المجتمع والأسرة في الإسلام

محمد طاهر الجوابي

مقدمة

مقدمة الطبعة الأولى الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعاملين، وعلى آله، وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم إلى يوم الدين، وسلم تسليما. وبعد فإن المجتمع في الإسلام موضوع يمكن بحثه باستمرار، للتذكير بالأسس التي بني عليها، والثوابت التي تشده. ولحل القضايا التي تحدث فيه، لا سيما والعالم يشهد تغيرات متوالية، تحمل أفكارا متعددة الاتجاهات، يعمل أصحابها على نشرها خارج أقطارهم، بوسائل الإعلام المتطورة التي تدخلها البيوت، مما يجعل تأثيرها على الأسر سريعًا وخطيرًا، لذلك كان من تمام بحث موضوع المجتمع بحث الأسرة لما بينهما من تلازم. وليظل المجتمع متماسكا، ودور الأسرة إيجابيًا يجب التصدي للتيارات الزاحفة عليهما، لحمايتهما من التفكك والذوبان، ويحصل ذلك باعتماد الإسلام عقيدة ومنهج حياة حتى لا يقع انحراف، ولا تيه، ولا ضعف إيمان، ويعتصم الجميع بالإسلام. ولهذا القصد ألفت كتابي هذا بعنوان المجتمع والأسرة في الإسلام وقسمته إلى قسمين، الأول: المجتمع، والثاني: الأسرة. تناولت في القسم الأول: تعريف المجتمع المسلم، وتكوينه، وبيان أسسه، ومنهج بنائه، ومصادر وأصول التربية التي يقام عليها هذا البناء، ووسائل تقوية الروابط الاجتماعية، ومعالجة بعض مشاكل هذا المجتمع، وعرض خصائصه.

ففي نشأة المجتمع أوجزت الحديث عن مسألتين: الأولى تهيئة النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بمكة لتأسيس مجتمع المدينة، الثانية: بيان الأسس التي أقامه عليها. وأشرت بعد ذلك إلى مصادر التربية في الإسلام، ووضحت أصولها التالية: عقيدة التوحيد، عباد الله تعالى، الالتزام بأخلاق الإسلام، تطبيق أحكامه، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طلب العلم، ضرروة العمل. وهي أصول جامعة لمضمون الإسلام، وشاملة لحاجات الإنسان الروحية، والحياتية، الفردية، والاجتماعية. وتقي المسلم من كل الشبهات التي تستهدفه. وبما أن التربية تقتضي اللين، والتسامح، والترغيب، والتحذير، والعقاب لمن لم يُجْد معه إلا هذا الأسلوب، فقد تعرضت إلى دفع الشبهة الموجهة إلى احكام العقوبات في الإسلام، فبينت الحكمة من تشريعها، والتحري في تنفيذها، وأنها وسيلة، وليست غاية. ثم عرضت وسائل تقوية الروابط الاجتماعية من العبادات كصلاة الجماعة، والجمعة، والعيدين، ومن الآداب كالسلام، والزيارة، ومن الحقوق كحقوق الجوار، وتحمل العاقلة للدية. ونظراً إلى ما في الطبائع البشرية من ميل إلى الخطأ، وإلى ما في المجتمع من المزالق، فقد نبهت إلى أخطار بعض المشاكل الاجتماعية، وإلى طرق الوقاية منها، وعلاجها. وختمت هذا القسم بإشارة وجيزة إلى خصائص المجتمع المسلم، لأني رأيت أن إطالتها تُعَدُّ كالتكرار لما سبق. وتعرضت في القسم الثاني من هذا الكتاب، وهو الأسرة إلى بيان أهميتها. وبما أن منطلق الأسرة وجوهرها هو الزواج، فقد حاولت الإلمام بمسائلة، وأحكامه، فذكرت الترغيب فيه، وحكمه، وغاياته، ونوّعتها بما.

يحقق مصالح الناس، وركزت في أسسه على اختيار الزوجين وفق الالتزام بالإسلام، وأخلاقه، والصفات التي تحقق الانسجام، وأوجزت أحكام الخطبة لأنها المناسبة التي يتم فيها التعارف. وبينت بتفصيل شروط الزواج، فأكدت على رضا الزوجين، وأوردت الأحاديث الصريحة المتضمنة رضا الزوجة، والقاضي بعضها بفسخ زواج المكرهة. ووضحت دور الولاية في إتمام عقد الزواج، وعرضت أحكام المهر داعيا إلى تيسيره. وسردت أصناف النسوة المحرمات لبيان موانع الزواج الؤبدة والمؤقتة، لئلا يقع زواج غير صحيح. وبعد أن اتممت الحديث عن تكوين الأسرة وتحدثت عن دعائهما متمثلة في حقوق الزوجين، وركزت على الحقوق المشتركة بينهما لإسهام الطرفين فيها، , ولأنها إذا توفرت شملت معظم الحقوق الأخرى، ومع هذا فلم أغفل عن حقوق الزوج، وحقوق الزوجة. وبما أن كثيرًا من الأسر لا تقتصر على الزوجين، وتشمل الأبوين، والأبناء، وربما أخوة الزوج في بعض الأحوال، وضحت حقوق الأبوين، والأبناء، والأقارب، مؤكداً على الترابط العائلي لتحقيق الترابط الاجتماعي. وتعرضت في الأخير إلى المشكلات العائلية التي قد تنشأ عن الزواج كالطلاق، والخلع، والظهار، والإيلاء، واللعان، فعرفت بها، وبأحكامها ليطلع عليها القارئ، ويتجنب أسبابها، ويكون على علم بحلولها إن وقعت له. واجتهدت في تقديم هذه المعلومات بأسلوب ميسر مختصر لتكون في مستوى طالبيها. واستمددتها من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، مستعيناً بالتفاسير، وشروح الأحاديث وآراء أهل السنة معرضًا عن التفصيلات الجزئية، مكتفياً بأصل المسألة وأشهر الآراء فيها.

وشجعني على اختيار هذا الموضوع تدريسي معظمه لطلاب جامعة الملك سعود بالرياض بالمملكة العربية السعودية في عدد من كلياتها كالعلوم الإدارية، والآداب، العلوم، والتربية، والطب، والهندسة، والزراعة في مقرر الإسلام وبناء المجتمع. وقد لقيت أثناء التدريس تجاوباً مع الطلاب على مختلف اختصاصاتهم لارتباط المقرر بالواقع، ومعالجته قضايا المجتمع والأسرة بالاعتماد على الشريعة الإسلامية. والله تعالى أرجو أن أكون وفقت فيما قدمت، وأن ينتفع به أكبر عدد ممكن من طلاب العلم، وأن أنال به الثواب الأوفى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. الرياض- المملكة العربية السعودية ربيع الثاني 1417/ ديسمبر 1996 أ. د محمد طاهر الجوابي

مقدمة الطبعة الثالثة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد فإني لست في حاجة في هذه الطبعة الثالثة لكتاب المجتمع والأسرة في الإسلام إلى التعريف بموضوعه، وأسباب تأليفه، وأهدافه، فقد ذكرت ذلك في مقدمة الطبعة الأولى، وإنما أشير فقط إلى أن الرغبة الملحة من أهل العلم في شراء الكتاب والانتفاع به جعلت الطبعتين السابقتين تنفدان من المكتبات، مما شجعني على إعادة طبعه للمرة الثالثة ليكون في متناول من يطلبه. وتم في هذه الطبعة مراجعته بالإصلاح، والتنقيح، والإضافة. تناول الإصلاح معالجة الأخطاء التي حصلت سابقا بتصويب ما اختل من الكلمات والجمل، وإكمال ما نقص منها، وإرجاع ما حذف، وسوى ذلك. وتمثل التنقيح في حذف بعض الجمل والتفريعات الجزئية لبعض المسائل التي يمكن الاستغناء عنها. وأكثر ما كانت الزيادة في التوضيح المتمثل في شرح الألفاظ والتراكيب، وإضافة ألفاظ وعبارات إلى العناوين لتأكيد ربطها بما سبقها ولتوضيحها أكثر.

وحتى لا تكثر مباحث الكتاب اكتفيت بإضافة مبحث واحد لم يكن في السابق. والمراجعة التي حصلت تعلقت بالشكل والتوضيح، ولم تغير الموضوع. فما هي إلا إصلاح محدود وتوضيح قليل. وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليمًا. الزهراء - الجمهورية التونسية رببع الثاني 1420/ أوت 1999 أ. د محمد طاهر الجوابي

القسم الأول: المجتمع المسلم

القسم الأول: المجتمع المسلم المجتمع ... المجتمع - تكوين المجتمع الإنساني: المجتمع مشتق من مادة جمع، وجمع الشيء ضم أجزاءه، وجمع الأشياء المتفرقة ضمها إلى بعضها. واجتمع الإنسان بغيره: انضم إليه، أو إليهم. وتجمع القوم: اجتمعوا من هاهنا وهاهنا 1،والجمع اسم لجماعة الناس، وإذا ازداد عدد المجتمعين تكونت الجماعة. والجماعة الإنسانية: عدد من الأفراد تربط بينهم رابطة أو أكثر. بنمو عدد الأفراد، وتطور حاجياتهم يستقرون في مكان، ويتضاعف تعاونهم الاضطراري في توفير الضرورات، والاختياري في تحقيق المصالح المشتركة بواسطة التعليم والزراعة والتجارة والصناعة وسواها. ويتولد عن الاستقرار ووجود المصالح المشتركة الحاجة إلى القانون لتقنين التعامل، والعلاقات البشرية. بوجود هذه العناصر: الإنسان، والأرض، والروابط، والمصالح والأهداف المشتركة، والعرف أو القانون يتكون المجتمع.

_ 1 ابن منظور، لسان العرب، مادة "جمع" 9: 402- 404.

- تعريفه: عرفه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمة الله، فقال: المجتمع البشري والأمة عبارة عن مجموعة من الناس. هي كل ملتئم من أجزاء هي الأفراد1. وأعرفه بتفصيل، فأقول: المجتمع الإنساني عدد هائل من الأفراد، جمعت بينهم روابط، وأهدف مشتركة، واستقرار في أرض، والتزموا بعرف، أو قانون. الفرق بين المجتمع والدولة: بازدياد عدد الأفراد، وإنشاء المؤسسات الدينية، والتربية، والصحية، والاقتصادية، وغيرها يسعى المجتمع لاختيار سلطة تحكمه، فيصبح دولة ويتوسع، وتزداد منشآته. فالفرق بين الكيانين هو السلطة الحاكمة. وقد لا يرى البعض هذا الفرق، ولكني أؤكد عليه. تعريف المجتمع المسلم: إن المجتمع المسلم ككل مجتمع إنساني له نفس العناصر الأساسية المكونة لكل مجتمع، وهي: الإنسان، والروابط، والمصالح، والأهداف المشتركة، والعرف، أو القانون، والأرض. بيد أنه يتميز ببعض الروابط كالعقيدة الإسلامية، وتحكيم الشريعة. وعلى هذا يمكن تعريفه بأنه عدد هائل من الأفراد المسلمين، جمعت بينهم مصالح، وعاشوا معًا في أرض واحدة، واتبعوا الإسلام عقيدة، ومنهج حياة. أسس بنائه: الأسس التي بني عليها المجتمع المسلم خمسة، وهي:

_ 1 أصول النظام الاجتماعي: 4.

- الإنسان - الروابط - المصالح، والأهداف المشتركة - الأرض - اعتماد الإسلام عقيدة، ومنهج حياة توضيح هذه الأسس الأساس الأول: الإنسان يتمثل الإنسان في الفرد، والأسرة، والمجتمع. الفرد ينشأ في الأسرة، ثم يكون أسرة، ومجموع الأسر تكون المجتمع. لهذا فالفرد يؤثر في المجتمع، والمجتمع يؤثر في الفرد بصفة أقوى. وكلما وقع الاهتمام بتربيته كلما أدى وظيفته الحياتية بصفة أفضل. وكوّن أسرة صالحة، فيتكون المجتمع الصالح. لأجل تكوين الفرد استمر الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة أكثر من عقد من الزمن يربي صحابته على عقيدة الإسلام، وأخلاقه، وما نزل من أحكامه القليلة وقتئذ1. وبتلك التربية الأساسية أمكن له أن يكون بهم مجتمعًا في المدينة المنورة بعد الهجرة عندما وجد الأرض. واقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم- في بناء المجتمع ينبغي أن يربى الأفراد على عقيدة التوحيد، وعبادة الله تعالى، والتحلي بأخلاق الإسلام، والعمل بأحكامه، وطلب العلم، وممارسة العمل الحياتي: اليدوي والفكرى، حسب مقدرة الفرد وحاجة المجتمع.

_ 1 انظر أحمد شلبي، المجتمع الإسلامي 37- 53.

الأساس الثاني: الروابط هي ما يجمع بين الناس في المقصد، أو الإحساس، أو الأصل، أو المكان، فيتآلفون، ويتوحدون. وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: أ- الروابط الفطرية. ب- الروابط المكتسبة. جـ- روابط أصلها فطري، وتتم باختيار الإنسان. أ- الروابط الفطرية: هي التي خلق الله الإنسان عليها. ومنها: القرابة، واللغة الأم. 1- القرابة: تتمثل في علاقات الأبوة، والأمومة، والبنوة، والأخوة، والعمومة، والخؤولة. ويحب المحافظة على طهارتها، لئلا تختلط الأنساب، فحفظ النسب من الكليات الخمسة التي هي حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسب، وحفظ المال. وتتدعم بالالتزام بحقوق الأصول والفروع وبصلة الرحم. وتنقلب هذه الروابط إلى سبب تفرقة إذا صارت عصبية ضيقة، لذلك يجب تجنب ذلك. 2- اللغة: هي رابطة فطرية لأبناء الشعب الواحد، ولأبناء الشعوب الذين تجمع بينهم لغة واحدة كالشعوب العربية، وينبغي استعمالها، وتنميتها، والاعتزاز بها. وتعد اللغة من الروابط المكتسبة إذا حصلت بالتعلم.

ب- الروابط المكتسبة: هي التي يكتسبها المرء بالتعلم كاللغة لمن لم ينشأ عليها، وكرابطة الزواج التي تنشأ بين الزوجين، وتقرب بين الأسر المتصاهرة، ويجب تقويتها لتكوين الأسر المتماسكة، ولحماية المجتمع من التشرد. ومن هذه الروابط: 1- رابطة الجوار، وقد حث الإسلام على دعمها ليترابط أبناء الحي والبلد. 2- رابطة الدراسة، وفيها يتأثر الطالب بأساتذته وزملائه، ويرتبط بجامعته. 3- رابطة العمل، وتربط العامل بمصنعه وزملائه. ج- روابط أصلها فطري، وتتم باختيار الإنسان: العقيدة، لأن الإنسان يرغب بفطرته في التدين بصفة عامة، ويختار الإسلام بصفة خاصة، إذا لم تسلط عليه موانع خارجية تبعده عنه لاستجابة أحكامه الروحية والمادية، فهي فطرية بهذا الاعتبار. ومكتسبة لأنها تتم باختيار الإنسان. عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء؟ " 1. المراد بالفطرة الإسلام. قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف، وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى:

_ 1 موطأ مالك 16، الجنائز 16، باب جامع الجنائز، حديث 52ج 1: 241. صحيح البخاري 23، والجنائز 9، باب ما قيل في أولاد المشركين ج1: 245-246، واللفظ له. قوله: "كمثل البهيمة تنتج البهيمة": تلدها. جدعاء: مقطوعة الأذن.

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} 1 الإسلام2. ومعنى هذا أن المولود يولد على الإسلام، ويستمر عليه، ولا يعتنق دينًا غيره إلا بتأثير الأبوين والبيئة. ولهذا اعتبرت عقيدة الإسلام فطرية لميلاد المولود عليه، ومكتسبة لأنه يختارها. قال القرطبي -في المفهم-: المعنى أن الله خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول، وعلى تلك الأهلية أدركت الحق، ودين الإسلام هو الدين الحق وقد دل على هذا المعنى بقية الحديث حيث قال: "كمثل البهيمة تنتج البهيمة". يعني أن البهيمة تلد الولد كامل الخلقة فلو ترك كذلك كان بريئا من العيب لكنهم تصرفوا فيه بقطع أذنه مثلا فخرج عن الأصل. الأساس الثالث: المصالح والأهداف المشتركة المصالح المشتركة: هي كل ما ينتفع به الجميع، كاستغلال موارد البلاد الاقتصادية مثل استخراج المعادن، الزراعة، والمياه، وكالمؤسسات الدينية، والصحية، والتربوية، وكتعبيد الطرق، وتوفير النقل. وتم بتعاون الجميع، والتنازل -إن اقتضى الأمر- عن جزء من المصلحة الفردية التي تعوضها المنشآت العامة.

_ 1 الروم 30. 2 ابن حجر، فتح الباري 3: 248. 3 ابن حجر، فتح الباري 3: 348.

والإسلام لا يلغي المصلحة الفردية، ولكنه يمنع تقديمها على المصلحة العامة. - الأهداف المشتركة: هي المصالح العامة التي لم تحقق بعد، ويسعى المجتمع إلى تحقيقها من مثل ما مثلنا له قبل قليل. الأساس الرابع: الأرض ودروها في بناء المجتمع الأرض هي العنصر الأساسي بعد الإنسان، في تكوين المجتمعات، فلا يوجد شيء بدون حيز، وكل حاجيات الإنسان منشؤها الأرض بدءًا من السكن والطعام فما بعدهما. متطلبات الأرض من ساكنيها: تتطلب الأرض من ساكنيها حمايتها، وعمارتها بتوفير السكن، والمؤسسات العامة، وتعبيد الطرقات، واستثمارها باستخراج المعادن، والانتفاع ببحرها بالملاحة والصيد، وبفضائها بالطيران، وبطقسها بمعرفة تأثيره على السكان، والزراعة، والنقل، والملاحة. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} 1. وقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 2

_ 1 سورة الملك: 15. 2 سورة الجمعة: 10.

وعن أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة" 1. جهاد النبي -صلى الله عليه وسلم- للحصول على الأرض: مكث الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة أكثر من عقد من الزمن، يجاهد لنشر الدعوة فيها واعتناق أهلها الإسلام، فأبوا، فحاول مع أهل الطائف، فرضوا، فلم يكوّن مجتمعًا، لأنه لم يجد الأرض حتى استجاب أهل يثرب لدعوته، وتفاوض معهم عند العقبة بمكة في سنتين متتاليتين. وأفضى التفاوض إلى طلبهم هجرته إليهم، فوافقهم بعد مبايعتهم إياه على الإسلام، وتعهدهم بحمايته. تكوين المجتمع المسلم بالمدينة: هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته إلى يثرب، ومكنه أهلها حسب تعهدهم السابق من الأرض، فبنى مسجد قباء، ثم المسجد النبوي الشريف، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وسن دستورًا لضمان حقوق كل السكان من المسلمين وغيرهم، فكون بذلك المجتمع المسلم بالمدينة. ولتوسيعه أوجب عليه الصلاة والسلام على المسلمين الهجرة إلى المدينة إلى حين فتح مكة. فلما فتحت صارت أرضًا مسلمة. عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا" 2. فهذا الحديث أنهى وجوب الهجرة إلى المدينة المنورة بعد أن تم فتح مكة، ودعا المسلمين إلى توسيع مجتمعهم والاستعداد للدفاع عنه. وواصل الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعوته، فأرسل الدعاة إلى نواحي الجزيرة العربية،

_ 1 صحيح مسلم 22، المساقاة 2، باب فضل الغرس والزرع، حديث 7 -10، ج 5: 28- 29. 2 صحيح البخاري 56، الجهاد والسير 1، باب فضل الجهاد والسير ج2: 134- 135.

واستقبل الوفود، فبايعوه على الإسلام، فشمل المجتمع المسلم كل الجزيرة العربية. تكوينه -صلى الله عليه وسلم- المجتمع العالمي المسلم: ولتكوين المجتمع الأوسع كاتب عليه الصلاة والسلام الملوك والأمراء حول الجزيرة العربية يدعوهم إلى الإسلام، فمهد للفتوحات الإسلامية التي وقعت بعد ذلك لنشر الإسلام، لا للسيطرة على الأرض بدليل أن من آمن من أهل البلاد المفتوحة تساوى مع الفاتحين، وأسندت إليه الوظائف السامية إن كان كفؤًا لها. الاساس الخامس: اعتماد الإسلام عقيدة ومنهج حياة يتم هذا الأساس بتربية الأفراد والجماعة على عقيدة التوحيد، والالتزام بمقتضياتها بالمواظبة على عبادة الله تعالى، والتحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، وتطبيق الشريعة ممثلة في القرآن والسنة، والاجتهاد الصحيح المتواصل لحل قضايا المسلمين، ورفض كل قانون وضعي يتعارض مع أحكام الشريعة. عن مالك بن أنس أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه" 1. وسنفصل الكلام على هذا الأساس ببيان عناصره عنصرًا عنصرًا خلال تفصيل الكلام عن منهج بناء المجتمع المسلم.

_ 1 موطأ مالك 46، القدر 1، باب النهي عن القول بالقدر، حديث 3ج 2: 899.

منهج بناء المجتمع المسلم

منهج بناء المجتمع المسلم المنهج هو الكيفية أو الطريقة التي اتبعت في بناء المجتمع المسلم، ولو تأملنا في عناصر تكوينه السابقة لوجدنا اثنين منها يؤثران في البقية، وهما الإنسان، واعتماد الإسلام عقيدة ومنهج حياة، فلبناء مجتمع مسلم متمسك بثوابته الإسلامية لا بد من الاهتمام بتربية الإنسان في كل المراحل والأحوال فرداً في الأسرة، وتلميذًا في المدرسة، وطالبًا في الجامعة، أو عاملًا في المصنع، أو موظفاً في الإدارة، ورجلًا كان أم امرأة. وتربيته في شتى المجالات تربية روحية، وبدنية، وعملية. مصادر التربية: مصادر التربية في الإسلام هي القرآن الكريم، والسنة، واجتهادات أئمة أهل السنة، وما يستمد من الحياة مما تقتضيه، ولا يتعارض مع أحكام الشريعة. وستتضح هذه المصادر من خلال الحديث عن الأصول لأنها استمدت منها. أصولها: الأصول التي ترتكز عليها تربية المسلم هي: 1- عقيدة التوحيد، وأثرها في السلوك الإنساني. 2- عبادة الله تعالى، وإصلاحها الفرد والمجتمع. 3- تنظيم المعاملات حسب الأحكام الشرعية.

4- الأخلاق الإسلامية، ودورها في بناء العلاقات الاجتماعية. 5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واثره التربوي. 6- طلب العلم، ودوره في وعي المجتمع. 7- ضرورة العمل وقيمته، وأثره في عزة النفس وفي ثواب الآخرة. 8- الاعتزاز بالإسلام، ودفع الشبهات عنه. فإذا تربى أفراد المجتمع على هذه الأصول استقام سلوكهم وتآخوا، وسعوا جميعا إلى تنميته بما يحقق مطالبهم الروحية كالعقيدة والعبادة، والمادية بتوفير متطلبات الجسم مما أحل الله تعالى.

الأصل الأول من الأصول التي ترتكز عليها عقيدة المسلم: عقيدة التوحيد وصلتها بالسلوك الإنساني

الأصل الأول من الأصول التي ترتكز عليها عقيدة المسلم: عقيدة التوحيد وصلتها بالسلوك الإنساني ... الأصل الأول: عقيدة التوحيد وصلتها بالسلوك الإنساني - تعريف العقيدة: العقيدة، لغة عقد الخيط: شد ربطه. واصطلاحًا: العقيدة الإسلامية هي الجزم بوجود الله تعالى، وتوحيده، ووصفه بما وصف به نفسه من الصفات من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، وتنزيهه عن المشابهة والنقص. وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم، والإيمان بما أخبر به من المغيبات. - عناصرها: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، رسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" 1. فالعناصر هي ما ذكرت في هذا الحديث. - دليلها: وردت عدة آيات وأحاديث متضمنة عنصرًا من عناصر العقيدة أو أكثر وحاثة على الإيمان بما تضمنته، ففي قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 2.

_ 1 صحيح مسلم 1، والإيمان 1، باب الإيمان والإسلام حديث 1 ج1: 29. 2 البقرة 163.

وصفت هذه الآية الله تعالى بالوحدانية والرحمة. ووصفته آيتا {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 1. بالربوبية والرحمة. وعن معاذ بن جبل، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ " قال: الله ورسوله أعلم. قال: "أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ " قال الله ورسوله أعلم، قال: "أن لا يعذبهم". وفي رواية مسلم: "حق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ... " 2 ففي هذا الحديث وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- الله تعالى بالوحدانية وبالمعبود وحده، وبأنه لا يعذب من وحده وخصه بالعبادة. - توضيح هذه العناصر: إن هذه العناصر واضحة لا تتطلب زيادة بيان، وسأوضح قليلا الإيمان بالقدر. - الإيمان بالقدر: القدر هو علم الله تعالى في الأزل بمصير كل مخلوق، وباختياره، وبكل ما وقع، ويقع في العالم. والقضاء: حكمه تعالى في خلقه على النحو الذي سوف يقع لهم، أو عليهم في الحياة. والمسلم يعتقد أن ما وقع له من خير، أو شر، هو بعلم الله تعالى، ويتحمل مسؤولية أعماله، لأنه محاسب على اختياره. والإيمان بالقضاء والقدر عامل من عوامل راحته، لعلمه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

_ 1 سورة الفاتحة 2-3. 2 صحيح مسلم 1، الإيمان 10، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا. حديث 49 ج 1: 43.وصحيح البخاري 97، التوحيد 1، باب ما جاء في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى ج4: 273 واللفظ له.

قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} 1. ويجب أن لا يدفعه إيمانه بالقدر إلى الاستسلام، بل عليه أن يتوكل على الله تعالى، ويطلب توفيقه، ويأخذ بالأسباب. الأثر الفكري لعقيدة التوحيد يظهر أثرها الفكري في المسلم فيما يلي: 1 حثه على التفكير: تمثل هذا الحث فيما يلي: أدعوة القرآن الإنسان إلى النظر في الكون، وما فيه من أرض وبحار، وفضاء، وسماء، وكواكب للتمعن في آياته تعالى الدالة على وجوده، وعظمته. قال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} {وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} 2. ب دعوته إلى النظر في نشأة الطعام. قال تعالى: {فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً} {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً} {وَعِنَباً وَقَضْباً} {وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً} {وَحَدَائِقَ غُلْباً} {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} {مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} 3. ج دعوته إلى النظر في الإنسان ذاته. قال: {فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} 4.

_ 1 سورة التوبة: 51. 2 سورة الغاشية: 17- 20. 3 سورة عبس: 24- 32. 4 سورة الطارق: 5.

2 تخصيص المسلم الله تعالى بوحده بالألوهية والربوبية، وتحرره من تأليه من سواه وما سواه بشرًا كان، أو حيوانًا، أو كوكبًا، أو جمادًا، أو غير ذلك. 3 ارتباطه الروحي بالله تعالى، فيكون على صلة به حين يعبده، وحين يقوم بأي عمل، أو حركة، وفي أي وقت وعلى أي حال. الأثر النفسي 1 تخلص المسلم من الفزع، والحيرة، والقلق، والهواجس، وشعوره براحة البال، والاطمئنان. قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} 1. 2 بعده عن اليأس، وفتح أبواب الرجاء والأمل أمامه. قال تعالى: {يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} 2. 3 إحساسه بالكرامة وعزة النفس في غير تهور. قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} 3. وقال: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} 4.

_ 1 سورة الرعد: 28. 2 سورة يوسف: 87. 3 سورة الإسراء: 70. 4 سورة المنافقون: 8.

4 تحرره من اتباع الهوى والشهوات. قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} 1. الأثر الخلقي 1 تطهير قلب المسلم من الحس، والحقد، والبغض، والكبرياء، والظلم. عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا. ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" 2. 2 امتلاء القلب بحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحب الوالدين، والأبناء والزوجة، والأخوة، والمسلمين. قال تعالى: {قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 3. عن أنس بن مالك قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" 4. وارتباط الإيمان بالأخلاق غايته التكامل بين العقيدة والسلوك.

_ 1 سورة الكهف: 28. 2 صحيح البخاري 78، الأدب 57، باب ما ينهي عن التحاسد والتدابر ج60:4 واللفظ له. صحيح مسلم 45، والبر والصلة والآداب 9، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس حديث 24ج 8: 10. 3 آل عمران: 31. 4 صحيح البخاري 2، الإيمان 8، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان ج1: 12 واللفظ له. صحيح مسلم 1، والإيمان 16، باب وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، حديث 69ج1: 49.

عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" 1. وتعدد شعب الإيمان علامة على الإرتباط الواسع بينه وبين السلوك، ومن عرف أن أعماله تؤثر في إيمانه زيادة ونقصا أكثر من طاعة الله، واجتنب معاصيه. الأثر الاجتماعي يتمثل هذا الأثر في اتساع العلاقات الاجتماعية ومتانتها ورسوخها، إذ أن المؤمن يدعم هذه العلاقات من خلال حبه لغيره، واحترامهم، واخلاصه في التعاون معهم، وعمله لأجل الصالح العام. عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه" 2.

_ 1 صحيح البخاري 2، الإيمان 3، باب أمور الأيمان ج1: 11. صحيح مسلم 1، الإيمان 12، باب شعب الإيمان، حديث 57 ج1: 46 واللفظ له. 2 صحيح البخاري 46، المظالم 5، باب نصر المظلوم ج2: 670. صحيح مسلم 45، كتاب البر والصلة والآداب 17، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم، حديث 65 ج8: 20.

الأصل الثاني: العبادة وأثرها في الفرد والمجتمع

الأصل الثاني: العبادة وأثرها في الفرد والمجتمع قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} 1. بينت هذه الآية أن الغاية من خلق الله الجن والأنس هي عبادته، شكرًا له تعالى على نعمه، ووفاء من عباده بحقه عليهم. فقد سبق لنا حديث معاذ الذي نص على أن من حق الله على العباد أن يوحدوه، ويعبدوه. معنى العبادة: لها معنيان خاص وعام. المعنى الخاص: العبادة أعمال بدينة أو مالية مخصوصة، يسبقها اعتقاد جازم بأن المستحق لها هو الله وحده. قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . فإياك تفيد التخصيص أي: نخصك يا الله بالعبادة، والاستعانة بك وحدك. وضبط الشرع أحكامها فحدد أوقاتها وكيفيتها، وبينها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقيامه بها، فقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 2.

_ 1 سورة الذاريات: 56-57. 2 صحيح البخاري 10، الأذن 18، باب الأذن للمسافرين ج1: 117.

عن جابر بن عبد الله، قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: "لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه" 1. فالله سبحانه يعبد بما شرّع، وعلى الصفة التي شرع. والمسلم مطالب بأداء الفرائض منها، وهي الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وعلى صفة الوجوب، والسنن، والصدقة غير الواجبة على وجه التطوع. المعنى العام: العبادة هي التقرب إلى الله تعالى بكل ما شرعه، وقام به صاحبه على الوجه المشروع، ونفع به نفسه، وغيره، وخلصت فيه نيته لله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوي، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه" 2. أهداف الصلاة قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً} 3.

_ 1 صحيح مسلم 15، الحج 51، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، حديث 31 ج4: 79. سنن أبي داود 24، المناسك 187، باب رمي الجمار ج2: 201. سنن النسائي 24، المناسك 220، باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم ج5: 271. 2 صحيح البخاري 63، مناقب الأنصار 45، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأنصاره ج2: 330. صحيح مسلم 33، الإمارة 45، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية"، حديث 155ج6: 48 واللفظ له. 3 سورة النساء: 103.

وقال: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} 1. الصلاة تعود المسلم الاستعداد للعمل، وتحري الوقت بما توجبه من الطهارتين، وانتظار الوقت، واستقبال القبلة، وتعلمه الخشوع لله، وربط الصلة بأهل حيه وبلده، وتمحو ما يرتكبه من الصغائر، وتزوده بشحنة متجددة من الإيمان يوميًّا، فإذا سولت له نفسه ارتكاب معصية تذكر صلاته فتراجع. عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ " قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا" 2. والخطايا التي تمحوها الصلاة هي الصغائر الراجعة إلى حقوق الله دون حقوق العباد. أهداف الزكاة أوجب الله تعالى الزكاة في أكثر من آية، وعطفها على الصلاة مرات. قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 3. وقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} . أشارت هذه الآية إلى بعض أهداف الزكاة، وهي تزكية نفس صاحب المال، وتطهيرها من الشح، ومن احتقار الفقراء، وهي أيضا تطهر قلب الفقير من الحقد، والبغض والحسد وتقوي الصلة بينه وبين صاحب المال. وقد خفف الله نسبتها، فتراوحت بين الاثنين والنصف، والعشرة من المائة، ترغيبًا في دفعها، وحثا عليها، وتوعد الله سبحانه وتعالى الذين يبخلون بها بالعذاب الأليم يوم القيامة، فقال تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ

_ 1 سورة العنكبوت: 45. 2 صحيح مسلم 5، المساجد 51، باب المشي إلى الصلاة، حديث 283 ج2: 131. 3 سورة البقرة: 43. 4 سورة التوبة: 103.

يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} 1. أهداف الصوم أوجب الله الصوم في القرآن والسنة فقال تعالى: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 2. وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" 3. وهو يعود الإخلاص، والصبر، والتضامن، وتجنب بذيء القول، ورديء الفعل. وعن أبي هريرة أيضا، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" 4. أهداف الحج فرض الله تعالى الحج على من استطاعه بالبدن والمال، قال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} 5 وقال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} . فالحج فرصة يجدد فيها المسلم الخشوع لله تعالى بالحضور في بيته وأداء المناسك، ومشاهدة ما لم يره من قبل، وهو مناسبة للتوبة، وقد بشر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمحو ذنوب الحاج المخلص الذي أدى المناسك كما

_ 1 سورة آل عمران: 180. 2 سورة البقرة: 183. 3 صحيح البخاري 2، الإيمان 28، باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان ج1: 16 وسنن الترمذي 6، الصوم 1، باب ما جاء في فضل شهر رمضان ج 3: 67. 4 صحيح البخاري 30، الصوم 8، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم ج1: 326. 5 سورة البقرة: 196. 6 سورة البقرة: 197.

شرعها الله تعالى فقال: "من حج لله، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه" 1. ومعلوم أن محو الذنوب خاص بما بين المسلم وبين ربه. أما حقوق العباد فعلى الحاج أن يرجعها إلى صاحبها. وإلا طولب بها يوم القيامة. الإفلاس يوم القيامة يحصل الإفلاس يوم القيامة لمن يسلك في الدنيا سلوكًا متناقضًا، فيؤدي العبادات المفروضة دون أن يفقه أهدافها، فيعتدي على الناس ويحسدهم، ويبغضهم، ويسيء القول إليهم، فيشتم، ويكذب، ويشهد شهادة الزور، ويمشي بالنميمة، ويطعن في الأعراض، ويمنع حق غيره، ويظلم، لأنه أدى العبادات شكلًا، ولم يفقه حكمتها، فلم يحصل له وازع يردعه عن المنكرات. فإذا كان يوم الحساب وجد في حسناته ثواب العبادات التي أداها من صلاة وزكاة وصوم، ووجد في مقابلها حقوق الناس المتراكمة عليه، فيعطيهم من ثواب عباداته، فلا يكفي ذلك لكثرة ما لهم عليه، فترمى عليه خطاياهم، فتغمره، فيفلس، فيكون من أهل النار، فيلقى فيها. عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون ما المفلس"؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن

_ 1 صحيح البخاري 25، الحج 4، باب فضل الحج المبرور ج1: 265 واللفظ له. وصحيح مسلم 15، الحج 79، باب في فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة، حديث 438ج 4: 107. سنن النسائي 24، المناسك 3، باب ما جاء في فضل الحج وثوابه ج 5: 114.

فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار" 1. إن سبب إفلاس هذا المسلم هو جهله بأهداف العبادات، فلو فكر، وعلم أنها إنما فرضت ليؤدي حقوق الله عليه، ويشكره على نعمه، ويلتزم بطاعته، ويجتنب معاصيه في كل تصرفاته لاستقام في قوله وفعله، واحترم غيره، وأعطى كل ذي حق حقه، ففاقت حسناته سيئاته فكان من أهل الجنة.

_ 1 صحيح مسلم 45، والبر والصلة والآداب 15، باب تحريم الظلم، حديث 59ج 8: 18.

الأصل الثالث: تنظيم المعاملات حسب أحكام الشريعة الإسلامية

الأصل الثالث: تنظيم المعاملات حسب أحكام الشريعة الإسلامية تشمل المعاملات الأنشطة اليومية المتعددة، وكلها ينبغي أن تكون وفق الشريعة الإسلامية. ولا تستعمل القوانين الوضعية إلا في الحالات التي لم يرد فيها نص شرعي، وحدثت في المجتمع عند توسعه، بشرط أن لا تعارض الشريعة. والشريعة صالحة لكل الأزمنة، وفي كل المجالات، ويتطلب ذلك الأمر اجتهاد المختصين فيها لحل قضايا المجتمع المستجدة، والتزام العمل بها من الجميع. فكل عمل يجب أن يكون حلالًا، وأن ينجز على الوجه الحلال، سواء كان في المعاملات اليومية كالزراعة، والصناعة، والتجارة، والإدارة، وسواها. أو في المعاملات المالية كالصرف وغيره، أو الاجتماعية كالتعليم، والزواج، وما يتبعه من نفقة وتربية الأولاد وطلاق - إن حدث- وما يتبعه من أحكام. عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" 1.

_ 1 صحيح البخاري 96، الاعتصام 20، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ ج4: 267 واللفظ له. صحيح مسلم 30، الأقضية 8، باب نقض الأحكام الباطنة ورد محدثات الأمور حديث 8 ج5: 132.

وجاء في حديث عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "فمن رغب عن سنتي فليس مني" 1. وتتم المعاملات كلها بأسلوب التسامح لتكون عاملًا من عوامل التضامن والتحابب. عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رحم الله رجلًا سمحًا 2 إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" 3.

_ 1 صحيح البخاري 67، والنكاح: 1 الترغيب في النكاح ج3: 237 "وهو جزء من حديث" صحيح مسلم 16، النكاح ج4: 129 "وهو جزء من حديث". 2 سمحًا: لينًا. اقتضى: طلب حقًّا. 3 صحيح البخاري 34، البيوع 16، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ج2: 706.

الأصل الرابع: الأخلاق الإسلامية وأثرها في العلاقات الاجتماعية

الأصل الرابع: الأخلاق الإسلامية وأثرها في العلاقات الاجتماعية - تعريفها: الأخلاق جملة من الفضائل دعت إليها الشريعة، يتحلى بها المسلم، فيستقيم سلوكه، أو مجموعة من الرذائل نهت عنها الشريعة، يرتكبها المسلم فينحرف سلوكه. بعضها قلبي كالغبطة والحسد، وبعضها قولي كالصدق والكذب، وبعضها فعلي كإماطة الأذى عن الطريق، أو رميه فيه. - مصدرها: القرآن والسُّنَّة، فقد بينا حميدها وذميمها، وأمرًا بالتحلي بالأول، والابتعاد عن الثاني، ومدح الله أخلاق رسوله صلى الله عليه وسلم, فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 1. واعتبر صلى الله عليه وسلم الأخلاق من كمال الإيمان، فقال: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقًا" 2. وكانت أخلاقه صلى الله عليه وسلم عاملًا قويًا في قبول دعوته والتفاف المسلمين حوله. قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} 3.

_ 1 سورة القلم:4. 2 سنن أبي داود 39، السنة 10، باب الدليل على زج159.

ولما سئلت عائشة عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خلقه القرآن"1. وهي كلمة جامعة يؤول معناها إلى أنك إذا عرضت آية من آي القرآن الواردة في خلق حسن، وعمل صالح، وتأملت من سيرة رسول الله في الناحية الوارد فيها القرآن وجدت سيرة رسول الله مطابقة لما تضمنه القرآن. فالقرآن إذن هو جامع مكارم الأخلاق، فالرسول هو مظهر تلك المكارم، والقرآن ورد آمراً الأمة تفصيلًا أن تعمل به، وآمرًا لها إجمالًا أن تقتدي برسولها، إذ قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 2 3. - دوافعها: كل عمل يقوم به أي إنسان يدفعه إليه دافع، وله منه غاية، والدافع في الإسلام يسمى النية، وهي ركن في العبادات لا تصح بدونها، وعليها يتوقف المقصد من العمل، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ... " 4. وعلى حسب النية تكون الغاية، فمن عمل عملًا صالحًا يقصد به وجه الله كان له ذلك، ومن عمل عملًا يقصد به الرياء أو غيره كان له ما نوى، والنية مرتبطة بمصدر الأخلاق، فطالما أن مصدرها في الإسلام الكتاب والسنة فكل أقوال المسلم وأعماله تكون في طاعة الله تعالى إن نوى ذلك، والتزم بشروط العمل المتقرب به إلى الله تعالى.

_ 1 هذا جزء من حديث طويل سأل فيه سعد بن هشام بن عامر أم المؤمنين عائشة "يا أم المؤمنين انبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت بلى. قالت: فإن خلق النبي صلى الله عليه وسلم كان القرآن". صحيح مسلم 6، صلاة المسافرين 17، باب جامع صلاة الليل، حديث 139ج 2: 169. 2 الأحزاب: 21. 3 ابن عاشور، أصول النظام الاجتماعي: 127. 4 صحيح البخاري 1، بدء الوحي 1 كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ج1: 5.

أثرها في العلاقات الاحتماعية الفرد جزء من المجتمع، والمجتمع جماعات من الأفراد، وكلاهما يؤثر في الآخر. ويتأثر به. الأفراد الصالحون يكونون مجتمعًا صالحًا، والمجتمع الصالح يكون أفرادًا صالحين، وتنمو العلاقات الاجتماعية، وتتدعم، أو تضعف وتنحل تبعًا لما يكنه كل فرد للآخر من حب أو بغض، وما يتلفظ به معه من كلام طيب، أو خبيث، وما يقوم به نحو من عمل حسن أو منكر. فالأخلاق الإسلامية علامل مؤثر في وحدة المسلمين وتضامنهم وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم فيما يجسم هذا التضامن، ونهي عما يضعفه. 1- التراحم: عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لا يرحمن لا يرحم" 1. 2- كفالة اليتيم: عن سهل بن سعد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنا وكاف اليتيم في الجنة هكذا"، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى2. 3- الإحسان إلى الأرملة والمسكين: عن صفوان بن سليم، يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار، ويقوم الليل" 3.

_ 1 صحيح البخاري 78، الأدب 27 باب رحمة الناس والبهائم ج4: 52. 2 صحيح البخاري 78، الأدب 24، باب فضل من يعول يتيمًا ج4: 52. 3 صحيح البخاري 78، الأدب 25، باب الساعي على الأرملة والمسكين ج4: 52.

ب- النهي عما يضعف التضامن من الصفات النفسية والأقوال والأعمال عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله أخوانًا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا"، ويشير إلى صدره ثلاث مرات "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه" 1. لا تحاسدوا، الحسد: تمني زوال النعمة عن الغير. لا تناجشوا، النجش: الزيادة في ثمن السلعة دون الرغبة في شرائها. لا تباغضوا، البغض: الكراهية. لا تدابروا، التدابر: إعراض كل واحد عن الآخر علامة على القطيعة. لا يخذله الخذلان: ترك النصرة عند الحاجة. بحسب امرئ: يكفيه. مجمل المعنى: نهى الحديث عن كل ما يضعف العلاقة الاجتماعية بين المسلمين كالحسد، والنجش، والبغض، والتدابر، وبيع البعض على بيع البعض، والظلم، والخذلان، والاحتقار، والاعتداء على الغير في نفسه، أو عرضه، أو ماله. ودعا إلى التآخي حفاظًا على وحدة المسلمين وتضامنهم.

_ 1 صحيح مسلم 45، البر والصلة والآداب 10، باب تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره حديث 33 ج8: 10- 11.

الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودوره التربوي

الأصل الخامس: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ودوره التربوي المعروف: كل قول أو فعل أمر به الشرع. والمنكر: كل قول أو فعل نهى عنه الشرع. والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وظيفة اجتماعية، يحتمها واقع الناس، وما يعيشونه مما يغريهم فيبعدهم عن الحلال، ويزين لهم الحرام فيقعوا فيه، فهم جميعًا في حاجة إلى التذكير، بعضهم في حاجة إلى التنبيه، وآخرون في حاجة إلى الزجر. لذلك كانت هذه الخطة من أسباب وصف أمة الإسلام بالخيرية. قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 1. ولئن كانت هذه الآية في صيغة الخبر فإن الآية التالية في صيغة الإنشاء، وقد أمرت بالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. قال تعالى: {مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} 2. وورد الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في الآية التالية وصفًا للمؤمنين في جملة خلال حميدة.

قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 1. ولاختلاف الناس في تقبلهم النصح والتنبيه، ولتباين الظروف بين بلد وآخر، وعصر والذي بعده، بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- طرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتستعمل كل طريقة استعمالًا ملائمًا لكل شخصٍ، وللظروف العامة. عن أبي سعيد، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" 3. وجاء في رواية أخرى عن أبي سعيد نفسه تقديم الاستطاعة على التغيير، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: أصناف القائمين بهذه المهمة: 1- جمهور المسلمين، ومهمتهم التناصح بينهم فيما لهم به علم مع وجوب مراعاة حالة المتنصح. 2- العلماء، ومهمتهم أوكد من العامة، والأمر بالنسبة إليهم واجب في الحال المناسبة. 3- المباشرون لهذا المهمة، وهؤلاء إما موظفون تكلفهم السلطة القيام

_ 1 سورة التوبة: 71. 2 صحيح مسلم1، الإيمان 20، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، حديث 78 ج1: 50. سنن النسائي 47، والإيمان 17، باب تفاضل أهل الإيمان ج7: 111. 3 سنن أبي داود 36، الملاحم 17، باب الأمر بالمعروف والنهي ج4: 13.

بهذه المسؤولية, أو هم كل صاحب سلكة تخولع له سلطته القيام به. شروط القائمين بها: 1- العلم بالحلال والحرام حتى لا ينهي القائم بهذا الأمر عن حلال، ولا يأمر بحرام. 2- التوسع في هذا العلم بالتفريق بين الواجب والمندوب من الأحكام. 3- المعرفة باحوال الناس الاجتماعية, وتأثيرها في سلوكهم. 4- العلم باختلاف الطباع. ويكتسب الشرطان الثالث والرابع من الخبرة الحياتية المتأتية من معاشرة الناس والتعامل معهم، ومن دراسة قسم من علم الاجتماع وعلم النفس. 5- الصبر. 6- السلوك المستقيم. 7- المعاملة اللينة التي تجمع بين الرفق بالمتنصح، أو المعاقب، وبين القيام بحدود الله تعالى.

الأصل السادس: طلب العلم ودوره في وعي المجتمع

الأصل السادس: طلب العلم ودوره في وعي المجتمع طلب العلم أساس من أسس المجتمع المسلم، لذلك لم اعتبره النبي -صلى الله عليه وسلم- طريقًا إلى الجنة. قال: "من سلك طريقًا يطلب به علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة" 1. ودعا إلى التفقه في الدين بتعليم قواعده، وما يتصل بها من فروعه، وإدراك مقاصده، واستخراج المعاني الدقيقة لنصوصه. فقال: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" 2. ووعد الله تعالى برفع درجات العالم المؤمن بالاحترام في الدنيا، والثواب في الآخرة. قال تعالى: {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} 3. وأخبر بأن العلم طريق للخشوع لله تعالى، فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 4. قال ابن حجر: "المراد به العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمره ومعاملاته، والعلم.

_ 1 صحيح البخاري 3، العلم 8، باب العلم قبل القول والعمل "تعليقًا" ج1: 23- 24. سنن الترمذي 39، أبواب العلم 2، باب فضل طلب العلم ج4: 137. 2 صحيح البخاري 96، الاعتصام 10، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق....". ج4: 263. 3 سورة المجادلة: 11. 4 سورة فاطر: 28.

بالله وصفاته، وما يحب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائص، ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه 1. ولئن كان العلم الشرعي هو أول ما يجب طلبه لهذه الأغراض فإن الطلب ينبغي أن يشمل كل علم نافع للمجتمع المسلم من علوم الأحياء، والرياضيات، والطب، وسواها مما يحقق التقدم في مختلف مجالات الحياة، ويساعد المسلم على النجاح في أداء وظيفته الحياتية الفردية والاجتماعية. لهذا كان على المجتمع أن يبادر ببناء المؤسسات التربوية والتعليمية في كل المستويات لتعليم أبنائه، وتثقيفهم، والوصول بهم إلى درجة من الوعي يعون بها واقعهم وما حولهم، وتساعدهم على تحقيق أهدافهم. وعلى طالب العلم الشرعي وسواه من العلوم النافعة كما ذكرنا أن ينوي بعلمه التقرب إلى الله تعالى، وسيحصل له إن شاء الله بهذه النية، وبالطلب الجاد الثواب من الله تعالى ونفع نفسه وغيره.

_ 1 ابن حجر، فتح الباري 1: 141.

الأصل السابع: ضرورة العمل وقيمته

الأصل السابع: ضرورة العمل وقيمته وأثره في عزة النفس وفي ثواب الآخرة ترغيب النبي -صلى الله عليه وسلم- في عمل اليد: عن المقدام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أكل أحد من طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" 1. روى هذ الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المقدام بن معديكرب الصحابي المتوفى سنة سبع وثمانين للهجرة، وله في صحيح البخاري حديث في الأطعمة، وهذا الحديث في كتاب البيوع "باب كسب الرجل وعمله بيده" وقد تضمن ترغيبه عليه الصلاة والسلام في عمل اليد، وتفضيله هذا العمل على طرق الكسب الأخرى. وسنشير إلى هذه الطرق، ثم نبين المراد بعمل اليد، وأسباب الترغيب فيه، ومقاصد هذا الحديث. - طرق الكسب: الكسب هو السعي في طلب الرزق، ولنيل الثواب في الآخرة. قال تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} 2 وقال: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} 3.

_ 1 صحيح البخاري 34، والبيوع 15، باب كسب الرجل وعمله بيده ج 2: 6. 2 سورة المسد: 2. 3 سورة المدثر: 38.

والمرء محاسب على جهده الذي يبذله بالنسبة لميدان البذل، ووسيلته، والدافع، والغاية. وكل يختار الطريقة التي تتيسر له، وعن الماوردي أن أصول المكاسب ثلاثة: الزراعة، والتجارة، والصناعة، والأشبه بمذهب الشافعي أن أطيبها التجارة، قال الماوردي: والأرجح عندي أن أطيبها الزراعة لانها إقرب إلى التوكل1. والأفضل عند النووي حسب الحديث المتقدم أن أفضلها عمل اليد، ومنه الزراعة، وميزتها أنها عمل اليد، وأن فيها التوكل، والنفع العام للآدمي والدواب، وأنه يؤكل منها بغير عوض2. ومهما كان الأفضل فإن الثلاثة من ركائز الاقتصاد، على أنه لا يمكن إغفال بقية النشاطات الإنسانية كالعمل الإداري، والعمل الفكري، والله تعالى يجازي أصحابها حسب نياتهم وغاياتهم. ومقتضى الحديث الذي بين أيدينا تفضيل عمل اليد، فما المراد به؟ - المراد بعمل اليد: إن كل الأعمال تنتج باليد، ويراعي في تصنيفها الصفة الغالبة عليها في إعدادها، فإن كان الجهد البدني هو الغالب، والوسيلة هي اليد نعت العمل باليدوي، وإن كانت الآلة هي المعتمدة لم يضف إلى اليد، رغم أنها هي التي استخدمت الآلة. وإن كان الفكر هو المهيئ مع عناء في التفكير، والقول هو وسيلة التنفيذ كالعلم نسب إلى الفكر، رغم أن اليد شاركت في التفيذ، وإجمالًا فإن كل عمل هو إنتاج مشترك بين الفكر واليد مع تفاوت في نسبة التأثير. وإن بعض الأعمال الفكرية كالطب والهندسة والتعليم يمكن أن تدخل تحت الصناعة في مفهومها الإبداعي الشامل لاعتمادها على الفكر من ناحية، وعلى الخبرة المكتسبة من الممارسة من ناحية ثانية.

_ 1 2 ابن حجر، فتح الباري ج4: 304.

وبالتأمل في الحديث منطلق هذا المبحث يمكن القول أن لعمل اليد الوارد فيه معنيين: الأول عام، وهو كسب الشخص رزقه بنفسه بقطع النظر عن نوع العمل ووسيلته. والثاني تقتضيه الإضافة إلى اليد، وهي تصرفه إلى المعنى الخاص الذي يحصره في العمل الذي ينتج باليد. ويبدو أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- رجح المعنى الثاني لأنه عطف عمل اليد على الكسب، وهو من عطف الخاص على العام، ولأنه أتبعه بأبواب تتعلق بالأعمال اليدوية فترجم للقصابة بقوله باب ما قيل في اللحام 1 أعني القصاب، وبعده بخمسة أبواب ترجم للصياغة بقوله باب ما قيل في الصوّاغ 2 وإثرها ترجم للحدادة بقوله باب ذكر القين والحداد 3، وللخياطة بقوله: باب الخياط 4، وللنساجة بقوله باب النساج 5. وللنجارة بقوله: باب النجار 6، وأورد في هذه الأبواب أحاديث بينت أن لأصحاب هذه الحرف علاقات مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو مع الصحابة -رضي الله عنهم- مما يدل على أنه أقرهم عليها، فيكون ذلك كالنص على الجواز، وما لم يذكره من الصناعات الأخرى يؤخذ بالقياس 7. وبهذه الأمثلة يتضح المراد بعمل اليد، فما هي أسباب الترغيب فيه؟

_ 1 صحيح البخاري 34، البيوع 21، باب ما قيل في اللحام والجزار ج 7: 1. 2 صحيح البخاري 34، البيوع 28. 3 صحيح البخاري 34، البيوع، الباب 29. 4 صحيح البخاري 34، البيوع باب 30. 5 صحيح البخاري 34، البيوع الباب 31. 6 صحيح البخاري 34، البيوع باب 32. 7 انظر ابن حجر: فتح الباري ج 4: 317.

- أسباب الترغيب فيه: إذا ما نظرنا إلى الأعمال اليدوية ما ذكر منها، وما لم يذكر، نجد أصحابها هم الذين يوفرون حاجات الناس، فالسكن يبنيه البنَّاء بتعاون مع النجَّار والحدَّاد والكهربائي وغيرهم. واللباس ينجزه النسَّاج، والخيَّاط. والأكل يبدأ من الفلَّاح، ويمر بالفرَّان، والبقَّال، والقصَّاب، وسواهم. وكذلك بقية الحاجات من تنقل وتعليم وعلاج، وغيرها. ولهذه الضرورة إلى العمل اليدوي حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغب فيه. وأخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تعاطاه، رغم أنه في غنى عنه لأنه خليفة الله تعالى في أرضه قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} 1. وهو إنما تعاطاه ابتغاء الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبي -صلى الله عليه وسلم- قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد. وهذا بعد تقرير أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم ينسخ، ولا سيما إذا ورد في شرعنا مدحه وتحسينه مع عموم قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} 2 3. - مقاصد هذا الحديث: لهذا الحديث عدة مقاصد، منها: - محو ما علق ببعض الأذهان من احتقار الحرف اليدوية، والتقليل من أهميتها في المجتمع في حين أنها محرك نشاطه.

_ 1 سورة ص: 26. 2 سورة الأنعام: 90. 3 ابن حجر، فتح الباري 4: 304.

توفير مواطن الشغل لكثير من فاقديه، فيقبلون على العمل، ولو كان متعبًا، صونًا للنفس عن ذل السؤال، ولهذا أورد الإمام البخاري في الباب نفسه، وفي غيره، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه" 1. وخير هنا ليست فعل تفضيل إذ لا خير في السؤال مع القدرة على الاكتساب، ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل وتسميته الذي يعطاه خيرًا 2. اجتهاد البعض في أعمالهم فيحققون ابتكارات في المصنوعات، وفي طريقة العمل. والمسلمون اليوم أينما كانوا، وكيفما كانت حالهم الاجتماعية ثراءً أو فقرًا هم في حاجة للعناية بالأعمال اليدوية وتطويرها، ليوفروا حاجاتهم بأنفسهم، وليتخلصوا من تبعية غيرهم في أشياء بسيطة في إمكانهم إنتاجها. على أن هذه الحرف، وكل عمل لا يحقق قصده المتمثل في تحقيق النفع لصاحبه والمجتمع إلا إذا صحبه الإخلاص، والنصح، والقناعة في الربح، والتعامل الحسن مع الحرفاء، واتقاء كل الشبهات حتى يتأكد العامل أن كسبه حلال محض، فينوي به التقرب إلى الله تعالى، ويعتقد أن العمل واسطة، والرزق من الله تعالى فيتوكل عليه.

_ 1 صحيح البخاري 34، البيوع 15، باب كسب الرجل وعمله بيده ج1: 6، والزكاة 50، باب الاستعفاف في المسألة ج 1: 252. سنن النسائي 23، الزكاة 85، باب المسألة ج 5: 93- 94. 2 ابن حجر، فتح الباري ج3: 336.

الأصل الثامن: الدعوى إلى الاعتزاز بالإسلام

الأصل الثامن: الدعوى إلى الاعتزاز بالإسلام ودفع الشبهات عنه دفع الشبهات عن أحكام العقوبات في الإسلام: إن للإسلام من المزايا المتعددة ما يجعل المسلم يعتز به، ويدفع كل شبهة تثار ضده. ومن هذه الشبه ما أثير ضد أحكام العقوبات فيه، فقد اعتبرت منقصة للإنسان، واعتداء على كرامته بجلده، أو قطع يده، أو قتله، وأنها لا تتلاءم مع الحضارة المعاصرة، وقيلت فيها أقوال أخرى. ودفعًا لهذا الشهبة أبين الحكمة من تشريع العقوبات وشروط تنفيذها. الحكمة من تشريع العقوبات إن تشريع العقوبات من الحدود والتعازير وغيرها حماية للدين، والأنفس، والأعراض، والعقول، والأموال، فهي وسيلة وليست غاية، ولو لم تنفذ لتركت قواعد الدين وأحكامه، وقتلت الأنفس، وهتكت الأعراض، وخدرت العقول، وأتلفت الأموال، فاختل الأمن، واختلطت الأنساب، وانهار الاقتصاد.

كيف لا، ومن الحدود والحقوق ما يسمى حدود الله تعالى وحقوقه كحد قطاع الطرق، والسراق، والزناة، ونحوهم. فهي ليست لقوم معينين بل لمطلق المسلمين، ومنفعتها لهم جميعًا 1. وإقامتها رحمة من الله بعباده بكف الناس عن المنكرات 2. لذلك وجب تنفيذها على كل من ارتكبها. شروط تنفيذها: لا تنفذ العقوبات في الإسلام إلا بعد البحث في كيفية ارتكابها، وفي الظروف التي وقعت فيها. ووسائل إثباتها، وانتفاء الشبه التي قد تدفعها. قال الإمام مالك: وذلك أن الحد الذي هو لله لا يؤخذ إلا بأحد وجهين: إما بينة عاجلة تثبت على صاحبها، وإما باعتراف يقيم عليه حتى يقام عليه الحد فإن أقام على اعترافه أقيم عليه الحد 3. ولم ينفذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدًّا على أحد إلا بعد حثه إياه على التثبت فيما أقر به على نفسه. وإن المتمعن في شروط المال المسروق الذي يقام الحد على سارقه، وفي وسائل إثبات جريمتي الزنا والقتل في كتب الفقه يرى التحري الكامل في إثبات العقوبة وتنفيذها.

_ 1 ابن تيمية، السياسة الشرعية في صلاح الراعي والرعية 63- 64 بتصرف. 2 المرجع نفسه: 98. 3 موطأ مالك 2: 826.

وسائل تقوية الروابط الاجتماعية

وسائل تقوية الروابط الاجتماعية إن الروابط الاجتماعية في المجتمع المسلم متعددة، كما رأينا عند الكلام عن نشأة المجتمع. وكنت ذكرت في الحديث عن العقيدة والعبادات أنها كلها ذات أهداف اجتماعية تمتن تلك الصلات، وأن من تلك العبادات ما يتعلق موضوعه أساسًا بهذه الصلات كالزكاة التي تفرض حقًّا للفقراء في مال الأغنياء فتقرب بين الفئتين. وأبين هنا وسائل أخرى تدعم هذه العلاقات، وترجع إلى بعض العبادات وإلى الآداب، والحقوق، وسأجمل القول فيها متعرضًا لجانبها الاجتماعي، ومجمل أحكامها دون التفاصيل التي ترجع في كتب الفقه. وأرتبها كما يلي: أ- العبادات: - صلاة الجماعة - صلاة الجمعة - صلاة العيدين ب- الآداب: - إفشاء السلام - التزاور - عيادة المريض ج- الحقوق: - تشييع الجنازة - حقوق الجوار -تحمل العاقلة للدية

الوسيلة الأولى: صلاة الجماعة صلاة الجماعة مناسبة يومية يلتقي فيها أهل الحي في المسجد يعبدون الله تعالى، ويوحدونه، ويطمئنون على أحوالهم. أكد عليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أكثر من حديث ترغيبًا وترهيبًا. ففي فضلها روى عنه عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعًا وعشرين درجة" 1. وعن عثمان بن عفان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله" 2. وفي التشديد على التخلف عنها حدَّث أبو هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلًا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق

_ 1 موطأ مالك 8، صلاة الجماعة 1، باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ حديث1 ج1: 129. صحيح البخاري 10، الأذان 30، باب فضل صلاة الجماعة ج1: 119. صحيح مسلم 5، المساجد ومواضع الصلاة 42، باب فضل صلاة الجماعة حديث 249ج 2: 122 واللفظ له. 2 صحيح مسلم 5، والمساجد وموضع الصلاة 45، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة حديث 260 ج2: 125.

عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء" 1. قوله: "أو مرماتين" تثنية مرماة بكسر الميم، وحكي فتحها، وهي ما بين ظلفي الشاه من اللحم، وفسرت بالهبة، وبالسهم. والجملة لو يعلم أحدهم إلى آخر الحديث فيها إشارة إلى ذم المتخلفين عن الجماعة بوصفهم بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب مع التفريط فيما يحصل رفيع الدرجات ومنازل الكرامة2. هذا الحديث أورده الإمام البخاري تحت عنوان وجوب صلاة الجماعة ويعني هذا أنه استدل به على وجوبها. وفي المسألة خلاف قال ابن قدامة: الجماعة واجبة للصلوات الخمس، وروي نحو ذلك عن ابن مسعود وأبي موسى، وبه قال عطاء والأوزاعي، وأبو ثور 3. ولم يوجبها مالك والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي 4. وأضاف ابن حجر بعض التوضيح، فقال: قال أحمد: إنها واجبة غير شرط، وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية، وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وقال به كثير من الحنيفية والمالكية، والمشهور عند البقية أنها سنة مؤكدة 5.

_ 1 صحيح البخاري 10، الأذن 29، باب وجوب الجماعة ج1: 119 واللفظ له. صحيح مسلم 5، المساجد ومواضع الصلاة 42، باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، حديث 246ج2: 123. 2 ابن حجر، فتح الباري 2: 129- 130. 3 ابن قدامة، المغني 2: 176. 4 ابن قدامة، المغني 2: 176. 5 ابن حجر، فتح الباري 2: 126.

وأجاب هؤلاء عن ظاهرة الحديث السابق بأجوبة منها: أن التهديد بالتحريف يمكن أن يكون في حق تاركي فرض الكفاية. ومنها أن الخبر ورد مورد الزجر، وحقيقته غير مرادة، وإنما المراد المبالغة، ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار، وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك 1. وقد تعددت الإجابات والردود عليها، ولسنا في حاجة إلى عرضها لأن الذي يهمنا تأكيد النبي -صلى الله عليه وسلم- على حضور الجماعة -بقطع النظر على حكمها- تحقيقًا لتآلف المجتمع وتماسكه وهذا لا خلاف فيه.

_ 1 ابن حجر، فتح الباري 2: 126.

الوسيلة الثانية: صلاة الجمعة هي فرض أسبوعي على المسلمين، يؤدونها في المسجد الجامع، فيستمعون إلى خطبة الإمام ويصلون، ويلتقون مع بعضهم، فهي فرصة لقاء متممة للقاء اليومي، فمن تخلف عن الجماعة يلتقي مع أهل حيه وبلده يوم الجمعة، وقد أوجبها الله تعالى بالقرآن والسنة. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} 1. أوجبت هذه الآية حضور صلاة الجمعة، فأمرت بالسعي إليها، والأمر هنا للوجوب، ولا يجب السعي إلا إلى واجب. والمراد امضوا إلى الجمعة، أو صلوا الجمعة، ولتأكيد ذلك حرم العمل أثناءها. ودليلها من السنة ما رواه عبد الله بن عمر، وأبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين" 2. وحتى تحقق صلاة الجمعة هدفها الديني والدنيوي كان فيها خطبتان وصلاة، ومن شأن الخطبتين أن تعالجا موضوعًا يذكر السامع بأحكام

_ 1 سورة الجمعة: 9. 2 صحيح مسلم 7، الجمعة 12، باب التغليظ في ترك الجمعة، حديث 4ج 3: 10 واللفظ له. سنن النسائي 14، الجمعة 2، باب التشديد في التخلف عن الجمعة ج3: 88-89.

الشرع، وينبهه إلى وجوب الاستقامة. واشتراط العدد والمسجد في أداء الجمعة تحقيق لجانهبا الاجتماعي، فالعدد لحضور كثير من الناس، والمسجد اشترط ليسع الحاضرين. ولكي يقدم المسلم إلى الجمعة وهو خاشع لله تعالى، ومستعد للتلقي حثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- على التبكير إلى المسجد، وربط الثواب بساعة الحضور. وأعلمه بأن هناك ساعة في يوم الجمعة يستجاب فيها الدعاء، ولم يحددها له تحديدًا دقيقًا ليظل ينتظرها أثناء الخطبة. وكامل اليوم. وهذه أحاديث في فضل الجمعة وبعض أحكامها. - غسل يوم الجمعة والتبكير إليها: عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام، حضرت الملائكة، يستمعون الذكر" 1. واختلف في المراد بالساعات، فقيل إنها الساعات المعروفة، وقيل المراد بها بيان مراتب المبكرين من أول النهار إلى الزوال، وإنها خمس. وقيل إن المراد بها لحظات لطيفة أولها زوال الشمس، وآخرها جلوس الخطيب على المنبر، واستدلوا على ذلك بأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود2.

_ 1 موطأ مالك 5، والجمعة1، العمل في غسل الجمعة حديث 1، ج1: 101 واللفظ له. صحيح البخاري 11، الجمعة، باب فضل الجمعة ج1: 158. صحيح مسلم 7، الجمعة1، باب وجوب غسل الجمعة حديث 10ج3: 4. 2 ابن حجر، فتح الباري 2: 368-369

- الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة: عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلى، يسأل الله شيئًا، إلا أعطاه إياه"، وأشار صلى الله عليه وسلم بيده يقللها1. - جزاء من استمع، وأنصت للخطبة: عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى تفرغ من خطبته، ثم يصلى معه غفر له ما بينه وبين الجمعة وفضل ثلاثة أيام" 2. - بطلان جمعة من تكلم أثناء الخطبة: عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت" 3.

_ 1 موطأ مالك5، الجمعة7، الساعة التي في يوم الجمعة، حديث 15ج1: 108 واللفظ له. صحيح البخاري 11، والجمعة 37، باب الساعة التي فيها يوم الجمعة ج1: 166. صحيح مسلم 7، الجمعة4، باب في الساعة التي في يوم الجمعة، حديث 13، ج 3: 5. 2 صحيح مسلم7، الجمعة، باب فضل من استمع وانصت في الخطبة حديث 35 ج 3: 8. صحيح البخاري 11، الجمعة 35، باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب ج 1: 166.

الوسيلة الثالثة: صلاة العيدين هي مناسبة سنوية يبدأ بها المسلمون أعمال يومي عيد الفطر والأضحي، فيصلون، ويسمعون الخطبة، ويهنئون بعضهم بالعيد ويفترقون، وقد أدوا الصلاة، وتزودوا بما سمعوه من التذكير، وأطمانوا على بعضهم. ذكر ابن قدامة أنها فرض كفاية في ظاهر المذهب الحنبلي، وعند بعض أصحاب الشافعي، وواجبة على الأعيان عند أبي حنيفة، وليست فرضًا. وسنة مؤكدة غير واجبة عند مالك، وأكثر أصحاب الشافعي 1. وتشريعها تمّ بالقرآن الكريم في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 2 فالمشهور في تفسير هذه الآية أن المراد بها صلاة العيد. وتواتر قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- بها، ووردت في الأحاديث الصحاح، عن البراء بن العازب، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: "إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن يصلى، ثم نرجع فننحر، فمن فعل فقد أصاب سنتنا" 3.

_ 1 ابن قدامة، المغني 2: 367. 2 الكوثر: 2. 3 صحيح البخاري 3، العيدين 3، باب سنة العيدين لأهل الإسلام ج1: 170.

وفي خصوص عيد الفطر، جاء عن أنس، قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات. وعنه أنه قال: ويأكلهن وترا".1 وليس في صلاة العيد نداء ولا إقامة, وتكون الصلاة قبل الخطبة، ويشرع فيها عند حلول النافلة. وأداؤها في المصلى أفضل، ولا بأس بخروج النساء إليها. وقد فصلت أحكامها في كتب الفقه. الآداب الإسلامية حث الإسلام المسلمين على التأدب بآداب تشدهم إلى بعضهم، وتقوي صلاتهم، وتجعل منهم كلا ملتئمًا متقارب المشاعر، يفرحون معًا، ويتألمون معًا، ويتعاونون على دفع ما أصابهم، أو أصاب بعضهم. والآداب كثيرة منها: السلام، والتزاور، وعيادة المريض. وكلها وسائل تقوي الروابط الاجتماعية، وتعتبر تابعة للوسائل الثلاثة التي ذكرناها قبل قليل.

_ 1 صحيح البخاري 3، العيدين4، باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج ج1: 170.

الوسيلة الرابعة: السلام هو بدء الحديث عند اللقاء، ومفتاح التعارف، وأمر به القرآن وحثت عليه الأحاديث، وبينته بتفصيل. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 1. المراد بالاستئناس الاستذان، وقد أمرت هذه الآية بالاستئذان والسلام، وأمرت الآية التالية برد التحية بأحسن منها. قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} 2. وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإفشاء السلام وتعميمه بأن لا يقتصر على المعرفة. عن عبد الله بن عمرو أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت، ومن لم تعرف" 3. أي لا تخص به أحدا تكبرا، أو تصنعا، بل عممه تعظيما لشعار الإسلام، ومراعاة لاخوة المسلم4. وابتداء السلام سنة، ورده واجب.

_ 1 النور: 27. 2 النسا: 89. 3 صحيح البخاري2، الإيمان6، باب الطعام من الإسلام ج1: 11 4 ابن حجر فتح الباري 1: 56.

وكان الرد واجبًا لأن السلام معناه الأمان، فإذا ابتداء به المسلم أخاه فلم يجبه فإنه يتوهم منه الشر، فيجب عليه دفع ذلك التوهم عنه1. وعموم الأمر بالتحية مخصوص بلفظ السلام. وحرصًا على أداء التحية بين المسلمين سن لها الرسول صلى الله عليه وسلم أحكامًا, هي أن يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي. ومن فوائد النشر السلام: التحابب، التعارف، والتواضع، والاحترام والأمان، والطمأنينة. عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لا تدخلو الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على أمر، إذا أنتم فعلتموه تحاببتم، افشوا السلام بينكم" 2.

_ ابن حجر، فتح الباري 1: 77. 2 صحيح مسلم1، الإيمان 22، باب أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون حديث 93 ج1: 53. سنن الترمذي 43، والاستئذان 1، باب ما جاء في افشاء السلام ج5: 50 واللفظ له.

الوسلية الخامسة: الزيارة الزيارة أدب إسلامي، يوثق العلاقة بين الزائر والمزور، ويشعرهما بالود والتجابب. ولئن جاز إطلاقها على الذهاب إلى الغير بمناسبة ما، فإن الإطلاق الأول لها الذهاب إلى الغير لربط الصلة والاستئناس بمجالسته والحديث معه. وأثبت الواقع أن الزيارة لغير حاجة الزائر لها وقع طيب في نفس من وقعت زيارته. لا سيما، وأن الكثير من الناس يتزاورن لأغراض مادية والأدب أن تحصل الزيادة للتآخي، فإذا حصلت مع ذلك لحاجة فلا بأس. وثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- زار عددًا من أصحابه، وكان يزور أبا بكر رضي الله عنه باستمرار. عن عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، قالت: "لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر عليهما يوم إلا يأتينا فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طرفي النهار بكرة وعشية ,فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحرة الظهيرة، قال قائل: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ساعة لم يكن يأتينا فيها". قال أبو بكر: ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قال: "إني قد أذن لي بالخروج" 1.

_ 1 صحيح البخاري 78،الأدب 63 ,باب هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وسعشية ج4: 62.

قال ابن بطال: الصديق الملاطف لا يزيده كثرة الزيارة إلا محبة بخلاف غيره1. وعن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زار أهل بيت من الأنصار فطعم عندهم طعامًا، فلما أراد أن يخرج أمر بمكان من البيت فنضح له على بساط، فصلى عليه، ودعا لهم2. ومما يأخذ من هذا الحديث أن من تمام الزيارة أن يقدم للزائر ما حضر من الطعام اثباتًا للمودة وزيادة في المحبة. - فضل الزيارة: عن أبي هريرة مرفوعًا: "من عاد مريضًا، أو زار آخًا له في الله ناداه مناد أن طبت, وطاب ممشاك، وتبوأت الجنة منزلًا" 3. وعن معاذ بن جبل مرفوعًا قال: الله تبارك وتعالى: "وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فّي، والمتباذلين في" 4. والمتباذلون الذين يبذلون أموالهم في سبيل الله. تضمن هذان الحديثان تبشيرًا للزائر بحب الله تعالى له، وبمنزلة في الحنة. 1 ابن حجر فتح الباري 10: 99 4 2 صحيح البخاري 78، والأدب 64، باب الزيارة ومن زار قومًا فطعم عندهم ج4: 62. 3 سنن الترمذي 28، البر والصلة 64، باب ما جاء في زيارة الأخوان ج4: 321. 4 موطأ مالك 51، الشعر 16، باب ما جاء في المتجابين في الله ج2: 954.

الوسيلة السادسة: عيادة المريض عيادة المريض من أساليب المواساة بين الناس، ولها أثر نفسي بالغ على المريض، يتمثل في شعوره بمحاولة غير التخفيف عنه. وقد اعتبرها بعض العلماء من واجبات الكفاية كإطعام الجائع، وعدها البعض سنة، لكنها قد ترتقي إلى الواجب في حق بعض المرضى. - آدابها: 1 اختيار الوقت المناسب الذي لا يزعج المريض، ولا ذويه، ولا العاملين في المصحات والمستشفيات إن كان المريض مقيمًا بها. 2 مواساة المريض. 3 تخفيفها حتى لا يضجر المريض، ولا يتعب أهله. - الأحاديث الواردة فيها: عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني" 1.

_ 1 صحصح البخاري 75، المرضى4، باب وجوب عيادة المرضى ج4: 3. فكوا العاني: اعملوا على استرداد الأسير حريته.

وعن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" 1. والخرقة: الثمرة إذا نضجت، شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما بحوزه الذي يجني الثمر من الشجر.

_ صحيح مسلم45، البر والصلة والآداب 12، باب فضل عيادة المريض، حديث 40ج8: 13. سنن الترمذي 8، الجنائز، باب ما جاء في عبادة المريض ج3: 299.

الوسيلة السابعة: حقوق المسلم على المسلم من هذه الحقوق تشييع الجنازة، واحترام الجار، وتحمل العاقلة للدية، وكلها تابعة لوسائل تقوية الروابط الاجتماعية. اتباع الجنائز اتباع الجنائز: المشي معها إلى حين الصلاة عليها، ثم دفنها. وهو واجب على ذي القرابة الحاضر، وعلى الجار 1. وقد يكون مع المشي حملها إن لم تحمل في سيارة. والواجب كفائي، وجاء في الحديث أنه من حق المسلم على المسلم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، واجابة الدعوة، وتشميت العاطس" 2. وعنه -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: "من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا، وكان معه حتى يصلى عليه، ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها، ثم يرجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط" 3.

_ 1 العيني، عمدة القارئ 8: 7. 2 صحيح البخاري 23، الجنائز2، باب الأمر باتباع الجنائز ج1: 215. 3 صحيح البخاري2، الإيمان 35 ,باب اتباع الجنائز من الإيمان ج1: 18.

القيراط جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف العشر في أكثر البلاد، والمراد هنا النصيب. وقيل المراد بالقيراط هنا جزء من أجزاء معلومة عند الله تعالى، وقد قربها النبي -صلى الله عليه وسلم- للفهم بتمثيله القيراط بأحد، وقيل قوله: "مثل أحد" تفسير المقصود من الكلام لا للفظ القيراط، والمراد منه أن يرجع بنصيب من الأجر1. واتباع الجنازة وحده لا يكفي إن لم يكن للميت من يجهزه, ويصلى عليه، ويدفنه، حيث إن هذه الأمور جميعها من واجبات الكفاية على الأقارب، والأجور، ثم على غيرهم من المسلمين، وورد في الحديث النص على الاتباع لأنه لا يتطلب كلفة، وفي إمكان الكثير من الأقارب والجيران وسواهم من غير المرضى والكبار القيام به. وهو من ظاهر الاتحاد والتضامن.

_ العيني عمدة القارئ 8: 127- 128.

الوسيلة الثامنة: حقوق الجار لئن كان للإنسان قرابة من جهة والده ومن جهة أمه، ينصرونه، ويعينونه، ويشاركونه مناسباته السارة وغير السارة غالبًا، فإنه من الممكن أن لا يكون الأقارب متجاورين، فقد لا يجد القريب قريبه عند الحاجة إليه لبعده عنه. بيد أن لكل ساكن جارًا، وخاصية الجار القرب المكاني، مما يجعله قادرًا على مساعدة جاره ومواساته في كل الأوقات. من أجل ذلك كان للجار منزلة كبيرة نص عليها القرآن والحديث. قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} 1. عطف الله تعالى في هذه الآية الإحسان إلى الجار على عبادته تعالى، وتوحيده، والإحسان إلى الوالدين، وإلى ذي القربى، واليتامى، والمساكين. وعطف عليه الإحسان إلى الصاحب بالجنب، وابن السبيل، وما ملكت الأيدي. ووروده ضمن هذه المأمورات دليل على منزلته، ولولاها لما ذكر بينها

_ 1 النساء: 36

وصنف الله تعالى الجار إلى صنفين: 1- الجار ذو القربى 2- الجار الجنب وفسّر الأول بمن له صلة قرابة، وفسر الثاني بخلافه. وقيل الأول القريب المسلم, والثاني غيره، وقيل القريب المرأة، والجنب الرفيق في السفر. - تعريف الجار، ومرتبته. الجار اسم يشمل المسلم، والكافر، والعابد، والفاسق، والصديق والعدو، والغريب، والبلدي، والنافع، والضار، والقريب، والأجنبي، والأقرب دارًا، والأبعد1. وتبعًا لهذه الأصناف اختلفت مراتب الجيران، وحددت ثلاثة في حديث عند الطبراني مرفوعًا قال عليه -الصلاة والسلام-: "الجيران ثلاثة: جار له حق، وهو المشرك ,له حق الجوار. وجار له حقان, وهو المسلم ,له حق الجوار, وحق الإسلام. وجار له ثلاثة حقوق، مسلم، له رحم، له حق الجوار، والإسلام، والرحم" 2. - حد الجوار: اختلف فيه فعن على كّرم الله وجهه أن: من سمع النداء فهو جاره, وقيل: الأجوار الذين يصلون صلاة الصبح في المسجد معًا. وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "حد الجوار أربعون دارًا من كل جانب، وعلى هذا الرأي كثير من العلماء. - الأحاديث الحاثة على الإحسان إلى الجار: عن أبي شريح أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن, والله لا يؤمن". قيل من يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه" 4.

_ 1 ابن حجر، فتح الباري، 10: 441. 2 نقلًا عن ابن حجر، فتح الباري 10: 442. 3 المرجع نفسه 10: 447. 4 صحيح البخاري 78، الآدب 29، باب إثم من لا يأمن جاره بواتقه ج4: 53.

والبوائق جمع بائقة، وهي الداهية، والشيء المهلك والأمر الشديد الذي يوافي بغتة، والقسم على نفي إيمان من لا يطمئن جاره إليه. إنذار لمن يؤذي جاره. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره" ... الحديث1.وعند الإمام مسلم ,عن أبي هريرة من طريق آخر ,عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فليحسن إلى جاره" 2. وعن أبي شريح العدوي، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره" 3. ويراد بالإيمان هنا كماله، وخص بالله اليوم الآخر إشارة إلى المبدإ والمعاد. - أوجه الإحسان إلى الجار: يمكن تفسير الإحسان إلى الجار وإكرامه من جملة أحاديث عند الطبراني ت 360 والخرائطي محمد بن جعفر ت 367 وهي وإن كانت أسانيد ضعيفة فإن تعدد مخارجها يدل على أن لها أصلًا. وملخص ما تضمنته: إقراض الجار، إعانته, عيادته عند المرض، تهنئته، مواساته، الإهداء إليه، عدم الاستطالة عليه بالبنيان، احترامه، السلام عليه، طلاقة الوجه عند لقائه، تفقد حاله، كف الأذى عنه، عظته بالحسنى، الدعاء له، عظة الكافر بعرض الإسلام عليه وترغيبه فيه، وعظ الفاسق بالرفق به، والستر عليه4.

_ صحيح البخاري 78، الأدب 31، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ج4: 53. 2 صحيح مسلم1، الإيمان 19، باب الحث على إكرام الجار، حديث 76-77ج1: 50. 3 صحيح البخاري 78، والأدب 31، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ج4: 53. 4 ابن حجر، فتح الباري 9: 446.

الوسيلة التاسعة: تحمل العاقلة للدية * - تعريف العاقلة: العاقلة بسر القاف جمع عاقل، وهو دافع الدية. وسميت الدية عقلًا تسمية بالمصدر، لأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي القتيل، ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية، ولو لم تكن إيلًا 1. وعاقلة الرجل: قراباته من قبل الأب، وهم عصبته، وكان العصبة يعقلون الإبل على باب ولي يالمقتول2. - تحمل العاقلة للدية: استدل ابن حجر على هذه المسألة بالسنة والإجماع، فقال: تحمل العاقلة للدية ثابت بالنسبة، وأجمع أهل العلم على ذلك3. وبحثها من خلال الحديث التالي: عن الشعبي، قال: سمعت أبا جحيفة، قال: سألت عليًا رضي الله عنه هل عندكم شيء ما ليس في القرآن؟ وقال مرة: ما ليس عند الناس، فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن - إلا فهمًا يعطي رجلًا في كتابه- وما في الصحيفة. قلت وما في الصحيفة؟ قال: العقل: وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر4.

_ * بحث هذه المسألة بتوسع أبو الوليد الباجي في "المنتقى" شرح الموطأ ج7: 98-104. 1 2 3 ابن حجر، فتح الباري 12: 246. 4 صحيح البخاري 87، الديات 24، باب العاقلة ج4: 192-193.

ثم قال: وهو مخالف لظاهر قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} . 1. واعتبر الحديث والأحاديث الأخرى التي في موضوعه مخصصة لعموم الآية، وبين أسباب التخصيص. وقبل عرضها أورد وجه التعارض بين مسألة تحمل العاقلة للدية والآية السابقة، وهو أن الآية صريحة في أن كل شخص يتحمل مسؤوليته، ولا يتحمل خطأ الآخر. في حين تفيد مسألة تحمل العاقلة للدية أن من قتل غيره على وجه الخطإ تتحمل عاقلته دية القتيل، ولا تتحمل ما ارتكبه عمدًا. عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: ليس على العاقلة عقل في قتل العمد، إنما عليهم قتل الخطأ2. وعن ابن شهاب الزهري، قال: مضت السنة في قتل العمد حين يعفو أولياء المقتول أن الدية تكون على القاتل في ماله خاصة إلا أن تعينه العاقلة عن طيب نفس منها3. - أسباب تحمل العاقلة للدية: 1 احتمال أن تأتي الدية على مال القاتل إن دفعها بنفسه. 2 هدر دم القتيل إن عجز القاتل عن دفع الدية، ولم تتحملها العاقلة. 3 تحذير القاتل من إعادة فعله لأنه إن أعاد حذرته الجماعة، وتحذيرها أشد من تحذيره لنفسه. 3 ضمان الدية لأن افتقار الجماعة بعيد الاحتمال.

_ 1 فاطر: 18، والزمر:7، والإسراء: 15 2 موطأ مالك: 2: 865 وانظر ابن قدامة المغني 7: 775-776. 3 ابن حجر، فتح الباري 12: 246.

وبين الشوكاني فقه هذه المسألة فرأى أن ما تحملته فرأى أن ما تحملته العاقلة في جناية الخطإ والقسامة ليس من تحمل عقوبة الجناية، وإنما هو من باب النصرة والمعاضدة فيما بين الأقارب1. - شروط المتحملين للدية من العاقلة: يتحمل الدية من العاقلة الأقرب فالأقرب من الرجال البالغين، أصحاب اليسار2 - الأثر العائلي والاجتماعي لتحمل العاقلة للدية: يظهر الأثر العائلي لتحمل العاقلة للدية في تمتين العلاقة العائلية نتيجة للتضامن الذي تجسم في دفع أولياء القاتل للدية. ويظهر الأثر الاجتماعي لها في ضمان العاقلة الدية لورثة القتيل.

_ 1 الشوكاني، نيل الأوطار 7: 246. 2 ابن حجر، فتح الباري 12: 246.

معاجلة بعض المشكلات الاجتماعية

معاجلة بعض المشكلات الاجتماعية رغم اهتمام الإسلام بجانبي الروح والجسد في الإنسان، وربط العقيدة والعبادة بالسلوك، وتشريعه الأحكام المقننة للتعامل، والأخلاق المصاحبة له، ليتم بأسلوب سمح، وجعله تقوى الله تعالى أولى أهدفه، فإن الطبائع البشرية ميالة إلى مخالفة الشرع، واتباع الهوى، إضافة إلى ما في البيئة من مغريات، لذلك اهتم الإسلام بالوقاية من الانحراف، وفتح باب التوبة للمخطئين، وسن أحكاما زجرية لمن لم يتب زجرا له، ولغيره. ومن المشاكل التي قد تحدث في المجتمع المسلم، الانقطاع عن الدارسة، والفهم الخاطئ للعقيدة، والمشاكل الجنسية، والمخدرات والرشوة. وسنجمل القول فيها إن شاء الله تعالى. الانقطاع عن الدارسة يعالج هذا المشكل القضاء على أسبابه بما يناسبها، فإن نشأ عن ضعف استعداد التليمذ للدراسة فالأولى في هذه الحالة توجيهه إلى التكوين المهني. وإذا نشأ عن ظروف خاصثة كقلة وسائل النقل، وبعد المدرسة، أو عن فقر التلميذ فالواجب إزالة السبب، وتوفير الظروف الملائمة لإرجاع التلميذ إلى المدرسة أو توجييه إلى ما يحقق ميوله الإيجابية، ويبعده عن الانحراف.

الفهم الخاطئ للعقيدة أكثر ما ينشأ هذا المشكل عن الفهم الخاطئ لعنصر من عناصر العقيدة, أو عن الشبهات التي يوجهها أعداء الإسلام ضده. والعلاج يكون توضيح العقيدة توضيحًا كافيًا مناسبًا لمستوى المخطئ، وبيان الخطأ الذي وقع فيه، والأخطاء التي تنجم عنه، واقناعه بالطرق المناسبة بوجوب تخلصه مما حصل له من لبس، أو ضلال. المشاكل الجنسية من هذه المشاكل الزنا، وما يؤدي إليه، أو يترتب عليه، وقد عالجه الشرع بالوقاية منه، وفرض عقوبة على مرتكبه. الوقاية من الزنا تمثلت الوقاية منه في منع أسبابه، والنهي عنه، ومعاقبة مرتكبه والترغيب في الزواج. 1 منع أسبابه: حرم الإسلام على الرجال والنساء النظر غير المباح إلى الجنس الآخر، وأمرهما باللباس الساتر، وبالعفة، وحرم على النسوة التبرج اتقاءً للفتنة. قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ}

أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 1. في هذه الآية -إضافة إلى ما ذكرته في التمهيد لها- تفصيل كامل للباس المرأة الساتر، وتعداد للرجال الذي تظهر أمامهم زينتها، وهم زوجها، ومحارمها، وما ملكت يمنيها, ومن كانوا من أتباع بيتها ممن يترددون عليها، وليس لهم رغبة في النساء لمرض أو لعجز، والأطفال ما قبل المراهقة من خلا بالهم من شهوة النساء. 2 النهي عنه وبيان مخاطره: نهى الإسلام عن الزنا نهى تحريم إبقاء للعفة، وحفظًا للأنساب من الاختلاط وحماية لحقوق الأبناء في ثبوت نسبهم، واتقاءً للأمراض الخطيرة كالزهري والسفلس وفقدان المناعة وغيرها. قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} 2. 3 عقوبته: هي جلد الزاني البكر غير المتزوج ورجم المحصن. ثبت الجلد بالقرآن الكريم في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} 3. وثبت الرجم بالسنة الشريفة نصًا وتنفيذاً. عن سعيد بن المسيب أن رجلًا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق فقال له: إن الآخر زني. فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟

_ 1 سورة النور: 30-31. 2 سورة الإسراء: 32. 3 سورة النور: 2.

فقال: لا، فقال له أبو بكر: فتب إلى الله واستتر بستر الله. فإن الله يقبل التوبة عن عباده. فلم تقرره نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب. فقال له مثل ما قال لأبي بكر. فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر. فلم تقرره نفسه حتى جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال له إن الآخر زنى. فقال سعيد: فأعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات. كل ذلك يعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا أكثر عليه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: "أيشتكي أم به جنة؟ "، فقالوا: يا رسول الله، والله إنه لصحيح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبكر أم ثيب"؟ فقالوا: بل ثيب يا رسول الله. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم"1. هذا الحديث يقرر التحري الكامل الذي يجب أن يقع قبل تنفيذ العقوبة، فقد أراد أبو بكر، ثك عمر رضي الله عنهما أن يسترا عن المذنب، ودعواه إلى التوبة قبل أن ينتشر خبره، ويصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه أبى، وأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فأعرض عنه ثلاثًا ليدفعه إلى التأكيد مما يقوله عن نفسه، فاصر على قوله بإلحاح. فبعث عليه الصلاة والسلام إلى أهله يسألهم عما إذا كان به مرض أو جنون؟ فنفوا ذلك وشهدوا بسلامته. فسألهم هل هو متزوج؟ فأجابوا بالإثبات فرجمه. هكذا ينبغي التحري في إثبات كل حد على مرتكبه وفي تنفيذه. 4 الترغيب في الزواج وتيسيره: سنبحث هذه المسألة عند الحديث عن الأسرة.

_ 1 موطأ مالك 41، الحدود 1، باب ما جاء في الرجم حديث 2، ج 2: 82. صحيح البخاري 86، الحدود 22، باب لا يرجم المجنون والمجنونة ج 4: 176. صحيح مسلم 29، الحدود 5، باب من اعترف على نفسه بالزنا حديث 16 ج 5: 118. ولم ذكر البخاري ومسلم فصة الرجل مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما و"الآخر" معناه الرذل الدنئ، كأنه يدعو على نفسه ويعيذها مما نزل به من مواقعة الزنا. كنى عن نفسه بذلك، وهذا إنما يكون لمن حدث عن نفسه يقبيح فكره أن ينسبه إليه.

المخدرات المخدرات آفة عالمية نشرتها عوامل كثيرة، ومنها: 1) سعى العصابات المجرمة في العالم لإفساد عقيدة الشباب وعقولهم ليسهل إغراؤهم واستلاب أموالهمم. 2) ضعف حصانة الشباب، واستغلال فترة مراهقتهم، وعدم اكتمال نضجهم. 3) قلة وعي الناس. 4) جهلهم بأحكام الشريعة - مخاطرها: من مخاطرها: 1) إضعاف وظيفة العقل أو إزالتها. 2) إتلاف المال. 3) تفكك بعض الأسر. 3) وجود عصابات ضالة ومضلة. 5) انتشار الجرائم. - مقاومتها: القضية خطيرة جدًا، والقائمون بها أشرار، غايتهم تحقيق أهدافهم بكل الوسائل، لذلك ينبغي أن تكون مقاومتهم أقوى من وسائلهم لتحول بينهم وبين إفساد المجتمع.

ومن وسائل مقاومتهم: 1) بيان تحريم الشرع الإسلامي للمخدرات واعتبارها من أكبر الكبائر لشدة خطرها. 2) تخصيص حصص تعليمية في المدارس لشرح أخطاهرا العقلية والصحية، والمالية، والعائلية، والاجتماعية. 3) تركيز وسائل الإعلام على بيان أضرارها. 4) تشديد العقوبة على مروجيها ومتناوليها.

الرشوة 1 - تعريفها: الرشوة مثلثة الراء. وهي مال يدفع لصاحب مسؤولية ليمكن صاحب المال من أمر ليس من حقه، أو ليسرع له بإتمام أمر على حساب شخص آخر، أو ليعينه على افتكاك حق غيره مباشرة". ويعتبر إعطاء المال رشوة إذا كان من أخذه لا وجه له في أخذه، وجر منفعة لمقدمه، وخالف الشرع، وألحق ضررًا بالغير. - حكمها: حكمها التحريم لأن فيها مخالفة للشرع وإضرارًا بالغير. - دليل التحريم: قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 2 الصيغة {وَلا تَأْكُلُوا} صيغة نهي، والنهي يقتضي التحريم.

_ 1 راجع للتوسع في هذه المسألة كتاب عبد المغني بن إسماعيل النابلسي. تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية. 2 سورة البقرة: 188.

والمنهي عنه أكل مال بدون وجه شرعي، وإعطاؤه الحكام لأخذ حق الغير بالباطل. ولفظ الحكام صريح في الدلالة على القضاة، ويشمل في هذه المسألة أصحاب المسئوليات عمومًا كما يشمل النهي كل مال يعطى لأخذ حق الغير. ومن الأدلة من السنة، عن عبد الله بن عمرو قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي1. وعند ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو نفسه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله الراشي والمرتشي" 2. وعند الإمام أحمد3 والحاكم أبي عبد الله النيسابوري لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي والرائش. الراشي هو دافع الرشوة، والمرتشي آخذها، والرائش الوسيط. واللعن يقتضي الوعيد. - الحكمة من تحريمها: 1 ضمان الحقوق للجميع. 2 صيانة الأموال. 3 تطبيق أحكام الشرع. 4 تقرير مبدأ الإخلاص في العمل.

_ 1 سنن أبي داود 23، الأقضية 4، باب في كراهية الرشوة ج3: 300. سنن الترميذي 13، الأحكام 9، باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم ج 3: 622. 2 سنن ابن ماجة 13، الأحكام 2، باب التغليظ في الحيف والرشوة ج2: 775. 3 مسند أحمد بن حنبل 2: 164، 190، 194.

- أسبابها: 1 ضعف الوازع الديني. 2 طمع المرتشي. 3 الأنانية سبب مشترك بين الراشي والمرتشي. 4 ضعف الرقابة الإدارية. - آثارها السيئة في المجتمع: 1 انتشار الحقد بين الناس. 2 تشجيع الظلم ونشره. 3 أكل المال بالباطل. 4 مخالفة الشرع. 5 أهدار القيم الإسلامية العليا كالعدل 6 إسناد المهمات والوظائف لغير أهل الكفاءات. 7 فقدان الثقة بالمسؤليين. 8 استيلاء اليأيس على قلوب الضعفاء. - مقاومتها: 1 توعية الناس ببيان حكمها، وحكمة تحريمها. 2 تقوية الرقابة الإدراية. 3 تشديد العقوبة على مرتكبيها.

خصائص المجتمع المسلم

خصائص المجتمع المسلم 1 يستمد المجتمع المسلم خصائصه من مضمون الدين الإسلامي الحنيف. وهذه الخصائص هي: - التزام المجتمع بعقيدة التوحيد. - عبادته الله تعالى وحده. - ارتفاع الأذان من مآذن المساجد. - اجتماع أهل الحي والبلد في صلاة الجماعة، والجمعة، والعيدين، وحضور المسلمين من كل أنحاء العالم في الحج. - تطبيق الشريعية الإسلامية. - العمل للدنيا والآخرة. - الترابط العائلي ممثلًا في بر الوالدين وصلة الرحم والنفقة على الأقارب. - الترابط الاجتماعي ممثلًا في حقوق الجوار، وتحابب الناس، وتعاونهم، وتضامنهم، وتراحمهم، وتناصحهم، ومشاركة بعضهم في مناسبات الزواج، وعيادة المريض، وتشييع الجنازة، والوفاء بحقوق الفرد، والجماعة.

_ 1 راجع مصطفى السباعي من روائع حضارتنا: 27- 28.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا أنتم فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" 1. عن تميم الداري: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة" قلنا لمن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" 2. - التسامح في كل المجالات مع الحفاظ على الأحكام. - طلب العلم ونشره. وذكرت من قبل أحاديث في كثير من هذه الخصائص.

_ 1 سبق تخريجه. انظر: ص66. 2 صحيح البخاري2، الإيمان 42، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "الدين النصيحة " تعليقًا ج2: 1. صحيح مسلم1، الإيمان 22، باب بيان أن الدين النصيحة، حديث 95ج، 1: 53 واللفظ له.

القسم الثاني: الأسرة في الإسلام

القسم الثاني: الأسرة في الإسلام الأسرة ... الأسرة - أهمية الأسرة في الإسلام: تتمثل هذه الأهمية في كون الأسرة هي الخلية الأولى التي تنشأ فيها الأجيال، وتربى إلى أن يصير الأفراد أصحاب أسر، وتسند إلى بعضهم مهام اجتماعية متفاوتة بحيث يتولون كل المسئوليات. ويمكن تلخيص هذه الأهمية فيما يلي: 1 تكوين مجموع الأسر للمجتمع. 2 تربيتها لأفراده. 3 تولي هؤلاء الأفراد المسئوليات الاجتماعية. 4 تأثيرهم بما تلقوه من تربية في أسرهم، وهم يمارسون مسئولياتهم. ولتؤدي الأسرة هذه الوظيفة التربوية ينبغي توفّر الشروط التالية: 1 صلاح مؤسييها: الزوج والزوجة ومن معهما. 2 اعتمادهما في تربية الأطفال على التربية الإسلامية بدءًا من العقيدة إلى الإعداد للحياة. 3 توجيه المجتمع مجموع الأسر إلى اعتماد الإسلام عقيدة ومنهج حياة. 4 تعاون الأسرة مع المؤسسات الأخرى كالمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام، على تربية النشء.

فإذا توافرت هذه الشروط، وتمسك المجتمع المسلم بثوابته من إسلام، ولغة، ومصالح، وأهداف مشتركة، وغيرها، انتجت الأسر أجيالًا متعاقبة تلتزم بالقيم الإسلامية الثابتة علمًا وتطبيقًا، وتطلب العلم وتتصف بالوعي، فتكون ثابتة متطورة. وبما أن الأسرة تنطلق من الزواج فإن مسائلهما، وأحكامهما واحدة، لذلك سنتحدث عنه بتفصيل لهذا الاعتبار.

الزواج

الزواج: - الترغيب فيه: وردت آيات وأحاديث ترغب في الزواج. قال تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} 1. تضمنت هذه الآية الأمر بالزواج وجاء الترغيب فيه في آيات أخرى كثيرة. ووردت في السنة عدة أحاديث منها ما جاء عن عبد الله بن مسعود، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، واحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء "2 ففي هذا الحديث خطاب للشباب، لأنهم في حاجة إلى الزواج وأمر للمستطيع منهم، وبيان لأهدافه، ونصح للعاجز عنه بالصوم، ليعينه على الاستعفاف.

_ 1 سورة النساء3. 2 صحيح البخاري 30، الصوم 10، باب الصوم لمن خاف على نفسه، العزوبة ج1: 325. صحيح مسلم 16، النكاح حديث 1 و 3 ج 4: 128، واللفظ له.

- حكمه: الأصل أنه مندوب، وقرن الرسول- صلى الله عليه وسلم- الأمر به بالاستطاعة الجنسية والمالية. فهو واجب على القادر عليه الذي يخاف على نفسه الوقوع في الزنا، لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرم، ويكون ذلك بالزواج. ومستحب للقادر عليه الذي له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور1. ومكروه أو حرام في حق من لا رغبة له في النساء، لأنه خلق كذلك أو لفقده رغبته تلك بسبب المرض أو الكبر. فهذا زواجه يضر بالزوجة، وبقدر الضرر يكون الحكم. ومن أسباب الكراهة والتحريم الحالة المالية للراغب في الزواج، فقد أشار إليها الحديث بقوله -عليه الصلاة والسلام-: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج". وفسرت الباءة بالقدرة الجنسية والمالية، وتعرض الفقهاء للحالة المالية في أحكام الطلاق، فكان منها الطلاق بالإعسار. ومن الأولى اعتبار هذه الحالة في حكم الزواج، وارتباط الكراهة، أو التحريم بها، حماية للأسرة من أن تنحل بسبب عجز عائلها عن الإنفاق. ويباح الزواج في حق من لا رغبة له فيه، ولا مانع يمنعه منه. النهي عن التبتل التبتل هو الانقطاع عن النساء، وقد منعه الرسول -صلى الله عليه وسلم. حدث سعد بن أبي وقاص، قال: "رد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا"2.

_ 1 ابن قدامة، المغني 6: 445- 448. 2 صحيح البخاري 67، النكاح 8، باب ما يكره من التبتل ج 3: 239. الخصاء: الشق على الانثيين وانتزاعهما.

رد هنا بمعنى نهى. وحكمة النهي الترغيب في الزواج حفاظًا على التناسل، وصيانة لخصائص الرجولة، ووقاية من الألم بسبب الخصاء ومنعًا من تحريم ما أحل الله من الطيبات. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 1. وقد نزلت هذه الآية بسبب استئذان بعض الصحابة الرسول في الاختصاء. الغاية من الزواج رغب الشرع في الزواج تحقيقًا لمصحلة الزوجين، وأبنائهما، والمجتمع بالوصول إلى الغايات التالية: 1 تلبية مطلب الغريزة الجنسية بطريقة شرعية، وفي ذلك وقاية من النظر المحرم، وحماية للمجتمع من مشاكل الزنا، والأولاد اللقطاء، وما شابه ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "...... فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج". 2 الحماية من الأمراض التي تنشأ عن العلاقات الجنسية غير الشرعية كالزهري، والسّفلس وفقد المناعة، وغيرها. 3 حفظ نسب الأولاد إلى آبائهم. 4 استمرار النوع الإنساني بالتناسل عن طريق الزواج. وينشأ عن هذه الغاية عمارة الأرض، واستثمارها، وتحقيق الإنسان لخلافته فيها. 5 تحقيق الرغبة البشرية في الإنجاب، والتنعم بالأولاد.

_ سورة المائدة: 87.

قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ} 1. 6 استقرار الحياة الزوجية في ظروف هادئة مناسبة. قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 2. وتأكيدًا للتلاحم بين الزوجين، قال تعالى: {هُنّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ} 3. 7 تحمل الزوجين لمسئوليتهما بقيام كل منهما بواجباته. عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم. والعبد راعٍ على مال سيده، وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته" 4. 8 تربية النشء الصالح في أسرة صالحة، ومنه تنشأ الأسر الصالحة، فيصلح للمجتمع. 9 ترابط الأسر بالمصاهرة. من خلال هذه الغايات وغيرها يتبين أنه ينبغي التثبت عند الإقدام على الزواج، وتوفير ظروف استمراره كالانسجام بين الزوجين المتمثل في التقارب في البيئة، والمستوى، والسن، والتخلص من النظرة التي تقصره على الناحية الجنسية، أو التي لا تراعي حقوق الزوجة التي ضمنها الشرع.

_ 1 سورة النحل: 72. 2 سورة الروم: 21. 3 سورة البقرة: 187. 4 صحيح البخاري 11، الجمعة 11، باب الجمعة في القرى والمدن ج1: 159- 160. صحيح مسلم 33، الإمارة 5، باب فضيلة الإمام العادل حديث 20ج 6: 7-8 واللفظ له.

أسس الزواج

أسس الزواج نذكر من هذه الأسس ثلاثة هي: 1 اختيار الزوج. 2 اختيار الزوجة. 3 الخطبة. 1- اختيار الزوج عن أبي حاتم المزني، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه فِأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد"، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه" ثلاث مرات1. تضمن هذا الحديث صفتين من الصفات المطلوبة من المؤهَّل للزواج وهما: 1 الإسلام، فلا تزوج مسلمة بكافر. 2 الالتزام به عقيدةً، وعملًا، وأخلاقًا، فإن الفاسق غير مرغوب في تزويجه.

_ 1 سنن الترمذي 9، النكاح 3، باب إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه ج3: 395. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وأبو حاتم المزني له صحبة، ولا نعرف له عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير هذا الحديث. ملاحظة: غرابة هذا الحديث لا تضر، لأن مضمونه ورد به الشرع.

وتضمن الحديث السابق: "يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... " صفة الأهلية، وتتمثل في القدرة الجنسية والمالية، وفي تحمل المسئولية في تكوين الأسر ورعايتها ماديًّا وأدبيًّا. فإذا توفرت هذه الصفات في الراغب في الزواج كان أهلًَا له. وللزوجة أن تطلب من الصفات الأخرى ما لا يتعارض مع الإسلام ولا يثقل على الزوج ولا يكبده المشقة. 2- اختيار الزوجة الزوجة ركن فعّال في الأسر بسبب مهامها المتعددة. فهي طرف كبير في تحقيق طمأنينتها وتوفير الظروف الملائمة لكل أفرادها. وهي التي تربي الأولاد، وترعاهم، وتوجههم. من أجل هذا فإن التأني في اختيارها أمر أساسي ينبني عليه ما بعده. ومن اللازم معرفة الصفات التي أمر بالشرع بالبحث عنها في المرأة المراد تزوجها. وبالنظر في الحديث التالي يمكن الوقوف على بعضها. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" 1. عدد هذا الحديث أربع خصال يرغب في الزواج بالمرأة من أجلها، هي: المال، والحسب، والجمال، والدين، ولكنه أوردها بعد لفظ "تنكح" المبني للمجهول مما يعني أن هذه الخصال هي التي يبحث عنها الناس في المرأة، وليست المطلوبة شرعًا، فالحديث حكاية عما في الواقع لا أنه وقع الأمر بمضمونه كله، يدل على ذلك الأمر الوراد في آخر باختيار.

_ 1 صحيح البخاري 67، النكاح 15، باب الأكفاء في الدين ج 3: 242. صحيح مسلم 18، الرضاع 16، باب استحباب نكاح ذات الدين حديث 62ج 4: 175.

ذات الدين "فاظفر بذات الدين" ووصفه من لم يخترها يضعف العقل والافتقار من العلم لأنه لم يحسن الاختيار. واستفيد هذا من عبارة "تربت يداك". وفي نفس الوقت فإن ظاهر الحديث أجاز اختيار الزوجة للصفات الأربع الواردة فيه أو لبعضها. وعليه فما يستخلص منه أن الصفة التي تجب مراعاتها في الزوجة عند الاختيار هي الدين. وأنه بالإمكان بعد ذلك البحث عن بقية الصفات الورادة فيه، وهي الحسب، والمال، والجمال، كلها أو بعضها. والمتتبع لآراء الأئمة يجدهم أجمعوا على صفة الدين، واختلفوا في أولوية الصفات الأخرى بعده، لأن الدين صفة جامعة للاعتقاد، وطيب المعاشرة، والوفاء بالواجبات، وكل مكارم الأخلاق. وطلب الزوج صفة أخرى يقرها الدين أمر جائز، سواء كانت مما ذكره في الحديث أو مما لم يذكر فيه كالتقارب في السن، والمستوى التعليمي، والمهارة في الاقتصاد البيتي وتحمل المسئولية العائلية، أو كل هذه وغيرها. 3- الخطبة الخطبة بكسر الخاء، وسكون الطاء، وفتح الباء: طلب الرجل الزواج ممن يرغب فيها من وليها. وتحصل بالتعارف، والرؤية، وتتم بالرضا. ولا مانع من أن يكون إعلان الرغبة في الزواج من الفتاة، ولكن الخطبة تكون من الرجل. ويجتمع الخاطب بمخطوبته بحضور أسرتها أو أحد محارمها لتحصل الرؤية، وتحرم الخلوة بها. وسمح الشرع بالرؤية في غير خلوة، ويمكن أن تكون عند الخطبة أو قبلها بطريقة شرعية، وهو أفضل حتى لا يقع التراجع عندها أو بعدها فتكون له آثار سلبية.

وعلى من تراجع أن يخبر بذلك الطرف الثاني بأدب واحترام، وأن لا يشهر تراجعه. - الدليل على جواز رؤية الخاطب للمخطوبة: عن أبي هريرة، قال: "كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنظرت إليها؟ " قال: "لا" قال: "فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا" 1. شيئًا: صغر أو زرقة أو حول. وعن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنظرت إليها؟ " قلت: لا. قال: "فانظر إليها. فإنه أجدر أن يؤدم بينكما" 2. في الحديث استحباب النظر إلى من يريد تزوجها وهو مذهب كافة أئمة أهل السنة. - موضع النظر: أكثر الأقوال أن ينظر إلى وجهها وكفيها لدلالة الوجه على الجمال أو ضده والكفين على خصوبة البدن أو عدمه، وقال الأوزاعي: يجتهد، وينظر إلى ما يريد منها إلا العورة. وقال ابن حزم: ينظر إلى جميع بدنها. وأجاز أبو حنيفة النظر إلى القدمين مع الوجه والكفين3.

_ 1 صحيح مسلم 16، النكاح 11، باب ندب النظر إلى وجه المرأة حديث 74و 75 ج4: 142. 2 سنن الترمذي 26، النكاح 17، باب إباحة النظر قبل التزويج ج1: 69- 70. سنن الترمذي 9، النكاح 5، باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة ج3: 397. 3 انظر ابن قدامة، المغني 6: 552- 554

وقال أحمد في رواية ابنه صالح: ينظر إلى الوجه، ولا يكون عن طريق لذة، وله أن يردد النظر إليها، ويتأمل محاسنها لأن المقصود لا يحصل إلا بذلك. وفي رواية حنبل: لا بأس أن ينظر إليها وإلى ما يدعوه إلى نكاحها من يد أو جسم، ونحو ذلك1. وأجاز مالك النظر إلى الوجه والكفين فقط2. الخطبة على الخطبة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" 3. وفي رواية البخاري عن عبد الله بن عمر نفلسه -رضي الله عنهما- قال: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب4. الشرح: قال مالك: وتفسير قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما نرى والله أعلم: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه، ويتفقان على صداق واحد معلوم، وقد تراضيا، فهي تشترط عليه لنفسها، فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد، فهذا باب فساد يدخل على الناس 5.

_ 1 انظر ابن قدامة المغني 6: 552- 554. 2 ابن رشد بداية المجتهد 2: 3. 3 موطأ مالك 28، النكاح 1، باب ما جاء في الخطبة ج 2: 523. صحيح البخاري 67، والنكاح 45، باب لا يخطب على خطبة أخيه ج 3: 251. 4 صحيح البخاري 67، النكاح 45، باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع ج 3: 251. 5 موطأ مالك 1: 523- 524.

- حكم الخطبة على الخطبة: الخطبة على الخطبة محرمة على الخاطب، وعلى من استجابت للثاني وهي مخطوبة. وحكمة التحريم منع إثارة التباغض بين المسلمين. - حكم الزواج الحاصل من الخطبة على الخطبة: إذا حصلت الخطبة الثانية بعد ركون الخاطبين إلى بعضهما فالزواج الناتج عنها يفسخ عند داود، ولا يفسخ عند أبي حنيفة، والشافعي. وعن مالك القولان، وقول ثالث وهو أن يفسخ قبل الدخول، ولا يفسخ بعده1. العدول عن الخطبة العدول عن الخطبة هو إعلان الخاطب أو المخطوبة عن تراجعه على استمرار الخطبة، ويترتب عليه أمران أدبي ومادي. أما الأدبي: فهو توقيف رابطة الخطبة بين الخاطبين، ومن شأنها أن تحدث تساؤلًا عند أقاربهما وأصدقائهما. وقد يتأثر بها من وقع العدول عنه. وأما الأثر المادي فموضوعه الهدايا التي قدمت، فهل ترجعها المخطوبة للخاطب أم تبقيها عندها؟ اختلف الفقهاء فيها، فالمذهب الحنفي يرى استرجاع الخاطب لما قدمه من الهدايا إن كانت على حالتها لم تتغير. ويفصل المذهب المالكي في المسألة فيرى أن تسترد الهدايا إن كان العدول من المخطوبة، ولا تسترد إن كان من الخاطب. ويكون الاسترداد بإرجاع ما بقي بعينه، وتقويم ما أتلف وإرجاع قيمته. ولا يبحث الشافعية عمن عدل، ويوجبون رد الهدايا، فإن كانت قائمة ردت أعيانها، وإن أتلفت ردت قيمتها.

_ 1 ابن رشد بداية المجتهد 2: 2.

عقد الزواج

عقد الزواج - أركانه وشروطه: بالرجوع إلى كثير من مصادر الفقه ومراجعه لاحظت أن العديد منها لم ينص على أركان وشروط عقد الزواج، وبحثها في غير هذا العنوان. وبين المعاصرين اختلاف فيها، فإذن المتزوجة شرط عند البعض، وركن عند الآخر، والصداق من مقدمات الزواج عند مؤلف، ومن حقوق الزوجة عند غيره. وسأبحثها على النحو التالي: الأركان أركان عقد الزواج في عمومها لا تخرج عن أركان كل عقد، وهي: العاقدان، والمعقوج عليه، والصيغة. 1- العاقدان: هما الزوج أو من ينوبه، وولي الزوجة، أو الزوجة نفسها عند من يرخص لها في تولية عقد زواجها بنفسها إذا كانت راشدة، وشروطهما عندما يعقدان زواجهما بغير ولي الأهلية، وهي الإسلام، والبلوغ، والعقل، وتعفى المرأة من شرط الإسلام عندما تكون كتابية.

2- المعقود عليه: هو محل العقد، وخصه كثير من الفقهاء بالزوجة، وأرى أنه يشمل الزوجين لأنهما يلتزمان معًا بمضمون العقد، وينتفعان به. وشرطهما في الانعقاد رضاهما وخلوهما من أسباب تحريم الزوج بينهما. 3- الصيغة: تسمى الإيجاب والقبول. والإيجاب اللفظ الدال على إرادة التزويج بأن يقول الأب أو من يقوم مقامه لخاطب ابنته: زوجتك ابنتي، أو انكحتك ابنتي، والقبول موافقة الخاطب على التزويج بأن يقول: قبلت هذا التزويج، أو رضيت به، أو تزوجتها. ويشترط أن يتما في مجلس واحد دون فاصل بينهما بكلام في غير الموضوع. واختلف في لفظ الهبة والصدقة والبيع والتمليك فأجازها بعض العلماء ومنعها آخرون. ويتم القبول بكل لفظ يدل عليه كقبلت، ووافقت، ورضيت، وأمضت، ونحوها1. الشروط من الشروط ما يتعلق بأركان عقد الزواج، وقد ذكرناها معها، ومنها ما يتعلق بصحته، وهي استئذان المرأة ورضاها، والمهر، والوالي، والإشهاد.

_ 1 ابن قدامة، المغني 6: 532- 535.

استئذان المرأة ورضاها يستأذن الزوج في تزويجه ليصرح برضاه بمن اقترحت عليه إن لم يكن هو الذي اختارها، أو برفضه لها، وتستأذن الثيب من النساء في تزويجها لتصرح بالرضا أو الرفض لفظًا. وتستأذن البكر، ويقبل منها السكوت عند الرضا، وتطالب باللفظ عند الرفض. ويلزم الشافعي البكر باللفظ في الحالتين إذا كان وليها غير أبيها أو غير جدها. ويرى الفقهاء أن للأب جبر ابنته البكر غير البالغ، ولعلهم رأوا الجبر لصغرها، والأولى أن لا تزوج أن كانت غير واعية، ويؤجل تزويجها إلى البلوغ لتتمكن من الأفصاح عن قبولها أو رفضها. وهناك تفصيلات في جبر الأب لابنته البكر البالغة والثيب غير البالغة والقول الفصل في نص الحديث. عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن"، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت" 1. الأيم: الثيب التي فارقت زوجها بموت، أو طلاق. وقد تطلق على من لا زوج لها مطلقًا.

_ 1 صحيح البخاري 67، النكاح41، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما ج 3: 25.

والاستئمار: طلب الأمر. شرط هذا الحديث رضا المرأة عند تزويجها. وهو ما تفيده الترجمة التي ترجم بها الإمام البخاري له. إذ قال: باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما. فهي صريحة في منع تزويج البكر والثيب بغير رضاهما، سواء كان الولي الأب أو غيره. هذا ما اقتضاه ظاهر الحديث، وما فهمه الإمام البخاري، وأكده ابن حجر، فقال: إن الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوجة بكرًا كانت ثيبًا، صغيرة كانت أو كبيرة، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث، لكن نستثني الصغيرة من حيث المعنى لأنها لا عبارة لها1. ومن الأحادث في هذه المسألة: ما رواه عبد الله بن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الأيم أحق بنفسها، والبكر تُستأذن في نفسها، وإذنها صماتها" 2. - حكم زواج المكرهة: عن خنساء بنت خدام الأنصارية "أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فردّ نكاحها"3.

_ 1 فتح الباري 9: 191- 192. 2 موطأ مالك 28، النكاح 2، باب استئذان البكر والأيم في أنفسهما حديث 4ج2: 524 - 525 واللفظ له. صحيح مسلم 16، والنكاح 8، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر وبالسكوت حديث 66ج، 4: 140. 3 صحيح البخاري 67، النكاح 42، باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود ج3: 25.

ظاهر هذا الحديث رد زواج الثيب إذا أكرهت عليه، وهو موضع إجماع إلا من شذ1. وترجمة الإمام البخاري باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود عامة، تشمل البكر والثيب وفي الحديث النص على الثيب فقط فلعل البخاري استند في تعميمه إلى ما في بعض طرق هذا الحديث من ذكر البكر، ومن المطلوب رضاهم في عقد الزواج الولي إلا عند الإمام أبي حنيفة إذا كانت البنت راشدة، ورغبت في عقد زواجها بنفسها، وتزوجت كفؤًا. وكذلك يستحب رضا أم البنت.

_ انظر ابن حجر فتح الباري 9: 194.

المهر

المهر - تعريفه: هو مال يمنح للمتزوجة من الراغب في زواجها يسميه لها عند عقده عليها. - حكمه: أمر به القرآن فقال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} 1. افتتحت الآية بصيغة الأمر، ومن معانيه الوجوب، وهو المراد هنا لأنه يجوز التواطؤ على ترك المهر. ودلت عليه السنة فقد أصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- كل زوجاته، وأكد عليه في أحاديثه، فقال -لمن لم يكن عنده مال-: "اذهب فاطلب ولو خاتمًا من حديد". وهو من شروط صحة الزواج عند بعض الفقهاء.

_ 1 سورة النساء: 4. 2 جزء من حديث طويل أخرجه البخاري 67، النكاح 50، باب التزويج على القرآن بغير صداق ج 3: 252 واللفظ له. صحيح مسلم 16، النكاح 12، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن حديث 76 ج4: 143.

- وقت وجوبه: يسمى عند العقد، ويجب كله بالدخول أو الموت بالإتقاق، وللمطلقة بعد العقد، وقبل البناء نصفه لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} 1. - أنواع: المهر قسمان: 1 ما يقع الاتفاق عليه. 2 مهر المثل. يراد ما تعوده الناس بالنظر إلى الوضع الاجتماعي للمتزوجة. ويحتاج إليه عند عدم تسمية المهر، فيمنح عندئذٍ لمن لم يسمِّ مهرها. - ملكيته: المهر حق خالص للزوجة تتصرف فيه -في حدود الشرع- بنفسها، أو توكل عنها من ينوبها فيه، ولها أن تمنح بعضه، أو كله لمن تشاء، كما اقتضت ذلك الآية التي ذكرناها أولًا. - مقداره: ليس لأكثره حد لقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} 2.

_ 1 سورة البقرة: 237. 2 سورة النساء: 20-21.

ففي قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً} جواز كثرة الصداق، وللعلم فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا يقللونه1. واختلفوا في أقله، فقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وفقهاء المدينة من التابعين، وابن وهب من أصحاب مالك: ليس لأقله حدّ، وكل ما جاز أن يكون ثمنًا وقيمة لشيء جاز أن يكون صداقًا، وحدده أبو حنيفة بعشرة دراهم فضة، ومالك بربع دينار ذهبًا2 قال: لا أرى أن تنكح المرأة بأقلّ من ربع دينار3. ونظرًا إلى وجوبه فالأولى اعتماد الرأي القائل بتحديد أقله حتى لا يدفع مالًا يساوي قيمته. - النهي عن المغالاة فيه: المغالاة منهي عنها في كل شيء للأضرار التي تترتب عليها، منها إرهاق المتزوج بالديون، وعزوف الكثيرين من الشباب عن الزواج، وفي هذا أخطاء اجتماعية كبيرة. - حكمته: حقيقة حكمته يعلمها الله تعالى، مما يمكن أن يفسر به أنه دليل على قدرة الزوج المالية، وأنه قد يمنعه من الطلاق بسبب ما قدمه من مال لمن يرغب في تطليقها، وما سيقدمه من مهر جديد لمن سيتزوجها، وأنه إكرام للمرأة.

_ 1- ابن العربي، أحكام القرآن: 1: 364. 2 ابن رشد بداية المجتهد 2: 14. 3 الموطأ 2: 528.

- تأجيله: يجوز أن يكون الصداق، معجلًا، ومؤجلًا، ويجوز أن يعجّل بعضه، ويؤجّل بعضه، فإن أطلق ذكره اقتضى الحلول، وأن شرطه مؤجلًا إلى وقتٍ فهو إلى أجله، وإن أجله ولم يذكر أجله فقيل: إن المهر صحيح، ومحلّه الفرقة. قيل: إن الأجل يبطل، ويكون حالًّا، وقيل: إن المهر فاسد، ولها مهر المثل، وفي المسألة خلاف كبير1.

_ 1 ابن قدامة، المغني 6: 693- 694.

الولاية في الزواج

الولاية في الزواج - تعريف الولي: يرى جمهور الفقهاء أن الولي في الزواج يكون من العصبة، ويقدَّم أبو المرأة أنه لا ولاية لأحد معه عليها، ثم وصيه في تزويج ابنته، ثم الجد للأب، ثم الأبن، ثم الأخ الشقيق، ثم للأب، ثم أبناء الإخوة، ثم العم الشقيق للأب، ثم أبناء العم، ولا ولاية لأخ من أم، ولا خال، ونحوه من ذوي الأرحام1. وعن الحنفية هم من الأولياء2. - استراطه في الزواج: اشتراطه الجمهور، وقالوا: لا تزوّج المرأة نفسها أصلًا، ولا غيرها، ولا توكّل عير وليها في تزويجها3. ومن أدلتهم الآية الكريمة: {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} 4 فقد ورد في سبب نزولها ما يلي: عن الحسن، قال: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} قال: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه، قال: زوجت أختًا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها

_ 1 حاشية الروض المربع شرح المزاد المستقنع 3: 265- 267. 2 ابن حجر، فتح الباري 9: 187. 3 ابن قدامة، المغني 6: 249. 4 البقرة: 232.

جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وافرشتك، وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها، لا تعود إليك أبدًا، وكان رجلًا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية: {فَلا تَعْضُلُوهُنّ} فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: "فزوجها إياه" 1. فهذه الآية أصرح دليل على اشتراط الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، ولو كان لمن نزلت فيها الآية أن تزوج نفسها لما احتاجت إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه، ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك. وفي حديث معقل هذا أن الولي إذا عضل لا يزوج السلطان إلا بعد أن يأمره بالرجوع عن العضل فإن أجاب فذاك، وإن أصر زوج عليه الحاكم2. وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط الولي أصلًا، ويجوز للمرأة أن تزوج نفسها، ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفؤًا، واحتج بالقياس على البيع فإنها تستقل به، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغير وخص بهذا القياس عمومها، وهو عمل سائغ في الأصول وهو جواز تخصيص العموم بالقياس، لكن حديث معقل المذكور رفع هذا القياس، ودل على اشتراط الولي في النكاح دون غيره ليندفع عن موليته العار باختيار الكفء3. ومن الأحاديث الدالة على اشتراط الولي ما جاء عن أبي موسى، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بولي " 4.

_ 1- صحيح البخاري 67، النكاح 36، باب من قال: لا نكاح إلا بولي ج 3: 248 تعليقًا. 2 ابن حجر، فتح الباري 9: 187-188. 3 ابن حجر، فتح الباري 9: 187. 4 سنن الترميذي 9، النكاح 14، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي ج3: 407. سنن أبي داود 12، النكاح، باب في الولي ج 2: 229.

ويشهد له من القرآن الكريم قوله تعالى: {وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} 1. وقوله: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} 2. فقد وجه النهي عن تزويج المشركين في الآية الأولى، والأمر بتزويج الأيامى في الآية الثانية إلى الأولياء. - شروطه: هي الإسلام، والبلوغ، والعقل، والذكورة، واختلف في العدالة3. - عضل الأولياء: ليس للولي أن يعضل موليته إذا طلبت من كفء وبصداق مثلها، ولها أن ترفع أمرها إلى السلطان ليزوجها إذا عضلت إلا إذا كان الأب هو الولي ففي هذه المسألة خلاف. وللبكر أن ترفض تزويج والدها لها من فاسق، وللحاكم أن يفرق بينهما إن حصل ذلك، ومما أثير في موضوع الكفاءة الدين، وأجمع على اعتباره، خالف في ذلك محمد بن الحسن الشيباني، ومما اختلف فيه من صفات الكفاءة: النسب، واليسار، والسلامة من العيوب4.

_ 1 البقرة: 221. 2 النور: 32. 3 حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع 3: 262- 264. 4 ابن رشد بداية المجتهد 2: 12.

الشهادة

الشهادة المنقول عن كثير من الصحابة والتابعين، وعن الأئمة الأربعة، والثوري، والأوزاعي التأكيد على الشهادة على عقد الزواج. وفي رواية عن أحمد أنه يصح بغير شهود مع الرواية عنه أنه لا ينعقد إلا بشاهدين1. وعن أبي حنيقة، ومالك، والشافعي أن الشهادة من شرط النكاح، واختلفوا هل هي شرط تمام يؤمر به عنه الدخول، أو شرط صحة يؤمر به عند العقد، واتفقوا على أنه لا يجوز زواج السر، وعلى اشتراط الإسلام في الشاهدين، واختلفوا في العدالة2 ومع الشهادة على العقد يستحب إعلان الزواج. قال أحمد بن حنبل: يستحب أن يظهر النكاح، ويضرب فيه بالدف حتى يشتهر ويعرف3

_ 1 انظر ابن قدامة، المغني 6: 450- 453. 2 ابن رشد, بداية المجتهد 2: 13. 3 ابن قدامة، المغني 6: 537.

النسوة المحرمات

النسوة المحرمات هناك عدد من النساء حرم الله تعالى الزواج بهن، بعضهن حرمتهن تأبيدية على من له بهن صلة قرابة، أو رضاع، أو مصاهرة، وبعضهن حرمتهن مؤقتة لعوامل أخرى. المحرمات حرمة تأبيدية: هن المحرمات بالنسب، أو الرضاع، أو المصاهرة، وذكرت الآية التالية كل المحرمات بالنسب، واغلب المحرمات بالمصاهرة، وبعض المحرمات بالرضاع. قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيمًا} المحرمات بالنسب: ذكرن في أول هذه الآية في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} .

_ 1 سورة النساء: 23.

وعددهن سبع، وهن الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت. المحرمات بالرضاع: ذكرت هذه الآية اثنتين منهن، هما: الأم والأخت {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ} . ونص الحديث علهيم جميعًا بالوصف، فعن عائشة قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة" 1. فيكون عدد المحرمات بالرضاع سبعًا أيضًا، وهن - إضافة إلى الأم والأخت - البنت، وابنتها، وابنة الأخ، والعمة، والخالة. واختلف الفقهاء في مسائل تتعلق بالرضاع، منها: مقدار اللبن المحرم، فبعضهم حدده، بعدد من المصّات، وبعضهم أطلقه. والرضاع في الحولين بعد استغناء المولود بالغذاء عن اللبن، فاعتبره بعضهم سببًا للتحريم، ولم يعتبره البعض، ورضاع الكبير. واعتبار زوج المرضعة أبًا للمرضع كأب النسب أم لا، واتفقوا على أن الرضاع يحرم في الحولين. المحرمات بالمصاهرة: المحرمات بالمصاهرة هن اللاتي نشأ تحريمهن بسبب علاقة المصاهرة بين الراغب في الزواج والمرأة التي يرغب في الزواج بها كأن تكون زوجة لابنه أو بنتًا لزوجته، وسوى ذلك. قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}

_ 1 صحيح مسلم 18، الرضاع 1، باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة حديث 3 ج4: 162

ذكرت هذه الآية ثلاثة من المحرمات بالمصاهرة، وهن: - أم الزوجة: الجمهور انها تحرم على زوج ابنتها بعقده على البنت حصل الدخول بها أم لم يحصل. وذهب قوم إلى أن الأم لا تحرم إلا بالدخول على ابنتها1. - بنت الزوجة التي تم الدخول بأمها الجمهور على أنه ليس من شرط التحريم الربيبة أن تكون في حجر زوج أمها. - زوجة الابن تحرم على الأب منذ أن يعقد عليها الابن بشرط أن يكون الابن صلب، لأن المتبنى ليس بابن، وانما ادعى متبنيه بنوته. - زوج الأب وورد النص على تحريم زوجة الأب في الآية التالية: قال تعالى: {وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً} 2 وتحرم على الابن منذ عقد أبيه عليها. المحرمات حرمة مؤقتة أسباب التحريم المؤقت متعددة ولا يجمع بينها جامع، لذلك أذكر كل سبب مستقل عن البقية. 1- الجمع بين الأختين: قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} .

_ 1 ابن رشد، بداية المجتهد 2: 26. 2 سورة النساء: 22.

لا يحل لزوج أن يتزوج أخت زوجته ما دامت الأولى في عصمته، فإن فارقها بموت فله زواج أختها. قلت: فارقها بموت، ولم أقل موت أو طلاق، لأن الأخت لا تتزوج عرفًا مكان أختها المطلقة. 2- الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها: لا يحل الجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها للحديث التالي: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يجمع بين المرأة وعمّتها، ولا بين المرأة وخالتها" 1. 3- الزوجة المعتدة: الزوجة المعتدة تعتبر زوجةً لمطلقها حتى تنقضي عدتها، فلا يجوز خطبتها، ولا التزوج بها أثناء العدة. قال تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} 2. 4- المطلقة ثلاثًا: لا يحل لمن طلق زوجته ثلاثًا أن يعقد عليها بعد طلاقها إلا إذا تزوجت من جديد، وطلقت وانقضت عدتها. قال تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 3. وقال في الآية الموالية: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} .

_ 1 صحيح مسلم 16، النكاح3، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، أو خالتها في النكاح حديث 33ج 4: 134. 2 سورة البقرة: 235. 3 سورة البقرة: 229. 4 سورة البقرة: 230.

اقتضت الآية الأولى أن الطلاق الذي تجوز فيه المراجعة هو ما وقع مرةً أو مرتين، ودلّتِ الآية الثانية على تحريم المطلقة ثلاثًا على مطلقها حتى تتزوّج غيره، وتطلق منه. قال القرطبي: فإن طلقها الطلقة الثالثة فلا تحلّ له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره، وهذا مجمَع عليه لا خلاف فيه1. 5- الزوج بخامسة: من كان متزوجًا بأربع نسوة لا يحل له الزواج بخامسة إلا إذا فارق واحدة أو أكثر، وانقضت عدة المفارقة لأن العدد المسموح به من الزوجات مع بعضهن هو أربع فقط كما هو معروف. قال تعالى: {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 2. 6- المرأة التي لا تدين بدين سماوي: يحرم على المسلم التزوج بمن لا تدين بدين سماوي لقوله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 3. فقد قيدت الآية الزواج بالمشركات بإيمانهن، ومعلوم أنه يجوز التزوج بالكتابية، وأنه يمنع على المسلمة التزوج بغير المسلم كتابيًّا كان، أو وثنيًّا، أو ملحدًا.

_ 1 الجامع لأحكام القرآن 3: 147. 2 سورة النساء: 3. 3 سورة البقرة: 221

تعدد الزوجات

تعدد الزوجات أجازت الشريعة الإسلامية تعدد الزوجات إلى أربع، وحرمت ما زاد على ذلك. والاقتصار على أربعة دلت عليه أدلة هي أدلة نفسها التي يستدل بها على تشريع التعدد. الدليل الأول: قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} 1. وفي الاستدلال بهذه الآية إبطال لقول من زعم أن العدد المسموح به من الزوجات تسع أي: مجموع (2+3+4) (مثنى وثلاث ورباع) ، وقد رد هذا القول كل العلماء المسلمين، ومنهم أبو بكر بن العربي2 والفخر الرازي3 والقرطبي4 وابن عاشور5.

_ 1 سورة النساء3. 2 أحكام القرآن 1: 312-313. 3 مفاتيح الغيب 9: 174-175. 4 الجامع لأحكام القرآن 5: 13-14. 5 التحرير والتنوير 4: 225.

الدليل الثاني: حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ابن عمر قال: "أسلم غيلان بن سلمة وتحته عشرة نسوة ,فقال له النبي "خذ منهن أربعًا" 1. الدليل الثالث: الاجماع2 الحكمة من تشريع تعدد الزوجات لهذا التشريع غايات عدة نص عليها من تحدثوا عليه، وأُوُرِد هنا غايات أوردها ابن عاشور، واخترتها لتنوعها ودقتها، واتبعها بما رأيته من عوامل تتممها. يرى ابن عاشور في تفسيره أن الله شرع تعدد النسوة للقادر العادل وأن هذا التشريع يحقق مصالح جمة منها: 1) تكثير عدة الأمة بازدياد المواليد فيها. 2) كفالة النساء لأنهن أكثر عددًا من الرجال في كل أمة وكثرتهن ناتجة عن الأسباب التالية: أ) زيادة عدد المواليد من الإناث على عدد المواليد من الذكور. ب) تعرض الرجال لأسباب الهلاك في الحروب والشدائد أكثر من تعرض النساء. ج) كون أعمار النساء أطول من أعمار الرجال غالبًا.

_ 1 موطأ مالك 29، الطلاق 29، باب جامع الطلاق ج2: 582. سنن أبي داود 136، الطلاق 23 باب فيمن أسلم وعنده أكثر من أربع ج2: 272. سنن ابن ماجة 9، النكاح 40 باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة ج1: 628. 2 الفخر الرازي، مفاتيح الغيب 9: 175.

3 توسع الشريعة على الناس في تعدد النساء لمن كان ميالًا للتعدد مجبولًا عليه. 4) قصد الابتعاد عن الطلاق إلا لضرورة 1. اضافة إلى هاته المصالح التي يحققها التعدد في نظر ابن عاشرو أضيف إليها عوامل تدعو إليه منها: 1) التأكد طيبًا من عقم الزوجة. ذلك أن الإنجاب غزيرة فطر الله عليها الناس، وقد يمنعه عقم الزوجين أو أحدهما، وعند التأكد من عقم المرأة يحل التعدد المشكل، وقد لا يعارضه بعض النسوة في هذه الحالة. 2) عجز المرأة عن الاتصال الجنسي. 3) عزوفها عنه رغم سلامتها من الأمراض. 4) مرضها مرضًا يحد من نشاطها. هذه الحالات وما شابهها تدفع بالزوج إلى التعدد، وإلى بعض الزوجات إلى الموافقة عليه. شروط التعدد أجاز الله تعالى الزوجات بشرط العدل. والعدل إنما يحاول أن يحققه من توفر فيه الشرط الأساسي للزواج، وهو القدرة عليه لذلك نص العلماء على هذه القدرة باعتبارها وسيلة للعدل، رأينا ذلك عند ابن عاشور كما ذكرنا أولًا، ونص عليها غيره أيضًا. وننقل عن الروض المربع شرح زاد المستقنع وعن حاشيته لعبد الرحمن العاصمي النجدي ما يلي: قال صاحب الروض المربع: ويسن نكاح واحدة لأن الزيادة عليها تعريض للمحرم، قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} 2.

_ 1 ابن عاشور، التحرير والتنوير 4: 226. 2 سورة النساء: 129.

قال عبد الرحمن بن محمد العاصي النجدي, في تعليقه على هذا القول: ويسن نكاح واحدة إن حصل بها الإعفاف للآية. وتستحب الزيادة إن لم تعفه، صوبه في تصحيح الفروع، إن كان قادرًا على كلفة ذلك مع توقان النفس إليه، ولم يترتب عليه مفسدة أعظم من فعله، ,إلا فلا. وعلل تعريض الزيادة للمحرم بالميل إلى أحد الزوجين1. ونحاول الآن بيان العدل المطلوب توفره بين الزوجتين أو الزوجات. العدل بين الزوجين نص عليه القرآن الكريم في آيتين: الآية الأولى هي التي ذكرت في أول هذا المبحث والآية الثانية قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} 2. أمرت الآية الأولى بالاكتفاء بزوجة واحدة عند الخوف من عدم تحقق العدل. ونفت الآية الثانية تحققه ولو مع الحرص عليه، ونهت عن الإفراط في الميل لزوجة دون أخرى، وهذه أقوال العلماء في المراد بالعدل. جاء في تفسير القرطبي: يكون العدل في الميل والمحبة، والجماع، والمعاشرة والقسم بين الزوجات. ومنع الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل دليل على وجوبه، وتحقيقه أقرب إلى الحق ومنع للجور.

_ 1 حاشية الروض المربع 229. 2 سورة النساء: 129.

وقال القرطبي أيضًا في موضع آخر على الرجل أن يعدل بين نسائه لكل واحدة منهما يوم وليلة1. هذا قول عامة العلماء، وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل دون النهار. ولا يسقط حق الزوجة مرضها ولا حيضها، ويلزمه المقام عندها في يومها وليلتها، وعليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته إلا أن يعجز عن الحركة فيقيم حيث غلب عليه المرض، فإذا صح استأنف القسم، والكتابيات والمسلمات في ذلك سواء2. قال ابن العربي: قال علماؤنا - أي في العدل- معناه في القسم بين الزوجات والتسوية في حقوق النكاح, وهو فرض. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتمده، ويقدر عليه، ويقول: -إذا فعل الظاهر من ذلك في الأفعال، ووجد قلبه الكريم السليم يميل إلى عائشة -"اللهم هذه قدرتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني قلبه3. هذا بعض ما جاء في المراد بالعدل المطلوب بين الزوجتين فأكثر فما هو مفهوم العدل في قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} الآية؟ العدل الذي نفت حصوله هذه الآية هو العدل التام التمثل فيما ذكرته قبل قليل، وفي الحب خاصة لذلك قال تعالى -في الآية نفسها-: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} تنبيهًا على أن الحب أمر خارح عن الإنسان خاضع للمؤثرات التي قد تكون لدى إحدى الزوجات من جمال، وزينة, وحسن خلق، ودعابة، وغيرها من صفات وأقوال، وأفعال لا توجد كلها، أو بعضها عند زوجة أخرى.

_ 1 الجامع لأحكام القرآن 5: 20. 2 الجامع لأحكام القرآن 14: 217. 3 ابن العربي، أحكام القرآن 1: 313.

مراعاة لتأثر الإنسان بهذا المؤثرات نفي الله تعالى حصول العدل في الحب ولو مع الحرص عليه، فنهى عن الإفراط في هذا الحب حتى لا يتجاوز الميل الطبيعي القهري إلى المحاباة في حقوق الزوجة كالقسم، وحسن المعاشرة، والنفقة بصورة تجعل التي وقع الميل عنها معلقة، لا هي متزوجة، ولا هي مطلقة. فالعدل المنفي في الآية هو الحب القهري الخارجي عن إرادة الإنسان، والذي تضمنه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما روته السيدة عائشة -رضي الله عنها-، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقسم فيعدل، ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك، ولا أملك" 1. وعلى من حصل له ذلك أن يجاهد نفسه، ويروضها على قبول ما بداله له غير مريح من التي نفر منها، ويتعود على ذلك حتى يميل إليها بطبعه وينصفها. وألحق البعض الجماع بالحب في عدم تحقق العدل فيه بسبب توفر دواعيه لدى زوجة دون أخرى. ولست مع هذا القول، لأن الجماع من أهداف الزواج ومن حقوق الزوجة الأساسية، فلا بد من العدل فيه.

_ 1 سنن أبي داود12، النكاح 38 ,باب القسم بين النساء ج 2: 242 واللفظ له. ابن ماجه 9، النكاح باب القسمة بين النساء ج1: 633.

دعائم الأسرة

دعائم الأسرة من دعائم الأسرة قوامة الزوج، وضمان الحقوق العائلية بأقسامها المتعددة على النحو التالي: 1 قوامة الزوج 2 ضمان الحقوق العائلية أ- الحقوق الزوجية الحقوق المشتركة حقوق الزوج حقوق الزوجة ب- حقوق الأبوين، والأبناء، والأقارب بر الواليدن حقوق الأبناء صلة الرحم النفقة على الأقارب

الدعامة الأولى: قوامة الزوج قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} 1. بينت هذه الآية أن للزوجات من الحقوق على أزواجهن مثل ما لهؤلاء الأزواج من الحقوق عليهن، وأن الأزواج يتفوقون على الزوجات بدرجة. ففي ماذا تمثل هذه الدرجة؟ تتمثل هذه الدرجة في تحمل الزوج مسؤولية الإشراف على الأسرة بتنظيمها وتوفير حاجاتها حسب مستوى أمثاله، وتحديد واجبات كل فرد فيها. قال ابن عباس: الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة، والتوسع للنساء في المال، والخلق، أي: أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه. قال ابن عطية: وهذا قول حسن بارع2. وقررت الآية الموالية القوامة. قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} 3.

_ 1 البقرة: 228. 2 القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 3: 125. 3 النساء: 34.

القوام الذي يقوم على شأن غيره، ويصلحه, واسندت هذه الآية القوامة إلى الرجال، وأفادت أن من أسباب ذلك تفضيل الله تعالى الأزواج على زوجاتهم، ومما يظهر فيه ذلك جعل الطلاق بيد الزوج دون الزوجة، فليس لها ذلك إلا بواسطة القاضي، أو عن طريق الخلع، وكمراجعة الزوج لزوجته في العدة. يضاف لما ذكر تفوق الرجال على النساء عمومًا في قيامهم ببعض الأعمال الصعبة مثل الجهاد، وتوليهم بعض الولايات المختلف في إسنادها إلى المرأة، وتفضيلهم في العدالة، وولاية النكاح، وفي الإرث1. ونصت الآية بعد ذكرها التفصيل على أن من أسباب قوامة الرجال انفاقهم على الأسرة لتكوينها، ولاستمرارها سكنًا، واطعامًا، وعلاجًا، وتعليمًا، وما يتبع ذلك. وفهم العلماء من قوله تعالى: {وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أنه متى عجز الزوج عن الإنفاق على الزوجة لم يكن قوّامًا عليها، وإذا لم يكن قوّامًا عليها فسخ العقد لزوال المقصود الذي شرع لأجله الزواج. وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة، وهو مذهب مالك، والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يفسخ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 2 3. والقوامة لا تعني استعلاء الزوج على الزوجة، واستبداده بالرأي، فأمر الأسرة شورى بين الزوجين في كل ما يحقق مصالحهما. قال ابن عاشور -في بيان منزلة المرأة -: ودين الإسلام حري بإصلاح شأن المرأة، وكيف لا، وهي نصف النوع الإنساني، والمربية.

_ 1 انظر ابن عاشور، التحرير والتنوير 2: 402. 2 البقرة: 280. 3 القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 5: 169.

الأولى التي تفيض التربية السالكة إلى النفوس قبل غيرها، والتي تصادف عقولًا لم تمسها وسائل الشر، وقلوبًا لم تنفذ إليها خراطيم الشياطين1. وأكد على التوازن الذي ينبغي أن يسود العلاقة الزوجية، فقال: وقوله: وللرجال خبر عن درجة قدم للاهتمام بما تفيده اللام من معنى استحقاقهم تلك الدرجة كما أشير إلى ذلك الاستحقاق في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} . وفي هذا الاهتمام مقصدان: أحدهما: دفع توهم المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق توهمًا من قوله آنفًا {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ثانيهما: تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص لإبطال إيثارهم المطلق الذي كان متبعًا في الجاهلية2.

_ 1 التحرير والتنوير 2: 400. 2 المرجع نفسه 2: 401.

الدعامة الثانية أ- ضمان الحقوق العائلية الحقوق الزوجية: 1 الحقوق المشتركة بين الزوجين 2- حقوق الزوج. 3- حقوق الزوجة. الحقوق المشتركة هي حقوق الزوجين معًا في الوقت نفسه، ومنها: 1- حق الاستمتاع استجابةً لداعي الفطرة. قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وهي حق مشترك لا يمنع منه أحد الزوجين الآخر. ولأحدهما فسخ عقد الزواج إذا كان في الآخر مانع من الاتصال الجنسي. 2- المعاشرة بالمعروف من الاثنين. هذا الحق يمكن أن ترجع إليه كل الحقوق الأخرى، لأنه إذا وجد وجدت جميعًا.

_ 1 سورة المؤمنون: 5-6.

وقد أمر الله تعالى بمعاشرة الزوج لزوجته بالمعروف، فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 1. ولئن كان الأمر هنا موجها للزوج فإن الزوجة أيضا مطالبة بأن توفر من جانها هذه المعاشرة. لذلك جعلت الآية التالية المودة والرحمة متبادلين بين الاثنين لتتحقق الطمأنينة، فينعم بها الجميع. قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 2. وتأكيدا لهذه السكينة اعتبر الله تعالى كل واحد من الزوجين كاللباس بالنسبة للآخر، فكما أن اللباس يستر الإنسان، ويحميه من البرد والحر، فكذلك الزوجات كلاهما مضطر للآخر، وقائم يستره. قال تعالى: { ... } 3. ومما تتم به المعاشرة الحسنة: الكلمة الطيبة، والفعل المحمود، واجتناب دواعي النزاع، والتسامح، والتعاون، والاحترام، والتشاور، وحفظ الأسرار، وسائر الخصال الحميدة.

_ 1 سورة النساء: 19. 2 سورة الروم 21. 3 سورة البقرة: 187

الحقوق المشتركة الآلية الحقوق الآلية هي التي تنتج عن الزوج دون تأثير من الزوجين أو أحدهما وهي: 1- حقوق الأولاد في الانتساب إلى أبيهم، وحقهم في عطف الأمومة، وهذا من حقوق الأبناء على الوالدين، وهو أيضا حق لكل من الزوجين على الآخر لأنه لا يحق لأحدهما ولا لكيلهما الامتناع عن نسبة الولد إلى الآخر. 2- التوارث: الزواج من أسباب التوارث، فللزوج نصف تركة زوحته إن لم يكن لها وارث، وله الربع إن كان لها فرع وارث، سواء كان الفرع منه أو من غيره. وللزوجة أو الزوجات الربع من تركة الزوج إذا لم يكن له فرع وارث، ولها أولهن الثمن إن كان له فرع وارث. قال تعالى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 1. حقوق الزوج إن ما سأسرده من حقوق الزوج يمكن إرجاعها جميعا إلى الحقوق المشتركة لأنها شاملة لحقوق الإثنين، وفائدة ذكرها وزيادة التنبيه إليها.

_ 1 سورة النساء: 12.

ومنها: 1- حق الزوج على زوجته في رعاية بيته، ومسؤوليتها عن رعيتها كما ورج في الحديث السابق "كلكم راع"، وهذه الرعاية تعم كل الواحبات المتعبة على الزوجة مما يتعلق بحقوق الأبناء، وحقوق الزوج. 2- صيانتها البيت، فلا تدخل له أحدا دون إذن زوجها. 3- حفظ مال زوجها، فلا تبذره، ولا تأخذ منه بغير علمه إلا أن يعطيها أقل من الكفاية فتأخذ منه ما يكفيها. عن عائشة: أن هنداً بنت عتبة قال يار رسول الله إن أبا سفيان رجل شيحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" 1. 4- طاعته في حدود ما أمر الله تعالى به، وما تقتضيه الحياة الزوجية والمعاشرة الطيبة، ووجوب طاعتها له لا تعني تكيلفه إياها ما لا تتمله، أو ما ليس من مهمة الزوجة. 5- من حقوقه عليها المتعلقة بالآداب، أن تصوم صوم التطوع عند حضوره إلا بإذنه. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه" 2. حقوق الزوجة: - النفقة: 3 تشمل السكن، والطعام، واللباس، والعلاج، وما يتبع ذلك، فعلى الزوج توفيرها لزوجته بحكم تحمله رئاسة الأسرة، وقيامه بالعمل الموفر

_ 1 صحيح البخاري 69، النفقات 9، باب إذا لم ينفق الرجل...... ج 3: 289. 2 صحيح البخاري 67، والنكاح 84 باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا ج3: 260. 3 انظر ابن قدامة المعني 7: 564-566.

للدخل في حين أن المهمة الاولى للزوجة هي تربية الأولاد، ورعاية البيت. وما حصل في المجتمع في الوقت الحاضر من عمل الزوجات خارج بيوتهن، وضع اجتماعي جديد يرجع فيه إلى العرف في حدود ما شرعه الله من أحكام لتقنين الحياة الزوجية، ويراعي في مقدار النفقة حال الزوجة قبل زوجها ودخل الزوج. قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} 1. هذه أهم حقوق الزوحة، وبقية حقوقها تدخل ضمن الحقوق المشتركة.

_ 1 سورة الطلاق: 7.

ب- حقوق الأبوين والأبناء والأقارب التربية الأولى التي ينشأ عليها الطفل في الأسر تظهر مبادئها في تعامله مع الآخرين. لذلك كان من الواجب أن يتربي على الحب، والوفاء والاحترام لمن يعيش معهم. وهؤلاء في الأسر هم: الوالدان، والأخوة، والأقارب، وقد أكد الشرع على بر الوالدين وصلة الرحم. حقوق الأبوين تتلخص هذه الحقوق في برهما لأن البر في هذا المقام كلمة جامعة تشمل جميع حقوق الأبوين على أبنائهم. - برهما: وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تأمر بالإحسان إلى الوالدين، وتذكر بفضلها على الأبناء، وتحثهم على مقابلة إحسانهما إليهم ببرهما منهم. ومنها قوله تعالى: {يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} 1.

_ 1 سورة الإسراء: 23-24.

ورد الأمر ببر الوالدين في هذه الآية معطوفا على عبادة الله تعالى وحده وبينت بوضوح كامل العناية اللطيقة التي ينبغي أن يحظى بها الأبوان من الأبناء، متمثلة في الإحسان إليهما بالرفق بهما في كبرهما، ومخاطبتهما بلطيف القول، والدعاء لهما، وتقديم ما يحتاجان إليه من الخدمات. وتعددت الأحاديث المرغبة في برهما، وامرت بان يستمر هذا البر بعد موتهما ببر أصدقائهما. عم عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن البر صلة الولد أهل ود أبيه" 1. والمناسبة التي تحدث فيها عبد الله بن عمر بهذا الحديث تبين عمله بمقتضاه فقد أخبر عنه عبج الله بن دينار أنه لقيه رجل من الأعراب بطريق عمامة فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقال عبد الله بن دينار: أصلحك الله، إنهم الأعراب، وأنهم يرضون باليسير" فقال عبد الله بن عمر "إن أبا كان ودا لعمر بن الخطاب2. وسابق الحديق المذزمرو أولا. فقد كرم عبد الله بن عمر الأعرابي لأن أباه كان من أصدقاء والده. - وجوب برهما: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟

_ 1 صحيح مسلم 45، البر والصلة والآدب4، باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم حديث 11-13ج 8:6. سنن الترميذي 25، البر والصلة 5، باب ما جاء في إكرام صديق الوالد ج 4: 276. 2 صحيح مسلم 45، والبر والصلة والآداب 4، باب فضل صلة أصدقاء الأبو الأم وحديث 11و12و13 ج 8: 6 سنن الترمذي 25، البر والصلة 5، باب ما جاء في إكرام صديق الوالد ج4: 276.

قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك". قال: "ثم أبوك" 1. ظاهر هذا الحديث تقديم الام في البر على الأب، وفي المسألة خلاف بين العلماء والذي أراه هو ما ذهب إليه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور من أن النبي صلى الله عليه وسلم علم من السائل أنه يرمي إلى الأذن منه بصحبة غير أمه، فرأد أن يظهر له الاهتمام بها، وأنها جدير بالبر مثل الأب قلعا لآثار الجاهلية من نفوس المسلمين. فالأبوان في البر سواء كما أشار قوله تعالى: {} 2، وقوله {} ، وقوله: {} 4، فسوى بينهما فيما أمر به5. - عقوقهما: حرم الشرع عقوق الوالدين، وورد ذلك في أكثر من حديث، وصصفت في بعضهما بكونه من أكبر الكبائر. عن عبد الله بن أبي بكرة، عن بلى رسول الله. قال: ثلاثا: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"، وكان متكئا فجلس. فقال: "ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور"، فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت6.

_ 1 صحيح البخاري 78، الأدب2، باب من أحق الناس بحسن الصحبة ج4: 47. صحيح مسلم 45، البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين حديث1، ج: 2 واللفز له. 2 لقمان: 14. 3 العنكبوت: 8 لقمان: 14 والأحقاف: 15. 4 لقمان: 15. 5 ابن عاشور، النظر الفسيح 303-304 يتصرف قليل. 6 صحيح البخاري 78، الأدب 6، باب عقوق الوالدين من الكبائر 4: 48.

وفي رواية حتى قلنا ليته يسكت أي تمنيناه يسكت لما رأوا من انزعاجه في ذلك1. والعقوق قطيعة بيديها الابن نحو أحد والديه أو نحو الاثنين بنكرانه جمليها في تربيته وإساءته الأدب معهما، وعدم وتقديمه الخدمات لهما عند احتاجيتها بسبب المرض، أو الكبر، وأو مختلف الإصابات؟ وقرن العقوق في الحديث بالإشراك بالله، وشهادة الزور، والإشراك خروج عن الإسلام، وشهادة الزور أدعاء باطل على الغير يترتب عليه تضييع حقوقه. وهذا دليل على فظاعة هذا الذنب الذي بأباه الدين والعقل. والأحاديث في الأمر بين الوالدين، والنهي عن عقوقهما كثيرة، ولكن اكتفى بما أرودت اختصار فالموضوع من البدهيات. النفقة عليها: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال واجبة في مال الولد2.

_ 1 ابن حجر، فتح الباري 10: 411. 2 ابن قدامة المغني 7: 853.

حقوق الأبناء 1 من حقوق الأبناء على الآباء ما يلي: 1- تسميتهم بأحسن الأسماء. 2- انتسابهم إلى آبائهم. 3- الإنفاق عليهم، الذكور إلى البلوغ والإناث إلى الزواج. 4- ختانهم. 5- إراضاهم. 6- حضتانهم. 7- الحنو عليهم. 8- تحفظيم القرآن. 9- تعليمهم العلوم الشرعية والعلوم العامة. 10- تنشئتهم على آداب الإسلام. 11- إعدادهم للحياة. 12- العدل بينهم.

_ 1 انظر هذه المسألة ابن قيم الجوزية: تحفة المودرود بأحكام المولود.

النفقة على الأبناء: أجمع مل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم. لأن ولد الإنسان بعضه، وهو بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه، وأهله كذلك على بعضه وأصله1.

_ 1 ابن قدامة، المغني 7: 583.

صلة الرحم - حد الرحم: يطلق الرحم على الذين يرتبطون بقرابة سواء كانوا يتوارثون أو لا يتوراثون، ومن المحارم أو من غيرهم. وقيل أنهم من المحارم فقط. ورد هذا القول لأنه يستلزم خروج أولاد الأعمام وأولاد الأخوال وهم من ذوي الأرحام1. - مزايا صلة الرحم: من مزاياها الزيادة في عمر الواصل لرحمه. عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" 2. يبسط له في رزقه: يوسع عليه. ينسأ له في أثره: يؤخر له في أجله والزيادة في العمر كناية عن البركة فيه بتوفيق الواصل إلى طاعة الله وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيناته عن تضييعه، ووقايته من

_ 1 ابن حجر فتح الباري: 10: 414. 2 صحيح البخاري 78، والأدب 12، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم وتحريم قطيعتها حديث 20ج8: 8.

المعصية، أو المراد بقاء ذكره الجميل بعده، بالعلم الذي ينتفع به، والصدقة الجارية، والولد الصالح1. جزاء الواصل بشر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومن يصل رحمه بوصله من الله تعالى، والوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه. وتوعد من قطع رحمه بقطعه من الله، أي حرمانه من إحسانه ورحمته. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته" 2. الشجنة: عروق الشجر المشتبكة, ومن الرحمن: أي أخذ اسمها من الرحمن، والمعني أنها أثر من آثار رحمة مشتبكة بها، فالقاطع لها منقطع من رحمة الله تعالى. - تعريف الواصل: عرف الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثه الواصل لرحمه فبين أنه الذي إذا أساء إليه أقاربه وصلهم، وإذا منعوه أعطاهم لتجنب أسباب قطيعتهم. قال "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" 3. والمراد بالواصل في هذا الحديث الكامل، فإن في المكافأة نوع صلة بخلاف من إذا وصله قريبه لم يكافئه فإن فيه قطعًا بإعراضه عن ذلك4.

_ القسطلاني، إرشاد الساري 9: 11. 2 صحيح البخاري 78، الأدب 130، باب من وصل وصله الله ج 4: 49. 3 صحيح البخاري 78، الأدب 15، باب ليس الواصل بالمكافئ 4: 50. 4 ابن حجر، فتح الباري 10: 224.

إثم القاطع: توعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- قاطع رحمه بحرمانه من الجنة. عن مطعم بن جبير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل الجنة قاطع" 1. والقاطع عكس الواصل، وقد عرفناه قبل قليل. وهذا العقاب علامة على فداحة القطع وخطره في انفصال الأقارب وتباعدها. وقد شجع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من يصل رحمه رغم إساءتهم له، ووعده بعون الله له. عن أبي هريرة أن رجلًا، قال: يا رسول الله, إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم، ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم، ويجهلون عليَّ، فقال: "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك" 2. أفاد هذا الحديث أن الأقارب الذين يقطعون من يصلهم سوف يتألمون كألم من يطعم الرماد الحار مكافأة لهم على قطيعتهم. وأن الله تعالى في عون الذي يصل رحمه رغم ما يلاقيه من قطيعة أقاربه3. - كيفية الصلة، وحكمها: تكون صلة الرحم بطلاقة الوجه، والتوادد، والتناصح، والدعاء, والتزاور، والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، والإنفاق على المحتاج من الأقارب. وتتلخص في إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة.

_ 1 صحيح البخاري 78، الأدب 11، باب إثم القاطع ج4: 49. 2 صحيح مسلم 45، البر والصلة والآداب 6، باب صلة الرحم حديث 22ج8: 8. 3 النووي على مسلم على هامش إرشاد الساري للقسطلاني 9: 451.

قال القاضي عياض: لا خلاف في أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها مصيبة كبيرة. وللصلة درجات، فأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام ولو السلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة، ولم يصل غايتها، لا يسمى قاطعًا1. النفقة على الأقارب يشترط لوجوب النفقة على الأقارب ثلاثة شروط: 1- أن يكون مستحقو النفقة فقراء لا مال لهم، ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم عليهم. 2- أن يكون لمن وجبت عليه النفقة مال فاضل على نفقته على نفسه, فأما من لا يفضل عنده شيء فليس عليه شيء. 3- أن يكون المنفق وارثًا لقول الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 2. اشترط التوارث لأن بين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم، فإن لم يكن وارثًا لعدم القرابةلم تجب عليه النفقة لذلك. هذا ما يتعلق بالنفقة الواجبة، أما النفقة غير الواجبة فلا تتقيد بشروط، ويستحب لكل مستطيع أن ينفق على أقاربه المحتاجين الأقرب فالأقرب.

_ 1 العيني، عمدة القارئ 22: 9. 2 سورة البقرة: 233. 3 ابن قدامة, المغني 7: 584

المشكلات العائلية الناشئة عن الزواج وحلولها - المشكلة الأولى: الطلاق

المشكلات العائلية الناشئة عن الزواج وحلولها - المشكلة الأولى: الطلاق ... المشكلات العائلية الناشئة عن الزواج وحلولها من هذه المشكلات: - الطلاق. - الخلع. - الظهار. - الإيلاء. - اللعان.

المشكلة الأولى: الطلاق - تعريفه: هو حل العصمة المنعقدة بين الزوجين بألفاظ مخصوصة1. قوله: بألفاظ مخصوصة, سنراها عند بيان ما يقع به الطلاق من الألفاظ. - حكمه: الأصل في الطلاق الإباحة, دلت على ذلك آيات كثيرة، نذكر منها قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 2. أفادت هذه الآية جواز الطلاق, وأن من طلق اثنتين فليتقِ الله في الثالثة, وأن الحياة الزوجية تقتضي إمساك الزوجة مع حسن معاشرتها، أو طلاقها مع منحها كامل حقوقها بلطف. ودلت على جوازه عدة أحاديث، منها: عن عمر, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلق حفصة، ثم راجعها3. ومع أن الشريعة أباحت الطلاق فإنها نفرت منه، واعتبرته أبغض الحلال إلى الله تعالى؛ لما يسببه من تفكك الأسرة، وتشرد الأطفال.

_ 1 القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ج3: 126. 2 البقرة: 299. 3 سنن أبي داود 13، الطلاق 38، باب في المراجعة ج2: 285. سنن النسائي 27، الطلاق 86، الرجعة ج6: 213.

عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق" 1. وعن ثوبان، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقها في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" 2. تمييز الطلاق من الفسخ: للإمام مالك في المسألة قولان، اخترت أحدهما، وهو: أن الاعتبار في ذلك هو بالسبب الموجب للتفرق، فإن كان غير راجع إلى الزوجين مما لو أرادا الإقامة على الزوجية معه لم يصح، كان فسخًا، مثل نكاح المحرمة بالرضاع، أو النكاح في العدة، وإن كان مما لهما أن يقيما عليه مثل الرد بالعيب كان طلاقًا3. ألفاظ الطلاق اتفق الجمهور على أن ألفاظ الطلاق المطلقة صنفان: صريح، وكناية. - الألفاظ الصريحة: قال مالك وأبو حنيفة: الصريح هو لفظ الطلاق فقط، وما عدا ذلك كناية, وهي ظاهرة ومحتملة. وقال الشافعي: ألفاظ الطلاق الصريحة ثلاثة: الطلاق، والفراق, والسراح, وهي المذكورة في القرآن، وقال بعض أهل الظاهر: لا يقع طلاق إلا بهذه الثلاثة4.

_ 1 سنن أبي داود الطلاق 3 باب كراهية الطلاق ج2: 255. سنن ابن ماجه10، الطلاق1، باب حدثنا سويد بن سعيد ج1: 650. 2 سنن أبي داود 13، الطلاق 18، باب الخلع 2: 268. مسند أحمد 5: 171و185. 3 ابن رشد, بداية المجتهد 2: 53. 4 المرجع نفسه 2: 55-56.

وإنما ذهب من ذهب إلى أنه لا يقع الطلاق إلا بهذه الألفاظ الثلاثة؛ لأن الشرع إنما ورد بهذه الألفاظ الثلاثة، وهي عبادة، ومن شرطها اللفظ، فوجب أن يقتصر بها على اللفظ الشرعي الوارد فيها1. واتفق الأئمة الثلاثة على أنه لا يقبل قول المطلق إذا نطق بألفاظ الطلاق أنه لم يرد به طلاقًا، إذا قال لزوجته: أنت طالق، وكذلك السراح والفراق عند الشافعي، واستثنت المالكية أن تقترن بالحالة أو بالمرأة قرينة تدل على صدق دعواه. وفقه المسألة عند الشافعي وأبي حنيفة أن الطلاق لا يحتاج عندهما إلى نية، وأما مالك فالمشهور عنه أن الطلاق عنده يحتاج إلى نية2. - الألفاظ غير الصريحة: من هذه الألفاظ: حبلك على غاربك، وأنت خلية، واعتدي، واستبرئي. وبين المذاهب خلافات متعددة في اعتبارها، ولا مجال لذكرها هنا. قال الإمام البخاري: إذا قال: فارقتك, أو سرحتك، أو الخلية أو البرية, أو ما عني به الطلاق فهو على نيته3. ومثل هذا الخلاف الخلاف في ألفاظ الطلاق المقيدة مثل: أنتِ طالق إن شاء الله. حق الزوج والزوجة في الطلاق للزوج البالغ العاقل حق طلاق زوجته إذا صدر منها ما يوجب طلاقها، وتكرر ذلك.

_ 1 المرجع نفسه 2: 56. 2 المرجع نفسه 2: 56. 3 صحيح البخاري 68، الطلاق 6، باب إذا قال فارقتك ج 3: 270.

واختلفوا في طلاق المكره, والسكران، والمريض، والمقارب للبلوغ. وللزوجة حق طلب الطلاق بواسطة القاضي في حالات منها: غياب الزوج غيابًا غير مبرر. إعساره بحيث يعجز عن الإنفاق على زوجته. إلحاقه الضرر بها. ولها حق الخلع متى أرادته بشروطه. أنواع الطلاق الطلاق نوعان: رجعي، وبائن. الطلاق الرجعي: الطلاق الرجعي هو الذي يملك فيه الزوج حق رجعة زوجته في العدة من غير اختيارها1. - شروطه: أن تكون الزوجة مدخولًا بها. أن لا يسبق بطلاق أصلًا، أو يسبق بطلقة واحدة. - آثاره: 1- ينقص عدد الطلقات, فإذا وقع للمرة الأولى حسبت طلقة أولى، وإذا تكرر للمرة الثانية حسبت ثانية، وبها ينتهي الطلاق الرجعي في هذه المسألة. 2- لا يرفع قيد الزوجية كاملًا في الحال، وإنما بعد انتهاء العدة، ويترتب عن كونه لا يرفع قيد الزوجية في الحال أمور:

_ 1 ابن رشد, بداية المجتهد 2: 45.

أ- للزوج حق مراجعة زوجته في العدة دون توقف على رضاها. قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} 1. واستحب الإمام مالك الإشهاد على الرجعة، وأوجبه الإمام الشافعي. ب- نفقة الزوجة في العدة على زوجها. ج- الصداق المؤجل لأحد الأجلين: الموت أو الطلاق لا يحل بحصول الطلاق الرجعي، وإنما بانقضاء العدة. د- إذا مات أحد الزوجين في العدة ورثه الآخر. الطلاق البائن: الطلاق البائن قسمان: 1- طلاق بائن بما دون الثلاث، وهو البائن بينونة صغرى. 2- طلاق بائن بالثلاث، وهو البائن بينونة كبرى. - الطلاق البائن بما دون الثلاث: هذا الطلاق يسمى الطلاق البائن بينونة صغرى، وله صورتان: الصورة الأولى: الطلاق قبل الدخول. الصورة الثانية: الخلع. ولا رجعة في هذا الطلاق، وإنما فيه زواج جديد بشروطه المعروفة من الصداق والولي والرضا, وغيرها، ولا يعتبر فيه انقضاء العدة عند الجمهور. وقال قوم: المختلعة لا يتزوجها زوجها في العدة ولا غيره2.

_ 1 سورة البقرة: 228. 2 ابن رشد, بداية المجتهد 2: 65.

- الطلاق البائن بالثلاث: لهذا الطلاق صورتان: 1- هو الطلاق المكمل للثلاث. 2- هو الطلاق الذي ذكر فيه لفظ الطلاق بالثلاث مرة واحدة. ووقع الاتفاق على صورته الأولى، واختلف في صورته الثانية على النحو التالي: مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة, ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل أن الطلاق بلفظ الثلاث حكمه حكم الطلقة الثالثة. وعن جماعة من الصحابة والتابعين, وبعض المتأخرين كابن تيمية، وابن قيم الجوزية أن الطلاق بلفظ الثلاث يعد طلقة واحدة. وحجتهم حديث ابن عباس: "كان الطلاق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر, وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم"1. الرجعة بعد الطلاق البائن بالثلاث: يزيل هذا الطلاق الزوجية في الحال، فلا حق للزوج في مراجعة مطلقته, وله أن يتزوجها من جديد برضاها، وبمهر، وعقد جديدين، بعد أن تنتهي عدتها منه، وتتزوج بزوج آخر ويدخل بها، ويطلقها، وتنتهي العدة. قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} 2.

_ 1 صحيح مسلم 17، الطلاق2، باب طلاق الثلاث، حديث 15-17 ج4: 183- 184. سنن النسائي 27، الطلاق6، باب طلاق الثلاث المتفرقة قبل الدخول بالزوجة ج6: 145. 2 سورة البقرة: 230.

الطلاق السُّنِّي قال الإمام البخاري: الطلاق السني أن يطلق الزوج زوجته في طهر لم يمسها فيه بحضور شاهدين1. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته، وهي حائض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأل عمر بن الخطاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" 2. واختلف في طلاق الثلاث بلفظ واحد هل هو من السنة أم لا؟ فلم يعتبره مالك من السنة، واعتبره الشافعي منها. الطلاق البدعي الطلاق البدعي أن يطلق الزوج امرأته في حيض، أو في طهر مسها فيه.

_ 1 صحيح البخاري 68، الطلاق 1، باب قول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ....} الآية ج3: 268. 2 المرجع نفسه.

العدة - تعريفها: العدة مدة منع النكاح لفسخه، أو موت الزوج، أو طلاقه1. وحكمتها التأكد من حمل المطلقة أو عدمه، وإمكانية مراجعة الزوج مطلقته أثناءها. - المفارقات اللاتي تجب عليهن العدة: تجب على كل المفارقات باستثناء من طلقت قبل الدخول لأنها لا تحتاج إلى استبراء الرحم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} 2. - أنواع العدة: تتنوع العدة بحسب حالة المرأة, ونَوْع الفراق: طلاق، أو موت الزوج إلى ثلاثة أقسام: أ- المعتدات بالقروء: القروء جمع قرء، وفسّر بالطهر الزمن الفاصل بين الدمين وبالدم نفسه. والمعتدات به هن ذوات الحيض.

_ 1 ابن عرفة، حدود ابن عرفة: 213 "ضمن شرح هذه الحدود لمحمد الرصاع". 2 الأحزاب: 49.

قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 1. وحساب العدة يبدأ من الحيضة التي بعد الطهر الذي طلقت فيه المرأة, فتكون تلك هي الحيضة الأولى، فإذا طلقت في حيض اعتبرت الحيضة الأولى بعد الطهر من ذاك الحيض. وتنتهي العدة بعد الاغتسال من الحيضة الثالثة. ب- المعتدات بالشهور: هؤلاء المعتدات صنفان: 1- المطلقات اليائسات من المحيض، واللاتي لا يحضن سواء كن صغيرات، أو في سن الحيض ولكنهن لا يحضن لموانع. قال تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} 2 وعدد الأشهر التي يعتد بها هذا الصنف من النسوة ثلاثة. 2- المتوفى عنها زوجها إذالم تكن حاملًا بقطع النظر عن وضعها بالنسبة للحيض. وعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الوفاة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} 3. ج- المعتدة بوضع الحمل: كل امرأة حامل من زوج إذا فارقت زوجها بموت، أو طلاق، أو فسخ، فعدتها وضع الحمل ولو بعد ساعة لقوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 4,5 ومتى وضعت حملها انقضت عدتها.

_ 1 سورة البقرة: 228. 2 سورة الطلاق: 4. 3 سورة البقرة: 234. 4 سورة الطلاق: 4. 5 ابن قدامة، المغني 7: 449.

والحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان1. أحكامها: للمعتدة الرجعية النفقة والسكنى، وكذلك الحامل؛ لقوله تعالى في الرجعيات: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} 2. ولقوله في الحوامل: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 3. واختلفوا في سكنى المبتوتة ونفقتها إذالم تكن حاملًا على ثلاثة أقوال: أحدها: أن لها السكنى والنفقة, وهو قول الكوفيين. القول الثاني: أنه لا سكنى لها، ولا نفقة، وهو قول أحمد، وداود، وأبي ثور، وجماعة. القول الثالث: أن لها السكنى، ولا نفقة لها، وهو قول مالك, والشافعي, وجماعة. وسبب اختلافهم اختلاف الرواية في حديث فاطمة بنت قيس4 في هذه المسألة.

_ 1 المرجع نفسه 7: 475. 2, 3 الطلاق: 6. 4 ابن رشد، بداية المجتهد 2: 71.

المتعة - تعريفها: المتعة منحة مالية يعطيها المطلق لمطلقته جبرًا للضرر الذي يحصل لها بالطلاق. - دليلها: قوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} 1. - حكمها: تضمنت هذه الآية الأمر بالمتعة بقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} والأمر هنا ظاهره الوجوب مع قرينة قوله تعالى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} في هذه الآية، وقوله تعالى: {حَقًّا علَى الْمُتَّقِينَ} في الآية 180 من سورة البقرة؛ لأن كلمة {حَقًّا} تؤكد الوجوب. وهذا رأي جماعة من الصحابة، والتابعين، وإسحاق بن راهويه، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد. والمراد بالمحسنين عند هؤلاء المؤمنون، فالمحسن بمعنى المحسن إلى نفسه بإبعادها عن الكفر.

_ 1 سورة البقرة 236.

وهؤلاء جعلوا المتعة للمطلقة غير المدخول بها، وغير المسمى لها مهر واجبة، وهو الأرجح لئلا يكون عقد نكاحها خليًّا عن عوض المهر. وقال شريح، ومالك: الأمر هنا للندب، ويؤكده قوله بعد: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِين} ولو كانت واجبة لجعلها حقًّا على جميع الناس. ومفهوم جعلها {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِين} أنها ليست حقًّا على جميع الناس، وكذلك قوله تعالى: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} في الآية الأخرى لأن المتقي هو كثير الامتثال1. - المطلقة التي تستحق المتعة: رأينا قبل قليل ما أجمع عليه من متعة المطلقة غير المدخول بها، وغير المسمى لها المهر. وعن عبد الله بن عمر: لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق, وقد فرض لها صداق، ولم تمس فحسبها نصف ما فرض لها. وعن ابن شهاب الزهري: لكل مطلقة متعة. وعن مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد مثل ذلك2. وعن مالك نفسه أن المطلقة المدخول بها يستحب تمتيعها أي: بقاعدة الإحسان الأعم؛ ولما مضى من عمل السلف3. - مقدار المتعة: عن مالك أنه ليس لها حد معروف في قليلها، ولا كثيرها4. وظاهر الآية: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} مراعاة حال الزوج.

_ 1 ابن عاشور, التحرير والتنوير 2: 461 - 462 بتصرف قليل. 2 موطأ مالك 2: 573. 3 ابن عاشور، التحرير والتنوير 2: 462. 4 موطأ مالك 2: 573 والقرطبي, الجامع لأحكام القرآن 2: 201.

- حكمتها: المتعة شرعها الله تعالى تخفيفًا على المرأة من مشاعر ألم الفراق إذالم تكن هي السبب؛ ولذلك ليس للمختلعة متعة، وهذا بالنسبة لمن يقول باستحبابها لكل مطلقة. وأما ما أجمع عليه من متعة المطلقة غير المدخول بها، وغير المسمى لها مهر فهي تعويض لها عن نصف المهر الذي تستحقه المطلقة قبل الدخول المسمى لها. وفي الحالتين فهي تقدير للمرأة، ولعلاقة الزوجية السابقة.

المشكلة الثانية: الخلع

المشكلة الثانية: الخلع - تعريفه: الخلع لغةً: النزع والإزالة. وشرعًا: بذل المرأة العوض على طلاقها1. - أسبابه ودليله: أسبابه: إذا كرهت المرأة زوجها لخلقه, أو خلقه, أو دينه، أو كبره، أو ضعفه، أو نحو ذلك، وخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} 2 3. ومن السنة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله, ما أنقم على ثابت في دين، ولا خلق إلا أني أخاف الكفر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فتردين عليه حديقته" فقالت: نعم، فردت عليه حديقته، وأمره ففارقها4.

_ 1 ابن رشد, بداية المجتهد 2: 50. 2 البقرة: 229. 3 ابن قدامة، المغني 7: 51. 4 صحيح البخاري 68، الطلاق 12، باب الخلع وكيف الطلاق فيه ج 3: 273 واللفظ له. موطأ مالك 39، والطلاق، باب ما جاء في الخلع حديث 31ج 2: 564.

- مقدار العوض: قول أكثر أهل العلم أن الخلع يصح بما تراضى به الزوجان، فيمكن أن يكون مساويًا للصداق أو أقل منه، ويستحب أن لا يكون بأكثر منه1. ولا يكون بدون عوض، ويصح بالعوض القليل. الخلاف في كونه طلاقًا أو فسخًا عن مالك أنه طلاق، وسوى أبو حنيفة بين الطلاق والفسخ، وعن ابن عباس، وأحمد، وداود أنه فسخ، وقال الشافعي: إنه فسخ، وفي رواية عنه أنه كناية. فإن أراد به الطلاق كان طلاقًا، وإلا كان فسخًا، وقيل عنه في قوله الجديد: إنه فسخ. وفائدة التفريق هل يعتد به في التطليقات أم لا؟ جمهور من يرى أنه طلاق يجعله بائنًا لأنه لو كان للزوج في العدة منه الرجعة عليها لم يكن لافتدائها معنى2. ولأهل هذا الرأي ولمن خالفهم حجتهم فيما ذهبوا إليه. وليس في الخلع رجعة سواء على القول بأنه طلاق، أو القول بأنه فسخ في قول أكثر أهل العلم لأنه افتداء، والرجعة تنافيه لانها تمكن الزوج من مراجعة زوجته، وهي قد افتدت نفسها منه لأجل الفراق3. - ألفاظه: ألفاظه الصريحة هي لفظ الخلع, وفي بقية الألفاظ خلاف. - مبطلاته: هي أن يضر الزوج بزوجته فيمنعها حقوقها من النفقة وغيرها، ويسيء عشرتها لتفتدي منه، ففي هذه الحالة يبطل الخلع، ويرد العوض.

_ 1 ابن قدامة، المغني 7: 52. 2 ابن رشد, بداية المجتهد 2: 52. 3 انظر ابن قدامة، المغني 7: 59-60.

عند ابن عباس، وجماعة من التابعين، وبه قال مالك, والثوري، والشافعي، وإسحاق بن راهويه، وعن أبي حنيفة العقد صحيح، والعوض لازم، وهو آثم عاصٍ1. - حكمته: شرع الخلع حقًّا للمرأة، يمكنها من افتداء نفسها بالمال من رباط الزوجية عندما ترغب في إنهائه في مقابل حق الطلاق للزوج.

_ 1 ابن قدامة، المغني 7: 54-55.

المشكلة الثالثة: الظهار

المشكلة الثالثة: الظهار - تعريفه: لغة: الظهار مشتق من الظهر، وخصوا الظهر بذلك من بين سائر الأعضاء لأن كل مركوب يسمى ظهرًا لحصول الركوب على ظهره في الأغلب, فشبهوا الزوجة بذلك1. وشرعًا: تشبيه زوج زوجه بمحرم منه، أو بظهر أجنبية في تمتعه بها2. - دليله: قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} 3. - ألفاظه: لفظه المتفق عليه قول الزوج لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي. والمختلف فيه ذكر عضو غير الظهر، أو ذكر ظهر من تحرم عليه من المحرمات على التأبيد غير الأم. فقال مالك: هو ظهار، وقال جماعة

_ 1 ابن قدامة, المغني 7: 337. 2 ابن عرفة، حدود ابن عرفة "ضمن شرح هذه الحدود للرصاع": 205. 3 المجادلة: 2-3.

من العلماء: لا يكون ظهارًا إلا بلفظ الظهر والأم، وقال أبو حنيفة: يكون بكل عضو يحرم النظر إليه1. - شروط وجوب الكفارة فيه: الجمهور أنها لا تجب قبل العود لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وهو نص في معنى وجوب تعلق الكفارة بالعود، وأيضًا فمن طريق القياس فإن الظهار يشبه الكفارة في اليمين، فكما أن الكفارة إنما تلزم فيه بالمخالفة، أو بإرادة المخالفة فكذلك الأمر في الظهار. هذا قول الجمهور، وخالفهم مجاهد، وطاوس، فقالا: تجب دون العود2. - ما يحرم على المظاهر: اتفقوا على أن المظاهر يحرم عليه الجماع، واختلفوا فيما دونه من الملامسة، والتقبيل، والنظر للذة، فأجازه البعض, ومنعه آخرون3. - كفارة الظهار: كفارة الظهار على هذا الترتيب: إعتاق رقبة، أو صيام شهرين، أو إطعام ستين مسكينًا. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 4.

_ 1 ابن رشد, بداية المجتهد 2: 79. 2 ابن رشد, بداية المجتهد 2: 79. 3 المرجع نفسه 2: 82. 4 سورة المجادلة: 3-4.

المشكلة الرابعة: الإيلاء

المشكلة الرابعة: الإيلاء - تعريفه: الإيلاء لغةً: الحلف. وشرعًا: هو أن يحلف الرجل أن لا يطأ زوجته مدة أربعة أشهر، أو أكثر، أو بإطلاق1. على الاختلاف في ذلك. قال الترمذي: الإيلاء هو أن يحلف الرجل أن لا يقرب امرأته أربعة أشهر فأكثر2. - دليله: قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 3 وعن أنس بن مالك, قال: آلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نسائه، وكانت انفكت رجله، فأقام في مشربة له تسعًا وعشرين، ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله, آليت شهرًا؟ فقال: "الشهر تسع وعشرون" 4.

_ 1 ابن رشد، بداية المجتهد 2: 74. 2 صحيح الترمذي 11، الطلاق 21، باب ما جاء في الإيلاء ج3: 503. 3 البقرة: 226. 4 صحيح البخاري 68، الطلاق 21، باب قول الله تعالى: {ِللَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} ج3: 275.

أحكامه: تتعلق بالإيلاء عدة مسائل خلافية: - المسألة الأولى: هل تطلق زوجة المولي بانقضاء الأربعة الأشهر نفسها؟ أم إنما تطلق بأن يوقف بعد الأربعة الأشهر، فإما فاء، وإما طلق؟ ذهب بعض الصحابة وكثير من الأئمة كمالك، والشافعي، وأحمد, وغيرهم إلى أنه يوقف بعد انقضاء الأربعة الأشهر، فإما فاء، وإما طلق. وذهب بعض آخر من الصحابة، وجماعة من التابعين، وأبو حنيفة، والكوفيون إلى أن الطلاق يقع بانقضاء الأربعة الأشهر إلا أن يفيء منها1. الفيء: الجماع. - المسألة الثانية: يمين الإيلاء قال مالك: يقع الإيلاء بكل يمين, وقال الشافعي: لا يقع إلا بالأيمان المباحة في الشرع، وهي اليمين بالله أو بصفة من صفاته2. - المسألة الثالثة: لحوق حكم الإيلاء للزوج إذا ترك الوطء بغير يمين. الجمهور على أنه يلزمه حكم الإيلاء بغير يمين، ومالك يلزمه إذا قصد الإضرار بترك الوطء, وإن لم يحلف على ذلك. فالجمهور اعتمدوا الظاهر، ومالك اعتمد المعنى3.

_ 1 ابن رشد، بداية المجتهد 2: 75. والفيء: الجماع. 2 ابن قدامة، المغني 7: 298. 3 ابن رشد، بداية المجتهد 2: 76.

- المسألة الرابعة: مدة الإيلاء. اختلف في مدة الإيلاء، فقال مالك: إنها أكثر من أربعة أشهر؛ لأن الفيء يقع بعدها، وقال أبو حنيفة: إنها أربعة أشهر فقط؛ لأن الفيء عنده يكون فيها1. - المسألة الخامسة: هل طلاق الإيلاء رجعي أم بائن؟ قال مالك والشافعي: إن الطلاق الذي يقع بالإيلاء رجعي؛ لأن كل طلاق وقع بالشرع رجعي إلى أن يدل الدليل على أنه بائن، وقال أبو حنيفة، وأبو ثور: هو بائن وذلك أنه إن كان رجعيًّا لم يزل الضرر عنها بذلك؛ لأنه يجبرها على الرجعة2. - المسألة السادسة: إن أبى المولى الفيء أو الطلاق هل يطلق القاضي عليه؟ أو يحبس حتى يطلق؟ قال مالك: يطلق القاضي عليه، وقال أهل الظاهر: يحبس حتى يطلقها بنفسه3. - المسألة السابعة: عدة الزوجة المولى عنها الجمهور أن الزوجة المولى عنها تلزمها العدة؛ لأنها مطلقة, فوجب أن تعتد كسائر المطلقات. والمنقول عن ابن عباس، وجابر بن زيد أنها لا تلزمها العدة إذا كانت قد حاضت في مدة الأربعة الأشهر ثلاث حيض4. وهناك مسائل خلافية أخرى.

_ 1, 2 , 3 ابن رشد, بداية المجتهد 2: 76. 4 ابن رشد, بداية المجتهد 2: 77.

المشكلة الخامسة: اللعان

المشكلة الخامسة: اللعان - تعريفه: هو حلف الزوح على زنا زوجته، أو نفي حملها اللازم له، وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم قاضٍ1. - دليله: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} 2. ومن السنة: عن سهل بن سعد الساعدي أن عويمرًا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري، فقال له: يا عاصم, أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم، عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فسأل عاصم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل، وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رجع عاصم إلى أهله, جاءه عويمر. فقال: يا عاصم, ماذا قال لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير. قد كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسألة التي سألته عنها. فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها.

_ 1 ابن عرفة, حدود ابن عرفة: 210 "ضمن شرح هذه الحدود لمحمد الرصاع". 2 النور: 6-9.

فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسط الناس. فقال: يا رسول الله, أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قد أنزل فيك وفي صاحبتك. فاذهب فأت بها". قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع الناس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما فرغا من تلاعنهما، قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلقها ثلاثًا، قبل أن يأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال مالك: قال ابن شهاب: فكانت تلك، بعد سنة المتلاعنين1. - أنواع الدعاوي الموجبة له، وشروطها: الدعاوي التي يجب بها اللعان اثنتان: دعوى الزنا، ودعوى نفي الحمل. ومن الممكن أن يرميها بالزنا، وبنفي الحمل، أو يثبت الحمل، ويرميها بالزنا. وفي المسألة تفصيل يراجع في كتب الفقه2. - صفة اللعان: من شرط صحته أن يكون بحكم حاكم. وصفته متقاربة عند جمهور العلماء، وليس بينهم في ذلك كبير خلاف، وذلك على ظاهر ما تقتضيه ألفاظ الآية فيحلف الزوج أربع شهادات بالله لقد رأيتها تزني، وأن ذلك الحمل ليس مني، ويقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تشهد هي أربع شهادات بنقيض ما شهد هو به، ثم تخمس بالغضب، هذا كله متفق عليه3, واختلف في مسائل جزئية.

_ 1 موطأ مالك 29، الطلاق 13، باب ما جاء في اللعان حديث 34ج2: 566 واللفظ له. صحيح البخاري 68، والطلاق 4، باب من أجاز طلاق الثلاث ج3: 269-270. 2 ابن رشد، بداية المجتهد 2: 87. 3 المرجع نفسه، 89.

- الأحكام اللازمة لتمام اللعان أو المترتبة عليه: اختلف العلماء في مسائل منها: هل تجب الفرقة باللعان أم لا؟ وإن وجبت فمتى تجب؟ وهل تجب بنفس اللعان أم بحكم حاكم؟ وإذا وقعت فهل هي طلاق أم فسخ؟ ذهب الجمهور إلى أن الفرقة تقع باللعان لما اشتهر في ذلك من أحاديث اللعان من أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرق بينهما. وقالت طائفة من أهل البصرة: لا يعقب اللعان فرقة. ولكل مستنداته. وأما متى تقع الفرقة؟ فعن مالك والليث، وجماعة: أنها تقع إذا فرغا جميعًا من اللعان. وعن الشافعي: إذا أكمل الزوج لعانه وقعت الفرقة. وعن أبي حنيفة: لا تقع إلا بحكم حاكم، وبه قال الثوري، وأحمد. ولكل حجته. فإذا وقعت الفرقة فهل ذلك فسخ أم طلاق؟ قال مالك والشافعي: هو فسخ، وقال أبو حنيفة: هو طلاق بائن1.

_ 1 ابن رشد، بداية المجتهد 2: 90-91.

الخاتمة

الخاتمة اهتمت الشريعة الإسلامية بتفصيل أحكام الأسرة في مختلف قضاياها. وهذا الاهتمام هو -في الآن نفسه- تركيز على بحث قضايا المجتمع للتلازم بينه وبين الأسرة -كما أشرنا سابقًا-. ومع هذا هناك بحث مستقل لقضايا المجتمع، كما رأينا في كل موضوعات القسم الأول من هذا الكتاب مثل أسس بناء المجتمع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووسائل تقوية الروابط الاجتماعية، وسوى ذلك، وهناك بيان للجوانب الاجتماعية في مسائل أخرى كالعبادات. والملاحظ في خصوص أحكام الأسرة شمولها لكل قضاياها، ودقة بحثها, وإبراز المكانة المتميزة للمرأة, والتنصيص على حقوقها في اختيار الزوج، والتعرف عليه في الخِطبة بحضور محرم من محارمها، واستشارتها في عقد الزواج، وتوقفه على رضاها، والتأكيد على حسن معاشرتها, والنفقة عليها. وتمكينها من طلب الطلاق بواسطة القاضي إن أساء الزوج عشرتها، ومن الفراق بواسطة الخلع إن لم ترغب هي في استمرار حياتها مع زوجها دون أن يسيء إليها. وهذه الحقوق ليست على حساب حقوق الزوج؛ لأن حقوقه ثابتة كما عرضتها سابقًا، وإنما أشرت هنا إلى حقوق الزوجة دفعًا لاتهام القائلين بنفيها أو نقصها في الشريعة الإسلامية.

ومجموع حقوق الطرفين يضمن للعائلة السكينة، والاستقرار, والتماسك, والتربية المناسبة للأولاد. وهذا الكتاب يعرف من خلال القرآن والسنة وآراء الفقهاء المجتهدين بالمجتمع المسلم الذي يعتمد الإسلام عقيدة ومنهج حياة، ويتكون من أسر مستقرة، ويرعى الفرد والجماعة، ويضمن مصالح الجميع.

فهارس

فهارس فهرس المصادر والمراجع ... فهرس المصادر والمراجع القرآن الكريم: - أحمد بن حنبل "ت 241". المسند, 5 أجزاء، ط: المكتب الإسلامي ودار صادر. بيروت. - البخاري "ت 256" محمد بن إسماعيل "الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" بحاشية السندي 4 أجزاء، ط: عيسى البابي الحلبي. - البهوتي "ت 1051" منصور بن يونس بن صلاح الدين، الروض المربع شرح زاد المستقنع، وعليه حاشية عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي "ت 1392" ط1: بدون تسمية المكان 1399. - الترمذي "ت 297" أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية. بيروت 1987. - ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم "ت 621" مجموع فتاوى ابن تيمية، 37 جزءًا، ط الرباط. - ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني "ت 852" فتح الباري، 13 جزءًا، ط المكتبة السلفية. أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني "ت 275" سنن أبي داود، 4 أجزاء، ط دار إحياء التراث العربي. - الرازي: فخر الدين "ت 606" مفاتيح الغيب، أو التفسير الكبير، 32 جزءًا، ط 2 دار الكتب العلمية. طهران.

- ابن رشد: محمد بن أحمد القرطبي "ت 595" بداية المجتهد ونهاية المقتصد، جزءان في مجلد واحد، ط دار الفكر. - الرصاع: محمد الأنصاري المشهور بالرصاع التونسي، شرح حدود ابن عرفة، ط1 المكتبة العلمية، تونس 1350. - السباعي مصطفى، من روائع حضارتنا، ط دار الطباعة الحديثة. - شلبي أحمد، المجتمع الإسلامي، ط 3 مكتبة النهضة المصرية. - الشوكاني: محمد بن علي "ت 1255" نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، 9 أجزاء في 4 مجلدات، ط دار الجيل، بيروت 1973. - ابن عاشور: محمد الطاهر "ت 1973" أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، ط الدار التونسية للنشر، تونس 1984. - التحرير والتنوير من التفسير، 30 جزءًا في 15 مجلدًا، ط الدار التونسية للنشر، تونس 1984. -النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح، ط الدار العربية للكتاب، تونس 1399/ 1979. - ابن العربي: أبو بكر محمد بن عبد الله القرطبي "ت 543" أحكام القرآن، 4 أجزاء، ط دار المعرفة للطباعة والنشر. بيروت. - العيني: بدر الدين محمود بن أحمد "ت 855" عمدة القارئ، 25 جزءًا في 12 مجلدًا، ط دار إحياء التراث العربي. بيروت. - ابن قدامة: عبد الله بن محمد المقدسي "ت 620" المغني، 19 جزءًا، ط مكتبة الرياض الحديثة 1401/ 1981. - القرطبي: محمد بن أحمد الأنصاري "ت 671" الجامع لأحكام القرآن, 20جزءًا، ط دار إحياء التراث العربي. بيروت 1956. - القسطلاني: شهاب الدين أحمد بن محمد "ت 923" إرشاد الساري شرح صحيح البخاري، 10 أجزاء، ط 6. دار الفكر 1305.

- ابن قيم الجوزية: شمس الدين محمد بن أبي بكر "ت 751" تحفة المودود بأحكام المولود، ط1 1399/ 1979. - ابن ماجه: محمد بن يزيد القزويني "ت 275" سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، جزءان، ط عيسى البابي الحلبي. - مالك بن أنس "ت 179" الموطأ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، جزءان، ط دار إحياء الكتب العربية. - مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري "ت 261" الجامع الصحيح 8 أجزاء في 4 مجلدات، ط: دار الآفاق الجديدة، بيروت. - ابن منظور "ت 630" محمد بن مكرم، لسان العرب 17 جزءًا، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - النابلسي "ت 1143" عبد الغني بن إسماعيل، تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية، ط 1 وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، 1402/ 1982. - النسائي "ت 303/ 915" أحمد بن شعيب, سنن النسائي، 8 أجزاء في 4 مجلدات.

فهرس الموضوعات

فهرس الموضوعات مقدمة الطبعة الأولى.........................................................5 مقدمة الطبعة الثالثة......................................................... 9 القسم الأول: المجتمع المسلم تكوين المجتمع الإنساني................................................... 13 تعريفه............................................................................ 14 الفرق بين المجتمع والدولة................................................ 14 تعريف المجتمع المسلم.................................................... 14 أسس بنائه.................................................................... 14 توضيح هذه الأسس.......................................................... 15 الأساس الأول:................................................................. 15 الإنسان.......................................................................... 15 الأساس الثاني:............................................................... 16 الروابط........................................................................... 16 الروابط الفطرية................................................................. 16 القرابة............................................................................ 16 اللغة............................................................................. .16 الروابط المكتسبة.............................................................. 17 روابط أصلها فطري..............................................................17

الأساس الثالث:................................................................... 18 المصالح والأهداف المشتركة.................................................. 18 المصالح المشتركة............................................................... 18 الأهداف المشتركة............................................................... 19 الأساس الرابع:.................................................................... 19 الأرض ودورها في بناء المجتمع................................................ 19 متطلبات الأرض من ساكنيها................................................... 19 جهاد النبي -صلى الله عليه وسلم- للحصول على الأرض............... 19 تكوينه-صلى الله عليه وسلم- المجتمع المسلم بالمدينة.............. 20 تكوينه -صلى الله عليه وسلم- المجتمع العالمي المسلم............. 21 الأساس الخامس:............................................................... 21 اعتماد الإسلام عقيدة ومنهج حياة........................................... 21 منهج بناء المجتمع المسلم.................................................... 22 مصادر التربية....................................................................... 22 أصولها............................................................................... 22 الأصل الأول: عقيدة التوحيد وصلتها بالسلوك الإنساني................. 25 تعريف العقيدة...................................................................... 25 عناصرها............................................................................. 25 دليلها................................................................................ 25 توضيح هذه العناصر............................................................... 26 الإيمان بالقدر....................................................................... 26 الأثر الفكري لعقيدة التوحيد.................................................... 27 الأثر النفسي....................................................................... 28 الأثر الأخلاقي...................................................................... 29

الأثر الاجتماعي....................................................................... 30 الأصل الثاني: العبادة وآثارها في الفرد والمجتمع............................ 31 معنى العبادة..................................................................... .... 31 أهداف الصلاة.......................................................................... 32 أهداف الزكاة.......................................................................... 33 أهداف الصوم.......................................................................... 34 أهداف الحج........................................................................... 34 الإفلاس يوم القيامة.................................................................. 35 الأصل الثالث: تنظيم المعاملات حسب أحكام الشريعة..................... 37 الأصل الرابع: الأخلاق الإسلامية وأثرها في العلاقات الاجتماعية........ 39 تعريفها................................................................................. 39 مصدرها................................................................................ 39 دوافعها................................................................................. 40 أثرها في العلاقات الاجتماعية................................................... 41 أ- مدعمات التضامن................................................................. 41 1- التراحم............................................................................ 41 2- كفالة اليتيم....................................................................... 41 3- الإحسان إلى الأرملة والمسكين........................................... 41 ب- النهي عما يضعف التضامن................................................... 42 الأصل الخامس....................................................................... 43 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر............................................... 43 أصناف القائمين بهذه المهمة.................................................... 44 شروط القائمين بها.................................................................. 45

الأصل السادس: طلب العلم ودوره في وعي المجتمع....................... 46 الأصل السابع: ضرورة العمل........................................................ 48 ترغيب النبي -صلى الله عليه وسلم- في عمل اليد......................... 48 طرق الكسب........................................................................... 48 المراد بعمل اليد....................................................................... 49 أسباب الترغيب فيه.................................................................. 51 مقاصد هذا الحديث................................................................... 51 الأصل الثامن: الاعتزاز بالإسلام ودفع الشبهات عنه........................... 53 دفع الشبهات عن أحكام العقوبات في الإسلام................................. 53 الحكمة من تشريع العقوبات........................................................ 53 شروط تنفيذها......................................................................... 54 وسائل تقوية الروابط الاجتماعية..................................................... 55 الوسيلة الأولى:....................................................................... 57 صلاة الجماعة.......................................................................... 57 الوسيلة الثانية:.........................................................................60 صلاة الجمعة........................................................................... 60 الوسيلة الثالثة:....................................................................... 63 صلاة العيدين........................................................................... 63 الآداب الإسلامية....................................................................... 64 الوسيلة الرابعة:....................................................................... 65 السلام.................................................................................... 65

الوسيلة الخامسة:...................................................... 67 الزيارة....................................................................... 67 فضل الزيارة............................................................... 68 الوسيلة السادسة:..................................................... 69 عيادة المريض............................................................. 69 آدابها........................................................................ 69 الأحاديث الواردة فيها................................................... 69 حقوق المسلم على المسلم...................................... 70 الوسيلة السابعة:....................................................... 71 اتباع الجنائز.............................................................. 71 الوسيلة الثامنة:........................................................ 73 حقوق الجوار............................................................. 73 تعريف الجار ومرتبته.................................................... 74 حد الجوار................................................................. 74 الأحاديث الحاثة على الإحسان إلى الجار......................... 74 أوجه الإحسان إلى الجار............................................... 75 الوسيلة التاسعة:...................................................... 76 تحمل العاقلة للدية..................................................... 76 أسباب تحمل العاقلة للدية........................................... 77 شروط المتحملين للدية من العاقلة................................. 78 معالجة بعض المشكلات الاجتماعية............................... 79 الانقطاع عن الدراسة................................................... 79 الفهم الخاطئ للعقيدة................................................ 80

المشاكل الجنسية.................................................... 80 الوقاية من الزنا......................................................... 80 منع أسبابه.............................................................. 80 النهي عنه وبيان مخاطره............................................. 81 عقوبته..................................................................... 81 المخدرات................................................................. 83 الرشوة.................................................................... 85 تعريفها..................................................................... 85 حكمها..................................................................... 85 دليل التحريم............................................................. 85 الحكمة من تحريمها.................................................... 86 أسبابها.................................................................... 87 آثارها السيئة في المجتمع............................................87 مقاومتها................................................................... 87 خصائص المجتمع المسلم............................................ 88 القسم الثاني: الأسرة في الإسلام أهمية الأسرة في الإسلام........................................... 92 الزواج...................................................................... 94 الترغيب................................................................... 94 حكمه...................................................................... 95 النهي عن التبتل........................................................ 95 الغاية من الزواج......................................................... 96 أسس الزواج............................................................. 98

اختيار الزوج......................................................... 98 اختيار الزوجة....................................................... 99 الخطبة............................................................. 100 الدليل على جواز رؤية الخاطب للمخطوبة................. 101 موضع النظر........................................................ 101 الخطبة على الخطبة............................................ 102 حكم الخطبة على الخطبة..................................... 103 حكم الزواج الحاصل من الخطبة على الخطبة............. 103 العدول عن الخطبة............................................... 103 عقد الزواج.......................................................... 104 أركانه وشروطه................................................... 104 الأركان.............................................................. 104 الشروط............................................................. 105 استئذان المتزوجة ورضاها..................................... 106 حكم زواج المكرهة.............................................. 107 المهر................................................................ 109 تعريفه............................................................... 109 حكمه................................................................ 109 وقت وجوبه......................................................... 110 أنواعه.................................................................110 ملكيته................................................................110 مقداره............................................................... 110 النهي عن المغالاة فيه........................................ 111

حكمته.............................................................. 111 تأجيله............................................................... 112 الولاية في الزواج.................................................. 113 تعريف الولي........................................................ 113 اشتراطه في الزواج............................................... 113 شروطه............................................................... 115 عضل الأولياء........................................................ 115 الشهادة............................................................. 116 النسوة المحرمات................................................. 117 المحرمات حرمة تأديبية........................................... 117 المحرمات بالنسب................................................. 117 المحرمات بالرضاع.................................................. 118 المحرمات بالمصاهرة.............................................. 118 المحرمات حرمة مؤقتة............................................ 119 تعدد الزوجات........................................................ 122 الحكمة من تشريع تعدد الزوجات............................... 123 شروط التعدد........................................................ 124 العدل بين الزوجتين أو الزوجات................................. 125 دعائم الأسرة........................................................ 128 قوامة الزوج............................................................ 129 الحقوق الزوجية..................................................... 132 الحقوق المشتركة.................................................. 132 الحقوق المشتركة الآلية.......................................... 134

حقوق الزوج........................................................ 134 حقوق الزوجة...................................................... 135 حقوق الأبوين والأبناء والأقارب.................................. 137 حقوق الأبوين...................................................... 138 وجوب برهما معًا................................................... 139 عقوقهما.............................................................. 139 النفقة عليهما...................................................... 140 حقوق الأبناء........................................................ 141 صلة الرحم.......................................................... 143 حد الرحم............................................................ 143 مزايا صلة الرحم.................................................... 143 جزاء الواصل......................................................... 144 تعريف الواصل....................................................... 144 إثم القاطع........................................................... 145 كيفية الصلة وحكمها............................................. 145 النفقة على الأقارب............................................... 146 المشكلات العائلية الناشئة عن الزواج وحلولها............ 147 المشكلة الأولى:.................................................. 149 الطلاق............................................................... 149 تعريفه.................................................................149 حكمه................................................................ 149 تمييز الطلاق من الفسخ........................................ 150 ألفاظ الطلاق....................................................... 150

الألفاظ الصريحة..................................................... 150 الألفاظ غير الصريحة................................................ 151 حق الزوج والزوجة في الطلاق.................................. 151 أنواع الطلاق.......................................................... 152 الطلاق الرجعي..................................................... 152 شروطه............................................................... 152 آثاره.................................................................... 152 الطلاق البائن........................................................ 153 الطلاق البائن بما دون ثلاث....................................... 154 الطلاق البائن بالثلاث............................................... 154 الرجعة بعد الطلاق البائن بالثلاث................................ 154 الطلاق السني...................................................... 155 الطلاق البدعي.......................................................155 العدة.................................................................... 156 تعريفها................................................................. 156 المفارقات اللاتي تجب عليهن العدة............................. 156 أنواع العدة............................................................. 156 أحكامها................................................................. 158 المتعة.................................................................. 159 تعريفها.................................................................. 159 دليلها.................................................................... 159 حكمها................................................................... 159 المطلقة التي تستحق المتعة.................................... 160 مقدار المتعة.......................................................... 160

حكمتها............................................................. 161 المشكلة الثانية:................................................. 162 الخلع................................................................ 162 تعريفه............................................................... 162 أسبابه ودليله..................................................... 162 مقدار العوض....................................................... 163 الخلاف في كونه طلاقًا أو فسخًا.............................. 163 ألفاظه............................................................... 163 مبطلاته.............................................................. 163 حكمته............................................................... 164 المشكلة الثالثة:.................................................. 165 الظهار................................................................ 165 تعريفه................................................................ 165 دليله.................................................................. 165 ألفاظه................................................................ 165 شروط وجوب الكفارة فيه........................................ 166 ما يحرم على المظاهر............................................ 166 كفارة الظهار........................................................ 166 المشكلة الرابعة:.................................................. 167 الإيلاء................................................................. 167 تعريفه................................................................ 167 دليله................................................................. 167 أحكامه............................................................... 168

المشكلة الخامسة:.............................................170 اللعان...............................................................170 تعريفه...............................................................170 دليله............................................................... 170 أنواع الدعاوي الموجبة له وشروطها........................ 171 صفة اللعان........................................................ 171 الأحكام اللازمة لتمام اللعان أو المترتبة عليه............. 172 الخاتمة............................................................. 173 فهرس المصادر والمراجع....................................... 175 فهرس الموضوعات............................................... 178

التعريف بالمؤلف

التعريف بالمؤلف المؤلف: محمد طاهر بن عبد الله الجوابي. ولد بتطاوين بتونس 1939. أستاذ تعليم عالٍ في التفسير والحديث والثقافة الإسلامية. تحصل على دكتوراه الدولة في الحديث النبوي الشريف من الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين بتونس، ثم عُينَ للتدريس بالكلية نفسها، ومنها انتقل إلى جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة, ومعهد العلوم الإسلامية بباتنه بالجزائر. وهو الآن 1420-1421هـ / 1999- 2000م بكلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض. نشر عدة مقالات ودراسات، وأعدَّ بحوثًا للموسوعة الفقهية الكويتية. وشارك في كثير من الملتقيات العلمية. صدر له من الكتب: - جهود المحدثين في نقد متن الحديث النبوي الشريف: عن مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله بتونس 1991. - الجرح والتعديل بين المتشددين والمتساهلين: عن الدار العربية للكتاب بتونس 1997. - المجتمع والأسرة في الإسلام: طبعة أولى: 1418/ 1997 طبعة ثانية: 1419/ 1999 عن دار عالم الكتب بالرياض. هذه الطبعة الثالثة المزيدة والمنقحة 1420-1421هـ/ 1999-2000م.

§1/1