيش في دنياه، فيجب ان يقتصد ولا ينهمك ¬

_ (¬1) الخالة: جمع خائل، وهو الرجل المختال. انظر: تهذيب اللغة 7: 230، جمهرة اللغة 2: 1056و3: 1319. ش (¬2) رجل خلبوت: خدّاع مكّار. جمهرة اللغة 3: 1239. ش

فيها فتلهيه عن الاحتراث لآخرته فيهلك كما ان هذه الماشية يلهيها زهر النبات فتأكل حتى تهلك. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "الأنصار كرشى وعيبتى" يريد أنهم معتمدى الذى اقوى عليه وأقوى به، كما ان الكرش معتمد معدة الماشية الذي يصرف الغذاء في سائر اعضائها فتقوى بذلك وفيها تستقر الثميلة؛ وهي باقية العلف في الكرش يقول: فالأنصار الذين يمدوننى بأموالهم ونصرهم فهم كالكرش لى؛ وقوله عيبتى: يريد الذين اودعهم اسرارى وأرجع اليهم في مهمات امورى؛ كما ان الرجل انما يودع عيبته نفيس متاعه وكسوته وذخيرته. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "يا خيل الله اركبى" قاله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه - لا ادرى في ايها (¬1)، والخيل لا تركب وإنما تركب، وهذا على الإيجاز والاختصار وكان وجه الكلام أن يقول: يا فرسان خيل الله اركبى، فاختصر لأنه علم ما اراد، والخيول كلها لله فأضاف الخيول الى الله عز وجل تبجيلا وتعظيما كقولهم: بيت الله - والبيوت كلها لله، وشهر الله الأصم وناقة الله - ونحو ذلك. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "لا يجنى على المرء الا يده" اراد لا يؤخذ بجناية غيره ان قتل او جرح فبيده اصاب ذلك أي فبيده الجانية (¬2) عليه ولا يؤخذ بجناية يده غيره. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "الشديد من غلب نفسه" يقول من ملك نفسه عند شهوته وعند غضبه فمنعها فهو الشديد، وهذا شبيه بحديثه ¬

_ (¬1) قال السهيلي في الروض الأنف 7: 275: "قالها يوم حنين أيضا في حديث خرجه مسلم". وذكر كلامه في المقاصد الحسنة (ص736)، ثم قال: "فيحرر". قلت: لم أقف عليه في مسلم، ولا تعرّض له أحد من شرّاح مسلم فيما أعلم. ش (¬2) رواية نسخة اكسفورد: اى فيده الجانية، وكذا في هامش الأخرى فقال في حاشية نسخة المتحف البريطانى: قال غير ابى بكر بن دريد لم يرد اليد بعينها انما المعنى ما اجترحت جميع جوارحه كقول الله عز وجل "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" - والله أعلم بكتابه.

عليه السلام أنه مر بقوم يربعون حجرا - او يجذبون حجرا - فسأل عن ذلك فقيل لينظروا ايهم اقوى - او كما قيل؛ فقال: ألا اخبركم بأشد من هؤلاء، من ملك نفسه عند الغضب - او كما قال صلى الله عليه وآله وسلم (¬1). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "ليس الخبر كالمعاينة" هذا الكلام في حديث فيه بعض الطول يريد أنه لا يهجم على قلب المخبر من الهلع بالأمر والاستفظاع له مثل ما يهجم على قلب المعاين، ألا ترى ان الله عز وجل أخبر موسى أن قومه قد فتنوا بالعجل فلما عاين ذلك ألقى الألواح ضجرا وأخذ برأس اخيه، وقد طعن في هذا الحديث قوم فقالوا لم يصدق بما أخبره ربه، فلم يذهب الطاعن في هذا الحديث مذهبا مرضيا، موسى عليه السلام لم يشكك فيما اخبره به ربه ولكن للعيان روعة هي اذكأ للقاء (¬2) وأبعث لهلعة من المسموع، ألا ترى ان ابا مليل احد فرسان بنى يربوع لما قتلت بكر بن وائل ابنيه فأخبر بذلك لم يشكك فيه ولم يظهر منه الجزع مثل الذي رآهما صريعين فألقى نفسه عن فرسه عليهما وقد ايقن انهما قد قتلا فما شك عند الخبر وغلبه الجزع عند المعاينة. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "المجالس بالأمانة" وهذا مما ادب به أمته صلى الله عليه وآله وسلم ومعناه أن الرجل يجلس إلى القوم فيخوضون في الأحاديث ولعل فيها ما ان نمى كان فيه ما يكرهون فيأتمنوه على اسرارهم، فأراد صلى الله عليه وآله وسلم ان الأحاديث التى تجرى بين اهل المجالس كالأمانة التى لا يحب ان يطلع عليها فمن اظهر احاديث الذين أمنوه على اسرارهم فهو قتات؛ وقد جاء في الحديث ذم القتات وهو النمام ¬

_ (¬1) حاشية نسخة المتحف: قال غير ابى بكر: ملك نفسه يعنى ضبطها، ومنه قولهم: ملكت العجين اذا انعمت عجنه قال الشاعر: قالت سليمى لست بالحادى المدل * مالك لا تملك اعضاد الإبل (¬2) كذا ولعله "انكأ للقلب" - ح.

وفي التنزيل "هماز مشاء بنميم". وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "اليد العليا خير من اليد السفلى" وهذا حث على الصدقة لأن العليا يد المتصدق والسفلى يد السائل والمعطى مفضلى على المعطى فالمفضل خير من المفضل عليه، ولم يرد عليه السلام ان المفضل خير في الدين انما المراد خير في الافضال. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "ان البلاء موكل بالمنطق (¬1) " هذا كلام روى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في حديث طويل، والبلاء: الاختبار ما كان من خير وشر. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "ترك الشر صدقة" يريد أن من ترك الشر وأذى الناس فكأنه قد تصدق عليه، اى فضل ترك الشر كفضل الصدقة. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "الناس كأسنان المشط" يريد أنهم مستوون وإنما التفاضل في العمل الصالح والفعل الجميل، وهذا كقوله: كلكم لآدم وآدم من التراب. ومنه "الغنى غنى النفس" وهذا مما أدب به صلى الله عليه وآله وسلم أمته يريد أن من كان غنى النفس ولم يلحف في الطلب اى كأنه غنى واحد. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "اى داء أدوى من البخل"، قاله صلى الله عليه وآله وسلم في كلامه للأنصار: "من سيدكم يا بنى سلمة" - بكسر اللام، وهي الواحدة من السلام - قالوا: الجد بن قيس على بخل فيه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "وأى داء أدوى من البخل" بل سيدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء بن معرور، وبشر الذى أكل مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم من الشاة المسمومة بخيبر فمات، ومعنى هذا الكلام انه جعل البخل ¬

_ (¬1) هذا ممحو في الأصل الا لفظ البلاء وحرف القاف في آخره.

داء ليس بداء مؤلم فشبهه بالداء اذ كان مفسدا للرجل مؤديا له سوء الثناء كما ان الداء يؤل إلى طول الضنا، والمقصد في هذا النهى عن البخل. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "الأعمال بالنيات" يريد أن الرجل إذا عمل عملا من صلاة او صيام او صدقة او باب من ابواب البر فنوى أن ذلك لله لا لرئاء الناس كان ذلك العمل مقبولا، وهذا تحريض على إخلاص النية؛ فذلك العمل حينئذ المراد به وجه الله عز وجل. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "الحياء خير كله" لم يرد عليه السلام الحياء الداعى الى البقاء في الفهاهة القاعد بالمرء عن بلوغ المراد في الخطاب والقصور عن تناول الحجة وإنما الحياء الرادع عن ارتكاب الحرام والمحارم والتلطخ بالمدانس، وهذا كقوله في حديث آخر "وإن مما ادرك اهل الجاهلية من كلام النبوة اذا لم تستحيى فاصنع ما شئت" أي اعمل كل ما لا يستحيى منه من مثله (¬1). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "اليمين الفاجرة تدع الدار بلاقع (¬2) " هذا نهى عن الاقدام عن احتجاز (¬3) أموال الناس بالأيمان فمن حلف على يمين فاجرة ليقطع بها مال امرئ مسلم او يحوز بها ما ليس له او يدفع بها حقا عليه عاجلته العقوبة فاجتاحته فتركت داره بلاقع اى أقفرته حتى لا تبقى له شيئا، والبلقع: القفر الذي لا شىء فيه، قال أبو بكر: قد كانت العرب في الجاهلية تستحلف بالنار والملح، وهو الذى كانوا يسمونه التهويل فيحلف الرجل على الكذب فيمعر (¬4) ماله ويثكل ولده ولذلك سمى الحطيم بمكة لأنهم كانوا يحلفون عنده فيحطم المبطل، وقد قالت العرب: "نعوذ بالله من قرع الفناء وصفر الإناء" يريدون ذهاب المال. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "سيد القوم خادمهم" هذا كلام ¬

_ (¬1) كذا والظاهر: "عمله". (¬2) والحديث المشهور: "اليمين الفاجرة تذر الديار بلاقع". (¬3) لعله: احتجان. (¬4) (المعر): ذهاب الشعر عن الرأس وغيره، معر يمعر معرا، والأصل في المعر ذهاب الشعر عن أشاعر الفرس، ثم كثر حتى استعمل في غير ذلك. جمهرة اللغة 2: 773. ش

حث به على المكارم والتعاون وترك التكبر على الأصحاب في الأسفار فجعل الخادم سيدا اذا كان يخدم أصحابه تكرما لا لمنالة ولا جعالة فأوجب له بذلك السودد على اصحابه. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "فضل العلم خير من فضل العبادة" يريد صلى الله عليه وآله وسلم أن العالم وإن كان منه تقصير في عبادته افضل من جاهل مجتهد، لأن العالم يعرف ما يأتى وما يتجنب، والعابد الجاهل المتهور ربما أتى الشىء وهو يظن أنه مصيب وهو مخطىء. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "الخيل في نواصيها الخير" هذا نحو قوله عليه السلام "خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة". قوله صلى الله عليه وآله وسلم "خير المال فرس في بطنها فرس" وهذا الكلام يحث به إلى إرتباط الخيل في سبيل الله، يريد أن من ارتبطها كان له ثواب ذلك وهو خير آجل وما يصيبه على ظهرها من الغنائم وفى بطونها من التاج فهو خير عاجل، وخص النواصى من بين اعضاء الجسد لأن الهرب تقول: فلان ميمون الناصية، اى مبارك الناصية، وهو مثل قوله "بطونها كنز وظهورها حرز" اى يتحرز بها من الأعداء ويتحصن بها منهم. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "عدة المؤمن كأخذ باليد" يحث على الوفاء بالمواعيد والصدق فيها، يريد أن المؤمن اذا وعد فالثقة بموعده كالثقة بالشىء إذا كان في اليد. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "أعجل الأشياء عقوبة البغى" وهذا نحو قوله "دعوة المظلوم لا تحجب" والمبغى عليه مظلوم والبغى اسرع الذنوب عقوبة. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "إن من الشعر لحكما وإن من البيان لسحرا" هذا كلام قاله صلى الله عليه وآله وسلم لوفد تميم لما سأل عمرو

ابن الأهتم عن قيس بن عاصم فمدحه فقال قيس: والله يا رسول الله! لقد علم أنى خير مما وصف ولكنه حسدنى، فذمه عمرو بن الأهتم فقلا: يا رسول الله! لقد مدحت (¬1) في الأولى وما كذبت في الأخرى، فعند ذلك قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: إن من البيان لسحرا، يريد أن البليغ يبلغ ببيانه ما يبلغه الساحر في لطافة حيلته، وقد ذكر أن متكلما تكلم عند بعض الخلفاء فأفصح وبين فقال: هذا السحر الحلال. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "الصحة والفراغ نعمتان" يريد أن من افضل النعم العافية والكفاية، لأن الإنسان لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا، والعافية هي الصحة فمن عوفى وكوفى فقد عظمت عليه النعمة، وهذا كلام (¬2) اراد به عبد الله بن عمر حين سئل: أى العيش افضل؟ فقال: الأمن والعافية ثم غليلتى أتقوتها وأستغنى بها عن الناس - او كما قال، فأنبأ صلى الله عليه وآله وسلم: أن الصحة والفراغ نعمتان من المنعم جل جلاله يوجبان الشكر له عليهما لا التمادى في العصيان فاشكروا الله عليهما ولا تكونوا كمن كفر نعمة المنعم وطغى عند الصحة والكفاية. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "نية المؤمن خير من عمله" يريد عليه السلام أن المؤمن ينوى الأشياء وأبواب البر نحو الصدقة والصوم وغير ذلك فلعله يعجز عن بعض ذلك وهو معقود النية عليه فنيته خير من عمله. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "الولد ألْوَط" وهذا الكلام يروى عن أبى بكر رضي الله عنه انه قال: والله! إن عمر لأحب الناس الىّ ثم قال: "أستغفر الله الولد الوط" ومعنى الوط: الصق بالقلب، وأصل اللوط طليك الحوض وغيره بالمدر لئلا يخرج منه الماء، تقول: لطت الحوض ألوطه لوطا، ومنه قولهم: "هذا شىء لا يلتاط بصفرى" اى لا يقع في خلدى، وفي الحديث: "تلوط حوضها وتبغى ضالتها" يعنى راعى الإبل. ¬

_ (¬1) كذا والمعروف: صدقت. (¬2) لعله: "كما".

قوله صلى الله عليه وآله وسلم "استعينوا على الحاجات بالكتمان فان كل ذى نعمة محسود" هذا مما ادب به صلى الله عليه وآله وسلم أمته، لأن الرجل ربما طلب الحاجة الى الرجل فيكون له عدو أو حاسد فيسعى عليه فيفسد عليه مطلب حاجته. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "المكر والخديعة في النار" يريد أن المكر والخداع لا يكونان في تقى ولا خائف لله، لأنه اذا مكر غدر وإذا خدع وبق (¬1) فهاتان خلتان لا تكونان فى تقى فكل خلة جانبت التقى فهى فى النار. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "من غشنا فليس منا" ينهى صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الكلام عن الخيانة ويحض على البر، وذلك أن الغش فعل من افعال اليهود يقول: من غش اهل الإسلام فقد تشبه بأعدائهم فكأنه ليس منهم. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "المستشار مؤتمن" يريد قوله صلى الله عليه وآله وسلم من افضى اليك بسره وأمنك على ذات نفسه فقد جعلك بموضع ثقته كالرجل الذى لا يأمن على ماله فلا يودعه الا الثقة في نفسه فالسر الذى ربما كان في اذاعته تلف النفس اولى بأن لا يجعل الا عند الموثوق به. قوله قوله صلى الله عليه وآله وسلم "الندم توبة" هذا الكلام فيه شريطة، لأنه ليس الندم مع الاصرار توبة، انما يكون الندم (¬2) توبة اذا كان مع الاقلاع والاخلاص وهذا وجهه ان شاء الله. قوله صلى الله عليه وآله وسلم "الدال على الخير كفاعله" يقول من دلك على الخير فعلته بارشاده لك فكأنه قد فعله بك، وهذا تحضيض على التعاون على البر والحث عليه. وقوله قوله صلى الله عليه وآله وسلم "حبك الشيء يعمى ويصم" يريد ¬

_ (¬1) وبق الإنسان إذا هلك. جمهرة اللغة 1: 375. ش (¬2) من هاهنا نسخة المتحف البريطانى كاملة الى آخر الكتاب.

أن الرجل اذا غلب الحب على قلبه ولم يك له رادع من عقل او دين اصمه حبه عن العذل واعماه عن الرشد. وهذا يكثر ? وإنما اختصرنا منه ما نحتاج إليه في هذا الكتاب وسنأتى على جملة في كتاب إيجاز المنطق وذخائر الحكمة. ومما يذكر من كلامه الموجز المتناهى وسنأتى على جملة في كتاب إيجاز المنطق وذخائر الحكمة وسنأتى على جملة في كتاب إيجاز المنطق وذخائر الحكمة. ومما يذكر من كلامه الموجز المتناهى صلى الله عليه وآله وسلم "ما لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت او?لبست فأبليت او أعطيت فأمضيت" وقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار "انكم تكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع" وقوله "الولد مبخلة مجبنة" وقوله "أهل المعروف فى الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة" وقوله "لن يهلك امرؤ من بعد مشورة" وقوله "رحم الله امرءا قال خيرا فغنم او سكت فسلم" وقوله "شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع" "المرء كثير بأخيه" "ثلاث لا ينجو منهن احد: الظن، والطيرة، والحسد، فإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا تطيرت فامض ولا تنثن" وقوله "الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم" وقوله "لولا رجال خشع وأطفال رضع وبهائم رتع" وقوله "أعوذ بك من علم لا ينفع ونفس لا تشبع وقلب لا يخشع وعين لا تدمع" ولا ادرى ما صحة الكلمة (¬1) وقوله "هل يتوقع أحدكم الا غنى مطغيا او فقرا منسيا او مرضا مفسدا أو هرما مفندا (¬2) او الدجال وهو شر ما ينتظر او الساعة فالساعة ادهى وأمر" "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى" يقول: القليل الذى لا يشغل عن الآخرة خير من الكثير الذي يلهى عنها "لا تجلسوا على ظهور الطرق فان أبيتم فغضوا الأبصار وترادوا السلام وأهدوا الضالة وأعينوا الضعيف" ¬

_ (¬1) حاشية في نسخة المتحف: يريد قوله عين لا تدمع، وصحة هذه اللفظة ظاهر وذلك ان عدم البكاء دليل على القسوة فاستعاذ من ذلك كما استعاذ من قلب لا يخشع كيف وقد وردت الآثار بالحض على البكاء. (¬2) في نسخة آكسفورد: "مقيدا".

"صدقة السر تطفىء غضب الرب، وصنائع المعروف تقى مصارع السوء، وصلة الرحم تزيد في العمر" قوله عليه السلام "نهيتكم عن عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات". وقوله عليه السلام "ابدأ بمن تعول" وقوله " لا تختبر (¬1) يمينك على يسارك". وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "الناس كابل مائة لا تجد فيها راحلة" يريد عليه السلام أن الناس كثير والمرضِىّ منهم قليل كما أن المائة من الإبل لا تصاب فيها الراحلة الواحدة. وقوله عليه السلام "ما املق تاجر صدوق" يريد أن التاجر اذا صدق بورك له في تجارته فلم يملق اى لم يفتقر. وقوله عليه السلام (¬2) "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى" يقول: القليل: من المال الذى لا يشغل عن الآخرة خير من الكثير الذى يلهى عنها. وقوله عليه السلام "لا تزال أمتى بخير ما لم تر الأمانة مغنما والصدقة مغرما" يريد الرجل اذا أوتمن على أمانة رآها مغنما فاعتد بها من ماله وإذا تصدق بصدقة رآها مغرما ونقصانا في ماله فامتنع ان يتصدق. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس ولن يهلك امرؤ بعد مشورة" يحث صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الكلام على حسن العشرة والمشاورة في الأمور. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "استعينوا على المشى بالسعى: وذلك ان الرجل اذا أكثر المشى تقبض عصبه فاذا سعى انطلق ومنه حديث عمرو بن معديكرب اذ شكا الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه: المعص، فقال: "كذب عليك العسل" والمعص: وجع العصب من طول المشى، والعسل عدو من عدو الذئب وهو عدو فيه اهتزاز. ¬

_ (¬1) كذا. (¬2) هذا مكرر في نسخة المتحف لا وجود له في نسخة آكسفورد.

باب ما حفظ من كلام ابى بكر الصديق رضى الله عنه

قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تنكث صفقتك ولا تبدل سنتك ولا تخرج من امتك" نكث الصفقة ان تبايع إمام ثم تقاتله، وتبديل السنة الاعرابية بعد الهجرة، والخروج من الأمة الخروج من الإسلام الى غيره. باب ما حفظ من كلام ابى بكر الصديق رضى الله عنه أخبرنا محمد بن الحسن قال اخبرنا ابو حاتم عن الأصمعى، قال: كان ابو بكر رضى الله عنه اذا مدح قال: "اللهم! انت أعلم بى من نفسى وأنا أعلم بنفسى منهم، اللهم! اجعلنى خيرا مما يحسبون واغفر لى واجعلنى خيرا مما يعلمون ولا تؤاخذنى بما يقولون". ومما يروى عن الهيثم بن عدى عن مجالد عن الشعبى قال: كان اول ما تكلم به ابو بكر رضى الله عنه، صعد المنبر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانحدر عتبة من مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ما كان الله ليرانى ان أقف موقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" ثم قال: "اما بعد أيها الناس! فانى قد وليت أمركم ولست بخيركم، ولكنه نزل القرآن وسن النبى صلى الله عليه وآله وسلم وعلمنا فتعلمنا، ألا فاعلموا! أن أكيس الكيس التقى، وأن أحمق الحمق الفجور، وأن أضعفكم عندى القوى حتى آخذ منه الحق، وأن أقواكم عندى الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع فان أحسنت فأعينونى وإن زغت فسددونى، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم". أخبرنا ابو بكر محمد بن الحسن قال اخبرنا ابو حاتم عن الأصمعى، عن العباس بن بكار الضبى عن عقبة الأصم عن عطاء بن ابى رباح عن ابن عباس قال: سمعت ابا بكر يقول:

باب المحفوظ من كلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه

اذا أردت شريف الناس كلهم * فانظر إلى ملك في زى مسكين ذاك الذي حسنت في الناس سيرته (¬1) * وذاك يصلح للدنيا وللدين باب المحفوظ من كلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه أخبرنا محمد قال اخبرنا الرياشى فى اسناده قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه في بعض خطبه: "اياكم والبطنة! فانها مكسلة عن العبادة مفسدة للجسم مؤدية الى السقم، وعليكم بالقصد في قوتكم! فانه أبعد من السرف وأصح للبدن وأقوى للبدن وأقوى على العبادة، وأن العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه". اخبرنا محمد بن الحسن قال حدثنا الحسن بن الخضر قال حدثنا الحجاج بن نصير قال حدثنا صالح المرى عن مالك بن دينار عن الأحنف (¬2) قال قال لى عمر بن الخطاب رضى الله عنه: يا أحنف! "من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن اكثر من شىء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قبله". اخبرنا محمد بن الحسن قال حدثنا الحسن بن الخضر قال اخبرنا عن سليمان بن داود العتكى قال حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن ابى البخترى قال: كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه الى ابى موسى: "لا تؤخر عمل اليوم لغد فتتدارك عليك الأعمال، وإن للناس نبوة عن سلطانهم او نفرة أعوذ بالله من ان تدركنى، وإياكم ضغائن محمولة ودنيا مؤثرة وأهواء متبعة" في حديث فيه طول. قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: "القاضى لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع". ¬

_ (¬1) في حاشية نسخة المتحف: رأفته. (¬2) هو ابن قيس، كما في تاريخ دمشق 43: 175 من طريق ابن دريد. ش

باب من كلام عثمان رضى الله عنه

اخبرنا محمد قال اخبرنا العكلى عن رجل عن جرير عن اسماعيل عن الشعبى قال قال عمر رضى اللع عنه "حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله". ومن كلامه عليه السلام ويقال بل من كلام علىّ رضى الله عنه "حق المسلم على المسلم سبع خصال: السلام عليه اذا لقيه، ويجيبه اذا دعاه، ويعوده اذا مرض، ويتبع جنازته اذا مات، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها، والمواساة في ماله". باب من كلام عثمان رضى الله عنه قال دخل عثمان بن عفان رضى الله عنه على العباس بن عبد المطلب يعوده فقال: اوصنى وزودنى! فقال له "الزم خواص تصب عوام، ودع مصانعة الناس، وعليك بسلامة القلب وحفظ اللسان تصب بهما سرورا، ومن أمنه الناس على اعراضهم استقاموا له بمواداتهم". باب ما حفظ من كلام على رضى الله عنه قال حدثنا العكلى عن حاتم بن قبيصة المهلبى عن الكلبى قال قال على بن أبى طالب رضى الله عنه "المعروف افضل الكنوز وأحصن الحصون لا يزهدنك فيه كفر من كفرك فقد يشكرك عليه من 1 لم تستمتع منه (¬1) بشىء وقد يدرك بشكر الشاكر ما يضيع الجحود الكافر". اخبرنا عقبة بن ابى الصهباء قال: لما ضرب ابن ملجم عليا رضى الله عنه دخل عليه الحسن وهو باك فقاله له: ما يبكيك يا بنى! فقال: مالى لا ابكى ¬

_ (¬1) كذا، ولعله: لم يستمتع منك.

وأنت في اول يوم من الآخرة وآخر يوم من الدنيا، فقال: يا بنى! احفظ عنى اربعا وأربعا لا يضرك ما عملت معهن، قال: وما هن يا ابت؟ قال: ان أغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق، قال: يا ابت! هذه الأربع فأعطنى الأربع الأخر، قال: إياك ومصادقة الأحمق فانه لا يريد (¬1) ان ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذاب فانه يقرب اليك البعيد ويبعد عليك (¬2) القريب، وإياك ومصادقة البخيل فانه يقعد عنك احوج ما تكون اليه، وإياك ومصادقة الفاجر فانه يبيعك بالتافه. ومما حفظ من كلام على رضى الله عنه ان رجلا سأله عن تفسير "لا حول ولا قوة الا بالله" فقال: تفسيرها "انا لا نملك شيئا ولا نملك الا ما ملكنا مما هو أملك به منا فمتى ما ملكنا ما هو أملك به كلفنا ومتى اخذ منا وضع عنا ما كلفنا ان الله امرنا تخييرا، ونهانا تحذيرا، وأعطانا على قليل كثيرا، لن يطاع ربنا مكرها ولا يعصى مغلوبا". ومما حفظ من كلامه رضى الله عنه "لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة بطول امل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين ويعمل فيها عمل الراغبين، ان اعطى منها لم يشبع، وإن منع لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتى ويبتغى الزيادة فيما بقى، ينهى ولا ينتهى، ويأمر بما لا يأتى، يحب الصالحين ولا يعمل بعملهم، ويبغض الطالحين وهو منهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه ويقيم على ما يكره الموت له، إن سقم ظل نادما وإن صح أمن لاهيا، يعجب بنفسه اذا عوفى ويقنط اذا ابتلى، تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن ¬

_ (¬1) كذا، والصواب: فانه يريد. (¬2) كذا، ولعله: عنك.

لا يثق من الرزق بما ضمن له ولا يعمل من العمل بما فرض عليه، إن استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن، فهو من الذنب والنعمة والمحنة موقر يبتغى الزيادة ولا يشكره، ويتكلف من الناس ما لم يؤمر به ويضيع من نفسه ما هو أكثر، يبالغ اذا سأل، ويقصر اذا عمل، يخشى الموت، ولا يبادر الفوت، يستكثر من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه، ويستكثر من طاعته ما يحقره من غيره، فهو على الناس طاعن، ولنفسه مداهن، اللغو مع الأغنياء احب إليه من الذكر مع الفقراء، يحكم على غيره لنفسه ولا يحكم عليها لغيره، وهو يطاع ويعصى ويستوفى ولا يوفى". ومما حفظ من كلامه رضى الله عنه في ذم الدنيا اولها عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من صح فيها امن، ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها أتته، ومن نظر اليها أعمته، ومن نظر بها بصرته. ومن كلامه رضوان الله عنه "لله امرؤ عمل صالحا، وقد خالصا، واكتسب مذخورا، وبنى عرضا، واحرز عوضا، كابر هواه، وكذب مناه، وجعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة وفاته". ومن كلامه رضوان الله عنه "الدنيا دار ممر الى دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها". ومن كلامه رضى الله عنه "مثل الدنيا كمثل الحية لين مسها وفي جوفها السم الناقع يهوى اليها الصبي الجاهل ويحذرها ذو اللب الحاذر".

اخبرنا محمد قال حدثنا محمد بن حماد (¬1) البغدادي المعروف بابن الخشنى (¬2) قال حدثنا القاسم بن عبيد الله (¬3) الهمداني قال حدثنا الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي قال: قال على رضوان الله عليه "إنى لأستحيى من الله أن يكون ذنب اعظم من عفوى، او جهل أعظم من حلمى، او عورة لا يواريها سترى، او خلة لا يسدها جودى". ومما حفظ من كلامه كرم الله وجهه اذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكر المقدرة عليه. ومن مواعظه رضوان الله عليه "إن الله وقت لكم الآجال، وضرب لكم الأمثال، وألبسكم الرياش، وأرفغ عليكم المعاش، وآثركم بالنعم السوابغ، وتقدم اليكم بالحجج البوالغ، وأوسع لكم بالرفد الروافغ، فشمروا فقد احاط بكم الاحصاء وأرهن لكم الجزاء". ومن كلامه رضى الله عنه في ذم الدنيا "الدنيا غرور حائل، وزخرف زائل، وظل آفل،، وسناد مائل، تردى مستزيدها، وتضر مستفيدها، فكم من واثق بها راكن قد أرهقته بايباقها (¬4) وأعلقته بأرباقها، وأشربته خناقها، وألزمته وثاقها". ومن كلامه رحمة الله عليه "إنكم مخلوقون اقتدارا، مربوبون اقتسارا، ومضمنون اجداثا، وكائنون رفاتا، ومبعوثون أفرادا، ومدينون حسابا، فرحم الله عبدا اقترف فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، وعمر فاعتبر، وحذر ¬

_ (¬1) في تاريخ تاريخ بغداد 2: 259 ودمشق 42: 517 من طريق المرزباني عن ابن دريد، به، قال: حدثنا محمد بن "أحمد". ش (¬2) في نسخة المتحف: بأبى الخشن. اهـ. وفي تاريخ بغداد 2: 259: "المعروف بابن الخشن"، ودمشق 42: 517: "المعروف بابن الحسن". أقول: وهو خطأ والصواب ما جاء في تاريخ دمشق، قال السمعاني في الأنساب في ترجمة "الخشني" 5: 143: "بفتح الخاء وكسر الشين المعجمتين وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى الخشن، وهو محمد بن أحمد البغدادي الخشنيّ المعروف بابن الخشن، من أهل بغداد، حدث عن القاسم بن عبيد الله الهمدانيّ، روى عنه أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي".اهـ. ش (¬3) نسخة آكسفورد: عبد الله. (¬4) نسخة آكسفورد: بايئاقها.

فازدجر، وأجاب فأناب، ورجع فتاب، واقتدى فاحتذى فباحث طلبا ونجا هربا، وأفاد ذخيرة، وأطاب سريرة، وتأهب للمعاد، واستظهر بالزاد ليوم رحيله، ووجه سبيله، وحال حاجته، وموطن فاقته، فقدم امامه لدار مقامه، فمهدوا لأنفسكم في سلامة الأبدان فهل ينتظر اهل غضارة الشباب لا حواني الهرم، وأهل مدة البقاء الا مفاجأة الفناء، واقتراب الفوت ودنو الموت، وازف الانتقال واشفاء الزوال، وحفز الانين، ورشح الجبين، وامتداد العرنين وعلن القلق (¬1) وفيظ الرمق وألم المضض وغصص الجرض (¬2). ومن كلامه رضوان الله عليه "القلوب قاسية عن حظها، لاهية عن رشدها، غير مضمارها كأن المعنى سواها". ومن مواعظه اتقوا الله تقية من شمر تجريدا، وحد تشميرا، وانكمش في مهل، وأشفق في وجل، ونظر في كرة المآل وعاقبة المصير، ومغبة المرجع، كفى بالله منتقما ونصيرا، وكفى بالجنة ثوابا ومآلا، وكفى بالنار عقابا ونكالا، وكفى بكتاب الله حجيجا وخصيما. ومن كلامه رضى الله عنه رحم الله امرءا استشعر الحزن وتجلبب الخوف، وأضمر اليقين، وتجلبب الخوف وعرى عن الشك، وتوهم الزوال فهو منه على بال، فزهر مصباح الهدى في قلبه وقرب به على نفسه البعيد، وهون الشديد فخرج من صفة العمى، ومشاركة الموتى، وصار في مفاتيح الهدى ومغاليق ابواب الردى، ¬

_ (¬1) في هامش نسخة المتحف وفى نسخة: علز القلق، والذى في نسخة السماع بالنون وهو الصحيح؛ لأن العلز هو القلق فيلزم منه اضافة الشىء إلى نفسه. (¬2) راجع المقلق لابن الجوزي (ص100). ش

واستفتح بمفاتح العلم ابوابه وخاض بحاره وقطع غماره، ووضحت له سبله ومناره، واستمسك من العرى بأوثقها من الحبال بأمتنها، كشاف غمرات، فراج مبهمات مصباح ظلمات دافع معضلات (¬1) دليل مشكلات، لا يدع مطلبا للخير الا امه ولا مظنة الا قصدها. ومن كلامه رضى الله عنه "حق المسلم على المسلم سبع خصال: يسلم عليه اذا لقيه، ويجيبه اذا دعاه، ويشيع جنازته اذا مات، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها، والمواساة في ماله - (¬2) ". اخبرنا محمد قال حدثنا العكلى عن ابن عائشة عن حماد عن حميد عن أنس بن مالك قال: اقبل يهودى بعد وفاة النبى صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخل المسجد فقال: اين وصي رسول الله صلى الله عليه ووآله وسلم فأشار القوم إلى ابى بكر، فوقف عليه فقال: اريد أن اسألك عن أشياء لا يعلمها الا نبى او وصى نبى، قال ابو بكر: سل عما بدا لك؟ قال اليهودى: اخبرنى عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله، فقال ابو بكر: هذه مسائل الزنادقة يا يهود، وهم ابو بكر والمسلمون رضي الله عنهم باليهودى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما انصفتم الرجل، فقال ابو بكر: أما سمعت ما تكلم به، فقال ابن عباس: ان كان عندكم جوابه وإلا فاذهبوا به الى على رضى الله عنه يجيبه، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلى بن ابى طالب: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه، قال فقام ابو بكر ومن حضره حتى اتوا على على بن ابى طالب فاستأذنوا عليه فقال ابو بكر: يا ابا الحسن إن هذا اليهودى سألنى مسائل الزنادقة فقال على: ما تقول يا يهودى؟ قال: ¬

_ (¬1) وفى هامش نسخة آكسفورد: موضع معضلات، أما في نسخة المتحف في الموضعين: مضلات. (¬2) سقط من نسخة آكسفورد ما بين العكفين وقد سبق.

من كلام الحسن بن على رضى الله عنه

اسألك عن أشياء لا يعلمها الا نبى او وصى نبى، فقال له: قل فرد اليهودى المسائل، فقال على رضى الله عنه: اما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود! ان عزير ابن الله، والله لا يعلم أن له ولدا، وأما قولك أخبرنى بما ليس عند الله فليس عنده عنده ظلم للعباد، وأما قولك اخبرنى بما ليس لله فليس له شريك، فقال اليهودى: اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وأنك وصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال ابو بكر والمسلمون لعلى عليه السلام: يا مفرج الكرب. من كلام الحسن بن على رضى الله عنه قام الحسن بن على رضوان الله عليه بعد موت امير المؤمنين فقال بعد حمد الله: "إننا والله ما ثنانا عن اهل الشام شك ولا ندم وانما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في مبتدأكم الى صفين، ودينكم أمام دنياكم، فقد أصبحتم اليوم ودنياكم امام دينكم، ألا! انا كنا لكم كما وكنتم لنا، ألا! وقد أصبحتم بعد قتيلين: قتيل بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثاره، وأما الباقي فخاذل وأما الباكي فثائر، ألا! وإن معاوية قد دعانا إلى امر ليس فيه عز ولا نصفة فان اردتم الموت رددناه عليه وان اردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا، فناداه القوم: البقية البقية". من كلام معاوية حدثنا محمد قال اخبرنا ابو حاتم، عن العتبى قال: قال معاوية: يا ايها الناس! ما انا بخيركم، وإن منكم لمن هو خير منى عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر، وغيرهما من الأفاضل، ولكن عسى ان اكون أنفعكم ولاية وأنكاكم في عدوكم وأدركم حلبا. اخبرنا محمد قال اخبرنا أبو حاتم سماعا عن العتبى قال: كتب عمرو بن

العاص الى معاوية يعاتبه في التأنى فكتب اليه معاوية: أما بعد! فان التفهم في الخير زيادة ورشد، وإن المتثبت مصيب، وإن العجل مخطىء، وإن من لم ينفعه الرفق ضره الخرق، وإن من لم تعظه التجارب لم يدرك المعالى، ولن يبلغ الرجل اعلى المبالغ حتى يغلب حلمه جهله، والعاقل سليم من الزلل بالتثبت وترك العجلة، ولا يزال العجل يجتني ثمرة الندم. اخبرنا ابو بكر قال اخبرنا ابو حاتم، عن العتبى قال: وفد زيد على معاوية فأتاه بهدايا وأموال عظام وسفط مملوء جواهرا لم ير مثله فسر معاوية بذلك سرورا شديدا، فلما رأى زياد ذلك صعد المنبر فقال: انا والله يا امير المؤمنين! أقمت لك صعر العراق وجبيت لك مالها، والفطت اليك بحرها، فقام يزيد بن معاوية فقال: إن تفعل ذلك يا زياد! فنحن نقلناك من ولاء ثقيف الى قريش ومن القلم إلى المنابر ومن زياد بن عبيد الى حرب بن امية، فقال معاوية: اجلس فداك أبى وأمى. اخبرنا ابو بكر قال اخبرنا ابو حاتم، عن العتبى قال: رأى معاوية يزيد يضرب غلاما له فقال له: سوءة لك أتضرب من لا يستطيع ان يمتنع عليك، والله! لقد منعتنى القدرة من ذوى الاحن وإن احق من عفا لمن قدر. اخبرنا محمد قال حدثنا العكلى عمن حدثه عن ابى الحسن بن عبد الرحمن الأنصارى قال: قدم على معاوية وفد من قريش فيهم عبد الله بن جعفر وعبد الله بن صفوان بن امية وابن الزبير فوصلهم وفضل عبد الله بن جعفر، فقال عبد الله بن صفوان: يا امير المؤمنين! انما صغرت امورنا عندك، وخفت حقوقنا عليك، اذ لم نقاتلك كما قاتلك غيرنا، ولو كنا فعلنا ذلك كنا كابن جعفر، فقال معاوية: إنى اعطيكم فتكونون بين رجلين، اما معدم فأعطيه لخزن او مضمر لها مع بخل به وان عبد الله بن جعفر اريحى يعطى اكثر مما يأخذ ثم لا يأتينى حتى يدان بأكثر مما أخذ فخرج ابن صفوان وهو يقول: إن معاوية ليحرمنا حتى نيأس ويعطينا حتى نطمع.

اخبرنا محمد قال اخبرنا ابو حاتم عن العتبى قال: دخل عمرو بن العاص على معاوية وورد عليه كتاب بعض ولاته فيه نعى رجل من السلف فاسترجع معاوية فقال له عمرو: يموت الصالحون وأنت حى * تخطأك المنايا لا تموت فقال له معاوية: أترجو أن أموت وأنت حى * ولست بميت حتى تموت اخبرنا محمد قال اخبرنا ابو معاذ عن دماذ عن ابى عبيدة: هجا عقيبة بن هبيرة الأسدي عمرو بن قيس الأسدي فقال: لعمرك إن اللؤم خدن وصاحب * لعمرو بن قيس ما دعا الله راغب تراه عظيما ذا رواء ومنظر * واجبن مل منزوف حين يحارب شجاع على جيرانه وصديقه * واجرأ منه في اللقاء الثعالب فشكا عمرو بن قيس ذلك إلى معاوية فقال له معاوية: قد هجانى بأشد مما هجاك، قال: وما قال؟ قال قال: أرى ابن أبي سفيان يزجى جياده * ليغزوا عليا ضلة وتحامقا وبئس الفتى فى الحرب يوما اذا بدت * برازق خيل يتبعن برازقا (¬1) فهلم تدعو عليه واؤمن او ادعو عليه وتؤمن، فقال: اما غير هذا؟ قال: لا، وإن شئت فاهجه كما هجاك، فخرج من عنده (¬2) وهو يقول: قاتلك الله ما اعلمك بالدنيا. اخبرنى العتبى قال: يا امير المؤمنين! انت رأس عيوننا فإن صفوت لم يضرنا كدر العيون، وإن كدرت لم ينفعنا صفوها، واعلم انه لا يقوم فسطاط الا بعمد. اخبرنا محمد قال اخبرنا ابو معاذ عن دماذ عن ابى عبيدة قال: كتب ¬

_ (¬1) حاشية في نسخة المتحف البريطانى البرازق: واحدها برزق، وهو القطعة من الخيل؛ ويقال ايضا للفارس. (¬2) عند ابن عساكر في تاريخه 40: 540 من طريق ابن دريد: فخرج من عند معاوية. ش

معاوية الى على بن ابى طالب: يا ابا الحسن! ان لى فضائل كثيرة: كان ابى سيدا في الجاهلية وصرت ملكا في الإسلام، وأنا صهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخال المؤمنين، وكاتب الوحى، فقال على كرم الله وجهه: أبالفضائل تفخر على ابن آكلة الأكباد! ثم قال: اكتب يا غلام: محمد النبى اخى وصهرى * وحمزة سيد الشهداء عمى وجعفر الذى يمسى ويضحى * يطير مع الملائكة ابن امى وبنت محمد سكنى وعرسى * مسوط لحمها بدمى ولحمى وسبطا احمد ولداى منها * فأيكم له سهم كسهمى سبقتكم إلى الإسلام طرا * صغيرا ما بلغت اوان حلمى فقال معاوية: أخفوا هذا الكتاب، لا يقرأه اهل الشام فيميلون إلى ابن أبى طالب. اخبرنا محمد قال اخبرنا أبو حاتم عن العتبى قال: اُغمى على معاوية في مرضه الذي مات فيه فقالت ابنته رملة او امرأة من اهله متمثلة: اذا متّ مات الجود وانقطع الندى * من الناس إلا من قليل مصرد وردّت اكف السائلين وأمسكوا * عن الدين والدنيا بخلف مجدد قال: فأفاق معاوية فقال: لو فات شئ اذًا لفات ابو * حسان لا عاجز ولا وكل الحوّل القلّب الأريب ولا * يدفع زور (¬1) المنية الحيل اخبرنا ابو بكر عن العتبى (¬2) قال قال معاوية: لا اضع لسانى حيث يكفينى مالى، ولا اضع سوطى حيث يكفينى لسانى، ولا اضع سيفى حيث يكفينى سوطى، فاذا لم اجد من السيف بدا ركبته. اخبرنا محمد قال اخبرنا ابو حاتم عن العتبى قال قال معاوية: افضل ما اُعطى الرجل العقل والحلم، اذا ذكر ذكر، واذا اعطى شكر، وإذا ابتلى صبر، وإذا غضب كظم، وإذا قدر غفر، وإذا أساء استغفر، ¬

_ (¬1) يعني: وأخبرني أبو حاتم عن العتبي. انظر: تاريخ دمشق 59: 172 - 173. ش (¬2) في تاريخ دمشق 69: 156 - 157 من طريق ابن دريد: "دون". ش

وإذا وعد أنجز. وعن العتبى قال: أغلظ رجل لمعاوية فحلم عنه، فقيل له: أتحلم عن هذا؟ فقال: إنى لا احول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وملكنا. وعنه قال: مر معاوية بن ابى سفيان بدير هند بنت النعمان فوقف فأرسل اليها انزلى حتى نسألك عن اشياء فأرسلت اليه إن كانت الحاجة لك فأنت اولى بالنزول، قال: صدقت، فنزل اليها فقال: أخبرينى عن حالك، فقالت: أختصر فأقصر، قال: أجل، قالت: أصبحنا صباح يوم وما لنا تابع ولا جار إلا وهو يرجونا، وأمسينا وما لنا عدو إلا وهو يرثى لنا، قال: حسبك قد أوجزت هل لك أن أتزوج بك؟ قالت: لا، فلما نزل قال لها المغيرة بن شعبة: هل لك أن أتزوج بك؟ قالت: أما كان في امير المؤمنين رغبة لو أردت ذاك يا أعور. قال وقال العتبى: انحدر عبد الله وعمرو ابنا عتبة الى البصرة فلقيا معاوية بالكوفة قالا فقال لنا: يا ابنى اخى اتقيا الله فانه يكفى عن غيره، واشتريا بالمعروف عرضكما من الأذى، وذللا ألسنتكما بالوعد، وصدقاها منكما بالفعل، واعلما أن أغنى الناس من كثرت حسناته وأفقرهم من كثرت سيئاته، وأنه لا وجع اشد من الذنوب وأن الدهر ليس بغافل عما (¬1) غفل. اخبرنا محمد قال اخبرنا ابو حاتم عن ابى عبيدة قال قال معاوية: لقد وضعت رجلى في الركاب وهممت يوم صفين بالهزيمة فما منعنى عن ذلك إلا قول ابن الاطنابة حيث يقول: أبت لى عفتى وأبى بلائى * وأخذى الحمد بالثمن الربيح وإكراهى علي المكروه نفسى * وضربى هامة البطل المشيح وقولي كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدى او تستريحى اخبرنا محمد قال اخبرنا [ابو] (¬2) معاذ عن دماذ قال اخبرنى ابو عبيدة قال: ¬

_ (¬1) في تاريخ دمشق 59: 200: " عن من". ش (¬2) ما بين معكوفين من تاريخ دمشق 59: 184. ش

إن كان الرجل ليقول لمعاوية: والله! لتستقيمن يا معاوية او لنقومنك، فيقول: بماذا؟ فيقول: بالخشب، فيقول إذا نستقيم. اخبرنا محمد قال حدثنى الحسن بن الخضر عن السديرى قال قال عتبة بن ابى سفيان: العجب من على بن ابى طالب ومن طلبه الخلافة، وما هو وهى، فقال له معاوية: اسكت يا وزرة (¬1) فوالله لهو منها كخاطب الحرة حيث يقول: لئن كان ادلى خاطب فتعذرت * عليه وكانت رائدا فتخطت فما تركته رغبة عن حباله * ولكنه كانت لآخر خطت وعنه قال قال معاوية لبنيه: يا بنى! انكم تجارة قوم لا تجارة لهم غيركم، فلا يكون تجار اربح من تجاركم، فان ادنى ما يرجع به الخائب عنكم تخطئة ظنه بكم. اخبرنا محمد قال قال اخبرنا عبد الأول بن مزيد (¬2) قال اخبرنى عبد الله بن المبارك قال: تكلمت الخطباء يوما عند معاوية في بيعة ابنه يزيد، فلما تفرق الناس قال يزيد لأبيه: يا ابت! أيخدعنا الناس أم نخدعهم، فقال معاوية: ان من تخادع لك ليخدعك فقد خدعته فاقبلها ما كانت لك، فلعمرى لتفسدن عليك يوما ما. وعنه قال قال مروان بن الحكم لحبيش (¬3) بن دلجة القينى: اني لأظنك احمق، قال أظنا أم يقينا، قال: بل ظنا، قال حبيش: إن احمق ما يكون الشيخ إذا استعمل ظنه. ¬

_ (¬1) بهامش نسخة المتحف: هكذا في الأصل وقد اصلحه شيخنا ابو اليمن: يا وزغة والصواب: يا اوره، والأوره: الأحمق، يقال: رجل اوره وامرأة ورهاء - قال الفند الزمانى (كجيب الدفنس الورها * ريعت وهى تستفلى) وعن الأصمعى: الأوره الذى لا يتماسك، ومنه قيل: كثيب اوره، والوزغة: دويبة مستقذرة؛ وقد جاء في نسخة آكسفورد: يا وزغة. اهـ. في تاريخ دمشق 38: 266: "وره". قال ابن دريد في الجمهرة جمهرته 2: 808: "الوره: ضعف العقل". ش (¬2) تقدّم أنه (مُرَيْد). ش (¬3) (حبيش) بضم الحاء المهملة، وفتح الباء المعجمة بواحدة، وسكون الياء المعجمة باثنتين، وآخره شين. تاريخ دمشق 12: 87. ش

حدثنا محمد قال اخبرنا الحسن (¬1) عن احمد بن الحارث الخزاز (¬2) عن ابى الحسن المدائنى قال: دخل عبد الملك بن مروان على معاوية وعنده عمرو بن العاص فسلم وجلس فلم يلبث ان نهض فقال معاوية: ما اكمل مروءة هذا الفتى، فقال عمرو: انه أخذ بأخلاق اربعة وترك أخلاقا ثلاثة أخذ بأحسن البشر إذا لقى، وبأحسن الحديث إذا حدث، وبأحسن الاستماع إذا حدث، وبأيسر المؤونة إذا خولف، وترك مزاح من لا يثق بعقله، وترك الكلام (¬3) وترك مخالفة لئام الناس. اخبرنا محمد قال حدثنا الحسن عن احمد بن الحارث الخزاز عن ابى الحسن المدائنى عن محمد بن صالح عن موسى بن عقبة قال: حج عبد الملك بن مروان فلقيه رجل من ولد عمر بن الخطاب وقد نالته ولادة [من] (¬4) ابى بكر فسأله فحرمه، وقال متمثلا - والبيت لزهير بن ابى سلمى: ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه * يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم فقال له الرجل: اذا ذدت ابن الصديق وابن الفاروق فمن يرده؟ قال: يرده عبد مناف. اخبرنا محمد قال اخبرنا الحسن قال اخبرنا ابن عائشة قال: اتى الوليد بن عبد الملك برجل من الخوارج فقال له: ما تقول في ابى بكر؟ قال: خيرا، قال: فعمر؟ قال: خيرا، قال: فعثمان؟ قال: خيرا، قال: فما تقول فى امير المؤمنين عبد الملك؟ قال: الآن جاءت المسألة ما اقول في رجل الحجاج خطيئة من خطاياه. اخبرنا محمد قال حدثنا الحسن قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهرى قال حدثنى ابو عبد الرحمن المذحجى قال حدثنى معاوية الصدفى (¬5) قال قلت لسعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: ان ابن شهاب الزهرى حدث ¬

_ (¬1) يعني: ابن الخضر. تاريخ دمشق 37: 122. ش (¬2) في تاريخ دمشق 37/ 122: " الخراز". وفي الأنساب للسمعاني 5: 67 في ترجمة "الخَرّاز": "بفتح الخاء المنقوطة والراء المهملة المشددة وفي آخرها زاي معجمة" ذكر أحمد بن الحارث الخرّاز، وقال: "يروي عن أبي الحسن المدائني تصانيف". ش (¬3) فيما يعتذر منه. تاريخ دمشق 37: 123. ش (¬4) ما بين معكوفين من أنساب الأشراف 7: 246، التذكرة الحمدونية 7: 173. ش (¬5) هو معاوية بن يحيى الصدفي له ترجمة في التهذيب (1/ 219) قال فيه ابن معين: "هالك ليس بشيء" وفي السند إليه من لا يعرف - ح.

باب من كلام الحكماء

الوليد بن عبد الملك عن قبيصة بن ذؤيب عن المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا ينبغى للخليفة ان يناشد، فذكرت ذلك لسعد فقال: على ابن شهاب لعنة الله، وعلى قبيصة لعنة الله، وعلى الوليد لعنة الله، اما سمع قول الخزاعى: يا رب انى ناشد محمدا أفيناشد رسول الله ولا يناشد الوليد؟ اخبرنا محمد قال اخبرنا ابو حاتم عن العتبى قال عزى عبد الرحمن بن ابى بكر سليمان بن عبد الملك فقال: انه من طال عمره فقد الأحبة، ومن قصر عمره كانت مصيبته في نفسه. باب من كلام الحكماء قال بعضهم: من لا يعرف شر ما يولى لم يعرف خير ما يبلى، قال بعضهم: من الظفر تعجيل اليأس من الحاجة اذا اخطأك قضاؤها فان الطلب وان قل أعظم من الحاجة وإن كثرت، فالمطل من غير عسر آفة الجود. قال رجل لرجل: بلغنى عنك امر قبيح فلا تفعل فان صحبة صحبة الأشرار ربما اورثت (¬1) سوء الظن بالأخيار. قال الأحنف: الملول ليس له وفاء، والكذاب ليس له حياء، والحسود ليست له راحة، والبخيل ليست له مروءة، ولا يسود سيء الخلق. وقال بزرجمهر: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة، وقال: وعد رجل رجلا حاجة فأبطأت عليه عدته فقال له: صرت بعدى كذابا، فقال: نصرة الصدق أفضت بى الى الكذب، الحريص الجاهد ¬

_ (¬1) في المتحف: ورئت.

والقانع الزاهد كلاهما مستوف رزقه غير منتقص منه شيئا، فعلام التهافت في النار، ان الكريم للكريم محل، اذا عثر الكريم لم ينعش الا بكريم، الموت في قوة وعز خير من الحياة في ذل وعجز، من أسرع الى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون، إغباب الزيارة أمان من الملالة، المال يسود غير السيد ويقوى غير الأيد، أصلح المال لجفوة السلطان ونبوة الزمان، عز الشريف أدبه، الظلم أدعى شيء الى تغير النعمة وتعجيل النقمة، من انتجعك مؤملا لك فقد أسلفك حسن الظن بك، كن من احتيال عدوك عليك اشد خوفا من مصادمته لك، الحسود سريع الوثبة بطىء العطفة، لا زوال للنعمة مع الشكر ولا بقاء لها مع الكفر، شفيع المذنب اقراره وتوبته اعتذاره، من لم يفد بالعلم مالا اكتسب به جمالا، ما حار من استخار ولا ندم من استشار، من بذل بعض عنايته لك فابذل جميع شكرك له، داو المودة بكثرة التعهد. قال امير المؤمنين على بن ابى طالب كرم الله وجهه: عمرت الدنيا بحب الأوطان، الاعتبار يفيد الرشاد، الجود حارس الأعراض، الحلم فدام السفيه، العفو زكاة العقل، الوفاء أنك ممن نكث، والسلوة عوضك ممن غدر، الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استبد برأيه، التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم، الصبر يناضل الحدثان، والجزع من اعوان الزمان، من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطاء، أشرف الغنى ترك المنى، كم من عقل اسير عند هوى امير، من التوفيق حفظ التجربة، الصبر جُنة من الفاقة، المودة قرابة مستفادة، لا تأمن ملول وإن تحلى بالصلة، ليس في البرق اللامع مستمتع لمن يخوض الظلمة، وصول معدم خير من جاف مكثر، قطيعة الحكيم لك خير من نفاذ الحيلة فيك، اعُض على سماع الأذى وإلا لم ترض ابدا، عجب المرء بنفسه احد فسادى عقله، من

اطلق طرفه كثر اسفه، من حصر (¬1) شهوته صان قدره، من لان عوده كثرت اغصانه، الخلاف يهدم الرأي وربما ادرك الصواب الظن، من نال استطال، في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال، حسد الصديق من سقم المودة، جواهر الأخلاق تتصفحها المعاشرة، مصاحبة الأيام تهتك لك السريرة الكامنة، اكثر مصارع الرجال تحت بروق المطامع، ليس من العدل القضاء بالظن على الثقة، حسبك من البغى حسن المكاشرة، شافع المذنب خضوعه بالمعذرة، لا بذل اعظم قدرا من المساعدة، الحزم الوقوف عند الشبهة، انت اخو العز ما التحفت بالقناعة، المخذول من كانت له الى الناس حاجة، بحسب السرور يكون التنغيص، محن القدر تسبق الحذر، القلب رهين وفكاكه حسم الطمع، في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق، من له يدان بغوائل الزمان، كم عاكف على ذنبه في آخر ايام عمره، بئس الزاد الى المعاد العدوان على العباد، ويل للباغين من احكم الحاكمين، من أشرف أفعال الكرم غفلتك عما تعلم، تجرع المضض يطفىء نار الغضب، أبين الغبن كدك فيما نفعه لغيرك، من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه، من سامح نفسه فيما تحب منه أتعب جوارحه وفقد حظه من الراحة، باجالة الفكر يستدرك الرأى المصيب، بحسن الرأى تسهل المطالب، بلين كنف المعاشرة تدوم لك المودة، بخفض الجانب تأنس النفوس، بكثرة الصمت تكون الهيبة، بعدل المنطق تجب الجلالة، بالنصفة يكثر الواصلون وبالأفضال تعظم الأخطار، بالتواضع تتم النعمة، بصالح الأخلاق تزكو الأعمال، باحتمال المؤن يجب السودد، بالسيرة العادلة تقهر المناوى، بالحلم عن السفيه يكثر انصارك عليه، بحسن اللقاء يألفك الثناء الجميل، بايثارك على نفسك تستحق اسم الكرم، من عاشر الناس بالمسامحة دام استمتاعه به. لأهل الاعتبار تضرب الأمثال، العجب لغفلة الجساد (¬2) عن سلامة الأجساد، المطامع في وثاق الذل. ¬

_ (¬1) في نسخة المتحف البريطانى: حصن، وفى الهامش: حصر. (¬2) كذا في المطبوع بإعجام الجيم، ولعل الصواب إهمالها. ش

باب

باب لا تسأل غير نفسك عن امرك، ولا تسمع منها الا ما يزكيه علمك وتحققه عندك بالفعل فانك بك أعلم، فان رضيت خفيات امورك المستورة فلا تدخلنك الشبهة في صحة ذلك عند الجميع وتبجيلهم لك عليه. قال رجل لخالد بن عبد الله القسري: انك لتبذل ما جلّ، وتجبر ما اعتل، وتكثر ما قل، وليكن بذلك اكثر من اطماعك يعظم قدر ما تفيد، فان الرجاء اذا اتسع استغرق ما كان دون تقديره. اصحب الملوك بالهيبة وان طال أنسك بهم، تتم موداتهم لك فانما احتجبوا عن العوام لتبقى هيبتهم عندهم فلا تدع تفقد ذلك من نفسك لمن اتصلت به منهم، ولا تيأس من الزمان وان مطل أملك وان جميع من تغبطه بما اوتى فبعد تعذر عليه أتاه، مع كل منظر حسن رقيب ينغص (¬1) بهجته ويؤذن بزواله مع عوارض الآفات فيه وما يشوبه من التنغيص خفى محجوب وشجا للقلوب مستور، من ضاف خلقه فهو بمعزل عن الخفض وان اتحفه الدهر بما سأل وأعطاه ما تمنى، وكمال الفضل في الدعة حسن الخلق، وقيمة الخلق الصالح اكثر من قدر الدنيا وما منه عوض ولوصحب المرء الدنيا سليما من الآفات آمنا من البوائق. قال آخر: الذى لم يأت كالذى فات، وكل زائل في الدنيا كحلم نائم. آخر: لا تأنسن بما استوحش منه أهله بعد أنسهم به، ولا تأسف على قد فاتك منه فانى رأيت الملوك يتنازعون الدنيا بتعب ابدانهم وما امتد لهم العمر وكلما حظروا منها على منزلة راموا التى تليها حتى يفنيهم الموت فلم أرهم مع ما خولوا مستريحين هذا مع الذى يصحبهم من وزر المظالم وطول الوقوف للقصاص. ¬

_ (¬1) نسخة المتحف: ينتقص.

باب

وقال آخر: نكاية الأحزان في القلوب ابلغ في الأجسام من اثر السرور، ونقصان الأجساد بالحزن اكثر من زيادتها بالفرح. وقال آخر: إياك وعزة الغضب فانها تفضى بك الى ذلة الاعتذار وأنشد: وإذا ما اعترتك في الغضب العز ... * ... ة فاذكر تذلل الاعتذار آخر: بلوغ الغاية في الضر (¬1) أسهل لسبيل العذر وأقطع لحجة المتجنى وأبرأ بصدر المتظنى. آخر: اذا زل سرك عن عذبة لسانك فالاذاعة مستولية عليه وإن أوعيته سمع ناصح وأودعته قلب محب، واحتمال مؤونة الكتمان على قلبك اسهل عليك من التململ بتمليكك سرك غيرك. وقال آخر: تجنب المسألة ما كان التحمل ممكنا فان لكل يوم رزقا جديدا وخيرا متوقعا، والوقوف على درج الحرص بالالحاح في المطالب مسلبة للبهاء وحصار قوى المروءة بين الصبر والاحتساب. باب ليس تكاد الدنيا تسقي (¬2) صفوا الا اعترض في صفائها اذى باطن، وبذل الموجود اقصى غاية الجود، احتمل ممن زل عليك واقبل ممن اعتذر اليك، وكاف من احسن اليك، فان اعجزك الوفر لا يعجزك الشكر. وقال بعضهم: اقل ما يجب للمنعم بحق نعمته ان لا يتوصل بها الى معصيته. وقال آخر: ما ينتظر المرء الا احد امرين لا خير له في واحد منهما: إما الزوال عن التعظيم والاجلال، وإما الموت ومجاوزة الأجداث في ضنك القرار. ¬

_ (¬1) في نسخة المتحف البريطانى: الصبر. (¬2) في نسخة آكسفورد: تصفى.

قال بعض الحكماء: الانسان بين حركة وسكون، فحركته تعجب اذا هجم عليه ما ينكره، وسكونه أنس اذا فهم وعرف، صلاح طبائع ابن آدم على الأضداد فلا تعتدل الا باختلافها عليه، ولو قامت به حال واحدة فسد مزاجه وانهدم بناؤه، وكذلك تدبير الله في خلقه وأرضه. قال بعض الحكماء: بقدر السمو في الرفعة تكون وجبة الواقعة، ولكل ناجم أفول، ولن يعدم (¬1) ذو القصد كثيرا اذا اعدمته (¬2) الأيام ما كانت عودته من المؤاتاة. وقال آخر: سرورك بقليل التحف مع فراغك له احسن موقعا عندك من أضعافه مع اشتغالك عنه، وكثرة الاشتغال (¬3) مذهلة عن وجوه اللذات بكنهها، وليس بحكيم من ترك التمييز. وقال آخر: من جهة التوانى وترك الرواية يكون وهن العزم وخمول الهمة، وفي إجابة الفطن وحركة الفكرة ونباهة الرأي درك البغية، ولن يؤتى اللبيب الا من الأثرة وهي خلة يتصل بها الهوى والمحبة، وعندهما تسقط المناظرة فتستعبد الجوارح في الفساد وتنهك القدر في الشهوات، وهذا الحور بعد الكور - والكون جميعا. آخر: من طرق ما لا طاقة له به كان استر لمكتوم امره وابقى للآمال فيه. ولآخر: اسعد الناس من تصفح آراء الرجال واستكثر من ذوى الألباب، فان لكل عقل ذخيرة من الصواب ومسكنا من التدبير. ولآخر: صن شكرك عمن لا يستحقه واطلب المعروف ممن يجمل بك طلبك منه واستر ماء وجهك بالقناعة وتسلّ عن الدنيا لتجافيها عن الكرام. ¬

_ (¬1) نسخة المتحف: يفقد. (¬2) نسخة المتحف: اعتدمته. (¬3) نسخة المتحف: الأشغال.

وقال بعضهم: ذو القدرة على نفسه والأصيل في رأيه يزداد اتساعا في الجميل وانبساطا فى المعروف وتكرما في اخلاقه اذا توافت آماله اليه، لا سيما اذا نال سلطانا فان السلطان يبدى مكنون الجوهر، وعنده يسقط الشك والدعوى الكاذبة وتصير سريرة أخلاق صاحبة علانية. ولآخر: الانسان ملول لما ظفر ومستطرف لما منع منه، وكل ما استحدثت النفس هوى اخلقت فيه البدن وبعثت له العناية (¬1) وتولع به الاشفاق عليه، وذلك امتهان المروءة وليس كل من حنت عليه النفس يستحق هبة المودة ولا يؤتمن على المؤانسة فالبسوا للناس الحشمة في الباطن وعاشروهم بالبشر في الظاهر يختبرهم المحن (¬2)، وتلقوا الرغائب منهم فيكم بالقبول، واكتموهم الانقباض فانه من جرى مع هواه طلقا جعل للأئمة والعدل عليه طرقا، ومن سعى بدليل من التدبير لم يقعد به الدرك (¬3) الا سابق قضاء لا يملك. وقال آخر: ارع حق من عظمك لغير فاقة اليك بإعطائه اياك ما تحب، واستعن على شكره باخوانك، فإن ذلك من حق الحرمة (¬4) عليك. من كانت له خصلة حسنة فليواظب عليها، وليتمسك بها، فان لها دولة تعيد اليها ما ادبر عنها. آخر: من كانت فيه خلة حسنة لم يبعد من الرجاء فيه وان كثرت سيئاته، وانما اليأس ممن لا يعود الخير نفسه. وقال آخر: من ترك ما لا يضره تركه وينفعه ذكره عظم عند الناس قدره. آخر: امنع الناس من عرضك بما لا ينكرون من فعلك، واطلب التعظيم في قلوبهم بصيانة نفسك، واستبق مروءتك بالغنى عنهم وتألف ودهم بالبشر لهم، واحتجب من بغيهم بترك الاستطالة، واستتر من الشامتين ¬

_ (¬1) نسخة آكسفورد: الغاية. (¬2) في التذكرة الحمدونية 4: 363: "حتى تختبرهم المحن". ش (¬3) كذا ولعله: عن الدرك. (¬4) نسخة المتحف: الحرية. اهـ. وهو كذلك في التذكرة الحمدونية 4: 85. ش

بحسن العزاء عند النوائب، ومن احب ان يكتم فقره فلا يقبل معروف من يلتمس مكافأته، وأنا زعيم لمن ترك فضول القول باجلال والى النهى له. وقال آخر: لا تشعر قلبك الهم بما فات فيشتغل ذهنك عن الاستعداد لما تأتى به الأيام، وكن بحسن الظن بما عند الله اوثق منك بما في يدك فانك تضن بما في يدك وذلك على الله يسير، وفى كل حركة وساعة امر حادث وقدر جار بتبديل الأحوال وانتقال الدول. وقال آخر: تجنبوا المنى فانها تذهب بهجة ما خولتم وتستصغرون مواهب الله عندكم، وتعقبكم الحسرات على ما وهمتموه منها انفسكم وهى مكيدة من مكايد ابليس للعبد، وختل له عن الشكر واستدراج الى استصغار عظيم المواهب. وقال: من اظهر لك بشرا وهو يكنّ بغيا فقد تلقاك بما تحب، وأخفى ما تكره فان كان يقدر على دفعه فان ما احتجن من الأذى، وأظهر لك ما تهوى وآثرك بحسن المكاشرة على حظه من السلامة، وحسب امرئ من عدوه ان عرف ذلك منه، وان من عرفك عداوته فقد بصرك مواقع نبله ومن فهم عنه لم تنله سهامه. آخر: يجب على ذى السعة في رأيه والفضل في خصاله ان يتطول (¬1) على حساده بنظره، ويتحرى لهم المنافع فانه بلاء غرسه الله له فيهم ثم لم يسلطهم عليه فهم يعذبون بحركات الحسد في وقت مسرته بما اكرم به. وقال آخر: الحقد غصة لا يسيغها الا الظفر، والحسد شجى قادح لا يدفعه عن صاحبه الا بلوغ أمله فيمن قصده بحسده وأنى له بذلك، وقد قيل: من كنت سببا لبلائه فالواجب عليك التلطف له في علاجه من دائه. ¬

_ (¬1) في نسخة المتحف: أن يطول.

آخر: من انتشر له الصوت بفضل ادب ونظرت اليه العيون بالاجلال فليكن بما علم عند من يعاشره (¬1) كمن لا ينسب الى علم في الانبساط اليهم وترك الاستطالة عليهم فانه قيل: فضيلة العالم بتواضعه تزيد رفعة في قدر علمه. آخر: من ملك نفسه ودبر خصاله وقمع شهواته وقهر نوازعه وأعمل رأيه فيما يصلحه فلم يطع رغبته الا فيما فيه حظه، أملناه لصلاح ما بعد منه، واستحق ان يؤمن على تدبير الرعية ويلقى اليه مقاليد السر فانه قيل: من قوى على مجاهدة نفسه وقمع شرته ذلت له صعاب الأمور ودانت لطاعته القلوب. آخر: لا راحة لحريص، ولا غنى لذى طمع، والمرء عند من رجا وبئس الشعار الحسد، والافتقار يمحق الأقدار، والبطر يسلب النعمة، والإنصاف يؤلف القلوب، وأخوك من آساك، والغدر من صغر القدر والوفاء من كرم السجية، والاستطالة لسان الجهالة، وكثرة الكلام يكسب الملال وان كان حكما، والصبر جُنة الأشراف، واظهار الفاقة من خمول الهمة، والناس اشباه في الخلق، وانما يتفاضلون في الرخاء والشدة. آخر: لا تعدن معروفا اصبته معروفا ولا حظا نلته نفيسا كان بعد ابتذال قدرك واخلاق وجهك، فان الذى فقدت من عز الصيانة اكثر من قدر الفائدة، وقيمة ما بذلت من قدرك اعظم مما احرزت من قضاء وطر نفسك. وقال: إن شكر الكريم يقابل كل فعل جسيم، وما قدر عرض تفيده راغبا اليك عند ما جعل لك من الطول عليه والخضوع لديه، ومن قبل صلتك فقد باعك مروءته وأذل لقدرك عزه وجلالته. ¬

_ (¬1) في نسخة آكسفورد: عند معاشره.

وقال آخر: ان نظر الراغب اليك فيما يلتمسه لديك نظر تعبد بالمسألة وايجاب لحكمك عليه بقضاء الحاجة فان منحته ما سأل ملكته به وإن رددته عنك خرج من حكمك عليه. وقال آخر: ما عز اثبت اركانا ولا ابذخ بنيانا من بث المكارم واكتساب الشكر، وذلك ان عز التعظيم بالفعل الجميل باق في قلوب الرجال ومخلد في ايام الازمان، ومن تحصن بالجود واتجر بالمعروف ظفر بمن ناواه (¬1) وربح ثواب الله، من عمر مودة لئيم حصد من استنباطها ندما، وتعجل ذلة الاحتكام عليه، وللّئيم تماد في العدوان عند الاغضاء عنه ومعاودة للمكروه حتى يردع بما يشبهه. وقال آخر: استعطاف المتجنى مؤونة على الانصاف وظلم للعهد، وانما يحسن (¬2) التفضل بين الأوداء على التباذل بصحة النيات وسلامة الغيب في المعاملة، ومن اكتسب ما يجب منك بغير عدل عليك عرض نفسه لاتهام ما يضمر واستكراه ما استزاد من البر. آخر: الصفح بين الاخوان مكرمة ومكافأتهم على الذنوب بالإساءة دناءة، احترس بكرمك من طاعة همك وبصبرك من دواعى شهواتك، فان كل قلب منهمك في دواعى ما يوافقه، وانما تفاضل الناس في الخصال على قدر الدواعى وكتمان الحركات، واختيار التوقي على راحة الإباحة، سكون الغوائل في الشيم لفراغها من الخيرات وخروج التوفيق عنها وتمكن الشيطان للجولان فيها وهى اسباب الشقوة وعواقب الخذلان، الكريم يلين اذا استعطف واللئيم يقسو اذا لوظف (¬3). وقال آخر: الحياء لباس سابغ وحجاب واقع وستر من المساوى واق وحليف للدين وموجب للصنيع ورقيب للعصمة وعين كالئة تذود ¬

_ (¬1) في نسخة آكسفورد: ناداه. (¬2) نسخة آكسفورد: يحصل. (¬3) بهامش نسخة المتحف: الطف.

باب آخر

عن الفساد وتنهى عن الفحشاء والأدناس، خير المودة تعاطف القلوب وائتلاف الارواح وحنين النفوس الى مياثة السرائر والاسترواح للمسكنات في الغرائز ووحشة الأشخاص عند تباين اللقاء، وظهور السرور بكثرة التزاور، على حسب مشاكلة الجواهر يكون الاتفاق في الخصال، العتاب حدائق المتحابين وثمار الأوداء ودليل الصبر والصفاء وحركات الشوق ومستراح الوجد ولسان الاشفاق. وقال: التجنى رسول القطيعة وداعى القلى وسبب السلوان وأول التجافى ومنزل التهاجر. وقال آخر: اجعل الحلم عدة للسفيه وجنة من ابتهاج الحاسد فانك لم تقابل سفيها بالاعراض عنه والاستخفاف بعقله الا اذللته في نفسه وسلطت عليه الانتصار من غيرك وإذا كافأته بمثل ما لك (¬1) وزنت قدره بقدرك ولم تنصر عليه، العجلة مكسبة للمذلة وزمام الى الفدامة وسلب للمروءة ومرارة لأهل الحجى ودليل على ضعف العقدة ومنفرة لأهل الثقة، والجود خلة آثرت عذوبة الثناء على لذة المال فهو من امهات المحاسن، ومن الكرم بسبيل خاصة وبمكان رفيع من القلوب، ليس من جهل الناس بقدر الفضل قصروا عنه ولكن من استثقال فرائضه حادوا عن التمسك به وهم على تبجيل اهله مجتمعون. باب آخر اقبح عمل المقتدرين سرعة الانتقام، من ضاق قلبه اتسع لسانه، ما حار من استخار ولا ندم من استشار (¬2)، اذا قدم الاخاء سمج الثناء. قال: واعتذر بعض البلغاء إلى بعض الأمراء فقال: ان دالتى عليك وإن كانت احاطت بحرمتى فان فضلك يحيط بهما وكرمك يوفى عليهما ¬

_ (¬1) بهامش نسخة المتحف "ما آتى" مع علامة صح. (¬2) وقد تقدم قريبا.

باب

وقد وثقت اذ رددتنى الى مكانى من قلبك انى قد وضعت نفسى بحيث احب من رجائى واملى عندك ونزلت بمنزلة آمن فيها من نوائب الدهر على فان رأيت ان تحلنى من جميل رأيك بحيث احللت نفسى من أملك ورجائك. باب كتب ابو بكر الصديق رضى الله عنه الى عكرمة بن ابى جهل وهو عامله بعمان: اياك ان توعد في معصية بأكثر من عقوبتها فانك ان فعلت أثمت وان تركت كذبت. وكتب عمر بن الخطاب الى ابى عبيدة بن الجراح: اما بعد فانه لا يقوم بأمر الله تعالى فى الناس الا حصيف العقدة، بعيد الغرة ولا يحنق على جرة ولا يطلع الناس منه على عورة ولا تأخذه في الله لومة لائم. ذكر رجل من الخوراج اخا له، فقال: رحمه الله فانه كان لا يلتمس محمدة الناس ولا يكتسب ذمهم. قال ابو مسلم: الأم (¬1) الأعراض عرض لا يرتع فيه حمد ولا ذم. قال: قال دهقان لرجل اولاه معروفا: جعل الله لك دينا مغبوطا ومالا محسودا. قال: وحضر اعرابى وليمة فرأى نعمة، فقال: النعم ثلاث: نعمة في حال كونها، ونعمة ترجى مستقبلة، ونعمة تأتى غير محتسبة، فأدام الله لك ما انت فيه، وحقق ظنك فيما ترجوه، وتفضل عليك بما لم تحتسبه. قال: وقيل لبعض الحكماء: من أسوأ الناس عيشا؟ قال: من بعدت همته واتسعت أمنيته وضاقت مقدرته. قال المنصور للمهدى: استدم النعمة بالشكر والطاعة بالتألف والمقدرة بالعفو، والنصر بالتواضع والرحمة للناس. ¬

_ (¬1) وفي محاضرات الأدباء 1: 463: "أدنأ". ش

قال: وكان يحيى بن خالد يقول: الدالة تفسد الحرمة القديمة، والتضر المحبة المتأكدة. وقال المغيرة بن شعبة: النعمة التى يعاش فيها نعمة محروسة ليس عليها ثائر (¬1) يغتالها ولا ذو حسد يحتال في غيرها. قال العتابى: حظ الطالبين من الدرك على حسب ما استصحبوا من الصبر، وكان يقال: اذا اخذت عفو القلوب زكا ريعك، وإن استقصيت أكديت. اخبرنا محمد قال اخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن مصعب بن عبد الله الزبيرى عن عبد الرحمن بن زيد بن اسلم عن ابيه عن جده قال قال عمر رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا. قال: وذم اعرابى رجلا فقال: كان صغير القدر، قصير الشبر، قليل البشر، ضيق الصدر، لئيم النجر، عظيم الكبر، كثير الفخر. قال: وقال بعض الحكماءك: العى الصامت أن تعجز عن بلوغ حاجتك، والعى الناطق أن تتكلم بأكثر من مبلغ حاجتك. وكتب بعض الناس الى بعض الملوك: حملت حاجتى فلانا لأن شكري (¬2) ضعف عن جميل رأيك بل احببت ان يكونوا أعوانا على شكرك وشهودا لى على فضلك. قال: وقال ابراهيم بن اسماعيل بن داود: حضر الفضل بن الربيع وليمة وكنت معه وحضرها وجوه الناس، فأخذوا من الحديث في أغثه ومن الكلام في أسخفه، فقال الفضل: إنى أرى النعم مسخوطا عليها فمن ثم صارت عند غير اهلها، قال ابراهيم فقلت: إنى أرى الملك والسلطان حازهما * قوم بأمثالهم لا تحسن النّعم فأصبح الناس بالمعروف قد فجعوا * وأصبح اللؤم مغمورا به الكرم ¬

_ (¬1) نسخة آكسفورد: تأثير. (¬2) نسخة آكسفورد: سكوتى.

باب

قال الحسن: الخير الذى لا شر فيه الشكر مع النعمة والصبر عند النازلة. باب قام عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لو لم نزع الناس عن الباطل لم نقم بالحق. سئل العباس بن الحسن العلوى عن جليس له فقال: لجليسه لطيب عشرته أطيب طربا من الإبل الى الحداء، ومن الثمل الى الغِناء. ذكر لرجل من البلغاء جليس له فقال: لهو احلى من رخص السعر، وأمن السبل، وإدراك الأمانى، وبلوغ الآمال. وذم العباس (¬1) رجلا: ما الحمام على الإصرار والدين على الاقتار وشدة السّقم فى الاسفار بآلم من لقاء فلان. وذكر عنده رجل قد فارقه فقال: دعنى أتذوق طعم فراقه فهو والله! الذى لا تشجى له النّفس، ولا تدمع عليه العين، ولا يكثر فى أثره الالتفات، ولا يدعى له عند فراقه بالسلامة. ووصف بعض البلغاء رجلا فقال: ما رأيت اضرب لمثل ولا أركب لجمل ولا أصعد في قال منه. ومر بعض العباد بباب ملك فقال: باب حديد وموت عتيد ونزع شديد وسفر بعيد. قال: وقال أعرابى لرجل: رأيت (¬2) فلانا فانه ما نظر في قفا محروم قط. قال: وقيل لعبد الله بن عمر: إن المختار يزعم أنه يوحى اليه، فقال: إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم، ناول عمرو رجلا شيئا، فقال له: بل اغنانى الله عنهم. قال: رأى عثمان بن عفان عامر بن عبد الله ملتفا في كسائه ببابه، ¬

_ (¬1) هو العباس بن الحسن العلوى، المتقدّم ذِكره. ش (¬2) في البصائر والذخائر 6: 19: "إيت"، وفي ربيع الأبرار 3: 171: "عليك". ش

باب

وكان دميما فأنكره فقال: يا اعرابى! اين ربك؟ قال: بالمرصاد فأفحمه. هنأ رجل رجلا في يوم فطر فقال: قبل الله منك الفرض والسنة، واستقبل بك الخير والنعمة. قال: أمر ملك من الملوك بقتل رجل فقال: ايها الملك ان قتلتني وأنا صادق في عذرى عظم عنتك، وإن تركتنى وأنا كاذب قل وزرك وأنت وراء ما تريد، والعجلة موكل بها الزلل، فعفا عنه. كتب عبد الملك بن مروان الى الحجاج في ايام ابن الأشعث: إنك اعز ما تكون بالله احوج ما تكون اليه فاذا عززت بالله فاعف له فانك به تعز وإليه ترجع. قال: دخل الشعبي على ابن هبيرة وبين يديه رجل يريد قتله فقال: اصلح الله الأمير انك على رد ما لم تفعل اقدر منك على رد ما فعلت، فقال: صدقت يا شعبى ردوه الى محبسه. باب قال: دعا اعرابى فقال: اللهم إن كان وجهى قد اخلق عندك لكثرة ذنوبى فانى اسألك بجدة وجهك الا وهبتنى لمن أحببت من عبادك. قال: دعا اعرابى: اللهم إنى اعوذ من فقر ملب (¬1) ومن ضرع الى غير محب. وقال آخر: اللهم إنى أعوذ بك من الفقر الا اليك، ومن الذل الا لك. قال: دعا اعرابى فقال: اللهم سلّ قلبى عن شىء لا أتزوده اليك، ولا أنتفع به يوم القاك، واولى رجل أعرابيا بلاء حسنا، فقال: لا ابتلاك الله ببلاء يعجز عنه صبرك، وأنعم عليك نعمة يعجز عنها شكرك. قال: ودعا أعرابى فقال: استغفر الله لا اصر ولا استكبر ولا استحسر اللهم إن بى اليك لفقرا وإن بك على لقدرا، اللهم غفرا، وقال: اللهم ¬

_ (¬1) في هامش نسخة المتحف: مكب.

تظاهرت منك النعم وكثرت عندك الذنوب فأحمدك على النعم التي لا يحصيها غيرك وأستغفرك من الذنوب التى لا يحيط بها إلا عفوك. دعا آخر فقال: اللهم اجعل لى قلبا يخشاك كأنه يراك اللهم إنى ادعوك دعاء قليل حيلته متظاهرة ذنوبه ضنين على نفسه. آخر: اللهم إن ذنوبى لم تبق لى الا رجاء عفوك وما اسألك الا ما لا استحق وأرغب اليك فيما لا استوجب فعد بطولك على. آخر: اللهم انى اسألك من القناعة ما يكثر قليل المستفاد ويهون علىّ الأسف على فات فلا تحرمنى من الشكر ما استوجب به الزيادة. آخر: اللهم إنى اعوذ بك من نزول الشر، وحلول الحذر، وضيق الصدر، وتوابع الإثم، وسوء الفهم، وشماتة ابن عم. لآخر: اللهم لا تصعر خدى، ولا تبخس حظى، ولا تشمت بى عدوى ولا تسؤ في صديقى. لآخر: اللهم إنى اعوذ بك من الهوام الهائلة، والسباع الضارية، واللصوص العادية، والسلاطين الجائرة، والشياطين الماردة. لآخر: اللهم أغننى بالافتقار اليك ولا تفقرنى بالاستغناء عنك. آخر: اللهم اعنى على الدنيا بالقناعة، وعلى الدين بالعصمة. باب من كلام الحكماء إن ادنى ما ينالك ممن خيبت أمله ارتجاعه باللائمة على نفسه وسوء الاختيار اذا ملك واكتئاب صديقه لخيبة اوبته وابتهاج عدوه باخفاقه، وكل ذلك وصمة عليك مظلة، وإن خصالا هذه ادناها لسريع الى طبع الأعراض عن اقصاها. آخر: إن تألف النعم يحسن مجاورتها والتماس الزيادة منها بالشكر عليها، والشكر حارس النعم من الزوال مجير من الغير فاجعل حسن سياستها أمام

عملك وارتبطها بحسن المواساة فيها فمن لا يواسى في نعمة عرض للادبار إقبالها. آخر: اخلاص الاستعانة عند الاضطرار وانقطاع الحيل موجب للنجاء من اوراط المهالك، وقد حل (¬1) بلاء لا يدفع باحتيال، ولا ينهنه بصيال فأخلص النية في الاجتهاد، وفوض امورك الى من يملكها دونك، ولا يبهظنك (¬2) أمر اذا جعلت الله بينك وبينه. آخر: استعد لحريق الغضب الأناة قبل تلهب ناره فان اطفاءه قبل انتشاره يسير، وإذا انتشر أنسى الحياء وقبح المحاسن. آخر: إن أفضل ما اعطى العبد في الدنيا الحكمة وفى الآخرة الرحمة. قال أمير المؤمنين على بن ابى طالب رضى الله عنه: خذوا الكلمة من الحكمة من حيث كانت، فان الكلمة من الحكمة تكون في صدر المنافق فتلجلج في صدره حتى تسكن الى صواحبها. آخر: لا تحدث بالحكمة عند السفهاء فيكذبونك ولا تحدث بالباطل عند الحكماء فيمقتونك. ويروى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: ما انفق منفق ولا تصدق متصدق بأفضل من كلام الحكمة اذا تكلم به الحكيم والعالم نال كل مستمع منه منفعة. آخر: نور الحكمة تتوقد في قلوب الحكماء فهم يستضيئون بنورها فى أعمالهم كما يستضاء في دجى الليل بنور المصابيح. وقال حكيم لابنه وهو يعظه: يا بنى! المدبر لا يوفق لطريق المراشد فاياك وصحبة المدبر فانك إن صحبته علق بك ادباره، وإن تركته بعد صحبتك إياه تتبعت نفسك آثاره. وقال بعض الحكماء: أصب بهمومك مواقع المرامى فيوشك ان ¬

_ (¬1) نسخة اكسفورد: ورطات المهالك وقد جل. (¬2) نسخة اكسفورد: يهضنك.

تهديك (¬1) على خير الغنائم. آخر: ان العبادة اسست على الحزن والمحنة (¬2) فاذا خلا البدن منهما ألف الراحة وإعتاقه الفتور، وقيل لبعضهم: اى اخوانك اوجب عليك حقا؟ قال: الذى يسد خللى ويغفر زللى ويقبل عللى. وفى بعض الحكم: ينبغى للعاقل ان يكون عارفا بزمانه حافظا للسانه مقبلا على شأنه، وأن لا يرى الا في احدى ثلاث: تزود لمعاد، او مرمة لمعاش، او لذة في غير محرم. وقال وهب بن منبه لابنه: يا بنى! جالس الكبراء وسائل العلماء وخالل الحكماء، فان مجالستهم غنيمة وصحبتهم سليمة ومواخاتهم كريمة. وكان يقال: ما اعدمك من الأحمق فلا يعدمك منه كثرة الالتفات وسرعة الجواب. سأل معاوية رضى الله عنه عمرو بن العاص: من أبلغ الناس؟ فقال: من اقتصر على الإيجاز وترك الفضول؛ سئل اعرابى: من أبلغ الناس؟ فقال: أسهلهم لفظا وأحسنهم بديهة، قال العتابى (¬3): إنى امرؤ فىّ خصلتان: حصر مقيد بالحياء، وعزة نفس شبيهة بالجفاء. قال ابن عباس رضى الله عنهما: من لم تكن فيه ثلاث خصال فلا تواخه: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يطرد به فحشه، وخلق يعيش به في الناس. قال: مكتوب في التوراة "يا ابن آدم اذكرنى حين تغضب اذكرك حين اغضب فلا امحقك فيمن امحق، وإذا ظلمت فاصبر وارض بنصرى فهو خير من نصرتك لنفسك". قال: وفى التوراة "من حزن على ما في ايدى الناس فانما يسخط على ربه، ومن شكا مصيبة نزلت به فانما يشكو ربه، ومن دخل على غني فتواضع ¬

_ (¬1) بهامش نسخة المتحف: تفديك. (¬2) نسخة المتحف: المحبة. (¬3) بهامش نسخة المتحف: هو كلثوم بن عمرو العتابي.

ذهب ثلثا دينه. قال ابو بكر بن دريد اخبرنا ابو حاتم عن الأصمعى: ان اعرابية اضلت بعيرا لها فقالت: اللهم اعوذ بك منك وأقسم عليك بك الا رددت بعيرى، فناداها مناد وهى نائمة: هذا بعيرك، فانتبهت فاذا بعيرها معقول الى جانبها. قال: وعظ اعرابى ابنه وكان اتلف ماله في الشراب، فقال: لا الدهر يعظك ولا الأيام تنذرك، والساعات تعد عليك الأنفاس، والأنفاس تعد منك، احب أمريك اليك، تردهما (¬1) بالمضرة عليك. وأوصى أعرابى أخاه فقال: يا اخى! يسار النفس افضل من يسار المال فان لم ترزق غنى فلا تحرمن تقوى فرب شبعان من النعم غرثان من الكرم، واعلم أن المؤمن على خير ترحب به الأرض وتستبشر به السماء، ولن يساء اليه في بطنها وقد أحسن على ظهرها. قال: وسمع اعرابى رجلا يذم السلطان فقال: ويحك! انك غفل، لا تسمك التجارب وفى النصح لسع العقارب، لكأننى بالضاحك اليك باك عليك. وقال آخر: ان الموت ليتقحم على النفس تقحم الشيب على الشباب، ومن عرف الدنيا لم يفرح منها برخاء ولم يحزن منها على بلوى. وأخبر الأصمعى عن ابى المجيب قال: سئل معبد بن طوق عن حاله في مرض له فذكر شدة علته فقيل له: كأنك تخاف الموت؟ فقال: وكيف لا اخافه وقد استأنيت اختصار المدة وانقضاء العدة وتمام الظمأ. وقال آخر لرجل: علام حرمتنى؟ فوالله! ما زلت قبلة لأملى ولا تلفتنى عنك الا الأطماع فان قلت: قد أحسنت بدأ، فما ينكر لمثلك ان يحسن عودا. وقال آخر: ان من الظفر بالحاجة تعجيل اليأس منها اذا اخطأك قضاؤها، وإن الطلب وإن قل اعظم قدرا من الحاجة وإن كثرت (¬2) والمطل من غير عسر آفة الجود. ¬

_ (¬1) لعله: اعودهما. (¬2) قد تقدم هذا.

قال معاوية لعمرو بن العاص (¬1): من ابلغ الناس؟ قال: من ترك الفضول واقتصر على الإيجاز، قال: فمن اصبر الناس؟ قال: من كان رأيه رادا لهواه، قال: فمن أسخى الناس؟ قال: من بذل دنياه في صلاح دينه، قال: فمن أشجع الناس؟ قال: من رد جهله بحلمه. قال محمد بن على لابنه: يا بنى! لا تكسل فانك اذا كسلت لم تؤد حقا، ولا تضجر فانك إن ضجرت لم تصبر على حق، ولا تمتنع من حق فانه ما من عبد يمتنع من حق الا فتح الله عليه باب باطل فأنفق فيه أمثاله. قال آخر: يكفيك من عقلك ما اوضح غيك من رشدك. وقال نوح بن جرير - ووقعت بينه وبين رجل من قريش ملاحاة في حق ادعاه عليه فقال: والله! إنى لأستحيى أن اخصم وأتحرج أن أظلم، فترك مطالبته القرشى. وقال محمد بن على: الكمال في ثلاثة: الفقه في الدين والصبر على النوائب وحسن التقدير في المعيشة. قال: دخل معبد بن طوق على السرى بن عبد الله فقال: كيف كان الهيثم التيمى؟ قال: كان والله مقراء غير بذال، معطاء غير سأَال. ودعا آخر فقال: اللهم! إن كان رزق فى السماء فأنزله، وإن كان رزق فى الأرض فأخرحه، وإن كان نائيا فقربه، وإن كان قريبا فيسره، وإن كان يسيرا فثمره، وإن كان كثيرا فبارك فيه. وقال بعض الحكماء - وسئل: أة الملوك أحزم؟ قال: من ملك جده هزله، وقهر رأيه هواه، وعبر عن ضميره فعله، ولم يختدعه رضاه عن سخطه، ولا غضبه عن كيده. ودعت أعرابية على مولاها فقالت: فجع الله بك ودودا وادا وأشمت بك عدوا حاسدا، وسلط عليك هما يضنيك وجارا يؤذيك. ¬

_ (¬1) قد تقدم صدر هذا القول فيما مضى من هذا الباب.

وقال الأصمعى: قال رجل من العرب لعبد من عبيدهم: أشتريك؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: إنى آكل فارها، وأمشى كارها. وقال آخر لعبد: أشتريك؟ قال: لا، قال: لم؟ قال: إنى إذا جعت ابغضت قوما، وإذا شبعت احببت نوما. ودعا أعرابى على رجل فقال: رآك الله كما أراك ولا رآنى كما أراك. قال بعض الحكماء: خمسة اشياء تقبح في خمسة: الحرص في القراء، والحدة في الأمراء، والبخل من ذوى الأصول، والفحش من ذوى الأحساب، والفتوة من ذوى الأسنان. ومدح أعرابى رجلا فقال: ذاك من شجر لا يخلف ثمره، ومن ماء لا يخاف كدره. وسئل بعضهم: متى يكون الأدب ضارا؟ قال: اذا نقصت القريحة وكثرت الرواية. وقال آخر: انفس الأعلاق علق مصروف في حظ. وقال آخر: فساد الأمر أن يكون لمن يمكله دون من يبصره. آخر: شر ما شغلت به عقلك وضيعت به قولك - اشارة الى معجب. وقال بعض الحكماء: لا تدنس عرضك ولا تبذل وجهك ولا تخلقه بالطلب الى من إن ردك كان رده عليك عيبا وإن قضى حاجتك عدها عليك منا، واحتمل الفقر بالتنزه عما في ايدى الناس والزم القناعة بما قسم لك، فان سوء حمل الفقر يضع الشريف ويخمل الذكر ويوجب الحرمان. وقال آخر: اغتنم الخير ما امكنك فان يسيره كثير، واتق الشر فان يسيره يدل على كثيره، وإذا اؤتمنت على أمانة فأدها الى أهلها فان المؤتمن موثوق به. وقد قال: أحسن من لم يسىء الظن بك حتى جعلك عدلا لنفسه فكن عند حسن الظن به.

باب من نوادر كلام الفلاسفة

باب من نوادر كلام الفلاسفة قيل لسقراط: لم تعاشر الأحداث وأنت شيخ؟ فقال: الراضة إنما تروض مهارة الخيل لا ما هرم منها. مرّ سقراط بفتى قد أتلف تراثه من أبيه وهو يأكل خبزا وزيتونا فقال: يا فتى لو كنت تقدمت بهذا قبل أن تتلف تركة ابيك ما كان يكون هذا أدمك سائر عمرك. رأى ذيوجانس (¬1) الكلبى غلاما جميلا لا يحسن الكتاب فقال: اى بيت لو كان له ساكن. نظر ذيوجانس الى طرف شوك يجرى به الماء وعليه حية فقال: ما اشبه الملاح بالسفينة. قيل لذيوجانس: فلان غنى، فقال: لا أعرف ذلك ما لم اعرف تدبيره فى ماله. وقال: مرّ ذيوجانس بعشار، فقال له العشار: أمعك شىء من المال؟ قال: نعم، فوضع مخلاته فلم ير فيها شيئا، فقال: أين ما قلت؟ فكشف على صدره فقال: ههنا حيث لا تقدر عليه ولا تراه. قال: ونظر الى غلام حسن الصورة يتعلم الفلسفة فقال: قد احسنت حيث قرنت بمحبة حسن صورتك محبة حسن نفسك. قال الاسكندر لذيوجانس: أيها الملك الأعظم! فقال له: أنا ذيوجانس الكلبى ابصبص للأخيار وأهل الفضل وأنبح وأعض من كان بخلاف ذلك؛ ونظر إلى رجل مبذر لماله فقال: هب لى منّا فضّة، فقال: كيف صرت تسأل الناس الحبة والفلس وتسألنى منّا فضّة، فقال: لأنى ارجو من عنده العودة ولا ارجوها منك (¬2) ان كان مالك لا يبقى معك. ¬

_ (¬1) ورد في نسخة المتحف في كل موضع "يوذوجانس" وهو غلط. (¬2) في هامش = نسخة اكسفورد: لا ارجو اليك العود.

ووقف الاسكندر عليه فقال: أما تخافنى؟ فقال: أخير انت أم شر؟ قال: بل خير؟ فقال: انى لا اخاف الخير بل أحبه؛ رأى شابا لا ادب له وعليه خاتم ذهب فقال: حمار عليه لجام ذهب؛ ونظر الى شاب احمق قاعد على حجر فقال: حجر على حجر. قال: وسأل شاب جاهل أفلاطن: كيف قدرت على كثرة ما تعلمت؟ قال: لأنى أفنيت من الزيت أكثر مما شربت من الشراب. وقيل للاسكندر: بم نلت هذه المملكة العظيمة على حداثة سنّك؟ قال: باستماتة الأعداء وتصييرهم اصدقاء وبتعاهد الأصدقاء بالإحسان اليهم. قال: وعمل هواكسيرجس ثورا من طين وقربه في اليوم الذى كان اهل بلده يقربون فيه القربان لأصنامهم وقال: قبيح ذبح الحى المتنفس لما ليس بحى ولا متنفس. وقال: قصد الاسكندر موضعا ليحارب اهله فحاربه النساء، فكف عنهم وعن محاربتهن وقال: هذا جيش إن غلبناه لم يكن لنا فيه فخر وإن غلبنا كانت الفضيحة آخر الدهر. قال: وأسر اسوسيوش وأراد رجل شراءه فقال له: أشتريك؟ فقال له: كيف تشترينى وأكون لك عبدا بعد ما اتخذتنى وزيرا - يريد بعد ما شاورتنى في ابتياعى. قال ارسطاطاليس: إن الحاجة إلى العقل أقبح من الحاجة الى المال. وقال: هياجرسيس الاشكوثى (¬1): وركب البحر فلما لجج قال للملاح: كم تخن الواح سفينتك؟ قال: اصبعان، قال: فانما بيننا وبين الموت اصبعان. وقيل لأرسطاطاليس: ما أعسر الأشياء على الإنسان؟ قال: السكوت، ¬

_ (¬1) نسخة اكسفورد: الاشكونى.

وقيل: ما احسن الحيوان؟ قال: الإنسان المزين بالأدب. وقيل له: أى الأشياء ينبغى ان يقتنيها العاقل؟ قال: الأشياء التى اذا غرقت سفينته سبحت معه. ونظرت عجوز من الفلاسفة من بلاد اوطيقى الى رجل يريد ان يعرس وقد زين داره وكتب على بابها: لا يدخل هذا الباب شىء من الشر؟ قالت له: فامرأتك من أين تدخل إذن؟ قال يوزسطيلس: ينبغى للأديب ان يأخذ من جميع الآداب اجودها كما ان النحل يأخذ من كل زهر اجوده. وكانت لأرسطاطاليس ضيعة نفيسة فدفعها الى قيم يقوم بها ولم يكن يشرف عليها فقال بعض الناس له: لم تفعل ذلك؟ فقال: انى لم اقتن ضيعة بتعاهدى للضياع وإنما اقتنيتها بتعاهدى ادب نفسى وبذلك ارجو اتخاذ ضياع اخر؛ وقال ارسطاطاليس: العقل سبب رداءة العيش. وقال الإسكندر: انتفعت بأعدائي اكثر مما انتفعت بأصدقائى لأن اعدائى كانوا يعيروننى بالخطأ وينبهوننى عليه وكان اصدقائى يزينون لى الخطأ ويشجعوننى عليه. وقال أنوخرسيس: الكرمة تحمل ثلاثة عناقيد: الأول عنقود لذة، والثانى عنقود سكر، والثالث عنقود سفه. قال أرسطاطاليس: الأدب يكسب الأغنياء زينة ويكسب الفقراء معاشا يعيشون به بين الإخوان. هيوفتاغورس، حضرته الوفاة ارض غريبة فقال: يا معشر الأصدقاء! ليس بين الموت في الغربة والوطن فرق وذلك ان الطريق الى الآخرة واحد في جميع المواضع. وخرج من عند بعض ملوكهم فقيل له: ما يصنع الملك؟ فقال: يفقر الناس، وقيل له: ما احلى الأشياء؟ قال: الذى يشتهى. وقال: الحب وفد جميع الأشياء الرديئة وذلك ان جميع الأشياء

الرديئة معلقة به، وقال: الآباء هم سبب الحياة والعلماء هم سبب صلاح الحياة. وقال: ونظر الى رجلين لا يكادان يفترقان فقال: اى قرابة بين هذين؟ فقيل له: ليس بينهما قرابة ولكنهما متصادقان، قال: فلم صار احدهما فقيرا والآخر غنيا؟ يريد لو كانا صديقين لتواسيا. وقال لمتعلم يتهاون بعلمه: ايها الحدث! انك ان لم تصبر على طلب التعلم صبرت على شقاء الجهل. ونظر الى فتى يستخف بوالده فقال: يا هذا ألا تستحيى ان تحقر ما به اعجبتك نفسك. قال - وأراد ان يعظ الناس ويوبخهم على تهاونهم بالعلن فصعد موضعا عاليا وصاح: يا معشر الناس! فلما اجتمعوا قال: لم انادكم انما ناديت الناس؛ وقيل لزسيموس: ان فلانا يسىء فيك، قال: يحمله على ذلك جهله بالقول الحسن. وسأل زسيموس رجلا أن يقرضه مالا فأخلفه، فلامه بعض الناس على ذلك، فقال: جبهك بالرد، فقال: انه لم يزد على ان احمر وجهى بالخجل ولو اقرضنى لصفر وجهى مرات كثيرة. وقال اورينيدس: ان الحياة بغير الموسيقى الخمسة (¬1) لوحشة، وقال للذين يستميلون النساء بالحلى والكسوة الحسنة: يا هؤلاء انكم انما تعلمونهن محبة الأغنياء لا محبة الأزواج؛ وقال لبولس: اى الحيوان لا يشبع؟ فقال: التاجر الذى يربح. هبوقريطس نظر الى معلم ردىء الكتابة فقال له: لم لا تعلم الصراع؟ فقال: لا أحسنه، قال: هو ذا انت تعلم الكتابة ولا تحسنها. اوفقراطيس وجد حارسين نائمين في وقت الحرس فقتلهما وقال: تركتهما على ما وجدتهما عليه. ¬

_ (¬1) كذا.

ودعا بطليموس بعض الملوك الى طعامه فاستعفى وقال: انه يعرض للملوك قريب مما يعرض للذين ينظرون الى الصور فانهم إذا نظروا اليها من بعيد اعجبتهم وإذا نظروا اليها من قريب لم يستحسنوها. قال مرسويورس: فكروا في ان اللذة مشوبة بالقبح ثم فكروا في انقطاع اللذة وبقاء ذكر القبيح. قال افلاطن: ينبغى للذين يأخذون على ايدى الأحداث ان يدعوا لهم موضعا للعذر لئلا يضطروا الى القحة بكثرة التوبيخ. وقال: محب الشرف هو الذى يتعب نفسه بالنظر في العلة؛ وقيل: ما العشق؟ فقال: حركة النفس الفارغة بغير فكر. وقال: لا ينبغى للأديب ان يخاطب من لا ادب له كما لا ينبغى للصاحى ان يخاطب السكران؛ وقيل له: كيف يغم الإنسان عدوه؟ قال: يغمه اذا اصلح نفسه. فيثاغورس قيل له: اى شىء من الأفعال يشبه افعال الإله؟ قال: الإحسان إلى الناس. وفخروا عنده بالمال وكثرته فقال: ما حاجتى الى المال الذى يعطيه الحظ ويحفظه اللؤم ويهلكه السخاء، وقيل له: ما اصعب شىء على الإنسان؟ قال: ان يعرف نفسه ويكتم الأسرار؛ وقيل لسقراط: اى السباع اجمل؟ قال: المرأة؛ وقيل له: ما الذ ما يكون في العالم؟ قال: الأدب والتعليم والنظر الى ما لم تكن اليه نظرت قبل ذلك؛ وقيل له: ما ينتفع به الأحداث من تعليم الآداب؟ قال: لو لم ينتفعوا الا بما يمنعهم من المذاهب الرديئة لكان في ذلك كفاية. نظر الى شيخ يحب النظر في الفلسفة ويستحيى، فقال: يا هذا! تستحيى ان تصير في آخر عمرك افضل مما كنت عليه في اوله. وقال: الخطأ في اعطاء من لا ينبغى ومنع من ينبغى واحد،

واستشاره رجل في التزويج، فقال: ان اصحاب التزويج يشبهون بالسمك الذي يصاد بالقفاف فالذى يكون خارجا يريد الدخول فيها والذى قد دخل فيها يروم الخروج منها فانظر لا يصيبك مثل هذا. قال سقراط: ينبغى للعاقل ان يخاطب الجاهل مخاطبة المتطبب للمريض؛ قال سقراط: اللذة خناق من عسل. وقيل لسطراطوثيغوس: ان فلانا شتمك بالغيب، قال: لو ضربنى بالسياط وأنا غائب لم أبال، ورأى رجلا يذهب به الى الحبس في جناية، فقال: يا هذا! ما يساوى سرورك بما ارتكبت من اللذة هذه الفضيحة. ورأى طبيبا جاهلا فقال: هذا يستحث - يعنى يعجل بمن يعالج الى الموت، وكان يطبخ قدرا فنفد الحطب فقال لأراقلس وهو بالقرب منه: يا اراقلس! زعمت انك جاهدت اثنى عشر جهادا فاجعل هذا الثالث عشر وأخذه فجعله تحت القدر، وذاك ان اراقلس كان ملكا مذكورا من ملوك اليونانيين وكانت له اثنتا عشرة وقعة مشهورة وكانوا اتخذوا صنما على تمثاله فكانوا يعظمونه فذلك قوله اثنى عشر جهادا. ودعاه رجل الى العشاء فلم يكن العشاء على ما ينبغى، فقال: يا هذا! إنك لم تدعنى الى العشاء ولكنك منعتنى منه؛ قيل له: متى تمسك عن مديح ياروس؟ قال: اذا امسك ياروس عن احسانه. وقيل له: ما تفسير شعر سنجولس؟ فقال: إن حفر بئر بقرب قناة يجرى فيها الماء ليس بأمر صعب. سخطورس المغنى قيل له: ان اميروس يكذب في شعره، فقال: انما يطلب من الشعراء الكلام الحسن اللذيذ فأما الصدق فانما يطلب من الأنبياء. باريذوس الخطيب قيل له: لم تحب الولد؟ فقال: لشدة محبتى له؛ وقيل لجاوس: توفى مايندرس (¬1)، فقال: الويح له! فقد ضاع مسن عقلى. ¬

_ (¬1) أظنه: مناتدرس.

باب من عيون الشعر المستحسن والأمثال المنظومة الحكمية

وقال هرمس: انه لصعب ان يوقف على حقيقة امر الخالق وغير ممكن ان يوصف، وذلك انه غير ممكن ان يوصف جسم مدرك بما ليس بمدرك ولا يدرك التام ما ليس بتام، ويصعب ان يقرن الأزلى بما ليس بأزلى فان الأزلى باق ابدا وغير الأزلى فان والفانى خيال وظل، فعلى قدر ما بين الضعيف والقوى وما بين الدون والأشرف فكذلك بين الفانى وبين الإله الذى لا يموت. باب من عيون الشعر المستحسن والأمثال المنظومة الحكمية قال سليمان بن عبد الملك يوما والشعراء عنده: قد قلت نصفا فأجيزوه، قالوا: كيف هو؟ قال: نروح اذا راحوا ونغدو اذا غدوا فلم يصنعوا شيئا، فدخل (¬1) عليه جارية له فأخبرها، فقالت: كيف قلت؟ فأنشدها، فقالت: وعما قليل لا نروح ولا نغدو وأنشد: ان الظلوم الحسود في كرب * يخاله من رآه مظلوما ذا نفس دائم على نفس * يظهر منه ما كان مكتوما أنشدنيه عبد الرحمن عن عمه الأصمعى: وأجرأ من رأيت بظهر غيب * على ذكر العيوب ذوو العيوب قال: وأنشدنى عبد الرحمن أيضا فمن كان مغرورا بطول حياته * فانى زعيم ان سيصرعه الدهر ¬

_ (¬1) كذا.

آخر عنه: ستمضى مع الأيام كل مصيبة * وتحدث احداث تنسى المصائبا آخر عنه: اذا مت لم توصل بعرف قرابة * ولم يبق في الدنيا رجاء لسائل وأنشدنا في مثله: اذا ثوى في القبور ذو خطر * فزره فيها وانظر الى خطره وأنشدنا: اذا كنت جماعا لمالك ممسكا * فأنت عليه خازن وأمين وأنشد غيره: تؤديه مذموما الى غير حامد * فيأكله عفوا وأنت دفين وأنشد غيره: اذا كنت تأتى المرء توجب حقه * ويجهل مك الود فالهجر (¬1) اوسع وأنشد: ما يطلب الدهر تدركه مخالبه * والدهر بالوتر تاج غير مطلوب وأنشد لعمارة بن صفوان الضبى: أجارتنا من يجتمع يتفرق * ومن يك رهنا للحوادث يغلق وأنشد: اذا انت لم تبرح وتقتضى * على الظن اردتك الظنون الكواذب وأنشد: لا تدّعونى فانى لست تابعكم * ما كنت منكم ولا حسى ولا جرسى ¬

_ (¬1) في نسخة اكسفورد: فالعجر.

ولا اكون كمن القى رحالته * على الحمار وخلى منسج الفرس وأنشد: ولسنا كقوم محدثين سيادة * يرى مالها ولا يُحسن فعالها فمسعاتكم مقصورة لعيالكم * ومسعاتنا ذبيان طرا عيالها وأنشد السكن بن سعيد لعبيد الله (¬1) بن الحر: لم يبق شىء يسامه احد * الا وقد سامناه اخوتنا فوجدونا نحمي الذمار ونأ * بى الضيم أن تستباح حرمتنا بذاك أوصى من قبل والدنا * وتلك أيضاً غدراً وصيتنا وأنشد عبد الرحمن ابن اخى الأصمعى: فبتنا به ليل التمام بنعمة * وعيش لنا حتى جلا الصبح كاشف نقول اذا ما كوكب غار ليته * بحيث رأيناه عشاء يخالف فلما هممنا بالتفرق اظهرت * بقايا التحيات الدموع الذوارف وأنشد: لم ار مثل الليل لم يعطه الرضا * اخو الحب حتى يصبح الليل راضيا أنشد عبد الرحمن عن عمه لبعض القيسيين: يا سلم لا اقرى التعذر نازلي * والذم ينزل ساحة المعتذر ولقد علمت اذا الرياح تجاذبت * اطناب بيتك في الزمان الأغبر إني لأرفع للضيوف تحيتى * وأشبّ ضوء النار للمتنور وينال بالمال القليل براعتى * قحما تضيق بها ذراع المكثر ¬

_ (¬1) من هامش نسخة المتحف البرطاني، وفي الأصلين: عبد الله. في تاريخ ابن عساكر 27: 379 من طريق ابن دريد: "عبد الله بن حسن". ش

أنشدنا ابو عثمان عن التوزى عن ابى عبيدة لشقران السلامى في قتل الوليد: ان الذي ربضها أمره * سرا امره بين للناخع (¬1) لكالتي يحسبها أهلها * عذراء بكرا وهي في تاسع فاركب من الأمر قراديده * بالحزم والقوة او صانع حتى ترى الأجدع مذلوليا * يلتمس الفضل إلى الجادع كنا نداريها فقد مزقت * واتسع الخرق على الراقع كالثوب اذ أنهج فيه البلى * اعيا على ذى الحيلة الصانع قراديد الأمر: شدته وصعوبته، المذلولى: الذى قد ذل وانقاد وخضع. قال: كان قد اشار على الوليد ان يقتل الذين شغبوا عليه حتى يطلب المجدوع (¬2) الفضل الى من جدعه (¬3) ويرضى بالتخلص. انشدنا ابو عثمان عن التوزى للنابغة الذبيانى ولم يعرفها الأصمعى: ودّع أمامة إن اردت رواحا * وطويت كشحا دونهم وجناحا بوداع لا ملق ولا متكاره * لا بل تعل تحية وصفاحا فاهجرهم هجر الصديق صديقه * حتى تلاقيهم عليك شحاحا لا خير في عزم بغير روية * والشك وهن ان اردت سراحا فاستبق ودك للصديق ولا تكن * قتبا يعض بغارب ملحاحا ضغنا تدخل تحته احلاسه * شد البطان فما يريد براحا والرفق يمن والاناة سعادة * فاستأن في رفق تلاق نجاحا واليأس عما فات يعقب راحة * ولرب مطعمة تعود ذباحا ¬

_ (¬1) نسخة اكسفورد: للساخع. (¬2) المخدوع. (¬3) خدعه.

وأنشد لرجل من هذيل ولم يعرفها الأصمعي وهو لأبى العيال فبعض الأمر أصلحه ببعض * فان الغث يحمله السمين ولا تعجل بظنك قبل خبر * فعند الخبر تنقطع الظنون ترى بين الرجالِ العين فضلا * وفيما اضمروا الفضل المبين كلون الماء مشتبها وليست * تخبرُ عن مذاقته العيون أنشدنا عبد الرحمن عن عمه للمستنير بن طلبة احد بنى اقيش: اعاتب ليلى انما الصرم ان ترى * خليلك يأتى ما اتى لا تعاتبه وما اهل ليلى من صديق فينفعوا * ولا اهل ليلى من عدو تجانبه يولون حقدا كان بينى وبينهم * قديما كما يستوعب الدر حالبه وذى حنق باد علي تركته * كذى الأثر يستدمى من الطير غاربه (¬1) وأنشدنا عن التوزى عن أبى عبيدة لرجل من عبشمش: دعانى سهم دعوة فأجبته * ومن ذا الذى يرجى لنائبة بعدى فلو بى بدأتم قبل من قد دعوتم * لفرجت عنكم كل نائبة جهدى إذا المرء ذو القربى وذو الود اجحفت * به نكبة سلت مصيبته حقدى وأنشد: ما ذاق طعم الغنى من لا قنوع له * ولن ترى قانعا ما عاش مفتقرا العرف من يأته يعرف عواقبه * ما ضاع عرف ولو أوليته حجرا وأنشد لضرار بن عيينة العبشمى: أحب الشىء ثم اصد عنه * مخافة أن يكون به مقال ¬

_ (¬1) في نسخة المتحف: عازبه.

احاذر ان يقال لنا فنخزى * ونعلم ما تسب به الرجال أنشد عبد الرحمن عن عمه لحضرمى بن عامر الأسدى لقد جعل الرك القليل يسيلنى * إليك ويشريك القليل فتعلق وقد جعلت تبدو العداوة بيننا * حديثا وأسباب المودة تخلق لعلك يوما ان تود لو انني * قريب ودونى من ملا الأرض مخفق وتنظر في أسرار كفك هل ترى * لنا خلفا مما نفيد وننفق أنشدنى عبد الرحمن عن عمه لعلى بن بذال من بنى سليم لعمرك اننى وابا ذراع * على حال التكاشر منذ حين لأبغضه ويبغضنى وأيضا * يرانى دونه وأراه دونى فلو انا على جحر ذبحنا * جرى الدميان بالخير اليقين أنشدنا الأشناندانى عن التوزى عن أبى عبيدة لعيان ابن ثعلبة بن انف الكلب الصيداوى: دفعنا طريفا بأطرافنا * وبالراح عنا فلم يدفعونا فلم تبق الا التى حاولوا * وخفنا وأحر بها أن تكونا وغركم بارق صادق * وجم العديد ولم تحبسونا (¬1) فان يك فيكم لكم ثروة * ونحن العديد وان كان دونا وإنا إذا هزهزتنا السيوف * وصرحت الحرب ضربا ثبينا وكان الصميم ذوى بأسنا * فطاح الوشيظ وكان عزينا (¬2) وأعصم بالصبر جلى الأمور * فنحن الأولى لا كما تعلمونا وحكت بأحسابها بركها * ولا تأكل الحرب الا سمينا ¬

_ (¬1) نسخة المتحف البريطاني: مازق: صادق، وفي الهامش: ولم تحسبونا. (¬2) هامش المتحف: فصاروا عزينا - مع علامة صح.

وأنشدنا عبد الرحمن عن عمه لأبى سدرة سحيم بن الاعرف الهجيمى: الى حسان من اكناف نجد * رحلنا العيس تنفخ في براها نعد قرابة ونعد صهرا * ويسعد بالقرابة من يراها وما زرناك من عدم ولكن * يهش إلى الامارة من رجاها وأيا ما فعلت فان نفسي * تعد صلاح نفسك من غناها وأنشد لأفنون التغلبى واسمه صريم بن معشر: ولست على شىء فروحا معاويا * ولا المشفقات اذ تبعن الحوازيا اى: الكواهن. ولا خير فيما يكذب المرء نفسه * وتقواله للشىء ياليت ذا ليا لعمرك ما يدرى امرؤ كيف يتقى * إذا هو لم يجعل له الله واقيا وأنشد للمغيرة بن حبناء: اذا المرء أثرى ثم قال لقومه * انا السيد المفضى اليه المعظم (¬1) ولم يولهم خيرا ابوا ان يسودهم * وهان عليهم رغمه وهو أظلم وأنشد لحضرمى بن عامر الأسدى: ما زال إهداء الضغائن بينهم * شتم الصديق وكثرة الألقاب حتى تركت كأن أمرك فيهم * في كل مجمعة طنين ذباب اهلكت جندك من صديقك فالتمس * جندا تعيش به من الأوغاب الأوغاب: الضعفاء من الناس. ولقد طويتكم على بللاتكم * وعرفت ما فيكم من الأذراب كيما اعدكم لأبعد منكم * ولقد يجاء الى ذوى الأحساب ¬

_ (¬1) هامش نسخة المتحف: المعمم - وهي رواية الزجاجي.

باب المنتخب من شعر الأعراب في فنون شتى

باب المنتخب من شعر الأعراب في فنون شتى أنشدنا: ما وجد أعرابية قذفت بها * صروف النوى من حيث لا تك ظنت تمنت أحاليب الرعاء وخيمة * بنجد فلم يقدر لها ما تمنت وسد عليها باب أصهب لازم * عليه رقاقا (¬1) قربة قد أبلت اذا ذكرت ماء الفضاء وطيبه * وبرد الحصى من نحو نجد أرنت بأوجد من وجد بريا وجدته * غداة غدونا غربة واطمأنت فان يك هذا عهد ريا وأهلها * فهذا الذى كنا ظننا وظنت وأنشد للصمة بن عبد الله القشيرى: ألا ليت شعرى هل ابيتن ليلة * بسعد ولما يخل من اهله سعد وهل أقبلن النجد اعناق أينق * وقد سال مسيا ثم من صبحه النجد (¬2) وهل أخبطن القوم والريح قرة * فروع الألاء حفه عقد جعد وكنت أرى ريا ونجدا من الهوى * فما من هواى اليوم ريا ولا نجد أنشدنا الرياشى: ألا قاتل الله الحمامة غدوة * علي الفرع (¬3) ماذا هيجت حين غنت تغنت غناء اعجميا فهيجت * جواى الذى كانت ضلوعى اجنت (¬4) نظرت بصحراء البريقين نظرة * حجازية لو جن طرف لجنت ¬

_ (¬1) في نسخة اكسفورد: زقاقا. اهـ. وفي أمالي الزجاجي تـ: هارون (ص24) عن ابن دريد: "دُقاقَا". ش (¬2) في معجم البلدان: (سعد): وقد سار مسيا ثم صبحها النجد. (¬3) في أمالي القالي: على الأيك. (¬4) في أمالي القالي: اكنت.

وأنشد: سألت فقالوا قد اصابت ظعائن * مريعا وأين النجد نجد مريع ظعائن إما من هلال فما درى الـ * مخبر او من عامر بن ربيع لهن زهاء بالفضاء كأنه * مواقر نخل من نطاة ينيع يقولون مجنون بسمراء مولع * ألا حبذا جن بها وولوع ولا خير في حب يكون كأنه * شغاف أجنته حشا وضلوع وأنشد لصخر بن جعد المحاربى: بنفسى وأهلى اذا عرضوا له * ببعض الأذى لم يَدر كيف يجيب ولم يعتذر عذر البرىء ولم تزل * به سكتة حتى يقال مريب لقد ظلموا ذات الوشاح ولم يكن * لنا من هوى ذات الوشاح نصيب وأنشد للأقرع بن معاذ القشيرى: ولا خير في الدنيا اذا انت لم تزر * حبيبا ولم يطرب اليك حبيب وأكببت اكباب الدنىء وباعدت * لك النفس حاجات وهن قريب سقيت دم الحيات ان لمت بعدها * حبيبا ولا عنّفته بحبيب أنشدنا الأشناندانى قال: أنشدنا التوزى عن ابى عبيدة لرامة بنت حسين بن قيس بن منقذ بن الطماح: أقام معى من لا أحب جواره * وجاراى جارا الصدق مرتحلان ولا يستوى الجاران جار مكارم * وجار طويل العمر والانحان ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة * وبينى وبين الكوفة النهران فان ينجنى منها الذي ساقنى لها * فلا بد من غمر ومن شنآن

أنشدنى ابو حاتم: إذا اشتملت على اليأس (¬1) القلوب *وضاق بنابه الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واطمأنت *وأرست فى اماكانها الخطوب ولم ار (¬2) لانكشاف الضر وجها * ولا اغنى بحيلته الأريب اتاك على قنوط منك غوث * يمن به اللطيف المستجيب وكل الحادثات وإن تناهت (¬3) * فمقرون بها الفرج القريب وأنشدنى ايضا: اذا أنت جاريت السفيه * فأنت سفيه مثله غير ذى حلم اذا امن الجهال حلمك مرة * فعرضك للجهال غنم من الغنم فلا تقبضن عرض السفيه وداره * بحلم فان أعيا عليك فبالصرم وعم عليه الحلم والجهل والقه * بمنزلة بين العداوة والسلم فيرجوك تارات ويخشاك تارة * ويأخذ فيما بين ذلك بالحزم فإن لم تجد بدا من الجهل فاستعن * عليه بجهال فذاك من العزم وأنشدنى عبد الرحمن ويروى لسويد بن الصامت: ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى * مقالته بالغيب ساءك ما يفرى مقالته كالشهد ما كان شاهدا * وبالغيب مأثور على ثغرة النحر أنشدنا عبد الرحمن ابن أخى الأصمعى عن عمه لرجل من غطفان: اذا انت لم تستبق ود صحابة * على دخن أكثرت بث المعايب وإنى لأستبقى امرأ السوء عدة * لعدوة عريض من الناس عائب أخاف كلاب الأبعدين ونبحها * اذا لم تجاوبها كلاب الأقارب ¬

_ (¬1) وفي نسخة: البأس. (¬2) في نسخة المتحف: لم تر. (¬3) بهامش نسخة المتحف: إذا تناهت.

أنشدني عبد الرحمن: يا قوم ان سعيدا من يكون له * من ربه عن ركوب الغى مزدجر لا تبطرن بلاد الله عندكم * فقبلكم شأن اهل النعمة البطر ما غير الله من نعماء انعمها *على معاشر حتى تبدأ الغير قد اصبح المتقى منكم على وجل * والمعتدى معرض منكم له العبر أنشدنى عمى عن ابيه عن الكلبى: يا مرء يا خير اخ * نازعت در الحلمة يا خير من اوقد لِلْـ * أَضياف نارا جحمه يا قائد الخيل ومجتا * ب الدلاص الدرمه يا جالب (¬1) الخيل الى الـ * خيل تعادى أضمه سيفك لا يشقى به * الا العسير السنمة جاد على قبرك غيـ * ث من سحاب رزمه (¬2) ينبت نورا ارجا * جرجاره والينمه وأنشد: اذا المرء لم يبذل لك الود مقبلا * يد الدهر لم يبذل لك الود مدبرا فدع ذا الهوى قبل القلى (¬3) ترك ذى الهوى * متين القوى خير من الصرم مصدرا آخر: وما نفى عنك قوما انت خائفهم * كمثل وقمك جهالا بجهال فاقعس اذا حدبوا واحدب اذا قعسوا * ووازن الشر مثقالا بمثقال آخر: ان كنت لا ترهب ذمى لما * تعرف من صفحى عن الجاهل فاخش سكوتى أن اُرى منصتا * فيك لمسموع خنا القائل ¬

_ (¬1) نسخة اكسفورد: خالب. (¬2) نسخة اكسفورد: رذمه. (¬3) نسخة المتحف: العلى.

فالسامع الذم شريك له * ومطعم المأكول كالآكل مقالة السوء الى اهلها * أسرع من منحدر سائل ومن دعا الناس الى ذمه * ذموه بالحق وبالباطل فلا تهج ان كنت ذا اربة * حرب اخى التجربة العاقل ان اخا العقل اذا هجته * هجت به ذا لبدة خاتل تبصر في عاجل شداته * عليك غب الضرر الآجل أنشدنى عبد الرحمن بن عبد الله: يا ايها الجاهل المزجى أذيته * هل انت عن قولك العوراء مزدجر إنى إذا مد مبطانى الى امد * لا يستطيع حضارى المقرف البطر لاقى قناتى مضرارا عشوزنة * لا قادح قد يتعناها ولا خور إنى لأصفح عن قومى وألبسهم * على الضغائن حتى تبرأ المير وأنشد: صديقك حين تستغنى كثير * وما لك عند فقرك من صديق فلا تغضب على احد اذا ما * طوى عنك الزيارة عند ضيق وأنشدنى: ما عن فارقت دار معاشر * هم المانعون حوزتى وذمارى ولكنه ما قدر الله كائن * نظار ترقب ما يحم نظار ويروى: يجم، وانشد: ما اقرب الأشياء حين يسوقها * قدر وأبعدها إذا لم تقدر فسل اللبيب تكن لبيبا مثله * من يسع في علم بلب يمهر وتدبر الأمر الذي تعنى به * لا خير في عمل بغير تدبر فلقد يجد المرء وهو مقصر * ويخيب جد المرء غير مقصر

ذهب الرجال المقتدى بفعالهم * والمنكرون لكل امر منكر وبقيت فى خلف (¬1) يزين بعضهم * بعضا ليدفع معور عن معور أبنىّ إن من الرجال بهيمة * في صورة الرجل السميع المبصر فطن بكل مصيبة في ماله * فاذا اصيب بدينه لم يشعر وأنشد عبد الرحمن عن عمه: وحب كأضناء النحاز (¬2) كتمته * مع القلب لم يعلم به من الأطف وإنى لأحمى الحب حتى ارده * خفى المرد لم تنله الزعانف وأخفى من الوجد الذي لو أذيعه * لحن عليه القاصرات العفائف وأنشد: انت الفتى كل الفتى * لو كنت تفعل ما تقول لا خير في كذب (¬3) الجوا * دو حبذا صدق البخيل وأنشد: أرى كل من أثرى يرى ذا مهابة * وإن كان مذموما لئيما نقائبه ومن يفتقر يدعى اللئيم (¬4) ويمتهن * غريبا وتبغض ان تراه اقاربه ويرمى كما ذو العر يرمى ويتقى * ويجنى ذنوبا كلها هو عائبه ¬

_ (¬1) نسخة اكسفورد: خلق. (¬2) في نسخة اكسفورد: كاحناء، وفي هامش نسخة المتحف وفي الأصل: كاطناء النحاز - جمع طنء، والطنا: لروق الطحال بالجنب من شدة العطش - قال الشاعر: أكويه أما اراد الكى معترضا * كى المطنى من النحز الطنى الكطحلا المطنى: المعانج من الطنا، ومن روى كاضناء النحاز فهو جمع ضنء من الضنا وهو المرض. اهـ. في أمالي الزجاجي عن ابن دريد (ص11): "وحب كأظماء البعير". ش (¬3) في نسخة اكسفورد: عدة. (¬4) وفي نسخة اكسفورد المتحف: الفقير. اهـ. في أمالي الزجاجي عن ابن دريد (ص13): "ومن يفتقر يُدْعَ الفقير". ش

وأنشد: يا ايهذا الذى قد غره الأمل * ودون ما يأمل التنغيص والأجل ألا ترى انما الدنيا وزينتها * كمنزل الركب دارا ثمت ارتحلوا حتوفها رصد وكدها نكد * وعيشها رنق وملكها دول تظل تفزع بالروعات ساكنها * فما يدوم له حزن ولا جدل كأنه للمنايا والردى غرض * تظل فيه بنات الدّهر تنتضل المرء يسعى بما يسعى لوارثه * والقبر وارث ما يسعى له الرجل تم كتاب المجتنى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه محمد وعترته الطاهرين، وسلم اجمعين (¬1). ¬

_ (¬1) وفي آخر نسخة المتحف ما نصه: كتبه عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة حامدا لله تعالى على نعمه ومصليا على محمد وآله وصحبه مسلّما - واتفق نسخه في اثنى عشر يوما في شهر رمضان المبارك من شهور سنة 630هـ.

ترجمة ابى اليمن الكندى راوى هذا الكتاب

ترجمة ابى اليمن الكندى راوى هذا الكتاب هو زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن تاج الدين ابو اليمن الكندى النحوى اللغوى المقرى المحدث الحافظ، ولد ببغداد سنة عشرين وخمسمائة وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وأكمل القراءات العشرة وهو ابن عشر. قال الذهبي: فإني لا اعلم أحدا من الأئمة عاش بعد قراءة القرآن ثلاثا وثمانين سنة غيره، قرأ العربية على ابى محمد سبط ابى منصور الخياط وابن الشجرى وابن الخشاب، واللغة على موهوب الجواليقي، وسمع الحديث من ابى بكر بن عبد الباقى وخلائق، قدم دمشق ونال الحشمة الوافرة والتقدم وازدحم عليه الطلبة، وكان حنبليا فصار حنفيا وتقدم في مذهب ابى خنيفة، ودرّس وصنّف وكان صحيح السماع ثقة في النقل. استوزره فروخ شاه ثم اتصل بأخيه تقى الدين عمر صاحب حماة واختص به وكثرت أمواله وكتب الخط المنسوب، وله خزانة كتب بالجامع الأموى فيها كل نفيس. توفى يوم الاثنين سادس شوال سنة ثلاث عشرة وستمائة، وانقطع بموته اسناد عظيم. ***

خاتمة الطبع

خاتمة الطبع الحمد لله الذى وفق لإعادة طبع هذا الكتاب بعونه وكرمه في بلدة حيدر آباد في عهد مظفر الممالك فتح جنك نظام الدولة نظام الملك آصف جاه سلطان العلوم مير عثمان على خان بهادر لا زالت رايات ملكه خافقة وشموس دولته شارقة. وذلك في عهد وزارة هز اكسلنسى السير النواب الحافظ احمد سعيد خان رئيس چهتارى ورئيس الوزراء في الدولة الآصفية ابقاه الله لرقى المملكة الآصفية الى منازل عالية ونشر علوم القرآن في معالم الدين ان الله لا يضيع اجر المحسنين. وهذه الجمعية تحت رئاسة الأديب الجليل الدكتور النواب مهدى يارجنك بهادر وزير المعارف ونائب امير الجامعة العثمانية، ونيابة الشهم الغيور السيد العزيز وزير العدلية والشرعية ونائب الرئيس، وتحت اعتماد الحسيب النسيب الحاج السيد محيى الدين العميد لوزير المعارف، وذى المجد والكرم النواب ناظر يار جنك بهادر شريك العميد للجمعية، ابقاهم الله في خدمة العلم والدين، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وآله وأصحابه اجمعين. ***** تمت الطبعة الثالثة لكتاب المجتنى يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة سنة 1382هـ = نوفمبر سنة 1962م. وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا ومولانا وآله وصحبه اجمعين.

§1/1