المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة

-

افتتاح المؤتمر

بسم الله الرحمن الرحيم افتتاح المؤتمر كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بعد عصر يوم السبت الرابع والعشرين من شهر صفر سنة 1397 افتتح المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة، وقد افتتح المؤتمر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد نيابة عن صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز نائب جلالة الملك وولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأعلى لجامعة الإسلامية، وهذا نص كلمة سماحته. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الذي خلق الثقلين لعبادته وأمرهم بها في كتابه المبين وعلى لسان رسوله الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم، وأرسل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ليدعوا الناس إليها وليبينوها لهم، وختمهم بأفضلهم وإمامهم نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وجعل رسالته عامة لجميع العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، والآمر نبيه أن يدعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة. والذي أمره أن يدعو الناس إلى سبيله، وأخبر أن الدعاة إليه على بصيرة هم أتباعه على الحقيقة فقال عز من قائل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه، أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين وحجة على العباد أجمعين، أرسله شاهداً ومبشراً

ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فهدى به من الضلال وبصّر به من العمى، وجمع به بعد الفرقة، وأغنى به بعد العيلة، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وهدى به العباد إلى صراطه المستقيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة الكرماء أعضاء هذا المؤتمر. باسم الله العظيم افتتح هذا المؤتمر العالمي ((مؤتمر توجيه الدعوة وإعداد الدعاة)) نيابة عن سمو الأمير الكريم فهد بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية ونائب رئيس مجلس الوزراء لمشاغله الكثيرة التي حالت بينه وبين حضور هذا المؤتمر، وأسأل الله عز وجل أن يمنحه التوفيق والإعانة على كل خير، وأن يسدد خطاه، وأن يبارك في أعماله. أيها الإخوة الأعزة أعضاء المؤتمر: يسرني أن أحييكم تحية الإسلام، وأن أرحب بكم أجمل الترحيب، فأقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم في بلادكم وبين إخوانكم في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رحاب مسجد نبيه عليه الصلاة والسلام، وفي مهاجره وفي عاصمة الإسلام الأولى، ومنطلق الدعوة إلى الله على يد رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى يد أصحابه الكرام، الغزاة الفاتحين، والأئمة المهتدين، وأتباعهم بإحسان رضي الله عن الجميع وأرضاهم، وأسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من أتباعهم بإحسان وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا، وأن يولي عليهم خيارهم ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يسلك بنا وبهم صراطه المستقيم، إنه سميع قريب. أيها الإخوة إن هذا المؤتمر بلا شك مؤتمر عظيم، قد دعت الحاجة بل الضرورة إلى عقده، وإن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لمشكورة كثيراً على تبني هذه الدعوة إلى المؤتمر وقيامها بالإعداد له، ودعوتها نخبة ممتازة من أقطار الدنيا من العلماء والدعاة إلى الله عز وجل من أكثر من سبعين دولة لحضوره وتبادل الرأي في شؤون الدعوة والدعاة وتذليل الصعوبات والعقبات التي تعترض سبيلها، وللنظر في طرق ووسائل محاربة الدعوات الضالة والمذاهب الهدامة والأفكار المنحرفة، وكل ما يتعلق بشؤون الدعوة وأحوال المسلمين. وإن حكومة هذه البلاد الحكومة السعودية وفقها الله تشكر كثيراً على موافقتها على إقامة هذا المؤتمر، وعلى دعمها له بكل ما يحتاج إليه، وعلى رعايتها له،

كما هي بحمد الله تدعم كل ما يتعلق بالدعوات الإسلامية، والقضايا الإسلامية، وجميع ما يتعلق بالإسلام، فلها بحمد الله جهود مشكورة، وأعمال جليلة في دعم قضايا المسلمين وإعانة مؤسساتهم ومدارسهم وجمعياتهم، والدعاة إلى الله عز وجل في كل مكان، فجزاها الله عن ذلك خيراً، وبارك في أعمالها وزادها من فضله، ونشر بها الدعوة في كل مكان، وأصلح لها البطانة، وكتب لها التوفيق من عنده، كما نسأله سبحانه أن يوفق قادة المسلمين في كل مكان وأن يهديهم صراطه المستقيم، وأن ينصر بهم الحق، ويخذل بهم الباطل، وأن يوفقهم للاستقامة على دينه، وإخلاص العبادة لله وحده، والقضاء على كل ما يخالف ذلك، كما نسأله عز وجل أن يوفق قادة المسلمين وعلماءهم في كل مكان والدعاة إلى الحق وعلماء المسلمين والمسؤولين فيهم للتعاون الكامل على البر والتقوى، ونصر دين الله وإعلاء كلمته، وعلى بيان حقيقة التوحيد والعبادة التي خلق الله عز وجل من أجلها الخلق وأرسل الرسل، وعلى بيان حقيقة الشرك الذي هو أعظم الذنوب وأكبر الجرائم، وعلى القضاء عليه وبيان حقيقته للناس، وبيان وسائله وذرائعه للناس، والقضاء عليها بالوسائل التي شرعها الله عز وجل. كما أسأله سبحانه أن يوفقهم جميعاً لمحاربة البدع التي استشرت في العالم، حتى التبس على أكثر الخلق دينهم بسبب ظهور البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان وبسبب كثرة المروجين لها والداعين إليها باسم الإسلام حتى التبس الحق على كثير من الناس، لقلة العلماء المتبصرين الذين يشرحون للناس حقيقة الدين ويوضحون لهم حقيقة ما بعث به الله نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام، ويبينون لهم معاني كتاب ربهم وسنة نبيهم واضحة جلية كما تلقاها أصحاب رسول الله عن نبيهم وكتاب ربهم. أيها الإخوة الكرام أعضاء المؤتمر: ليس من الخافي على كل من له أدنى علم أو بصيرة أن العالم الإسلامي اليوم بل العالم كله في أشد الحاجة إلى الدعوة الإسلامية الواضحة الجلية التي تشرح للناس حقيقة الإسلام وتوضح لهم أحكامه ومحاسنه، وتشرح لهم معنى ((لا إله إلا الله)) ومعنى شهادة ((أن محمداً رسول الله)) فإن أكثر الخلق لم يفهم هاتين الشهادتين كما ينبغي، ولذلك دعوا مع الله غيره، وابتعدوا عنه، إن هاتين الشهادتين هما أصل الدين وأصل الملة وأصل الإسلام.

أما الشهادة الأولى فهي تبين حقيقة التوحيد وحقيقة العبادة التي يجب إخلاصها لله وحده سبحانه وتعالى، لأن معناها كما لا يخفى لا معبود حق إلا الله، فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبت العبادة لله وحده، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، من الصلاة والزكاة والصوم والحج والذبح والنذر والدعاء والاستغاثة والسجود وغير ذلك، فهذه العبادات يجب أن تكون لله وحده، ويجب على العلماء أن يبينوا ذلك للناس، وإن صرفها لنبي أو ولي شرك بالله عز وجل، قال الله جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِل} ، وقال سبحانه وتعالى: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ، وقال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} . والآيات في هذا المعنى كثيرة. وأما شهادة أن محمداً رسول الله فكثير من الناس لم يفهمها على حقيقتها وحكموا القوانين الوضعية وأعرضوا عن شريعة الله، ولم يبالوا بها، جهلا بها أو تجاهلاً بها.. إن شهادة أن محمداً رسول الله تقتضي الإيمان برسول الله عليه الصلاة والسلام، وطاعته في أوامره واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره وأن لا يعبد الله إلا بالشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، فالواجب على جميع العالم، على جميع الثقلين أن يعبدوا الله وحده وأن يحكموا نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} . وقال عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} وقال سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} . {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} . {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . أيها الإخوة الكرام أعضاء المؤتمر إن الناس اليوم في أشد الحاجة إلى الدعوة، وإلى بيان الداعية الذي ينبغي أن

يقوم بهذه الدعوة وبيانها بأخلاقه وأعماله وصفاته، بحاجة إلى الداعية المستقيم في أقواله وأفعاله، الذي يكون قدوة للمدعوين في سيرته وأخلاقه وأعماله ومدخله ومخرجه وكل شؤونه، إن العالم بحاجة إلى تيسير وسائل الدعوة وإيضاحها، وتسهيل العقبات والصعوبات التي تقف في طريق الداعية، المسلمون اليوم في أشد الحاجة إلى الدعاة الصالحين، إلى العلماء المبرزين الذين يدعونهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ويوضحون لهم معاني كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ويبينون لهم سيرته عليه الصلاة والسلام وسيرة أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم. المسلمون اليوم بل العالم كله في أشد الحاجة إلى بيان دين الله وإظهار محاسنه وبيان حقيقته، والله لو عرفه الناس اليوم ولو عرفه العالم على حقيقته لدخلوا فيه أفواجاً اليوم كما دخلوا فيه أفواجاً بعدما فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام. أيها العلماء الكرام أيها الفضلاء: إن واجبنا عظيم وإن واجب المسؤولين في جميع العالم الإسلامي من علماء وأثرياء وأمراء وقادة إن الواجب عظيم والمسؤولية عظيمة..علينا أن نتقي الله في عباد الله، وعلينا أن نتعاون صادقين على البر والتقوى أينما كنا وأن تكون هناك علاقات قوية، واتصالات دائمة في شأن الدعوة والدعاة، وفي توجيه الناس إلى الخير، وبالتعاون على البر والتقوى وأرجو أن يكون اجتماعكم هذا تعاوناً على الخير وتبادلا للرأي في كل ما من شأنه انتشار الدعوة الإسلامية وتذليل العقبات والصعوبات أمام الداعية وبيان حال الداعية وصفاته وأعماله وأخلاقه، وبيان ما ينبغي أن تواجه به الدعوات المضلة والمبادئ الهدامة والتيارات الجارفة أرجو أن يكون في مؤتمركم هذا حل لهذه المشاكل وبيان لكل ما يحتاجه المسلمون في سائر الدنيا إنكم والله مسؤولون وإن الأمر عظيم وإني لأرجو الله عز وجل لهذا المؤتمر المبارك أن ينجح في أعماله وأن يوفق في أعماله وأن يجعل العاقبة في حصول ما نرجوه من هذا المؤتمر وما نعلقه عليه من الآمال وأرجو أن يكون في جهودكم وأعمالكم وتبادلكم الرأي ما يحل المشكل وما ينفع الله به عباده المؤمنين في كل مكان وما يرحم الله به عباده، حتى يعرفوا دين الله وحتى يدخلوا في دين الله بأسبابكم، وحتى يكون لكم مثل أجورهم فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إنه قال: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله " وقال عليه الصلاة والسلام: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً".

وأخبر سبحانه وتعالى أن الدعاة إليه على بصيرة هم أتباع النبي عليه الصلاة والسلام فأسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من أتباعه عليه الصلاة والسلام على الحقيقة وأن يعيننا جميعاً على ما يجب علينا من طاعته والاستقامة على أمره، والتواصي بالحق والصبر عليه، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، كما أسأله سبحانه أن يصلح قادة المسلمين وأن يمن عليهم بالتوفيق، وأن يصلح لهم البطانة وأن يردهم إليه رداً جميلاً، وأن يمن عليهم بالتوبة الصادقة حتى يقيموا أمر الله في أرض الله، وإن الحكام اليوم مسؤوليتهم عظيمة جداً وفي كل زمان ولكن في هذا الزمان الذي اشتدت فيه الغربة وكثر فيه دعاة الهدم والتضليل، فالواجب عليهم أعظم من ذي قبل، فالله المسؤول أن يهديهم لذلك، وأن يعينهم على آداء الواجب، وأن يشرح صدورهم للحق، وأن يمنحهم البطانة الصالحة التي تعين على الحق، وتذكرهم إذا نسوا، وتعينهم إذا ذكروا، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ومعنى ذلك كما لا يخفى أنه بدأ غريباً لا يعرفه إلا القلائل، ثم انتشر وعز بحمد الله وظهر على الأديان كلها، ثم عاد غريبا بسبب اختلاف الناس واتباع الأهواء وقلة العلم، ولكن الرسول حث على القيام بإظهاره للناس وبيانه ونشره، حتى يظهر كما ظهر أولاً، حتى يظهر بعد غربته، وحتى ينتشر بعد غربته بين أبنائه، وبين غيرهم، بين المدعين له، المدعون للإسلام اليوم كثيرون، يعدون بمئات الملايين ولكن المتبصر منهم قليل، فنسأل الله عز وجل أن يوفق علماء المسلمين حتى يظهروا دين الله على بصيرة وعلى حقيقته من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وحتى يوجهوا الناس إلى الخير، وحتى يظهروا بينهم الحق، وحتى يكون بذلك قد أظهروا دين الله وأصلحوا بين الناس، إن الله جل وعلا وعد عباده بالخير العظيم قال عليه الصلاة والسلام: " فطوبى للغرباء " قيل: يا رسول الله من الغرباء، قال: " الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي "، وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الصابر على دينه في آخر الزمان كالقابض على الجمرة وأن الذي يدعو إلى الله في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة وما ذلك إلا لقلة الأعوان وكثرة الشرور والفساد، وعلى الدعاة إلى الله أن يصبروا، وعلى العلماء أن يصبروا، وعلى الحكام أن يصبروا حتى يظهر دين الله وينتصر الحق، وحتى يفهم الناس دين الله وحتى ينيبوا إليه، وحتى يحكموا شريعة الله في عباد الله.

وأسأل الله عز وجل أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يكثر في المسلمين دعاة الهدى وأنصار الحق، وأن يهدي حكام المسلمين وقادتهم لما فيه رضاه، وصلاح أمر عباده، إنه سميع قريب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان.

كلمة معالي وزير التعليم العالي

كلمة معالي وزير التعليم العالي ثم ألقى الدكتور محمد محمود سفر وكيل وزارة التعليم العالي كلمة معالي الشيخ حسين بن عبد الله آل الشيخ وزير التعليم العالي، فأعلن أن تبني الجامعة الإسلامية لمؤتمر توجيه الدعوة وإعداد الدعاة، وعقد هذا المؤتمر في المدينة المنورة لم يأت اعتباطاً، فهذه الجامعة مهيأة تماما لكل ما من شأنه تبصير الناس جميعاً بهذا الدين الحنيف، وقال: إن المملكة ممثلة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة إذ تستضيف هذا المؤتمر لتؤكد دائما سياستها على أسس الدعوة الإسلامية الرشيدة وهي بهذا تمارس مسؤوليتها إزاء دين الله داعية لهذا المؤتمر ومؤكدة لمنطلقنا نحو الدعوة الإسلامية. وأضاف: وإذا كان الله قد هيأ لنا الثروة على أرضنا الطاهرة فإن الله قد هيأ لنا بها نصرة كلمة الحق، لتكون العزة لله ولرسوله. وقال في ختام كلمته أن تخبط الإنسانية إنما يعود إلى بعدها عن شريعة الله ولا بد للداعية أن يقوم بواجبه والدعوة إلى الله، بأسلوب متسم بالصبر والأناة وعدم المغالاة ولنا في رسول الله عليه السلام وسلفه الصالح أسوة حسنة. وقد حان الآن الأوان لأسلوب الدعوة أن يتطور بما وصل إليه العلم الحديث وما حدث من تطورات في المجتمع.

كلمة فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد

كلمة فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد نائب رئيس الجامعة الإسلامية ثم ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد نائب رئيس الجامعة الإسلامية الكلمة التالية: الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله … وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وخليله وخيرته من خلقه، سيد الدعاة إلى الله، وقدوة الهداة إلى الصراط المستقيم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، الداعين إلى كل خير، الناهين عن كل شر. أيها الإخوة الكرام أحييكم بتحية الإسلام، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأرحب بكم جميعاً في جامعتكم الإسلامية فأهلاً وسهلاً بكم وعلى الرحب والسعة، وأسأل الله تعالى لكم طيب الإقامة في هذا البلد المبارك. أيها الإخوة الكرام: إن الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة نعمة انعم الله بها على حكومة المملكة العربية السعودية، إذ وفقها لإنشائها في طيبة الطيبة، في وقت أحوج ما يكون المسلمون إليها، وهي تضطلع بمسؤولية عظيمة في سبيل الدعوة والتعليم، أسال الله تعالى أن يوفقها لأدائها على الوجه الذي يرضيه، وينفع عباده. أيها الإخوة الكرام: لقد أدركت الجامعة الحاجة الملحة إلى عقد مؤتمر عالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة ـ فكان هذا اللقاء المبارك الذي نرجو أن يعود بالخير العميم، والعاقبة الحميدة للمسلمين، وإن رعاية حكومة المملكة، وعلى رأسها جلالة الملك خالد بن عبد العزيز حفظه الله، وسمو ولي عهده الأمير فهد بن عبد العزيز، الرئيس الأعلى للجامعة حفظه الله ـ إن رعاية حكومة المملكة لهذا المؤتمر الهادف يعتبر دليلا واضحاً، وتعبيراً صادقاً عن اهتمامها بالدعوة إلى الله، وإلى شريعته التي أكرمها الله بتحكيمها فصارت بحمد الله مضرب المثل في الأمن والاستقرار، وقدمت للعالم

في هذا العصر البرهان العلمي، على أن تحكيم شريعة الله هو السبب في أمن الأمم واستقرارها {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . زادها الله توفيقاً وتسديداً، ووفق المسلمين جميعاً حاكمين ومحكومين إلى الرجوع إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. ليظفروا بالسبب الحقيقي في سعادة الدنيا والآخرة. أيها الإخوة الكرام: إن مؤتمركم هذا وجه من أجل الدعوة الإسلامية ـ الدعوة إلى دين الله ـ الذي لا يقبل الله من أحد سواه الدعوة إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور، من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق، من المعصية إلى الطاعة، من البدعة إلى السنة، الدعوة إلى السير على نهج سلفنا الصالح الصحابة الكرام وتابعيهم بإحسان، الدعوة إلى التقرب إلى الله بالعامل الصالح الذي يكون لله خالصا، ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم موافقاً، الدعوة التي هي الأمر بكل معروف، والنهي عن كل منكر، والتي حصلت الخبرية لهذه الأمة بسببها، وحصل اللعن لبني إسرائيل بالإخلال بها، كما قال عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} . ووجه هذا المؤتمر من أجل الدعوة الخيرة، الهادفة إلى إسعاد البشرية في دنياها وأخراها. فسيروا في مؤتمركم على بركة الله، واثقين بوعد الله {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} . أيها الإخوة الكرام: إن هذه الفرصة التي نلتقي فيها هذا اللقاء المبارك في سبيل الله ومن أجل الدعوة إليه ـ من أسعد الفرص، ولا أستطيع التعبير عن مدى السرور والاغتباط في هذه الفرصة السانحة.

وإني أتقدم بالشكر ـ بعد شكر الله عز وجل ـ لجلالة الملك خالد بن عبد العزيز حفظه الله، الذي وافق على عقد هذا المؤتمر، ولسمو ولي العهد، ونائب رئيس مجلس الوزراء، والرئيس للجامعة الإسلامية (الأمير فهد بن عبد العزيز) ـ حفظه الله ـ الذي كان حريصاً على أن يكون معكم في هذا اللقاء لولا مشاغله التي حالت دون ذلك. وأشكر جميع الأخوة أعضاء المؤتمر على تلبيتهم دعوة الجامعة لحضور هذا المؤتمر والمشاركة فيه. كما أشكر الإخوة الذين أجابوا دعوة الجامعة لحضور افتتاح هذا المؤتمر، وأسأل الله تعالى أن يثيب الجميع خيراً، وأن يكلل المساعي التي تبذل في الدعوة إلى الله بالنجاح وأن يحسن العاقبة للمسلمين. إنه سميع مجيب.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

كلمة فضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي

كلمة فضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي نيابة عن أعضاء المؤتمر هذا وقد اختتم حفل الافتتاح نيابة عن المؤتمرين الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء (بكنهو) بالهند بكلمة قال فيها: إن هذا المؤتمر يدل على اللا عنصرية في الإسلام، وأنه لا تمييز فيه سواء كان تمييزاً قومياً أو وطنياً أو جغرافياً وقال إن بعثة محمد عليه السلام هي بعثة جامعة شاملة اقترنت بتكليف هذه الأمة بالدعوة إلى الله، ذلك التكليف المشرف الكريم الذي قال فيه الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} . وأضاف الشيخ الندوي قائلاً: وهذه الدعوة هي مصدر كل خير ومصدر الانطلاقات والنشاطات التي عرفت بها هذه الأمر وقال إن كل ما يعتز به المسلمون من مدينة فاضلة إنما يرجع الفضل فيها إلى ما يعتزون به من دعوة وإن خير هذه الأمة مرتبط ببقاء هذه الدعوة التي ينبغي أن تكون مرافقة لها في جميع أطوارها.. وقال فضيلة الشيخ أبو الحسن في كلمته التي أثارت إعجاب الحاضرين: إن مستقبل هذه الأمة مرتبط بقضية هذه الدعوة وإذا انقطع تيار هذه الدعوة بقيت هذه الأمة جسداً بلا روح. وختم كلمته قائلا: ولولا هذه الدعوة لما استطاع هندي ولد في بلاد بعيدة وسط المشركين والملحدين أن يتكلم العربية في هذا المكان وينطق بكلمات الحق الإلهي مع تعاليم الإسلام وهديه الكريم..

اختيار سماحة الشيخ بن باز رئيسا للمؤتمر

اختيار سماحة الشيخ بن باز رئيساً للمؤتمر وفضيلة الشيخ العباد نائباً للرئيس وفضيلة الشيخ الغزالي مقرراً انتهت الجلسة الأولى من اليوم الثاني للمؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة باختيار سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد رئيساً للمؤتمر، وفضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد نائب رئيس الجامعة الإسلامية نائباً لرئيس المؤتمر، وفضيلة الشيخ محمد الغزالي رئيس قسم الدعوة وأصول الدين بجامعة الملك عبد العزيز مقرراً للمؤتمر.

كلمة رئيس المؤتمر

كلمة رئيس المؤتمر وقد ألقى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد كلمة قيمة في حفل انتخاب الرئيس ونائب الرئيس والمقرر في المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة وفيما يلي كلمة سماحته: قال بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد: فإن هذا المؤتمر العظيم هو جديد في ذاته، ولم يكن هناك مؤتمر قد سبقه في توجيه الدعوة وإعداد الدعاة، ولا شك أن هذا المؤتمر الذي جمع ممثلي ثلاث وسبعين دولة له شأن عظيم، والمسلمون في كل مكان في الدول الإسلامية، والأقليات الإسلامية في حاجة إلى من يوضح لهم محاسن دينهم، وهذا المؤتمر ـ أرجو أن يكون في توصياته، ومقرراته التي تصدر عنه ما يرسم الخطة التي فيها الخير والصلاح والسداد لجميع الدعاة، وأن يكون فيها ما يعين على تذليل العقبات التي تعترض سبيلهم، وأن يكون فيه بيان واضح لمجابهة الدعوات المضللة، والتيارات المنحرفة،

والأفكار الهدامة، التي يبثها وينشرها أعداء الدين ونرجو أن تعنى بها اللجان، والواجب علينا، كل واحد في محله، في مقر عمله، في بلاده، أن يبذل وسعه في الدعوة إلى الله، وتشجيع العلماء في شرح المشاكل التي تعترض الدعاة، وطريقة حلها.. ولا ريب أن كل عالم إذا نشط في محله، وقام بما يجب عليه من توجيه وبيان، وتشجيع ومساندة لدعاة الحق ـ لا شك أن هذا سيكون له أثر عظيم في توضيح الحق للناس وتشجيعهم على الخير، وتوجيههم إلى ما يجب عليهم نحو دينهم وإخوانهم في كل مكان.. ومن أهم المهمات أيضاً: العناية بالكتاب الصالح الذي ينبغي أن ينشر بين الناس الذي يشتمل على العقيدة الصالحة وبيان أحكام الله، ومحاسن الإسلام، فإن هذا الكتاب من أهم الكتب التي يجب أن تنشر باللغات المتعددة الكثيرة ويوزع بين الجمعيات والمدارس، والدعاة ليستفيد الناس، وكذلك الجمعيات والمؤسسات جديرة بالتشجيع والمعاونة، وأن ينشر عنها حتى تساعد وتعاون فيما يعينها على تحقيق دعوتها، والعالم غير الإسلامي، في حاجة إلى الدعاة وإلى علماء الإسلام حتى يوضحوا له دين الإسلام، لأنهم في أشد الحاجة إلى ذلك، ولأنهم في حيرة وقلق وشك، لأنهم ما وجدوا من نصرانية وغيرها ما يطمئن قلوبهم ويريح ضمائرهم ويقنعهم بأنهم على دين، وإن لهم عاقبة يريدون حسنها. فأنتم أيها الإخوة أولى الناس ببيان هذا الأمر، وتشجيع العلماء وغير ذلك من الطرق، وعلينا أن نوضح دين الإسلام بأدلته الواضحة من قرآن وحديث صحيح ونوضح المعنى، ونزيل الشبه، ونكشفها للناس. ويجب على الدعاة أن يكونوا صابرين، محسنين، يرجون ثواب الله، وعلى أولي الأمر في الدول والأقليات مساعدة العلماء الداعين إلى الله، وإمدادهم بجميع المساعدة..

أيها الإخوة الكرام.. هذا شيء لا يخفى عليكم، أن أولى الأمر عليهم مساندة الدعاة بالمال، وعليهم نشر الكتب المفيدة، وترجمتها إلى اللغات الحية، وتوزيعها بين الناس.. وأسأل الله أن يبارك في هذا المؤتمر، ويوفقه لإصدار توصيات ومقررات تنفع المسلمين، وتعينهم على معرفة دينهم، وعلى محاربة أعدائهم، وعلى الحذر من كل ما يضرهم، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم، وهو البر الرحيم.. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

كلمة فضيلة الشيخ العباد بعد انتخابه نائبا لرئيس المؤتمر

كلمة فضيلة الشيخ العباد بعد انتخابه نائباً لرئيس المؤتمر: ثم ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد نائب رئيس الجامعة كلمة قيمة بعد انتخابه نائباً لرئيس المؤتمر وفيما يلي نص كلمة فضيلته.. بسم الله والحمد لله أما بعد.. فإني أشكر للإخوة المؤتمرين للشيخ ابن باز رئيساً لهذا المؤتمر الهادف، الذي هو في الحقيقة يعتبر أول مؤتمر تعقده الجامعة وهو مؤتمر عظيم له ما بعده إن شاء الله. واختيار الشيخ بن باز اختيار في محله، لأنه هو رئيس هذه الجامعة مدة ثلاثة عشر عاماً، ثم بعد انتقاله عنها ـ إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ـ هو عضو في مجلسها الأعلى، وقد اختاره الأمير فهد في رئاسة الدورة الثانية التي انعقدت في رجب 1396هـ ثم اختاره في رئاسة المجلس الأعلى في هذه الدورة، ثم اختاره لافتتاح هذا المؤتمر وهو اختيار في محله من الناحية الرسمية، ومن الناحية الحقيقية، لأنه هو الداعية المجاهد، ولا نزكي على الله أحداً، وهو في عمل هو في صميم الدعوة، بل هو الأساس والمنطلق في هذه البلاد، فرئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ـ هي المسؤولة في المملكة عن الدعاة إلى الله، وبعثهم داخل وخارج المملكة، ودار الإفتاء والجامعة يتعاونان ويتساعدان، والصلة بينهما أتم صلة، وأعظم وثيقة، لأن الجامعة تخرج الدعاة وترشحهم، ورئاسة البحوث تختارهم وترسلهم. ثم اختيارهم للغزالي، الكاتب صاحب المؤلفات الكثيرة، صاحب القلم السيال هو اختيار في محله، أما اختياري أنا لهذا المنصب فأعتقد أني لست أهلا لهذا المنصب ولكنه من باب الشكليات، ومن باب الأشياء التي اعتادها الناس، وأعتقد أنه بهذه المناسبة يمكن لي أن أكون في هذا المكان، أما من النواحي الأخرى، فاعتقد أني لست أهلا لذلك..

ثم أشار فضيلته إلى الكيفية التي بها اختيار كل عضو للجنة التي يرغبها.. وعقب بقوله: أود أن أشير إلى أن مهمتنا كبيرة وموضوعنا عظيم وأن الأيام أمامنا قليلة، ونحن في حاجة إلى كسب الوقت وحفظه فيما يعود علينا بالفائدة الكبيرة والنتائج الطيبة، وأرجو من الإخوة ملاحظة ذلك في قاعات اللجان..

كلمة فضيلة الشيخ محمد الغزالي مقرر المؤتمر

كلمة فضيلة الشيخ محمد الغزالي مقرر المؤتمر السلام عليكم.. نحن في عصر تبرجت فيه الدعوات، وافتتنت في عرض محاسنها أو ما تزعمه لنفسها من محاسن، وحدث ذلك في وقت أصيب العالم الإسلامي فيه بأزمة طاحنة في الدعاة، وقلة مستغربة في الرجال، الذين يفقهون هذا الدين، وينقلونه من قلب إلى قلب، ومن قطر إلى قطر، وكانت نتيجة هذا التفاوت مرة أراجت الشيوعية مثلا، وقلت في كتبي: إن رواج الشيوعية لا يعود إلى جودة السلعة ـ بل إلى نشاط العارضين، وأنه لأمر مؤسف حقاً أن يتخاذل الحق برجال تكاسلوا في عرض مبادئه، وأن يتقدم الباطل ويوغل.. لأن له رجالا نشطوا في عرض مفترياته. الأمر خطير بلا شك، ونحن الذين نعمل في مجال الدعوة، نشعر بأمور كثيرة، لعل أول ما نشعر به: إننا ثمرة لرجال أدوا ما عليهم لله في نشر الدعوة. وكما قال أخونا الندوي (أمس) . أنا في الهند، من عرفني الإسلام؟ ومن شرح صدري به؟ إنهم دعاة.. من هم؟ الله يعلمهم.. أنا من مصر، من الذي أنار لي حقائق هذا الدين وجعلني ممن يتكلمون ويعيشون له؟ رجال عسكريون، علماء، دعاة، نحن ثمرات جيل مؤمن، ثمرة لجهاد مخلص، قام به رجال قبلنا، أدوا ما عليهم لله، إذ لم يحتكروا نور الإسلام لأنفسهم، بل بسطوا أشعته على دروب العالمين، وجعلوا الناس تتمكن من الدخول فيه والعمل به، إذا كنا نشعر بهذا الجميل لأناس لا نعرفهم، أو نعرف قليلا منهم ـ فحق

الأجيال القادمة علينا ـ أن نقدم لها الدين الذي وصل إلينا، وأن نقدمه كاملاً غير منقوص، لنرجو به ثواب الله، كما قدم غيرنا هذا الدين إلينا راجياً ثواب الله.. هذه واحدة.. الشيء الثاني أننا نحن المسلمين نبلغ الآن ملياراً من الأنفس. هناك معركة تدور في صمت عن إحصاءات المسلمين في العالم، ربما جعلناهم نصف ذلك أو أكثر قليلاً أو أقل قليلاً ـ لكن المسلمين يبلغون ملياراً من الأنفس، ويشاء الله أن الكم لا يكون له وزنه إن لم يكن معه كيف له حرمته وله مكانته. إن مسجداً صغيراً يصل فيه ثلاثمائة مسلم ـ أي عدد الذين حضروا معركة بدر ـ عدد ربما لا يؤبه له. لكن هذا العدد من المصلين هو الذي كسب معركة الإسلام في بدر، وحوّل تاريخ البشرية، إن الأيدي المتوضئة التي قادت زمام العالم قديماً هي التي استطاعت أن تقدم لنا حضارة ضخمة، وأن تصنع الكثير لأن القلة الناشطة لها وزنها، والكثرة العاطلة لا وزن لها، فإذا كان عدد المسلمين الآن ملياراً من الأنفس، فإننا نسأل أنفسنا: كيف يضعف الإسلام ونحن على هذه الكثرة الكاثرة؟؟؟ إن الأمر يحتاج إلى تأمل وإلى دراسة، ولنعترف بالواقع، فإن مجافاة الواقع ليست من العقل! المسلمون الآن موزعون على نحو سبعين جنسية أو أكثر، وهذه الجنسيات التي توزعنا عليها مختلفة في أساليب الحكم، وفي ألوان المجتمع، هناك حكومات مستقلة كما تسمى، وهناك دول المسلمون فيها كثرة ولكن الحكومات فيها لا صلة لها بالإسلام، بل قد تكون صليبية علنا، أو شيوعية علنا، أو علمانية لا لون لها علنا ـ والقاسم المشترك بين جماهير المسلمين ـ أن هناك بيقين انهزاما في تطبيق الإسلام. ربما كانت هذه المملكة من توفيق لها أنها حظيت بملك يعتمد على الدين، ويرى شرفه بأن ينتسب إلى الإسلام، لكن أنواع السلطة في العالم الإسلامي نجح الغزو الثقافي في إبعادها عن الإسلام، فضرب التشريع الإسلامي ضربة انهار لها، وحكم المسلمون الآن بغير ما أنزل الله. ولما كان القانون أو التشريع هو الحزام الذي يشد تعاليم الإسلام ـ فإن هذه التعاليم بقيت بغير رباط يجمعها ويشد عراها، فأخذت تتخلخل وتتراخى وتتساقط، ثم وجدنا من يقول: (التقاليد القديمة لا معنى لها:)

فغرتنا التقاليد الجديدة، الأخلاق الدينية لا الأخلاق المدنية. ومن يقول: الأخلاق الدينية أهدأ من الأخلاق المدنية والعبادات هي وسيلة لإقامة الأخلاق فلا ضرورة للعبادات. ثم بدأت العقائد نفسها تترنح إثر ضربات وجهت إليها. وبلغ من أن يقال الآن: التثليث والتوحيد سواء من الناحية المادية والأدبية!!! ولهما حق الوجود، ولهما حق الاقتران، ولهما حق الزحف والدخول في العقول على قدر مشترك!!! هذه الهزيمة التي نشعر بها ـ يكلف الدعاة الآن بأن يواجهوها! وأريد أن أقول: أنني لا أكلف داعية بمغامرة! ولنا في سيد الدعاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، نحن لا نتعجل معركة، نخسر الكثير ونكسب فيها القليل. إن سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم ـ بدأ بالتغيير الجذري عندما بدأ بغزو النفوس، وعندما بدأ بشحن العقول بلغ هذا الشحن مدى أسأل نفسي.. هل وصلنا إليه؟ أقول: لا. أتأمل في هذه الآية: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} ؟ ما معنى: آذنتكم على سواء؟ أي تركتكم وعلمكم بالحق كعلمي به، أعلمتكم فأنا وأنتم سواء في معرفة الحقيقة. هذا هو النجاح الحاسم في تبليغ الدعوة: أن توصل الحق إلى الناس فيعرفوه جيداً، ثم إذا انصرفوا عنك بعد ذلك فمن هوى غالب أو جحود حاكم، أو عن رغبة في مشاقة الله ورسوله ـ أنت بعدها أنصفت نفسك وأنصفت ربك وأنصفت دينك. لكن كثيراً من الدعاة الآن ليس لديهم بيان ولا وضوح الرؤية الذي يستطيع به أن يبلغ حقائق الإسلام للناس.. بل بلغ من هوان الأمة الإسلامية أن اليهود الذين سطوا على البيت وطردوا رب البيت منه واقتحموه ـ استطاعوا أن يقولوا للعالم: إنهم أصحاب البيت!!! وعجز صاحب البيت أن يثبت أنه صاحبه!! بل بلغ الهوان بنا: أن اليهود يقولون: يهودية.. أما العرب فيقولون: لا إسلام.. ولا نصرانية.. ولا يهودية.. (علمانية) (دولة علمانية) . ومعنى

هذا: أننا فرطنا في إسلام بينما بقى غيرنا في ظل علمانية أو قوانين مدنية، بقي مستمسكاً بيهوديته أو نصرانية. وسبب هذا هزيمة المسلمين: أن العرب خانوا الإسلام، وفصلوا قضية فلسطين عن الدين، وجعلوها عربية. فكانت النتيجة أن انفردت اليهودية (وهي عقيدة) والصليبية (وهي عقيدة) بعرب تركوا الإسلام وراءهم ورفضوا أن يجعلوه شعاراً وأن يعيشوا في ظله. وأي دين باطل إذا التقى بقوم لا دين لهم فالنتيجة واضحة.. إنه سيمرغ وجوههم في الوحل، ولكن هذه المتناقضات كلها يستطيع الدعاة أن يتغلبوا عليها، فنحن لسنا في ظروف أسوأ من الظروف التي بدأ فيها سيد الدعاة رسالته. فقد بدأ والظلام من حوله حالك، وكل شبر من أرض الله يتنكر له، ومع الظلمة السائدة، والعداوة البادية ـ فإن صاحب الدعوة العظيم صلى الله عليه وسلم استطاع أن يغير الدنيا، وأن يطلع بالإسلام فجراً على ظلامها، وصبحا ينسخ كل ما فيها من سواد. نحن لسنا في ظروف أسوأ من هذه الظروف. لكننا ينبغي أن نعرف الخطة التي سار عليها. وهذه الخطة تتطلب أمرين: الإخلاص ـ والعلم. والإخلاص وحده لا يكفي، فرب مخلص قتل صديقة كما قتلت الدبة صاحبها. والعلم وحده لا يكفي، فرب عالم استغل علمه في تملق السلطات التي تتطلب الرهبة والرغبة، وعاش للدنيا يطلبها!!! نحن محتاجون إلى الأمرين معا: إلى العلم وإلى الإخلاص.. وتحت هذين العنوانين أمور كثيرة لا نتحدث عنها، لكني أقول لإخواني: إن هذه البداية المباركة في مؤتمر يقوده ناس: أحسن ما نرى فيهم الغيرة على توحيد الله، والرغبة في تجريد العقيدة من أي بدعة، والعمل الدائب على أن نقتدي بسلفنا الصالح.. هذه البداية في هذا المكان، في دار الهجرة تجعلنا نأمل الخير، ونرى أننا هنا نتصارح.. يا إخواني.. نحن هنا نريد أن نصطلح مع الله، ونتوب إليه ونتحدث عن العوائق أمام الدعوة، وعما تنجح به الدعوة، ثم نؤدي ما علينا في مصارحة لا مداهنة..

لقد كان صاحب الرسالة قديما يستطيع أن يمر بشيء {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} لكن الإدهان ليس من صفات الداعية، الداعية صحيح في عرض مبادئه، صريح في توضيح غاياته، وليس لنا من نستحي منه. نحن في وجه من يقول بالتثليث ـ في وجه من يعطل الوجود عن إله يدبر أمره ويشرف على شؤونه في وجه جاهلية تتبجح بمطاوعة الأهواء وإجابة الشهوات ـ في وجه هذا كله نقول: نحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، نوحد ربنا، ونصلح في هذه الدنيا سيرتنا، لأن أساس النجاة إيمان واضح، وعمل صالح، نحن ننتسب إلى الإسلام ونملأ الدنيا. لقد استطاع أصحاب الدعوات المشوهة أن ينالوا نصراً كبيراً لأنهم زوقوا، واستطاعوا في معاركهم معنا أن يشوهوا ديننا، وكما قال القائل في وصف هذا الدين: كاد الليالي وكادته مجالدة وارتد عدوانها من بعد تقتال. فلنبرز محاسن الإسلام، ولنؤد ما علينا في استنقاذ أمتنا، وأداء رسالتنا، والله الموفق والمستعان. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.

أعضاء المؤتمر يرفعون برقية شكر إلى سمو نائب جلالة الملك

أعضاء المؤتمر يرفعون برقية شكر إلى سمو نائب جلالة الملك وقد رفع سماحة رئيس المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة برقية شكر إلى صاحب السمو الملكي نائب جلالة الملك هذا نصها: صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز نائب جلالة الملك والرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة " حفظه الله " إن المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة إذ ينعقد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وفي رحاب المملكة العربية السعودية رائدة التضامن الإسلامي، وفي ضيافتها الكريمة ـ ليسر أعضاؤه الذين يمثلون أكثر من سبعين دولة من سائر قارات العالم أن يتوجهوا إلى جلالة الملك المعظم وإلى سموكم الكريم بوافر الشكر وعظيم التقدير لرعايتكم الكريمة لهذا المؤتمر، الذي سيحقق إن شاء الله أملا عزيزاً ومصالح عظيمة للمسلمين في سبيل الدعوة إلى دينهم وإعلاء كلمة ربهم وتنسيق جهودهم في هذا السبيل كما يشكرون لجلالة الملك المعظم ولسموكم الكريم ما تولونه القضايا الإسلامية كلها من دعم ورعاية مادية ومعنوية. وأنهم ليضرعون إلى الله تبارك وتعالى أن يحفظ جلالة الملك ويحفظكم ويبارك جهودكم لعزة الإسلام وخير المسلمين. والسلام عليكم. رئيس المؤتمر عبد العزيز بن عبد الله بن باز

رد سمو الأمير فهد بن عبد العزيز

رد سمو الأمير فهد بن عبد العزيز 1927 صاحب السماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المدينة.. لقد تلقينا برقيتكم التي نقلتم فيها إلينا مشاعر الإخوة الكرام من وفود مؤتمر الدعوة والدعاة تلك المشاعر الطيبة الكريمة ونود أن تشكروا لهؤلاء الإخوة الكرام جميعاً هذه المشاعر وأن تذكروا أننا إنما نؤدي واجباً مفروضاً يمليه ما من الله به علينا من رعاية هذه الأماكن المقدسة كما نود أن تؤكدوا للإخوة الكرام أننا لن ندخر وسعاً في سبيل تدعيم الأهداف النبيلة التي اجتمعوا من أجلها بكل الوسائل المعنوية والمادية بارك الله جهودكم ووفقكم في مهمتكم الجليلة وجعل كلمته هي العليا. فهد بن عبد العزيز

رئيس وأعضاء المؤتمر يشكرون سمو الأمير فهد بن عبد العزيز

رئيس وأعضاء المؤتمر يشكرون سمو الأمير فهد بن عبد العزيز وبعد انتهاء المؤتمر رفع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز برقية شكر إلى صاحب السمو الملكي نائب جلالة الملك نصها صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز ولي العهد ونائب جلالة الملك والرئيس الأعلى للجامعة حفظه الله بمناسبة انتهاء جلسات المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة الذي عقدته الجامعة الإسلامية برعاية سموكم الكريم في المدينة المنورة ـ يسر رئيسه وأعضاؤه جميعاً أن يرفعوا لجلالة الملك المعظم ولسموكم الكريم أصدق آيات الشكر والامتنان لما أوليتموه هذا المؤتمر من رعاية مادية ومعنوية يسرت له بتوفيق الله أسباب نجاحه فيما توصل إليه من توصيات مهمة يرجى في تنفيذها الخير الكبير للإسلام والمسلمين ـ ولما لاقوه من حفاوة وكرم ضيافة، ولما تحقق فيه من تعارف وتوثيق مودة بين أعضاء المؤتمر الذين يمثلون أكثر من سبعين دولة في سائر قارات العالم. وإنهم ليتوجهون إلى الله عز وجل بالدعاء أن يحفظ بعين رعايته جلالة الملك المعظم وسموكم الكريم، وأن يبارك جهودكم لنصرة دينه وإعلاء كلمته ودعم القضايا الإسلامية ورعايتها. والسلام عليكم. رئيس المؤتمر عبد العزيز بن عبد الله بن باز

جواب سمو الأمير فهد بن عبد العزيز

جواب سمو الأمير فهد بن عبد العزيز صاحب السماحة الشيخ عبد العزيز بن باز سلمه الله المدينة المنورة نشكركم على برقيتكم بمناسبة انتهاء جلسات المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة ونحمد الله تعالى على ما وفقكم فيه أنتم وأعضاء الوفود الكرام الذين ساهموا في إنجاح هذا المؤتمر ونسأل الله التوفيق لإنفاذ توصيات المؤتمر ونأمل أن تنقلوا شكرنا وتقديرنا لجميع أعضاء الوفود على ما بذلوا من جهود طيبة لتكون هذه الدورة مثمرة ومفيدة ونتمنى للمؤتمر دائماً كل سداد وتوفيق في كل دوراته ونشاطاته.. فهد بن عبد العزيز

دليل المؤتمر

دليل المؤتمر مدخل ... دليل المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة 24-29/2/1397هـ / 12-17/1977م بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْر. إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ..} {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ..} {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ..} قال رسول الله صلىّ الله عليه وسلم: " من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً.." رواه مسلم وقال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أناّ خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً. " رواه البخاري

محتوى الدليل

محتوى الدليل - تقديم. - الأهداف العامة للمؤتمر. - الموضوعات الرئيسية للمؤتمر. - من البحوث المقدمة للمؤتمر، وأسماء الباحثين موزعة على الموضوعات الرئيسية. - لجان المؤتمر، وأماكنها. - اللجان التنظيمية للمؤتمر. - المدعون لحضور المؤتمر: من داخل المملكة وخارجها. - برنامج المؤتمر.

تقديم

تقديم بقلم عبد المحسن بن حمد العباد نائب رئيس الجامعة الإسلامية الحمد لله رب العالمين وصلوات الله وسلامه وبركاته على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: فإن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة إدراكاً لأهمية رسالتها وقياماً ببعض واجبها وانطلاقاً من أهدافها السامية فكرت في عقد مؤتمر عالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة يلتقي من شاء الله من الدعاة لتدارس شئون الدعوة الإسلامية وسبل أدائها. وما كان من جلالة الملك خالد بن عبد العزيز حفظه الله إذ رفعت الجامعة لجلالته التماس موافقته السامية على عقده إلا أن أصدر أمره الكريم بتحقيق هذا الرجاء، ثم ما كان من سمو ولي عهده الأمير فهد بن عبد العزيز الرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية حفظه الله، إلا أن تفضل مشكوراً بالموافقة على افتتاحه. وإن انعقاد هذا المؤتمر الهادف في طيبة الطيبة وفي جامعتها الإسلامية العالمية تحت رعاية سمو رئيسها الأعلى وفي هذا العصر بالذات كل ذلك يضفي على هذا المؤتمر أهمية كبرى، فهو أول مؤتمر تعقده هذه الجامعة وموضوعه أهم موضوعه وهو الدعوة إلى الله التي هي وظيفة الرسل وأتباعهم، ومقره دار هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وعاصمة الإسلام الأولى. وقد جاء هذا المؤتمر في وقت أحوج ما يكون فيه الناس إلى تضافر الجهود في الدعوة إلى الله عز وجل. والله المسئول أن يكلل جميع المساعي المبذولة لنصرة دين الله بالنجاح، وأن يوفق المسلمين جميعاً لما فيه عزهم وفلاحهم في دنياهم وأخراهم إنه سميع مجيب.

الأهداف العامة للمؤتمر

الأهداف العامة للمؤتمر أولاً: التعريف بالدعوة الإسلامية ومنهاجها الأقوم في توجيه الحياة الإنسانية في كل جوانبها إلى غايتها الفاضلة التي يسعد بها الإنسان في دنياه وأخراه، وفي توجيه بناء حضارتها بناء متكاملاً يلبي دائماً مطالب الروح والجسم معاً. ثانياً: الأخذ بأفضل المناهج العلمية والأساليب العملية في إعداد الدعاة وتمكينهم من أداء رسالتهم. ثالثاً: التطوير العلمي لأساليب الدعوة على ضوء النتائج العملية في حقل الدعوة. رابعاً: دراسة المشاكل والصعوبات العامة التي تعترض مسار الدعوة والعمل على حلها بالوسائل الممكنة. خامساً: تقوية سبل الاتصال والتعاون بين الهيئات والمؤسسات المعنية بالدعوة الإسلامية، والتنسيق العام للجهود المبذولة في هذا الميدان على الصعيد العالمي، وتنظيم سبل التعاون الإيجابي بين الدعاة. سادساً: تعزيز الدعوة الإسلامية والتمكين لها من مواجهة التحديات المعادية والتيارات المضادة للإسلام وصدها. سابعاً: المتابعة العلمية لحركة الدعوة الإسلامية وملاحظة اتجاهاتها وتقويم نتائجها وآثارها والعمل المشترك على تعزيز وتعميق مسارها وتحقيق أهدافها.

الموضوعات الرئيسية للمؤتمر

الموضوعات الرئيسية للمؤتمر يتناول المؤتمر بالباحث والمناقشة الموضوعات الرئيسة التالية: (1) مناهج الدعوة الإسلامية ووسائلها، وأساليبها، وسبل تعزيزها، وتطوير أدائها بما يحقق أهدافها في عالمنا المعاصر. (2) إعداد الدعاة. (3) مشاكل الدعوة والدعاة في العصر الحديث، ووسائل التغلب عليها. (4) وسائل الإعلام ودورها في توجيه الأفراد والجماعات والمجتمعات، وآثارها المضادة للدعوة الإسلامية وما يجب اتخاذه بإزائها. (5) الدعوات والاتجاهات المضادة للإسلام، وسبل مقاومتها.

من البحوث التي قدمت للمؤتمر

من البحوث التي قدمت للمؤتمر (أ) في إطار الموضوع الأول عنوان البحث ... اسم الباحث فضل الدعوة إلى الله وحكمها وأخلاق القائمين بها ... سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الدعوة الإسلامية ... سماحة الشيخ عبد الله غوشة رئيس قضاة الأردن بعض سمات الدعوة المطلوبة في هذا العصر ... فضيلة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء ـ لكهنو ـ الهند عالمية الرسالة بين النظرية والتطبيق ... فضيلة الشيخ محمد الغزالي رئيس قسم الدعوة وأصول الدين بجامعة الملك عبد العزيز أهمية الدعوة ... اللواء الركن محمود شيت خطاب الدعوة إلى الله ... فضيلة الشيخ مصطفى أحمد العلوي مدير دار الحديث الحسنية ـ الرباط ـ المغرب الدعوة والدعاة في منهج القرآن الكريم ... فضيلة الشيخ محمد أبو طالب شاهين عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية الدعوة كما نتبينها في السنة والسيرة ... الدكتور أحمد محمود الأحمد عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية دور المسجد في الدعوة ... الدكتور محمود ميرة وكيل عمادة شئون المكتبات بالجامعة الإسلامية دور المدرسة في الدعوة ... فضيلة الشيخ عبد الرؤوف سعيد عبد الغني اللبدي عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية من هنا فلنبدأ أعمالنا للدعوة ... فضيلة الشيخ محمد المجذوب المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية تحكيم الشريعة الإسلامية ... الدكتور إبراهيم جعفر السقا عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية اللغة العربية والدعوة الإسلامية ... الدكتور محمد نايل عميد كلية اللغة العربية والآداب بالجامعة الإسلامية

(ب) في إطار الموضوع الثاني: عنوان البحث ... اسم الباحث كيفية إعداد الدعاة ... الدكتور أحمد أحمد غلوش عضو هيئة التدريس بكلية التربية بجامعة الرياض ثقافة الداعية ومصادرها ... الدكتور يوسف القرضاوي رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية ـ قطر مراعاة الداعية المسلم لأحوال البيئة والمخاطبين ... فضيلة الشيخ محمد المبارك الأستاذ والمستشار بجامعة الملك عبد العزيز تدريب الدعاة ... الدكتور أحمد هاشم عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية دور الجامعة في إعداد الدعاة ... فضيلة الشيخ عبد العزيز عمر الربيعان مدير معهد الدراسة المتوسطة التابع للجامعة الإسلامية التربية الإسلامية في صياغة الداعية ... الأستاذ عابد توفيق الهاشمي عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية واجب الدعاة والمبلغين ... الحاج أحمد شيخو رئيس المنظمة الإسلامية العالمية (جاكرتا) ورئيس نهضة العلماء (بأندونيسيا)

(ج) في إطار الموضوع الثالث: عنوان البحث ... اسم الباحث مشكلات الدعوة والدعاة في العصر الحديث وكيفية التغلب عليها. ... الدكتور محمد حسين الذهبي الأستاذ بجامعة الأزهر بين يدي العلاج ... الدكتور عبد السلام الهراس الأستاذ بكلية الآداب جامعة محمد بن عبد الله ـ بفاس ـ المغرب المشكلات والصعوبات التي تعترض سبيل الدعوة والدعاة ... الأستاذ أحمد محمد جمال أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز مشكلات الدعوة والدعاة في العصر الحديث ... فضيلة الشيخ محمد أمان علي عميد كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالنيابة إعداد الداعية ومعالجة بعض مشاكل الدعوة ... فضيلة الشيخ محمد محمد أبو فرحة المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية مشاكل الدعوة والدعاة إلى الإسلام في العصر الحديث ... فضيلة الشيخ عبد الله عثمان الكوكي مدير مكتب رابطة العالم الإسلامي (ببرازافيل) التعليم في بلاد المسلمين وكيف يكون إسلاميا ... فضيلة الشيخ عبد الفتاح عشماوي المدرس بالمعهد الثانوي التابع للجامعة الإسلامية التقدم العلمي والحضاري في هذا العصر وما يستتبعه من آثار معاكسة لدعوة الإسلام. ... فضيلة الشيخ زهير الخالد المدرس بالمعهد الثانوي التابع للجامعة الإسلامية موقف الدعوة الإسلامية من الطرق الصوفية. ... الشيخ سعد ندا المدرس بالمعهد الثانوي التابع للجامعة الإسلامية

(د) في إطار الموضوع الرابع: عنوان البحث ... اسم الباحث رسالة الإعلام في بلاد الإسلام وعلاقتها بالدعوة الإسلامية ... فضيلة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري مدير الشؤون الدينية في قطر الدعوة الإسلامية ووسائل الإعلام ... الدكتور عبد المنعم محمد حسنين الأستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية الإعلام والدعوة الإسلامية ... الدكتور محمد علي جريشة عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية أصول الإعلام الحديث وتطبيقاته الإسلامية ... فضيلة الشيخ إبراهيم محمد سرسيق المحاضر بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية نحو إعلام إسلامي ... الشيخ محمد المجذوب المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية رسالة الإعلام في بلاد الإسلام ... الشيخ طه عبد الفتاح مقلد عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية

(هـ) في إطار الموضوع الخامس: عنوان البحث ... اسم الباحث أساليب الدعوات المضادة وأهدافها وآثارها وسبل مقاومتها ... الدكتور محمد حسن فايد مدير جامعة الأزهر الاستشراق وجهوده وأهدافه في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته ... الدكتور عبد المنعم محمد حسنين الأستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية الأساليب التبشيرية في العصر الحديث ... الدكتور محمد علي جريشة عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية الخطر الشيوعي في بلاد الإسلام ... الدكتور محمد شامة عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الشيوعية وتأثيراتها على الدعوة الإسلامية ... فضيلة الشيخ إبراهيم محمد سرسيق المحاضر بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية الخطر الشيوعي في بلاد الإسلام وأثره على الدعوة الإسلامية ... فضيلة الشيخ محمود عبد الوهاب فايد المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية تحالف الصهيونية والمسيحية لمحاربة الإسلام وإضعاف المسلمين ... فضيلة الشيخ محمد شريف الزيبق المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية المذاهب والاتجاهات الإلحادية والمعادية للإسلام والفرق المرتدة والزائغة وتحديد موقف الإسلام والمسلمين منها ... فضيلة الشيخ أحمد صالح محايري مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد إلى البرازيل

لجان المؤتمر

لجان المؤتمر لجان المناقشة: ينقسم المؤتمر إلى خمس لجان تختص كل لجنة بموضوع من الموضوعات الرئيسية الخمسة السابقة الذكر كما يلي: اللجنة الأولى مناهج الدعوة الإسلامية ووسائلها، وأساليبها، وسبل تعزيزها، وتطوير أدائها بما يحقق أهدافها في عالمنا المعاصر. اللجنة الثانية إعداد الدعاة. اللجنة الثالثة مشاكل الدعوة والدعاة في العصر الحديث، ووسائل التغلب عليها. اللجنة الرابعة وسائل الإعلام ودورها في توجيه الأفراد والجماعات والمجتمعات، وآثارها المضادة للدعوة الإسلامية وما يجب اتخاذه بإزائها. اللجنة الخامسة الدعوات والاتجاهات المضادة للإسلام، وسبل مقاومتها. اختيار أعضاء اللجان: (1) تقدم لعضو المؤتمر بطاقة (اختيار لجنة مناقشة البحوث) لتعيين اللجنة التي يرغب في الاشتراك فيها. وقد اشتملت البطاقة على رغبتين (أولى، وثانية) لتنسيق الاشتراك في اللجان. (2) ثم تعد كشوف بأسماء حضرات أعضاء المؤتمر موزعين على اللجان، وتقدم لهم قبل انعقاد اللجان.

رؤساء اللجان ومقرروها يكون لكل لجنة رئيس ومقرر يختارهما أعضاؤها في بداية أول اجتماع لها. أماكن اللجان خصصت خمس قاعات بمبنى كلية الشريعة لتكون أماكن للجان المؤتمر. مواعيد عمل اللجان: من الساعة العاشرة حتى الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً يوم الأحد 25/2/1397هـ ومن الساعة الثامنة والنصف حتى الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح أيام الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء 26 و27 و28 /2/1397هـ لجنة الصياغة العامة تتألف لجنة عامة لصياغة توصيات المؤتمر من المقرر العام للمؤتمر ومقرري اللجان الخمس. واثنين تختارهما الجامعة. وتجتمع لجنة الصياغة العامة عقب صلاة العصر أيام: الأحد، والاثنين، والثلاثاء، 25 و26 و27/2/1397هـ وتنتهي من صياغة التوصيات وتنسيقها وإعدادها للعرض على أعضاء المؤتمر في اجتماعها عقب صلاة العصر يوم الأربعاء 28/2/1397هـ. اللجان التنظيمية للمؤتمر اللجنة العامة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد الشيح محمد عمر فلاتة الشيخ عبد الله الفوزان المحمد الشيخ محمد أحمد بخيت

لجنة الاستقبال الشيخ عمر محمد فلاتة الشيخ محمد أمان علي الدكتور محمد نايل الدكتور محمود ميرة الدكتور محمد حمود الوائلي الدكتور أكرم العمري الدكتور صالح عبد الله المحيسن الدكتور أحمد الأحمد الشيخ عبد العزيز محمد القويفلي الشيخ أحمد الملاح لجنة الإعلام: اللجنة الإدارية والمالية: الدكتور عبد المنعم محمد حسنين الشيخ عبد الله الفوزان المحمد الدكتور أحمد عبد الله هاشم الأستاذ محمد العثمان العمر الدكتور علي محمد جريشة الشيخ عبد الله القادري الشيخ إبراهيم محمد سرسيق الأستاذ عبد الله الباحوث الشيخ سعد ندا الأستاذ محمد عمران دهيثم الأستاذ عبد الهادي كابلي لجنة السكرتارية: الأستاذ محي الدين عزمي الأستاذ رزيق جابر الرحيلي الأستاذ محمد عبد اللطيف إبراهيم الأستاذ محمد اخضر مدني الأستاذ محمد عيد محسن الأستاذ حاسن بن محسن الأحمدي وقد انبثقت من بعض هذه اللجان لجان فرعية أخرى اشترك فيها عدد من أساتذة الجامعة والطلاب والموظفين للمعاونة في تنفيذ خطة المؤتمر.

المدعوون لحضور المؤتمر

المدعوون لحضور المؤتمر من خارج المملكة العربية السعودية ... مسلسل ... الدولة ... الإسم ... الوظيفة 1 ... الأردن ... الدكتور إسحاق الفرحان ... رئيس جامعة الأردن ... الأردن ... الشيخ عبد الله غوشة ... رئيس قضاة الأردن ... الأردن ... معالي الأستاذ كامل الشريف ... وزير الأوقاف بالأردن ... الأردن ... الأستاذ محمد الشقرة ... مدير إدارة الأوقاف بالأردن 2 ... إرتريا ... الشيخ عمر إدريس ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 3 ... إثيوبيا ... الشيخ جبريل علي الهرري ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ... إثيوبيا ... الشيخ محمد جامع ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 4 ... الأرجنتين ... الشيخ أحمد أبو العلا خليل ... إمام المسلمين بالأرجنتين ومبعوث وزارة الأوقاف المصرية 5 ... أسبانيا ... الأستاذ رامز الأتاسي ... رئيس الجمعية الإسلامية بأسبانيا 6 ... أستراليا ... الدكتور عبد الخالق قاضي ... نائب رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية بأستراليا 7 ... أفغانستان ... الأستاذ أسد الله الشنيواري ... عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بكابل 8 ... ألمانيا الغربية ... الأستاذ عصام العطار ... عضو بالمركز الإسلامي بأخن ... ألمانيا الغربية ... الشيخ محمد صديق ... عضو بالمركز الإسلامي بأخن 9 ... الإمارات العربية ... ... ... أبو ظبي ... الشيخ أحمد عبد العزيز المبارك ... رئيس القضاة في أبي ظبي ... الشارقة ... الشيخ عبد الله بن علي المحمود ... رئيس المركز الإسلامي بالشارقة ... رأس الخيمة ... الشيخ محمد العبد الله العجلان ... مدير المعهد العلمي برأس الخيمة 10 ... إندونيسيا ... الحاج أحمد شيخو ... رئيس المنظمة الإسلامية العالمية (جاكرتا) ورئيس نهضة العلماء بإندونيسيا

إيران ... الشيخ محمد ضيائي بن محمد صالح ... داعية إسلامي 12 ... إيطاليا ... الشيخ عبد الحميد حداره ... مدير المركز الثقافي بإيطاليا ... إيطاليا ... الشيخ عدنان عمودي ... سكرتير اتحاد الطلاب المسلمين بإيطاليا 13 ... باكستان ... الشيخ طفيل محمد ... أمير الجماعة الإسلامية بباكستان ... باكستان ... الشيخ عبد الرحيم أشرف ... داعية إسلامي ... باكستان ... الشيخ عبيد الرحمن عبد الرحمن ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ... باكستان ... الشيخ خليل أحمد الحامدي ... داعية إسلامي 14 ... البحرين ... الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة ... وزير الشئون الاجتماعية بالبحرين 15 ... البرازيل ... الشيخ أحمد صالح محايري ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 16 ... بريطانيا ... الأستاذ خورشيد أحمد ... مدير المؤسسة الإسلامية (لندن) ... بريطانيا ... الشيخ صهيب عبد الغفار حسن ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ... بريطانيا ... الشيخ عاشور أبو عبيد الله الشامي ... سكرتير دار الرعاية الإسلامية بلندن 17 ... البرتغال ... الدكتور سليمان والي محمد ... 18 ... بلجيكا ... الشيخ محمد العلويني ... الإمام والمدير للمركز الإسلامي والثقافي في بلجيكا 19 ... تايلاند ... الشيخ علي عيسى ... مدير مكتب رابطة العالم الإسلامي بتايلاند 20 ... تركيا ... الشيخ محمد أمين سراج ... من علماء تركيا ... تركيا ... الشيخ زكريا بياز ... ... تركيا ... الدكتور مصطفى بلكه ... أستاذ بجامعة استنبول ... تركيا ... الشيخ صالح أوزجان ... عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي

تشيلي ... الشيخ توفيق محمد رومية ... 22 ... تنزانيا ... الشيخ جابر بن يوسف كاتورا ... ... تنزانيا ... الشيخ عباس مصطفى المقبول ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 23 ... تونس ... الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة ... مفتي الجمهورية التونسية ... تونس ... الشيخ مصطفى كمال التارزي ... مدير الشعائر الدينية 24 ... الجابون ... الشيخ حمادي بوريما ... مبعوث رابطة العالم الإسلامي 25 ... جامبيا ... الشيخ أحمد خالد عبد القادر البنا ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 26 ... الجزائر ... الشيخ عبد اللطيف علي السلطاني ... ... الجزائر ... الشيخ أحمد سحنون ... 27 ... جزائر القمر ... الشيخ عمر عبد الله ... 28 ... جنوب إفريقيا ... الشيخ محمد صالح الدين ... 29 ... الدنمارك ... الشيخ محمد درمنجي مصطفى ... مبعوث رابطة العالم الإسلامي 30 ... روديسيا ... الشيخ آدم موسى مكدا ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 31 ... زائير ... الشيخ عوام شعبان ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 32 ... ساحل العاج ... الشيخ أبو بكر فوفانا ... عضو جماعة أنصار السنة بساحل العاج ... ساحل العاج ... الشيخ محمد الأمين كبا ... عضو جماعة أنصار السنة بساحل العاج 33 ... السنغال ... الحاج عمر صو أحمد ... رئيس الاتحاد الإسلامي في السنغال 34 ... السودان ... معالي الدكتور كامل محمد الباقر ... مدير جامعة أم درمان الإسلامية

الشيخ محمد الحسن عبد القادر ... رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في كسلا ... السودان ... الشيخ محمد هاشم الهدية ... رئيس جماعة أنصار السنة في السودان 35 ... سوريا ... الدكتور محمد أديب صالح ... رئيس قسم علوم القرآن والسنة بكلية الشريعة بجامعة دمشق ... سوريا ... الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ... عضو المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ... سوريا ... الشيخ محمد نسيب الرفاعي ... داعية إسلامي 36 ... سيلان ... الشيخ محمد قاسم البي ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 37 ... سيراليون ... الحاج جبريل سيسي ... داعية إسلامي ... سيراليون ... الشيخ صالح جانيه ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 38 ... العراق ... الدكتور أحمد عبيد الكبيسي ... أستاذ مساعد بكلية القانون والسياسة بجامعة بغداد ... العراق ... الدكتور عبد الكريم زيدان ... أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الآداب جامعة بغداد ... العراق ... الشيخ محمد بهجت الأثري ... عضو المجامع العلمية العربية ... العراق ... اللواء الركن محمود شيت خطاب ... عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي 39 ... عمان ... الشيخ أحمد حمد الخليلي ... مفتي عمان 40 ... غانا ... الشيخ عبد الصمد حبيب الله ... مدير المدرسة الصمدانية بغانا ... غانا ... الشيخ عمر إبراهيم إمام ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 41 ... فرنسا ... الدكتور محمد حميد الله ... 42 ... الفلبين ... الشيخ أحمد بشير ... عضو جمعية إقامة الإسلام بالفلبين ... الفلبين ... الشيخ محمد صالح عثمان ... مدير إدارة المعارف والنائب الثاني لرئيس جمعية إقامة الإسلام

فلتا العليا ... الشيخ أحمد محمد صالح ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 44 ... فلسطين ... الشيخ سليم سالم شراب ... داعية إسلامي 45 ... قطر ... الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري ... مدير الشؤون الدينية بدولة قطر ... قطر ... الدكتور يوسف القرضاوي ... رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية بقطر 46 ... الكامرون ... الشيخ عبد الرحمن نصر ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 47 ... كندا ... الشيخ هشام عبد الحكيم بدران ... إمام مسجد الملك فيصل (بتورنتو) ومبعوث رابطة العالم الإسلامي 48 ... الكويت ... الشيخ عبد الله العقيل ... مدير الشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف ... الكويت ... الأستاذ أحمد البسيوني ... رئيس تحرير مجلة الوعي الإسلامي الكويتية ... الكويت ... الأستاذ بدر سليمان القصار ... رئيس تحرير مجلة المجتمع الكويتية ... الكويت ... الأستاذ عبد الرحمن راشد الولاياتي ... رئيس تحرير مجلة البلاغ الكويتية ... الكويت ... الشيخ مصطفى محمد الطحان ... ... الكويت ... معالي الشيخ يوسف الجاسم ... وزير الأوقاف بدولة الكويت ... الكويت ... الشيخ يوسف الرفاعي ... 49 ... لكنغو برازافيل ... الشيخ آدم سيسي ... داعية إسلامي ... لكنغو برازافيل ... الشيخ عبد الله عثمان الكوكي ... مدير مكتب رابطة العالم الإسلامي (ببرازافيل) 50 ... كينيا ... السر كمال الدين ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ... كينيا ... محمد إبراهيم خليل ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

لبنان ... الأستاذ فتحي يكن ... الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان 52 ... ليبيا ... الشيخ محمد عبد السلام البشتي ... داعية إسلامي ... ... الشيخ محمود الناكوع ... عضو الندوة العالمية للشباب الإسلامي 53 ... ليبيريا ... الحاج أحمد سيكودوري ... ... ليبيريا ... الحاج موسى كريسا ... مدير مدرسة التربية الإسلامية (كاكانا) وإمام جامع كاكانا 54 ... مالي ... الشيخ أحمد حماه الله ... إمام وخطيب مسجد أهل السنة في (باماكو) 55 ... ماليزيا ... الشيخ محمد حاج أحمد ملاك ... ... ماليزيا ... الشيخ يحي الحاج عثمان ... نائب القائم بأعمال مدير مركز الدراسات الإسلامية العالية بمدينة كلنتن 56 ... محاديب ... الشيخ إسماعيل محمد علي ... 57 ... مدغشقر ... الشيخ أبو بكر عبد الله جمل الليل ... 58 ... مصر ... الشيخ حسنين محمد مخلوف ... مفتي الديار المصرية سابقاً ... مصر ... الشيخ عبد العزيز محمد عيسى ... وزير شؤون الأزهر السابق (ج. م.ع) ... مصر ... الأستاذ عمر التلمساني ... رئيس تحرير مجلة الدعوة ... مصر ... الأستاذ عنتر حشاد ... رئيس تحرير مجلة التوحيد ... مصر ... الأستاذ محمد أحمد عاشور ... رئيس تحرير مجلة الاعتصام ... مصر ... الدكتور محمد حسن فايد ... مدير جامعة الأزهر ... مصر ... الدكتور محمد حسين الذهبي ... وزير الأوقاف وشؤون الأزهر السابق (ج. م.ع) ... مصر ... الشيخ محمد علي عبد الرحيم ... رئيس جماعة أنصار السنة (ج. م.ع) ... مصر ... الشيخ محمد متولي شعراوي ... وزير الأوقاف وشؤون الأزهر (ج. م.ع) 59 ... المغرب ... الشيخ أحمد الفحصي ... من رابطة الجامعات الإسلامية

الشيخ الزبير ... القاضي بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء ... المغرب ... الدكتور عبد السلام الهراس ... الأستاذ بكلية الآداب بجامعة محمد بن عبد الله ـ فاس ـ المغرب ... المغرب ... الشيخ محمد اعراب ... داعية إسلامي ... المغرب ... الحاج محمد الحريزي ... رئيس جمعية الدعوة إلى الله في المغرب ... المغرب ... الشيخ مصطفى أحمد العلوي ... مدير دار الحديث الحسنية بالرباط 60 ... موريتانيا ... الشيخ محمد المختار جبلة ... رئيس المحكمة الابتدائية في إطار (الولاية 7) ... موريتانيا ... الشيخ محمود باه ... داعية إسلامي 61 ... موريشيوس ... الشيخ إخلاص أحمد سعيد أحمد ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ... موريشيوس ... الأستاذ حسين الدهال ... مدير الدائرة الإسلامية بموريشيوس 62 ... موزمبيق ... الشيخ أبو بكر حاج موسى إسماعيل ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 63 ... نيبال ... الشيخ محمد أيوب نيبالي ... 64 ... نيجيريا ... أبو بكر جومي ... رئيس قضاة شمال نيجيريا ... نيجيريا ... الشيخ آدم عبد الله الالوري ... مدير المركز العربي الإسلامي بأغيفي ... نيجيريا ... الشيخ سليمان نائبي والي ... ... نيجيريا ... الشيخ عبد الرحمن بن عوين ... الملحق الديني بالسفارة السعودية بنيجيريا ... نيجيريا ... الشيخ محمد المنتقي ... من علماء نيجيريا 65 ... النيجر ... الشيخ برير مختار آدم ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ... النيجر ... الشيخ نوح محمد إدريس ... مبعوث رياسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

الهند ... الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ... رئيس ندوة العلماء بلكهنو ـ الهند ... الهند ... الشيخ سعيد الرحمن الأعظمي الندوي ... مدير مجلة البعث الإسلامي ... الهند ... عبد الوحيد عبد الحق السلفي ... أمين عام الجماعة السلفية ـ بنارس الهند ... الهند ... الشيخ مختار أحمد السلفي ... عضو مجلس الشورى بالجامعة الإسلامية بتكل ... الهند ... الأستاذ منكلا عبد العزيز ... عضو جمعية التعليم لعموم مسلمي الهند في كيرالا ... الهند ... الدكتور نجاة الله صديقي ... 67 ... هولندا ... الشيخ عبد الواحد خان بوميل ... رئيس المركز الإسلامي في هولندا 68 ... الولايات المتحدة ... الدكتور إسماعيل الفاروقي ... رئيس رابطة العلماء الاجتماعيين بالولايات المتحدة وأستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة تنبل فيلادلفيا ـ بنسلفانيا ... الولايات المتحدة ... الدكتور جمال الدين البزنجي ... ... الولايات المتحدة ... الدكتور عزت جردات ... رئيس اتحاد الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية 69 ... اليابان ... الدكتور علي حسن علي السمني ... الأستاذ بقسم اللغة العربية بجامعة طوكيو للدراسات الاجتماعية 70 ... اليمن ... الشيخ عبد المجيد الزنداني ... رئيس مكتب التوجيه والإرشاد بصنعاء ... اليمن ... الشيخ عمر أحمد سيف ... من علماء اليمن ... اليمن ... الشيخ يحي لطف الغسيل ... عضو الهيئة العلمية في صنعاء 71 ... يوغندا ... الشيخ أحمد عبده مدخلي ... الملحق الديني بسفارة السعودية في يوغندا ... يوغندا ... الشيخ علي أبو بكر ميانجو ... الأمين العام لمعهد النهضة الإسلامية في يوغندا 72 ... يوغسلافيا ... الشيخ أحمد سمايلوفيتش ... رئيس المجلس الإسلامي بيوغسلافيا 73 ... اليونان ... الشيخ محمد أمين شنيك ... داعية إسلامي

من داخل المملكة

من داخل المملكة الهيئات والمؤسسات: الرياسة العامة للبحوث والإفتاء والدعوة والإرشاد: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي نائب رئيس اللجنة الدائمة للإفتاء فضيلة الشيخ عبد الله الغديان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء فضيلة الشيخ محمد ناصر العبودي الأمين العام للدعوة الإسلامية فضيلة الشيخ محمد بن قعود مدير الدعوة في الخارج فضيلة الشيخ عبد الله بن فنتوح مدير الدعوة في الداخل ودول الجزيرة الإشراف الديني بالمسجد الحرام سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رئيس الإشراف الديني بالمسجد الحرام ورئيس المجلس الأعلى للقضاء فضيلة الشيخ محمد بن سبيل نائب رئيس الإشراف الديني بالمسجد الحرام هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن حسن آل الشيخ الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الرياسة العامة لتعليم البنات: فضيلة الشيخ ناصر بن حمد الراشد الرئيس العام لتعليم البنات: رابطة العالم الإسلامي: معالي الشيخ محمد الحركان الأمين العام لرابطة العام الإسلامي معالي الشيخ محمد صالح القزاز عضو المجلس التأسيسي للرابطة فضيلة الشيخ إبراهيم الشورى مدير إدارة الثقافة بالرابطة

الحرس الوطني: فضيلة الشيخ ناصر عبد العزيز الشثري مدير الشؤون الدينية بالحرس الوطني الندوة العالمية للشباب الإسلامي: الدكتور عبد الحميد أبو سليمان الأمين العام للندوة الدكتور أحمد توتونجي الأمين العام المساعد للندوة الأستاذ محمد توفيق زناتي المؤتمر الإسلامي: الدكتور أحمد كريم جاي الأمين العام للمؤتمر البنك الإسلامي: الدكتور أحمد محمد علي رئيس مجلس إدارة البنك الجامعات: جامعة الرياض: معالي الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الفدا مدير الجامعة الدكتور مصطفى حلمي سليمان عضو هيئة التدريس بكلية التربية الدكتور أحمد أحمد غلوش عضو هيئة التدريس بكلية التربية الأستاذ محمد لطفي الصباغ عضو هيئة التدريس بكلية الآداب الدكتور أحمد العسال عضو هيئة التدريس بكلية التربية جامعة الملك عبد العزيز: معالي الدكتور محمد عمر زبير مدير الجامعة فضيلة الشيخ محمد الغزالي رئيس قسم الدعوة وأصول الدين بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالجامعة فضيلة الشيخ محمد المبارك الأستاذ والمستشار بالجامعة فضيلة الشيخ محمد محمد أبو شهبة أستاذ بالجامعة

فضيلة الشيخ سيد سابق أستاذ بالجامعة سعادة الدكتور محمد العروسي عبد القادر عضو هيئة التدريس بالجامعة الأستاذ محمد قطب أستاذ بالجامعة الأستاذ أحمد محمد جمال أستاذ الثقافة الإسلامية بالجامعة جامعة الملك محمد بن سعود الإسلامية: معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي مدير الجامعة فضيلة الشيخ مناع خليل القطان مدير المعهد العالي للقضاء فضيلة الشيخ سعود بن محمد بشر وكيل المعهد العالي للدعوة الإسلامية الدكتور محمد مرسي شامة عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية الأستاذ محمد محمد الراوي عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين جامعة البترول والمعادن: معالي الدكتور بكر عبد الله بكر مدير الجامعة جامعة الملك فيصل: سعادة الدكتور محمد سعيد القحطاني وكيل الجامعة من الوزارات: وزارة التعليم العالي: الدكتور محمود محمد سفر وكيل الوزارة الدكتور أحمد باحافظ الله عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور محمد عبد العزيز آل الشيخ عضو هيئة التدريس في جامعة الرياض

وزارة المعارف: سمو الأمير خالد بن فهد بن خالد وكيل الوزارة للشؤون التعليمية والإدارية وعضو المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية سعادة الدكتور سعود الجماز وكيل الوزارة للشؤون الفنية وعضو المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية فضيلة الشيخ محمد محمود الصواف مستشار الوزارة فضيلة الشيخ حمد الصليفيح أمين اللجنة العليا للتوعية بالوزارة وزارة الحج والأوقاف: فضيلة الشيخ محمد زكي عوض مدير التوعية بالوزارة بجدة وزارة الدفاع والطيران: فضيلة الشيخ عبد المحسن بن عبد الله آل الشيخ مدير الشؤون الدينية بالوزارة *************************** فضيلة الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة الغربية سابقاً. فضلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف ورئيس محاكم منطقة المدينة المنورة معالي الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين عضو المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين من العلماء فضيلة الشيخ عبد الرحمن الفريان من العلماء فضيلة الشيخ محمد عبد الوهاب البنا داعية إسلامي فضيلة الشيخ عبد الرحمن الدوسري داعية إسلامي فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد الزاحم مساعد رئيس محاكم منطقة المدينة المنورة فضيلة الشيخ عطية سالم قاض بالمحكمة الكبرى بالمدينة المنورة

فضيلة الشيخ بكر عبد الله أبو زيد قاض بالمحكمة الكبرى بالمدينة المنورة فضيلة الشيخ سيف بن سعيد اليماني رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة المنورة فضيلة الشيخ عبد الله بن حمد الخربوشي رئيس التوعية الإسلامية بمنطقة المدينة التعليمية الأستاذ عبد الرحمن التونسي مدير مدارس الثغر بجدة وعضو مجلس الجامعة سابقاً الأستاذ عمر عبد ربه مستشار وزارة المالية وعضو مجلس الجامعة سابقاً من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: فضيلة الدكتور محمد أمين المصري رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة فضيلة الدكتور محمد نايل عميد كلية اللغة العربية والآداب فضيلة الدكتور محمد بن حمود الوائلي عميد كلية الشريعة بالنيابة فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله المحيسن عميد كلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الشيخ عبد العزيز القويفلي عميد كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالنيابة فضيلة الشيخ محمد أمان علي عميد كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية بالنيابة فضيلة الدكتور مصطفى زيد الأستاذ بشعبة التفسير بالدراسات العليا فضيلة الدكتور سيد الحكيم الأستاذ بشعبة السنة بالدراسات العليا فضيلة الدكتور حمد عبيد الكبيسي الأستاذ المشارك بشعبة أصول الفقه بالدراسات العليا فضيلة الدكتور إبراهيم جعفر السقا عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين

فضيلة الشيخ إبراهيم محمد سرسيق المحاضر في كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية فضيلة الشيخ أبو بكر جابر الجزائري عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة فضيلة الدكتور أحمد عبد الله هاشم عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الدكتور أحمد محمود الأحمد عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الشيخ حسن متولي المحاضر بكلية الشريعة فضيلة الشيخ حماد الأنصاري عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف والدراسات لإسلامية فضيلة الدكتور طه عبد الفتاح مقلد عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الشيخ عابد توفيق الهاشمي عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الشيخ عبد الرؤوف اللبدي عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة فضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة فضيلة الشيخ عبد الكريم مراد عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الشيخ عبد الله الغنيمان عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة فضيلة الدكتور عبد المنعم محمد حسنين الأستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الدكتور علي محمد جريشة عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة فضيلة الشيخ عوض معوض إبراهيم المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الشيخ محمد شريف الزيبق المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الشيخ محمد أبو طالب شاهين عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة فضيلة الشيخ محمد محمد أبو فرحة المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الشيخ محمد المختار عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة فضيلة الشيخ محمد الوكيل عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية

فضيلة الدكتور محمد نغش عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة فضيلة الشيخ محمد مصطفى المجذوب المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الشيخ محمود عبد الوهاب فايد المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين فضيلة الدكتور محمود ميرة وكيل عمادة شؤون المكتبات بالجامعة فضيلة الشيخ زهير الخالد المدرس بالمعهد الثانوي التابع للجامعة فضيلة الشيخ سعد ندا المدرس بالمعهد الثانوي التابع للجامعة فضيلة الشيخ عبد العزيز الربيعان مدير معهد الدراسة المتوسطة التابع للجامعة الإسلامية فضيلة الشيخ عبد الفتاح عشماوي المدرس بالمعهد الثانوي التابع للجامعة

برنامج المؤتمر

برنامج المؤتمر اليوم الأول الفترة الصباحية ... برنامج المؤتمر (روعي في وضع البرنامج أن يتمكن حضرات أعضاء المؤتمر من أداء الصلوات الخمس في المسجد النبوي) اليوم الأول السبت 24/2/1397هـ ـ (12/2/1977م) فترة الصباح: الساعة: 9 تسجيل من لم يسجل من قبل من الأعضاء حفل الافتتاح بقاعة المحاضرات بالجامعة الساعة:4:30 ـ 6 مساء القرآن الكريم كلمة صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز ولي العهد، ونائب رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأعلى للجامعة كلمة معالي وزير التعليم العالي الشيخ حسن عبد الله آل الشيخ كلمة الجامعة لفضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد نائب رئيس الجامعة كلمة أعضاء المؤتمر الساعة:6:30 (عقب صلاة المغرب) حفل عشاء: تقيمه الجامعة الإسلامية على شرف سمو ولي العهد والرئيس الأعلى للجامعة تكريما لأعضاء المؤتمر

اليوم الثاني

اليوم الثاني فترة الصباح ... اليوم الثاني الأحد 25/2/1397هـ ـ (13/2/1977م) فترة الصباح: الساعة: 8:30 إلى 9:30 اجتماع عام لأعضاء المؤتمر لاختيار رئيس المؤتمر ونائب الرئيس والمقرر العام الساعة: 10 إلى 11:30 اجتماع اللجان، وفي بدايته يتم انتخاب الرئيس والمقرر لكل لجنة (ب) عقب صلاة العشاء: الساعة: 8:30 إلى 10:30 ندوة علمية يشترك فيها عدد من أعضاء المؤتمر موضوعها: إعداد الداعية

فترة المساء

فترة المساء: (أ) عقب صلاة المغرب: زيارة مسجد قباء والصلاة فيه (ب) عقب صلاة العشاء: الساعة: 8:30 إلأى 10:30 محاضرة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. موضوعها: أهم ما يدعو إليه الداعية المسلم. ثم مناقشة.

اليوم الثالث

اليوم الثالث فترة الصباح ... اليوم الثالث الاثنين 26/2/1397هـ ـ (14/2/1977م) فترة الصباح: الساعة: 8:30 إلى 11:30 اجتماع اللجان

فترة المساء

فترة المساء: (أ) عقب صلاة العصر: زيارة شهداء أحد.

اليوم الرابع

اليوم الرابع فترة الصباح ... اليوم الرابع الثلاثاء 27/2/1397هـ ـ (15/2/1977م) فترة الصباح: الساعة: 8:30 إلى 11:30 اجتماع اللجان

فترة المساء

فترة المساء: (أ) عقب صلاة العصر: زيارة البقيع (ب) عقب صلاة العشاء: الساعة: 8:30 إلى 10:30 * كلمة لسماحة الشيخ عبد الله بن حميد رئيس الإشراف الديني بالمسجد الحرام ورئيس المجلس الأعلى للقضاء * محاضرة للأستاذ محمد قطب الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز موضوعها: المستشرقون والإسلام.

اليوم الخامس

اليوم الخامس فترة الصباح ... اليوم الخامس الأربعاء 28/2/1397هـ ـ (16/2/1977م) فترة الصباح: الساعة: 8:30 إلى 11:30 اجتماع اللجان

فترة المساء

فترة المساء: عقب صلاة العشاء: الساعة: 8:30 إلى 11:30 ندوة علمية يشترك فيها عدد من أعضاء المؤتمر. وموضوعها: من مشاكل الدعوة

اليوم السادس

اليوم السادس فترة الصباح ... اليوم السادس الخميس 29/2/1397هـ ـ (17/2/1977م) فترة الصباح: الساعة: 8:30 إلى 10:30 اجتماع عام لإقرار التوصيات حفل غداء تقيمه الجامعة تكريما لأعضاء المؤتمر الساعة 2 بعد الظهر

فترة المساء

فترة المساء: الإجتماع الختامي (البرنامج) القرآن الكريم كلمة رئيس المؤتمر كلمة الجامعة كلمة أعضاء المؤتمر تلاوة التوصيات

يوم الجمعة

يوم الجمعة (30 صفر 1397هـ) صلاة الجمعة بالمسجد النبوي الشريف ثم توجه الأعضاء القادمين من خارج المملكة إلى جدة ومنها إلى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة.

ويتوجه وفد يمثل أعضاء المؤتمر إلى الرياض للسلام على جلالة الملك المعظم خالد بن عبد العزيز حفظه الله وعلى صاحب السمو الملكي ولي العهد المكرم الأمير فهد بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حفظه الله ـ وشكرهما على رعايتهما الكريمة (للمؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعدادا الدعاة) وتبنيهما ودعمهما للتضامن الإسلامي. ثم التوجه من الرياض إلى جدة فمكة المكرمة لأداء مناسك العمرة. ومن جدة يسافر حضرات الأعضاء إلى بلادهم في رعاية الله عز وجل. شكر الله ـ عز وجل ـ جهود الجميع، وأحسن جزاءهم وأمدهم بتوفيقه وأعانهم على نصرة دينه وإعلاء كلمته. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه المهتدين بهديه والداعين بدعوته إلى يوم الدين.

من بحوث المؤتمر

من بحوث المؤتمر بعض سمات الدعوة في هذا العصر لفضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي بعض سمات الدعوة في هذا العصر ... بعض سمات الدعوة في هذا العصر لفضيلة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رئيس جمعية ندوة العلماء في لكهنو (بالهند) الحمد رب لله العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد وآله وصحبه أجمعين ومن أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد فإنني سأتحدث في هذه المناسبة الكريمة وهي ((دورة مؤتمر الدعوة)) التي تعقدها الجامعة الإسلامية في مدرسة الدعوة الإسلامية الأولى ومنطلق الدعاة إلى الله في العالم (المدينة المنورة) عن بعض السمات البارزة التي يجب أن تتسم بها الدعوة والدعاة في هذا العصر حتى يستطيعوا أن يقوموا بدور الدعوة في أتم وجه ويبلغوا رسالة الرسل عليهم السلام ويؤثروا التأثير المطلوب أما الدعوة الإسلامية فيجب أن تكون هذه الدعوة جامعة بين تحريك الإيمان في نفوس المخاطبين والمجتمع الإسلامي وإثارة الشعور الديني، وبين إكمال الوعي وتنميته وتربيته، فإن المتتبع لأحوال العالم الإسلامي اليوم وواقع الأقطار الإسلامية وحكوماتها وشعوبها يعرف أن تمسك هذه الشعوب والجماهير بالإسلام وحبها له هو الحاجز السميك والسد المنيع لكثير من القيادات التي خضع للحضارة الغربيةوقيمها ومفاهيمها، وفلسفاتها ونظمها، وآمنت بها إيمانا كإيمان المتدينين بالديانات المؤمنين بالشرائع السماوية، وفقدت الثقة بصلاحية الإسلام لمسايرة العصر الحديث وتطوراته وأحداثه، وكرسالة خالدة عالمية، فإسلام هذه الشعوب والمجتمعات وكونها لا تفهم إلا لغة الإيمان والقرآن ولا تندفع إلا لما يجيء عن طريقهما، ولما يمس قلبها ويخاطب ضميرها، يعوق كثيرا من هذه القيادات عن نبذ الإسلام نبذا كليا وإعلان الحرب عليه، وقد لجأ بعض هذه القيادات في ساعات عصبية إلى إثارة هذا الإيمان والحماس الديني، واستخدامهما لكسب المعركة أو الإنتصار على العدو حين رأت أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وإلى إيمان هذه

الشعوب السليمة المؤمنة، فرفعت هتفات التكبير)) الجهاد ((و)) الشهادة ((في سبيل الله، ومحاربة العدو الكافر المهاجم كما فعلت الجزائر في حربها مع الفرنسيين وباكستان في حرب 1965م وجربت فائدة هذا الإيمان وقوة هذه العاطفة. فأصبح إيمان هذه الشعوب وتمسكها بالإسلام وتحمسها له، هو السور القوي العاي الذي يعتمد عليه في بقاء هذه البلاد، وكثير من القيادات والحكومات الإسلامية في حظيرة الإسلام، فإذا تهدم هذا السور ـ لا سمح الله بذلك ـ أو تسوره دعاة الكفر واللادينية، أو تيار الردة الفكرية والحضارية فالخطر كل الخطر على الإسلام في هذه البلاد، ولا يمنع هؤولاء القادة المحاربين للإسلام، والمضمرين له العداء والحقد شيء من أن يخلعوا العذار ويطرحوا الحشمة والتكلف، ويجردوا هذه الأقطار والشعوب العريقة في الإسلام من كل ما يمد إلى الإسلام بصلة، فإن الشيء الوحيد الذي يخافون معرته، ويحسبون له حسابا هو ثورة هذه الشعوب على هذه القيادات بدافع الإيمان والحماس الإسلامي، فيفقدهم ذلك ما يتمتعون به من كراسي الحكم ومركز القيادة، فإذا زال الحاجز لم يقف في وجههم شيء. إذن فيجب على دعاة الإسلام والعاملين في مجال الدعوة الإسلامية الإحتفاظ بهذه البقية الباقية من الإيمان في نفوس الشعوب والجماهير، والمحافظة على الجمرة الإيمانية من أن تنطفي. ولا يصح الإقتصار على تحريك الإيمان، وإثارة العاطفة الدينية في نفوس الشعوب والجماهير، بل يجب أن تضم إليه تنمية الوعي الصحيح وتربيته والفهم للحقائق والقضايا، والتمييز بين الصديق والعدو وعدم الإنخداع بالشعارات والمظاهر، فقد رأينا أن الشعوب التي يضعف فيها هذا الوعي أو تحرمه يتسلط عليها ـ رغم تمسكها بالإسلام وحبها له ـ قائد منافق، أو زعيم ماكر أو عدو جبار، فيصفق له الشعب بكل حرارة ويسير في ركابه1، فيسوقها بالعصا سوق الراعي لقطعان من الغنم، لا تعقل ولا تملك من أمرها شيأ، ولا يمنعها تمسكها بالإسلام وحبها له من أن تكون فريسة سهلة أو لقمة سائغة للقيادات اللادينية أو المؤامرات ضد الإسلام. وقد كان ما يمتاز به المجتمع الإسلامي

_ 1 كما وقع في مصر في عهد جمال عبد الناصر.

الأول المثالي الصحابة رضي الله عنهم بفضل التربية النبوية الدقيقة الشاملة الجمع بين الدين المتين الذي لا مغمز فيه، والإيمان القوي الذي لا يعتريه وهن، وبين الوعي الناضج الكامل فكانوا لا يخدعون ولا ينخدعون، ولا يسيغون شيأ ينافي الإسلام وينافي العقل، والذي يضرهم ويجني عليهم أو يوقعهم في خطر أو تهلكة، قد بلغوا من الرشد واستكملوا الحصافة والنضج، فلا يؤخذون على غرة ولا يقعون في شرك ينصبه العدو الماكر، يخطئون ولا يصرون، ولا تتكر منهم غلطات وتورطات، وقد جاء في حديث صحيح " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " بخلاف الشعوب الفاقدة الوعي فهي تلدغ مرة بعد مرة، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذهم بتربية وتعاليم أمنوا بها عن الوقوع في الشباك، وامتنعوا بها عن قبول ما لا يتفق مع تعاليم الإسلام, وآدابه والفطر السليمة والعقول المستقيمة، فكان مجتمعا نمودجيا مثاليا في كل شيء. أعرض لكم ـ على سبيل المثال ـ مثالين من هذا العقل الحصيف والوعي الكامل: الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما " وهو مثل جاهلي قديم وعرف من أعراف العرب الأولين، تمسك به العرب في جاهليتهم كما قال العلامة الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث في كتابه الجليل فتح الباري فكان المتوقع المعقول أن يتلقاه الصحابة ـ وقد نشأووا في الجاهلية وعاشوا في الجزيرة ـ إما بالقبول وإما بالسكوت. وقد صدر هذا الكلام من النبي المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} . وقد عرف حبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم وفداؤهم له بالنفس والنفيس، وكان حبا لا نظير له في تاريخ الديانات والرسالات، وفي تاريخ الحب والطاعة العالمي، وكان تفسيرا للحديث المشهور "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وولده والناس أجمعين" وجاء في بعض الروايات من نفسه ولكن كل ذلك لم يمنعهم كم التساؤل أو الإستيضاح فإن ظاهر الكلام كان ينافي ما فهموه من تعليم الإسلام وما شاهدوه من تربية الرسول وأخلاقه، وما آمنوا به من مبدأ الإنصاف والمساواة وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} وقوله تعالى {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا

اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} . فقالوا يا رسول الله، هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ هنالك فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسيرا يتفق مع تعاليمه السابقة الدائمة فقال "تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه1 ". هنالك إقتنع الصحابة رضي الله عنهم، وشفيت صدورهم، فازدادوا إيمانا على إيمان، وهو مثال بليغ رائع من أمثلة الوعي الإيماني العقلي الذي كان شعارا لصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم والصدر الأول. والمثال الثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل سرية، وأمر الصحابة بطاعة الأمير، وقد كان في هذه السرية ما لم يرض الأمير، وشك في انقيادهم له فأمر بالحطب، فجمع، وأمر بالنار فأشعلت ثم قال خوضوها، فامتنع الصحابة رضي الله عنهم عن طاعته في ذلك لأنه " لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق" وقالوا إنما فررنا من النار ولما رجع إلى المدينة شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصوب فعلهم وقال "لو دخلوا فيها لم يزالوا فيها" وقال: "لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف" 2. وكانت نتيجة ضعف بعض الشعوب المسلمة القوية في إيمانها، الغنية في مظاهرها الإيمانية ومراكزها الدينية وثروتها العلمية، أنها كانت فريسة سهلة للهتافات الجاهلية والنعرات القومية أو العصبيات اللغوية والثقافية، ولعبة القيادات الداهية والمؤامرات الأجنبية، وذهبت ضحية سذاجتها وضعفها في الوعي الديني، والعقل الإيماني كما وقع في باكستان الشرقية في (197م) قامت فيها مجزرة إنسانية هائلة، وما ذلك إلا بسحر دعوات العصبية اللغوية والعصبية الوطنية على هذا الشعب المسلم، المؤمن الذي كان له تاريخ مجيد في البطولات الإسلامية وخدمة الإسلام والعلم، ونهض فيه علماء كبار ودعاة إلى الله، وغصت بلادها بالمساجد والمدارس وكانت عاصفة هوجاء هبت ثم ركدت، ونار حامية التهبت ثم انطفأت، ولكنها زلزلت أركان الإسلام في هذه المنطقة، وأضعفت الكيان الإسلامي، وكانت حجة لأعداء الإسلام الذين يقولون إن الإسلام لا يستطيع أن يقاوم العصبيات القومية ولا يقتلع جذورها من نفوس أتباعه.

_ 1 ـ حديث متفق عليه.. 2 ـ إقرأ القصة بطولها في سنن أبي داود كتاب الجهاد..

وواجب ثالث مقدس من واجبات العاملين في مجال الدعوة الإسلامية هو صيانة الحقائق الدينية والمفاهيم الإسلامية من التحريف، وإخضاعها للتصورات العصرية الغربية، أو المصطلحات السياسية والاقتصادية التي نشأت في أجواء خاصة، وبيئات مختلفة ولها خلفيات وعوامل وتاريخ، وهي خاضعة دائما للتطور والتغيير، فيجب أن نغار على هذه الحقائق الدينية والمصطلحات الإسلامية غيرتنا على المقدسات وعلى الأعراض والكرامات بل أكثر منها وأشد، لأنها حصون الإسلام المنيعة وحماه وشعائره، وإخضاعها للتصورات الحديثة وتفسيرها بالمصطلحات الأجنبية إساءة إليها لا إحسان، وإضعاف لها لا تقوية وتعريض للخطر لا حصانة ونزول بها إلى المستوى الواطي المنخفض لا رفع لشأنها كما يتصور كثير من الناس، فإذا قلنا الحج مؤتمر إسلامي عالمي، لم ننصف الحج ولم ننصف لمن نخاطبه ونريد أن نفهمه حقيقة الحج وروحه ولما شرع له ولم ننصح لكليهما، وإن روح الحج وسر تشريعه غير ما يعقد له المؤتمرات صباح مساء، ولو كان الحج مؤتمراً إسلامياً عالميا لكان له شأن ونظام غير هذا النظام، وجو غير هذا الجو، ولكان النداء له مقصور على طبقات مثقفة واعية فقط وعلى قادة الرأي وزعماء المسلمين1. كذلك حقيقة العبادة وحقيقة الصلاة، وحقيقة الزكاة والصوم، فلا يجوز العبث بهذه المصطلحات والتجني عليها، وإخضاعها للفلسفات الجديدة، وتفسيرها بالشيء الذي لا ثقة به ولا قرار له، وقد استخدمت هذه)) الإستراتيجية الدعائية ((الباطنية في القرن الخامس الهجري فما بعده ففسروا المصطلحات الدينية بما شأوا وشأت أهوائهم ومصالحهم وتفننوا فيه، وأتوا بالعجب العجاب، وحققوا به غرضهم من إزالة الثقة بهذه الكلمات المتواترة التي هي أسوار الشريعة الإسلامية وحصونها، وشعائرها، ونشر الفوضى في المجتمع الإسلامي، والجماهير المسلمة، وإذا فقدت هذه الكلمات التي توارثت فهمها الأجيال المسلمة وتواتر في المسلمين وأصبح فيها مساغ لكل داع إلى نحلة جديدة، ورأي شاذ، وقول طريف، فقد أصبحت قلعة الإسلام مفتوحة لكل مهاجم ولكل منافق، وزالت الثقة بالقرآن والحديث واللغة العربية، وجاز

_ 1 ـ راجع معرفة أسرار الحج ومقاصد الشريعة الإسلامية فيه في كتابنا الأركان الأربعة.

لكل قائل أن يقول ما شاء ويدعو إلى ما شاء، وهذه فتنة لا تساويها فتنة وخطر لا يكلفئه خطر. إن مفاهيم هذه الكلمات معينة على اتساع بلاغتها وعمقها وكثرة معانيها وإن الأمة توارثت هذه المفاهيم المعينة كما توارثت أشكال الصلاة والصوم والحج ونظمها الظاهرة، وتناقلتها وحافظت عليها من غير أقل انقطاع أو أقصر فترة، وإنه معنى قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} وهو معنى الحديث المشهور الذي صح معناه "لا تجتمع أمتي على الضلالة" 1 وقد أثبت شيخ الإسلام ابن تيمية أن سنة واحدة من السنن الكثيرة لم ترفع من هذه الأمة بشكل كلي، وإنها لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق. والكلمات هي الوسيلة الوحيدة لنقل المعاني والحقائق من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر، ومن إنسان إلى إنسان، فإذا وقع الشك في مدلول هذه الكلمات ومصداقها، أو صار التلاعب بها هيناً اضطربت دعائم الدين وتزلزلت أركانه، وهذا يعم التاريخ والشعر والأدب، لذلك كانت الفوضى اللغوية Liguistic Anarchy أشد خطراً وأكثر ضراراً من الفوضى السياسية Political Anarchy 2 وليست قضية الأسماء والمصطلحات من البساطة بالمكان الذي يتصوره كثير من الناس، فإنها تؤثر في النفس تأثيراً خاصاً، وتثير معاني وأحاسيس ذات صلة بالماضي وذات صلة بالعقائد والأعراف أحياناً، ولذلك كره رسول لله صلى الله عليه وسلم أن يقال)) العتمة ((مكان العشاء، ويوم العروبة بدل الجمعة، واستبدال كلمة يثرب بمدينة الرسول أو بالمدينة، ولها أمثلة أخرى في الشريعة الإسلامية. وكذلك أحذركم أيها الإخوان مما لوحظ من بعض الكتاب من الضغط على

_ 1 ـ انظر البحث في هذا الحديث في كتابنا "النبوة والأنبياء ". 2 ـ ومن أمثلة هذا التلاعب بالمصطلحات الدينية، أن أستاذا في إحدى جامعات الهند الكبرى، وهو يدرس اللغة العربية وآدابها، ألقى محاضرة في دورة مؤتمر الدراسات الإسلامية الأخيرة قال فيها أن المراد بكلمة الصلاة حيث وردت في القرآن مطلقة الحكومة المحلية أو الإقليمية والمراد بالصلاة الوسطى الحكومة المركزية أو الخلافة العامة وكان المقال باللغة العربية، وقد رددت عليه في حينه وقلت في تعليقي عليه أنه تلاعب بالقرآن وبالعقل وتمهيد لفوضى لغوية فكرية، وفتح الباب للإلحاد على مصراعيه، ونالت هذه الكلمة رضا المستمعين وتلقوها بالقبول والاستحسان..

أن هذه الأركان الدينية وفرائض الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائل لا غايات، إنما شرعت لإقامة الحكم الإسلامي وتنظيم المجتمع المسلم، وتقويته وأحذركم من كل ما يحط من شأن روح العبادة والصلة بين العبد وربه وامتثال الأمر، ومن التوسع في بيان فوائدها الخلقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية أحياناً توسعاً يخيل للمخاطب أو القارئ أنها أساليب تربوية أو عسكرية أو تنظيمية، قيمتها ما يعود منها على المجتمع من قوة ونظام أو صحة بدنية وفوائد طبية فإن أول أضرار هذا الأسلوب من التفكير أو التفسير أنه يفقد هذه العبادات قيمتها وقوتها وهو امتثال أمر الله وطلب رضاه بذلك، والإيمان والاحتساب والقرب عند الله تعالى، وهي خسارة عظيمة لا تعوض بأي فائدة، وفراغ لا يملأ بأي شيء في الدنيا. والضرر الثاني أنه لو توصل أحد المشرعين أو الحكماء المربين إلى أساليب أخرى قد تكون أنفع لتحقيق هذه الأغراض الاجتماعية أو التنظيمية أو الطبية لاستغنى كثير من الذين آمنوا بهذه الفوائد عن الأركان والعبادات الشرعية، وتمسكوا بهذه الأساليب أو التجارب الجديدة، وبذلك يكون الدين دائما معرضاً للخطر ولعبة للعابثين والمحرفين. وهذا لا ينافي الغوص في أعماق هذه الأركان والأحكام والحقائق الدينية، والكشف عن أسرارها وفوائدها الاجتماعية، وقد أفاض علماء الإسلام قديماً وحديثاً في بيان مقاصد الشريعة الإسلامية وأسرار العبادات والفرائض والأحكام الشرعية، وألفوا كتباً مستقلة وكتبوا بحوثاً جليلة، كالغزالي والخطابي وعز الدين بن عبد السلام وابن القيم الجوزية، وأحمد بن عبد الرحيم الدهلوي ولكن كل ذلك من غير تحريف لحقيقة هذه العبادات والأحكام والغاية الأولى التي شرعت لها، وهي امتثال الأمر الإلهي، والتقرب إليه بذلك والإيمان والاحتساب فيها ومن غير إخضاع لها للفلسفات العجمية أو الأجنبية في عصرهم ومن غير خضوع بسحرها وبريقها. وأحذركم ثانية أيها الشباب من كل ما يقلل من شناعة الوثنية العقائدية والشرك الجلي من عبادة غير الله والسجود له وتقديم النذور والقرابين وإشراكه في صفات الله من قدرة علم وتصرف وإماتة وإحياء، وإسعاد وإشقاء، وأحذركم من الاكتفاء بالتركيز على شناعة الخضوع للحكومات والنظم الإنسانية والتشريعات البشرية وتحويل،

حق التشريع للإنسان، وأن ذلك وحده هو عبادة الطاغوت والشرك وأن الوثنية الأولى وعبادة غير الله قد فقدت أهميتها، وإنما كانت لها الأهمية في العصر القديم العصر البدائي، وأنه لا يقبل عليها الآن الرجل الجاهل الذي لا ثقافة له، ففضلاً عن أن هذه الوثنية والشرك الجلي لا يزال له شيوع وانتشار، ودولة وصولة يجربه كل إنسان في كل زمان ومكان، فإنها الغاية الأولى التي بعث لها الأنبياء وأنزلت لها الكتب السماوية، وقامت لها سوق الجنة والنار، وكانت دعوة جميع الأنبياء تنطلق من هذه النقطة، وكانت جهودهم مركزة على محاربة هذه الجاهلية والقرآن مملوء بذلك بحيث لا يقبل تأويلاً 1. وإن كل ما يقال من أهمية محاربة الشرك الجلي وعبادة غير الله سواء أكانوا أشخاصاً أو أرواحاً، أو ضرائح ومشاهد، والعناية بمحاربة النظم والتشريعات والحكومات فحسب إحباط لجهود الأنبياء واتجاه بهذا الدين عن منهجه القديم السماوي إلى المنهج الجديد السياسي وهو تحريف لا محالة هذا من غير أن أقلل من قيمة التركيز على أن التشريع لله وحده، وله الحكم والأمر وحده وأن من يدعو إلى طاعة نفسه الطاعة المطلقة العمياء منافس للرب وطاغوت، وأنه يجب أن يدعى إلى التشريع الإلهي وإلى إقامة الحكم الإسلامي القائم على منهاج الكتاب والسنة ومنهاج الخلافة الراشدة وأن لا يدخر سعي في ذلك على حساب الدعوة إلى التوحيد والدين الخالص ومحاربة الوثنية والشرك، فإنها لا تزال في الدرجة الأولى وهي أكثر انتشاراً، وأعظم خطراً في الدنيا والآخرة، فقد قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} وقد قال {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} .. أما ما يتصل بصفات العاملين في مجال الدعوة الإسلامية وجنود الدعوة إلى الله، فإني أركز في هذا الحديث على نقطة واحدة، وهو يجب أن يكون الدعاة يمتازون عن الدهماء والجماهير، ودعاة النظم

_ 1 اقرأ على سبيل المثال سورة الأعراف وسورة هود وسورة الشعراء والحديث عن كل نبي ودعوته.

الجديدة والفلسفات الجديدة، والفلسفات السياسية والاقصادية بقوة إيمانهم وحرارة قلوبهم، وزهدهم في زخارف الدنيا وفضول العيش ونهامة للمادة، ومرض التكاثر، فإنهم لا يستطيعون أن يؤثروا فيمن يخاطبونهم، ويحملوهم على إيثار الدين على الدنيا والآجلة على العاجلة، وتلبية نداء الضمير والإيمان على نداء المعدة والنفس والشهوات، وإشعال مجامر قلوبهم التي انطفأت أو كادت تنطفئ، إلا إذا شعر الناس فيهم بشيء لا يجدونه في قلوبهم وحياتهم، فإن الناس ما زالوا ولا يزالون مفطورين على الإجلال لشيء لا يجدونه عندهم، فالضعيف مفطور على احترام القوي، والفقير مفطور على احترام الغني، والأمي مفطور على احترام العالم، حتى اللئيم مفطور على احترام الكريم، أما إذا رأى الناس علماء ودعاة لا يقلون عنهم في حب المادة والجري ورائها والتنافس في الوظائف والمناصب والإكثار من الثراء والرخاء، والتوسع في المطاعم والمشارب، وخفض العيش ولين الحياة، فإنهم لا يرون لهم فضلاً عليهم وحقاً في الدعوة إلى الله، وإيثار الآخرة على الدنيا، والتمرد على الشهوات، والتماسك أمام المغريات، وقد قيل)) إن فاقد الشيء لا يعطيه ((وكذلك القلب الخاوي لا يملأ آخر بالإيمان والحنا، وأن الموت لا ينشأ الحياة. وأن البرودة لا تعطي الحرارة وأن الرماد الذي لا تكمن فيه جمرة لا يلهب القلوب الخامدة ولا يحي النفوس الميتة، والكشاف لا ينير الطريق إذا كانت قد نفذت شحنته، فلا بد أن تشحن القلوب بشحنة جديدة، وإذا كانت بطارية من غير شحنة كانت أقل عناء وقيمة من عصا يحملها الإنسان فقيمة البطارية الشحنة وقيمة الشحنة النور، فإذا لم تكن شحنة أو كانت شحنة ولا نور فالعصا خير منه. أسألكم أيها الإخوة أليس هذا العصر هو العصر الذي انتشر فيه العلم وكثرت فيه وسائل الإعلام والتربية، وازدهرت فيه الخطابة والكتابة، وبلغت حد الشعر والسحر، وعمت الجامعات في كل مكان، وتدفق السيل من المطبوعات والمنشورات من المطابع ودور النشر، ونبغ فيها علماء وباحثون ووعاظ ومرشدون. فلماذا فقد العلماء والموجهون التأثير في النفوس والقلوب في صد تيار المادية أو الاستغلال والجشع والنهامة للمال؟ هذه البلاد العربية بما فيه البلاد المقدسة أصبحت مصداقاً لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى خطبه قبل وفاته

"ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخاف أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ". وأخوف ما نخافأن تكتسح هذه البلاد الموجة العارمة من التكاثر في الأموال، واستغلال حاجة الناس وضعفهم والانتهازية، وهي الموجة التي لا تعرف الرحمة والهوادة، ومكارم الأخلاق التي عرف بها العرب في العصر الجاهلي، وربما يعود ذلك خطراً كبيراً على الحج ومركزه، ويمكن أن يشكل محنة للوافدين إليه، فيضطر الدعاة في صد هذه الموجة إلى مكافحة خلقية وحملة دعوية تربوية تنظم لإصلاح الحال، وإيقاظ الضمير وإثارة الغيرة الإسلامية والشعور النبيل، وتنطلق من المنابر والصحف، والإذاعة ووسائل الإعلام، وتجند لها الطاقات والألسن والأقلام. وسمة الدعوات الحية المخلصة التي تقتبس النور من مشكاة النبوة، وتسير على نهجها، أنها تجس نبض المجتمع جسا صحيحا أمينا، وتهتدي إلى الداء الحقيقي ومواضع الضعف في جسم هذا المجتمع، وتضع أصبعها عليها، وتضرب على الوتر الحساس، من غير محاباة أو مداهنة، ولا تكترث بألم هذا المجتمع أو ملامه، كما فعل شعيب في دعوته، فوجه دعوته ـ بعد الدعوة إلى التوحيد ـ إلى ايفاء الكيل والوزن بالقسطاس المستقيم، وشنع على التطفيف، إذ كان ذلك عيب المجتمع الذي بعث فيه، وسمته البارزة، وكذلك فعل غيره من الأنبياء. وهذه كانت سنة الدعاة إلى الله من المخلصين الربانيين في تاريخ الإسلام، فكانوا ينتقدون المجتمع في الصميم، ويصيبون المحز، ولذلك كان وقع كلامهم في النفوس عظيما وعميقا، وما كان يسع المجتمع أن يتاغفل عنهم أو يمر بهم مرا سريعا، أو يسلي نفسه بأنه إنما يعنون غيره من المجتمعات التي لم تخلق بعد، وهذا كان شأن الحسن البصري في مواعظه إذ كان دائماً يشير إلى النفاق الذي داء المجتمع الإسلامي، وهو في أوج مجده ورخائه، ويذم حب الدنيا وطول الأمل، وهذا كان شأن الشيخ عبد القادر الكيلاني، فيدعو إلى التوحيد الخالص وقطع الرجاء، والخوف من غير الله وأنه لا يضر ولا ينفع سواه، أن الناس كانوا قد ربطوا مصيرهم بالخلفاء والأمراء وأصحاب الحول والطول والأمر والنهي في العاصمة، وهذا كان شأن

ابن الجوزي في مواعظه، الساحرة، ومجالسة المزحومة، فإنه كان يشنع على الحياة اللاهية الماجنة التي كان يحياها كثير من الناس في بغداد، وعلى الذنوب والمعاصي التي كانت تقترف جهاراً، والمنكرات التي شاعت، فكان مئات وآلاف من الناس يتوبون ويقلعون عن الذنوب وكان نشيج يعلو وقلوب ترق، وعيون تدفع، وموجة من الإنابة والرقة تكتسح الجموع الحاشدة لأنه كان يمس القلوب ويصور الواقع، ولا يكتفي بالكلام العام والوعظ التقليدي1. وهنا أنقل إليكم قطعة من كتابنا)) رجال الفكر والدعوة في الإسلام ((والمؤلف يتحدث عن الإمام أحمد بن حنبل وزهده. وقد رأينا الزهد والتجديد مترافقين في تاريخ الإسلام، فلا نعرف أحداً ممن قلب التيار وغير مجرى التاريخ ونفخ روحاً جديدة في المجتمع الإسلامي أو فتح عهداً جديدا في تاريخ الإسلام، وخلف تراثاً خالداً في العلم والفكر والدين، وظل قروناً يؤثر في الأفكار والآراء، ويسيطر على العلم والأدب إلا وله نزعة في الزهد، وتغلب على الشهوات، وسيطرة على المادة ورجالها ولعل السر في ذلك أن الزهد يكسب الإنسان قوة المقاومة، والاعتداد بالشخصية والعقيدة، والاستهانة برجال المادة وبصرعى الشهوات، وأسرى المعدة، ولذلك ترى كثيراً من العبقريين والنوابغ في الأمم، كانوا زهاداً في الحياة، متمردين على الشهوات، وبعيدين على الملوك والأمراء والأغنياء في زمانهم، ولأن الزهد يثير في النفس كوامن القوة، يشعل المواهب، ويلهب الروح، وبالعكس إن الدعة والرخاوة تبلد الحس وتنيم النفس وتميت القلب. وهناك تعليلات أخرى يوافق عليها علم النفس وعلم الأخلاق، ولا أطيل بذكرها، وأقتصر على هذه الملاحظة التاريخية، وألح على أن منصب التجديد والبعث الجديد يتطلب لا محالة زهداً وترفعا عن المطامع وسفاف الأمور ويأبى الاندفاع إلى التيارات، ويتنافى مع الحياة الوادعة الرخية والعيشة الباذخة الثرية، إنما هو خلافة للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وقد قيل له، {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً

_ 1 ـ اقرأ تفاصيل مجالس ابن الجوزي وتأثيرها في كتاب صيد الخاطر ورحلة ابن جبير.

مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} وأمر بأن يقول لأزواجه {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} وهذه سنة الله فيمن يختاره لهذا الأمر العظيم، ومن يرشح نفسه ويمنيها بهذا المنصب الخطير، ولن تجد لسنة الله تحويلاً1. ومن أبرز سمات الدعوة التي يقوم بها الأنبياء وخلفاءهم أنها تقوم على الإيمان بالآخرة والتحذير من عقابها والترغيب في نعمائها وثوابها ويكون مناط العمل فيها الإيمان والاحتساب والآخرة والثواب، لا على الإغراء بالفوائد الدنيوية والجاه والمنصب والمال والملك فإنه أساس ضعيف منهار ولا يتفق مع طبيعة دعوات الأنبياء، والمساومة فيه سهلة، وقد يملك أعدائهم وخصومهم والقادة السياسيون مثله أو أكثر منه، ومن رضع بلبان هذه المطامع لم يمكن فطامه عنها، ولا يصح الاعتماد عليه، وإنما يبنون دعوتهم على رضى الله وثوابه وما أعده لعباده المؤمنين وما وعدهم به على لسان أنبياءه، من نعيم لا يزول ولا يحول والصحف السماوية ـ غير صحف العهد القديم التوراة ـ2 مملوءة بالحديث عن الآخرة والاهتمام بها والبناء عليها وقد جعل الإسلام والإيمان بها عقيدة أساسية شرطاً لصحة الإيمان والنجاة وقد جاء في القرآن صريحاً {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} . وهنا أستعير لنفسي من نفسي ما قلته في إحدى المحاضرات التي ألقيتها في هذه الجامعة العزيزة سنة 1382 هـ تحت عنوان)) النبوة والأنبياء في ضوء القرآن ((وأختم به هذا الحديث مؤملاً في أن تكون هذه السمات التي تحدثت عنها شعار الدعوة التي يقوم بها الدعاة المتخرجون من هذه الجامعة أو القائمون بأعبائها في كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي، قلت وأنا أتحدث عن الفرق بين منهج الدعوات النبوية وبين الدعوات الإصلاحية. ولم تكن دعوة الأنبياء إلى الإيمان بالآخرة أو الإشادة بها كضرورة خلقية أو كحاجة إصلاحية لا يقوم بغيرها مجتمع فاضل ومدنية صالحة فضلاً عن المجتمع الإسلامي. وهذا وإن كان

_ 1 ـ رجال الفكر والدعوة الجزء الأول ترجمة الإمام أحمد بن حنبل ص 132. 2 فقد تجردت بعد التحريف من ذكر الآخرة ونعمائها والترغيب فيها بطريقة عجيبة.

يستحق التقدير والإعجاب ولكنه يختلف عن منهج الأنبياء وسيرتهم ومنهج خلفائهم اختلافاً واضحاً. والفرق بينهما أن الأول منهج الأنبياء إيمان ووجدان، وشعور وعاطفة وعقيدة تملك على الإنسان مشاعره، وتفكيره وتصرفاته، والثاني اعتراف وتقدير وقانون مرسوم وأن الأولين يتكلمون عن الآخرة باندفاع والتذاذ ويدعون إليها بحماسة وقوة وآخرون يتكلمون عنها بقدر الضرورة الخلقية والحاجة الاجتماعية وبدافع من الإصلاح والتنظيم الخلقي، وشتان ما بين الوجدان والعاطفة وبين الخضوع للمنطق والمصالح الاجتماعية.

كيفية إعداد الداعية للدكتور أحمد أحمد غلوش

كيفية إعداد الداعية للدكتور أحمد أحمد غلوش تمهيد ... كيفية إعداد الداعية للدكتور أحمد أحمد غلوش عضو هيئة التدريس بكلية التربية بجامعة الرياض تمهيد: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد … فإن أحسن القول الدعوة إلى الله تعالى، وأفضل الأعمال ما يؤدي إلى فهم الدين، وتطبيقه، وتبليغه للناس وصدق الله تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} . ولهذا كان مؤتمر الدعوة الإسلامية من الأعمال الفاضلة التي تبعث الرضى في نفوس المسلمين الصادقين حيث يرون أمتهم وهي تخطط لنشر دينها وتدرس المشاكل التي تعترض طريقها، وتضع الحلول المناسبة لقضاياها، وتتصدى بواقعية لكيد الكائدين وانحراف المبطلين. وقد سعدت باشتراكي في هذا المؤتمر، وبرغم قصر المدة فإني استعنت بالله تعالى، وأعددت هذا البحث في موضوع: (كيفية إعداد الدعية) لما للداعية من أهمية في تبليغ الإسلام، ولحاجة الدعوة إلى دعاة أكفاء قادرين على القيام بالواجب المنوط بهم. وسوف يتناول البحث ـ بمشيئة الله تعالى ـ النقاط التالية: 1ـ وجوب تبليغ الدعوة وإعداد الداعية. 2ـ أهم الصفات الواجبة للداعية. 3ـ كيفية إعداد الداعية. وذلك بإيجاز وتركيز، ولي أمل في الله أن أتمكن من بحثها مستفيضة وافية في مجال يسمح بذلك. والله ولي التوفيق

وجوب تبليغ الدعوة وإعداد الدعاة

وجوب تبليغ الدعوة وإعداد الدعاة كان من رحمة الله بالناس أن جاءتهم الدعوة الإلهية بما اشتملت عليه من أسس صالحة، ونظم كاملة لكافة جوانب الحياة. وقد أوجب الله تعالى تبليغ دعوته للناس حيث أمر رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 1والأمر يفيد الوجوب ومن المعلوم الأصل في خطاب الله لرسوله دخول أمته فيه إلا ما استثنى وليس في هذا المستثنى أمر الله تبارك وتعالى بالدعوة لدينه، فبقى وجوب تبليغ الدعوة على المسلمين كما وجب على رسوله صلى الله عليه وسلم وقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى هذا الواجب حيث أمرهم وقال: " ليبلغ الشاهد منكم الغائب " 2، كما أن طبيعة الإسلام تؤكد هذا الواجب لأنه دين عام خالد يستلزم استمرار الدعوة إليه وتبليغه للناس. وواجب تبليغ الدعوة جدير في الحقيقة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومواهبه وإيمانه، وإخلاصه، وبعده يجب أن يستمر على نمطه بواسطة دعاة يعدون لحمل الأمانة، وأداء الواجب المطلوب. وإعداد هؤلاء الدعاة واجب حيث أمر الله بذلك في قوله تعالى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} 3 فبان بذلك أن على المسلمين أن لا يخرجوا جميعا للجهاد في سبيل الله، وإنما عليهم أن يخصصوا من كل جماعة نفرا يخرجون للدعوة، يتحملون المشقة في فقهها، ومعرفة طرق الإنذار بها، قاصدين من هذا الإعداد إرشاد غيرهم والنصيحة لهم أملا في هدايتهم وإيمانهم. وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 4 والأمة هي طائفة عالمة حيث أمر الله المسلمين من بينهم جماعة

_ 1 ـ سورة النحل من آية 125 2 ـ صحيح البخاري. كتاب العلم باب ليبلغ الشاهد الغائب. 3 ـ سورة التوبة آية 122 4 ـ سورة آل عمران آية 104

تتخصص في الدعوة إلى الخير إذ تعلم المعروف وتأمر به، وتدرك المنكر وتنهى عنه، وتصدير الآية بلام الأمر يفيد وجوب ايجاد هذه الفئة العالمة لتبليغ الدعوة. وقد ربى الرسول أصحابه على الحق واختار منهم من يصلح للدعوة وبعثهم إلى عدد من الشعوب يدعونهم إلى الله تعالى. ومن المعلوم أن واجب تبليغ الدعوة لا يتم إلا بواسطة الدعاة، وهذا دليل على وجوب إعدادهم لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما أن سؤال الله للناس في الآخرة يقتضي تبليغ دين الله إليهم والدعوة لا تبلغ وحدها فلزم وجود دعاة يحملونها ويبلغونها للعالمين. وهكذا وجب تبليغ الدعوة، ووجب إعداد الدعاة. ولئن كانت الحاجة إلى الدعاة الأكفاء ملحة دائما فإن هذه الحاجة الآن أشد ليتعلم المسلمون ما جهلوا من دينهم، وحتى يمكن مواجهة خطر التيارات المادية التي إتسع نشاطها بواسطة دعاة المذاهب البشرية، والنحل المحرفة الذين دربوا على الترويج لباطلهم في ذكاء واضح، وخطة مدروسة وهدف محدد. وليس بجائز أبدا أن يضعف صوت الحق أمام الهوى، وتذاع الشبهات الملحدة في الناس ولا تجد من يتصدى لها ويهدمها بالحجة والبيان، إن إعداد الدعاة واجب يلتزم به المسلمون، وعلى الأمة أن تقوم به أداء لواجب الدعوة، ووفاء للأمانة التي لزمتهم.

الصفات الواجبة للدعاة

الصفات الواجبة للدعاة الإيمان العميق ... الصفات الواجبة للدعاة تهدف عملية إعداد الدعاة إيجاد نفر من المسلمين متميز بصفات خاصة تمكنه من القيام بالواجب الذي أنيط وهو تبليغ الدعوة. وهذا النفر ملتزم بتقويم الصلة بالله وبالدعوة والمدعوين، ولذا كانت أهم الصفات التي يجب أن يتمتع الدعاة بها هي:- أـ الإيمان العميق الإيمان هو الركيزة الأساسية للداعية وهو القاعدة التي يقوم عليها كيانه كله، والواجب أن تكون صلته بالله أوثق، ومعرفته به أوضح وشعوره بجلاله أقوى، وارتباطه بمنهجه أشد. إن هذا الإيمان يعني التسليم التام لله لأنه النافع الضار، المعز المذل، وأنه لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى. كما ينبغي التيقن بأن دين الله حق كله لا يحتاج لجدل، ولا يقبل شكاً ومراجعة ومن ثم يثبت هذا الإيمان عنده ولا يتزعزع مهما كانت الشدائد. ومهما قوي الأعداء، وكثر الخصوم. ويجب أن يكون إيمان الداعية إيماناً تفصيلياً على الأدلة والحجة، وأقرب طريق لتأكيد هذا الإيمان مداومة النظر في القرآن الكريم، والعكوف على تلاوته وحفظه وتدبر معانيه وتنفيذ تعاليمه. وتبيين أحكامه من خلال دراسته للسنة المطهرة. ونتائج هذا الإيمان تفيد الداعية وتعينه على الدعوة، لأنه به يحب الله، ويصير محبوباُ من مولاه. قال تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} 1 وقال {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} 2 وحب المؤمن لله عبارة عن استغراق مطلق في الطاعة، وتسليم تام بكل ما يجد ويحدث وحب الله للمؤمن يكسبه إعانته، وهدايته، والأخذ بيده نحو الحق والخير، وهذا الحب يستتبع الثقة بالضرورة، لأن الداعية ما دام اعتقد الحق وآمن به، والتزم في كل حياته أوامر الله ونواهيه فإنه يثق حينئذ أن كل ما يحدث له ومعه جزء من الحكمة الإلهية الشاملة. والإيمان يعين على الدعوة أيضاً حيث يندفع الداعية نحو الإخلاص والعمل ودعوة الناس بلا انتظار أجر مالي، أو الحصول على كسب دنيوي، وكل القصد هو طاعة الله وكسب رضاه

_ 1 سورة البقرة من آية165. 2 سورة المائدة من آية 54.

بالدعوة لأنه يؤمن بأن أحسن الأقوال وأفضل الأعمال ما كان للدعوة وفي سبيلها. وإن حدث وجوبه الداعية بمعوقات تقف بينه وبين النجاح في الدعوة فإن الإيمان يمده بطاقة من التحمل والصبر تجعله يستصغر كثرة الخبيث، ويستهين بقوة الأعداء، ولا يخشى في الله لومة لائم، أو جور ظالم، ويرفع في الناس شعاره وهو قوله تعالى {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} هكذا الإيمان الصادق يوجد الحب والثقة. ويحقق الإخلاص والتحمل، وعلى الداعية أن يتصف به.

العلم الدقيق

ب ـ العلم الدقيق دور الداعية يحتاج إلى العلم الوافر والأفق الواسع، لأنه يوضح الدين ويبين للناس سمو مبادئه ونظمه، ويرد الشبهات التي تثار أمامه، ومن هنا كانت حاجته إلى التحصيل الدائم. والمعرفة الشاملة. وطبيعة الإسلام تتطلب من الدعاة أن يكونوا علماء فاقهين لأنه دين يؤخذ من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وكلاهما يحتاج إلى القراءة المستمرة، والتدبر الواعي، والفهم السليم، كما أن تبليغ الإسلام يحتاج إلى معرفة الناس ومعرفة أمثل الطرق لتوجه إليهم وإقناعهم وأهم جوانب علم الداعية ما يلي:- 1ـ العلم بالدعوة: عمل الداعية نشر الدعوة، ولذا كان العلم بها من أساسيات علم الداعية لأن فاقد الشيء لا يعطيه. والدعوة بكافة جوانبها تعرف بمعرفة القرآن الكريم والسنة النبوية وعلى الدعاة أن يتخذوها زادا لهما فيعيشون مع القرآن تلاوة وحفظاً، وفهما، ومع السنة قراءة وتدبراً، وحفظاً، ومع سائر العلوم الإسلامية التي قدم فيها سلفنا الصالح الدراسات العديدة كعلوم القرآن والسنة والفقه والعقيدة.. وبذلك يفهمون الدعوة ويتمكنون من تبليغها للناس. 2ـ العلم بالمدعوين: يتنوع المدعوون تنوعاً واضحاً بسبب ما بينهم من اختلاف، ومخاطبة كل نوع يحتاج لطريقة معينةـ لأن ما يؤثر في جماعة لا يؤثر في غيرها. ولذا وجب على الداعية أن يعلم خصائص من سيدعوهم من ناحية العادات والتقاليد والمذاهب والاتجاهات السائدة فيهم.

ويعتبر العلم بالمدعوين من أهم جوانب علم الداعية في العصر الحديث لكثرة المذاهب الوضعية وانتشارها ونشاط دعاتها، وتطاولهم على الواقع وادعاءاتهم الكاذبة في أنهم يمثلون الحق والمستقبل السعيد للناس، ولأن الداعية بهذا العلم يمكنه من مجابهته الباطل ودحضه ورد مفترياته بما في دعوته من حق. ووضوح ويساعد الداعية في هذا الجانب بعض العلوم الحديثة كعلم النفس وعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية وعلم مقارنة الأديان وعلم الجغرافية البشرية وتاريخ العمران والحضارة. إلخ. 3ـ العلم بوسائل الخطاب: وسائل تبليغ الدعوة عديدة. ولكل منها منهج، ولا بد للداعية من معرفة هذه الوسائل، وعليه أن يتقن الطريقة المثلى لتطبيق كل وسيلة مع المخاطبين بعد إعدادها وتنظيمها. إن وسائل الدعوة عديدة وقد أضاف العلم الحديث إليها العديد من الوسائل حتى عدت المسرحية الهادفة، والتمثيلية المعبرة والراديو والصحف وسائل يمكن بواسطتها تبليغ الدعوة إلى الناس. وبهذا العلم المحتوي على معرفة الدعوة ومعرفة المدعوين ومعرفة وسائل الخطاب يكتمل للداعية الجانب المعرفي الذي يحتاج إليه لأداء الواجب.

الخلق المتين

جـ ـ الخلق المتين الداعية أخ للمدعوين استظهر عليهم بالنصح والتوجيه، وحاجته إلى تقديرهم له، وثقتهم فيه واضحة. ولا يمكنه ذلك إلا بالخلق الكريم البادي من احترامه للناس، وتقديرهم والصدق معهم، والكرم في معاملتهم، والأمانة الشاملة في سائر ما يكون معهم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم". إن الأخلاق فوق أنها كمال ذاتي للداعية فهي مدعاة لتبوئه قيادة الناس وتوجيههم وللدعاة في ذلك أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لقد تمتع بالخلق واشتهر في الناس بالصدق والأمانة، والحلم والعفو والكرم وحب الخير للناس، وصدق الله تعالى وهو يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وهكذا يجب أن يكون الدعاة.

كيفية إعداد الدعاة

كيفية إعداد الدعاة مدخل ... كيفية إعداد الدعاة يحتاج الدعاة الحاليون إلى الإعداد والمساندة سواء في ذلك من يعملون داخل الوطن الإسلامي، ومن يعملون خارجه، لأن مستوى الأداء في عملهم ليس على الصورة المطلوبة، والكثير منهم يعتبر عبئاً على الدعوة لا عوناً لها،

مما يؤدي إلى عكس المطلوب، وهذا الواقع يحتم إعداد الدعاة تلافيا لهذا القصور الواضح، على أن يكون شاملاً للعاملين حالياً ولمن يعد للدعوة مستقبلاً. وعملية الإعداد دقيقة وهامة لا بد لها من جهد كبير، وتخطيط سليم، وإمكانيات واسعة حتى تصل إلى هدفها. ومؤتمرنا هذا)) مؤتمر توجيه الدعوة وإعداد الدعاة ((خطوة صحيحة على الطريق نرجو له التوفيق والسداد. ومساهمة في رسم الخطة المثلى لكيفية إعداد الدعاة أقترح ما يلي:-

الإشراف المنظم

1) الإشراف المنظم: أدى التطور الحديث إلى كثرة المؤثرات وتداخل عمليات التغيير الاجتماعي، والداعية في مجمل عمله يقوم بعملية اجتماعية هدفه منها هداية الإنسان وإخراجه من عالم الضلال إلى عالم النور والهدى، وتثبيت عقيدته وسلوكه على الحق وفق تعاليم الإسلام الحنيف. والداعية بذلك يقوم بمهمة عظيمة ودقيقة يحتاج خلالها العون والمساعدة والتخطيط، ولذا كان لا بد من الإشراف على الداعية وإمداده بما يعينه على النجاح. وهذا الإشراف يجب أن يكون موحداً تقوم به هيئة واحدة في كل بلد إسلامي لأن تعدد جهات الإشراف يؤدي إلى التضارب واختلاف الأهداف ويجب أن يكون هذا الإشراف كاملاً بأن يشمل الجوانب التالية:- أـ دراسة التيارات المختلفة التي توجد بين المدعوين، للوقوف على حقيقتها ومعرفة أسبابها، وقياس مدى قوتها، وتحليلها تحليلاً يبين موقعها من الدعوة وبهذه الدراسة يسهل وضع المنهج الأمثل لتبليغ الدعوة. ب ـ وضع الخطة المناسبة لنجاح الدعوة على ضوء ما يسود المدعوين من تيارات، وما يكتنفهم من اتجاهات ولكل بيئة، لأن الاختلاف بين الأفراد تقتضي الاختلاف في أسلوب الدعوة، وذلك الاختلاف ضروري في فن الدعوة، وإيراده ليس بدعاً أمام الدعاة، لأن تعدد أساليب الخطاب في القرآن الكريم راعت اختلاف المخاطبين، فمن يناسبه الترغيب قد لا يناسبه الترهيب ومن يتأثر بالسور والآيات القصيرة قد لا يتأثر بالآيات الطوال، والمنكر المعاند يحتاج لتأكيد الخبر بعكس العاقل المصدق. وهكذا. يقول صاحب كتاب القرآن وعلم النفس، والأسلوب المكي يغاير الأسلوب المدني لأن المكي قصير الجمل كثير

التكرار، ملئ بالقصص والأقسام فيه مناسبة الفواصل، ورنين السجع، أما المدني فقل أن تجد فيه شيئاً من هذا، والعامل النفسي في ذلك أن القوم في مكة كانوا غير مستقرين، بل كانوا مطاردين قلقة نفوسهم، غير مستعدين لتشريع أو تفصيل، والمشركون أيضاً كانوا منصرفين عن سماع القرآن متأثرة نفوسهم بأدبهم وخطبهم ومنافراتهم، كما أن التشريع يحتاج إلى هدوء ورزانة في العقل، وترو في المنطق، وتقبل للإرشاد، ورغبة في التطور والإصلاح وطاعة للأمر واستجابة للداعي، وكل هذه الحالات غير متوفرة في الحياة المكية مما جعل الأسلوب المكي ينزل مناسباً لأهل مكة، فلما غايرت الحياة المدنية الحياة في مكة جاء الأسلوب المدني مناسباً للحياة المدنية، وبذلك تغاير الأسلوبان في القرآن الكريم 1 وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يخاطب كل قبيلة بلسانها 2، لأن ذلك التناسب من أهم أسباب بيان الدعوة واتضاحها أمام المخاطبين. جـ توجيه الداعية بين الحين والآخر نحو ما يجب عليه عمله للدعوة وخاصة كيفية استخدامه للوسائل الحديثة في تبليغ الدعوة كعقد الندوات المفتوحة، وتقديم التمثيليات الهادفة وهكذا. د ـ مراجعة أعمال الدعاة. وملاحظة مستوى أدائهم ومتابعة قدراتهم العلمية والأخلاقية للإبقاء على من يرجى صلاحه ووضع غيرهم في أعمال تناسب استعداداتهم. هـ ـ تنظيم الدراسات التي تقدم للدعاة، ووضع الخطة التفصيلية لها، سواء كانت هذه الدراسات في دورات للعاملين أو في مدارس الدعوة وكلياتها والهدف من هذا التنظيم هو تنسيق المقررات واختيارها لتتجه جميعاً إلى الإعداد المطلوب في انسجام وتكامل. إن الإشراف بهذا العموم من أسباب نجاح الدعاة في علاجهم أمراض المجتمع بمنهج الإسلام، وفي تصديهم لما يجابههم من شبه وتحديات، ومن أجل أدائه على صورة مثلى فإني أقترح أن تقوم به المؤسسات الرسمية بالاشتراك مع الجامعات الإسلامية المتخصصة، لأن المؤسسات يغلب عليها الطابع التنظيمي، والجامعات يغلب عليها طابع البحث العلمي، وبإيجاد التفاعل بين

_ 1 القرآن وعلم النفس للشيخ خلاف ص 21. 2 الشفا للقاضي عياض جـ 1 ص 278 وقد أورد القاضي عياض أمثلة عدبدة على هذا في كتابه المذكور.

المؤسسة والجامعة في أي إقليم يمكن الوصول إلى إشراف دقيق يثري كافة الجوانب المطلوبة ويتابع ما يجد بالبحث والتخطيط. ولعل في هذا المؤتمر مؤشراً على جدوى هذا الاقتراح الذي نرجو له الاستمرار والعموم.

إقامة دورات للتعليم والتدريب

2ـ إقامة دورات للتعليم والتدريب: يجب إقامة دورات تعليمية للدعاة، تأكيداً لما علموا، وتأسيساً لما لم يعلموا لأن العلم يحتاج إلى المحافظة، وحياته مدارسته، كما أن التربية تعتمد في كثير على الخبرة والممارسة وللمسلمين في ذلك أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد كان شديد الحرص على حفظ ما يوحى إليه حتى طمأنه الله على أن حفظ القرآن الكريم وبيانه متحققان بأمر الله تعالى وذلك في قوله {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 1، وتأكيداً لاستمرار الحفظ والفهم والبيان كان جبريل عليه السلام يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدارسه ما نزل من القرآن مرة، وفي العام الأخير من حياته صلى الله عليه وسلم دارسه القرآن مرتين 2، وكان عليه الصلاة والسلام يتعهد أصحابه بالتربية والتدريب ولا يكتفي بأنهم علموا فلقد جاء مرة إلى ابن مسعود وقال له: "اقرأ علي شيئاً من القرآن، فقال له ابن مسعود: أأقرأه عليك وعليك أنزل؟! فقال له: نعم. إني أحب أن أسمعه من غيري" 3. ومرّ صلى الله عليه وسلم على بلال وهو يقرأ من هذه السورة وهذه السورة. فقال: " يا بلال مررت بك وأنت تقرأ من هذه السورة وهذه السورة. فقال: أخلط الطيب بالطيب. فقال له: اقرأ السورة على وجهها" 4. وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه، ويؤكد لهم ما علموا ويوجههم نحو الخير فيما علموا، ويدرهم على القراءة والحفظ أمامه مرة ومرة حتى يتأكد من إتقانهم وقرائتهم وفهمهم للقرآن الكريم. إن تدريب الدعاة مدارسة لفقههم الدعوة وعلومها، وممارسة عملية على الوسائل الحديثة في فن الدعوة. ومن

_ 1 سورة القيامة آية 17، 18، 19. 2 صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن جـ 6 ص 229. 3 الاتقان جـ 1 ص 109. 4 المصدر السابق جـ 1 ص 109.

المستحسن أن ينظم هذا التدريب من خلال دورات تعليمية ينقطع الداعية لها فترة زمنية كافية، ونقترح لهذه الدورات ما يلي:- أـ تنظيم هذه الدورات من قبل كليات الدعوة وأصول الدين في الجامعات الإسلامية بعد أن يوضع للدراسة بها خطة متكاملة تهدف إعداد الدارس كداعية لله تعالى في المجالين النظري والعملي. إن كليات التربية تقوم بالإشراف على التربية العملية وتقوم بعقد دورات منتظمة للمعلمين تستمر فترات طويلة، وليس هناك ما يمنع تنظيم مثل هذه الدورات للدعاة مع استمرار الدراسة فيها فترة مناسبة على أن يعقد في نهايتها امتحانات نظرية وعملية يحصل الناجح فيها على شهادة معينة تحدد لها المزايا الملائمة تشجيعاً على الدراسة والتحصيل والعناية. ب ـ يلاحظ تنوع الدراسة كماً وكيفاً تبعاً لمستوى الدعاة وقدراتهم ومستوى الأشخاص الموجهة إليهم الدعوة، واختلاف المهام الموكولة للدعاة. ومن السهل تحديد مستوى الدراسة وذلك بواسطة المشرفين على الدعاة. جـ ـ تقوم الدراسة النظرية في هذه الدورات على الأساسيات التي يحتاجها الداعية كعلوم القرآن، وعلوم السنة وعلوم العقيدة وأساليب الخطاب وأنواعه، ومما يعمق الاستفادة بدراسة هذه المواد تكليف الدارسين يعمل أبحاث مختصرة في الدراسات الموضوعية من الكتاب والسنة، كما أن هذا النوع من الأبحاث يعلم الداعية كيفية الإعداد والتنسيق وجمع المعلومات وهذا ينفعه في مجال الدعوة. د ـ لا تكتفي هذه الدورات بالدراسة النظرية، بل إنها تعتمد على الدراسة العملية كعقد الندوات وإقامة حلقات المناقشة وإلقاء الخطب والمحاضرات والتدريب على الإخراج المسرحي والإلقاء التمثيلي. على أن تتم هذه الدراسة تحت إشراف الأساتذة المتخصصين لإصلاح الأخطاء وإتمام القصور، والتعليق المفيد على مستوى آداء الدارس لما كلف به وبذلك يلتقي الجانب النظري مع الجانب العملي. ومن الممكن إقامة الدراسة العملية في تجمع حقيقي للناس كأن تقام في المسجد وفي النادي وفي المصنع.. وهكذا. هـ يهتم برنامج هذه الدورات بدراسة

العادات والتقاليد السائدة بين المدعوين، والأديان والمذاهب المنتشرة فيهم، والطبائع والأفكار المسيطرة عليهم. إن دراسة هذه النواحي تساعد الداعية على فهم المدعوين، وتحدد له طرق مخاطبتهم، ووسائل إقناعهم، كما أنها تجعله يواجههم ويدعوهم بالحكمة المطلوبة، والمجادلة الحسنة،فيأتيهم من حيث حاجتهم وقناعتهم متخيراً المناسب لحالهم، وبذلك ينال ثقتهم ويفوز بهديهم، ويكون ممتثلاً قول الله تعالى {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} 1 ونفعها يتم بملاحظة هذه النواحي وأمثالها. وـ يجب الإهتمام في هذه الدورات بالتركيز على الجانب الإيماني لتعميقه عند الدعاة فهو الركيزة الأساسية لنجاح الدعوة لأن الداعية يظهر للناس ويؤثر فيهم بقوله وعمله وبكل أنشطته وهذا التركيز يتم بما يلي: ـ ـ إختيار الأساتذة الذين يدرسون في هذه الدورات إختيارا معينا فهم أسوة للدارسين، وقدوة لهم في كافة المجالات، ومن المعلوم أن الطالب يتأثر كثيرا بأستاذه، وهناك العديد من الأعلام تربوا على يد أشياخهم وأخذوا منهم العلم والعمل معا ويجب أن يكون الأساتذة مؤهلين لهذه القدوة حتى يفيدوا ويستفيدوا. ـ توجيه الدارسين إلى الخلق المتين. والسلوك الحميد مع إبراز الأمثلة الموحية من خلال سيرة النبي الكريم وسيرة الصحابة والتابعين. ـ العناية بتقديم الدراسات الإسلامية في ثوب قشيب يوجه إلى النظر والتعمق والإخلاص مع ضرورة الدراسة المقارنة وخاصة في مجال الأديان والمذاهب المعاصرة وغيرها ـ التركيز على بيان صورة المجتمع بنظمه وتقاليده في الإسلام مع بيان موقف الإسلام من مشاكل الحضارة. ـ مراقبة الجانب العملي للدعاة، والإشراف على حياتهم اليومية للتأكد من محافظتهم على الفرائض والتمسك بالحلال، والبعد عن الحرام في كافة القضايا وجميع الأنشطة.

_ 1ـ سورة الأعلى آية 9

القيام برحلات للدراسة والإعتبار كزيارة مناطق الوحي وأماكن الغزوات ومواطن الأحداث التاريخية، للدراسة والإتعاظ بالنتائج. إن إيمان الدعاة شرط أساسي لنجاح الدعوة، ويجب أن ينتهي من حياة الناس وإلى الأبد صورة الداعية الذي يعيش حياته العملية بعيدا عن تعاليم الإسلام بصورة كلية أو جزئية، لأن إختلاف عمل الداعية عن قوله يضر ولا يفيد، فهو يدعو الناس بقوله، وينفرهم عن الطاعة بعمله وكأنه يقول لهم لا تصدقوني فيما أدعوكم. إن الناس عامة جبلوا على إحترام الشخصية القائدة التي تتحد قولا وعملا، ويتاثرون بها، يقول الإمام الشاطبي: " إن المفتي أمر مثلا بالصمت عما لا يعني فإن كان صامتا عما لا يعني ففتواه صادقة وإن كان من الخاطئين فيما لا يعني فهي غير صادقة، وإن دلك على المحافظة على الصلاة وكان محافضا عليها صدقت فتياه، وإن لا فلا وعلى هذا سائر أحكام الشريعة. لأن علامة صدق القول مطابقة العمل، بل هو الصدق في الحقيقة عند العلماء، ولذلك قال الله تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} 1 وقال في ضده {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} 2 فاعتبر في الصدق مطابقة القول العمل وفي الكذب مخالفته.3 وحسب الناظر أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم كانت مع أقواله على الوفاء والتمام فحينما نهى النبي عن الربا ووضع الدماء لم يكتفي بالقول بل قرن نهيه بالفعل والتطبيق على نفسه وأهل بيته حيث قال صلى الله عليه وسلم " إن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة وأول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب " 4، وقال صلى الله عليه وسلم حين جاءه أسامة بن زيد يستشفعه في حد "أتشفع في حد من حدود الله تعالى والذي نفسي بيده

_ 1 سورة الأحزاب من آية 23 2 سورة التوبة آيات 75ـ77 3 الموافقات ج4ص252بتصرف 4 العقد الفريد ج2ص130

لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" 1. إن الداعية إذا كان على مستوى الدعوة وتطابق قوله وعمله، فهو أدى إلى النجاح وأقرب إلى التوفيق.

_ 1 صحيح مسلم كتاب الحدود باب قطع يد الشريف

مكتبة الداعية

3ـ مكتبة الداعية: لا يستغني الداعية عن القراءة المستمرة والإطلاع الدائم ولذلك فإني أقترح إمداد الداعية بمكتبة إسلامية مناسبة تحوي أهم المراجع في العلوم الإسلامية كالتفسير والحديث والسيرة والفقه والعقيدة، وبذلك يجد الداعية بين يده ما يسهل له إعداد مقولاته وتوجيهاته بصورة حسنة لائقة.

المؤلفات الموضوعية

4ـ المؤلفات الموضوعية: يجد في محيط الدعوة بين الحين والحين قضايا معينة تحتاج إلى بيان موقف الإسلام منها، ولذلك يستحسن تكليف المتخصصين من العلماء بوضع مؤلفات في هذه القضايا على هيئة أبحاث موجزة نافعة للدعاة ليتمكنوا بواسطتها من التصدي للقضايا الجديدة، وبذلك يتضح سمو الإسلام وشموله لكافة جوانب الحياة، ويسهل للدعاة معايشة الواقع بإيجابية وموضوعية، وقدرة. وتبدو أهمية هذه المؤلفات إذا علمنا كثرة هذه القضايا الجديدة كموضوع تحديد النسل، وشهادات الإستثمار، والسندات، وعمل المرآة… وهكذا. وكلها قضايا تحتاج إلى نظر وتفحص كما أن أعداء الإسلام يتخذونها مدخلا لأنشطتهم ويقدمون فيها حلولا مادية مبتورة. فلو عجز الداعية عن تقديم الحل الإسلامي في صورته المتكاملة المشرقة لأضر وما أفاد، ولذلك كانت ضرورة هذه المؤلفات للدعوة والدعاة.

المجلة المتخصصة

5ـ المجلة المتخصصة: يستحسن إصدار مجلات للدعاة شهرية أو موسمية تضم المقالات الإسلامية وأخبار الدعوة والمقترحات المفيدة المتصلة بالدعوة والدعاة، ويمكن لهذه المجلات أن تتصدى لحركات الغزو الفكري الهدام الذي تتراءى صوره وأنشطته داخل المجتمع المسلم وخارجه. إن الصحف والمجلات من الوسائل الإعلامية الحديثة، وليس هناك ما يمنع من إستفادة الدعوة بهذا الأسلوب من

زاويته الخيرة وفق خطة مدروسة، وتنسيق معين. وتبدو أهمية هذا المقترح من الإقبال الشديد الذي توليه الجماهير الإسلامية للمجلات الإسلامية الجادة مما يجعلنا إلى أن المجلات الصادقة تعتبر من أنجح وسائل الدعوة في الوقت الذي تفيد فيه الداعية وتعده لعمله الكبير. إن الهيئات العلمية والمؤسسات الجماهيرية تصدر المجالات الخاصة بها لأهميتها، ومن الأولى للدعاة أن يكونوا من أول المستفدين بهذه الوسيلة شريطة أن يقصدوا بها وجه الله تعالى، ويبتعدوا عن تناول القضايا الجانبية التي تشغلهم عن هدفهم الأصيل، ويجعلوها نبيلة سامية كسمو الإسلام ونبله وعظمته وحكمته.

تحسين المستوى الإجتماعي للدعاة

6ـ تحسين المستوى الإجتماعي للدعاة: يقوم الدعاة بأسمى عمل يؤديه بشر، ويقصدون أنبل غاية وهدف، فهم يحملون دين الله للناس، ويرجون الهدى والخير للعالمين، إنهم رسل سعادة، وحماة أمن، ورجال حقوق، يحاربون الفوضى، ويعادون الفساد، ويقفون في الخط الأول أمام أعداء الله يتصدون لكيدهم، ويهزمون مكرهم، ويردونهم على أعقابهم خائبين. إنهم بذلك روّاد عظماء، ورجال أفذاذ، يفتون في كل فعل، ويوجهون كل حال، يسمع رأيهم، ويقتدى بهم، وينالون ما يستحقون من إحترام وتقدير. ذلك هو الواجب. لكن أعدائهم من البشر تكالبوا عليهم وعملوا على إبعادهم عن منزلتهم الإجتماعية السامية آملين من ذلك الإساءة إلى أشخاصهم وإلى دعوتهم. وكان لهم بعض ما أرادوا. إن نظرة واقعية لحال الدعاة اليوم في المجتمع المسلم تؤكد أنهم أصبحوا في مؤخرة الصف الإجتماعي. فدخلهم المادي ضئيل، ومركزهم بين الناس هين، وليس لهم من الجاه والسلطان ما يذكر، وحري بمن هذا وضعه أن لا يسمع قوله، ولا تؤثر توجيهاته ومواعظه.. إن الناس قد جبلوا على إحترام ذي المظهر الغني وصاحب الجاه والسلطان. من ذلك أن رجلا حسن المظهر حسن الثياب مر على الصحابة وهم جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم: ـ ـ "ما تقولون في هذا؟ " قالوا: " هذا حري إن خطب ينكح وإن قال يسمع. وإن شفع يشفع له " ورغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه خطأ حكمهم في نهاية الحديث إلا أنهم رضوان الله عنهم حكموا بما جبلوا عليه

البشر من إحترام ذي المظهر الحسن، وتقدير الرجل الغني، وطاعة ذوي الوجاهة والسلطان، وما دام الأمر كذلك فإن وضع الدعاة في صورة حسنة أمام الناس يعتبر جزءاً من الدعوة الواجبة، وعلى المسلمين جميعاً وهو ينفذون واجب تبليغ الدعوة أن يعملوا على تحسين مستوى الدعاة، وأن يبذلوا لهم كل ما يعينهم في عملية الدعوة، أداء لجزء من المسؤولية، ووفاء لأمانة لازمة، ومن أجل تحسين مستوى الدعاة فإني أقترح ما يلي:- ـ منح الدعاة الرواتب المجزية التي لا تقل عن رواتب نظائرهم من أصحاب المهن الأخرى كالمهندس والطبيب والمدرس وغيرهم، لأن الدعاة درسوا كهؤلاء. ويمكنهم أن يوجهوهم وأهمية عمل الدعاة يفرق أي عمل آخر في قيمته ووسائله ونتائجه. ـ تمتع الدعاة بكافة الامتيازات التي يتمتع بها كافة موظفي الدولة من علاج مجاني، وإجازات، وفرص للترقية، وضمان للمعاش عند وصولهم لسن معينة أو عند وفاتهم. ـ استحداث وظائف عليا للدعاة يصلون إليها بالترقي وفق قواعد معينة ثابتة، وليس هناك ما يمنع من إنشاء وظائف المستشار الديني في كل مؤسسة ومصلحة لإبراز رأي الدين وتوجيهاته بجانب غيره من المستشارين. ـ منح الدعاة السكن المناسب الذي يسمح لهم بالاستقرار العائلي، والهدوء النفسي، ويسمح لهم باستقبال أصحاب الحاجات، وطلاب المعرفة، وذي المقاصد المختلفة لأن عمل الداعية لا يتعين بوقت أو مكان، ويجب أن يكون مستعداً لملاقاة المدعوين كلما جاز ذلك. ـ تيسير وسائل الانتقال للدعاة على أن تكون على وجه لائق مناسب للبيئة التي يعيشون ويتحركون فيها. ـ تكليف الدعاة ببعض المسئوليات الاجتماعية في المنطقة التي يدعون فيها، وذلك كالفصل في المنازعات، وتوزيع الإعانات المالية على الفقراء والمحتاجين، والإشراف على بعض المؤسسات الشعبية كتعليم الكبار، وهذا من أجل إبرازهم أمام الناس في دور المسؤول الهام. ـ منع الدعاة من القيام بعمل آخر غير الدعوة، وما دام قد يسرت

لهم الحياة الكريمة، والكسب الحلال فلا حاجة بعد ذلك لأي عمل. وبهذا وأمثاله يأخذ الدعاة منزلتهم اللائقة، ويؤدون دورهم بصورة حسنة ناجحة، وهكذا يمكن إعداد الدعاة القائمين بالعمل فعلاً بتدريبهم، وإعانتهم وإمدادهم بالكتب والمؤلفات، ورفع مكانتهم وكل ذلك وفق خطة منظمة وتحت إشراف دقيق.

تهيئة الدعاة الجدد

تهيئة الدعاة الجدد الإختيار المبكر ... وبالنسبة لتهيئة دعاة جدد من أجل القيام بتبليغ الدعوة بعد إعدادهم فإني أقترح لإعدادهم بالإضافة إلى ما سبق من اقتراح للدعاة العاملين ما يلي:- 1) الاختيار المبكر: يولد الطفل بمجموعة من الصفات الموروثة من والديه، ويكتسب مجموعة أخرى من بيئته الأسرية، فإذا ما بدأ دراسته الأولى في المدرسة أو الكتاب أخذ في اكتساب المزيد من الصفات عن طريق أقرانه وأساتذته. وكم كنت أتمنى اختيار طلبة الدعوة مع بدء تعليمهم، لكن صعوبة ذلك يدفعنا إلى اقتراح اختيار هؤلاء الطلاب بعد المرحلة الأولى على أن يستفاد من هذه المرحلة بما يدرس فيها كمعرفة أصول اللغة وحفظ بعض القرآن الكريم وتربية بعض الملكات الفطرية عند الولد. وينبغي في هذه المرحلة أن توضع بطاقة لكل طالب تدون فيها ميوله، ورغباته، ومستوى ذكائه، وقدرته على التحصيل الدراسي ومدى استجابته لتوجيه أساتذته أمراً ونهياً، ومدى تأثره بأقرانه وتأثيره فيهم، لأن هذه المعلومات تعتبر مؤشراً على شخصية الطالب واتجاهاته فيما بعد. ومن الممكن اختبار بعض الطلاب لدراسة علوم الدعوة بعد المرحلة الأولى على أساس استعداداتهم وميولهم. يقول ابن سينا: " إذا فرغ الصبي من تعلم القرآن الكريم وحفظ أصول اللغة أنظر عند ذلك إلى ما يراد أن تكون صناعته فوجهه لطريقه بعد أن يعلم مدير الصبي أن ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مواتية لكن ما شاكل طبعه وناسبه" 1. وتلك ملاحظة هامة لأن وضع الإنسان في موضع يتفق مع ميوله واستعداداته أول شروط النجاح ولنقتد في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي اختار أبا بكر وعمر رضي الله عنهما للشورى واختار أبا عبيدة وخالداً وأسامة للحرب

_ 1 التربية عند علماء المسلمين ص 17 المقدمة.

والقتال، واختار علياً ومعاذاً للحكم والقضاء، وهكذا سائر الصحابة الذين وكل إليهم بأعمال متعددة. وما تم ذلك إلا وفق استعداد كل منهم ليقوم بما يعهد إليه من مهام، ومن الممكن أيضاً عقد لقاءات شخصية للطلاب لاختبار قدرتهم واستعدادهم لهذا النوع من الدراسة لأن الاستعداد الشخصي أساس للتفوق العلمي، ولقد كان السلف رضوان الله عليهم يختبرون من يعلمون حتى لا يضعوا البذرة في أرض سبخة، ومن ذلك ما حدث من الخليل بن أحمد عالم العربية حينما أتاه النظام بولده إبراهيم وقال له: علم لي ولدي هذا، فإنه اختبره أولاً، وقال له صف هذا الكأس وأشار إلى كأس في يده فقال الغلام: بمدح أم بذم؟ قال: بمدح. فقال الغلام: تريك القذى، ولا تقبل الأذى، ولا تستر ما وراء. قال: فذمها. فقال الغلام: يسرع إليها الكسر، ولا تقبل الجبر. ومن ذلك أيضاً أن الحافظ العراقي لما ذهب إلى شيخ ابن البابا ليتلقى عنه الحديث اختبره أولا حيث قال له: من ابن البيع؟ قال الحافظ: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري. فقال له: من أبو محمد الهلالي؟ قال: سفيان بن عيينة. قال له: هلم يا بني. وعرف مكانته من الوعي والإدراك، واستعداده للتعلم وعلمه. إن مثل هذا الاختبار يتم اليوم في عدد من الدراسات المتخصصة التي تبدأ من وقت مبكر كدور المعلمين والمعلمات، ومعاهد الخدمة الاجتماعية، والمدارس العسكرية المشروعة، وذلك كله لينجح الطالب بعد تخرجه فيما يوكل إليه من أعمال. وقد أدرك قدر هذا الاختبار المبكر مع الاختيار أصحاب المذاهب الوضعية ورجال الكنائس العالمية فعملوا به وأخذوا يعدون لباطلهم دعاة فيهم الذكاء والنشاط والإخلاص، وغير ذلك من الصفات التي تنتشر بها الأفكار والعقائد. وإعداد الدعاة إلى الإسلام يجب أن يندرج في هذا الخط الطبيعي، حيث يختارون في سن مبكرة، وتختبر مستوياتهم الذهنية وقدراتهم الشخصية ليسهل إعدادهم، ويكونوا بعد تخرجهم على مستوى أهمية الدعوة، وأهميه العمل لها.

مدارس الدعاة

مدارس الدعاة: بعد انتهاء المرحلة الأولى يلتحق الطلاب بالمرحلة المتوسطة، وأقترح هنا إنشاء مدارس متوسطة وثانوية للدعوة بجانب الكليات الجامعية. يتلقى بها الطلاب الذين وقع عليهم الاختيار كدعاة دراساتهم المتوسطة والثانوية. ومن المتصور أن الطالب في المرحلة الأولى أجاد القراءة والكتابة وحفظ قدراً كبيراً من القرآن الكريم. وعرف مبادئ عدد من العلوم كالحساب والهندسة، وبعد ذلك يلتحق طالب الدعوة بمدارس الدعوة المتوسطة لتعده مع المراحل بعدها للدعوة وفق خطة تتطور بتطور عمره وعمله، ومناهج هذه المدارس بالضرورة تشتمل على دراسات للإعداد العام، وأخرى للإعداد التخصصي. ويقوم المشرفون بوضع المناهج والمقررات المطلوبة. وينبغي أن يكون نظام هذه المدارس على أساس الرعاية الكاملة طوال اليوم بحيث يعيش الدارسون بين أساتذتهم وقت الدراسة ويقضون أوقات راحتهم وترويحهم مع الموجهين والمشرفين وبذلك يعيش الطلبة بين الأستاذ والموجه مما يجعلهم يسيرون تلقائياً نحو التربية المقصودة والهدف المنشود. إن النظام الداخلي خلال الدراسة في هذه المدارس هو أحسن ما يحتاجه الدارسون وبخاصة في المجتمعات الحديثة التي كثرت فيها المؤثرات، وتعددت معها الأهداف والغايات، مما جعل الأفراد بسببها في تناقض ذاتي. واضطراب فكري. ولو كانت المجتمعات الإسلامية تسلك المنهج الأمثل في كافة أنشطتها لقلنا أن أنشطة المجتمع تكمل دور مدارس الدعوة وتساهم بجزء هام في تكوين الشخصية الإسلامية، تماماً كما كان المجتمع الإسلامي في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يسمع الأفراد ويرون تطبيقات الإسلام في مختلف الأنظمة والأنشطة مما جعلهم خير أفراد كونوا خير أمة أخرجت للناس بإيمانها، وأعمالها، وتمسكها بالمعروف، وبعدها عن المنكر. إنا نتمنى للمسلمين أن يعاودوا سيرتهم الأولى، وحتى يتحقق ذلك نقترح لمدارس الدعاة أن تقوم على الأساس الذي أشرنا إليه من أجل تحقيق تكامل الداعية، وإعداده إعداداً سوياً خالياً من التضارب والسلبية. إن التفرغ الكامل للدراسين يسهل أمام المسؤولين تكوين الدعاة بالصورة المرجوة في الدين والعلم والخلق، وليس

التفرغ للدراسة بالأمر الصعب على من يختار للدراسة لأن نوعيات عديدة من المدارس والمعاهد في جميع أنحاء العالم أخذت بنظام التفرغ خلال الدراسة في مقابل تحقيق بعض المزايا المادية والمعنوية للدراسين وكان الإقبال عليها شديداً، ودلت نتائجها على تحقيقها لأغلب الأهداف التي وضعت البرامج من أجل الوصول إليها. ويجب أن تشمل مدارس الدعاة على مزايا عديدة، يجدها الدارسون خلال الدراسة وبعدها، وذلك لاختيار أفضل العناصر للقيام بالدعوة، وإعدادهم الإعداد المطلوب، ومن المعلوم أن صناعة الدعاة تعني صناعة الأمة فإذا ما أحسن المسلمون إعدادهم وتربيتهم فقد أدوا بعض ما وجب عليهم، ونفعوا في نفس الوقت أنفسهم وأمتهم بنشر العدل. وتحقيق الأمن. ومحاربة البغي والفساد بواسطة من أعدوا من الدعاة. إن مناهج ومقررات مدارس الدعاة يجب أن تتجه جميعاً إلى بناء شخصية الدعاة بصورة متكاملة، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه نموذجاً لهذه الشخصية لتكون ماثلة أمام المسلمين في مختلف العصور ينشئون أجيالهم على نمطها ويتخذونها المثال لحياتهم ومعاشهم، ولا غرو في ذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ليتم مكارم الأخلاق بالهدى ودين الحق، وليوجه الإنسانية إلى ما يصلح شأنها ويعلي قدرها. إن الدعوة إلى الإسلام تحتاج في كل وقت إلى التكامل في شخصية الدعاة ومن هنا ندرك حرص الرسول على تربية الشخصية والإعتداد بالنفس عند أصحابه رضوان الله عليهم حتى أصبح كل منهم أمة في نفسه، لا يعرف غير الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم، وتكامل شخصية الداعية يتم بتمكنه من الصفات الواجبة التي أشرنا إليها وهي إيمان متين وخلق قويم وعلم دقيق. وأفق واسع. ويجب أن تقدم مدارس الدعوة لطلبتها الدراسات التي تساعد على هذا التكامل وفق خطة مقررة يضعها الإشراف المتخصص على إعداد الدعاة. وأرى أن تشمل الخطة الدراسية على الدراسات التالية:- أولاً: الدراسات القرآنية: وتشمل حفظ القرآن الكريم وتفسيره ودراسة علومه وبخاصة ما يحتاجه الدعاة منها. ثانياً: الدراسات المتصلة بالسنة: وتشمل

دراسة الحديث النبوي وعلومه ودراسة السيرة النبوية دراسة تحليلية من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية. ثالثاً: الدراسات الفقهية: وتشمل دراسة الفقه الإسلامي وتاريخه والأسس العامة لأصوله كما يشمل دراسة النظم الإسلامية في مختلف المجالات. رابعاً: الدراسات المتصلة بالعقيدة: وتشمل دراسة التوحيد، واتجاهات الفرق الضالة في الإسلام. والملل السابقة، والمذاهب الإلحادية المعاصرة. مع تناول الشبه التي تثار حول العقيدة بالتحليل والتفنيد. خامساً: الدراسات التاريخية: وتشمل دراسة تاريخ الدعوة والدعاة في مختلف العصور الإسلامية مع بيان دور المؤسسات معهما. كما تشمل دراسة المجتمعات الإسلامية والأقليات المسلمة كما يشمل دراسة المشاكل والقضايا التي جائت بها الحضارة مع بيان موقف الإسلام منها. سادساً: الدراسات الفنية والمسلكية: وتشمل دراسة علم النفس التربوي وفن الدعوة والخطابة والخدمة الاجتماعية وكافة الطرق الفنية التي تساعد في تبليغ الإسلام. سابعاً: دراسة الإعداد العام: ويشمل دراسة قواعد اللغة العربية ومبادئ علم البلاغة والأدب والجغرافيا. وهكذا. ثامناً: دراسة اللغات الأجنبية: تعتبر دراسة اللغات الأجنبية من أهم الدراسات اللازمة للدعاة في العصر الحديث لأن أغلب من توجه إليهم الدعوة من غير العرب كما أن العديد من المؤلفات التي تتعلق بالإسلام إيجاباً أو سلباً كتبت بغير اللغة العربية، وحتى يمكن قراءة كل ما يقال عن الإسلام. ومن أجل تبليغ الإسلام لجميع الناس يجب إحاطة الدعاة بصورة تامة بلغات من سيدعونهم، وهذا واجب بديهي لأن مصادر الإسلام نزلت بلغة عربية وحفظها الله للناس كما أنزلها على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وألزم المؤمنين تبليغ الإسلام على وجه بين واضح ولا يتم ذلك باتحاد اللغة بين الداعية والمدعوين أيا كانت هذه اللغة ولهذا المعنى أرسل الله رسله السابقين إلى أقوامهم بلسانهم حيث يقول تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} 1 وبسبب كون القرآن

_ 1 سورة إبراهيم من آية 4.

نزل في العرب أولاً كان بلغتهم لأنه لو كان بغير لغة العرب ولطلبوا نزوله بلسانهم ليفقهوه لكن الله تعالى بحكمته أنزله عربياً وقال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} 1 ولعل في قوله تعالى {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} 2 إنكاراً للاختلاف اللغوي بين الداعية والمدعوين إذ لا يصح أن يكون الكلام أعجمياً والمخاطب به عربياً لأن ذلك لو حدث لاحتاج المخاطبون إلى التفصيل والبيان. وتحقيقاً لعالمية الإسلام مكن الله للعرب من إتقان لغات العالم كله. ويجب على الدعاة أن يتمكنوا من ذلك دائما، وقد وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين والدعاة إلى هذا الواجب بما فعله مع الصحابي زيد بن ثابت حيث قال له: "يا زيد أتحسن السريانية؟ إنها تأتيني كتب بها. قال زيد: قلت: لا. قال: تعلمها. فتعلمتها في سبعة عشر يوما"ً 3. وهكذا وضح الرسول للمسلمين طريق مخاطبة الناس وتوجيههم إلى الله تعالى. ونظراً لكثرة اللغات العالمية فإنه يمكن تقسيم الطلاب إلى مجموعات تختص كل مجموعة بدراسة لغة أو لغتين وبذلك يمكن تخصيص كل مجموعة بدعوة إقليم ما من أقاليم العالم. وينبغي تعريف كل جماعة بالإقليم الذي ينطق لغة دراستهم من ناحية عاداته وتقاليده والأديان والمذاهب المنتشرة فيه ليكون الدعاة على بينة تامة ممن سيدعونهم وقد أطلت في الحديث عن دراسة اللغات لأهميتها وضرورتها للدعاة أملا في أن تحققها مدارس الدعاة. والله الموفق.

_ 1 سورة فصلت من آية 44. 2 سورة فصلت من آية 44. 3 الفتح الرباني.. كتاب العلم باب فضل العلوم والعلماء.

كليات الدعوة

3ـ كليات الدعوة: تعتبر الدراسة في كليات الدعوة امتداداً للدراسة في المدارس المتوسطة والثانوية من حيث الهدف والغاية مع تميزها بالعمق والتحليل والمقارنة وإجراء البحوث الميدانية والعلمية. وعلى المسؤولين المشرفين أن يحددوا المقرارات والمناهج المطلوبة لمدارس وكليات الدعوة. من أجل تحقيق التكامل بين الدراسات المقررة، وفي نفس الوقت على المشرفين ملاحظة أن المرحلة الثانوية تكون نهاية الدراسة لعدد من الطلاب مما يحتم اعتبار الدارس

المتخرج من هذه المرحلة معداً على مستوى معين، ويمكن الاستعانة بهؤلاء كدعاة في القرى الصغيرة والمجتمعات البسيطة، كما يمكن جعلهم مساعدين للدعاة في المجتمعات الواسعة. ويجب عدم تكليف من يقل مستواه عن الدراسة الثانوية في علوم الدعوة بأي عمل في مجال الدعوة، وكما جاز اقتصار بعض الطلاب على الدراسة الثانوية فإنه يجوز أن يستمر بعض الطلاب في الدراسات العليا للحصول على الماجستير والدكتوراه في علوم الدعوة. وعلى كليات الدعوة أن تهتم وتخطط لذلك. وبعدما يتخرج الدعاة يكلفون بما أعدوا له وينضمون إلى من سبقهم من الدعاة وبذا لا تنقطع الصلة بهم بعد عملهم حيث يستمر معهم الإشراف والعون والمساعدة والله الموفق..

الدعاة المبعوثين للخارج

الدعاة المبعوثين للخارج العون الواسع ... وبالنسبة للدعاة المبعوثين إلى خارج المجتمع الإسلامي فإنه يجب أن يكونوا متخرجين من كليات الدعوة مع تفوقهم في دراسة البيئات التي سيوجهون إليها ومعرفتهم التامة بلغات من سيدعونهم، وإحاطتهم بمختلف التيارات والمذاهب السائدة بين من سيعيشون معهم. لأنهم بذلك يكونون أقدر على تبليغ الدعوة على وجه بين سديد. ولهؤلاء الدعاة إضافة إلى ما سبق أقترح ما يلي:- 1ـ العون الواسع: يحتاج الدعاة الذين يدعون في الخارج إلى الإنفاق المتعدد الجوانب كوسيلة للدعوة. والواجب إعانتهم بالإمكانيات المادية الواسعة ليؤدوا ما وكل إليهم. ويمكن في هذا المجال الاستفادة بمسلك المبشرين الغربيين الذين يدعون إلى المسيحية في غير بلادهم، إنهم يؤسسون المدارس والجامعات، وينشؤون المستشفيات ويصدرون الصحف والمجلات ويقيمون المؤتمرات والندوات، ويعطون الإعانات، ويمدون الناس بالخدمات المجانية في كل مجال متصور، إنهم يفعلون ذلك وغيره لاستثماره نحو هدفهم بطرق عديدة. والواجب على الدعاة أن يعددوا أنشطتهم وينطلقوا بدعوتهم إلى كافة الأماكن الممكنة. وبكل السبل. وإمدادهم بالمال اللازم لذلك ضرورة واجبة على الدول الإسلامية جميعاً.

تعيين مساعدين للدعاة

2ـ تعيين مساعدين للدعاة: مجالات الدعوة في الخارج عديدة كما ذكرنا والداعية وحده لا يقدر على القيام بها، ولذلك كان إمداده بعدد من الدعاة الأكفاء يعملون كمساعدين

له وفق خطة معينة وهدف مرسوم. وإذا تيسر ذلك انطلق الداعية ومساعدون كفريق متكامل للدعوة بمختلف الوسائل والأساليب، ومن الجائز أن يكون المساعدين الطبيب والمدرس وهكذا. حتى يمكنهم انتشار بين المدعوين، والتوجه إليهم بصورة مقبولة مقنعة. ويوجد حالياً مراكز للدعوة في الخارج ومن الأفضل الاستفادة بخبرات العاملين فيها مع توسيع نشاطها، وتدعيمها بالمال وإمدادها بالدعاة اللازمين. وليس بمستحسن أبداً وقد من الله على المسلمين بنعمه الوفيرة أن يبقى نشاط المراكز الإسلامية قليلاً، ومنحصراً في بعض العواصم الرئيسية في العالم، إن الواجب يجعلني ألح على ضرورة وجود الدعاة في مجاهل إفريقيا وقراها المتناثرة بين الأدغال والصحراء وفي أنحاء كثيرة من آسيا. وفي العالم كله حتى يخلص المسلمون من الواجب الذي كلفوا به جميعاً وهو تبليغ الدعوة إلى العالمين.

حماية الدعاة

3ـ حماية الدعاة: دعاة الخارج يعملون في ببيئة غريبة عنهم، وحمايتهم لذلك واجبة تقوية لثقتهم وتمكيناً لهم من العمل السديد. ويمكن في هذا المجال أن يعطوا الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها ممثلو الدول وذلك أمر سهل لو حاوله المسلمون، إن المبشرين الغربيين يتمتعون بما هو أقوى من هذه الحصانة فجميع ممثلي دولهم في خدمتهم وسياسة دولهم في عونهم وعلى أمثالهم سائرة دعاة الباطل. إن الواجب حماية الدعاة في الخارج بواسطة الحكومات الإسلامية، وسفرائها بكل وسيلة ممكنة، حتى يشعر المسلمون أنهم يبلغون دين الله للناس على وجه بين سديد.

الخاتمة

الخاتمة وبعد.. فكل ما أرجوه من الله تعالى أن يوفق العاملين المخلصين لإنجاح الدعوة وتبليغها للناس، كما أسأله أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه فإليه سبحانه يرجع الأمر كله. وهو نعم المولى ونعم النصير.

إعداد الداعية ومعالجة بعض مشاكل الدعوة للشيخ محمد محمد أبو فرحة

إعداد الداعية ومعالجة بعض مشاكل الدعوة للشيخ محمد محمد أبو فرحة مدخل ... إعداد الداعية ومعالجة بعض مشاكل الدعوة لفضيلة الشيخ محمد محمد أبو فرحة المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ومن اهتدى بهداه ـ وبعد فإن الجامعة الإسلامية التي نسعد اليوم بالاجتماع في رحابها الطيبة الفسيحة قامت لتؤدي رسالة الدعوة إلى الله تعالى وإلى الرجوع إلى دينه الحنيف الصافي مما علق به وزاد فيه على مدى القرون السابقة: من شوائب تمس العقيدة ومن تشقيقات تبلبل الفكر في العبادة ومن سلوك مشين يصرف المسلمين رويداً رويداً عن آداب دينهم وأخلاقه. نعم أقيمت الجامعة لتؤدي هذه الرسالة بعد أن تخلى عن القيام بها أو ضعف التصدي لأعدائها العديد من الجهات. فمنذ تأسست عملت في صمت وسكون على تربية وتدريب أبنائها على القيام بأشرف الأعمال وأعلاها قدراً وأعظمها شأناً وهي الدعوة إلى الله تبارك وتعالى على بصيرة. فلما بعثت بالكثيرين من أبنائها والمتخرجين فيها إلى العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية ووضعت لنفسها وللدعوة نقاط ارتكاز في أنحاء مختلفة من العالم وعلى مدى خمسة عشر عاماً من الزمان وهي مدة النضج لها، بدأت بالدعوة إلى مؤتمركم هذا المبارك إن شاء الله تعالى في هذا الزمان وهذا المكان لتشتركوا معها في رسم خطة طويلة الأمد تتبين على ضوئها خير الطرق وأصلحها للقيام بالدعوة.

الظروف مواتية

الظروف مواتية: وأرى أن الظروف متاحة الآن للدعوة ومهيأة للقيام بها في أنحاء مختلفة بعد أن أصبح المفكرون في العالم كله يتطلعون

إلى منقذ ينقذه مما تردى فيه من فجور وفسوق واضطراب نفس وبلبلة فكر شملت الكبار والصغار والنساء والرجال واستشرى ـ ضرورة في الريف بعد أن عم المدن ولم يجد المفكرون من أهل الأديان الأخرى في أديانهم التي يتدينون بها. ما يسد فراغهم الروحي الديني وما يسكن نفوسهم المضطربة فبدأوا يبحثوا عن مشعل يهديهم السبيل ويقودهم إلى ما يملأ قلوبهم هداية ونفوسهم أمنا. والمجتمعات كلها غارقة فيما جد من مذاهب وما استحدث من مبادئ وكلها تتجاذب الناس إلى ناحيتها وتغريهم بما تنمقه من دعايات وما تزوقه من أساليب وتخاطبهم زورا بما تهفوا له النفوس القلقة وتناديهم بالنغمة التي يسمعونها وتلمس مواضع الآلام في نفوسهم وتتبنى مشكلاتهم وتنصب نفسها للدفاع عنهم والمطالبة بحقوقهم تعدهم بتحقيقها مهما اعترضها من صعاب وتمنيهم بنظام متكامل ينقذ العالم مما تردى فيه من أنظمة براقة ومبادئ وعدته بالسعادة في الدنيا. وبالراحة والأمن والإطمئنان فيها. ولكنها لم تحقق له السعادة بل هوى بسببها في الشقاء ولم تهيء له الأمن فقد أصيب من جرائها بالذعر والخوف. ولم يعد يطمئن على عرض ولا على نفس ولا على مال مما له في الحياة. نعم العالم اليوم في حاجة إلى الإسلام باعتباره نظاما عاما لشئون الحياة يقي البشرية من ويلات الحروب المدمرة ويقر العدل بين الناس ويطبق الإخاء والمساواة بين البشر وينشل الإنسان مما تردى فيه من وحل المادية الوبيئة الآسنة: بعد أن جرب العقائد الأخرى فانحطت بإنسانيته إلى ما دون ـ الحيوانات وبعد أن جرب نظام الرأسمالية والشيوعية: فاعتصره الأول وأذله ومحا إنسانيته الثاني. وفشلت الأنظمة الأرضية كلها في تحقيق أدنى طمأنينة للإنسان. أيها الإخوة: إن قضية الدعوة في الزمان الحاضر تختلف تمام الإختلاف عنها في الماضي فمشكلاتها اليوم شملت الأسرة وامتزجت بالمجتمع وتغلغلت في الأنظمة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والتعليمية كما صبغت بألوان الجنس واللون والوطن والقومية وتعددت المذاهب والمبادئ وخطط للقضاء على القيم الروحية والأخلاقية تخطيط مادي ونفسي واجتماعي يهدف أول ما يهدف إلى تفتيت الأسرة بإعتبارها اللبنة الأولى في كيان المجتمع. واستغلت في ذلك

وسائل الإعلام والتي يدفع الجمهور المجني عليه منها نفقاته من دمه. سواء في ذلك الصحافة والإذاعة والتلفزة والأفلام المتنقلة داخل البيوت في صمت وخفاء، بما يجعل دعوة الفساد والخروج على روح الأديان كلها وعلى القيم الأخلاقية، يصل إلى النساء والأمهات في خدورهن ومخادعهن وإلى الشباب في معاهدهم ومصانعهم ويصل إلى الفلاحين في حقولهم وإلى المسافرين على سطوح البحار أو على متون القفار. وساعد أصحاب الأغراض والأهواء على إشاعتها وأغمض الحكام وأولوا الأمر (أغلب الدول) عيونهم عن أضرارها: إما لهوى في نفوسهم أو شرا، لعواطف الجماهير أو رغبة في تمييع الشعوب وصرفها عن مناقشة سياستهم ومطالبتهم ـ بالإصلاحات الداخلية وشارك بعض الآباء أولادهم في سيرهم وشجعوهم على إنحرافهم إما يأسا من إصلاحهم وإما لهوى في نفوسهم. كما أن الأنظمة الحكومية التي كانت تبيح النشاطات الإصلاحية قد انتهت أو كادت وحل محلها أنظمة أخرى فيها دكتاتورية جامحة تربي قادتها وأولوا الأمر فيها على الحقد على الإسلام وعلى إحتقار المسلمين.

مهمة الداعي

مهمة الداعي مما سبق يتضح أن مهمة الداعي الإسلامي أصبحت شاقة وصعبة ودقيقة جداً لأنه يعيش في هذا الجو بنفسه وبأسرته فأينما يوجه وجهه يرى الفساد ويسمعه ويقرأه. وتعرض عليه نماذجه في كل ميدان من ميادين حياته. بل وتقتحم عليه مسكنه وغرقة نومه، وكلها مداخل يتسرب منها اليأس إلى نفسه وضباب يحجب الرؤية الصادقة والصافية عن فكره ما لم يكن مؤمنا قوي الإيمان بالله ذا عزيمة قوية صلبة منح التوقيق والعون من الله. وأعد الأعداء المناسب من قيادته. وكانت عنده الإستعدادت الفطرية والمكتسبة للعمل العظيم الذي يوكل إليه القيام به.

واجب هيئات الدعوة

واجب هيئات الدعوة ومن هنا كان على كل هيئة تنصب نفسها للقيام بالدعوة أو تقوم بها فعلا أن تأخذ في إعتبارها هذه العوامل فتغير من أسلوبها وحركتها وأنظمتها وأساليب تربيتها لدعاتها وإعدادهم إعدادا سليما ودقيقا يتناسب مع البيئة السابق وصفها لتخريج دعاة، عندهم المقدرة لعرض أفكار الإسلام ومبادئه تناسب العصر الذي نعيش فيه. بأساليب تلفت نظر الحيارى من أهل العصر إلى الإسلام

بتوضيح أغراضه من غير تعقيد موئس. ولا تزمت منفر. وبلا تفريط أو تساهل يحطم بنيان الإسلام ويؤدي بالدعوة ويجعلها تنماع في مجتمعها وتصبح رسالة شكلية وصورة بلا حقيقة كما عليه أكثر هيئات الدعوة الآن: إسلاميتها عنوان يكتب ووصف يذكر. وليس لها حقيقة تعرف. فالإسلام يحتاج إلى دعاة يخاطبون الجماهير بما يؤثر فيهم ويلمسون مواضع العلة في نفوسهم وفي مجتمعاتهم ويصفون لهم من أدوية الإسلام وعلاجاته ما يخفف آلامهم ويضمد جراحهم. كما يخاطبون الناس بمقدار ما يفهمون فينزلون ـ إلى مستوى العامة ويرتفعون إلى مستوى المثقفين, فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن تخاطب الناس على مقدار عقولهم. ولكل مقام مقال يناسبه.

الطريق إلى الدعوة

الطريق إلى الدعوة ولعل الطريق الوصل إلى تحقيق الهدف والتغلب على ما سبق بيانه من مشكلات أن تكون الدعوة قائمة على أسس سليمة وأن ترسم لها لطرق بحيث يكون لكل جهة ما يناسبها من أساليب. وأن يكون القائمين بها نماذج حية لما يدعون إليه. وقدوة حسنة تلتزم العمل بما تأمر به وتتجافى عما تنهى عنه نماذج تعلن عن دعوتها بنفسها، وبسيرتها الطيبة ومعاملاتها الحسنة. وعلم أفرادها: العلم الصحيح الفياض وحرصهم على نفع الناس وعطفهم على الضعيف وتعليم الجاهل: وذلك قبل أن تعلن عن هدفها بخطبها ومطبوعاتها. ولأجل تكوين الداعي الذي يخوض المعركة بنجاح وظفر أرى أن يتبع ما يأتي: 1ـ تكوين هيئة تخطط للدعوة وتشرف على تنفيذ مخططها. 2ـ اختيار من يؤهلون للدعوة. 3ـ تخصيص إحدى الكليات لتأهيل الدعاة. 4ـ التفرقة بين الدعوة في التأهيل. 5ـ العناية بالناحية العملية. 6ـ واجب الدعاة نحو أنفسهم.

هيئة عامة للدعوة

هيئة عامة للدعوة وأرى أن يرشح مؤتمركم الموقر هيئة عامة للدعوة من العالم الإسلامي بعامته ليكون لهذه الهيئة: ـ 1ـ الصفة والصبغة الدولية العامة ويصبح لها من الحقوق القانونية الدولية ما لهيئات التبشير العالمية. 2ـ أن تحصل على المعونات المالية المخصصة لهيئات التبشير العالمية من هيئة الأمم المتحدة التي تشترط

لذلك اشتراك ثلاث دول على الأقل في الهيئة. 3ـ ولإزجاء الحماس الديني في نفوس الجماهير والقادة والزعماء والأغنياء من المسلمين إذا شعروا بأن لهم دعوة إسلامية منظمة تشرف عليها هيئة محترمة توجهها وتقوم على رعايتها. ويختار أعضاؤعها من الأشخاص الظاهرين في مجال الدعوة ممن يمكن الإنتفاع بهم في مجالها والتخطيط لها ومباشرة التنفيد والتطبيق لخططها. على أن يكون عند كل عضو منهم الرغبة الصادقة في العمل وفي تحمل المسؤولية وفي الإستعداد للسفر لأية جهة إذا دعت الضرورة إلى سفره. وإذا كان هناك أشخاص لم تتح لهم الفرصة لحضور مؤتمركم المبارك إن شاء الله تعالى فلتكتب إليه رياسة المؤتمر مرشحة له للاشتراك في هذا العمل الكريم. ويمكن إجمال الفئات التي تشترك في هذه الهيئة فيما يأتي:- 1ـ كبار علماء الدين. 2ـ كبار المشتغلين بالكتابة عن الدعوة لما لهم من أفق واسع ودراسات في هذا الشأن على المدى الطويل. سواء كان ظهورهم على المستوى العالمي أو المستوى الإقليمي. 3ـ كبار القائمين بالدعوة بالفعل سواء لمعت أسماؤهم أم هم يعملون في صمت وسكون فإن هناك أناساً في قلب إفريقيا يعملون في حقل الدعوة ولا يحس بهم أحد خارج القارة. ولكن تأثيرهم كبير جداً في مناطقهم وهم ملوك غير متوجين فيها وأرى أن نكسبهم في صفوف الدعوة ونختار من بينهم أفراداً في الهيئة ونزودهم بما عساهم في حاجة إليه من معلومات ونمدهم بالمال الذي يمكنهم من العمل ونشد أزرهم بما يحتاجون إليه من دعاة ناشئين. 4ـ أساتذة من علماء النفس والاجتماع ممن استقوا علومهم ومعارفهم من المعين الإسلامي أو هم ممن قعدوا القواعد النفسية والاجتماعية على الأسس الإسلامية. 5ـ بعض المصلحين من خريجي الجامعات الأخرى (عربية أو غربية) . 6ـ ممثلون ماليون عن الدول التي تساهم في التمويل ليطمئن الجميع على أن أموالهم تصرف في مهامها وبنظام مقبول متفق عليه. وليشتركوا في تقدير الميزانيات (إيرادات ومصروفات) .

فإن قيام دعوة عامة في العالم يتطلب أموالاً طائلة ونفقات كثيرة. ومن الخير بل من الواجب أن يساهم في نفقات الدعوة جميع قادة المسلمين وزعماؤهم، وأغنياؤهم لأن نشر الدعوة يهم الجميع. فليسهم فيه كل المستطعين مما استخلفهم الله فيه. (وليكن لنا في أوربا وأمريكا وأغنيائهم وشركاتهم في إسهامهم بالأموال السائلة والعينية في التبشير بالنصرانية الزائفة التي تمكن لهم في إفريقية وآسيا: ليكن لنا بذلك درس ونحن أحق منهم بذلك) . فإن لم تسهم الدول في هذه النفقات قامت المملكة العربية السعودية بالتمويل وأعتقد أن عندها الاستعداد لذلك. هذا وإن وجود الفئات السابقة في هيئة الدعوة ضروري. فالعمل ضخم جداً لا يستهان به. ويحتاج إلى تعاون في القيام به مع مراعاة الاعتبارات المختلفة التي تحتاج إلى كل هذه القدرات وإلى كل هذه الخبرات أيضاً. بل هي في حاجة إلى المزيد من الخبرات الأخرى مما سيكشف عنه التطبيق العملي إن شاء الله تعالى.

مهمة الهيئة

(مهمة الهيئة) ومن المهام الأساسية للهيئة التخطيط المركزي للدعوة وتنسيق جهود الدعاة واقتراح المناهج الدراسية لتأهيلهم والتمرين العملي لهم. والمناطق التي يعملون بها واختيار الأساتذة المتخصصين. ومفاوضة الرسميين من الجهات التي يرسل إليها الدعاة والاتفاق معهم على إيفاد العدد المناسب منهم إليها. وكيفية تمويلهم وتيسير تنقلاتهم وما يمكن أن يمنحوا من امتيازات لمبانيهم وفي انتقالاتهم وفي طبع كتبهم وأوراقهم وفي استئجار الأماكن التي يحتاجونها وفي استيراد ما يحتاجون إليه من الخارج من مطبوعات وملابس وأدوات. إلخ حتى يتهيأ الجو المناسب للعمل. ويكون التخطيط للدعوة على الأمد القريب وعلى الأمد البعيد في الجهات المختلفة. مع البدء بالمناطق الحساسة والتي تصلح أن تكون مراكز تنطلق منها الدعوة في اتجاهات مختلفة ومع مراعاة أن يكون التخطيط مرناً قابلاً للتعديل والتغيير والزيادة أو النقص منه حسب ما تقتضي مصلحة العمل وتحقيق الأهداف كما تدرس الهيئة وبإمعان خطط من سبقونا في الدعايات الدينية من هيئات التبشير العالمية لتأخذ منها ما تراه صالحاً لتطبيقه وتجنب ما باء منها بالفشل أو ترتب عليه أثر سيء مع ملاحظة أن للإسلام مزاياه قد يصلح في الدعوة الإسلامية

ما لم يصلح للتبشير بالنصرانية أو البوذية.

مقر الهيئة

مقر الهيئة ويكون مقر الهيئة المدينة المنورة: لأنها مهبط الوحي ومنزل التشريع ومنطلق مواكب الدعوة لأول مرة في تاريخ الإسلام، ولما لها من تأثير روحي عميق في نفوس الجميع. وتعمل الهيئة على تكوين مراكز إقليمية لها في المناطق الهامة لدراسة مناطقها ثم يتفرع من المناطق فروع أخرى في الأماكن التي تصلح لذلك لتأخذ هي الأخرى دورها في الاتساع والنمو. أما المناطق فتشرف على توجيه الدعاة في الدولة أو الدول التي تقع في اختصاصها لتشترك معهم في مناقشة ما يعرض لهم من مشاكل وفي دراسة ما يعترضهم من صعاب للوصول إلى الحلول المناسبة التي تتفق مع البيئة ثم تتولى رفعها إلى الهيئة العامة لدراستها وإقرار ما تراه يتفق مع الهدف. وتعميم ما يمكن الانتفاع به في الجهات الأخرى لتلقيح الأفكار وتبادل الخبرات والمعلومات. وعلى أن تكون الهيئة الإقليمية مركز اتصال دائم بين الدعاة في منطقتها وبين الهيئة العامة المركزية. وأن يتصل الدعاة في المنطقة بعضهم ببعض في اجتماعات دورية بمقر المنطقة وبذلك تكون حلقة الاتصال بين الجميع محكمة وكاملة مع تسلسل القيادات. ملاحظة: يجب أن تطول مدة إقامة الداعي بمنطقته فكلما طالت مدته كان تأثيره أكبر وكان عمله فيها أرسخ. هذا وليس من الضروري القيام بكل هذه الأعمال دفعة واحدة فإن التدرج في أعمال الدعوة أكثر فائدة لها وآمن لها من العثار خصوصاً وأنها تتصل بسياسات الدول كما أنها تتصل بعقائد الجماهير. وكلاهما يحتاج إلى معاملة خاصة ودقيقة.

كلية خاصة بالدعوة

كلية خاصة بالدعوة مدخل ... كلية خاصة بالدعوة تخصص كلية لتكوين الدعاة فيها وصهرهم في بوتقتها وصياغتهم على يد أساتذة متخصصين وتخريجهم فيها بعد تسليحهم بالمواد العلمية المناسبة للبيئة التي يبعثون إليها. على أن تكون مدة الدراسة في الكلية أربع سنوات. يتبعها تخصص في شعب ثلاث. المدرسون:- يختارون من بين الأساتذة البارزين في مجال الدعوة بالكتابة أو التأليف أو بالقيام الفعلي بالدعوة وسواء كانوا على المستوى الدولي أو الإقليمي. على أن يكون اختيارهم بعيداً عن المجاملات والترضيات الإقليمية أو العصبية ليسير دولاب العمل في جد وحزم وليخرجوا

دعاة جادين بعد تمرينهم التمرينات المثمرة، وحتى لا يتخرج في هذه الكلية إلا من كانت عنده الصلاحية الحقيقية للقيام بدوره على الوجه الأكمل. بلا نظر لتحصيل لقمة العيش أو إصلاح الحالة المالية أو التخلص منه للانتفاع بمكانه لغيره. اختيار الطلاب: إن هيئة التبشير العالمية تربي دعاتها في مدارس مستقلة يطلق عليها اسم (مدارس اللاهوت) وتبدأ من التعليم المتوسط ثم الثانوي ثم العالي ثم التخصص وتوجد هذه المدارس في بلاد جنوب السودان وفي نيجيريا وفي لبنان.. إلخ. ثم في الفتيكان يتخصص المتخرجون في هذه المدارس ويوجهون إلى الأماكن التي يعملون فيها طبقاً لما تخصصوا فيه وكثيراً ما يستعيرون أطباء أو مهندسين أو عمالاً زراعيين للعمل معهم إذا لزم الأمر. فإذا كان إيجاد هذا النظام متعذر عندنا الآن أو كان الوقت مبكراً عن انتهاجه أو أنه لم يصلح عندنا لأي سبب من الأسباب فإني أضع أمام الهيئة الاقتراح الآتي: أولاً يراقب طلاب الأقسام الثانوية بالمعاهد الدينية مراقبة دقيقة ويجعل لكل منهم ملف خاص تدون فيه مراحل حياته العلمية كما تدون فيه حالته النفسية من ناحية استعداده الفطري وتكوينه العصبي والإرادي وقدراته الفكرية والنفسية. ومن ناحية التحمل والصبر والتجلد أمام المتاعب ومن ناحية التخلق بالتؤدة في مقابلة وحل ما يصادفه من مشاكل تجعل في طريقه عن عمد وبعد دراسة وإحكام. وتفرض عليه فرضاً ليتعود على المجالدة ويتمر على حل ما يصادفه وهو لا يزال غضاً. كما تتكون عنده الإرادة الصلبة وهو لا يزال يافعاً، كما يراقب من ناحية إخلاصه في عمله وجديته فيه واهتمامه به. فإذا انتهى القسم الثانوي يختار لكلية الدعوة من بين الناجحين من ثبتت صلاحيته ولو لم يحصل على درجة الامتياز في المادة العلمية الصرفة. ثانياً يختار للمعاهد الثانوية طلاب من أبناء البلاد التي ترى الهيئة نشر الدعوة فيها. ويسري على السابقين من إخوانهم. لاختيار العديد منهم في كلية الدعوة. ليعودوا إلى قومهم يدعونهم بلسانهم وينشرون دعوة الله بينهم. وهم أقدر على نشرها

هناك من غيرهم وخاصة إذا كان اختيارهم من أبناء أصحاب الجاه والسلطان في بلادهم. ومن هم في درجة عالية من الذكاء الفطري والاستعداد النفسي لنشر الدعوة ثم ليكون هؤلاء مراكز للدعوة من ناحية وللإسلام من ناحية أخرى وسط عشيرتهم وفي بلادهم وفيما يجاورها من بلاد حتى لو انتكست الدعوة في هذه الجهة لأي سبب (ولا قدر الله) فسوف يبقى هؤلاء قائمين بها مبشرين بالإسلام هناك لأن قلوبهم أشربت به وبتعاليمه. وندر أن يخرج الإسلام من قلب استنار وسكن فيه عن علم ومعرفة. ثالثاً كما يسمح بالقبول في الكلية عند الاحتياج إلى الطلاب: لمن توجد عنده أصول صفات الداعي النفسية والذهنية من غير أن يجعل التقدم العلمي وحده وسيلة القبول الوحيدة فيها. إذ ليس التقدم العلمي وحده دليلاً على صلاحية صاحبه للقيام بهذا الواجب المقدس. وخاصة إذا نأى مكان العمل عن مكان الوطن.. كما أنه كثيراً ما يكون الترف حائلاً بين الأفراد وبين انخراطهم في سلك الدعاة في الأماكن التي تتمتع بقسط كبير من البدائية. وكذلك في بيئات المدنية الصاخبة إذ سرعان ما يسقط فيها تاركاً عمله مهملاً رسالته: هارباً من الأولى منماعاً في الثانية. ويراعى فيكل من يختار من الفيئات الثلاث فصاحة اللسان وترتيب الفكر ليستطيع تصوير ما ينهى عنه بصورة تقبح في نفوس المدعوين. وتصوير ما يدعو إليه بصورة تجذب الجماهير فتأوي إليه وتعيش في كنفه.

المواد الدراسية

المواد الدراسية يدرس الطلاب في كلية الدعوة العلوم الدينية والثقافة وأهمها ما يلي:- 1ـ حفظ القرآن الكريم كله أو جله على الأقل ليكون على علم بكتاب الله تبارك وتعالى وما جاء فيه من أوامر ونواهي.. إلخ. وبهذه المناسبة أذكر أنني كنت في زيارة لشمال أوغنده سنة 1954م وسمعت حوار بين رجل يتصدى لوعظ الناس وأحد الخبثاء الذي زور كلاما وادعى أنه آية من كتاب الله تعالى وطلب إلى الواعظ تفسيرها وعندما بدأ الرجل يتكلم في تفسيرها نبهته إلى أن هذا الكلام ليس من كلام الله وانكشفت الحيلة وأحرج الرجلان.

كذلك دراسة علوم القرآن من تفسيره وناسخه ومنسوخه وتنزلاته وأسباب النزول وبعض قراآته.. إلخ وأن يجمع الطالب في قراءته بين ما كتبه الأقدمون ليطلع على ما ورد من آثار وآراء وبين ما كتبه المتأخرون ليطلع على رأيهم اتجاه ما جد من ـ علوم ومعارف وعلى تفسيرهم للظواهر الكونية مع ملاحظة أن منها ما كان على سبيل ـ الإحتمال أو الظن فلا يقول به ومنها ما ظهرت حقيقته وتبين يقينه. 2ـ دراسة التوحيد بالقدر الكافي الذي يصحح به عقيدته والذي يستطيع أن ـ يصحح به عقيدة من يدعوهم. فإن الأساس الأول والأخير. في الدعوة إنما هو تصحيح العقيدة، وإذا صحت العقيدة فكل ما يبنى عليها صحيح أما إذا فشلت العقيدة فلا حدود لما يبنى عليها من باطل وضلال. 3ـ دراسة الحديث الشريف وعلومه. 4ـ دراسة السيرة النبوية بتوسع واستقصاء مع دراسة ما أثير حول الرسول صلى الله عليه وسلم من شبه وأراجيف تافهة ضد الإسلام ونبيه برع في نسجها الحاقدون من المستشرقين أمثال (جب. وجولد زيهير. شاخت. دوزي.. إلخ) ودراسة الرد عليها وتفنيدها. وكذلك دراسة سيرة الخلفاء الراشدين. 5ـ دراسة أسس الدعوة ويغرس في نفسه مع دراسة هذه المادة أن ما يدعو إليه هو الحق لا شك فيه وهو أشرف الأعمال وأعلاها قدرا وأعظمها شأنا وأكثرها ثوابا وأنه يقوم بذلك نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفذ المنهج الإسلامي والدور الرئيسي للأمة الإسلامية الذي كلفها الله به في كتابه الكريم وقرآنه الخالد. وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهو المنهج القائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى الدعوة لدين الله تبارك وتعالى بالطرق الممكنة والأساليب المؤثرة في مثل قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} آل عمران 110، وقوله تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران 104. وأنه إن استجاب له ولو فرد واحد

فاهتدى فهو خير له لمثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم". 6ـ دراسة الأديان المشهورة دراسة تستوعب معرفة المحرف منها والمعدل فيها وما اختفى من تشريعاتها وما زيد عليها ومواضع ذلك كله من كتبها. وكذلك تحديد ما نقلته الديانات المنسوبة إلى السماء من الديانات الأرضية لبعض عقائدها وتشريعاتها وتحديد ذلك في كتب الجهتين المنقول منها والمنقول إليها. كنقل اليهودية من البرهمية ونقل النصرانية من البوذية ومن الوثنية اليونانية. كذلك دراسة ما في الأديان من ثغرات ونقط ضعف ومقارنة ذلك بالإسلام، ليستغلها الداعي في زعزعة عقيدة المنتسبين إلأى هذه الأديان. 7ـ دراسة الفرق الدينية التي تنتسب إلى الإسلام وهي تحاربه. 8ـ دراسة علم النفس. وخاصة قسمي: نفسية الأفراد. ونفسية الجماهيرعلى أن تكون الدراسة على يد أساتذة درسوا المادة من زاوية الإسلام. فإن الداعي الدارس لعلم النفس في القسمين المذكورين يستطيع أن يتعرف على ما يتنازع النفس من ميول وأهواء وغرائز يستغلها في دعوته. كاستغلال غريزة التدين في نفوس غير المتدينين واستغلال العاطفة الدينية فيمن هم على أديان باطلة لاعتناق الدين الصحيح. ولقد أمر القرآن الكريم بدراسة النفس البشرية في قوله تعالى {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} كما بين تبارك وتعالى في كثير من آي القرآن الكريم منازع النفس البشرية واتجاهاتها إزاء العديد من مشاكل دعوة الرسل التي قصها القرآن الكريم علينا. 9ـ دراسة علم الاجتماع وعلم التاريخ العام ليتعرف على الكثير من سنن الله تبارك وتعالى مقعدة في قيام الدول وعز الأمم وطول ايامها وأسباب انهيارها وليتعرف على صورة تكوينها وطرق تفكيرها وكيفية التأثير فيها. ولعل ذلك ما يدعو إليه القرآن الكريم في مثل قوله تعالى {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ

عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} آل عمران 137 وقوله تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} محمد 1. وقوله تعالى {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} الإسراء 16. 10ـ أدب البحث والمناظرة بما يكفي أن ينظم جدله ومناظرته.

التفرقة في التخصص

التفرقة في التخصص وبعد انتهاء الدراسة في الكلية يتخصص الطلاب في شعب ثلاث بعد دراسة ميول كل طالب واستعداداته للعمل بالمنطقة التي تناسب ظروفه الصحية والعقلية والعلمية ليلحق بالشعبة التي تناسبه من الشعب الثلاث الآتية: الشعبة الأولى: وتخصص لإعداد الدعاة لأهم الميادين. وهو الميدان الداخلي في العالم الإسلامي حيث نقل الأعداء إليهم ميدان دعوتهم. ونجحوا في بلبلة أفكار الكثيرين من أهله. ولا يزالون يقذفون في هذا الميدان بدعاتهم ومطبوعاتهم ورشاويهم ويعملون جادين على إلحاق من يربونهم بوسائل الإعلام المختلفة لينفوا مناهجهم التي رسموها كما يعملون جادين بوسائل مختلفة على رفعهم إلى مكان الصدارة فيها. تخصص هذه الشعبة لإعداد الدعاة للعمل في العالم الإسلامي للرجوع به إلى أسسه السليمة وإلى تعاليم الإسلام الرشيدة. قبل أن يهوي به حكامه بعيدا عن الإسلام بدساتيرهم الصناعية التي تبيح أنواع الكبائر كما تبيح الإرتداد عن الإسلام تحت إسم الحرية الدينية وفي الوقت نفسه تحمي القائمين بإنتهاك الحرمات والأعراض وتحليل الكبائر والدعوة إلى الإلحادية والزندقية من سخط الجماهير المتدينة تشجيعا للأولين وإذلالا للآخرين. ولكي يؤدي هؤلاء واجبهم على الوجه المرغوب ويحققوا الثمرة الموجودة من دعوتهم وجب أن يختار لها أوسع العلماء أفقا وأرجحهم عقلا وأقواهم إدراكا وأشدهم تمسكا بالصحيح. فلا تسيطر عليهم تعقيدات المتأخرين من المؤلفين ولا تخريجات ـ المتساهلين التي توقع الناس في الحيرة وتدعهم يسيرون في متاهات من المجادلات تضيع في زحمتها حقائق الإسلام النقية الصافية. ويدرس هؤلاء في هذه الشعبة عادات وتقاليد البلاد التي سيوفدون إليها وأنواع البدع والخرفات السائدة فيهم ولغتهم

إن كانوا يتكلمون بغير العربية وأنظمة الحكومة ومراكز القوة والطرق الصوفية التي تعمل هناك ومواضع مخالفتها للعقيدة الصحيحة وكذلك المذاهب والمبادئ الفاسدة والتي تعمل ضد الإسلام ليكون عند الداعي الإدراك الكامل عما في المنطقة وعن علاجه قبل أن يذهب إلى عمله حتى لا يتعثر إذا عرضت عليه وواجهته على غير علم بها. الشعبة الثانية: تخصص هذه الشعبة لتأهيل الدعاة الذين يوفدون إلى البلاد الوثنية أوـ اللادينية ويدرس هؤلاء جغرافية البلاد التي سيعملون بها من ناحية طبيعتها ومناخها ونباتاتها وحيواناتها وأمطارها وأنهارها. وأهم مدنها وقراها. وما فيها من أمن وإضطراب وقلق. ومصادر ثروتها الطبيعية والصناعية والزراعية. كما يدرسون تاريخ البلاد وأجناس سكانها وخصائصهم وعباداتهم وعقائدهم وتقاليدهم وعاداتهم وخرافاتهم وما اعترى سكان هذه البلاد من أطوار سياسية وتحولات اجتماعية ومن استعمار وعلاقاتها بالدول المجاورة وبالشعوب الأخرى وبالعالم الإسلامي في الماضي والحاضر وعلاقات الأكثرية الوثنية بالأقلية المسلمة. ثم أحوال المسلمين الدينية ومذاهبهم العقائدية والتعبدية. والطرق الصوفية. ودراسة النشاط الديني (مسيحي أو بوذي أو غيرهما) والإرساليات التي تعمل بهذه البلاد وأجناسها ومذاهبها الدينية وخلافاتها الأصلية وما آلت إليه. وأسباب نجاح الإرساليات أو فشلها ونظرة المواطنين إليها وعلاقتها بالحكام. كما يدرس هؤلاء لغة أو لغتين من أهم اللغات المحلية. فإنه لا يكفي أن يعرف المبعوث اللغة الأجبنية (إنجليزية أو فرنسية) التي تنتشر في هذه المنطقة لأنه لا يبعث للمثقفين والمتعلمين فقط لأنهم قلة قليلة بل سيخاطب القاعدة الشعبية والمثقفون والجماهير يتكلمون جميعا بلغتهم المحلية والداعي الذي يكلم القوم بلسانهم أقرب إلى قلوبهم وفي استطاعته أن يتسلط عليهم. ومن أمثلة اللغات المحلية الهامة في بعض المناطق: 1ـ في جنوب السودان: لغة الدينكا والنوير والزاندي. 2ـ في شرق إفريقيا وجنوبها: اللغة السواحلية. 3ـ في غرب إفريقيا: اللغة الهوساوية.

مع مراعاة أن يكون عند المبعوث إلمام بالمبادئ العامة للتمريض. فهو في أشد الحاجة إليها في هذه المناطق. كما أن لها أثراً كبيراً في التأثير على سكانها. وإذا ضم إلى المبعوث من يعرف بعض الصناعات المناسبة للخدمات الموجودة في البيئة يكون النجاح كبيراً إن شاء الله تعالى. الشعبة الثالثة: وتخصص لإعداد الدعاة الذين يبعثون إلى أوربا وأمريكا لنقل ميدان الدعوة إلى الإسلام إلى بلادهم. ولوجود البيئة الخصبة لفهم قواعد الإسلام التي يجدون فيها طلباتهم وبغيتهم والذي يؤهل للدعوة في هذه البلاد ينبغي أن يدرس جغرافية البلاد التي يذهب إليها وتاريخها وتطوراتها في الصناعة ومختلف العلوم. وأن يتسلح بالعلوم الحديثة فوق إلمامه بمنطق القرآن وأحكامه وتفسيره وأن يكون ذا دراية تامة بالسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وإلمامه بحكمة التشريع وتاريخ التشريع بما يجعل موقفه قوياً وسط قوم وصلوا إلى درة عالية من العلم والمعرفة. ثم لا بد من إتقانه إحدى اللغتين الإنجليزية والفرنسية لأنهما المنتشرتان في أوربا وأمريكا أوإتقانه لغة البلاد الخاصة. كما يدرس الخلافات المسيحية التي نشبت بين الكاثوليك والأرثوذكس من ناحية وبين الكاثوليك والبروتستانت من ناحية أخرى ودراسة قرارات المجامع المسيحية التي غيرت وجهها إلى وجه وثني كالح غير مترابط الجزئيات مع مناقضته التامة للمعقول. ودراسة علاقة أوربا بأمريكا والعكس ودراسة الاستعمار القديم والحديث وأثرهما السيئ في المجتمع الإسلامي من تفكك وتخلف وفقر وانحدار. وكذلك دراسة ما أحدثته الحضارة الحديثة في العالم من شرور وآثار سيئة وانحلال خلقي ظهرت آثاره في المجتمعات الغربية (الهيبية وإخواتها) وكذلك دراسة الحروب الصليبية بأسبابها ونتائجها وما اتسمت به من تعصب أعمى وإلى أين انتهت كما يدرس رأي الطبقات المستنيرة هناك عن الدينين: اليهودي والنصراني. وعن الكنيسة والبابوات وتقاليدهما وعاداتهما. ونظرة المثقفين إلى الإسلام من خلال كتبه وفلسفته ومن خلال سلوك المسلمين وأحوالهم وتخلفهم وفقرهم ونظرتهم إلى الأديان الأخرى. ودراسة الصهيونية وموقفها من المسيحية ومن الإسلام وأثرها في تدعيم الإستعمار ووقوفها مع مراكز القوة الدولية من غير مبدأ ثابت. ورغبتها في السيطرة على العالم أجمع. وكذلك دراسة الشيوعية وما يسبقها من نظريات ماركسية

وفلسفات لينينة. ثم دراسة ما كتبه.. المستشرقون عن الإسلام وعن نبي الإسلام ودراسة ما نمقوه وزوروه في تلك البلاد التي خلت من مناقش لهم أو محاسب كما خلت من كاشف للحقيقة وفاضح للأكاذيب والكذابين أول بأول. ودراسة الردود الحاسمة على كل ما كتب. ثم لتعقب ما يكتب بعد ذلك والرد عليه في حينه ليطلع الرأي العام والقراء على الاتهام وعلى الرد الصحيح.

الناحية العملية في تربية الدعاة

(الناحية العملية في تربية الدعاة) يعنى بتربية الدعاة عمليا من أول يوم يدرسون في الكلية. وتشمل التربية العملية أمرين اثنين:- 1ـ العناية الفائقة بالناحية الروحية فإن الناحية الروحية في أعلى القمة لتربية الداعي. فإنه إذا كان معقود الصلة بالله تعالى. وكان قلبه محرابا لا يعبد فيه غير الله لا يشاركه فيه مال أو جاه أو سلطان. وكانت نيته الخالصة إقامة دين الله تعالى كان عون الله يلاحقه في كل عمل وكان الله لسانه الناطق وقويت فراسته وصدقت ظنونه. وعلا بنفسه وبدعوته عن سفساف الأمور. واستطاع بصفاء نفسه وقوة روحه أن يؤثر في الناس حوله وأن يكون تأثيره فيهم عميقاً ودائما. 2ـ العناية بالتدريبات العملية في الخطابة والوعظ في الدروس العامة في البيئات المختلفة تبدأ من البدائية والبدوية ثم في المساجد ليتعود الطلاب على مقابلة الجماهير والتحدث إليهم. ويقضي الطلاب كثيراً من أيام العطلات خارج المدينة في معسكرات بصحبة بعض الأساتذة لتأكيد الناحية الروحية عندهم. وفي الإجازات الصيفية يقضي الطلاب بصحبة بعض الأساتذة جزءاً منها في بعض البلاد الداخلية البعيدة أو في البلاد الخارجية التي تختار لهم ليتعرفوا أحوال الناس وليتعودوا على السفر والإقامة بعيداً عن أهليهم وليتمرنوا على الدعوة. مع مراعاة العناية بالناحية الروحية العالية وفي الصيف الأخير يرسل كل فريق إلى البلاد التي سيكلفون موضعاً لعملهم. للتعرف عليها ولتطبيق ما درسوه على واقع الحياة هناك. وليكون لكل طالب ألف بالبيئة الجديدة.

واجب الدعاة نحو أنفسهم

واجب الدعاة نحو أنفسهم وعلى الدعاة أنفسهم أن يكونوا مثلا يحتذى فإن وجودهم في البيئة دعوة

وسيرهم في الطريق العام للدعوة وكلامهم دعوة وعملهم دعوة. فليتقوا الله في أنفسهم وليعلموا أنهم محط الأنظار وموضع القدوة وعلى كل داع أن يراعي ما يلي:- 1ـ أن يكون معقود الصلة بالله تبارك وتعالى وأن يكون قلبه معلقاً به وعليه ألا يغفل عن ذكر الله عند كل عمل أو قول وأن يظل دائم الرجاء لله. 2ـ أن يؤمن إيماناً جازماً بأن ما يدعو إليه هو الحق لا شك فيه والصحيح الذي لا خطأ فيه ليكون تأثيره قويا وأن يؤمن كذلك بأنه يقوم بأشرف الأعمال وأعظمها أجرا لأنه يعمل على تحقيق قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} كما أنه نائب عن رسل الله جميعا. 3ـ أن يلتزم التزاما كاملا في قوله وفعله وتفكيره وسلوكه بأحكام الإسلام وتشريعاته. وأن ينظر للحياة كلها بمنظار الإسلام حتى لا يكون مزدوج الشخصية بين ما يدعوإليه وبين ما يأتيه في سلوكه فيهدم دعوته بنفسه. 4ـ أن يتفرغ للدعوة ولا يشتغل بغيرها من التجارة أو الزراعة.. إلخ. 5ـ أن يبتعد عن السياسة مطلقاً حتى لا يكون هدفاً سهلاً لسهام خصومه ويتجرأ عليه الناس1. 6ـ أن يكون شجاعاً في مواجهة الأمور من غير تهور في إبداء رأيه وأن يثبت بجانب الحق لا يتلون. 7ـ أن يتجمل بالصبر وعدم استعجال النتائج فقد بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو قومهم فلم يزد عدد من آمن به عن خمسين ومائة فرد. 8ـ أن يتعود التدرج في الدعوة وتقديم الأهم على المهم وتلك كانت دعوة الرسل ودعوة الرسول صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً. يشهد بذلك نصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل المذكورة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "أنك ستأتي قوماً أهل كتاب فادعوهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله. فإن هم

_ 1 لا مندوحة للداعية من توجيه النصح إلى رجال السياسة بالحكم والموعظة الحسنة ـ (المجلة) .

أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض خمس صلوات في اليوم والليلة. فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم.. الحديث ". وكذلك كانت تشريعات الإسلام. 9ـ أن يوطن نفسه بأنه ستسلط عليه حرب الأعصاب من جبهات متعددة فعليه الثبات على حقه في صبر وليقرأ في ذلك ما وجه إلى الرسول منها في مثل ما أشار إليه القرآن بقوله {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} .. الآيات وغيرها. وكذلك حرب الدعايات بين الدول قديما وحديثا والتاريخ الحديث مفعم بالكثير منها وليعلم أن خصوم الإسلام وخصوم العقيدة الصحيحة لن يتركوه يسير على أرض مفروشة بالورود. كما عليه أن يعلم أن المعاكسة له أمر عادي لأن انتزاع الناس من عقيدة امتزجت بدمائهم وتوارثوها جيلاً بعد جيل من أصعب الأمور وأشقاها على النفوس فليكن حكيما في دعوته وطبيبا في علاجه. 10ـ ألا يهاجم غيره ولا يسفه رأي الآخرين. وإنما يعرض الإسلام وتشريعه في مقابلة ما يراه خطأ وألا يهاجم إلا إذا دعته الضرورة القصوى وليكن دستوره في دعوته هو دستور الله تبارك وتعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} حتى لا يتحزب الناس ضده وقد يسلط عليه من يضايقه من سفهاء القوم حتى يفلت منه الزمام وينطلق لسانه بالشتم والقذف والسب. فليعف بلسانه عن النزول إلى هذا الدرك وليعلم أن هذا مقصود لجره إليه ولتكن قدوته برسل الله تبارك وتعالى ومنهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد كان يدفع السيئة بالحسنة بل ويعطي من شتمه وفوق ذلك كان يدعو لمن أساءه فيقول اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. 11ـ ألا يتقيد بزمان أو بمكان في دعوته والا تحول إلى مدرس أو موظف وطبيعة عمل كل منهما تختلف عن طبيعة عمل الداعي ومهمته.

12ـ أن يعف عما في أيدي الناس (وليكن ممن يعطي لا ممن يأخذ) فإن من مد يده إلى ما في أيدي الناس لم يستطع أن يمد لسانه ينهاهم عن منكر يفعلوه. 13ـ أن يتواضع وألا يتعالى على الضعفاء وعلى الفقراء وعليه أن يجعل نفسه أباً للجميع يحس بإحساسهم ويتألم لآلامهم ويفرح لفرحهم. لينصره الله وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم. وهذا جهدي و (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) ..

مشكلات الدعوة والدعاة في العصر الحديث وكيفية التغلب عليها؟ للدكتور محمد حسين الذهبي

مشكلات الدعوة والدعاة في العصر الحديث وكيفية التغلب عليها؟ للدكتور محمد حسين الذهبي مدخل ... مشكلات الدعوة والدعاة في العصر الحديث وكيفية التغلب عليها؟ للدكتور محمد حسين الذهبي الأستاذ بجامعة الأزهر الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ـ فالدعوة إلى الله وإلى دينه الحق هي وظيفة الأنبياء والرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ثم هي واجب العلماء من أتباعهم، ومسئولية المؤمنين جميعاً من أممهم. يقول الحق تعالى مخاطباً رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يوسف (108) . وهكذا حددت الآية السبيل لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكل من اتبعه، وجعلت غايتها الدعوة إلى الله على بصيرة ومعرفة، وأصبحت الدعوة بنص هذه الآية فريضة مستمرة، ينهض بها العلماء، ويضطلع بأعبائها المسلمون في تكافل وتعاون يجعل من عملهم المشترك استمراراً لجهاد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لإعلاء كلمة الله. الدعوة إلى الله واجب عام، مسئولية الوفاء به في أعناق المسلمين جميعاً، وهي مسؤلية يجب للوفاء بها توفير أمرين لا بد منهما ـ وأول الأمرين ـ ما يلزم للدعوة ومتطلباتها الشاملة من مال ينفق منه على ما تقتضيه مجالاتها المتعددة ـ من إعداد للدعاة، وتهيئة للوسائل الضرورية من كل ما هو لازم لتوصيل دعوة الحق إلى الناس داخل بلاد المسلمين وخارجها على السواء، فالدعوة إلى الإسلام لا يجوز الوقوف بها عند حدود عالمنا الإسلامي، بل يجب أن تصل هذه

الدعوة وتبلغ إلى كل ما طلعت عليه الشمس، وكل ما دخل عليه الليل. إن كتاب الله تعالى أنزل ليكون نذيراً للناس كافة، وما بدأه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على طريق هذا الإنذار العام من دعوة لملوك الأرض وشعوبها الذين أتيح له أن يدعوهم. ما بدأه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا أن نكمله، فنصل بالدعوة إلى كل مكان نستطيع الوصول بها إليه، تحقيقاً لقول الحق تبارك وتعالى لنبيه وعلى لسانه ـ {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} الأنعام 19 {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} الأعراف 158 وهو معنى التعميم في آية البلاغ ـ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} المائدة 67 ـ بحذف المفعول، فمعناه ـ والله أعلم ـ بلغ كل من يمكن تبليغه. وإذا كان مجال الدعوة بهذه السعة، وبخاصة في عصرنا الذي يسرت وسائل الاتصال فيه الوصول إلى كل شبر في أرض الله ـ تبين لنا حجم المال الذي لا بد منه للوفاء بمطالب دعوة جادة، تخرج الأمة من دائرة التقصير والتفريط في جنب الله في عالم ضاقت فيه المسافات وألغت الحواجز بين الدول والشعوب. وثاني الأمرين ـ ما يلزم للدعوة من جهاز متكامل ينهض بها في داخل بلاد المسلمين وخارجها. جهاز تتوافر فيه المقومات والخصائص التي تناسب طبيعة الإسلام من تاحية. وتلائم طابع العصر من ناحية أخرى. إن الله ـ عز وجل ـ يقول ـ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} إبراهيم 4. لا بد للدعوة من لسان مشترك بين الداعي والمدعو، واللسان المشترك أوسع دلالة من مجرد معرفة لغة مشتركة بل لا بد من معرفة بما تحويه هذه اللغة من ثقافة المدعو وخصائص بيئته، وما يشكل موقفه من أفكار ومعتقدات وما يحكم تفكيره من عادات وتقاليد، لا بد للداعية من إلمام بها حتى يستطيع إحكام خطته في غزو الحصن من حيث يتمكن من فتحه بإذن الله. ولا بد في خطاب البشر خطاباً ناجحاً من مراعاة طبيعة البشر العامة فيهم أولا، ومراعاة الخصائص الجنسية والعرقية ثانياً، ثم مراعاة الفروق الفردية في النهاية. إن عقلية الإنسان هي نتاج تشكله عوامل كثيرة تختلف من شعب لآخر، ومن بيئة لأخرى ومن فرد لفرد.

هذه الفروق الجنسية والفردية على مستوى الشعوب والأفراد أصبحت أساسا مقررا وحقيقة مسلمة لدى علماء النفس والإجتماع وخبراء التربية، وقد إعتمدت عليها نظم التعليم في كل الدنيا، وآن لنا أن نستفيد منها في مجال الدعوة الذي رأينا كيف أسسه القرآن الكريم على أساس الفهم المشترك العميق بين الداعي والمدعو، ليتم الإتصال الذي يحقق الغاية كاملة. لابد للدعوة من توافر هذين الأمرين ـ التمويل الكافي والجهاز المقتدر ويبقى بعد توافر هذين العاملين شرط إذا لم يتوافر هو الآخر ضاعت الآمال المعلقة بالدعوة، وتبخرت الأهداف المنوط بها تحقيقها. وهذا الشرط يتمثل في توفير مناخ صالح تنطلق فيه الدعوة إلى الله خالصة من كل قيد، متجردة من كل غاية إلا غاية وحيدة هي ـ هداية الخلق إلى صراط الله مستقيم، ومعناه ـ أن ترفع عن أجهزة الدعوة في كل بلاد المسلمين أثقال أجهزة السلطة التي تمنعها حرية الكلمة، وتوجهها في كثير من الأحيان لتتحول من دعوة إلى الله، إلى بوق من أبواق الدعاية أو وسيلة من وسائل الإعلام، أوتجمد حركتها بحيث تصبح مجرد وظيفة إجتماعية تتيح لصاحبها موردا للرزق يصبح الحصول عليه هو الغاية الأخيرة. تمويل الدعوة، جهازها، مناخها - هذه الثلاثة هي الميادين التي يجب البحث فيها عن مشكلاتها، والتي يمكن معالجة هذه المشكلات في نطاقها أيضاً. ولنتناول بإيجاز مشكلات كل ميدان من الثلاثة مقترحين ما نراه من علاج ملائم..

أولا: تمويل الدعوة

أولا: تمويل الدعوة ـ وقد آثرنا البدء به، لأنه يمثل عنق الزجاجة، ويعتبر الصخرة التي تؤسس للبناء أو تصطدم بها وتتحطم عليها الجهود. نحن في عصر تحول فيه صراع الأمم والشعوب من صراع عسكري إلى صراع إقتصادي في جوهره، يتخفى وراء صراع فكري عقدي أو مذهبي، وأصبح من المصطلحات الشائعة في عالم اليوم ما يتردد عن)) الغزو الفكري ((الذي اشتدت ضراوته، واصطنعت له الأساليب والمناهج التي خدمها العلم بجانبيها النظري والعملي على السواء. هذا الغزو الفكري المتبادل بين الشرق

والغرب, وبين مختلف النظم والمذاهب المعاصرة بعضها وبعض، يركز ويكثف جهوده على بلاد العالم الإسلامي بخاصة، وعلى البلاد النامي بوجه عام، فهي- من جهة- مطمح نظره، يرى فيها طلبته التي تحقق مطامعه الإقتصادية، ومن جهة ثانية، يراها مختلفة، وتخلفها يجعلها أكثر طواعية وتقبلا لما يقذف به إليها من فكر، يراد منه أن يكون رباطا وثيقا يشد إليه عقول أبنائها على نحو يجعل منهم تابعين مخلصين، ينفذون له مخططاته في بلادهم دون أن يضطر إلى الكشف عن وجهه القبيح، كما يوفر عليهم الكثير من الجهود والمال لو أنهم اصطنعوا للسيطرة وجه آخر. هذا الغزو الفكري ترصد له ميزانيات ضخمة، وتقام له مؤسسات وأجهزة تخطط له، وترسم له المناهج والأساليب وتعد له من الوسائل والأدوات ما يجعله قادرا على تحقيق غاياته. إن المراكز الثقافية وما إليها، والإذاعات الموجهة، مسموعة ومرئية، والسينما، ودور النشر، وفروع الجامعات الأجنبية والمكتبات العامة الأجنبية التي لها امكانات تجعلها مقصد طلاب البحث العلمي في جامعات كثيرة من بلادنا الإسلامية والعربية وبلاد العالم النامي ـ فضلا عن الصحافة التي تتخذ منبرا يصل صوته إلى كل مكان ـ هذه كلها من أدوات ((الغزو الفكري)) المباشرة، ولعل غير المباشر من هذه الأدوات أشد خطورة وأخفى آثارا. لعل هذا يصور لنا حجم التمويل والمال المرصود لهذا النشاط الزاحف الشرس المصر الدءوب. هذا النشاط الضخم بإمكاناته الهائلة يلقي بنتائجه في طريق الدعوة إلى الإسلام داخل بلاده وخارجه على السواء، نتائج هي عقبات وحواجز وسدود تعترض طريقها من ناحية، وهي معاول تخلخل وتهدم من ناحية أخرى. فإذا رجعنا إلى ((الدعوة الإسلامية)) وقارنا ما هو مخصص لتمويلها في ميزانيات الدول الإسلامية بما تملكه أجهزة)) الغزو الفكري ((وما يرصد لها في ميزانيات الدول التي تمارسه، بدا لنا العجز الكبير في امكانات ((الدعوة)) على المستويين الداخلي والخارجي من حيث القدرة المادية الازمة، والتي بدون توافرها تصبح هذه الدعوة بين موجات الغزو الفكري المضاد قزما بين عمالقة شداد؟؟؟. إن قصور التمويل عن الوفاء بمتطلبات ((الدعوة)) وأجهزتها، وفاء يمكنها من

أن تصمد في معركة الصراع، وتطور من أسلحتها ووسائلها، وتكيف نفسها بالأساليب الملائمة في حرب المواجهة الفكرية والمذهبية، جعلها كالحمائم بين النسور.. وإذا كان ((الغزو الفكري)) ينطلق من مرتكز سياسي في الأساس، فهناك حركة أخرى تنطلق من مرتكز مختلف، ونعني بها حركة التبشير الجديد، والتي تلبس في عصرنا ثيابا وأزياء تمعن في التخفي وتعمية ما وراءها وتجد من مصادر التمويل الرسمية من ميزانيات الدول، والشعبية من تبرعات الأفراد، المؤسسات، والجمعيات، مايجعلها وافرة القدرة بالغة النشاط، تصل بنشاطها إلى كل ركن معلوم أو مجهول في عالمنا.. إنه لولا المناعة الذاتة التي يتمتع بها الإسلام كدين، ولولا جوانب ضعف موضوعية في تلك الدعوات المضادة لا تفلح كل وسائل التمويه في سترها.. لكانت نتائج عدم التكافؤ الخطير بين ممكنات الدعوة الإسلامية وامكانات أعدائها أضعاف أضعاف ما هو واقع فعلا ـ وصدق الله العضيم ـ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} ـ الأنفال 32 إن مقارنة بين ((الفاتيكان)) وحده، بإمكاناته وطاقاته وسلطانه على الشعوب والحكومات المسيحية في العالم الغربي.. وبين أجهزة الدعوة مجتمعة في عالمنا الإسلامي تكشف لنا وتجسد ما تعانيه الأخيرة، وتهيب بنا جميعا أن نبحث عن مخرج لانتشالها من مأزقها.. وهنا نقترح أن تخصص نسبة مئوية من ميزانية كل دولة إسلامية لتمويل الدعوة في الداخل والخارج، نسبة مئوية يتحقق بها لعدل والتضامن في تحمل أعباء هذا الواجب الخطير، وتفي بمتطلبات المهمة الخطيرة التي تنتظر المسلمين اليوم، وفاء بحق دينهم، وبحق الإنسانية التي ضلت طريقها، ولا سبيل لهدايتها إلا عن طريق تعريفها بالدين الذي جاء لهداية البشر جميعا. إن (1%) واحد في المائة، بل نصفا من المائة من ميزانيات كل الدول الإسلامية الغنية والفقيرة، يحقق حصيلة ضخمة تمول منها حركة الدعوة الإسلامية داخل بلاد المسلمين وخارجها تمويلا جماعيا، يتحدد نصيب كل منها بحسب ما تحتاجه لا بحسب ما أسهمت به. إن بلدا إسلاميا كبيرا هو ((أندونسيا)) التي تعتبر أكبر دولة مسلمة في عصرنا عددا يتعرض الآن لحركة تبشير ضخمة وشرسة، استطاعت أن تقتطع من

أبنائه المسلمين نسبة مئوية عالية، حددها بعض المشغولين فيهم بهذه المشكلة بنحو 40% من جملة السكان، وهو رقم مهما كان فيه من مبالغة فإن ما يتبقى بعد حذف كل ما فيه من مبالغة أو تهويل، يكفي لأن يوقظنا من غفلتنا، ويقتضينا أن نسارع بتنفيد هذا الإقتراح على الفور، وتعبئة جيش من الدعاة القادرين لمواجهة هذه المأساة المروعة.. وما يتعرض له المسلمون في الفلبين ألا يدخل في نطاق ما تطالبنا به الآية الكريمة اتجاه المستضعفين من المسلمين حيث كانوا ـ {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} ؟ ـ الأنفال72. إن الواجب نصرهم كيفما كانت تبعاته أو أهواله، فكيف بنا إذا لم نتقدم لهم حتى مجرد الدعم الروحي والمعنوي؟ تمويل الدعوة تمويلا يمكنها من الإنطلاق دون معوقات هو أول ما يجب التركيز عليه واتخاذ قرار بشأنه، حتى لا يتحول الحديث إلى مجرد أفكار ونظريات لا تجد لها طريقا لأن توضع موضع التطبيق.

ثانيا: جهاز الدعوة

ثانيا ـ جهاز الدعوة وبناء هذا الجهاز بوجهيه البشري، والمادي، رهن بما يتوافر للدعوة من مال تسهم فيه الحكومات بنسبة مئوية كما اقترحنا، ويضم إليه ما يمكن تقديمه من قبل الأفراد والمؤسسات والجمعيات الإسلامية في كل بلاد المسلمين، ومن خلال دعوة جادة ومؤثرة، ندعو للإسهام والتبرع لهذا العمل الجليل.. وجهاز الدعوة يقوم على دعامتين دعامة بشرية هي الأساس وهي القوة الضاربة في الميدان، ودعامة مادية تتمثل في مؤسسات الدعوة مقارها، وأدوات توصيلها ونشرها وكل ما يعتبر وسيلة معينة على تحقيق الإتصال الناجح المؤثر بين الدعاة والمدعوين. ومشكلة جهاز الدعوة الإسلامية اليوم بوجهيه البشري والمادي، تتمثل في عجزه عن الوفاء بمتطلبات الدعوة تحت ظروف العصر عجزا مزدوجا يشمل الكم والكيف معا.. فمن حيث الكم نجد قصورا واضحا في أعداد الدعاة والمشتغلين في مجال الدعوة على وجه العموم، فالمساجد ـ مثلا ـ لا تجد من الأئمة والخطباء من يقومون بهذه الوظائف بأعداد تكفي لتغطية حاجتها جميعا, والواقع حتى في أحسن المجتمعات الإسلامية ظروفا من هذه الناحية ينطق بهذا النقص..

ومثل ذلك يقال عن عدد الوعاظ فالمأهلون منهم قلة محدودة جدا، وبجانبهم أعداد هائلة ممن يمارسون الوعظ هواية أو من خلال جمعيات تعد لهم مستويات من الدراسة تتيح لهم حد أدنى من المعرفة الدينية الضرورية التي قد تكفي لمواجهة حاجات البيئات المحدودة الفكرة والثقافة، ولكنها لا تفي بحاجة الإنسان الذي نال قسطا كبيرا من ثقافة العصر، وتعرض لمؤثراته الفكرية والحضارية..إن ساحة الدعوة الإسلامية داخل البلاد الإسلامية نفسها خالية ـ إلا نسبة محدودة منها ـ من دعاة حقيقين، قادرين على حمل أمانتها والوفاء بتبعاتها… فإذا ألقينا ببصرنا على ساحة الدعوة خارج بلاد المسلمين، وحيث يوجد ملايين البشر مازالوا على فطرتهم، أوشابتهم وثنية انتقلت إليهم بالعدوى، وحيث يوجد ملايين من أصحاب الديانات الأخرى يعانون القلق، ويبحثون عن معتقد تطمئن إليه نفوسهم التي يرهقها الآن أن تتقبل عقائد ومذاهب يصعب على عقل أضاءه العلم وصقلته الحضارة أن يتقبلها. هؤلاء حيارى يتلمسون الضوء في ظلمات بعضها فوق بعض، ولو أن دعوة الإسلام بلغتهم في خطاب يفهمونه وأسلوب حكيم يفتح لها الطريق الصحيح إلى عقولهم وضمائرهم لكان لهم من الإٍسلام موقف آخر، ولغدوا جنودا مخلصين، يستطيعون ويملكون من وسائل نشر الإسلام بين أقوامهم ما لا نملكه نحن في بلاد المسلمين. إن الإسلام ليس ملكا لنا، وإنما هو أمانة الله في أعناقنا، ومن الوفاء بالأمانة أن تودى إلى من هو أقدر على القيام بها والحفاظ عليها، وهو مغزى قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجة الوداع ـ " ليبلغ الشاهد الغائب " ـ رواه البخاري ـ وقوله ـ " رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " ـ رواه الترمذي وحسنه ـ لقد انتشر الإسلام في إفريقيا وآسيا على أيدي التجار المسلمين بأكثر مما انتشر على أيدي الدعاة الرسميين، ذلك أن)) الإحتساب ((غير)) الإحتراف ((وليس من قبيل المصادفة أن يكون هذا القول الكريم {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} شعارا مشتركا بين رسل الله أجمعين. نحن بحاجة إلى تأمل المغزى العميق وراء هذا الشعار لنصل إلى معادلة صحيحة نحل بها مشكلة الدعوة العويصة في عالمنا وهي كيف نوفق بين كون الدعاة غاية يجب التجرد لها والتضحية

في سبيلها، وبين كونها مصدرا ضروريا لرزق من تناط بهم وظائفها في عالم أصبح توزيع العمل والتخصص في المعرفة سمة من سماته؟.. كم من ((الدعاة)) يبشرون اليوم بالإسلام على سطح هذا الكوكب الذي نعيش فيه؟ لو تصورنا أن مليون من البشر يكفيهم داعية واحد ـ وهو فرض أقرب إلى الخيال ـ لكان العدد المطلوب من ((الدعاة)) بضعة آلاف داعية فهل نستطيع أن نحصي على مستوى العالم غير الإسلامي كله أكثر من بضع عشرات؟ تلك حقيقة يجب أن نذكرها وأن نذكر بها.. هذه مشكلة ((الدعوة)) وجهازها من حيث عدد ((الدعاة)) وهم العنصر الأساسي فيها. فإذا انتقلنا إلى مشكلة الدعوة من حيث نوعية الدعاة صدمنا الواقع صدمة قاسية ـ إن مستوى الداعية في أحسن حالاته اليوم لا يفي على الإطلاق بحاجة من يدعوهم. إن انسان العصر يريد أن يجد في ((الدين)) حلولا لكل مشكلات الحياة التي تعترضه سواء في سلوكه الشخصي، أو في علاقاته الأسرية، أو في معاملاته الإقتصادية، ويريد أن يجد في الدين كلمة تضيء له طريقه في قضايا الحكم، ومسائل السياسة، ومشكلات الإقتصاد. والشباب ـ بخاصة ـ في حاجة إلى أن يقدم لهم من خلال الدين نظرة متكاملة للحياة، تستطيع إشباع حاجتهم للمعرفة، وتتيح لهم ما يبحثون عنه من سكينة نفس. واطمئنان الضمير. هذه المطالب المعقدة المتشابكة، يقدم ((الدين)) حلولا جذرية عميقة لها، ولكن السؤال هو ما مدى ادراك ((الداعية)) لهذه المشكلات؟ ثم ما مدى قدرته على استنباط حلولها والإجابات الصحيحة عنها من المصدر الأصيل للدين ممثلا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يعتمد عليهما أساسا ويستعين بعد ذلك بما يراه ملائما من الأدوات؟.. هل يملك ((داعية)) العصر القدرة على الاقتراب المباشر من هذا المصدر، وأخد الأحكام والحلول لقضايا الحياة المعاصرة ومشكلاتها من خلال نصوصه مباشرة؟ هنا يبرز لنا قصور الإعداد ونقصه حتى على مستوى حملة الشهادات العلمية التي تجيزهم بأهلية العمل في مجال الدعوة، وتقرر صلاحيتهم لها…

هذا القصور إذا أردنا تحديد أسبابه وجب أن نتجه على الفور إلى الجهات التي تتولى إعداد هؤلاء الدعاة، ونتفحص مناهج إعدادهم ووسائل تكوينهم … وأول ما يلاحظ على هذه المناهج والأساليب – (1) أنها بدلا من وصل الطالب وصلا مباشراً بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلت بديلاً منهما يتمثل في كتب ومذكرات مهما كانت قيمتها فلن تصلح بديلاً في يد داعية لا بد أن يكون على بصيرة في دين الله، يستمدهامن مصادره الموثوقة، وليس من آراء البشر، واجتهاداتهم، وشروحهم وتفسيراتهم، مهما بدت قيمتها في نظر من يضعون المناهج.. (2) وهذا يقودنا إلى أصل الداء في الدراسات الدينية المعاصرة، ويتمثل في قصور الأدوات التي لا بد من توافرها للتمكن في هذه الدراسات، وفي مقدمة هذه الأدوات ((العربية)) ، وفقه لغة القرآن الكريم والسنة الشريفة. إن مجتهدي الفقهاء لم يتمكنوا من الاجتهاد الفقهي إلا بعد امتلاك ناصية اللغة امتلاكاً تاماً، وعلم ((أصول الفقه)) ـ في جملته وتفصيله ـ هو علم لغوي في أساسه.. وهل استطاع أو يستطيع مفسر جاد أن يجلس إلى كتاب الله هو آية بيانية معجزة وأداته اللغوية لم تكتمل، وذوقه اللغوي لم يصل إلى القمة؟ .. إن فهم مراد الله من كتابه مرهون بالقدرة على النفاذ إليه من خلال أسلوب عربي شاء الله له أن يكون معجزة بلاغية في صياغيته.. وقصارى أمر من يحاول التفسير دون استكمال عدته اللغوية أساساً، أن يكون راوياً لأقوال الآخرين، أو جامعاً منظماً لها، أما أن يكون مفسراً بنفسه، فهذا ما لا سبيل له إليه.. وقل مثل ذلك بالنسبة لمن يفسر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إن كل خلاف في آراء المفسرين مرده إلى أساس لغوي بالدرجة الأولى، وكل ترجيح بين رأيين فمستنده أساس لغوي كذلك، فكيف يسوغ الترخص في هذا التكوين اللغوي للدعاة وهو أداة الأدوات في يد كل باحث،

ومفكر، ودارس، ومعلم يبلغ عن الله ما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن إعداد الدعاة ـ مهما تضخمت المناهج وتشعبت ـ يضل عاجزاً عن ربطهم ربطاً وثيقاً بمصدر الدين الأساسي طالما بقيت هذه الثغرة.. أعني هبوط المستوى اللغوي في هذا الإعداد. (3) إذا كانت ثقافة العصر تفرض نفسها على عقول الناس وتخلق فيها من المشكلات ما لم يكن في عقول السابقين فالضرورة قاضية بأن يلم الداعية بتيارات هذه الثقافة، ووزنها، وتمييز ما هو حق فيها وما هو باطل، ثم يسلح بأسلحة ملائمة للهجوم وللدفاع في معارك الفكر التي لا بد له أن يخوضها إذا كان يريد أو يراد له ـ حقاً ـ أن يؤدي رسالته على وجهها. أصالة الثقافة بربطها بالمصدر الأول للإسلام، ومعاصرتها بالتفتح على ثقافات العصر وميادين المعرفة اليوم، كلاهما ضروري لداعية العصر، وإلا كان سطحياً غير عميق الجذور إذا فقد شرط الأصالة، أو منغلقاً ضيق الأفق إذا فقد شرط المعاصرة. لقد حفل تاريخ الدعوة الإسلامية وتطورها بنماذج فريدة من ((الدعاة)) المدافعين عن الإسلام، تمكنوا من قديمهم، وتسلحوا بأسلحة عصرهم. فلم يتهيبوا ميدان النزال، بل اقتحموا وصالوا وجالوا، وغلبوا ورفعوا راية الحق عالية يقذفون الباطل من تحتها بقذائف لم تكن لتخطئ مقاتله.. إن هذا التاريخ ليذكر بالفخر والاعتزاز أمثال أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل رضوان الله عليهم. ويذر أمثال الحسن البصري وابن سيرين وأبي الحسن الأشعري. ويذكر الباقلاني، والغزالي، وابن رشد، ومن إليهم ممن كانوا حصونا ومعاقل تقف لترد عن الإسلام هجمات الطاعنين والمفترين. ويذكر ابن تيمية، وابن القيم، والشاطبي.. وابن كثير.. ويذكر في عصرنا الحديث محمد بن عبد الوهاب والأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، والكواكبي، ممن كانوا شهبا راصدة تنقض على كل من يحاول النيل من الإسلام بالطعن والتشكيك. إن العودة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واستمداد مناهج إعداد الدعاة منهما مباشرة، وتمكين الأساس اللغوي للدعاة، هو نقطة بدأ لا بد من التفكير فيها تفكيراً عميقاً، ومخلصاً، ووثقاً من أن ذلك

هو الطريق لنهضة الدعوةا والدعاة والذي لا طريق سواه، ثم يكون بعد ذلك الانفتاح على ثقافات العصر. (4) كل ما مضى يتصل بالتكوين العلمي أو المعرفي والثقافي للدعاة، ويحدد جوانب النقص فيه. وبقي جانب وهو أخطر الجوانب كلها في تظرنا، لأن نقصه يذهب بكل النتائج التي نرجيها من وراء تصحيح المسار في التكوين العلمي النظري لمن يوكل إليهم أمر الدعوة ومهامها. إن فلسفة إعداد الدعاة تبدو لنا ناقصة نقصاً خطيراً، ذلك أنها تعنى بالجانب التعليمي التلقيني، أو بالجانب النظري من الإعداد، بينما هي تهمل إهمالاً شبه كامل الجانب التربوي الذي هو الوجه المكمل للوجه النظري. إن العلم وحده لا يكفي لتكوين داعية، والمعرفة وحدها لا تصنع داعية كذلك لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخوف ما أخاف على أمة كل منافق عليم اللسان" رواه ابن عدي عن عمر. إن العلم إذا لم يستند إلى خلق يحميه من نزوات النفس وطغيان الشهوات ويصونه عن الدنايا وسفاسف الأمور، يصبح كارثة حين يوجه لغايات آثمة، أو يستغل في مآرب خبيثة. إن تنمية الإحساس بأن ((الداعية)) صاحب رسالة: هي امتداد لوظيفة النبوة، ومسؤليتها ـ لذلك ـ مسؤلية ضخمة، والتبعة فيها على قدر سموها وجلالها. تنمية الإحساس بهذه المعاني شرط أولي يجب أن تحرص على التمكين له فلسفة إعداد ((الدعاة)) ولا تغفل عنه في خطوة من خطوات هذا الإعداد. يجب أن يختار ((الدعاة)) اختياراً مدققاً، بحيث تتوافر فيهم مقومات إذا تخلفت كانت البداية خاطئة وغير موصلة إلى الغاية المرجوة. إن المستوى العقلي الجيد، والذكاء بدرجة واضحة ضروري هنا، ومن المقرر: أن الفطانة من صفات الأنبياء عليهم السلام. فلنتعلم جيداً من قول الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ـ الأنعام 124. والمستوى الخلقي الممتاز ضرورة فوق كل الضرورات، فالدعوة أمانة لا رقيب على صاحبها سوى ربه وضميره، ومن المقرر كذلك: أن الأمانة من صفات الأنبياء صلوات الله عليهم. والالتزام الديني بالإسلام فكراً وسلوكاً في كل صغيرة وكبيرة مما يجب تمكينه

تمكيناً متأصلا في أنفس الدعاة ومن الخطورة أن نقدم للناس دعاة يقولون ما لا يفعلون أو يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، أو ينهون عن المنكر ولا يتناهون هم عن فعله. إن الداعية قدوة وشرط القدوة تطابق القول والعمل بعد استقامتها على نهج صحيح. تربية الداعية دينياً، وتدريبه على تطبيق الإسلام في حياته عملياً، وتزكية نفسه بما يجعلها متأبية على الدنايا، وأخذه أخذاً بما يحصنه ضد فتنة المال وإغراءات الحياة ثم الترقي به ليعيش في المستوى ((التجرد)) لرسالته مطمئنا ومستعداً للتضحية في سبيلها بكل ما يستطيع.. هذه التربية ضرورية، ولازمة، وبدونها لا يكون هناك معنى للحديث عن دعوة ودعاة: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ـ الأنعام 162. هذا ما ينبغي أن يكون شعار الدعاة. هذا الجانب التربوي من الإعداد غائب تماماً الآن في بيئات إعداد الدعاة وكيف ننتظر داعية حقيقياً ألف أن تمر عليه مواقيت الصلاة وهو في قاعات الدرس مثلاً مع أساتذته العلماء دون أن يكون من حوله ما يوحي أن هناك التزاماً بقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} ـ النساء 103 ـ ويكفينا هذا المثال. هذه التربية العملية للدعاة على قيم الإسلام ومثله وعلى شرائعه وشعائره، وعلى مفاهيمه وعقائده، لا يغني فيها التلقين ولا المعرفة النظرية، بل لا بد لاستكمال هذا الجانب الخطير من تغير جذري يمس فلسفة الإعداد. ويعدل من المناهج والأساليب، ولن يتم ذلك إلا بأن يتم الإعداد والدراسة والتربية من خلال حياة متكاملة، يتخلق كل العاملين في إطارها بخلق القرآن، ويلتزمون التزاماً كاملا بتطبيق الإسلام شعائر وآداباً وقيما وضوابط للسلوك بحيث يترجم ما يدرسه الطالب نظرياً إلى حياة وممارسة. هل تصلح معاهد اعداد الدعاة الحالية لهذا اللون من التربية؟ بالقطع هي لا تفي بهذا، ولم تصمم مبانيها ومناهجها ولا فلسفاتها على هذا الأساس. وهنا نقترح: انشاء كلية ((للدعوة الإسلامية)) بتمويل إسلامي عام، ويختار لها الدارسون اختيار دقيقا من كل أنحاء العالم الإسلامي، من خلال نظام محكم للقبول لا يمر منه إلا من تتوافر فيه

مقومات خاصة، تؤهله لأن يكون ((داعية)) بمفهوم الداعية الصحيح. هذه الكلية يجب أن تختلف كلية عن المألوف في النظم الجامعية أو المدرسية العادية. فالدراسة والتربية فيها متكاملتان، وتبدآن من سن باكرة 12 ((سنة مثلا)) . والمراحل فيها مترابطة تسلم كل منها إلى ما يليها. والحياة فيها تصمم بحيث تتيح لأصحابها معايشة الإسلام معايشة حية تحوله إلى نسيج نفسي وعقلي داخل الدارسين، وإلى ظواهر صادقة في سلوكهم. ونظم التقويم فيها يجب أن تشمل الجانبين العلمي والتربوي أو المعرفي والسلوكي. وهيئة التدريس وجهاز التربية فيها يجب أن يكون كله من رجال لهم ـ إلى جانب علمهم وخبرتهم ـ اهتمام بالدعوة إلى لله، بدرجة تجعل منهم مجاهدين محتسبين، وليس مجرد موظفين يتقاضون أجورا يتنافسون عليها.. أما المناهج: فيجب أن يتوافر فيها ما يغطي جوانب النقص التي فصلناها هنا وفي مقدمتها: ـ 1ـ ثغرة الضعف في التكون اللغوي. 2ـ ثغرة الإنفصام عن المصدر الأصلي للإسلام ممثلا في الكتاب والسنة. 3ـ ثغرة الإنغلاق وعدم الإقتحام لثقافات العصر وتحديد مواقف منها. وليس ثمة ما يمنع أن يكون في خطة الدراسة مجال واسع لتدريب عملي على البحث العلمي من ناحية، وعلى ممارسة فنون الدعوة العملية: من خطابة ومحاضرة، ودرس، وحوار، ومناظرة واذاعة.. إلخ. إن تركيز جهود الإعداد في ((كلية إسلامية)) كبرى يمكن تطويرها لتصبح جامعة للدعوة خير بكثير من تفتيت الجهود في وحدات صغيرة الإمكانات، عاجزة عن تطبيق مثل هذه الفلسفة. ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى ضرورة العناية بتدريس اللغات الأساسية المنتشرة في بلاد العالم الإسلامي غير الناطقة بالعربية، وبلغات العالم المعاصر الحية والواسعة الإنتشار. 5ـ بقي جانب مهم لاينال ـ في واقعنا ـ ما يستحق من عناية في مناهج اعداد الدعاة ونعني به الجانب الفني العملي للدعوة في مجال الممارسة والتطبيق. إن ((الدعوة)) حين يمارسها الداعية خطابة، ووعظا، وفتيا، ودرسا، ومحاضرة، وحديثا اذاعيا، وحوارا، ومناضرة، وهجوما، ودفاعا..

هي في كل ذلك ذات وجه فني يتمثل في أساليبها وطرقها. وإذا كان الفن في ذاته استعداد بالدرجة الأولى، فإن ذلك لا يغني عن دراسة الأصول العامة التي تكشف عن حقائقه، وتصقل مواهبه، وتعين عل الإبداع والتطوير الناجح خلال الممارسة. وإذا كانت مناهج الدراسة تزود الداعية بالمضمون الفكري الذي يستمد منه، وإذا كانت التربية المتكاملة التي اقترحناها تكوّن شخصية تكويناً متوازناً يؤهله لرسالته، فإن استكمال هذا الجانب الفني المتصل بالأساليب والأدوات لا بد منه. الخطابة ـ مثلا ـ فنّ، أساسه استعداد فطري لا شك، لكن فهم الخطيب لطبيعة موقف الخطابة، وتكيفه بظروف الحاضرين، وأنها لون من السياسة النفسية للجماهير، وتصلح لتناول موضوعات دون غيرها، وتحتاج لاصطناع أسلوب غير ما يحتاج إليه في محاضرة مثلا، إلى ما يكون للآداء الصوتي من تأثير، بتلوين نبرات الصوت ودرجته، والوقفات والسكتات التي تتخللها، والسرعة والبطء، وطول الجمل وقصرها، وكونها مرسلة أو مسجوعة أو متوازنة.. وكيف يكون تفجير طاقات الناس واستفسارهم، أو استهواؤهم. وتهيئة قابليتهم لما يلقى إليهم، كل أولئك مما يفيد ((الداعية)) معرفته، ويزيد من بصيرته بفنه الذي يمارسه. إن القرآن الكريم، حافل بالمناهج، والأساليب، والطرائق التي يتمكن الاستنباط منها والاستهداء بها في كل موقف نوعي يقفه الداعية أو يتعرض له: خطابة، وحواراً، وقصصاً، وموعظة، وتقريراً في تنوع يقدم لكل مقام ما يلائمه، ولكل موضوع ما يناسبه. وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومواقفه العملية ذخيرة ثمينة وثرية لو تناولها باحث بالدرس والاستقراء، واستنبط منها الأصول النفسية والاجتماعية والدينية التي تفسر نفاذ النبي صلى الله عليه وسلم إلى قلوب الناس وعقولهم. في سنة النبي هذه ما لو تناوله باحث حصيف لقدم لنا ما يمكن أن نسميه: علم نفس الدعوة، على غرار ما يعرف من علم النفس التعليمي أو التربوي. ويعمق أكثر فيما يتصل بطبيعة النفس، إذا كان منهج النبوة في دعوة الناس منهجاً ربانياً ألهمه إياه ربنا الذي أعطى كل شيئ خلقه ثم هدى..

وفي وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لمبعوثيه الذين أرسلهم معلمين هنا وهناك من أمثال معاذ بن جبل، وفي إجاباته عن أسئلة محددة من أشخاص ذوي سمات خاصة مجال واسع لتأمل رشيد، يعود على صاحبه بما يفتح بصيرته على رؤى ومدارك لم يكن يراها من قبل. إن العصر الذي نعيشه ابتكر من وسائل الاتصال والتوصيل ما لم تعرفه الدنيا ولا سمعت به قبل قرن واحد. وكلها مما يتوسل به لتوصيل الكلمة نافذة مؤثرة بأقصى ما تحتمل من هذا التأثير. والدعوة الإسلامية ـ وأداتها الكلمة ـ لا بد لها من تفكير جاد في دراسة وسائلها التقليدية لتطورها من جهة، ولتكملها بما استحدثه العصر من وسائل تلائمها وتجعله أكثر قدرة على النفاذ إلى القلوب والعقول. إن نقاء أجهزة الدعوة الإسلامية في عالمنا مقيدة بهذه الحدود والوسائل الضيقة التي دفعت إلى مضايقها دفعاً خلال فترات مختلفة من تاريخ المسلمين، يجعلها متخلفة عن الوفاء بحاجة العصر. والمسلمون طوروا كل أساليب حياتهم تقريباً. واستحدثوا كل جديد رأوه نافعاً في مجالات الحياة، ومن واجبهم أن يعطوا ((الدعوة)) إلى الله جانباً من هذه العناية.

ثالثا: مناخ الدعوة

ثالثا: مناخ الدعوة وهو الميدان الثالث الذي تنبثق منه مشكلات كثيرة تتصل بالدعوة والدعاة بل لعله أخطر الميادين كلها على الدعوة سلباً وإيجاباً. إن مناخ ((الدعوة)) حينما يكون ملائماً يتيح لها من الحرية والانطلاق ما هو شرط ضروري لازدهارها وإيجابيتها، وحين يكون هذا المناخ غير موات بما يسوده من كبت وتقييد تفقد الدعوة أول شرط لحياتها، وتصبح مختنقة محبوسة الأنفاس. حينما قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ـ الجن 18 فقد قرر حق الدعوة في حرية مطلقة لا قيود عليها، وأوجب على الدعاة ألا يذعنوا لأي نوع من أنواع الضغط أو التوجيه الذي ينال من تجردهم للغاية التي جندوا أنفسهم لها. وإذا كان من واجب حكام المسلمين أن يوفروا للدعوة هذه الحرية الكاملة فمن واجب الدعاة كذلك ألا يسيئوا استخدام هذه الحرية بما يسئ إلى أممهم ودولهم دون غاية من دين أو دنيا تبرر هذه الإساءة. وإذا كان لا بد هنا من ضابط لهذه الحرية فهذا الضابط يتمثل في أمرين:

1ـ تجريد الغاية كلية لله، فلا هوى ولا غرض، ولا مرض ولا عرض من أعراض الدنيا. 2ـ سمو الأسلوب، واستقامة المنهاج بالالتزام بما أرسته الآية المباركة. {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} النحل الآية 125. إن حرية الدعوة يقابلها الالتزام بهذا الأدب الإلهي الذي سنه الله تعالى لإمام الدعوة صلوات الله وسلامه عليه. حرية الدعوة والتزامها على هذا النحو هي الصيغة الوحيدة التي يمكن على أساسها حل المشكلة الأساسية التي تعاني منها)) الدعوة الإسلامية ((في كثير من البلدان، وهي مشكلة كونها تابعة للحكومات والسلطات. والمشكلة هنا ذات أبعاد يجب تأملها ليمكن تصورها على نحو صحيح. ماذا تعني تبعية أجهزة الدعوة في بلد ما للحكومة المسؤولة فيه؟ تعني أولاً: أن ينسحب منطق الوظيفة على هذا الجهاز.. فالعاملون فيه موظفون تحدد عليهم واجبات، وتقرر لهم حقوق، ويخضعون لنظام من التوجيه والرقابة تشبه إلى حد كبير ما يسود مجالات الحياة الأخرى، كما يتعرضون لنظام العقاب والثواب أسوة بغيرهم من موظفي الدولة هنا وهناك. هذا الإطار الوظيفي إن صلح لأي مجال آخر في الحياة فهو في مجال الدعوة غير صالح على الإطلاق، فالدعوة إنما تقوم أٍساساً على الالتزام أمام الله وليس على الالتزام من جانب السلطات كائنة ما كانت. ونظام الرقابة في هذا المجال لا يمكن أن يأتي من خارج الإنسان، وإنما يجب أن يتولد من داخله خلال عملية الإعداد والتربية والتكوين. إن ضمير الداعية يجب أن يكون الفيصل في مسألة الرقابة وما يتصل بها وحاجة الدعاة إلى رقابة خارجية معناه: فشل إعدادهم وتربيتهم من ناحية، وعدم صلاحيتهم لمهمتهم من ناحية أخرى، وخير للدعوة ـ ألف مرة ـ أن ينحى عن مجالها كل من يحتاج لرقابة خارجية من بقائه في ساحتها. وتعني ثانياً: إحساس جهاز الدعوة التابع بأن مصيره وقدره مرتبط بطاعته لأولي الأمر، وأن مخالفته إياهم ـ ولو كان فيها إرضاء الله ـ يعرض حياته وحياة من يعولهم لخطر يتصل بمصدر رزقهم.

هذا الإحساس يهدهد من شجاعة الدعاة في الجهر بكلمة الحق، وينمي، بالتدريج روح الهوينى ويبرر الخمول والكسل، حتى ينتهي الأمر إلى أداء شكلي هزيل … وتعني ثالثاً: أن يدخل ((الدعاة)) في معركة المطالبة بتحسين الأوضاع، فهم جزء من جهاز الدولة يتأثر بما حوله، ودخول الدعاة في هذا الجو مشغلة من جهة تصرفهم عن وجهتهم، وتبدد الكثير من طاقاتهم، ومن جهة أخرى ينال من صورتهم ـ كمثل وقدوة ـ في أنظار الناس، وعلى هذه الصورة يتوقف الكثير من استجابة الناس لهم ورفضهم إياهم. وتعني رابعاً: أن على جهاز الدعوة أن يختار أحد طريقين: إما أن يساير ما يجري في مجتمعه ما دامت القائمة تقره، وإما أن يقول كلمة الحق معلناً أن السلطات تخالف حكم الله في هذا الذي أقرته، هذا الصراع النفسي داخل الداعية موجود مستمر طالما ظل هناك انفصال بين مواقف الحكام في التشريع والتطبيق وتنظيم الحياة، وبين توجيه الإسلام. والحق أن هذه المشكلة من أعقد مشكلات الدعوة. فتبعية الدعوة للحكومات تضمن لها وللقائمين عليها مواد يصعب تدبيره عن طريق آخر ومعناه: أن قطع هذه التبعية يقتلها قتلاً! واستمرار هذه التبعية يعرض الدعوة في كثير من الأحيان لضغوط تشل فاعليتها وتفرغها من مضمونها! والحل في نظرنا يمكن تحقيقه على النحو التالي: 1) توفير ضمانات كافية تؤمن ((الدعاة)) تأمينا كاملا فيما يتصل بأرزاقهم، بمعنى أنهم لا يصادرون في أرزاقهم مهما كانت المآخذ أو حتى التهم التي توجه إليهم! 2) أن تتولى محاسبة من يرى أنه ارتكب ما يوجب المحاسبة هيئة علمية تحاكمه على أساس واضح من مقررات الإسلام التي لا يجوز للداعية أن يذعن لغيرها، ولا يجوز لغيره أن يحاكمه إلا على أساسها. 3) التفكير في نظام يكفل تمويل الدعوة على مستوى العالم الإسلامي ـ كما اقترحنا في صدر البحث ـ وبحيث لا يكون هناك سلطان مباشر للحكومات على الدعاة. هذه هي المجالات الثلاثة الكبرى

التي تتركز فيها مشكلات الدعوة والدعاة.

عقبات وتحديات تعترض طريق الدعوة

عقبات وتحديات تعترض طريق الدعوة ... وبقيت أمور تمثل عقبات وتحديات تعترض طريقها وسوف نشير إلى أهمها فيما يلي: أولاً: عقبات داخل مجال الدعوة نفسها: 1) ومن ذلك تعدد أجهزة الدعوة، كيانا، وتوجيها، وإشرافا، وهو أمر له خطره المتمثل في تضارب الاتجاهات، وما يترتب على ذلك من شقاق، وبلبلة تهز ثقة الناس، وتجعلهم يتساءلون: ترى من المحق من كل هذه الطوائف؟ ولماذا يكون بعضها أولى بالحق من الآخرين. 2) ومن ذلك ترك ساحة الدعوة فوضى يتجول فيها هواة، ومشعوذون، ودجالون، ومرتزقة كاذبون، ولعل ما يجري تحت اسم الطرق الصوفية في أنحاء العالم الإسلامي أسوأ ما يعترض طريق الدعوة الحقة!! 3) ومن ذلك مناهضة أجهزة الإعلام والثقافة العامة بوعي وبدونه لأجهزة الدعوة مناهضة تملك من الوسائل والطاقات ما يكاد يذهب بأثر الأخيرة ذهاباً كلياً، ومن أخطر ما يجري في هذا القطاع التعريض بالدعوة ورجالها، والنيل من مكانتهم، ومحاولة التأثير على صدورتهم عند الجماهير بما يضعف استجابتهم لهم. 4) ومن ذلك ميل كثير من العاملين في مجال الدعوة إلى الهروب من الميدان، والاتجاه إلى مجالات أخرى يرونها أكثر سخاء في العطاء الدنيوي وهذا أكبر دليل على أن فكرة)) الرسالة ((والإحساس بها لم تنشأ في نفوسهم، ولم يعن بتنميتها فيهم من خلال مراحل الإعداد!!.. ثانياً تحديات من خارج المجال: وفي مقدمة هذه التحديات ما يتستر ويتخفى تحت شعار العلم متخذا منه قناعاً من جهة ومعبراً يعبر منه إلى عقول الشباب المعاصر من جهة أخرى! من هذه التحديات: 1) تلك النزعات والمذاهب والفلسفات المادية التي تفد من الشرق ومن الغرب على السواء، والتي تلتقي على غاية واحدة، قلع بذور الدين والتدين من العقول والقلوب وأصحاب هذه الاتجاهات يحاولون إضفاء صفة العلم عليها، لما للعم اليوم من سلطان على العقلية المعاصرة

وخاصة في بلاد العالم الصناعي، حيث قدم العلم إنجازات جعلت تلك المجتمعات تقيم منه إلها تعبده، وتتعبد في محرابه. إن فتنة العلم في عصرنا هي أخطر ما يجب مواجهته، وكشف ما ينطوي عليه من مغالطات وتجن على الحقيقة، وافتعال الإدعاء بأن الدين عدو للعلم. 2) ومن فروع هذه الشجرة الآثمة ذلك الاتجاه ((العلماني)) الذي يدعو إلى فصل الدين عن الدولة، وهو اتجاه قد يكون له ما يبرره في بلاد نبذت الدين كلية، أو فشلت في محاولة التوفيق بين نظرة العلم ونظرة الدين الذي تدين به للحياة، لكن هذا إذا ساغ في أي مجتمع يستظل بأي دين فإنه في مجتمع يستظل بالإسلام لا يزيد عن تقليد جاهل أو محاولة مغرضة تريد حرمان المجتمع الإسلامي من أعظم مقوماته، ومن أعمق دوافعه، ومن أقوى حصونه في الصمود والدفاع عن نفسه في مواجهة أعدائه. في مجتمع الإسلام لا مكان لهذه المشكلة، بالمرة، فالدين الحق والعلم الصحيح أخوان، وفي تعاونهما معاً ازدهار الحياة وتقدمها، والداعون للعلمانية في مجتمعات الإسلام هم ـ بحق ـ الرجعيون الذين ينطلقون من منطلقات جاهلة أو حاقدة.. 3) ومن فروع هذه الشجرة الآثمة أيضاً ما نراه من انفصام بين الجامعات والمراكز التي تتولى شئون البحث العلمي في بلاد إسلامية متعددة، وبين روح الإسلام ونظرته للعلم والعلماء، وهي ثمرة مرة جاءت نتاجاً غير صالح لما كان من فصل متعمد بين التعليم الديني والتعليم المدني أرسى الاستعمار قواعده، ورسخ أصوله، وأحدث ثغرة هائلة في بنية المجتمع الإسلامي المعاصر، يجسدها هذا الانفصام بين مراكز التوجيه والقيادة الفكرية فيه، وبين الإسلام على درجات متفاوتة. 4) ومن التحديات التي تواجه الأديان بوجه عام ما يبدو من ميل علم كذلك إلى التحلل من الدين، والتخفف من تبعات التدين، وهي ظاهرة عامة في كل المجتمعات تعكس روح العصر، ومن الغريب أنها بدأت تنحسر في المجتمعات المتقدمة وظهرت فيها نزعات

تطالب بالعودة إلى الدين، هذا بينما هي في المجتمعات النامية ما زالت تأخذ صورة المد، ولم تنحسر بعد. 5) وهناك تحد خطير، لأنه يمثل خميرة الشيطان في مجتمعات المسلمين لقد تمكن الملاحدة من الماركسيين وغيرهم في كثير من بلاد العالم الإسلامي من أن يكون لهم وجود منظم أو معترف به، في شكل أحزاب، أو تجمعات تمارس نشاطها علانية أو تحت الأرض. هذه التجمعات الإلحادية تركز نشاطها على الشباب، وتستثمر الظروف الصعبة التي تعانيها بعض تلك المجتمعات، لحساب مبادئها الهدامة، وأغراضها المشبوهة وقد مكنها ما أضفى عليها من شرعية في بعض تلك البلدان من أن تستعلن، وتفصح عن مبادئها، وتدعو إليها جهاراً نهاراً. وبعد فلعلنا نكون ـ بهذا التفاؤل الموجز ـ قد ألقينا ضوءا كافياً على ما يعترض الدعوة الإسلامية من مشكلات وما يعترض ((الدعاة)) من عقبات حرصنا على أن نضعها في أطرها العامة ليسهل التعرف عليها، والنفاذ إلى جذورها وأسبابها، بما يهيء السبل الصحيحة لعلاجها والخلاص منها. إننا لو استطعنا تحقيق وتطبيق معطيات هذه الآيات الكريمة في محيط الدعوة الإسلامية ومجالاتها لكان لها من هذا التطبيق ما يخلصها من مشكلاتها، ويمنحها قوة دافعة تسرع بها نحو غايتها. لنرفع قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} شعاراً لتجرد الدعوة والدعاة. ولنرفع قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} عهداً بالتضحية والفداء. ولنرفع قوله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} تذكرة بالاحتساب. ولنتخذ من قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} معياراً لما يجب أن يكون عليه الداعية تفقهاً في دين الله، ومعرفة بالطريق إليه. ثم لنتخذ من قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، منهاجاً ودستوراً وأدباً يتخلق به الدعاة. وأخيراً لنتخذ من قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} مناراً نطل منه على آفاق الدعوة التي يجب أن نبلغ بها إليها. والله من وراء القصد موفق ومعين، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون.

من هنا فلنبدأ أعمالنا للدعوة للشيخ محمد المجذوب

من هنا فلنبدأ أعمالنا للدعوة للشيخ محمد المجذوب تمهيد ... من هنا.. فلنبدأ أعمالنا للدعوة لفضيلة الشيخ محمد المجذوب المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تمهيد: لو أن راصداً لألوان المحاولات الإصلاحية، في عالم الإسلام الرسمي المعاصر، أراد أن يشير إلى واحد منها يتخذه إطاراً لها جميعاً لكان محقاً أن يختار له اسم (المؤتمرات الإسلامية) فقد تعددت هذه المؤتمرات، وتعددت أغراضها، وتعددت أمكنتها، وتعدد شهودها، من حكام وعلماء ومفكروين واقتصاديين وليس آخرها هذا المؤتمر المقصور على شئون الدعوة. وهي ظاهرة أيا كانت حصائدها من حقها أن تحرك موات الأمل في مستقبل يرجى أن يكون أفضل بما لا يقدر من الحاضر، إذا تولته عناية الله الذي نزل الذكر وتعهد حفظه بقدرتها التي لا يعجزها شيء. إلا أن من أولى مهام الناهضين بأعباء هذه المؤتمرات أن يتوقفوا بين الحين والحين لمراجعة حساباتهم، وتقدير المسافة التي قطعوها إلى أهدافهم. وعلى ضوء المحصلات يمن تثبيت الخطى أو تعديلها في المسيرة الطويلة. وأنا كمسلم، تتحد رؤيته للهدف بأنه تحقيق المجتمع الإسلامي، الذي يطلع إليه ضمير الإنسان ـ الذي اضطربت رؤيته، وزاغت بصيرته، فبات كالضارب في صحراء لا مخطط لها ولا دليل عليهاـ لايغلبني التشاؤم فأنكر على هذه المؤتمرات خيرها، ولا أستسلم للتفاؤل فأبالغ في تضخيم محصولها.. ولكنني أوثر تقويم الواقع للإنطلاق منه الى التي هي أحسن. من هنا أراني مضطرا، بإزاء هذا المؤتمر المرموق، الذي يعقد لبحث متطلبات الدعوة، في الجامعة الإسلامية التي انشئت لخدمة الدعوة على مستوى العالم الإسلامي، وفي مهبط الوحي الذي منه انطلقت أشعة الوحي لتضيء

طريق الإنسانية، أجدني مضطرا إلى التذكير بالحقيقة التالية: إن الإسلام هو دعوة الله الخالدة الشاملة، وكل مؤمن بها فردا أو جماعة مكلف اذا عتها ونشرها في حدود طاقته ووسائله.. ولكن أول شروط الداعي وضوح الرؤية لديه بحيث يعرف من أين يبدأ أو إلى أين يريد أن ينتهي، وما حدود المجال الذي سيعمل فيه.. وعلى هذا لا مندوحة عن الإجابة مبدئيا على هذا السؤال:

من أين نبدأ

من أين نبدأ: في مطالع البعثة النبوية كان على الداعي الأول (صلى الله عليه وسلم) أن يؤمن بنفسه أولا نبيا مختارا من قبل الله، حتى إذا تضلع من اليقين بهذه الحقيقة جاءه الأمر الأعلى بدعوة الآخرين من عشيرته الأقربين، ومن ثم، وبعد أن أخذ الإيمان مستقره في صدور الصفوة من هؤلاء، استقبلت الدعوة مرحلتها العالمية فراحت تنتشر مع الشمس في كل اتجاه من دنيا الناس، تحملها نفوس صفت التربية الربانية مقوماتها من عوامل الضعف والهبوط، فكانت بنفسها صورة نموذجية للخير الذي تدعوا البشر إليه. تلك حقيقة يعرفها كل واع لتاريخ الدعوة الإسلامية، ولا مندوحة عن اعتبارها المنطلق الأول لكل تحرك في هذه السبيل: وعي الدعاة لما يريدون دعوة الناس إليه، ثم إيمان يسترخص كل شيء دونه وفي سبيله، ثم تميز بصفاته الواضحة عن كل ما عداه من الدعوات والمذاهب، فلا مساومة ولا مشاركة، ولا أنصاف حلول، وإنما هو تصميم قاطع على التحقق بقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ..} . وعلى هذا فلا مناص للعاملين فب نطاق الدعوة من تحديد نقطة البدء في منطلقهم، وهي تكوين أنفسهم، وتنظيم طاقاتهم على روح الدعوة التي آمنوا بها، حتى لا يلحظ الآخرون أي تناقض بين ما يقولون وما يفعلون. فإذا كان الداعي فردا من المثقفين كانت عدته الأولى بالحق الذي يريد اشاعته، وإذا كان الداعي دولة أو حاكما فالتبعة أكبر وأثقل، لأنها تقتضيه أن يكون الحارس الأمين لمبادئ دعوته، يستلهم أحكامها في كل صغيرة وكبيرة من عمله، فلا يحيد عنها في قضاء أو تدبير أو تنفيد.. ويكون في سلوكه الشخصي صورة حية من العدالة والنزاهة، اللتين يتميز بهما الحاكم المسلم، فيستحق أن يكون

القدوة الصالحة لمن تحت يده من المؤمنين بهذا الدين والجاهلين له على سواء. أجل.. تلك هي الحقيقة، التي لابد من التزامها لإنجاح العمل، الذي ينعقد هذا المؤتمر المبارك من أجله.. ولذلك كان لزاما على كل مفكر يؤمن بهذه الحقيقة أن يحاول جهده الإرتفاع إلى مستواها أولا، لئلا يندرج تحت قوله تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ..}

الإسلام والجاهليات

الإسلام والجاهليات منذ انبثق فجر الإسلام بدأت معاركه مع الظلمات الجاهلية، فما تخمد نار احداها حتى تستعر أخرى وقد استطاعت أن تمد ألسنتها في الكثير من الأحايين إلى قلب حصونه، فتدمر وتشوه، وتزلزل أعصاب الكثيرين من ضعفاء الوعي، فتؤلف منهم عصائب وفرقا، ما زالت بهم حتى جعلت منهم أشد أعداء الإسلام نكاية له، وتصميما على استئصاله.. وفي عصرنا الراهن نماذج رهيبة من هذه المعارك، اختلفت أدواتها، وتباينت أساليبها، ولكنها تلتقي جميعها على الغاية الواحدة التي هي تدمير الإسلام. ومعلوم لكل ذي لب أن خصوم الإسلام في هذه المرحلة الرهيبة قد حققوا غير قليل من النجاح في صميم العالم الإسلامي، إذاستطاعوا بوسائلهم المدروسة البالغة الدقة أن يتسللوا إلى كل معقل منه، فيعملوا فيه هدما وافسادا. لقد أخذوا على المسلمين سبل الحياة جميعا، فأفقدوهم الثقة في أنفسهم ومقوماتهم أولا، ثم أقنعوا أولى السلطة منهم ـ إلا من رحم الله ـ ألاّ منفذ إلى أي تقدم إلا عن طريقهم وبتوجيههم.. وهكذا أصبح المسلمون في كل مكان، وبأيحاء هذا الإيهام، رمز الأمة التي قدر لها أن تكون نموذج التخلف في قافلة البشرية، بعد أن كانت رائدة الركب الحضاري، لاعمل لها إلا حراسة الخامات التي أنعم الله بها عليها لتقدمها إلى خصومها بأرخص الأثمان، كي يردوها إليها مصنعة بأضعاف أثمانها. وعلى دأب المستضعفين في الإعجاب بالمستضعفين أقبل المسلمون على تعقب آثار هؤلاء دون تفريق بين الضار والنافع، والصحيح والفاسد، بل لقد أسرفوا في الجانب الادني من شؤنهم، حتى أوشكوا أن يتميزوا به.. فطرز أبنيتهم صورة مكرورة لمنازلهم القائمة على النظام الوثني،

الذي لا يقيم وزنا لفضائل الإسلام، ومناهجهم الدراسية نسخ منسوخة من مقرراتهم التي لا تقبل التعامل مع حقائق الوحي، إلا ما بقي من آثار لا وزن لها في نتائج اإمتحانات وفي الغالب من ديار الإسلام: وقد اكتسحت بيوت المسلمين فنون الكفرة، فهي تغزوهم بالمنظور والمسموع من الملهيات المنافية لكل ما أمرالله به ورسوله ويألفونها شيئا فشيئا حتى تطرد من حياتهم كل ما يعارضها من الأخلاق الإسلامية كما تطرد العملة الزائفة الصحيحة، وكأنهم بذلك إنما يحققون باختيارهم ما حذرهم منه نبيهم المعصوم بقوله الخالد: "لتتبّعنّ سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم.. " 1

_ 1 أخرجه الشيخان.

تصحيح الداخل أولا

تصحيح الداخل أولا: هذا الواقع الرهيب هو الذي أطمع بالمسلمين أولئك الأفاكين من أدعياء العلم في الغرب، فراحوا يشنون حروبهم على الإسلام بإسم العلم، فيحرفون الكلم من بعد مواضعه، ويقلبون الحقائق، ليدفعوا تلاميذهم من أبناء المسلمين إلى التنكر لدينهم. ثم أولئك الأفاقين الآخرين من دعاة النصرانية، الذين يئسوا من استبقاء دينهم في الأجيال الغربية، التي كفرت بقداسة الكنيسة فألقوا بثقلهم على الشرق الإسلامي، يستغلون الفراغ الذي تعانيه الكثرة من قلوب أبنائه، ليسلخوهم من بقايا هويتهم، الإسلامية، وليجعلوا منهم عصائب جديدة من الحاقدين على الإسلام، المحاربين له كأسلافهم الأولين من المرتدين. ومن هنا كان تصورنا لهذا الواقع في داخل كياننا حقيقيا بأن يدفعنا دفعا إلى البدء بتصحيحه، قبل أي تحرك إلى الخارج. لا جرم أن من واجب المؤتمر مواجهة كل محاولة تستهدف النيل من الإسلام في كل لغة وكل مكان وذلك هو الطابع الرئيسي الذي يتجلى في كل اجتماع يعقد لخدمة الدعوة، وفي كل بحث يكتبه غيور على حرمتها.. لكن.. أليس من حق الإسلام كذلك أن نوجه بعض هذا الجهد إلى ذلك الواقع الذاتي الذي سيمدنا بكل أسباب الفلاح أو الإخفاق في جهادنا من أجل الدعوة! من أبسط البديهيات أن الجيش المحارب

لا يصلح للعراك إلا بعد التدريب والتنظيم واستيفاء كل الوسائل التي يتطلبها القتال.. فلنبدأ إذن بتنظيم كياننا الأساسي أولا. إن معظم العاملين في نطاق الدعوة يركزون جودهم على جدال الآخرين لإقناعهم بحقائقها.. على حين يغفلون أقرب الناس إليهم فلا يكادون يعرضون هذه الحقائق عليهم.. في إحدى المدن الإسلامية قدم أربعة من الشباب (المتعلمين) إلى القضاء لمحاكمتهم على السكر وإعلان الإفطار في رمضان، أيام كان لرمضان حرمته في ذلك البلد، وشد ما أدهش الناس أن يعلموا أن كل من الأربعة إبن لعالم مشهور في تلك المدينة. وما أكثر النسوة اللاتي يتجردن من كل أثر للحشمة الإسلامية بمشهد من آبائهن أو أزواجهن، الذين يكثرون من الكتابة والخطابة في شئون الإسلام! أفليس مثل هؤلاء الغافلين أحرياء بأن يتذكروا قول الشاعر الحكيم: يأيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم! فيعلموا يقينا أن أول مسؤلياتهم هي تركيز معاني الإسلام في قلوب أوليائهم، حتى كلمتهم ذات وزن في نفوس الآخرين..

هذه التناقضات

هذه التناقضات: هذا من ناحية الأفراد المتطوعين للدعوة، أو الموظفين لها.. فإذا نقلنا النظر إلى الصعيد الرسمي ألفينا التناقض أكبر، والمردود أهول وأثقل. إن غير قليل من حكومات العالم الإسلامي تتنكر للإسلام عملا، وإن شاركت في الإجتماعات المنسوبة إليه كلاما.. إنها بحكم سلطانها على الدولة تهمين على كل مرافق التعليم، وبدلا من أن تقيم مناهجها جميعا على أساس الحقائق الإسلامية، وتحمي الإسلام من كل دعاية مضادة لحقائقه، سواء جاءت من المدرسين المنحرفين، أو من الأعداء التقليدين، نجد واقع الأمر فيها على خلاف ذلك، فالمناهج دخيلة محشوة بما يتنكر لعالم الوحي، والعلوم الإسلامية الحقة إما مطرودة من تلك المناهج نهائيا، وإما معزولة عن التأثير التربوي، بحيث لا يسمح لها بمواجهة أي افتراء يوجه إليها من كتاب مقرر، أو مدرس مضلل، ثم يتم اقصاؤها عن مجال التأثير كليا بإلغائها من مسوغات القبول في الدراسات الجامعية.. ولعل كثيرين حتى من ذوي العلم يجهلون أن بعض الحكومات (التقدمية) قد أغفلت ذكر العلوم

الشرعية من كل خطط التنمية التي تمدها للمستقبل القريب.. ولا معنى لذلك إلا التصميم على الغائها نهائيا. فإذا التفتنا إلى ميدان الإعلام، وجدنا الأبواب مفتحة لكل الأفكار المحاربة للإسلام، ولكل الفنون المدمرة لآدابه وفضائله. وربما عثرنا في بعض الزوايا القصية على بعض الكلمات التي تحاول أن تعرض، في استحياء، بعض معاني الإسلام، ولكن ما يحيط بها من نقائض كافية لأن تجعل منها شيأ غير معقول ولا مقبول.. حتى كتاب الله الذي غير تاريخ البشرية، وعلمها ما لم تكن تعلم من حقوق الإنسان ورسالته العليا، فلما يقدم للناظر أو السامع إلا مصحوبا لسبيل من الأغاني أو المزامير، التي لا داعي لها، سوى اشعار السامع أو المشاهد أن هذا القرآن ليس أكثر من بعض هذه (الألوان) الترفيهية..

تراثنا المهدد

تراثنا المهدد: ولا عجب أن تنحدر معاملة المعاني الإسلامية لدى وسائل الإعلام الرسمية في بعض هذه الدول، إلى مثل ذلك الدرك المؤسف، ما دام بعض كبار المسؤلين فيها لا يتحرجون عن الطعن الصريح في عصمة القرآن، والغمز من رسالة محمد (صلوات الله وسلامه عليه) حتى ليتهمونه على رؤوس الأشهاد بالتقول على الله، والدعوة إلى عبادة ذاته، والإستعانة بالأساطير الوهمية للتأثير على الأتباع.. إلى آخرين لا يسترون سخريتهم بالإسلام، حين يعلنون إيمانهم بالماركسية والإسلام جميعا، ولا يكتفون بذلك لأنفسهم بل يفرضون هذا التزوير على شعوبهم المسلمة بقوة الحديد والنار، ثم لا يستنكفون أن يحرقوا منكري هذا الإفك المبين بالنار على ملأ من العالمين.. ومع ذلك لا يرون بأسا من أن يحضروا مؤتمرا الإسلام، وينيبون عنهم من يتحدث بإسمه في كل مناسبة خاصة به.. وقد أعطى هؤلاء أنفسهم حق الإفتاء في كل ما يريدونه من الإسلام، دون ما حاجة سوى أنهم يملكون القوة التي تمكنهم من اذلال شعوبهم، وزج أحرارها في غياهب السجون، والتفنن في ابتداع عجائب التعذيب، يصبونها على كل من يجرؤ على مواجهتهم بكلمة (لا) .. ولعل موقف هؤلاء من المرأة المسلمة يمثل قمة الإستهتار بقداسة الإسلام.. فالسائح في ديارهم أينما اتجه تطالعه اللافتات الصارخة بتحرير المرأة.. وقد أصبح هذا شعار كل حكومة تنعت

نفسها بالتقدمية في بلاد الإسلام. وبقليل من التحقيق يتضح لكل ذي بصيرة أن المراد بهذا التحرير ليس تمكين المرأة من طلب العلم الذي يناسبها ولا رفع المظالم التي ترهقها في بعض الأوساط التي أدارت ظهرها لشريعة الله، بل دفعتها إلى الخروج على كل القيم التي ميزت المسلمة عن سائر النساء، إذ أعطتها من الحقوق ما لم تحلم به امرأة في العالم كله حتى الساعة.. ولا شك أن رافعي شعار (تحرير المرأة) في عالم الإسلام يدركون جيدا أن إفساد المرأة المسلمة باستجرارها إلى التحلل من فضائل الإسلام، إنما هو أقصر طريق إلى تدمير الحصون الداخلية للمجتمع الإسلامي.. لأنه سيجهز على مقومات البيت الذي لم يبق سواه لتربية الأجيال المؤمنة.. ومن أجل ذلك يعبئون كل الطاقات التي يملكونها، لتفريغ المسلمة من كل تقديس لمواريثها الدينية، وفي مقدمة ذلك تشويه القيم الأصلية، وشحن نفسها بالتنفير من كل موحياتها، وأنجح مجال لذلك مؤسسات العلم التي أمكن تجريدها حتى اليوم كل الحصانات الذاتية، ثم مؤسسات الدولة التي ركزت على استخدام المرأة، فأصبحت من أهم العوامل المفتتة لبقايا الأخلاق.. وما أحسبني بمعذور إذا أنا أغفلت بجانب هذه الألغام الناسفة، موضوع الشباب الذي يبتعث لاستجلاب المعرفة من معاقل الكفر، فإذا هو ـ إلا من رحم الله ـ فريسة مكشوفة لكل خبيث النية عليم اللسان.. ثم لا يلبث إلا قليلا حتى يسلخ من الزاد اليسير الذي حمله عن دينه دون تعمق ولا تدبر.. فإذا عاد إلى بلده بعد من الدراسة كان أكبر همه تهديم ما يواجهه من تراث حُشِي صدره بالحقد عليه.. وإني لهذا المسكين، الذي سُيّب دون معين، أن يصمد لألوان المغريات التي أعدت لاصطياده منذ الخطوة الأولى.. إذ كان عليه، من أجل اتقان لغة القوم، أن يتخذ سكنه في أسرة لا يسمع ولا يرى فيها إلا ما يخالف مقومات دينه، ثم تأتي الرحلات والحفلات والشهوات.. فلا تبقى من ميراثه النفسي نقيرا ولا قطميرا.. فكيف إذا تذكرنا أن هذا الشباب هو الذي يتولى وسيتولى مقادة المجتمع وتكييفه على الوجه الذي لا يؤمن بغيره!..

من هنا فابدأوا

من هنا فابدأوا: تلك صورة مصغرة من وقائع كبيرة لا يجهلها أحد مهتم بشؤن المسلمين، ويعنى بالدعوة إلى الإسلام.. ولابد أن كلا منا قد سأل نفسه بازائها أكثر من مرة: إذا كان هذا هو واقع المسلمين في بلاد الإسلام، فكيف يتاح لداع إلى هذا الدين أن يقنع به الآخرين؟.. إن أولى الحقائق التي يلتزم الداعي إلى الإسلام عرضها لغير المسلم، بعد كلمة التوحيد، هي اقناعه بأن الإسلام هو النظام الكامل الذي اصطفاه الله لعباده من أجل هدايتهم إلى التي هي أقوم في دنياهم وآخرتهم، ففيه أصول الحياة السعيدة لكل ما تتطلبه فطرة الإنسان من الحكم الرشيد، والآداب العاصمة، والقوانين الضابطة لمسيرة البشرية، أفراد وجماعات وحكومات في الطريق الذي لاعوج له. بلى.. ذلك ما يفعله كل داع أوتي العلم والحكمة.. ولكن ما محصول دعوته حين يسمع مدعويه يتحدونها بمثل قولهم: إذا كان هذا هو الإسلام حقا.. فما بال دول المسلمين يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيقاطعون تشريعاته القويمة، ليأخذوا بقوانيننا المضطربة، وما بالهم يرفضون أنظمته الإجتماعية، في المرأة والتربية والتعليم، ليلهثوا في أثر مجتمعاتنا، التي فقدت الرؤية السليمة، فراحت تتخبط في المجاهل دون هاد ولا دليل!.. لقد استحكمت مرحلة الضياع في حياة المسلمين منذ رضى مسؤلوهم بالتخلي عن سياسة الإسلام في الأموال والدماء وأساليب الحكم، ولما ألفوا البعد عن مهيع الشريعة الآلهية تقدم بعضهم مرحلة أخرى فأعلنوا الثورة بكل الخصائص التي تميز المجتمعات الإسلامية وها هم أولاء يصرحون في كل مناسبة بأنهم يريدون تفكيك البنية الإجتماعية لشعوبهم وتحويلها إلى أوضاع مغايرة تماما.. أوضاع يستمدون مخططاتها طبقا من كل مكان وكل نظام إلا الإسلام.. هكذا يتحول هذا الإسلام في ظل هذه العقليات الغربية إلى شيء آخر يمكن اعطاؤه أي إسم إلا الإسلام. إن الغاء القوانين الشرعية في معظم العالم الإسلامي قد جرده من كل الحصانات التي تحقق له الأمن، إذ زجه في المتاهات نفسها التي يتخبط فيها العالم الجاهلي من حوله.. وانشاء الفتاة المسلمة على غير الإسلام قد عطل كل الآيات القرآنية والأحاديث

النبوية المحددة لسلوكها، والحافظة لسلامتها وكرامتها، وبهذا وذاك يستحيل كتاب الله بين المسلمين لونا من الصحف الأثرية، إذا قرئت، وقلما تقرأ، فللذكرى أو للتسلي وربما للتبرك على أفضل الإحتمالات.. تماما كما حدث للإنجيل من قبل، إذ أصبح معزولا عن حياة النصارى، حتى لا يكادون يعرفون عنه شيئا، كما يقول المستشرق المبشر بيير ضودج في كتابه (الإسلام بنظر الغرب) ـ ص43ـ. وازاء مثل هذا الوضع لا يستغرب القول بأن كل الدلائل تؤكد أن الإسلام في مناطقه هذه مهدد بالزوال خلال سنين.. إذا لم تقيَّض له قوة ترد عليه اعتباره، وتمكن المسلمين أن يمارسوه في أحكامهم ومعاملاتهم واعلامهم وسلوكهم، في بحبوحة من الحرية لا يهددها عسف ولا ارهاب. وأمام هذا الواقع المنظور الملموس لا يعذر المفكر المسلم إذا لم يقل لدعاة الإسلام: من هنا، من مناطقكم المحسوبة على الإسلام فابدءوا بالدعوة إلى الإسلام.

لابد من حوار

لابد من حوار: وغأني بهؤلاء الإخوة المعنيين بشؤون الدعوة، وقد ذكرهم حديثي بما لم ينسوه، يتساءلون في أعماقهم: ذلك هو الحق.. ولكن ما السبيل إلى تحقيق واجبنا نحو الدعوة في هذه المناطق المغلقة بوجهها!.. وأقر سلفا بأني لست أقل منهم حيرة بازاء هذه المشكلة.. فأنا أعلم ما يعلمون من الأخطار الهائلة التي تنتظر كل مامر يجرؤ على اقتحام هذا الميدان.. إن هناك القاب الخيانة، واختلاف التهم، وتأليب الغوغاء، وحرب التجويع والحرمان، ثم ألوان التعذيب التي يعجز عن تصورها الشيطان والداعي مهما يبلغ من الإيمان لا يعدو أنه إنسان، يعتريه الخوف، كما اعترى نبي الله موسى أمام ثعابين السحرة، وكما اعترى عمارا تحت سياط الكفرة.. وهو يعلم أن كلمة الحق قد تسوقه إلى الشنق، أو تقوده إلى السجون التي لا مخرج منها، والتي دون أهوالها المنون. فكيف يؤدي هذا الداعي رسالته.. وكيف ينقل خطواته في هذه الظلمات التي بعضها فوق بعض! مرة ثانية أقر بالحيرة. ومع ذلك فلابد من العمل إعذاراً إلى الله، ولو أن كل شيء هناك يدعو إلى اليأس، فالغيب بيد الله، وهو القائل: {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}

وقد دلنا على طريق الفرج بقوله سبحانه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً..} . ومن يدري فقد يجعل الله من هذا المؤتمر ذلك الفرج الذي نترقب، إذا أخلص كل من العاملين نيته لله.. وذلك بأن يكون في رأس مقرراته استنهاض همم الحكام المؤمنين بالإسلام لإقامة حوار مع أصدقائهم حكام المناطق المغلقة، يستهدف اقناعهم بالتساهل مع دعاة هذا الدين فلا يمنعوهم دخول بلادهم، والإتصال بإخوانهم من أهل العلم، والتعاون معهم لتبصير الناس بحقائق الإسلام، وابراز فضائله، وتثبيت مقوماته في نفوسهم. على اعتبار أن في هذا الضرب من التبليغ تشديدا للروابط الأخوية بين شعوبهم، وفي ذلك قوة لهم ولأمتهم لاتقوم بها كل فلسفات الدنيا. وسيكون من بوادر التوفيق في هذا الحوار الإفراج عن أولئك الدعاة الذين تتابعت الأعوام على اعتقالهم دونما ذنب سوى أم يقولوا ربنا الله!.. هذه واحدة. ثم أخرى وهي أن يرضى حكام المناطق المغلقة بالدخول في حوار آخر مع رجال الدعوة أنفسهم، فيعرض كل من الفريقين وجهة نظره وما عنده من حجة لنصرتها.. فإذا كان هدف الحكام حقا مصلحة شعوبهم حسب اجتهادهم، لم يكن مستحيلا اقتناعهم بأفضلية الإسلام نظاما وقانونا وسياسة..

لا منقذ إلا الإسلام

لا منقذ إلا الإسلام: إن عقدة النقص في أولئك الحكام عائدة إلى جهلهم المطبق بمعطيات هذا الدين، ولقد رأينا عددا من هؤلاء، الذين سجلوا الرقم القياسي في عدائهم له، لا يكادون فارقون كرسي السلطة، ويجدون الفرصة السانحة للإطلاع على بعض روائعه، حتى ثابوا إلى رشدهم، وأيقنوا الإخلاص وألا عزة ولا قوة إلا في الأخذ به كلا لا يتجزأ.. وفي اعتقادي أن أقصر الطرق إلى نصرة هذا الدين الحق في بلاد الإسلام هو الوصول إلى قلوب وعقول هؤلاء الحكام.. وكل نجاح يمكن تحقيقه معهم إنما هو ربح للإنسانية كلها، التي تتطلع في لهفة لاذعة إلى منفذ للخلاص من ضياعها الرهيب، ولا منفذ لها ولا منقذ إلا بالإسلام، الذي لايخدمه شيء مثل قيام مجتمع نموذجي يطبق أحكامه صحيحة كاملة كما أنزلها الله، في أي بقعة من هذا العالم.. لقد قرأ هؤلاء الكثيرين عن مفتريات الملحدين في تشويه الدين، ولم يكن لديهم من العلم ما يفرقون به بين الإسلام وغيره، فلم يلبثوا أن سحبوا تلك

المفتريات على الإسلام نفسه، ومن ثم أقاموا من أنفسهم مشرعين في أهم قضاياه، وهم الذين ـ ربما ـ لم يلموا بحرف من كتاب الله ولا سنة رسوله ولا اجتهاد الأيمة، ومثل هؤلاء لا يبعد أن يتقبلوا تصحيح خطئهم لو أتيح لهم من يدلهم عليه..

وأخيرا

وأخيرا: أن أهم ما ينبغي التوكيد عليه في هذا المؤتمر، وكل مؤتمر يعقد لبحث أمور الدعوة، في هذه الأيام يمكن تلخيصه في النقاط العشر التالية: 1ـ الإلمام الدقيق بواقع الفكر البشري وموقفه من التطلعات الروحية في مسيرته الراهنة. 2ـ دراسة واقع الدعوة الإسلامية ودعاتها في بلاد الإسلام، وبخاصة في الأقطار العربية. 3ـ إيمان الدعاة بدعوتهم أولا، ثم التزام طريقها في النفس والأهل وكل من يقع تحت مسؤليتهم. 4ـ التركيز على دعوة الحاكمين في أقطار الدعاة للإستحواذ على تأييدهم، أو مهادنتهم على الأقل. 5ـ تأمين حق الإسلام في شؤن الإعلام حتى يتاح لعلمائه أن يقدموا حقائقه. 6ـ السعي لدى المؤمنين من حكام المسلمين للإقلال من الإبتعاث إلى مناطق الكفر ما أمكن. والغاء بعثة كل طالب يثبت إهماله التكاليف الإسلامية، تحت طائلة الحرمان من حق العمل في خدمة الدولة. 7ـ العمل لإقناع هؤلاء المسؤلين بقصر مناصب الملحقين الثقافيين على رجال الدعوة من ذوي النشاط الإسلامي، المتضلعين بالثقافتين الإسلامية والعالمية. 8ـ تولية هذه النخبة من الملحقين الدعاة أمر الإشراف على البعثات الطلابية، وتخويلهم كل الصلاحيات المساعدة على انجاح مهمتهم. 9ـ العمل الجاد لتأمين اذاعة خاصة ـ ولو في نطاق محدود ـ لتبليغ الإسلام في كل دولة إسلامية تشارك في اجتماعات المسلمين. 10ـ اعتبار مكتب الدعوة في الجامعة الإسلامية، مكلفا متابعة هذه المقررات، واعداد تقرير دوري صريح عن مدى تطبيقها وأمكنة هذا التطبيق، على أن يذاع وينشر بكل وسائل الإعلام الممكنة. والله قصدنا وإليه المصير..

بين يدي العلاج للدكتور محمد الهراس

بين يدي العلاج للدكتور محمد الهراس بين يدي العلاج ... بين يدي العلاج للدكتور عبد السلام الهراس الأستاذ بجامعة محمد بن عبد الله (كلية الآداب) فاس ـ المغرب إن في عالم اليوم تيارات امتاز بعضها بأحكام الفكرة وشموليتها وقد أكسبتها الممارسة والتطبيق بريقا وأي بريق. وهكذا لم تعد أفكارها تتردد في مجال النظر والعقل بما تمخضت عنها دول وكتل متميزة بمعالم وملامح انعكست على حياتها واخلاقها وعلاقاتها فهي مدينة لهذه الإيدلوجية أو تلك ملتحمة بها التحاما شديدا لأنها منذ اعتنقاها لها واتخاذها منطلقا لنهضتها وأسلوبا لحياتها واطارا لتطورها حدث تغيير عظيم في حياتها الحضارية وهكذا ارتبطت النهضة بالفكرة وتلازم ذكر التقدم الروسي بالماركسية، والتقدم الغربي باللبرالية والرأسمالية. وقد كان للصراع الفكري أثر في عدة مجالات حتى في ميدان الرياضة كما تجلى ذلك في مونريال حيث كان التبارى والصراع على أشده بين الفريقين الممثلين للفكرتين للبرهنة على التفوق احدى الإيديولوجيات على الأخرى. ومعنى ذلك أن الفكرة، كأي انتاج يجب أن تتجاوز الدعوة إليها الإكتفاء بالبرهنة على صلاحيتها نظريا إلى تقديمها في صورة حضارية ملموسة يعيشها الإنسان ويسعد بها، لأن الفكرة الأكثر تأثيرا واغراءا أو اطراحا وتنفيرا هي التي يعكسها واقعها الملموس، بقطع النظر بأن يكون هذا الواقع انعكاسا حقيقيا لها أو انعكاسا لاختلال أخلاقي وعقائدي للذين يدعون أنهم أصحابها دون أن تكون هي في الحقيقة مسؤولة عنه، ففرق كبير بين فكرة تقدم وتعرض خلال أمة متماسكة، ودولة أو دول عظيمة ومصانع ضخمة وانجازات مذهلة في مجالات العلوم والإختراعات والتقدم الإجتماعي والحضاري، ومن خلال الحرص على كرامة الإنسان وأمنه وسلامته، وبين فكرة يدعى لها من خلال أمة أو أمم ممزقة ودول ضعيفة أو عجفاء متناحرة ومجتمعات متخلقة راكدة وانجازات جبارة ولكن في ميدان التفقير ومصادرة الكرامة الإنسانية بل البشرية وخنق الفكر السليم وتناقضات بين القول والعمل

وسيطرة جو من سوء الثقة بين الأفراد والجماعات والرعاة والرعية. فالمقياس المتداول أو المستعمل لاختيار صلاحية الفكرة أو عدم صلاحيتها هو مدى ما حققته لأصحابها من حضارة وما أنجزته في ظلها من نهضة أو تقدم أما المقاييس المثالية والتجريدية والمعتمدة على الإستدلال بالماضي والإشادة بعظمته والوعود بمستقبل غامض فأمور أثبتت أنها فاقدة لأهم عناصر التأثير والإلتفات. فالرواج الإيديلوجي هو لمن يملك رصيدا ملموسا يؤيد دعوته وهذا بالضبط ما ساعد أعداء الإسلام على اقتحام عقول شبابه ومجتمعاته. إذن فأول ما تواجه الدعوة الإسلامية هذه الأجهزة الجبارة التي تهاجمنا من كل صوب مدججة بالقوة والحجة والتنظيم مستعينة بوسائل كثيرة فعالة، تؤازرها دول عظمى وأخرى دونها متعاونة ببيادقها والتي تجاور الرقعة الإسلامية لضرب المسلمين والدعوة الإسلامية التي تتزعم دائما العمل التحرري التقدمي. ولأعداء الإسلام زيادة على أجهزتها الصريحة والعلنية منظمات وأندية ذات أهداف دينية أو اجتماعية أو انسانية ولكنها في الحقيقة ذات هدف واحد وهو تهديم القيم الإسلامية وتعويق العمل الإسلامي، فهي إذن نشاط مواز للنشاط الإيديولوجي خادمة لأهدافه، إنه النشاط المستتر والعلني المتخفي وراء عناوين يبدو بعضها بريئا ولكن البعض الآخر مكشوف الأهداف شرس الأطماع مثل البهائية التي أصبح لها دور خطير في بعض البلاد الإسلامية وتتمتع بحماية ودعم يمكنها من التسرب والإشراف والتحرك في أمان وحرية مع وضوح اتصالها بالصهيونية والأجهزة الإمبريالية ومن هذه الأنشطة الأندية الثقافية والتجارية والإجتماعية التي تعمل في كثير من بلاد الإسلام بقيادة جماعة ممن يرتبطون بهذه الأمة إسما ونسبا ولكن باشراف أجنبي مشبوه. ولهذه الأندية فروع ذات أهمية في بعض البلاد الإسلامية وتتمتع بتقدير خاص وبارز حتى أصبح الإنتساب إليها شرفا وقربى، وقد وقع في شراكها بعض ذوي النبات الحسنة الذين لا يعرفون ماذا تدبر هذه الأندية بإسمهم وإسم أمثالهم من شر لأمتهم على المدى البعيد. وفي الحقيقة أنها خطت خطوات هامة وقطعت مراحل ملموسة مما يجعل منها مراكز قوى توجه وتتدخل من بعيد أو قريب في شؤون البلاد الإسلامية. وهناك دعوات وجماعات من

انتاج محلي مهمتها نشر البدع وتعديم السنن وتتمتع بنفوذ قوي أوساط العوام وربما على مستويات أخرى، وهذه الدعوات تنازع العمل الإسلامي وتناوئه وقد استغلها أعداء الإسلام في بعض الفترات ولكن الذي يقع اليوم زيادة على ذلك أن أجهزة الإستشراق تعمل فيها لمحاربة الإسلام على احياء نوع خاص من الترات الصوفي لاستغلاله فب محاربة الإسلام والتشويش عليه. وهكذا تصبح هذه الدعوات والطرق من أشد المعوقات للدعوة الإسلامية الناصعة. وهناك حركات ومنظمات سياسية في بلاد المسلمين لا تعادي الإسلام ولكنها لا تتخذه اطارا وسلوكا ودعوة لها ومها من حاول أن ((يعصر)) الإسلام و ((يعصرنه!)) وجعله مبدأ جزئيا من مبادئ دعوته السياسية. وهنا الخطر إذا أصبح الإسلام صالحا لأن يكون تارة في اليمين وتارة في اليسار حسب الموضة السائدة فهو موضوع استغلال لا موضوع قيادة واتباع. وهناك من جعل الإسلام وسيلة للإحتلال على الضمائر والتمويه والتضليل لغايات مرحلية محددة. وهكذا تشكل هذه الإتجاهات معوقا للإسلام حتى عند أصحاب النيات الحسنة الذين يظنون أنهم يحسنون صنعا بهذا التلفيق والترقيع! وهناك تعويق مزمن وهو الذي يتجلى في النزاع بين بعض الدعوات الإسلامية وبين سلطات بعض البلاد الإسلامية ولسنا هنا في موقف الادانة أو اللوم وإنما نحب أن نقول إن هذا النزاع لم يستفد منه إلا أعداء الإسلام. ولكن ثمة معوق خطير يجب الإعتراف به والتنبيه إلى خطورته وهو ذلك التطاحن والصراع السلبي بين بعض الجماعات الإسلامية. مما جعلها مشغولة بانشقاقاتها منصرفة عن رسالتها الأصلية ومهمتها التي من أجلها أسست، ومن المؤسف أن تكون بعض الجماعات مصرة على سلوك هذا السبيل لهدم جماعة أخرى باذلة في سبيل ذلك كثيرا من الجهود والوقت والمال غير ملتفتة لما تبدده من طاقات وما تفوته من فرص وما تبثه من شقاق وما تقدمه لأعداء الإسلام من خدمات جلى وما تضيعه على المسلمين من خير كثير، بل أكثر من هذا فقد وقعت اختلافات هدامة بين الجماعة الواحدة وكل طرف فيها كان متمسكا بحجج ومتذرعا بمبررات مستدلا بالقرآن والسنة والأصول الأخلاى وهكذا استخدم الإسلام لهدم الإسلام!! إن هذا الاختلاف لا يقل خطورة ولا صورة عن ذلك الاختلاف الذي وقع بين أبي عبد الله بن الحسن وعمه أبي

عبد الله الزغل لغرناطة بينما كانت هذه المدينة الإسلامية في حالة احتضار ومحاصرة حصارا شديدا من جيوش الملوك الكاثوليك فضاعت الأندلس وضاع الأمراء.. إن هذا الصراع ليس في الحقيقة إلا نوعا من الإنتحار وجريمة من أمهات الكبائر التي لا تغتفر. لقد مرت بالدعوة الإسلامية فترات من المحن القاسية ولكن أعني محنة عانتها هذه الدعوات هو الإنشقاق الداخلي الذي شل نشاطها وأخمد جذوتها وسلب عنها كثيرا من الفاعلية والنجاعة وما زالت مضاعفات هذه المحن الداخلية تلاحق الدعوات وتعرقل سيرها. إن ما بيناه من معوقات الدعوة الإسلامية والحيلولة دون انطلاقها، قبل كل شيء في الداخل أمور مسلمة وهناك معوقات أخرى رئيسية أو ثانوية يدركها كل من زاول الدعوة إلى الإسلام. فما العلاج؟ إنني أستبعد موقف التهرب والإنزواء واليأس، فالداعي إلى الله دائما متفائل حتى لو كان في أحلك الظروف وأشد الأحوال ولذلك لابد من البحث الحثيث والدراسة المستفيضة لوضع خطط واقتراح سبل وأساليب للتغلب على هذه المعوقات والعقبات وتحويل بعضها إلى عوامل دعم وقوة ومساعدة. ومما يزيد في تفاؤلنا هذه التباشير التي تنطوي على ارهاصات بأن المستقبل للإسلام، ومن هذه الارهاصات الخارجية والداخلية. (1) الإفلاس الحضاري الذي يتمثل في الجفاف الروحي والتعفن الخلقي والتمزق الأسري والإضطرابات الإقتصادية والفوضى الفكرية مما أوجد تيها وضياعا بالإضافة إلى اصرار الغرب والشرق معا على ظلم الشعوب واستغلالها والحيلولة دون انعتاقها من ربقة التبعة مما جرد هذه الحضارة بشقيها من أهلية القيادة، ورغم ما يبدو من محاولات جبارة للانقاذ فإن الأمور لا تعدو أن تكون صحوة المحتضر. (2) أما في الداخل فهناك افلاس شامل ومذهل لما استوردوه من مذاهب وايديولوجيات وما ابتدعوه من ترهات القومية وغيرها فقد تعرت حقائقها وانكشفت أهدافها أمام الشعوب الإسلامية بسرعة كبيرة بما جرته عليها من ويلات وما حققته من خيبات

وما زرعته من سخط وتذمر وليس بينها وبين اقبارها النهائي سوى توفر بعض الظروف المواتية للإعلان عن الإستجابة السليمة لمطامح هذه الشعوب وارادتها. (3) وقد صاحب هذا الإفلاس المذهبي الداخلي يقظة مفعمة بالوعي والتطلع والقصد الجميل في أوساط الشعوب الإسلاميةولا سيما على مستوى الشباب والأجيال الصاعدة التي عانت خلال عشرين سنة ما عانت من قهر وإذلال وكبت للحريات وحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية باسم الحرية الديمقراطية والكفاية والعدل إلى آخر القائمة التهريجية المشؤومة التي لم تكن في الحقيقة إلا إرهاباً وتسلطاً وتثبيطاً للعزائم وتيئيساً من الحياة وتشتيتاً للجهود وتدميراً للمحاولات الطيبة لتقوية هذه الأمة وإرشادها لأحسن السبل وأقومها. كل ذلك كان خدمة للعدو الرابض في القدس وتمديداً لعمر العدوان والظلم وإغاثة للإمبريالية على إبقاء هيمنتها على مصائرنا وثرواتنا وعواطفنا وبالتالي على إبقاء الأمة الإسلامية منتكسة في المؤخرة بعيدة عن الاهتداء لشروط نهضتها وممارسة حياة حرة كريمة كما يأمرها بها دينها. إن الإفلاس الخارجي والإفلاس الإديولوجي الداخلي والوعي الإسلامي الغامر أمور مساعدة للدعوة الإسلامية ومهيئة لها لتنمو بسرعة وثبات وشمول، لذلك فعلى هذه الدعوة أن تتدارك ما فاتها وتسارع إلى تنظيم نفسها تنظيماً مدروساً حتى تتلاءم والأوضاع الجديدة في الداخل والخارج معاً. وأعود للسؤال السابق: فما العلاج؟ أو بعبارة أخرى: كيف نستطيع تجاوز هذه العراقيل والتغلب على المعوقات التي في طريق الدعوة؟ إنه من الصعب جداً أن يزعم الإنسان أنه قادر وحده على الجواب بسهولة وكفاية وصواب وبخاصة خلال كلمة مستعجلة أو مقالة مرتجلة لكن يمكن القول أن علاج الذات وصيانتها وتحصينها هي الشرط الأساسي لمواجهة الأخطار الخارجية، ويقتضي ذلك ترميم الجبهات الداخلية ولم شملها وإحكام أنظمتها وإنعاش مرافقها ومؤسساتها. إن في العالم الإسلامي الآن مؤسسات

وجماعات وأفراداً للدعوة الإسلامية سواء على المستوى الرسمي والمستوى الشعبي وهي في مجموعها ذات إمكانات وطاقات عظيمة تستطيع أن تقوم بأهم مما تقوم به الآن من أداور ومهمات وقد أثبتت كثير من هذه المؤسسات والجماعات قديمها وحديثها فاعليتها في الدعوة بما تركته وتتركه من آثار في المجالات التي تعمل فيها كما أن ثمة أفراداً وأعلاماً يعملون في حقل الدعوة وبث الفكرة الإسلامية بالكتاب والمحاضرة والمقالة والمناظرة وغير ذلك من الوسائل المتاحة، أثبتوا جدارة مما قدموا من نفع عميم في مجال الفكرة والكلمة الإسلامية. ولكي تكون أعمالها أكثر فاعلية وإحكاماً أرى أن يقام جهاز للتنسيق بين هذه المؤسسات والجماعات والمنظمات ذات الأحجام والمواقع المحترمة. وأقترح أن يبادر إلى الدعوة من أجل تنظيم ملتقيات للتوصل إلى أحسن ما يمكن التوصل إليه من صيغة ذات صبغة عملية تنفيذية للتنسيق والتعاون والتكامل. من السهل فيما أحسب أن يتم ذلك بين بعض المؤسسات وبخاصة تلك التي لها إمكانات مهمة، لذلك إذا كان الأمر ينتج بهذه البداية فلنفعل والبقية تأتي. المهم أن يضع المؤتمر الأسس الكفيلة بإرساء قاعدة سليمة لانطلاق هذا التنسيق والتكامل إذ بذلك نكون قد خطونا بالدعوة الإسلامية خطوة محترمة. أما الجماعات الإسلامية فإنها كما، نقرأ، تقوم بمجهودات ملحوظة من أجل اتحاد أو تنسيق لكن رغم ذلك فإن لخلاصنا لهذه الرسالة المقدسة تقتضينا أن نقول بصراحة أن الهدف لا يزال بعيدا إلا أن العزم الأكيد والمبادرة الجادة تؤتي أكلها دائما، لذلك فإن أول واجبتنا الدعوة إلى توحيد الصفوف على الصعيد المحلي بين الجماعات الإسلامية والجمعيات ذات الأهداف المشتركة وتدعيم كل جماعة إسلامية أثبت التاريخ أنها أخلصت لهذه الدعوة وضحت في سبيلها وسارت بها أشواطا كبيرة. وهناك جماعات ناشئة في بعض البلاد الإسلامية لاتزال في مرحلة التكوين والتخلق مجاهدة وحدها، في الميدان تواجه تحديات كثيرة ومتنوعة وليس لها على الحق أعوان كما أنها لا تملك سوى وسائل بسطة وأفراد قلائل لأنها تعتمد على نفسها وامكاناتها الضئيلة، فهي في مسيس الحاجة إلى تشجيع مادي ومعنوي وإلى مؤازرة تشد من أزرها وتنقذها من المصير الذي آلت إليه

أمثالها من الجمعيات ذات الأهداف الإسلامية النبيلة التي أجهضت حركتها وهي بعد في طور التكوين والنشوء. وبعض هذه الجمعيات الإسلامية الصغيرة تقوم بأعمال إذا قيست بما لديها من وسائل وامكانيات لعدت أعمالا كبيرة ولنا أمثلة كثيرة من هذا النوع في البلاد الإسلامية وفي أوربا. وتوجد عبر العالم الإسلامي كفاءات مهمة في مجال الدعوة الإسلامية ولكنها فردية ومشتتة لا تربط بينها رابطة ولا يقيدها التزام جماعة أو جمعية. من هذه الكفاءات من تعمل في الداخل والخارج استجابة لدعوة موجهة إليها من هنا أو من هناك، فإن لم تجد من يحركها ويستفيد من طاقاتها تجمد وتنزوي بما استغلها المستغلون ومنها من هو ساكن قلما ما يتحرك سيما في بعض الظروف الخاصة!! وهناك من تقيده عن العمل ضرورات الحياة المادية فلو وجدت سبيلا إلى التفرغ للدعوة لسارعت للعمل بحماس واخلاص ولأعطت انتاجا وأي انتاج. لذلك يجب أولا القيام بمحاولة لحصر تلك الكفاءات واحصائها ودراسة أحوالها دراسة دقيقة للعمل على استثمار طاقاتها واخراجها من العزلة الإنفرادية إلى العمل الجماعي أو على الأقل العمل المخطط المضبوط المتناسق مع العمل الجماعي القائم على دراسة وشورى. لأننا نواجه عدوا بل أعداء يعملون عملا جماعيا منظما كأعظم ما يكون العمل الجماعي المنظم. وأحب هنا أن أعطي مثالا واحدا عن مدى الربح الذي تجنيه الدعوة الإسلامية إن هي استطاعت أن تستفيد من عمل هؤلاء الدعاة الأفراد. لقد كان مالك بن نبي رحمه الله كاتبا كبيرا في بلده وفي فرنسا ولكنه لم يجد آذانا صاغية ولا مناخا متجاوبا إلا في دائرة ضيقة وصغيرة وذلك لأسباب ليس هناك مجال لدراستها، وهكذا ظلت أفكاره مجمدة طيلة ثلاثين سنة وعندما جاء لاجئا للقاهرة سنة 1956لم يلتفت إليه أحد وذات يوم وجد بعض الطلاب مقالة منشورة في مجلة روز اليوسف بقلم رئيس تحريرها تحت عنوان ((الإستعمار في نفوسنا)) يتحدث فيها صاحبها عن زيارة لكاتب جزائري له، لا يتقن العربية ويتكلم الفرنسية بطلاقة ولكنه يفكر بعمق ويتناول مشاكل أمته الإسلامية بعقلية جديدة وأسلوب علمي صارم. وأعطى الكاتب الصحفي صورة سليمة عن فكرته التي تتلخص في أن الإستعمار عرض لمرض داخلي وهو القابلية للإستعمار فللقضاء

على العرض لابد من علاج المرض والقضاء عليه وهو القابلية للإستعمار وباختفائها يتخفى الإستعمار منطلقا في فلسفته تلك من قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . لقد قرأ هذا المقال كثير من القراء ولكن طالبا واحدا أو طالبين هما اللذان تنبها إلى قيمة الرجل ورأيا أن الشباب الإسلامي في أشد الحاجة إليه، وبذلا جهدهما للإتصال به، وأخيرا إتصل به أحدهما وتلك كانت البداية، وهناك اتصل ببعض الطلاب المسلمين المغاربة واللبنانيين واللبيين والسعوديين والجزائريين وغيرهم من طلاب العالم الإسلامي ونتيجة لهذا الاتصال والإعجاب بالرجل قام بعض الطلاب المغاربة واللبنانيين والمصريين بطبع أول كتاب له بمصر بعد أن ترجموه للعربية وهو)) شروط النهضة ((ومن ثم انطلق نشاط مالك بن نبي رحمه الله فكان هذا العطاء المثمر وهذا الإنتاج العضيم الذي نفع الله به المسلمين في هذا الظرف من حياة دعوتهم. وقد كان مالك بن نبي يعيش منذ أن حلّ بالقاهرة في جو الطلبة ويتعامل معهم ويحاورهم ويفيدهم ويستفيد منهم وإن بعض طلابه هم الآن القائمون على جمع آثاره وترجمتها وطبعها ونشرها كما أوصى هو نفسه بذلك. هذا مثال لمدى ما يمكن أن تفيده الدعوة من الكفاءات الفردية لو أحسنا الاتصال بها وتوجهها واتاحة الفرصة لها للعمل. تلك نقطة أولية في سبيل العلاج. والنقطة الأخيرة: هو أن الدعوة الإسلامية يجب أن ترتكز قبل كل شيء على الوسائل العلمية في عملها. فالتحديات الخارجية والداخلية لهذا الدين كثيرة ومتنوعة تستعين علينا بالعلوم والخبرات والأدمغة المفكرة، ولها جامعات وأقسام ومؤسسات متخصصة في دراسة العالم الإسلامي دراسة دقيقة في ماضيه وحاضره وإن مراصدها الثقافية والعلمية تمتاز بالدقة والمرونة وطول النفس، وهو يستخدمون حتى طلابنا وبحاثنا الذين يدرسون عندهم في جامعاتهم لغاياتهم المحددة دون أن نشعر نحن بتلك الغايات ولقد تحولت كثير من الدراسات الجامعية بالغرب والشرق لخدمة الدولة في مختلف علاقاتها مع البلاد الإسلامية زيادة على أجهزة أخرى متخصصة. ونحن نستطيع أن تكون لنا أجهزة ومراصد ومؤسسات تعنى بدراسة هذه التحديات المقتحمة علينا ديارنا من الخارج والأخرى النابتة في أرضنا

وهي أخطر علينا من تلك، ولذلك يجب تكوين جهاز علمي يضم اختصاصين مقيمين ومراسلين وجوالين مهمته دراسة هذه التحديات ووضع ملفات دقيقة عنها وجمع الوثائق المتصلة بها ونشر ما يمكن نشره منها ويجب أن يكون هذا العمل في اطار علمي موضوعي بعيد عن الانفعالات والعواطف، فالمعركة طويلة ومريرة {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} . وبجانب هذا الجهاز ينبغي أن تكون ثمة مؤسسة (معهد أو مركز) أخرى موازية لها مهمتها دراسة تجارب الدعوات الإسلامية في القديم والحديث ونهتم بوجه خاص بالتجارب الحديثة. والدراسة كما في علمكم تعتمد على خطة منهجية موضوعية، يبدأ بتجميع مواد الدراسة من مصادرها ومظانها ثم تصنيف هذه المواد وترتيبها والتنسيق بين أجزائها لوضعها في إطارها الكلي المترابط ثم القيام بدراستها وتحليلها واستخلاص خصائصها ومميزاتها إلى غير ذلك مما يضفي على الدراسة سمة)) العلمية ((بالإضافة إلى ذلك يقوم هذا الجهاز بطبع فهارس للكتب والمقالات والنشرات التي تتصل بالدعوة الإسلامية وتقوم برصد كل ما ينشر أو يطبع في هذا المجال لتزويد مراكزومؤسسات الدعوة بكل جديد. ويمكن نشر ما تراه مفيداً من تلك الكتب أو النشرات وترجمته إلى لغات العالم الإسلامي وينبغي أن يكون لهذا الجهاز مجلة دورية تنشر منها الجديد في الدعوة الإسلامية. والحق أن ثمة محاولات طيبة في مجال الإعلام الإسلامي وفي مجالات ثقافية وصحفية ولكنها محدودة وضعيفة الإمكانيات والوسائل ومتعثرة. وهناك قضايا أخرى على مستوى الدعوة الإسلامية في الداخل والخارج لا أحب إثارتها هنا ذلك أن الأجهزة التي يجب أن تنبثق عن هذا المؤتمر المبارك هي التي تستطيع أن تقوم بدراسة قضايا الدعوة دراسة مستفيضة معتمدة على الوثائق والمشاهدة والاتصال والاستقصاء والتتبع لذلك يسهل وصف العلاج للتغلب على تلك المعوقات ومثيلاتها من أجل إنطلاقة سليمة وشاملة وثابتة، إذ متى كانت السبيل واضحة كان السير على بصيرة وهدى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} .

رسالة الإعلام في بلاد الإسلام وعلاقتها بالدعوة الإسلامية للشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري

رسالة الإعلام في بلاد الإسلام وعلاقتها بالدعوة الإسلامية للشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري مدخل ... رسالة الإعلام في بلاد الإسلام وعلاقتها بالدعوة الإسلامية لفضيلة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري مدير الشؤون الدينية بدولة قطر {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} . أيها الإخوة: أحييكم بتحية الإسلام، مباركة طيبة من عند الله فسلام ورحمة من الله وبركات. لقد كانت عملية اختيار الموضوع من أشق الأمور على نفسي، فإن الموضوعات كلها إنما هي مشاكل الساعة ـ كما يقولون ـ بالنسبة للمجتمعات الإسلامية ومن الصعب على من ينفعل لدينه ويخدم أمته وعقيدته أن يتخير في هذه الأمور، فجميع الموضوعات هامة وكلها ينبغي أن تكون موضوعات بحث للإخوة المشاركين في هذا المؤتمر. أمام هذه الحيرة استخرت الله في هذا الموضوع (عن الإعلام) رغم أنني لست من فرسان هذا الميدان، إلا أنني قد وجدت صدري منشرحاً له ونفسي مقبلة وراضية عنه فتوكلت على الله واعتمدت على توفيقه.. الإعلام هو نشر الكلمة أو الخير أو الرأي أو الفكر أو الصورة على عامة الناس بإحدى الوسائل الآتية:- أـ الكتابة سواء كانت في كتاب أو في صحيفة يومية أو مجلة أسبوعية أو نشرة عامة. ب ـ الإذاعة المرئية (التلفزة) . جـ ـ الإذاعة المسموعة (الراديو) . ومن هنا تبدو أهمية الإعلام في السيطرة على جمهور الناس وتوجيه مشاعرهم الوجهة التي يراها الموجه إن كانت خيراً فخير، وإن كانت غير ذلك فهي لما وجهت إليه. وقد كان الشعراء والخطباء في الزمن السالف هم جهاز الإعلام القوي على ألسنتهم تدور رحى المعارك قبل أن تدور السيوف على الرقاب وبهم يرتفع شأن القبيلة ويعلو ذكرها إلى

السماكين وبهم أيضاً تنحط أسهم قبائل، هاتها في السماء. وقصة بني أنف الناقة معروفة، عندما احتقرتهم قبائل العرب وسبب تسميتهم بهذا الاسم، فإن أباهم كان لديه عدد من النسوة، لكل منهن أولاد منه، فعقر مرة ناقة وقسمها على كل أولاده ولم يبق سوى واحد حضر متأخراً ولم يكن لدى الأب سوى الرأس فأعطاها له فربطها الولد بحبل من أنفها، وجرها إلى بيت أمه، فسماه من رآه من الناس أنف الناقة فصارت هذه التسمية كنية له ثم لأولاده من بعده، إذ دعوا ببني أنف الناقة. وكثيراً ما تجر الأسماء على أصحابها العار بين قبائل العرب كما تعلمون، إلى أن جاءت وسيلة من وسائل الإعلام هي لسان شاعرنا، به قال بيتين في بني أنف الناقة فمحا عنهم العار والشنار وعلا ذكرهم بين الناس إذ قال: سيري أمامي فإن الأكثرين حصى ... والأكرمون إذا ما أنسبوه أبا قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا؟ وكان أهم ما يدور على ألسنة الشعراء والخطباء التغني بأمجاد القبائل وذكر مآثرها في الحروب، وفي صفات الشرف الرفيع، كالكرم والنجدة والشهامة والمروءة والإيثار. وحينما تذم قبيلة فبما هو ضد لهذه الصفات النبيلة الخيرة، من جبن وخداع وخسة إلى غير ذلك من الصفات الرذيلة. واستمر الأمر كذلك حتى شيوع الكتابة فأضيفت إلى ألسنة الشعراء والخطباء أقلام الكتاب وبدأ الناس يستعينون بالكتابة في نقل أفكارهم إلى جمهور الناس للتأثير فيهم وتوجيههم الوجهة التي يرونها.. ثم تأتي بعد ذلك الصحافة لتلعب دورها الفعال وتعمل عملها في عقول الناس خصوصاً وقد أخذت السياسة نصيبها في معركة الإعلام. والصحافة هي لسان حال السياسة ـ كما يقولون ـ تروج لمبادئها وتدعو لها. وتمر الأيام وتأتي في بداية هذا القرن الأعاجيب باختراع التصوير أولاً، ثم الراديو ثانياً ثم في منتصف هذا القرن تقريباً يتم اختراع التلفزيون (التلفرة) كما يسمونه، فتتم بذلك فصول قصة الإعلام حتى عصرنا هذا، والله أعلم بما سيأتي بعد ذلك من أعاجيب. والإعلام في جميع بلاد الدنيا ـ ما عدى غالبية البلاد الإسلامية ـ يسير وفق خط مرسوم ومنهج واضح بين، يخدم عقيدة من يسيره.

فنجده في روسيا مثلاً يحبو على المبادئ الشيوعية ويدعو لها ويذب عنها ويبين محاسنها، ويذكر عورات أعدائها ويجعلها ـ من وجهة نظر الشيوعية ـ أسمى ما تصبوا إليه قلوب الكادحين. وفي الغرب أيضاً نجد الديمقراطية أو الرأسمالية ـ في معركة الإعلام ـ هي الظل الوارف الذي ينبغي أن يتفيأ تحته كل من يصبو إلى الحياة السعيدة في دنياه. أجل نجد الإعلام في جميع بلاد الأرض ـ عدا معظم البلاد الإسلامية ـ يخدم.. المجتمع بحماية فكره وتراثه وعقيدته فيكون موجها الناس إلى حياة أفضل، أما في معظم بلاد الإسلام فنجد النقيض على طول الخط. نجد الإعلام تائهاً أو مضللاً يضرب الأمة في الأعماق، ويخرب أغلى مقوماتها ويعمل على تفككها ويسير بها إلى الهاوية. وإليكم الأمثلة على ذلك وهي للتدليل وليست للحصر: أولاً في ميدان الفكر: نجد رواجا للكتب الشيوعية والالحادية منقطع النظير، فهذا الكتاب يطبع بسهولة ويسر، ولا يقف الرقيب أمامه أبدا بدعوى حرية الفكر، فيتم طبعه في أحسن المطابع على أفخم الورق ويقدم إلى القارئ في ثوب أنيق من دقة الاخراج، وبسعر زهيد جدا لا يمكن أن يكون ثمنا للورق فقط.. ثانيا: في مثل ما نجده في الكتاب نراه أيضا في الصحافة، وهي من الخطورة بمكان، ففي الصحف والمجلات نجد الصور العارية والآراء المتعارضة مع قيمنا وديننا وتقاليدنا وأعرافنا وكل ما يمد إلى مقوماتنا بصلة. نجد كل ذلك في صحافة اليوم ببلادنا ويقرأه ويراه شبابنا وبناتنا، فماذا تكون النتيجة؟ نرى انفصاما تاما بين جيل اليوم وجيل الأمس نرى انحرافا خطرا في شبابنا.. فماذا بالله عليكم العمل؟ وهو يقرأ ويرى عما هو شاذ؟ ـ والممنوع مرغوب (وأحب شيء إلى الإنسان ما منعا) كما يقولون. هناك مسابقات لملكات الجمال، وأخرى للأزياء.. وثالثة للسباحة إلى غير ذلك من شذوذ عقلي والعياذ بالله.. كل ذلك يقرأه شبابنا، ويراه في الصورة اليوم، وغدا في العيان،

فماذا تريدون منه بعد ذلك، ليس هناك سوى الانحراف والعياذ بالله، وهنا تكون الطامة الكبرى. ثالثا: ويأتي بعد ذلك دور الإذاعة والتليفزيون وفيهما ما فيهما فأهم ما تتميز به الإذاعة أو التليفزيون إنما هو نشر الأغنية العربية. وماذا في أغنية اليوم من معان نبيلة كريمة؟ لقد خلت من كل ما هو نبيل وكريم ولا نسمع إلا نعيقا ونهيقا في الحب وللحب وكأنما اختيرت أمتنا فقط لهذا الذي يسمونه الحب، فهذا يدعو محبوبته، وتلك تنادي حبيبها وكأن أمتنا خلقت لهذه التفاهة فأصبحت لا ترى للحياة طعما إلا بالتغني بهذا الهراء السخيف الذي أودى بها إلى الحضيض وجعل منها إذاعات للمراهقين. رابعا: ويأتي التليفزيون هو الآخر ليلعب دوره في هذا المضمار بالصورة المتحركة المرئية وهو من أهم وأخطر أجهزة الإعلام، إنه سلاح ذو حدين مفيد جدا وضار جدا، مفيد بأنك تشعر أنك ترى جميع الدنيا أمام عينيك فينقل إليك الخبر طازجا تشاهده كأنك تعيش فيه وتلمسه، ترى على شاشته الصغيرة أشياء كثيرة مفيدة كالفروسية والسباق والعلوم والمعارف وغير ذلك هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ترى النقيض أيضا، تشاهد أفلام الحب والغرام، ونرى المسلسلات الأجنبية الخبيثة التي تغذي في أبنائنا غرائز الشر وتنمي فيهم روح التمرد على القيم والأخلاق.. فينفلتوا إلى الهاوية والعياذ بالله. أيها الإخوة: بعد هذا العرض السريع ـ الذي لابد منه ـ عن وضع المجتمع الإسلامي والتوجيه الإعلامي الخاطئ الذي يسيطر عليه، ما هو العلاج؟ وماذا نفعل إن أردنا التوجيه السليم لمجتمعنا. هنا مقدمة لابد منها وسؤال يرد في الحال. ـ من نحن؟ والجواب هو أننا أمة الإسلام.. {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} ما هي خطة هذه الأمة.. وما هو هدفها الأمر بين في الآيتين.. والمنهج واضح سليم.. الأمر بالمعروف،

والنهي عن المنكر، إقامة حدود الله، السعي في هذه الدنيا إلى إقامة مجتمع فاضل من جميع الوجوه، كما أمر الله ورسوله، يحل فيه الحلال، وتحرم فيه الخبائث، وتدور فيه عجلة الحياة دورانا هينا سليما. لتحقق عبادة الله في الأرض، فله وحده تعنو الجباه وتذل الرقاب. وله وحده الحياة، وإليه الممات وعنده المنتهى.. أمام هذا الوضع لابد من رسم طريق واضح يمشي فيه على هدى ونور. هذا الطريق رسمه لنا القرآن الكريم، وهدى محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أستطيع أن أدخل في هذا الموضوع فالخروج منه صعب بعد ذلك، وسيكون استطراد لا محل له هنا وإنما سأتعرض للأمر من ناحية الإعلام فقط. ولندخل في الموضوع بنظام الآن..

نحو خطة إعلامية سليمة

نحو خطة إعلامية سليمة: هل لدينا في بلاد الإسلام متخصصون إعلاميون مسلمون مؤمنون برسالتهم؟ أظن أن الإجابة على هذا السؤال واضحة بينة. فإن أهم ما يجب أن يتميز به رجل الإعلام في العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة هو واحد من ثلاثة: ـ أـ بالنسبة للكتابة: سواء في ميدان التأليف، أو في الصحافة فالكفاءة التي تظهره فقط هي: عذوبة اللفظ وسهولة العبارة. ب ـ بالنسبة للإذاعة: فإن ما يبرزه هو حسن الصوت والإلقاء فقط. ج ـ بالنسبة للتلفزة: فإن ما يظهره أمران لا ثالث لهما هما: حسن الصوت والصورة معا. ودعنا بعد ذلك من أهم العناصر التي ينبغي أن تكون الرجل الحق في هذا الميدان مثل: الثقافة وسعة الإطلاع، وحسن السمعة والسيرة والإيمان الحق ـ علما وعملا ـ قولا وفعلا ـ بدينه والتفاني في عقيدته.. كل ذلك لا يهم.. طالما كان شكله وصوته رائق.. ودعنا بعد ذلك من الأمور الباقيات… إن الإعلام كله وبجميع مظاهره يجب أن يكون في خدمة العقيدة الإسلامية، قولا وفعلا، وحتى نصل إلى هذه الدرجة من السمو النفسي والشجاعة أدعو إلى وجوب رقابة على جميع أجهزة الإعلام. رقابة جادة وحازمة، لا تأخذها في الله لومة لائم، ولا خشية ظالم، رقابة فعالة ذكية تعرف طعم الحلو

من المر، والحلال الحرام.. رقابة على الصحافة: حتى لا تدعو إلى الإلحاد علنا ولا سرا ولا تنشر الصور الفاجرة على أبنائنا وبناتنا فتغويهم، وحتى لا تحبذ الحرية الفوضوية ولا تدعو إلى السفور والاختلاط، وحتى لا تدعو بصفة عامة إلى الرذيلة بجميع وجوهها وصورها المرئية أو المسموعة. إنني أدعو إلى رقابة دينية على كل ما يقدم للعقل في المجتمع الإسلامي. رقابة على الكتب: ولا أريد بذلك ـ أيها الإخوة ـ فرض حصار على الفكر أو على العقل، كلا ما أريده أن أمنع تسمم الأفكار في المجتمع الإسلامي.. الكتب غذاء العقل، ولا أريد أن يكون هذا الغذاء إلا صالحا مزودا بكل أنواع مقومات الغذاء الصحيح. أما أن يكون هذا الغذاء هو السم في الدسم فهذا ما لا يرضاه أي مصلح لمجتمعه الذي يسعى إلى نموه ومجده وتقدمه.. بالله عليكم دلوني على فائدة واحدة لما حوته مكتبات العالم الإسلامي وبيوته ومحلاته وشوارعه من كتب عن الجنس. هل الجنس … هل الجنس غذاء للبدن؟ هل الجنس… غذاء للعقل؟ هل الجنس … غذاء للروح؟ أظن أن الإجابة واضحة عن هذه الأسئلة، وهي أن الجنس بحالته التي يقدم بها إلى أولادنا وبناتنا إنما هو سم زعاف لا يبني أخلاقا، ولا عقولا ولا فكرا ولا أرواحا إنما يهدم كل شيء يأتي في طريقه ويحطمه.. لهذا أرى أن تكون هناك رقابة صارمة على كل ما يقدم للمجتمع في الكتب من مبادئ ومذاهب ونحل وملل.. وأن لا يقدم لهم إلا كل ما هو صالح ومفيد. وأظنكم أيها الإخوة لستم بحاجة إلى تدليل عما قلت، فكلها قضايا طرحتها صحافتنا العربية خاصة وخاضت فيها وقتلتها بحثا وسارت في درب المعصية ولا تزال تسير لا أقول جميعها وإنما أقول معظمها أي إلا من رحم ربك. رقابة على الإذاعات المرئية والمسموعة: كما أدعو إلى رقابة على الإذاعة والتليفزيون.. رقابة حقة وصارمة فهناك من الأفلام والمسلسلات ما يدعو علنا إلى الرذيلة ويحض عليها ويبررها، وهذه الأجهزة لا يسمعها أو يراها إلا العاقلون فقط، كلا وإنما يسمعها

ويراها العامة والخاصة الصغير والكبير الذكر والأنثى.. وماذا فيها؟؟!. هذه أغنية خليعة تدعو إلى الحب!!! والأغنية العربية اليوم ـ أيها الإخوة ـ أصبحت مدعاة للتساؤل، لقد انفصمت عن أخلاقنا وأعرافنا وتقاليدنا وأضحت في طور من الشذوذ يستدعي للعلاج.. فهذا رجل (أو شبه رجل) يتلفظ بألفاظ سخيفة وينادي حبيبته ببكاء وعويل. وذاك آخر يستجدي صاحبته ويسترضيها لتمن عليه باللقاء.. وغير ذاك من التفاهة المضحكة المبكية.. وشبابنا وبناتنا يرددون هذه التفاهات ترديدا أعمى، فماذا تكون النتيجة بعد.. ذلك؟. وماذا ننتظر لهذا الجيل وعلى يديه؟؟!!. إن النتيجة معروفة وظاهرة جداً، وهي خطيرة إن لم نتدارك الأمر من الآن.. إنها انعكاس ذلك على السلوك وظهور جيل مخنث تافه لا هدف له، ولا عقيدة تعصمه ولا إيمان يحميه. وماذا تفعل المدرسة بعد ذلك؟ أو ماذا يفعل التوجيه التربوي؟ إن ما يبنيه المعلم في سنين بعد جهد جهيد وعرق تستطيع أغنية تافهة في الإذاعة أو التليفزيون أن تهدمه في لحظات، والغناء مزمار الشيطان والشيطان لا يدعو إلا إلى الباطل والفساد. ولله در القائل: متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم لابد أيها الإخوة من وضع حد لهذا العبث وهذا التخريب.. في من؟ في فلذات أكبادنا، رجال الغد، وعتاد الأمة فما هي الخطة إذن..؟

نحو خطة إعلامية هادفة

نحو خطة إعلامية هادفة وتصوري للوضع الإعلامي الصحيح هو أن يكون جهاز الإعلام في كل دولة إسلامية مكونا من شطرين رئيسيين أـ الموظفون. ب ـ وجود هدف إعلامي محدد. ألا وهو بناء صرح أخلاقي متين للأمة. ولنبدأ في تصورنا للعنصر الأول. أـ الموظفون: والموظف في قطاع الإعلام عصب هام جدا لعملية التوجيه في الدولة، لذلك ينبغي أن يعد إعدادا خاصا لهذه المهمة، وأن يكون كفؤا للقيام بأعبائها. إن عملية الإعداد ينبغي أن تبدأ منذ البداية في الحياة التعليمية وأن يعد النابغون

بعد ذلك إعدادا عاليا في مستواه لكي يصلح لتولي هذه المهمة الخطيرة في أي من أجهزة الإعلام المختلفة. وإن أول صفة ينبغي أن يتحلى بها موظف الإعلام هي الالتزام الخلقي في كل ما يعطيه للمجتمع من غذاء عقلي أو توجيه، وقضية الالتزام الخلقي هذه أو الديني بمعنى أصح لهي الشيء الوحيد الذي ينقص رجال الأمة الإسلامية اليوم في هذا الميدان والشواهد كثيرة جدا على ما أقول: صحيفة تنشر إعلانا واضحا جدا في أبرز مكان في صفحاتها عن نوع من السجائر وتجعل من مدخنيه أنهم في قمة الرجولة وغاية الاستمتاع. فهل هذا منطق؟ وهل هذا صحيح؟ إننا لو بحثنا هذا الأمر من الناحية الصحية على الفرد في استفتاء عام لوجدنا إجابة لا يختلف عليها اثنان أبدا هي أن (التدخين ضار وخبيث) ، ولربما صاحب الجريدة أو كاتب الإعلان ومدبجه لا يدخن، ولربما يعرفون أن مثل هذه الإعلانات أصبحت محرمة في صحف الغرب وفي أمريكا بالذات، بل تكتب على علب السجائر عبارة بشعة تجعل العاقل يفر منها كما يفر من الوحش الكاسر.. هذه العبارة هي: ـ هذا الذي تدخنه يسبب السرطان من هنا يتضح لنا قضية الالتزام الخلقي أو الديني بمفهومنا نحن ومفهومهم هم. تغلبت المادة علينا وأصبحنا ندعو إلى السجائر في صحفنا ومجلاتنا بل وإذاعاتنا أيضا، لماذا؟ لنحصل على فائدة مادية، ونسينا أمرا أهم من ذلك نسينا الحفاظ على صحة أبناء وطننا، فقدم لهم الخبثاء السم في الدسم، وأغووهم تماما كما يغوي الشيطان جنوده بالإثم والمعصية، لقد قدمت السجائر وإعلاناتها كمثال وهناك ما هو أدهى من ذلك وأمر كالخمر مثلا لا تجد في بلاد الإسلام دعاية مضادة لها كما يوجد في بلاد الغرب فهم يهاجمونها من جميع الجوانب الأخلاقية والصحية والمادية والاجتماعية وغير ذلك بينما نحن نعلن عنها في بعض صحافتنا وأفلامنا وأجهزة إعلامنا الأخرى وشتان بيننا وبينهم. ديننا يأمرنا باجتنابها والبعد عن مجالسها فيقبل عليها المنحلون من أبناء أمتنا. أما هم ـ أعني أبناء الغرب ـ فلا شيء ينهاهم عنها إلا ما رأوه فيها من مضار اكتشفوها بالعقل والتجربة، فأعلنوا عليها حربا لا هوادة فيها

وهكذا يبدو التناقض فينا واضحا. أيها الإخوة: إن قضية الالتزام الديني كما أسميه أو الالتزام الأخلاقي كما يدعوه البعض، إنما هي قضية هامة وفي غاية من الخطورة، وينبغي أن تكون هي الجوهر الذي علينا اكتشافه أولا وقبل كل شيء في رجل الإعلام منا. فلابد وأن تتوفر فيه صفات شتى: ـ منها التفقه في دينه ومعرفة أحكامه ومنها الإخلاص لعقيدته ومنها الإلمام الكامل بثقافة الإسلام من لغة وتاريخ وغير ذلك. ومنها الإطلاع على ثقافة الغرب للاستفادة من الصالح منها. ومنها الإيمان المطلق بأننا نحن المسلمون أصحاب رسالة سامية وحملة أمانة السماء إلى الأرض. وأننا نحن المسلمون ملزمون أيضا دينيا بتبليغها إلى الناس كافة على مختلف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم فإن فعلنا ذلك فقد كنا أوفياء لعقيدتنا وديننا وإلا فنحن مفرطون مضيعون لأمانتنا. إن رجل الإعلام ينبغي أن يمر تحت منظار دقيق جدا لتعرف سجاياه وأهواؤه وطويته فإنه أخطر على الأمة من أي عدو آخر، أخطر عليها من الجهل والمرض والفقر، لأنه يستطيع وبسهولة جدا أن يوجهها إلى الهاوية التي تؤدي بماضيها وحاضرها ومستقبلها والعياذ بالله. لهذا فإنني أكرر مؤكدا ضرورة التدقيق جدا في اختيار رجال الإعلام على أن يكونوا متصفين بكل ما يحض عليه ديننا الحنيف من حسن الخلق والتزام كامل، وفضيلة مستقاة من تعاليم السماء. أما الهدف الذي نرمي إليه من هذه الخطة الإعلامية فهو لب موضوعنا هذا وهو الأساس الذي بنينا عليه هذا البحث. إن الهدف في غاية من الوضوح ويتلخص في النقاط التالية: ـ أولا: نريد من الإعلام الإسلامي أن يشعر بعظم المسؤولية الملقاة على عاتق العاملين به فهم الذين يوجهون الأمة وينيرون لها السبيل بل إن أحدهم وهي الصحافة تسمى بلغة العصر، السلطة الرابعة من سلطات الأمة.. على ذلك فإن المسؤولية عظيمة ولابد أن يتولاها قوم عظام أيضا من ذوي الجباه العالية على مستوى من المسؤولية

والخلق وحسن الإدراك والتوجيه والثقافة والإخلاص لعقيدتهم. ومن هذا المنطق لابد وأن تكون الأمة على بينة من أمرها، وينبغي للإعلام حينئذ أن يتحلى بالصدق والأمانة. الصدق في القول والأمانة في التوجيه بحيث لا يؤخد عليه التهويل أو التصغير في الأمور، حتى لا تضطر الأمة لاستقاء أنبائها وأخبارها من مصادر العدو الذي يظللها ويقودها إلى الشك والتفكك كما هو حادث اليوم لشديد الأسف. ثانيا: ينبغي أن يكون الإعلام مرآة لماضينا كما يكون وجها لحاضرنا. ولكن نرى أن الأمر غير ذلك في واقعنا المؤلم اليوم، ونظرة عابرة إلى حافتنا العربية، إلا ما نذر منها، توضح لنا هذا القول. ومثال آخر للإعلام في إذاعتنا المرئية (التليفزيون) . لقد سلط التليفزيون في العالم الإسلامي على واقع الغرب والشرق معا بما فيهما من مرارة مؤلمة، وواقع لا أخلاقي فنقلته لنا كما هو، بل وزينته لشبابنا ليقتدي به.. نرى ذلك في القصص والأفلام والمسلسلات. نرى ذلك حتى في التاريخ القومي للغرب. فقد نقل لنا التليفزيون ـ جزاه الله بما يستحق ـ كل شيء نقل لنا الخبيث قبل الطيب والطالح قبل الصالح والمر قبل الحلو، وأصبح ناقلا مقلدا في غاية من التفاهة والسوء، لا يعبر عن أصول حضارتنا ولا عراقة ديننا وتقاليدنا، ولكنه مسخ سيء، تاما كالغراب الذي تخلص من ريشه ليقلد الطاووس في شكله فأضحى مسخا لا يعبر عن هذا ولا ذلك. هل كان الإعلام أمينا في نقل حضارة الإسلام نقلا صحيحا سويا؟ لا.. وألف مرة لا.. أقولها وأنا حزين وآسف على ذلك. إن جماهيرنا تعرف عن رجال الغرب أكثر مما تعرف عن عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وأبي عبيدة عامر بن الجراح، وغيرهم من رجالات الإسلام الأولين.. إن شبابنا يعرف عن الخنفسة بفضل إعلامنا ـ جزاه الله بما يستحق ـ أكثر مما يعرف عن سجايا أسلافنا وأخلاقهم. عن نساءنا يعرفن عن نساء الغرب أكثر مما يعرفن عن أمهات المؤمنين

والبطلات الخالدات في تاريخ الإسلام. لقد قام الإعلام في بلاد الإسلام بدوره الذي رسمه له العدو الغادر فقلب المعايير الخلقية لدى جيلنا المعاصر فأصبحت الرذيلة أوفى بالأداء من الفضيلة. أصبح السفور هو التقدم، والتستر هو الرجعية وصارت الميوعة والتخنث هما علامة على السمو والرجولة هي الجلافة والتوحش.. أجل انقلبت المعايير لأن أعداء الإسلام أرادوا لنا ذلك، فكنا كما أرادوا.. وأضحينا لا نهتم إلا بالسفاسف من الأمور. إن الإعلام الأعمى في بلاد الإسلام صار متخصصا في دراسات وفلسفات الفكر الغربي والشرقي كالديموقراطية والشيوعية. فمثلا نجد المقالات المدبجة هنا وهناك في معظم صحافتنا الإسلامية، هذا يحبذ وذاك يعارض وآخر يواسي بين الفريقين.. وهكذا.. نجد كل ذلك في صحافتنا منشورا لشبابنا، فيقتنع به فريق، ويعارضه فريق آخر.. ثم تدور الرحى حربا بعد ذلك بين الفريقين.. المتخاصمين فينشغل بال القوم بما بينهم وينسوا دنياهم وآخرتهم على حد سواء وتطحنهم الرحى جميعا، وتفنيهم وهم لا يعلمون من أين توالت عليهم المصارع.. ثالثا: والإعلام أيضا ينبغي أن يكون أداة من أدوات توحيد الأمة ودعامة قوية من دعامات بنائها الفكري والروحي فاللغة المكتوبة أو المسموعة ينبغي أن تكون سليمة في مبناها ومعناها على حد سواء، صريحة في مغزاها معبرة بصدق عن رأي قائلها، حتى تولد الثقة في عقل سامعها فتستقر في ذهنه وقلبه ويكون لها فعل السحر فتؤتي الغاية المرجوة منها.. والصراحة حرة ومؤلمة في بعض الأحيان.. لقد عرف شبابنا من الإذاعات المسموعة والمرئية على حد سواء كل شيء عن أوربا وأمريكا والصين وروسيا، وقليلا بل ونادرا ما نسمع عن أرضنا الإسلامية وما كان هذا الموقف الحزين المؤسف إلا لأن المسؤولين في الإعلام لا يدرون بذلك، إما لأنهم لا يشاهدوه أو لا يسمعوه، وإما لا يعرفون مقدار التبعة الملقاة على عاتقهم.. فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

رابعا: كل مجتمع من المجتمعات به مظاهر حياته كما فيه عوامل موته أيضا، وذلك كما يقول علماء الاجتماع. ونظرة واقعية على مجتمعنا الإسلامي اليوم نرى ذلك بوضوح، نرى العلل تصرعه من كل جانب. وواجب الإعلام الإسلامي أن يقوم بدراسة ميدانية لما بالمجتمع من أمراض ويوجه المسؤولين إليها، ويشخص لها الداء ويصف الدواء.. إن هذه النقطة من أهم النقاط التي ينبغي أن يوجه الإعلام نظره إليها، فإن علاج المجتمع جزء من واجب الصحافة والإذاعة المرئية والمسموعة. خامسا: تقديم الإسلام للمجتمع العالمي في ثوبه الحقيقي وهذا واجب آخر من واجبات الإعلام الإسلامي.. الدعوة إلى الله على بصيرة، وتقديم هذه الدعوة إلى مجتمعات أخرى في ثوب قشيب ناضر بلغات تلك المجتمعات تقديما مناسبا لجلال دين الإسلام وروعته وموضحا لوظيفة الإسلام والمسلمين في المجتمع الإنساني كافة.. ـ هل يستطيع الإعلام الإسلامي القيام بهذا الدور؟ ـ وهل ينجح في أن ينبه أنظار المسلمين إلى واقع دينهم؟ ـ وهل يستطيع أن يلفت أنظار غير المسلمين إلى روعة دين الإسلام؟ ـ وهل يستطيع أن يتحمل الأمانة ويبلغها للناس كافة بجميع الوسائل المسموعة والمرئية؟ ـ هل يستطيع أن يلم شعث المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على كلمة لا إله إلا الله، ويعرفهم أنهم أعضاء في جسد واحد إذا ألم بجزء منه مكروه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر؟ ـ هل ينجح في أن يقيم واقع المسلمين ويبين ما به من آلام وأمراض خبيثة من شيوعية وبهائية وقديانية وغير ذلك من ملل ونحل تفتك بجسد الأمة الإسلامية؟ ـ وهل يستطيع أن يحارب هذه النحل والملل ويخرجها من دار الإسلام إلى الديار الأخرى التي أنبتتها ثم تخلصت منها بأن صدرتها إلى المسلمين ففككت عرى وحدتهم وسممت أبدانهم، وفرقت كلمتهم وأودت بهم إلى التفرقة ثم إلى العداء والحرب بعد ذلك؟

ـ إننا لو نجحنا في ذلك لاستطعنا أن نخدم عقيدتنا بتسخير وسائل الإعلام كلها لها وهذا واجب ديني يحتم علينا أن ننهج في العمل لديننا وعقيدتنا.. فهل نحن سائرون؟ ـ وهل نحن إلى طريق الخير متوجهون؟ ـ وهل يا ترى سننجح في هذه المهمة العظمى؟ تأكدوا أيها الإخوة أن الأمر من بخطورة بمكان. وأن الإعلام بجميع وسائله المكتوبة والمرئية والمسموعة يتحمل العبء الأكبر. وذلك واجبكم أنتم أيها الدعاة أن تتجهوا إلى هذا الميدان بالإعداد له، وتوجيه شباب الإسلام لساحته وتعريفهم بمدى أهميته، ويوم أن تنجحوا في تقديم داعية مسلم واع.. لهذا الميدان، بقدر ذلك يكون الانحسار في بحار الباطل وستجدوا أنفسكم في النهاية على شاطئ النصر والأمان. فهل أنتم واصلون إليه؟ أرجو ذلك. {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} . بإذن الله

الدعوة الإسلامية ووسائل الإعلام للدكتور عبد المنعم محمد حسين

الدعوة الإسلامية ووسائل الإعلام للدكتور عبد المنعم محمد حسين مقدمة ... الدعوة الإسلامية ووسائل الإعلام للدكتور عبد المنعم محمد حسين الإستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين، وبعد.. فإن الدعوة الإسلامية دعوة جامعة لدعوات الرسل جميعا، بها ختمت تلك الدعوات، وبها تم الدين وكمل، كما قال الله عز وجل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} 1 وكما قال سبحانه وتعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ} 2 فالإسلام هو دين الله الذي رضيه لعباده، ليستقيموا به على صراطه المستقيم، قال تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 3 والإسلام دين الفطرة، فهو يتفق مع فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهو المثل الأعلى للإنسانية، لأنه حرر العقل، وأطلقه من عقاله إطلاقا يعود على الإنسانية بكل خير، ودفع العقل دفعا ليتفكر في الكون ليسمو الجانب الروحي، وليفكر في تسخير الأشياء للإنسان ليرتقي الجانب المادي. والإسلام هو النظام الإلهي الكامل الذي لا يمكن للإنسانية في سعيها لبلوغ الكمال الإنساني أن تجد أرقى منه في جميع مجالات الرقي، عقليا ونفسيا وخلقيا وعاطفيا وروحيا، وماديا وفرديا واجتماعيا. وأساس الدعوة الإسلامية هو الإيمان بالله واحدا لا شريك له، ثم ما يقوم في ظل هذا الإيمان من شريعة شرعها الله تعالى لأمة الإسلام، في تعبدها لله وفي بناء المجتمع الإسلامي المؤمن بالله. ويجب على كل مسلم أن يثبت أركان الإسلام في نفسه، ويحاسبها عليها،

_ 1 - المائدة: آية 3 2 - الأعراف: آية 19 3 - الأعراف: آية 85

ويقيمها على طريقها إن هي مالت أو انحرفت، فإذا سوى المسلم حسابه مع نفسه، كان عليه أن يدعو الناس جميعا أن يشاركوه في نعمة الإسلام، وأن يهدي إليها الحائرين الضالين، فليس من الإيمان أن يحتجز المؤمن الخير لنفسه وفي الناس من هم في حاجة إليه، ولهذا يجب أن تكون أمة الإسلام أمة داعية إلى هذا الدين الذي أكرمها الله تعالى به، وأن تفتح لغير المسلمين الطريق إليه. يقول الله تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1 ويقول عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 2. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو رسالة أمة الإسلام فيما بينها، ثم هو رسالتها في الناس جميعا، وينبغي على الدعاة أن يدعوا إلى سبيل ربهم بكل وسيلة ممكنة في العصر الحالي، بعد أن كثرت وسائل الإعلام، وتنوعت أساليبها واستغلها أعداء الإسلام، في ترويج الفساد، والتشويش على الدعوة الإسلامية، وأصبح لزاما على المسلمين أن يدافعوا على دينهم، وأن يبينوا حقائقه للناس أجمعين، فلقد أصبح الإسلام ـ في العصر الحديث ـ يواجه غزوا رهيبا محملا بوسائل الفساد للمسلمين من وسائل الإعلام من جرائد ومجلات وكتب ومسرحيات وإذاعة مسموعة ومرئية وأفلام سينمائية. وخطورة هذا الغزو أنه يدخل إلى عقول الشباب وقلوبهم دون أن يلتفت الكثير منهم إلى ما دخل عليه من أفكار مسمومة. إن وسائل الإعلام عدو خفي يحارب المسلمين بالكلمة والصورة والفكرة، وهي أسلحة أشد خطورة من الجيوش الزاحفة بأسلحتها المادية التي يعرف منها وجه العدو الذي يغزوهم. وينبغي أن يوجد إعلام إسلامي يتصدى لهذا الغزو الرهيب من وسائل الإعلام الحالية ويوصل الدعوة الإسلامية إلى عقول الناس وقلوبهم في جميع أنحاء العالم. وقد أصبح وجود الإعلام الإسلامي واجبا ولازما، لا غنى عنه في العصر الحالي، وتستطيع المملكة العربية السعودية ـ بعون الله ـ أن تنهض بهذا الأمر، وهي الأرض الطيبة التي انطلقت منها الدعوة الإسلامية بعد بعثة رسول الإسلام ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ

_ 1 - آل عمران: آية 104 2 - آل عمران: آية 110

والتي تهفو إليها قلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم، وهي القطر الذي يحمل لواء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث ويبذل غاية الجهد من أجل نصرة الإسلام، وتوحيد كلمة المسلمين، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} 1. وسأحاول في هذا البحث أن أبين أساس الدعوة الإسلامية ثم أبين خطر وسائل الإعلام بصورتها الحالية في الأقطار الإسلامية، وكيف أنها تتعاون مع أعداء الإسلام في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته، وأن أبين واجب المسلمين في أقطارعم المختلفة نحو وسائل الإعلام وضرورة توجيهها وتحويلها إلى أدوات بناء للمجتمع الإسلامي، بدلا من كونها أدوات هدم وتدمير، ثم أبين ضرورة ايجاد إعلام إسلامي متخصص مع الاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة في ايصال الدعوة الإسلامية إلى جميع أنحاء العالم، بمختلف اللغات الرائجة بين الناس وبالله التوفيق..

_ 1الحج: آية 40

أساس الدعوة الإسلامية

أولا: أساس الدعوة الإسلامية إن أساس الإسلام هو التوحيد الخالص لله، المصفى من دخائل الشرك كلها، ظاهرها وخفيها، حيث لا يصح إيمان مؤمن إلا إذا أخلص عبادته لله تعالى، مستيقنا أنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى بيده كل شيء، وإليه كل شيء، وعنده كل شيء، لا يملك أحدا معه سبحانه ضرا ولا نفعا لنفسه أو لغيره. قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً} 2. فأساس الدعوة الإسلامية هو الإيمان بالله واحدا لا شريك له، ثم ما يقوم في ظل هذا الإيمان من شريعة شرعها الله لعباده في تعبدهم لله، وفي بناء مجتمعهم المؤمن بالله، وينبغي على كل مسلم بعد أن يثبت أركان الإسلام في نفسه أن يدعو الناس جميعا من مسلمين وغير مسلمين إلى الإيمان بالله. واخلاص العبادة له وحده حتى يحييهم الله حياة طيبة ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. لهذا يجب أن تكون أمة الإسلام داعية إلى هذا الدين الذي أكرمها الله به، فينبغي على العلماء أن يبين للناس أمور دينهم، ويقوموا فيه آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، فمن

_ 2 الفرقان: آية3

آتاه الله علما يجب أن ينفقه فيما ينفع الناس في دينهم ودنياهم، فكما دعا الله إلى طلب الرزق والإنفاق منه، دعا إلى طلب العلم والإنفاق منه، فقال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} 1. وقال عز وجل: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} 2. والقرآن الكريم الذي أقام الرسول به أمة الإسلام، ورفعها به إلى درجة لم تبلغها ولن تبلغها أمة من الأمم، من عظمة النفوس، وسمو الأخلاق، وكمال الفضائل الإنسانية، هذا القرآن هو الذي بأيدينا اليوم، لم يتبدل منه حرف، ولم تتغير منه كلمة، ولكن الذي تغير وتبدل هم أصحاب القرآن والداعون به إلى الله. إن القرآن دواء وشفاء، يداوي يشفي بقدر ما تستجيب له النفوس، وتتقبله العقول، وتتفاعل وتنفعل به المدركات والمشاعر، فإذا لم يجد النفوس الطيبة المستجيبة والعقول السليمة المتقبلة والمدركات والمشاعر المتقبلة المنفعلة فإنه يظل بمعزل عنها أشبه بالنور لا تكتحل به الأبصار المحجبة دونه بحجاب كثيف، يقول الله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} 3. ولهذا فإن أهم ما ينبغي أن يتصف به الداعي أن يكون على بصيرة ووعي بالطبيعة الإنسانية، وأن يتعرف إلى المسالك الطبيعية التي يسلك بها إلى النفوس حيث يجد لدعوته مكان القبول لها والإنتفاع بها، وذلك بأن يكون الداعي معايشاً للحياة مع الناس، وان يرصد الأحداث التي تعرض لهم، والتي تكون مسرحا لأفكارهم، ومدارا لحديثهم، عندئذ تبدأ مهمة الداعي بعرض هذه الأحداث، ومناقشتها على ضوء الشريعة الإسلامية وما تقدمه من حل لمثل هذه الأحداث العارضة، لأن في هذا ما يشد الناس إلى الدين، ويوثق صلتهم به، فيفزعون إليه كلما عرض لهم أمر بعد هذا، ليجدوا فيه كلمة الفصل فيما يهمهم ويشغل بالهم.

_ 1 الحديد: آية 7 2التوبة: آية 122 3فصلت: آية 44

ويجب ألا يطيل الداعي على الناس في موقف وعظه وارشاده بل يأخذهم بالرفق واليسر لأن اليسر سمة الإسلام وطابعه، كما يجب على الداعي ألا يتنقل بين موضوعات كثيرة، وحسبة أن يمسك بموضوع واحد، يكشف حقيقته ويبين حدوده، فذلك أجدى على الناس من موضوعات كثيرة تشتت أفكارهم، وتضعف الأثر المنتظر لما سمعوا، فقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتعهد أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ بالموعظة، ويتخير لعظاته الأوقات المناسبة ولا يقدم منها إلا تقتضيه داعية الحال منهم، شأن الطبيب الحكيم، يعطي الدواء في جرعات، ولا يعطيه مرة واحدة، ثم هو لا يعطي الدواء إلا حيث يرى الداء ويتعرف إليه. روي أن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا. هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم منطق الحكمة، والنظر إليه، والاستماع إلى كلماته مهفى كل قلب، ورغيبة كل نفس، فأين الدعاة في العصر الحديث من أنفس الناس وقلوبهم حتى يثقلوا عليهم، ويتنقلوا بين موضوعات كثيرة دون أن يصيب السامعين الملل والسآمة إذا أطال الدعاة عليهم في مواقف الوعظ والارشاد، وجعلوا أحاديثهم تشمل موضوعات شتى. ثم ينبغي على القائم بالدعوة في الناس أن يعلم أنه يخاطب عقولا متفاوتة في الفطنة مختلفة في المدارك، وهذا يقتضيه أن يسلك طريقا وسطا في عظاته حتى تظل العقول متجهة إليه، والقلوب مقبلة عليه، وهذا موقف يحتاج إلى بصيرة نافذة، وبيان مبين. وعلى الداعي أن يذكر دائما أنه في أكرم موقف يقفه إنسان في الحياة، وأنه في ميدان جهاد في سبيل الله، وهذا من شأنه أن يبعث فيه عزما قوياً صادقاً في الحرص على هداية الناس، وعلى تعهدهم كما يتعهد الأب أبناءه راغبا في ثواب الله، غير ناظر إلى ما قد يفوته من عرض الدنيا، وبذلك يبارك الله دعوته وينفع بها.

الدعوة الإسلامية في العصر الحالي

الدعوة الإسلامية في العصر الحالي: والدعوة الإسلامية في العصر الحالي تحتاج إلى مزيد من اليقظة، وتكاتف للجهود واستفادة من جميع الوسائل المبلغة لدعوة الحق، فقد كثرت في هذا العصر القوى المعادية للإسلام، لكثرة التيارات الفكرية بسبب تقدم

العلم ومكتشفاته التي غيرت وجه الحياة تغييرا ماديا ونفسيا فقامت مذاهب مادية أثرت في كثير من الناس، فتخففوا من جانب الروح، وأعطوا وجودهم للجسد، واستهلكوا أنفسهم في سبيل إرضاء مطالبه، فكان من نتيجة هذا أن خف ميزان الدين عند كثير من الناس، بل وأخلى الدين مكانه نهائياً من شعوب بأسرها، كما حدث في الشعوب التي خضعت للنظام الشيوعي، أما الشعوب الرأسملي فأصبحت تجري لاهثة وراء جمع المال بكل وسيلة وإرضاء مطالب الجسد. وتولدت عن تلك المذاهب الفاسدة من شيوعية واشتراكية ورأسمالية نزعات فاسدة وفلسفات مريضة كالمادية والوجودية، وتسللت من مهاب تلك المذاهب ريح خبيثة إلى الأقطار الإسلامية أصابت مرضى العقول والقلوب من أبناء المسلمين بعدواها، فظهرت أعراضها على أعداد غير قليلة منهم، وخاصة أولئك الذين سافروا إلى أوربا وأمريكا ورأوا أن الدين لم يعد له سلطان هناك، وهو السلطان الذي يلازم الإنسان في سره وجهره في وحدته ومع الجماعة والذي لا يستريح إلى ظله إلا المؤمنون الذين تمتلئ قلوبهم بجلال الله، وخشيته والطمع في رحمته، والخوف من عذابه. وقد ساعد على انتشار هذه المذاهب الضالة ورواج سوقها في العالم أنها دعوة إلى ما في الإنسان من ضعف إزاء شهواته وأهوائه، وما تلوح به من مغريات تتملق هذه الشهوات وتلك الأهواء من زخارف المدنية وألوان الحضارة، كل ذلك تنقله وسائل الإعلام من صحف ومجلات وكتب وإذاعات ومسرحيات وأفلام تعرض على شاشات السينما والتلفزيون صوراً حية شاخصة أمام الأعين متحركة ناطقة، فما يجري في أوربا وأمريكا على مسرح الحياة من هزل أوجد ينقل إلى العالم كله حتى لكأن ما يعيش في الشرق يعيش بين أمم الغرب، وأكثر ما يعلق بأذهان الشباب ومن هم في حكمهم من الكبار إنما هو الجانب الهازل اللاهي من الحياة دون الجاد منها، فالمسلمون في مختلف أقطارهم يواجهون في العصر الحديث غزواً رهيباً من وسائل الإعلام مجملاً بالدعوات الضالة المضللة، الفاسدة المفسدة، فينبغي أن يأخذوا حذرهم ويواجهوها بإعلام إسلامي، يذكر الغافلين، ويرشد الضالين إلى طريق الحق المبين. والدعوة إلى دين الله ليست مقصورة على علماء الدين وحدهم وإن كان

عليهم العبء الأكبر منها، وإنما هي في الوقت نفسه أمر مطلوب من كل مسلم، وذلك بسيرته المحمودة في الناس، وبخلقه الكريم وبسلوكه الطيب الذي يراه غير المسلمين منه في أقواله وأفعاله فإن الدين بأهله، والناس إنما ينظرون إلى الدين فيما يرونه من آثاره في المتدينين به وهذا أمر يجب أن يكون في حساب كل مسلم، وأن يتنبه إلى أهميته كل من يوفقهم الله للدعوة إلى دين الله، وأن يحرص عليه أولوا الأمر الذين يريدون العزة لدينهم وللمؤمنين. إن الدعوة الإسلامية أمانة ينبغي أن يحملها كل مسلم فعلى المسلمين أن يحملوا أمانة الدعوة إلى دين الله بوعي كامل، وعزم صادق، متذكرين دائماً قول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

_ 1 آل عمران: آية 104.

خطر وجود وسائل الإعلام بصورتها الحالية

ثانياً: خطر وجود وسائل الإعلام بصورتها الحالية إن كل مسلم مخلص لدينه الذي يتفق مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليه. يدرك خطر وجود وسائل الإعلام بصورتها الحالية على الدعوة الإسلامية، لما تقوم به وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وكتب منشورة، ودور للسينما ومحطات إرسال تلفزيونية لما تقوم به كل هذه الوسائل في العصر الحديث بالصورة التي هي عليها من ترويج لألوان الفساد والإفساد، واستغلال لما في الإنسان من ضعف أمام شهواته وأهوائه، نتيجة لعدم تزود كثير من أبناء المسلمين في الأقطار الإسلامية المختلفة بثقافة إسلامية تمكنهم من معرفة حقائق دينهم وتمنعهم من الإنقياد لشهواتهم، وتعصمهم من الزلل. لقد أصبحت وسائل الإعلام في الأقطار الإسلامية تشن ـ الآن ـ حرباً شعواء على الإسلام، وحقائقه الناصعة، فهي تنشر الإنحراف والتحلل من الأخلاق القويمة على مرأى ومسمع من الناس غير مرتدعة بما يوجه إليها من نقد، ولا متعظة بما يوجه إليها من نصح. ويواصل أعداء الإسلام استغلال وسائل الإعلام ـ في العصر الحديث ـ في إفساد أبناء ألمسلمين بإبعادهم عن هدي دينهم، والحرص على تضليل من يتتلمذون منهم على أيديهم، بينما المسلمون متهاونون في الدفاع عن دينهم

وفي الدعوة إليه، متناسون أن هذا الأمر واجب يفرضه الدين عليهم، وأن الدين دعوة ولا بد لكل دعوة من دعاة يبلغونها، ويكشفون عن الحقائق التي ضمت عليها. إن وسائل الإعلام بصورتها الحالية في الأقطار الإسلامية تتعاون مع أعداء الإسلام في التشويش على الدعوة الإسلامية. فهي عدو خفي يحارب المسلمين بالكلمة والصورة والفكرة وهي أسلحة أشد خطورة من المدافع المنطلقة من الجيوش الزاحفة المعادية التي يعرف المسلمون منها وجه العدو الذي يغزوهم، فوسائل الإعلام المفسدة المضللة غزو رهيب محمل بعوامل الإفساد للمسلمين وتكمن خطورة هذا الغزو في أنه يدخل إلى عقول كثير من المسلمين ما يروجه أعداء الإسلام من مذاهب ضالة مضللة، وأفكار فاسدة مسمومة. إن وسائل الإعلام تنشر في الأقطار الإسلامية كثيراً من ألوان الفساد والإنحلال والإلحاد بما تنقله من صور الحياة في الأقطار الأوربية والأمريكية التي انتشر فيها الإلحاد ـ في العصر الإلحاد ـ نتيجة لاستخفاف الناس بالدين بعد أن كشف الناس عن متناقضات في المسيحية وفي اليهودية لا يقبلها عقل مستنير، ولا يستريح إليها ضمير حي، فأدى انتشار الإلحاد إلى رواج سوق الإنحلال والفساد، في حين أن الإسلام ليس فيه متناقضات، فمن نظر فيه بعقله، وجاء إليه بجميع وسائل العلم وجد أنه الحق الذي يلتقي مع العقل إلتقاء مؤاخياً، وهو يدعو المؤمنين به إلى العزة والجهاد، دفاعاً عن دينهم وأوطانهم وأموالهم وأعراضهم الأمر الذي يشكل خطراً على أعداء الإسلام وخططهم ضد العالم الإسلامي، ويجعلهم يستغلون وسائل الإعلام في تصدير عوامل الإفساد للأقطار الإسلامية لصرف المسلمين عن دينهم، والتشويش على الدعوة الإسلامية. والشيء المؤسف حقاً أن المسلمين في سائر أقطارهم لا يتنبهون إلى خطورة وسائل الإعلام بصورتها الحالية تنبهاً يجعلهم يعملون على القضاء على خطر حقيقي قائم في بلادهم، كما أن الدعاة إلى دين الله لا ينبهون إلى خطورة وسائل الإعلام تنبيهاً كافياً، فلا تبذل محاولات جادة صادقة لتحويلها إلى أداوت بناء للمجتمع الإسلامي بدلاً من كونها في صورتها الحالية أدوات هدم وتدمير. لقد أصبح لزاماً على من يحملون أمانة الدعوة الإسلامية أن يبينوا خطر

وسائل الإعلام بصورتها الحالية على عقائد المسلمين وأخلاقهم، وأن يطالبوا بالوقوف في وجه هذا العدو الخطر ودفعه والقضاء عليه، أما تجاهل وجود مثل هذا الخطر فأمر أشد خطورة وأوخم عاقبة. ومن غير المعقول أن يتجاهل المسلمون وسائل الإعلام المختلفة الموجودة في العصر الحديث، وهم لا يستطيعون ـ أيضاً ـ أن ينكروا تأثيرها في الناس، كما لا يستطيعون أن يمنعوا الشباب من الإلمام بما تروجه هذه الوسائل المختلفة للإعلام فينبغي على دعاة المسلمين أن يفكروا في خير الطرق لجعل وسائل الإعلام الحديثة عوامل إصلاح لا وسائل إفساد، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإيجاد إعلام إسلامي هادف، يمنع شباب المسلمين من التأثر بما تحمله وسائل الإعلام الفاسدة من ألوان الإلحاد والإنحلال. لقد أصبح لزاماً على من يحملون أمانة الدعوة الإسلامية أن يبينوا خطر تجاهل وجود وسائل الإعلام بصورتها الحالية على أخلاق الشباب، وأن يطالبوا بإيجاد إعلام إسلامي يستفيدوا من وسائل الإعلام الحديثة في ترويج الدعوة الإسلامية، وإيصال صوت الإسلام ودعوة الحق إلى كل مكان في العالم، وبالله التوفيق …

ضرورة إيجاد إعلام إسلامي

ثالثاً: ضرورة إيجاد إعلام إسلامي إن إيجاد إعلام إسلامي أصبح ضرورة لا غنى عنها في العصر الحالي، ولعل أنسب فرصة للمطالبة بإيجاد هذا الإعلام الإسلامي هي فرصة انعقاد المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة بدعوة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، لأن هذه المدينة المباركة مهبط الوحي الإلهي، ومشرق نور الله، ومنها انطلقت دعوته إلى مشارق الأرض ومغاربها، والمطالبة فيها بإيجاد إعلام إسلامي يصل حاضرها بماضيها في نشر رسالة الإسلام الصافية، والدعوة إلى تحكيم شريعته، والدفاع عنه، ودحر أعدائه الذين يبذلون جهوداً متعددة، ويستعينون بوسائل الإعلام المختلفة في التشويش على الدعوة الإسلامية. إن صوت الإسلام لا بد أن يرتفع حتى تختفي أصوات الشرك والضلال، لأن الزبد يذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. إن صوت الإسلام ينبغي أن يعلو حتى تختنق أصوات الملحدين والضالين،

وتذهب صيحاتهم أدراج الرياح هذه الصيحات المنكرة التي يحاولون بها التشويش على الدعوة الإسلامية. فكيف نوجد إعلاما إسلاميا هادفا متخصصا يبلغ الدعوة الإسلامية إلى أنحاء العالم المختلفة؟.. إن إيجاد إعلام إسلامي ليس أمرا صعبا في العصر الحديث، بعد تقدم العلم بحيث أصبح أهل الشرق يستطيعون أن يلموا بما يحدث في الغرب في الوقت الذي يحدث فيه، أو بعد حدوث يقليل، وفي الوقت الذي ضاقت فيه المسافات بين شعوب الأرض بعد تقدم وسائل المواصلات وتطورها بحيث أصبح الانتقال من قطر إلى قطر بل من قارة إلى قارة يتم في وقت قصير يحسب بالساعات لا بالأيام أو بالشهور. لهذا يمكن إيجاد إعلام إسلامي في أي قطر من أقطار المسلمين كالمملكة العربية السودية عن طريق الإذاعة فتنشأ إذاعة قوية، ليصل صوتها إلى أنحاء العالم المختلفة، وليس هذا بالأمر العسر في هذا الزمان، بعد تقدم صناعة أجهزة الإذاعة والإرسال والاستقبال وتطورها، وهذا من الأمور الملموسة المسلم بها فلا تحتاج إلى دليل أو برهان. وتخصص محطة الإذاعة القوية هذه للإعلام الإسلامي وتذيع على موجات متعددة بلغات مختلفة تختار من بين اللغات التي يعرفها المسلمون كالعربية والفارسية والاردية والتركية واللغات التي يكثر تداولها بين الشعوب كالإنجليزية والفرنسيةأو أية لغة يرى المشرفون على الإعلام الإسلامي ضرورة لاستعمالها. ويمكن أن تعمل هذه الإذاعة ليلا ونهارا لأن اختلاف التوقيت بين الجهات المختلفة في الشرق والغرب قد يدعو إلى هذا حتى يمكن ايصال صوت الإسلام إلى الشعوب المختلفة في سائرأنحاء الأرض في الوقت المناسب وباللغات التي يفهمها الناس ليحسنوا الاستماع له وتفهمه، والاستجابة له، وتبين حقائق الإسلام الناصعة، والانتفاع بهدى الإسلام، لمعرفة طريق الرشاد. وغنى عن البيان أن هذا النوع من الإعلام الإسلامي يحتاج إلى كثير من المال والأجهزة العلمية والمادية اللازمة كما يحتاج إلى هيئة على درجة كبيرة من الكفاءة والتخصص لإدارته وتوجيهه والإشراف عليه، وهو يحتاج كذلك إلى مجموعات

متخصصة يفقه أفرادها أمور دينهم بدرجة كبيرة، ويكونون على درجة عالية من الفطنة والذكاء وتتقن كل مجموعة منها لغة من اللغات الرائجة بين المسلمين وغير المسلمين من شعوب الأرض كالعربية والفارسية والأوردية والإنجليزية والفرنسية وغيرها، حتى يحقق العاملون في هذا الميدان الغاية المرجوة، ويصلوا إلى الهدف المنشود. إن العلم والفقه في الدين والذكاء والفطنة واتقان اللغات الأجنبية من شرقية وغربية وسائل لا غنى عنها في العصر الحديث في الإعلام الإسلامي حتى يرتفع صوت الإسلام وتصل الدعوة الإسلامية إلى الناس أجمعين فيهتدي بنورها الضالون الحائرون. وإيجاد الإعلام الإسلامي المتخصص عن طريق الإذاعة أمر ممكن بعون الله تعالى، إذا صح العزم، وهو أمر ضروري في العصر الحالي لمواجهة أعداء الإسلام الكثيرين وتبصير المسلمين بحقائق دينهم، وحمايتهم من الانحراف والانزلاق والانخداع بما يروجه أعداء الإسلام من دعايات مغرضة، وما يلفقونه من أباطيل، ويلقون بها في ساحة الشريعة الإسلامية الغراء، للتشويش على الدعوة الإسلامية وصرف المسلمين عن دينهم. وليس معنى إيجاد إعلام إسلامي متخصص إهمال وسائل الإعلام الأخرى إذ ينبغي على أولي الأمر في الأقطار الإسلامية المختلفة أن يضعوا حدا للعبث ومظاهر الفساد البادية في وسائل الإعلام بصورتها الحالية بأن يراقبوها ويمنعوها من اغراء المسلمين بالتيارات الضالة المضللة وإشاعة الفساد والانحلال بينهم، وبخاصة بين الشباب ويجب على أولي الأمر ـ أيضا ـ أن يوجهوا وسائل الإعلام الحالية ـ على اختلاف أنواعها وألوانها ـ الوجهة الصحيحة التي لا تتعارض مع روح الإسلام، ولا تتنكر لأصل من أصوله ولا تتعارض مع ركن من أركانه، فالالتزام بالحق أمر واجب، والدعوة إلى تحكيم شريعة الله، ونشر رسالة الإسلام، والدفاع عنه، من الأمور الواجبة على المسلمين كافة وعلى أولياء الأمور فيهم بخاصة، والله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور.

واجب الإعلام الإسلامي

واجب الإعلام الإسلامي: إن واجب الإعلام الإسلامي ـ بعد إيجاده ـ أن يعمل في ميدانين في وقت واحد، أحدهما دفاعي والآخر تبليغي. أما الميدان الدفاعي فيرد فيه على حملات أعداء الإسلام ويبين ما في هذه الحملات من زيف وأباطيل تهدف إلى تشكيك

المسلمين في حقائق دينهم حتى ينصرفوا عنه، وحتى يتوقف الذين يبحثون عن الإسلام لاتخاذه دينا يملأ الفراغ الذي خلت نفوسهم منه عن البحث عنه ويستمرون في ضلالهم وحيرتهم. ويجب على العامين في ميدان الدفاع عن دين الله عن طريق الإعلام الإسلامي أن يفضحوا أكاذيب أعداء الإسلام ومفترياتهم وما يلفقونه من أباطيل يروجونها بواسطة وسائل الإعلام المختلفة للتشويش على الدعوة الإسلامية، حتى يستطيع المدافعون عن الإسلام أن يردوا كيد أعدائه في نحورهم، ويردوهم على أعقابهم مدحورين خائبين. وأما الميدان التبليغي فيقوم العاملون فيه ـ عن طريق الإعلام الإسلامي ـ بالدعوة إلى دين الله في المواطن التي خلت من الدين، وفي المواطن التي خف ميزان الدين بين أهلها، لأن الناس في هذه المواطن في أنحاء العالم المختلفة يبحثون عن دين يجدون فيه الحق الذي يتقي مع الفطرة الكامنة في كل نفس، ويتمنون أن يجدوا دينا يجدون فيه الحق الذي يلتقي مع العقل المتشوق إلى الحق، الباحث عن الحقيقة. ويستطيع الداعون إلى دين الله عن طريق الإعلام الإسلامي ـ أن يبينوا حقائق الإسلام للناس بلغاتهم المختلفة في جميع ربوع العالم، لأن بيان هذه الحقائق كاف في الأخذ بأيديهم إلى طريق الهداية والرشاد والسعادة في الدنيا والآخرة. ويجب أن يبين الداعون إلى دين الله للناس أن الإسلام دين يتفق مع الفطرة وأنه المثل الأعلى للإنسانية، وأنه حرر العقل وأطلقه ليعود على الإنسانية بكل خير، وأنه حرر الإنسانية من ظلم البشرية وتناقضاتها، ووحد القوى الإنسانية التي تقود العالمين إلى السعادة القصوى، وإن الإسلام هو النظام الإلهي الكامل الذي يسعد الإنسانية في جميع المجالات العقلية والنفسية، والخلقية والعاطفية، والروحية والمادية والفردية والاجتماعية. وينبغي أن يبين الداعون إلى دين الله أن الدين كله لله، وأن دين الله واحد هو الإسلام الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه، وأن الأنبياء كلهم إخوة، دينهم واحد وأن الواجب الإيمان بهم، وبما أنزل إليهم جميعاً. قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ

مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} 1. ويجب أن يبينوا للناس أن الله ختم بالإسلام جميع الديانات السماوية، وجعل نبي الإسلام ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ آخر لبنة في بيت النبوة العتيد، فتم بها بناؤه وكمل بها رواؤه، وأن العقيدة الإسلامية تقوم على الإيمان بالله إلها واحداً لا تنبغي الإلهية إلا له، وعلى الإيمان بأن له وحده الأسماء الحسنى والصفات العليا. وينبغي أن يبينوا للناس أن الإيمان باليوم الآخر وبالبعث والجزاء مما يقتضيه العقل، تحقيقاً لقاعدة العدل فلا يعقل أن تكون هذه الحياة القصيرة ـ التي يحياها الناس في الدنيا ـ هي الغاية من خلق هذا العالم الكبير، وأن تكون نهاية المؤمن والكافر سواء، ونهاية الظالم والمظلوم سواء، ونهاية البر والفاجر سواء. قال الله تعالى جلت حكمته: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} 2. وقال سبحانه: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 3. فإذا علم كل إنسان أنه مسؤول عما يعمل ومحاسب على ما يقدم، {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى} ، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} 4. سلك في حياته المسلك الصحيح، وحاسب نفسه بنفسه، وابتعد عن المذاهب الضالة، وأخلص في أداء ما وجب عليه، وبهذا تستقيم الأمور في هذه الحياة وهكذا يحقق الإسلام السعادة الإنسانية، وينقذها من الضلال والفناء. إن الداعين إلى دين الله يستطيعون عن طريق الإعلام الإسلامي أن يبينوا للناس في مختلف أقطارهم وباللغات التي يفهمونها أن العقيدة الإسلامية ترتكز على أسس ثابتة من الفطرة الإنسانية العامة، والمنطق العقلي المستقيم والنصوص

_ 1 البقرة: آية 285. 2 الجاثية: آية 21. 3 سورة ص: آية 27-28. 4 الزلزلة: آية 7-8.

الدينية الصريحة الواضحة، فتتفتح عقول الناس وقلوبهم لدين الله، وتنشرح صدورهم بالإسلام يجدون فيه الهداية والرشاد، وحينذاك تختنق أصوات أعداء الإسلام، وتحبط خططهم؛ لأن الإنسان بفطرته يتجه إلى الحق ويتبعه إذا أدرك أنه الحق. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وبالله التوفيق وهو ـ جل وعلا ـ نصير للمؤمنين.

خاتمة

((خاتمة)) أرجو أن يكون الله تعالى قد وفقني في توضيح فكرة ضرورة إيجاد إعلام إسلامي متخصص عن طريق إذاعة ترفع صوت الإسلام وتبلغ الدعوة الإسلامية للناس في مختلف أنحاء العالم باللغات التي يعرفونها لبيان حقائق الإسلام والدفاع عنه ورد كيد أعدائه وكشف البدع والأباطيل، وفضح دعاوي المارقين الضالين، حتى يتضح الحق، ويكون الدين كله لله والله غالب على أمره، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون كما قال سبحانه وتعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} . ونسأل الله التوفيق والرشاد، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

الأساليب التبشيرية في العصر الحديث للدكتور علي محمد جريشة

الأساليب التبشيرية في العصر الحديث للدكتور علي محمد جريشة تمهيد ... الأساليب التبشيرية في العصر الحديث أهدافها إتجهاتها وعلاقتها بالسياسة والتعاون القائم بينهما وأهدافه وأثر هذا التعاون على الدعوة الإسلامية والأمة الإسلامية للدكتور علي محمد جريشة عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (تمهيد) 1ـ التبشير الحديث.. صورة العصر للغزو الفكري.. الذي صار بديلا عن الغزو العسكري، بعد أن فشل الأخير في تحقيق أهدافه خلال الحروب الصليبية. 2ـ بيد أن الغزو الفكري أخطر من الغزو العسكري..! ـ فلئن كان الأخير يحتل منا الأرض والتراب.. فإن الأول يحتل منا العقل والقلب والروح. وهي لعمري أعز على الله من الأرض والتراب.! ـ كذلك فإن الأخير ينتبه له الغافلون والنوم ويستيقظون، أما الأول فيتدسس ويتدلس فما يحسه النوم والغافلون.. حتى يحتل منهم أعز ما خلق فيهم الله وأكرم! ـ وأخيرا فإن المتعاونين مع الغزو العسكري.. يوصمون بالغدر والخيانة ويلفظهم بنو أوطانهم أما المتعاونون مع الغزو الفكري.. بل الفاعلون الأصليون فيه ـ فإنهم يوصفون بأوصاف أقلها.. الوطنية، والتقدمية والاصلاح وقد يرتفعون في أوطانهم إلى مقام الزعامة.. الفكرية.. أو السياسة وحقيقتهم.. أنهم.. أشد خيانة من الأولين! 3ـ والتبشير الحديث.. يرتبط بالعمل السياسي إرتباطا لا يقبل التجزئة فالأخير هو الذي يخطط له، ثم هو الذي يتولى الإشراف على تنفيذه، ويحميه بالقوة السياسية والقوة العسكرية إن لزم الأمر.. ثم هو في النهاية الذي يجني ثماره، ويستثمر قطافه.. بما يحقق الغاية المرجوة والهدف المنشود!

4ـ وأخيرا.. فلم يعد التبشير الحديث قاصرا على ما يصدره الغرب.. لقد أتقن الشرق كذلك الصناعة وصدر كذلك البضاعة.. واختلف مع الغرب أو اتفق. لكنه شاركه الوسيلة والهدف.. وإن غايره في شيء من التخطيط! 5ـ وهذا البحث جديد بإذن الله.. فيما يحاول أن يكشف من وسائل التبشير الحديثة، وما يكشف عن الغاية منها والباعث من ورائها.. ليعرف المسلمون كيف يحاربون، ومن أين يحاربون.. وليعرفوا بعد ذلك.. إلى أين المفر.. وكيف يكون المستقر..! ليعرف المسلمون.. موقفهم دعوة، وأمة، ودولة..مما يراد لهم، ومما يراد بهم ليحددوا لأنفسهم.. الطريق.. والهدف والوسيلة والغاية والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون! وفي فصل أول نتحدث بمشيئة الله عن: التبشير في الغرب.. وسائله، وأهدافه، وتعاونه مع السياسة. وفي فصل ثان نتحدث بمشيئة الله عن: التبشير في الشرق.. وسائله، وأهدافه، وتعاونه مع السياسة. وفي فصل ثالث نتحدث عن: موقف الإسلام.. دعوة وأمة والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

الفصل الأول: التبشير الحديث.. من الغرب

الفصل الأول: التبشير الحديث.. من الغرب مقدمة: 6ـ لم يعد سرا.. أن التبشير بدأ حيث انتهت الحروب الصليبية 1 بديلا عنها.. فلقد أنفق الغرب من دمه وماله الكثير.. فما أورثه ذلك إلا صحوة المسلمين. من هنا أدرك أن الضربة لا ينبغي أن توجه إلى الجسد.. بل ينبغي أن توجه إلى القلب.. إلى عقيدة المسلمين.. علهم يرتدوا عن دينهم.. ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا..} 7ـ بيد أن التبشير بدأ في البداية.. اخراجا للمسلمين من دينهم، وادخالا لهم في دين آخر.. وقد فشلت تلك الوسيلة.. فقد كان عدد المرتدين من يعدون على الأصابع. من هنا كان تفكيرهم.. في أسلوب آخر.. اكتفوا فيه بالشطر الأول دون الشطر الثاني.. اكتفوا فيه باخراج المسلمين من دينهم.. دون ادخالهم في دين آخر.. وهو ما استجابوا فيه لنصيحة كبير من كبرائهم: ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها ليس في ادخال المسلمين في المسيحية فإن في هذا هداية لهم وتكريما1. وإنما مهمتكن أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها2.

_ 1 - وهو ماصرح به أدوين بلس صاحب كتاب ملخص اتبشير وأشار إليه أ. ل شاتليه في الغارة على العالم الإسلامي وتحاول بعض الكتب أن تنفي عن الحروب الصليبية صفتها الدينية والعصبية خالعة عليها ثوب الحروب الاستعمارية التي تقصد إلى استغلال الثروات.. وذلك الجهل أو التجاهل قصدا إلى تخفيف رد الفعل لدى المسلمين وتظليلهم عما أريد ويراد بهم! ونظرة إلى ما كتبه كتاب الغرب أنفسهم عن الدافعين إلى هذه الحروب (البابا سلفستر الثاني سنة 1002 م ثم البابا خريفوريس سنة 1075م ثم من أذكوها بعد ذلك من كتاب المسيحية وشعرائها من أمثال:HEYTON SASSUTO, MARINO, PIEN DU BOI, GUILLOMME DE NOGARIT, RAYMO ND LULLE, PATRAQUE. ثم إلى ما فعله قواد هذه الحروب حين قتلوا من المسلمين بعد دخول بيت المقدس في 15 يوليو 1099 أكثر من سبعين ألف حتى غاصت الخيل إلى صدورها في الدماء وفي طريقهم إلى أنطاكيا قتلوا أكثر من مائة ألف مسلم.. نظرة إلى هذا أو ذاك تكفي للرد (راجع في ذلك كتاب حاضر العالم الإسلامي للمؤلف الأمريكي ستودارد وكتاب تاريخ البابوات تأليف فرنارد هايوارد) 2 -من خطبة كبير المبشرين زويمر في مؤتمر القدس 1935 إبان الإحتلال البريطاني لها.

8ـ وحين انتقلت مدارس التبشير إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. أخذ شيئا من العصرية تغطى ((اخراج المسلمين من دينهم)) وهو ما عالجه الكتاب الأمريكيون تحت عنوان ((التغيير الإجتماعي)) 1. وصاحبه ثقل الولايات المتحدة الأمريكية العصر.. فلم تلجأ للقوة العسكرية الأجنبية إلا في حالات الضرورة القصوى.. وجعلت بديلا عنها.. القوة العسكرية المحلية.. أو القوة العسكرية المحلية ولعبت في هذا المجال لعبة الأمم أو لعبة الشعوب.. متمثلة جلها في الانقلابات العسكرية 2. وأصبح البحث في التبشير فيما كان يحدث في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر.. ضربا من التخلف لا ينبغي لباحث إسلامي أن يقع فه واقتضت المعاصرة أن تبحث فيما يجري الآن بيننا. تحت إسم التغيير الإجتماعي.. وتحت إسم التغيير السياسي.. لنكشف عن لعبة الجديدة.. لنكشف عن اللعب بمصائر الشعوب.. وبعقائد الشعوب!!!

_ 1 - من أفضل الكتب التي كشفت عن هذا الأمر مؤلف للكاتب الأمريكيMORCE BERGEN تحت عنوان THE ARAB WORlD TO – DAY COPYRIGHT 1962 ترجمه للعربية محي الدين محمد ـ طبع في دار مجلة شعر اب 1963 وكتاب الدبلوماسية والمكيافيلية في العلاقات العربية والأمريكية خلال عشرين عاما ـ دراسة وتحليل حول كتاب لعبة الشعوب تأليف محمد صادق. ـ كذلك مؤلفات الدكتور محمد حسين ـ الإتجاهات الوطنية في أدبنا المعاصر، الحضارة الغربية حصوننا مهدة من داخلها. ـ الخطر الصهيوني على العالم الإسلامي. ـ مجلات المجتمع، والدعوة في الكويت وفي السعودية. 2 -لعبة الأمم ـ مايلزكوبلاند THE GAME OF NATIONS

المطلب الأول: أساليب التبشير الحديث

المطلب الأول: أساليب التبشير الحديث (التغيير الإجتماعي) (أو التغريب) مقدمة: 9ـ ((إن جزيرة العرب التي هي مهد الإسلام لم تزل نذير خطر للمسيحية)) 1 متى توارى القرآن، ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه)) 2. ((يجب تبشير المسلمين بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أغصانها)) 3. …. هكذا كان الأمر صريحاً في البداية. ثم توارى تحت الاصطلاحات الجديدة.. إن النخبة العسكرية في الشرق الأدنى.. في مصر والسودان والعراق وتركيا

_ 1 - من كلمة لأحد زعمتء التبشير ـ زويمر ـ في مؤتمر التبشير في لنكو بالهند سنة 1913. 2 - من كلمة للمبشر وليم جيفورد بالكراف في مؤتمر التبشير المنعقد بالقاهرة سنة 1906 وكلاهما يكشف عن بعض نية الغرب تجاه الجزيرة مهد الإسلام. 3 - من نصائح زعيم التبشير زويمر في مؤتمر القاهرة للتبشير سنة 1906 ـ ومن النكاية أن يعقد ذلك المؤتمر في منزل الزعيم المسلم أحمد عرابي بعد هزيمته ونفيه!

وإيران وباكستان كانت عوامل هامة في جلب التغيير الاجتماعي)) 1. ((تشترك النخبات العسكرية عميقاً في الاعتقاد بضرورة التغيير الاجتماعي السريع. ((أما الان فقد قبلت التأثيرات الغربية في الشرق الأدنى إلى درجة تجعل من الصعب التحقق من أن امرءا ما قد ذهب أو لم يذهب إلى أوربا أصلا فقد أصبح العرب متغربين بدون أن يتكلفوا عبء الذهاب إلى أوربا)) 8. ((فبينما ترك الحكام الغربيون منطقة الشرق الأدنى، تتحول هذه المنطقة فتصبح أكثر غربية، ويواجه الزعماء العرب طريقين: فهم يطردون الغرب سياسياً، ويسحبون الكتل الشعبية إلى الغرب ثقافياً)) 8. 10ـ إذن فالاستراتيجية الجديدة التي رسمت.. لهذه المنطقة هو تغريبها أو إحداث التغيير الاجتماعي فيها.. والتي تتغير معه القيم والمثل والتقاليد.. من قيم ومثل وتقاليد إسلامية.. إلى قيم ومثل وتقاليد غربية أي غير إسلامية.. وبذا يتم ((إبعاد)) المسملين عن دينهم وهو بديل عن ((إخراج)) المسلمين عن دينهم وبديل.. أكثر نجاحاً! 11ـ واستراتجيتهم أو خطتهم في إبعاد المسلمين عن دينهم تقوم على 1ـ التدرج ـ وإن كانوا يتعجلون الأمر أحياناً.. فيطلبونه: سريعاً. 2ـ مخاطبة العقل والقلب.. بوسائل الإقناع المختلفة.

_ 1 - الكاتب الأمريكي موروبيرجير في كتابه القيم العالم العربي اليوم صفحات 306، 319، 320، 323، 324، 326، 334، 340، 348 ـ ويشير المؤلف الأمريكي إلى زعيم مصري كان مغموراً وقت تأليف الكتاب ـ يشير إلى معيار ذلك الزعيم في الضابط الكفء هو درجة تعرفه إلى الغرب كما ينقل عنه مدحاً لرئيس هيئة أركان الجيش المصري أثناء الحرب العالمية الثانية ((كان متقبلاً للأفكار الحديثة لكثرة زياراته لفرنسا وأنجلترا وألمانيا صفحة 313، 314، 310 من المؤلف المذكور.

3ـ أن يقوم على ذلك رجال ((وطنيون)) أو كما قال المبشرون في مؤتمراتهم ((يجب تبشير المسلمين بواسطة رسول من أنفسهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أغصانها. أما تكتيكهم لهذا أو وسيلتهم فهي: أولاً: العلمانية في التعليم والإعلام والقانون ثانياً: القومية: في الجانب السياسي ثالثاً: تحرير المرأة في الجانب الاجتماعي ونشير إلى هذه الوسائل بالتفصيل.. أولاً: العلمانية 12ـ ليست العلمانية اشتقاقا من العلم.. كما قد يوهم اللفظ.. لأنه لو كان كذلك لكانت العلمانية اشتقاقا من كلمة SCIENCE وهي التي تعني بالإنجليزية العلم لكنها بكل أسف اشتقاق من SECNIOR وهي في الإنجليزية مرادف لـ: UNRELIGEMS وهي تعني لا ديني.. ومن هنا ندرك.. خبث الترجمة.. إنها قصد إلى تظليل أبناء العربية ليظنوا العلمانية اشتقاقا من العلم! ومن هنا ندرك كثيرا من التصريحات حول انشاء دولة علمانية.. فإنها تعني دولة لا دينية.. أي لا دين لها من الناحية الرسمية! 1. 13ـ ولئن حققت العلمانية للغرب كسبا في ابعاد الكنيسة عن التدخل في شؤون الدولة بما وقعت فيه الكنيسة من حجر على العقول ومن قبلها حدر على القلوب فإنها في الشرق الإسلامي تحقق للغرب كسبا أكبر في ابعاد المسلمين عن

_ 1 - أعلنها أخيرا محمد زيادبري في الصومال المسلم حين أعلن قيام الدولة على الإشتراكية العلمية ومن قبل أشار إليها زعيم عربي بغيت كسب عطف اليهود والدولة المسيحية.. لقيام دولة فلسطين (العلمانية!) .

مصدر عزتهم ومجدهم ونهضتهم في ابعادهم عن الإسلام! والغرب كما سنشير عند حديثنا عن التغيير السياسي إن شاء الله ـ يهمه كثيرا أمر الإسلام.. بعد تجربته المريرة خلال الحروب الصليبية.. وقبلها حين طرق أبواب فيينا في وسط أوربا! وفي مؤتمر للدعوة والدعاة لا نحسبنا بحاجة إلى بيان كيف نشأ فصل الدين عن الدولة في أوربا، وكيف كان ذلك كسبا لها.. وكيف انتقل الداء إلى الشرق الإسلامي وكيف كان ذلك.. لصالح الغرب المسيحي.. لا الشرق الإسلامي ـ فنحسب أن ذلك من بدهيات علم الدعاة! وهذه العلمانية حرص عليها أعداء الإسلام في مجالات ثلاثة: التعليم.. الإعلام.. القانون.. ونشير إلى كل بكلمة 1ـ علمانية التعليم 14ـ كان التعليم أقدم الوسائل للتبشير، ولا يزال أهمها.. ومن هنا كان الحرص على علمنة التعليم.. أي ابعاده عن الدين.. وهو أمر سار في شعبتين: الشعبة الأولى: تضييق مجال التعليم الديني، وتميعه والشعبة الثانية: توسع مجال التعليم عير الديني وتعضده وأعقب ذلك… الاختلاط بين الجنسين في مرحل التعليم. 15ـ أما الشعبة الأولى فقد كان الحرص عليها شديدا.. لما كان سائدا في الشرق الإسلامي من انتشار التعليم الديني حتى أعداء الإسلام بخطورته على مخططاتهم فصرح بذلك كرومر المندوب السامي لإنجليزي ابان الاحتلال البريطاني لمصر: ((إن التعليم الوطني عندما قدم الإنجليز إلى مصر كان في قبضة الجامعة الأزهرية الشديدة التمسك بالدين، والتي كانت أساليبها الجافة القديمة!! تقف حاجزا في طريق أي اصلاح تعليمي (!!) وكان الطلبة الذين يتخرجون من هذه الجامعة يحملون معهم قدرا عظيما من غرور التعصب الديني (!!) ولا

يصيبون إلا قدرا ضئيلا من مرونة التفكير والتقدير (!!) فلو أمكن تطوير الأزهر عن طريق حركة تنبعث من داخله لكانت هذه خطورة جليلة الخطر ….)) كذلك فلقد كان أهم ما بحث المؤتمر التبشير المنعقد في القاهرة سنة 1906 أمر التعليم في الأزهر فنعى أن باب التعليم فيه مفتوح للجميع، وأن أوقاف الأزهر الكثيرة تساعد على التعليم فيه مجاناً، ودعا في مواجهته إلى انشاء معهد مسيحي لتنصير الممالك الإسلامية 2. وقد تم التضييق من التعليم الديني بأكثر من وسيلة أولا: بالتفرقة الظالمة بين المناصب والمرتبات بالنسبة لخريجي الأزهر وخريجي الجامعات وذلك حتى عهد قريب بالنسبة للمرتبات وحتى الآن بالنسبة للمناصب3. ثانيا: بالسخرية المرة اللاذعة بالنسبة للمنتسبين للتعليم الديني في الرسوم وفي النكات وفي التمثيليات والمسرحيات والأفلام السينمائية.. والقصص المكتوبة وذلك بتصوير العالم الديني أو الطالب الديني تصويرا منفرا والازراء به والازدراء من شأنه وشكله! ثالثا: امتد التضيق إلى برامج الدين في المدارس العامة أو التعليم العام.. وذلك بالوسيلة السابقة وهي الازراء بمدرس الدين والازدراء من شأنه وشكله ثم باقلال أهمية حصة الدين وجعله من المواد التي لا يمتحن فيها الطالب أو يمتحن فيها ولا يرسب! 16ـ الشعبة الثانية بالنسبة للتعليم غير الديني فقد رسمت برمجه خارج الوطن الإسلامي ثم نفذت فيه وهو ما يصرح به أكثر من واحد:

_ 1 -ثم انتهى التقرير إلى أن الأزهر سوف بجد نفسه أمام أمرين فإما أن يتطور وإما أن يموت ويختفي.. والحقيقة أن الأمرين موت أحدهما مقنع والأخر مكشوف وقد تم تطوير الأزهر ومصادرة أوقافه في عهد الرئيس السابق جمال عبد الناصر. 2 - الغارة على العالم الإسلامي ص 32،24. 3 - راجع تقرير كرومر 1906 (الفقرة 3 ص 8) وراجع كذلك MODERN EGYPT 2: 229 حيث يدعو كرومر إلى تمكين الطائفة المثقفة ثقافة غربية من المناصب المسؤولة عن التوجيه السياسي والاجتماعي.

يقول جب ((وفي أثناء الجزء الأخير من القرن التاسع عشر نفذت هذه الخطة لأبعد من ذلك بانماء التعليم العلماني (غير الديني) تحت الاشراف الإنجليزي في مصر والهند 1. ويقول الزعيم المبشر زويمر مخاطبا زملائه في مؤتمر التبشير المنعقد بالقدس الإسلامية ((لقد قبضنا أيها الإخوان في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية.. والفضل إليكم أيها الزملاء.. أنكم أعددتم نشأًً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها وأخرجتم المسلم من الإسلام)) وفي مؤتمر أدنبرج التبشيري الذي عقد عام 1910 قالت اللجنة الثالثة التي كانت تبحث في الأعمال المدرسية التي يقوم بها المبشرون: ((اتفقت آراء سفراء الدول الكبرى في عاصمة السلطنة العثمانية على أن معاهد التعليم الثانوي التي أسسها الأوربيون كان لها تأثير على حل المسألة الشرقية، يرجح على تاثير العمل المشترك الذي قامت به دول أوربا كلها.. (!!) 2. 17ـ وساعد على انماء التعليم العلماني وعضد قواه.. تلك البعثات التي كانت ولا تزال ترسل إلى الدول المسيحية الأوربية.. التي تصنع هذه البرامج الكفيلة بزحزحة عقيدة الطالب المسلم وافساده ليعود إلى بلاده بغير دين.. ويحمل علم العلمانية الداعية إلى نبذ الدين! 3. ونظرة من القديم إلى ما حدث لرفاعة رافع الطهطاوي بعد أن قضى في باريس

_ 1 -وجهة الإسلام ـ تأليف المستشرق جب وآخرين ترجمة عبد الهادي ابو ريده صفر 1353 ـ مايو 1934. 2 - وحل المسألة الشرقية كان يعني القضاء على الخلافة الإسلامية في ذلك الحين، ومعنى ذلك أن التعليم العلماني أو غير الديني أدى دورا هاما في التمهيد لالغاء الخلافة الإسلامية. 3 - كتب الأستاذ أنيس منصور في مارس 1976 ـ ربيع الأول 1392 يقول عن أحد المبتعثين إلى الخارج: كان ريفيا متشددا.. عاد أوربيا متفتحا ـ وهذا طبيعي.. كما تغيرت ملابسه وتسريحة شعره، لمعت عيناه وأظافره وجزمته (حذاؤه) ولم تعد تراه متصلب الرأي.. ولا الظهر.. إنما هو مجامل فينحني لهذا أو ذاك وللنساء بصفة خاصة ولا يتمسك بارائه كثيرا، وإنما هذه الاراء يحولها إلى أنواع من العجين تلين وتشكل حسب الظروف وفي كثير من اللباقة والادب.. كان لا يدخن ـ وهو الآن يسرف في ذلك.. كان لا يشرب.. وهو الآن خبير في أنواع الخمور وأنواعها وروائحها وترتيبها قبل وأثناء وبعد الأكل..!!

خمس سنوات.. ونظرة من الحديث إلى شبابنا الذين نبتعثهم إلى دول الكفر في سن المراهقة أو قريبا منها.. فيصيبهم الانحلال في أخلاقهم والتشويش في عقائدهم وأفكارهم، والتعالي والاستكبار في سلوكهم ومعاملاتهم وتقديس كل ما هو غربي، والاستهزاء بكل ما هو شرقي أو عربي.. 1. ومع البعثات.. كانت مدارس.. وكليات.. وجامعات.. تفتح في بلاد الإسلام لتنفيذ نفس ما تنفذه البعثات.. داخل الأوطان نفسها 2 وشملت تلك المدارس والكليات والجامعات.. البنين والبنات. الخطو الثالثة: الاختلاط بين الجنسين 18ـ أدرك أعداء الإسلام ما يؤدي إليه اختلاط الجنسين في سن الشباب وما قبلها في سن المراهقة.. من انحلال الجنسين.. وانشغالهما بأمور العشق والجنس عن أمور العلم والجد والدراسة.. ورسموا لذلك في الشرق الإسلامي وزينوه. ورفعوا عنه اسم الفسق أو العشق أو الغرام3.

_ 1 - الطهطاوي رغم قدمه (1826 ـ 1831) لا يزال مثلا لا يقل عن المثل الذي ضربه أنيس منصور لقد عاد ـ على الأقل ـ بغير العقل الذي ذهب.. عاد يتحدث عن الرقص بأنه نوع من العياقة والشلبنة (أي الاناقة والفتوه) ويتحدث عن المشاعر الوطنية بدلا من المشاعر الدينية ويثير الفرعونية (وغيرها من العصبيات التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها نتنة ") ويترك الحديث عن أخوة الإسلام التي تجمع الجميع تحت لواء لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلى طريق الطهطاوي قاسم أمين الذي درس في مدرسة الحقوق المصرية ذات المناهج الفرنسية وتخرج في سنة 1881 ثم ذهب إلى فرنسا يستكمل تعليمه العالي ونفس المثل طه حسين!!!. 2 - في تقرير للقس ترد بريدج في مؤتمر لكنوا للتبشير أشار إلى الكلية الإنجيلية (الجامعة الأمريكية بعد ذلك، وإلى الكلية السورية الإنجيلية وإلى كلية الأستانة وكلية المبشرين في كدك باشا ـ كذلك سبق إلى توصية مؤتمر التبشير بالقاهرة إلى إنشاء معهد مسيحي بالمواجهة لأزهر وهو ما نفذ بعد ذلك في صورة الجامعة الأمريكية ويشير معرب كتاب لعبة الأمم إلى أن تسعين بالمائة من قادة حركة القومية العربية الأقحاح هم من خريجي الجامعة الأمريكية ببيروت. ولا تزال هذه الجامعة ناشطة في تقديم مثل هذه الخدمات لدول منطقة الشرق الأوسط) . 3 - وفي سلسلة لمؤسسة فرانكلين الأمريكية رسم لأحسن وسيلة للتربية ((فبدلا من فصل البنين عن البنات يجب أن نعمل على إشراكهم معاً في الأعمال الممتعة ومواقف اللعب وإذا حدث ((استلطاف)) بين بعض البنين والبنات فينبغي النظر إليه على أنه نوع من الصداقة (!) وليس غراما أو عشقاً (!) وفي مكان آخر: إن خروج الفتيات في صحبة الفتيان من الأمور الطبيعية (!) التي يستطيع معظم الآباء تقبلها في الوقت المناسب على أي حال باعتبارها جانب من جوانب النمو الجسمي للمراهق (!) وفي كتاب آخر ((فالشوق إلى القبلة أو بعض الغزل الرقيق أو الإنصات إلى قصة فيها تلميحات جنسية كل هذه ليست أموراً شائنة (!!!)

2ـ علمانية الإعلام عندما تكون الدولة دولة فكر Etat d’idee تزداد فيها أهمية الإعلام وإذا كانت الدولة الإسلامية هي الصورة المثلى لدولة الفكر والعقيدة.. فقد كان للإعلام فيها شأن كبير.. وكانت معجزة الإسلام ـ القرآن ـ هي قمة الإعلام الإسلامي {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِد..} 1. {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ..} 2. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً..} 3. من هنا كان خلو الإعلام من الجانب الإسلامي.. أمر خطير في ذاته فإذا انصرف الإعلام عن الإسلام.. ليغرس في نفوس الناس قيماً غير إسلامية ومثلاً إلحادية أو إباحية أو لا أخلاقية.. فإن الأمر يغدو جد خطير. 19ـ والذين يتولون كبر هذا الأمر.. متخرجون من مدارس غير إسلامية يعرفها الناس ولم يعد سراً أن أكثر المؤسسات الصحفية ـ أقدم وسائل الإعلام ـ أسسها غير المسلمين اسماً وجوهراً.. أو المسلمون اسماً لا وضوعاً. والقائمون على أحدث وسائل الإعلام.. من سينما وتلفزيون وإذاعة هم أحد الصنفين السابقين.. والأمر لا يحتاج غير مراجعة القوائم! 20ـ ولئن تفاوتت درجات الإفساد بين الوسائل المختلفة السابقة فإنها جميعاً تشترك في قدر من الإفساد.. إنها أولاً لا تنشر قيماً إسلامية.. مع أنها أغنى القيم وأسماها. وإنها ثانياً تنشر جميعاً قيماً غير إسلامية.. وتبلغ بها التفاهة منتهاها عندما تستطرد في تقديم ((نجم)) سينما أو ((نجم كرة)) .. وتضفي عليه من الأوصاف ما لا تضفيه على سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام.. ثم إنها بعد ذلك تتفاوت في إشاعة الفاحشة، والإغراء

_ 1 - سورة إبراهيم آية 53. 2 - سورة آل عمران آية 132. 3 - سورة الأحزاب آية 45/46.

بالجريمة وفي تزيين الخيانة والانحلال للناس!.. فأشدها في ذلك ((السينما)) يليه ((التلفزيون)) و ((الإذاعة)) يليها القصص والصحافة. والأمثلة.. معروضة.. كل يوم.. وفي كل شارع.. وفي كل بيت بغير حاجة إلى سرد أو ضرب! 21ـ كذلك تشترك الأوطان الإسلامية جميعاً.. في وجود وسائل الفساد والإفساد هذه في بلادنا.. لكنها تتفاوت على درجات! يقول البعض.. لربما كان الفساد في بلاد لا تجاهر به أشد من بلاد تجاهر به ولقد يضربون على ذلك الأمثلة بانتشار الشذوذ الجنسي بين الرجال والنساء، وبشيوع الربا وشرب الخمر والزنا وراء جدران البيوت. ولقد تكون القضية في موضوعها صحيحة.. لكن النتيجة التي تبنى عليها غير صحيحة إنهم يريدون أن يقولوا أن الحدود لم تمنع تلك المنكرات من وراء الجدران وأن.. منعتها من الشوارع.. أي أنها تخفت ولم تختف! ونحن لا نقر ذلك الوضع.. ومن هنا نادينا وننادي.. شريعة حاكمة ليس بالحدود وحدها.. بل قبلها بالتربية الصحيحة، وبالعلاج الاجتماعي، وبضرب القدوة.. ثم بإقامة الحدود على الشريف قبل الضعيف.. فبهذا.. وبهذا كله ينتهي الفساد.. في الشوراع.. ووراء الجدارن!! لكننا مع ذلك لا نقر الجهر بالفاحشة.. فإن في ذلك إشاعة لها أيما إشاعة ولا نقر التعالن بالمعصية فإن في ذلك إغراء بها أيما إغراء.. وهو ما يساعد على سرعة الانتشار ويهون على المتردد في الجريمة اقترافها.. ولذا كان لا بد من الحدود ـ يا دعاة الإباحية ـ لا بد منها حتى يرتدع أمثالكم فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن! 1.

_ 1 - (راجع أمثلة عديدة قدمناها في بحثنا لمؤتمر الفقه الإسلامي الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام _ ذي القعدة سنة 1396هـ) .

3ـ علمانية القانون 22ـ الإسلام.. مصحف وسيف.. والسيف ينبغي أن يكون في خدمة المصحف.. وبعبارة أخرى.. إنه إذا زعمنا حكم الإسلام.. فلا بد من قانون إسلامي يقوم عليه حكام مسلمون إن ذلك يولد الرغبة والرهبة والرغبة تولدها القدوة.. في الحكام المسلمين والرهبة تولدها السلطة.. التي تحكم بالإسلام..ولم يكن الإسلام عبادة مجردة.. ولا رهبنة تفرض على الناس.. إنه يقام بالشرائع والشعائر معا. وكما يكون إشراك بالله في الشعائر.. يكون كذلك إشراك بالله في الشرائع!! {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ..} 1. وإذا كان الجانب التشريعي يمثل مساحة في الإسلام أوسع مما تمثله فروع القانون المختلفة. فلقد اهتم أعداء الإسلام بزحزحة الإسلام عن هذا المجال.. ليكون الحكم بغير ما أنزل الله.. من الظالمين والفاسقين والكافرين! 23ـ والأمثلة كذلك كثيرة.. من تركيا ومن مصر 2. ولم يبق في المجال القانوني بلد لم يطرح الإسلام إلا المملكة العربية السعودية وأفغانستان.. بيد أن الأمانة تقتضي أن نقرر أنه ولئن كان إبعاد الإسلام عن مجال الحكم هو أول خطوة يخطوها أعداء الإسلام في كل بلد يسيطرون عليه.. فقد بدا لهم في

_ 1 - الشورى 21. 2 - بحثنا إلى مؤتمر الفقه الإسلامي حول تطبيق الشريعة الإسلامية أو رسالتنا للدكتوراه المشروعية الإسلامية العليا ومؤلفنا شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها.

الآونة الأخيرة مخطط خطير هو الزحف من المؤخرة إلى المقدمة.. بدلاً من العكس الذي فعلوه من قبل في تركيا ومصر وغيرها ليطبقوا الأثر ((تنقض عرى الإسلام عروة عروة أولها الحكم وآخرها الصلاة..)) . إن الأمر في البلاد التي لم تتخل بعد عن إسلامها في المجال القانوني يمضي وفقاً لخطة خطيرة تعمد إلى علمانية التعليم لإعداد جيل يؤمن بالعلمانية ومن بينها علمانية القانون. ثم تعمد إلى علمانية الإعلام لإعداد رأي عام مهيأ لتقبل علمنة القانون بعد ذلك. ثم يمضي الأمر حثيثاً نحو إحلال ((النظام)) محل ((الشريعة)) وتضييق دائرة القضاء الشرعي والإفساح للجان التي تطبق ((النظام)) الذي يضعه قانونيون يحتلون في أكثر المصالح والوزارات مكان الاستشارة والنصح بما يعملون طبعاً.. من قانون علماني! وهكذا يمضي التخطيط.. علمنة التعليم.. علمنة الإعلام.. ثم علمنة القانون. لتنقض عرى الإسلام عروة عروة.. أوله الصلاة.. وآخرها الحكم!! هذه.. عجالة عن العلمانية.. التي تعمل اليوم كمخطط تبشيري لئيم في وطننا الإسلامي! وننتقل إلى القومية وما تفعل هي الأخرى في مجال التبشير.. ثانيا: القومية 24ـ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. آخى بين المهاجرين والأنصار على أساس من آصرة الإسلام.. وليس على أساس أي آصرة أخرى.. آخى بين بلال بن رباح وخالد بن رويحة الخثعمي، وبين مولاه زيد وعمه الحمزه بن عبد المطلب، وبين خارجة بن زيد وأبي بكر الصديق، وبين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان.. ولما أراد أحد المسلمين أن يثيرها عصبية ونادى.. يا للأنصار.. فنادى الآخر يا للمهاجرين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غاضباً: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم..! " وفي حديثه صلى الله عليه وسلم أكد

المعنى فقال: " ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتلة جاهلية..". وكان من آخر وصاياه يوم حجة الوداع.. " كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض.. إلا بالتقوى!! ". 25ـ وعلى عهد الراشدين رضوان الله عليهم ضمت أرض الإسلام أكبر إمبراطوريتين على وجه الأرض.. الروم والفرس.. فما فضل عربي.. على عجمي لعروبته أو جنسه أو لونه.. إنما كان الفضل بعد التقوى للعمل الصالح.. والعمل الصالح وحده، وعرفت علوم الإسلام في فروعها المختلفة.. فقهاء وعلماء من الأمصار ليس فيهم من العرب إلا النزر اليسير1. 26ـ وفي الحديث.. عرفت أوربا فكرة القومية.. ثم صارت متخلفة عن العصر.. تشير إلى القرن الثامن عشر أو التاسع عشر.. وصارت دعواها بذلك دعوى رجعية لكن الأمة العربية ابتليت بها.. عرفت: مشيل عفلق زعيما لحزب البعث العربي الاشتراكي وأنطوان سعادة زعيما للقوميين السوريين وجورج حبش زعيما للقوميين العرب

_ 1 - قال ابن أبي ليلى: قال لي عيسى بن موسى وكان ديانا شديد العصبية للعرب.. من كان فقيه البصرة؟ قلت: الحسن بن الحسن قال ثم من؟ قلت محمد بن سيرين قال: فما هما؟ قلت: موليان.. قال: فمن كان فقيه مكة؟ قلت عطاء بن رباح ومجاهد وسعيد بن جبير وسليمان بن بسله قال فما هؤلاء..؟ قلت موالي قال: فمن كان فقهاء المدينة؟ قلت: زيد بن أسلم ومحمد بن المنكدر ونافع بن أرنجيح قال فما هؤلاء. قلت موالي ـ فتغير لونه ثم قال: فمن كان أفقه أهل قباء؟ قلت: ربيعة الرأي وابن أبي الزناد ـ قال فما كانا قلت من الموالي.. فما زال يسأله عن فقهاء اليمن وخراسان والشام.. وهو يجيبه بأسماء من الموالي حتى بلغ فقهاء الكوفة فقال والله لولا خوفه لقلت الحكم بن عقبة وعمار بن أبي سليمان ولكن رأيت فيه الشر فقلت: إبراهيم النخعي والشعبي قال فما كانا قلت عربيان.

وقسطنطين زريق أحد الزعماء الآخرين..! 1. وهكذا لم تعرف القومية العربية زعيما ممن يحمل أسماء المسلمين إلا.. واحداً لا يزال عمله في ذمة التاريخ..2 27ـ وعرض الكاتبون في القوميات لما تقوم عليه القوميات من أسس ليكشفوا عن عدم صلاحيتها.. فعرضوا لنظرية العرق التي قامت عليها القومية الألمانية وما يزعمون عن العرق الآري الممتاز.. ليكشفوا عن أن الألمان ليسوا شعباً خالصاً.. بل خالط غيره. وكذلك الشعب العربي.. خالط الروم والفرس والأتراك.. وفي كتاب كفاحي لهتلر جعل الأمة العربية في الدرجة 13! وعلى نفس المنوال عنصر اللغة فسويسرا تضم 3 لغات.. والقارة الهندية تضم 300 لغة.. وكذا سائر عناصر القومية من تاريخ وأرض ومصالح مشتركة ليس فيها عنصر خالص تقوم عليه القومية.. هذا كله بالبحث العلمي الهادئ. 28ـ فإذا أضفنا إلى ذلك ما لابس إثارة القوميات من أحداث تاريخية لبان.. ما قدمنا له من أن القومية أحد العناصر التي استخدمها أعداء الإسلام لإبعاد الأمة عن دينها. إثارة القومية الطورانية في تركيا اقترن بتمزيق تركيا وإبعادها عن الإسلام وإثارة القومية العربية في البلاد العربية.. اقترن بتمزيق دولة الخلافة …

_ 1 - يشير معرب كتاب لعبة الأمم إلى أن: أكثر من تسعين في المائة من قادة حركة القومية العربية الأقحاح هم من خريجي الجامعة الأمريكية ببيروت. ولا تزال هذه الجامعة (وكانت تسمى الكلية الإنجيلية السورية) ناشطة في تقديم مثل هذه الخدمات لدول منطقة الشرق الأوسط.. ويشير نفس المؤلف إلى أسماء زعماء القومية وكلهم من المسيحين! 2 - عرض المؤلف لبعض هذه الأعمال في كتابه في الزنزانة وعرض للبعض الآخر في كتابه ((عندما يحكم الطغيان)) الذي لا يزال منذ أكثر من عام ينتظر موافقة الرقابة على إصداره.

ومؤامرات لورانس مكماهون.. قصداً إلى القضاء على الجسد الإسلامي الذي أسموه يومئذ بالرجل المريض!! حتى الجامعة العربية.. كانت كما يعرف كل من عاصر أحداث العصر من صناعة وزير خارجية الإنجليز! لتكون بديلاً عن الجامعة الإسلامية.. وفي كتابات حديثة.. لكتاب غربيين.. أشاروا إلى أن القومية العربية التي رفع رايتها في مصر زعيم كبير.. كانت بديلا هاماً عن الشعار الإسلامي الذي كان يهدد بثورة في المنطقة فكان الانقلاب العسكري امتصاصاً لمشاعر الأمة المتوثبة للإسلام1! ثالثاً: تحرير المرأة مقدمة 29 ـ كما كانت العلمانية شعاراً خادعاً.. يخفي وراءه الحرب على الدين.. وكانت لقومية شعاراً خادعاً كذلك.. يستعمل في مواجهة الدين.. فلقد رفع هذا الشعار ((تحرير المرأة)) قصداً إلى اجتذاب المرأة المسلمة لاستخدامها حرباً على دينها. وأول من أوصى به مؤتمر من مؤتمرات التبشير2. وكان الهدف.. أولا تنصير المرأة المسلمة.. ثم انتقل الهدف إلى.. إبعاد المرأة المسلمة عن دينها.. ماذا يقصدون بالتحرير: 30ـ إن التحرير لا يكون إلا من عبودية..؟

_ 1 - لعبة الأمم لمايلزكوبلاند ص 63-65. 2 - كان من بين قررات مؤتمر لنكو سنة 1913 بالهند دخول النساء في أعمال التبشير لتنصير النساء المسلمات وأولادهن وفي مؤتمر القاهرة 1906 بشرزويمر المبشرين ألا يقنطوا إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوربيين وإلى تحرير النساء الغارة على العالم الإسلامي ص 61 ـ 83 من نفس المرجع.

فهل كانت المرأة المسلمة مستعبدة.. حتى تحتاج إلى تحريرهم.. أن العبودية لا يعطيها المسلم إلا للخالق ولا يعطيها لمخلوق وإذا أعطى العبودية للخالق تحققت له الحرية الكاملة.. فلا يحني رأسه لمخلوق! وإذا أعطيت المرأة عبوديتها للخالق تحققت حريتها الكاملة فلا تحني رأسها لمخلوق.. ومن ثم فلا تكون بحاجة إلى تحرير أحد! وفي مجال الحقوق العملية.. وبعيداً عن الكلام النظري فقد أعطى الإسلام المرأة المسلمة من الحقوق ما لم تعطها أختها الأوربية! وإلا فليسألوا المرأة الفرنسية (نموذج التحرر الأوربي) متى استطاعت أن تتصرف باسمها وحدها دون اعتماد التصرف من زوجها؟! فماذا يعني التحرر..؟ قالوا إنه يعني التحرر من بيتها والتحرر من زيها.. فماذا يخدمهم تحرير امرأة من بيتها ومن زيها في مجال إبعاد المسلمين عن الإسلام؟ 31ـ أما تحررها من بيتها.. فإنه يعني حرمان البيت.. من جامعة تخرج جيلاً.. فتح من قبل.. أوربا وآسيا.. وإفريقيا..! إنه يعني.. أن هذا الجيل لن يتكرر! إنه يعني.. أن جيلاً.. آخر.. سوف يتخرج.. ليمسك بزمام الأمة وزمام الأمور جيل.. ربما لا يعرف أمه.. أو لا يعرف أباه جيل يتصدره في مجال الفكر أو في مجال السلطة من كانت أمه راقصة في ناد ليلي أو كانت أمه تعمل في البغاء وليس بين الاثنين كبير اختلاف

32ـ أما تحريرها من زيها.. فإنه يعني بصراحة كشف ما أمر الله أن يستر..! يعني إثارة اللحم والدم.. ونتائجه.. معروفة..! لكن المتحررين.. قد يعنيان فوق النتائج السابقة.. نتائج أخرى .. أقلها الانحلال.. الذي قال عنه رئيس وزراء فرنسا وهي يومئذ دولة عظمى.. عن فرنسا هزمها الانحلال قبل أن يهزمها الاحتلال! إن أمة إسلامية.. هي اليوم أمة تبغي بناء نفسها.. ماذا يحدث بها الانحلال.. وقد فعل ما فعل في دولة كانت يومئذ إحدى دولتين كبيرتين..! 33ـ أما المرأة الريفية.. .. فلم يشأ المخططون لتغريب المسلمين أن يتركوها في حالها.. وحيائها.. أصروا على أن يغزوها في عقر دارها.. ليذهبوا بما بقي من حيائها. فتحت شعار الأمم المتحدة.. يباشر التبشير.. الانحراف بالمرأة الريفية تحت اسم التربية الأساسية التي تعترف أحد سدنتها أنها تعني ((تغيير الأفكار والنزعات)) 1 والأمر يجري في قرية سرس الليان.. في محافظة المنوفية ويجري في قرية بياض العرب.. في محافظة بني سويف تحت اسم.. ((التنمية الاجتماعية)) ويجري في أماكن أخرى في الوطن العربي 34ـ أما قضايا المرأة.. فإثارات متعددة ـ لأمر لا يرتفع إلى مستوى ((المشكلة)) لينشغل بها الناس عما يتهدد الإسلام!

_ 1 - من بحث الدكتور حامد عمار ألقاه في مؤتمر أمريكي ((أشار إليه الدكتور محمد محمد حسين في حصوننا مهددة من داخلها)) ـ الناشر مكتبة المنار الكويت ص 48 وما بعدها.. 2 - هذا أمر اضطرنا لإعلانه في مؤتمر شعبي انعقد في شبراخيت في رمضان 1396 (محافظة البحيرة) بمصر.. بعدما اطلعنا على ما يؤكده رسمياً..

فنسبة تعدد الزوجات.. التي يثيرونها.. لا تعدو واحداً في الألف ونسبة الطلاق كذلك ضئيلة! وحل هذه المشاكل على فرض وجودها ليس بالتشريعات.. ولكن بالعودة:.. إلى أخلاق الإسلام ثم التزام كل طرف.. بأحكام الإسلام.. {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ((وبعد)) 35ـ فتلك كانت وسائل التبشير الحديثة علمانية: في التعليم والإعلام والقانون قوميات: تمزق الأمة الواحدة وتمزق الدولة الواحدة.. تحرير المرأة: ليسقط المجتمع في حماة الرذيلة ويقضي بنفسه على نفسه وآثار ذلك كله بادية في مجتمعاتنا انحراف عن الإسلام وابتعاد عنه.. تختلف درجته بين بلد.. وآخر..! ويستجيب لهذا الانحراف: الطامعون في السلطة.. يدفعون الثمن من مصائر شعوبهم الراغبون في السقوط.. لأنهم لا يقدرون على الارتفاع وأخيراً السذج الجاهلون الذين يحسبون ذلك الانحراف وذلك السقوط تقدماً ومدنية!

لكن.. ما علاقة ذلك كله.. بالتخطيط السياسي.. الذي يجربه أعداء الإسلام هذا ما نحاول الإجابة عنه تحت عنوان: ((التغيير السياسي))

المطلب الثاني: التغيير السياسي

المطلب الثاني: ((التغيير السياسي)) ((أو علاقة التبشير بالسياسة)) تقدمة: 36ـ في البداية كان الأمر واضحاً السياسة التي حركت الحروب الصليبية.. هي التي تحرك التبشير والمبشرين قصدا إلى تنصير المسلمين وردتهم عن دينهم! ولم تكن السياسة وقتها غير فرع.. من فروع التعصب الديني المقيت ولا تزال! لكن الأمر ليس بالوضوح السابق.. فقد كثرت ألاعيب السياسة، واكتست بوجه ديبلوماسي رقيق! وأصبح الأمر بحاجة إلى كثير من البحث والتدقيق.. ونظرة سريعة إلى الماضي القريب.. تكشف الحاضر الأليم! أولاً: نظرة سريعة إلى الماضي 37ـ حين قرر الغرب العدول عن الحروب الصليبية.. ليحل محلها التبشير لم يعدل عن منطق القوة تماما.. بل رآها لازمة لمساندة الباطل.. فإن الباطل بغير قوة لا يقف على قدمين! وكان احتلال فرنسا.. للجزائر 1830 وتونس 1881 ولمراكش 1912 وللشام 1920

وكان احتلال بريطانيا.. للهند 1857 ولمصر 1882 وللعراق 1914 ولفلسطين 1920 وغير هذه من أوطان الإسلام. احتلها أعداء الإسلام حتى لم ينج منها إلا السعودية والأفغانستان.. 38ـ وفي ظل ذلك الاحتلال.. عمل التبشير لقديم في هذه الجهات وفي غيرها من الجهات الأخرى.. التي منيت كذلك بالاحتلال أوبالسيطرة السياسية الأجنبية على أي لون من الألوان! وطور التبشير أساليبه.. من الدعوة إلى النصرانية.. صراحة إلى ما لازمها وما لحقها من تشويش الإسلام وتشويهه إلى ما تبعها. من محاولة جر المسلمين إلى قيم جديدة بعدما يتجردون من قيمهم.. الإسلامية طبعا! وهو ما عرف تحت إسم التغير الإجتماعي أو التغريب وكان تطور آخر.. في مجال.. السياسة.. والقوة! إن الإستعمار.. قد افتضح أمره.. وفل سلاحه.. تماما كما فشلت من قبله الحروب الصليبية في مهمتها! وكان لابد من أسلوب جديد! ثانيا: الأسلوب الجديد 39ـ لم تعد الشعوب تحتمل.. أن ترى السترة الصفراء الأجنبية تحكمها مهما حاولت أن تدعي الصداقة.. أو حتى أن ترفع راية الإسلام 1 وكان لابد من أن ترحل السترة الصفراء الأجنبية لكن الباطل لا يستغني عن القوة.. وإلا تهاوى.. وسقط!

_ 1– ادعت بريطانيا الصداقة لمصر أثناء احتلالها.. وادعى نابليون من قبل الإسلام وأعلن خليفته في مصر فعلا إسلامه. وعندما اقتربت جيوش الألمان من مصر كان المنشورات فيها توزع بإسم محمد هتلر!!..

ومن ثم كان لابد أن يبحث عن مصدر للقوة آخر.. حتى يمضي في تنفيذ مخططه الاثيم لابعاد شعوب الإسلام.. عن الإسلام وهداه شيطانه.. إلى ما نجح فيه إلى حد ما.. 40ـ استبدل السترة الصفراء الأجنبية بالسترة الصفراء المحلية.. وصرح بعض كتابه.. أن هؤلاء اقدر على التغير الإجتماعي المطلوب 1 وعرفت المنطقة الانقلابات العسكرية.. بديلا عن جيوش الاحتلال الأجنبية ومن أمثلة ذلك كما صرح أحد الكتاب الأمريكيين: سوريا سنة 1949 مصر سنة 1952 السودان سنة 1957 العراق سنة 1958 باكستان سنة 1959 .. ومن قبل هؤلاء: ايران عام 1920 تركيا عام 1908 41ـ وفي كل مرة يستفيدون من تجارب المرة السابقة.. فمثلا.. الخطأ الذي وقع فيه كمال أتاتورك في محاولة فرض التغيير الإجتماعي بالقوة.. مع وسائل الإعلام المختلفة.. وما يصحبها من وسائل أخرى للتبشير أشرنا إليها. فقد كان أتاتورك غبيا حين فرض خلع الطربوش بالقوة

_ 1 - راجع ما كتبه مورو بيرجر ـ الكاتب الأمريكي ـ عن أن النخبات الوطنية أقدر من النخبات الأجنبية في إحداث التغيير الإجتماعي المطلوب.. وتحذيره من الاكتفاء بمجرد فرض التغير بل لابد من تعهده حتى يعمق في نفوس المجتمع 2 - المرجع السابق ص 304 ـ 305 ويذكر صراحة مايلزكوبلاند في لعبة الشعوب كان انقلاب حسني الزعيم يوم 30 آذار (مارس) 1949 من اعدادنا وتخطيطنا لعبة الأمم ـ ص 49 ثم يقول في ص 58 وكان قرارنا الأخير ـ أن تكون مصر خطوتنا الجديدة..

فقد خلعه الناس في مصر لما رأوا رجال الانقلاب الجديد الأبطال لا يلبسونه بدون حاجة إلى قانون! وهكذا! 42ـ لكن القوة بقيت لازمة تؤدي أمرين أولهما: قمع.. المعارضة والمعارضين.. خاصة إن كانوا من أصحاب العقائد ثانيهما: مساندة الباطل والمبطلين.. فيما يمضون فيه من تخطيط أثيم لابعاد الناس عن الإسلام. 43ـ ((ولبيان هذين الخطين.. نقدم وثيقة جاءت في حثيثات حكم صدر في بلد إسلامي.. نسقط منها.. أسماء.. الضحايا.. وأسماء المجرمين.. لنصل بها إلى الموضوعية الكاملة.. 1 تبدأ الوثيقة بالاشارة إلى أسماء أعضاء اللجنة التي قدمت معلوماتها واقتراحاتها.. وأكثرهم من رجال المخابرات والمباحث والأمن.. ثم تلخص معلوماتها بالاشارة إلى أن ((تدريس التاريخ الإسلامي في المدارس للنشئ بحالته القديمة يربط الدين بالسياسة في لا شعور كثير من التلاميذ منذ الصغر.. ثم الإشارة إلى صعوبة التمييز بين معتنقي الأفكار (..) وبين غيرهم من المتدينين.. إلخ ليصل إلى المطالبة: 1) بمحو فكرة ارتباط السياسة بالدين 2) إبادة تدريجية بطيئة مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم من (0 ـ) ولا يقتصر الأمر على هذه الفئة! بل يمتد إلى ((كل المتدينين)) باعتبارهم يمثلون الاحتياطي الذي يصب في هذه الفئة! ومن وسائل الإبادة: الإعدام.. والسجن.. والاعتقال ويبلغ الأمر غاية خسته حين تصرح بالنسبة لنسائهم سواء كن زوجات أو بنات فسوف يتحررن ويتعرضن مع غياب عائلهن وحاجتهن المادية.. إلى انزلاقهن.. وهكذا تفقد الأنظمة العسكرية.. حتى الشرف والكرامة!!

_ 1 - هذا الحكم منشور في كتابنا في الزنزانة ـ الناشر دار الشروق ـ 1395هـ

44ـ بقي السؤال ـ لماذا يفضلونها.. وطنية؟ نسمع إجابيتين: إجابة من الكاتب الأمريكي مايلز كوبلاند .. فكان الحكام من ((طراز ناصر)) يعطون الأولوية على غيرهم لأن استيلائهم على السلطة يوفر أفضل الفرص ـ أو أقلها سواء ـ لنجاح ((لعبتنا)) وفي مكان آخر أن ((نمودجا ك (….) كان من الأهمية بمكان بخصوص اللعبة وأنا كنا ملزمين بالبحث عن مثيل له فيما لو لم يكن على قيد الحياة..)) وإجابة من الكاتب الأمريكي مورو بيرجر .. وكان الجيش من بين كل الجماعات النخبة الوطنية أكثرها دنوا من المشاكل التي تواجهها مصر، دنوا بالمعنى الحسابي، والعلماني، والواقعي، وبهذه الصورة كان الجيش أكثر النخبات تغربا 3 والواضح من تقرير (…) الموجز أن الضباط كانوا علمانيين يتوقون إلى بث التعاصر في مصر متماشين مع الخط الغربي التكنولوجي.. ولم يكن الضباط على ثبات أيدلوجي، بل كانوا جماعة علمانية في البناء السياسي والإجتماعي للحياة المصرية.. إلا أن قادتهم كانت تضع نصب عينيها صورة من مصر العلمانيةكما يتصورونها، ويتحركون صوب هذا الهدف على خط مستقيم.. 4 ويعمم الكاتب.. وعلى ذلك فبينما يترك الحكام الغربيون منطقة الشرق الأدنى تتحول هذه المنطقة فتصبح أكثر غربية، ويواجه الزعماء العرب طريقين فهم يطردون.. الغرب سياسيا ويسحبون الكتل الشعبية إلى الغرب ثقافيا)) فنجيب بعد هؤلاء فنقول بعون الله: 1ـ إن النخبة الوطنية التي حلت محل ((النخبة الأجنبية)) وفرت على الأخيرة أولا. الدم والمال التي كانت تبذل في الحروب الصليبية أو في محاولات الاستعمار.

_ 1،2- 37 لعبة الامم ص27، ص 26 3- 39، 40 العالم العربي اليوم ص 312، ص 314، 340 وراجع ما قدمنا ـ والمقصود ((بتغربا)) الميل إلى الغرب في قيمه ومثله بدلا من قيم الإسلام ومثله..

2ـ وأنها كذلك منعت إثارة المشاعر.. الدينية أو الوطنية.. التي كانت تتحرك حين يرى الشعب الجيوش الأجنبية قادمة.. تتحدى قيمه الدينية.. أو قيمه الوطنية.. ومن ثم فقد ميعت المقاومة أو منعتها! 3ـ أنها بلباس الوطنية.. نفذت المطلوب.. ليس فقط دون مقاومة بل أحيانا مع استحسان الجماهير وحماستها!! 1 4ـ أنها استطاعت أن تقضي على كل معارضة.. من أي فئة.. دون أن يتحرك أحد لنصرة هذه الفئة.. بل مع اعتقادهم بما تذيعه ((النخبة الوطنية)) من أن المعارضين.. خوارج ـ أو خونة!!! 45ـ وأخيرا سؤال لا ينفك عن السؤال الأخير لماذا يفضلونها.. ((عسكرية)) ؟ نقول بعون الله: 1ـ لأنها ((أسرع)) في الوصول إلى الحكم، وأكثر شغفا بالسلطة 2 2ـ لأنها ((أسرع)) في تلبية الأوامر الخارجية، والالتزام حرفيا بها فهكذا تعلمهم الحياة العسكرية. 3ـ لأن قبضتها ((أقوى)) بالنسبة.. لأية معارضة أو أية مقاومة.. 4ـ أن الطبقة العسكرية في أغلبها أعدت اعدادا خاصا.. يجعلها ((علمانية)) و ((غربية)) .. لا تستنكف الانحلال.. لنفسها ولا لغيرها ومن ثم فهي أنسب الفئات لتنفيذ مخطط الابعاد من ((الإسلام))

_ 1 - وفي هذا السبيل لاباس أن تسمح الجهات الأجنبية بمهاجمتها لتكسب مزيدا من الصفات الوطنية ولتكسب استحسان الجماهير وحماستها وفي هذا المعنى يقول مايلزكوبلاند.. ((فإن مساندتنا لأي زعيم للوصول إلى دست الحكم والبقاء هناك حتى يحقق لنا بعض المصالح التي نريدها لابد أن يرتطم بالحقيقة القاسية وهي أنه لابد من توجيه بعض الاساءات لنا حتى يتمكن من المحافظة على السلطة ويضمن استمرارها (ص 55 عن كتاب لعبة الأمم..) .. وفي الوقت نفسه يقول السياسي الصهيوني مستر سكوثمان في مقال يرثي فيه زعيما عربيا ((كان الرجل الوحيد الذي اقتنع بضرورة التعايش السلمي مع اسرائيل وكانت لديه الجرأة والسلطة الكافية لايجاد الظروف اللازمة لهذا التعايش ص ز ـ مقدمة كتاب الدبلوماسية والميكانيكية في العلاقات العربية الأمريكية ـ دكتور محمد صادق.. وفي مكان آخر يقول مايلز كوبلاند إن الهدف الرئيسي من دعمنا (…) هو رغبتنا في توفر زعيم عربي رئيسي يتمتع بنفوذ قوي على شعبه وعلى بقية العرب له من القوة ما تمكنه أن يتخذ ما شاء من القرارت الخطيرة وغير المقبولة من الغوغاء مثل عقد صلح مع اسرائيل (ص 89 لعبة الأمم) . 2 - يقول مايلز كوبلاند: وكان مبتغانا أن ندفع إلى الرئاسة حكاما أكثر شغفا بالسلطة ص 59 من لعبة الأمم

5ـ أنها تزيح بذلك احتمال تقدم عناصر دينية.. إلى الحكم عن الطريق الشعبي العادي1 46ـ وليس معنى اللجوء إلى الانقلابات العسكرية.. انتهاء الوسائل الأخرى إن.. القوى الأجنبية المعادية للإسلام لاتزال محتفظة لبعض أنظمة الرجعية بالبقاء. أولا لأنها تنفذ ما يطلب منها، وثانيا لأنها أضعف من أن تقف يوما في وجهها وثالثا لأنه داخل هذه الأنظمة نفسها يجري التغيير.. باستعداء الإبن على أبيه والأخ على أخيه بعدما يجرى الاتفاق على الصفقة، ماذا يبيع لكي يجلس على العرش..؟! ورابعا لأنها حين يبدو العصيان.. يكون الردع سريعا وعنيفا وحوادث ((الاغتيال السياسي)) في الماضي القريب شاهدة على ذلك، وقد كانت موضع تحقيق ((الكونجرس)) في فضائح المخابرات المركزية الأمريكية. وأخيرا.. فإن بقاء هذه الأنظمة ـ في نظر أعداء الإسلام ـ رهين بانتهاء العصبيات التي تستند إليها، وفي المواجهة بزيادة قوة وقدرة القوات المسلحة لتولي الأمر..حينئذ.. سوف تخلعها بيسر وبغير حياء.. ولا احترام للود البادي والوفاء الظاهر!!! وهكذا نرى اتفاقا غريبا.. على علمنة التعليم، وعلمنة الإعلام، وعلمنة المجتمع كله عن طريق المرأة وعن طريق الشباب.. ليبتعد بذلك عن الإسلام.. نجدها في الدول الإسلامية رغم اختلاف نظم الحكم الحاكمة.. لأن التغيير السياسي وإن.. اختلف أسلوبه..فالهدف لا يختلف وهو التغيير الاجتماعي أو التغريب أو بالعبارة الواضحة: الابعاد عن الإسلام! 47ـ لكن هل انتهت تماما وسيلة الحروب والاستعمار التي كانت سبيل الغرب من قبل لغرض أهدافه وغاياته؟ لا نستطيع أن نجيب بالنفي.. لأن الحروب انتهت في أغلب البلاد في صورتها العسكرية، واستبدلت بها الحرب الفكرية والنفسية لتحطيم عقيدة الأمة ومبادئها.

_ 1 - ص 63 ـ 65 من كتاب لعبة الأمم.

ولا نستطيع أن نجيب بالاثبات.. لأنها لا تزال تستعمل في نطاق محدود وهو ما اصطلح الغرب على تسميته بالحرب المحدودة.. واحتلال الجيوش الأمريكية لشواطئ لبنان سنة 1958 مثل قريب وتحركات الأسطول السادس كذلك. لكن في رأيي أن الحرب المحدودة ارتدت كذلك ثوبا محليا فأصبحت الجيوش العربية أو الإسلامية تسلط لهذا الغرض وتدخل سوريا في لبنان مثل قريب وانفصال بنجلاديش عن باكستان من قبلها مثل قريب كذلك!

الفصل الثاني: الغزو الفكري من الشرق…!

الفصل الثاني: الغزو الفكري من الشرق…! توطئة 48ـ الغزو الفكري.. من الغرب.. قديم وخطير لأن تاريخه يمتد إلى تاريخ الحروب الصليبية.. ويمتد بعدها.. وهو خطير.. بما يحويه من هدف فتنة المسلمين عن دينهم.. التي بالردة والتنصير، وانتهت إلى الاكتفاء بالابعاد والتغيير.. والغزو الفكري.. من الشرق.. حديث.. لكنه خطير! فقد بدأ.. منذ انتصار الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا في الربع الأول من هذا القرن لكنه أخطر.. لأنه أشبه بالنار تأكل الهشيم..؟! فهو في وسيلته أشد تدميرا وفي غايته أشد كفرا ونفاقا..! والظروف التي خدمت انتشار الماركسية في بداية الأمر.. تساعد كذلك على انتشارها في شرقنا الإسلامي ما لم ينتبه المسلمون.. حكاما ومحكومين!

49ـ والحديث عن ((الماركسية)) .. ربما يكون أكثر تعقيدا لأن أكثر الناس لم يفهموه.. بعد كمبدأ! ولم يفهم أكثرهم كذلك وسائلها الحديثة للتبشير بها! ومن ثم وجب علينا.. أن نفضحها كمبدأ.. ثم كوسيلة! ونشير إلى كل في مطلب!

المطلب الأول: الماركسية.. مبدأ

المطلب الأول: الماركسية.. مبدأ كيف نشأت الماركسية..؟! 50ـ هذا السؤال وارد عقلا ومنطقا.. قبل أن نعرض المبدأ في ذاته.. ذلك أن الالمام بالظروف التي نشأت فيها الماركسية.. سواء الظروف المحيطة فكريا واقتصاديا.. أو الظروف الخاصة بصاحب المبدأ نفسه كل ذلك يعطي مزيدا من الضوء على السؤال كيف نشأت؟ أو لماذا نشأت..؟ ومن ثم وجب أن نعرض لهذه الظروف لنعرف إجابة السؤال. أولا: ظروف أوربا وقت ظهور الماركسية 51ـ الماركسية نشأت كفكرة أول ما نشأت في أوربا 1 وأوربا تعاني محن القرن التاسع عشر تعاني أولا محنة الدين فالمسيحية كما نادى بها المسيح لم تعد موجودة أصلا..! التوحيد فيها ـ وهو أصل كل دين سماوي نزل من عند الله ـ قد انتهى بما زعمه البعض من أن المسيح هو الله!

_ 1 -لاشك أن لها أشكالا قديمة قال بها الفوضويون والهدامون من أصحاب الفلسفات القديمة، ويمكن الرجوع إلى كتب التاريخ وكتب الفلسفة لاستقصاء ذلك ليبين.. أن ما نادى به ماركس لم يكن جديدا.. وإنه في حقيقته لا يحوي شيئا من التقدم أو التقدمية.. بل هو الرجعية شكلا.. بما كرر من صور للفكر قديمة، ثم هو رجعية موضوعاكما سنبين بإذن الله في شرح المبدأ..

أو ما زعمه البعض الآخر من أن المسيح إبن الله أو ما زعمه البعض الثالث من أنه ثالث ثلاثة (الأب والإبن والروح القدس) ! والمحبة فيها ـ كأصل كبير جاءت به قد انتهت.. فبإسم المسيحية تزحف الجيوش الصليبية تحمل الصليب لتقتل وتدمر شعوبا بغير حق إلا أن تقول ربي الله وبإسم المسيحية كذلك.. تذيق بعض الشعوب ويلاتها.. وبإسم المسيحية كذلك تفترق المذاهب.. الكاثولكية، والأرثوذكسية والبروتستنتينية.. وتمضي ليكفر بعضها بعضا، وليحارب بعضها بعضا! وأخيرا.. تنتهي المسيحية إلى مجموعة خرافات .. صكوك غفران، وقرارت حرمان، وكراسي اعتراف وحرب على العلم والعلماء لا تفتر ولا تهدأ، ومهادنة بل محالفة للظلمة من الملوك والحكام! .. فلم يكن غريبا بعد ذلك أن ترتفع الصيحة: ((اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس)) ولم يكن غريبا أن تجد الصيحة من يسمع لها.. بل من يسارع إلى تنفيذها!! 52ـ وتعاني أوربا بعد محنة الدين محنة الفكر محنة الفلسفة المغرقة في الخيال، تدعو إلى المثالية البعيدة عن الواقع وتهتف بها.. فكان ذلك التطرف إلى الخيال حربا بتطرف آخر إلى الحس والمادة تمثل فيما اعتنقت الماركسية من فلسفة مادية 53ـ وبعد المحنتين محنة الواقع الاقتصادي والاجتماعي .. فالاقطاع بكل مظالمه يحكم أوربا.. تحميه الكنيسة ويحميه الحكام! أصحاب المزارع يملكون الاقطاعيات الكبيرة.. وأكثر الناس يعملون فيها عبيدا أو قريبا من العبيد!

وأصحاب المصانع يملكون المصانع الكبرى.. ويستغلون جهد العمال بغير مقابل عادل وهكذا ينقسم المجتمع إلى طبقتين.. طبقة صغيرة العدد.. تملك كل شيء وتعيش حياة الترف العامر وطبقة كبيرة العدد.. لا تملك شيئا ولا تكاد تملك شيئا وتعيش حياة البؤس والشقاء 54ـ فلا غرو بعد ذلك.. أن تجد الصيحة الخبيثة)) يا صعاليك العالم اتحدوا فأمامكم عالم تغنمونه، وليس عندكم من شيء تفقدونه غير القيود والاغلال 1 لا غرو.. ان تجد لها آذانا تستمع لها.. وقلوبا بعد ذلك تهواها وتهفو إليها! ولا غرو.. بعد كل هذه الظروف.. أن تكون)) الماركسية ((هي الوريث الشرعي.. أو غير الشرعي.. لحضارة الغرب المتهالكة.. خاصة وأن أساس الحضارتين (إن صحت التسمية) أساسهما أساس مادي واحد! أساس المبدأ الماركسي 55ـ من مادية فيورباخ، وجدلية هيجل أقام ماركس فلسفته على أساس من المادية الجدلية، وربطها بأربعة قوانين، وفسر تفسيرا ماديا، كما أرجع كل شيء في الاقتصاد إلى هذا الأساس المادي. وصارت الماركسية في بصر أتباعها أشبه بالدين تفسر الكون والإنسان والحياة! وتعرض مذهبها في مجال الاجتماع والسياسة والاقتصاد.. وتنطلق من هذا المنطلق المادي محطمة كل أساس روحي! والتقت مع الغرب على تقديس المادة وعبادتها.. لأنها أخذت عنه ذلك الأساس المادي الجدلي! وحين واجهت العمل والتطبيق.. أفلست.. واضطرت إلى الخروج على أساسسها المادي الجدلي.

_ 1 - راجع أفيون الشعوب للأستاذ عباس محمود العقاد ـ الطبعة الخامسة سنة 1975 الناشر ـ دار الاعتصام ـ القاهرة..

56ـ وفي المادة اعتدت الماركسية بما تقع عليه الحواس، وأنكرت ما وراء ذلك، لأن ذلك كان المعنى السائد للمادة في القرن التاسع عشر! واعتبر ماركس الفكر لاحقاً على المادة وتابعاً لها! وحور لينين التعريف إلى أنها الوجود الموضوعي خارج الذهن.. وتتابعت الاكتشافات العلمية تكشف الماركسية وتعريها من الثوب العلمي وصارت الماركسية في حرج من أمرها. وفي سنة 1963 اجتمع أكثر من عشرين عالماً بالاتحاد السوفيتي ليضعوا ((أسس الماركسية اللينينية فقرروا أن النشاط الذهني أو الفكري خاصة مميزة للمادة وليس شكلاً من أشكال المادة)) وقرروا أن التوحيد بين الفكر والمادة في الوقت الحالي يعد من مفاهيم المادة المنحطة ـ ولم يوحد بينهما سوى ماركس ـ! وفي الأعوام الأخيرة.. خرج رجيه جارودي على الناس بكتابه التحول الكبير في الإشتراكية فأجرى تحريكاً جديداً في الأساس المادي للماركسية. فقرر الحزب الشيوعي الفرنسي فصله بعد أن كان يحتل مركز عضو المكتب الساسي وفيلسوف الحزب..LE GRAND TOURNANT DE SOCIALISME وأعقب ذلك.. رفض الحزب الشيوعي الفرنسي للدكتاتورية البروليتاريا. وأعقبه في ذلك الحزب الشيوعي الإيطالي! 57ـ وفي الجدل: أخذ ماركس من هيجل مبدأ التناقض.. أي قيام كل عنصر مادي على نقيضين.. وما استتبع ذلك من تفسير.. للحياة أو للتاريخ.. وربما كان ماركس مغروراً بعمله المحدود يومئذ بالقرن التاسع عشر الذي كان يقوم على اعتبار الطبيعة قائمة على عنصرين: الطاقة والمادة

58ـ المبدأ في الميزان في ميزان العلم.. لم تعد الماركسية ((علما)) بل أنقض أساسها من العلم فالمادة التي عرفها ماركس وبنى عليها ماديته.. لم تعد هي المادة في القرن العشرين لقد عرف القرن العشرين.. مواداً لا تقع عليها الحواس.. بل أن ما تدركه الحواس من مواد يمثل في العلم الحديث 7% من المواد، ويبقى 93% من المواد لا تدركه الحواس1 وبالنسبة لما قال به عن ((الجدلية)) من احتواء كل مادة على الشيء ونقيضه فإنها قامت أولا على أساس نظر خاطئ.. باعتبار أن الطبيعة تقوم على عنصري المادة والطاقة ولقد أثبت العلم أن المادة والطاقة شيء واحد وأن المادة ليست إلا طاقة مركزة والطاقة ليست إلا مادة ـ.. لكنها تسير بسرعة الضوء! كذلك ثبت خطؤها من القول باضطراد وجود النقيضين.. والحق أن الموجود في كل مادة.. هو التكامل والتزاوج وليس التناقض والتنافر وهذا خطأ آخر في النظرة الماركسية. إن السالب والموجب.. في الذرة والكهرباء والمغناطيس والأنثى والذكر.. في النبات والحيوان والإنسان هذا تكامل وتزاوج.. تتم به الحياة.. وتبقى وليس تنافرا ولا اختلافا ولا تناقضا وصدق الله العضيم {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

_ 1 بحثا قيما لوحيد الدين خان في مؤتمر الفقه الإسلامي المنعقد بالرياض في ذي القعدة سنة 1396هـ.

المطلب الثاني: الماركسية.. وسيلة

المطلب الثاني: الماركسية.. وسيلة ((الماركسية والإسلام)) 59ـ انتصرت الماركسية في واقعها.. فأقامت دولة في روسيا سنة 1917 وكان لها مع الإسلام والمسلمين ((تكتيكا)) متغيرا خطبت ودهم.. ثم حاربتهم بالسلاح.. ثم تطورت إلى التبشير.. وكان لها خارج ((الاتحاد السوفيتي وسائلها الأخرى. ونشير لها داخل الاتحاد السوفيتي ثم خارجه. أولا: داخل روسيا الشيوعية تخطب ود المسلمين. 60ـ بعد الثورة البلشفية أصدر مجلس قوميسيري الشعب البلشفي نداء مواجها إلى الشعوب الروسية من المسلمين كان من بين من واقعه لينين وستالين (في يوم 7 ديسمبر سنة 1917) وقد جاء فيه ((.. وفي وجه هذه الأحداث الجسام نتجه بأنظارنا إليكم أنتم يا مسلمي روسيا من الشرق.. أنتم يا من تشقون وتكدحون وعلى الرغم من ذلك تحرمون من كل حق أنتم له أهل

أيها لامسلمون في روسيا أيها التتر على شواطئ الفولجا وفي القرم أيها الكرفيز والسارتيون في سبيريا والتركستان أيها التتر والأتراك في القوقاز أيها الجبليون في اتحاد القوقاز أنتم يا من انتهكت حرمات مساجدكم وقبوركم، واعتدى على عقائدكم وعبادتكم وداس القياصرة والطغاة الروس على مقدساتكم.. ستكون حرية عقائدكم وعاداتكم، وحرية نظمكم القومية.. ومنظماتكم الثقافية مكفولة لكم منذ اليوم.. لا يطغى عليها طاغ ولا يعتدي عليها معتد! إلى أن قال في البيان،: أيها المسلمون في روسيا.. أيها المسلمون في الشرق.. ((إننا ونحن نسير في الطريق الذي يؤدي بالعالم إلى بعث جديد نتطلع إليكم لنلتمس عندكم العطف والعون)) 61ـ الشيوعية تعلن الحرب على الإسلام والمسلمين: لم يمض على بيان استعطاف روسيا عام 1917 1 وفي أبريل سنة 1918 أصدر لينين الأمر بالزحف على البلاد الإسلامية وهي تمثل تسعة أعشار مساحة الاتحاد السوفيتي وتشمل: (1) الأورال (2) استرخان (3) سيبيريا (4) القرم (وهي أغنى المناطق بالخيرات الزراعية) (5) القوقاز (وهي أغنى المناطق بالبترول وبعض المعادن) (6) التركستان. ومنها من الثروات البشرية: إمام السنة البخاري رضي الله عنه، المفسر الزمخسري، النسفي ومن أئمة البلاغة وإعجاز القرآن: عبد القاهر الجرجاني، سعد الدين التفتازاني

_ 1 وظهور الماركسية في روسيا يومئذ مجتمع زراعي متخلف كان أول تكذيب عملي لتنبئوات ماركس، الذي تنبأ أن تظهر الشيوعية في مجتمعات متقدمة صناعياً تغلب عليها طبقة العمال مثل ألمانيا وانجلترا..

يوسف السكاكي ومنها الفارابي وابن سينا ومن علماء الرياضة والفلك خالد والباخي ومن علماء الهندسة بنو موسى ومنها البيروني، والماتريدي، والخوارزمي والسرخسي، والجوهري وغيرهم. ومن الثروات المعدنية: 250 منجماً من الذهب، 16 للفضة، 46 للحديد، 32 للرصاص، 34 للبترول، 70 للفحم، 13 للكبريت، 63 للصوديوم.. عدا الأورنيوم، والفرام، والزئبق والنحاس والقصدير والبلاتين. وسارت الجيوش الرسمية.. تبيد القرى والمدن، وتهلك الحرث والنسل واستولت عليها الواحدة تلو الأخرى. واستبسل أحفاد الكرام الصناديد في الدفاع عن ميراث محمد عليه الصلاة والسلام وفي سنة 1921 سقطت جمهورية بخارى بعد قتال مرير، لكنها ظلت بعد ذلك تحارب حرب عصابات مدة عشرين سنة.. لا تمتد لهم يد من أبناء الإسلام.. تبذل دماً أو تبذل مالاً!! ومثلان مما فعلوا في القرم والتركستان: في القرم: مات مائة ألف.. جوعاً وفي تقرير كالينين يشير إلى أن من أصابتهم محنة الجوع في شهر يناير 302000 مات منهم 14413 وفي شهر مارس379000 مات منهم 19902 وفي شهر أبريل 377000 مات منهم 12754

وكان سكان القرم في سنة 1917 5 ملايين.. وكان مفروضاً (طبقاً لتزايد السكان والمسلمين خاصة في كل مكان) أن يبلغوا في سنة 1940 عشرة ملايين أو خمسة عشر لكنهم صاروا في سنة 4001940 ألف فقط. (أي أنهم نقصوا إلى أقل من العشر) وكانت مساجدهم 1558 مسجداً لم يبق منها إلا عشرات!! وفي التركستان: قتلت روسيا سنة 1934.. مائة ألف مسلم ومات ثلاثة ملايين جوعاً!! 62ـ التبشير بالإلحاد أما الوسائل الحالية.. وبعد أن خضعت كل البلاد الإسلامية داخل الاتحاد السوفيتي ولم تعد تسمع فيها إلا همساً.. بل ربما خاف الكثيرون عاقبة الهمس.. فاحتبست الكلمات في صدورهم.. او في حلوقهم.. ولمعت بها عيونهم دمعاً أو دما!! تقيم روسيا الآن معاهد علمية لتخريج دعاة الإلحاد وعن معهد الإلحاد العلمي بأكاديمة العلوم الاجتماعية التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي صدر كتاب به وسائل التبشير الحديثة للإلحاد.. 1ـ ينصح أولا بدراسة منطقة الدعوة والإلمام بالدين والعادات والتقاليد. 2ـ يشير إلى أن المطلوب إيجاد رأي عام إلحادي. 3ـ ينصح باستخدام ((الشيوخ)) المسلمين في نشر الإلحاد بعد استمالتهم وتحويلهم إلى ملاحدة، ويؤكد على من كان له منهم منزلة دينية بين قومه! 4ـ ويلجأ إلى المعلمين.. لنشر الإلحاد بين التلاميذ. 5ـ وإلى الأطباء للتبشر بالإلحاد.

6ـ وإلى النساء لنشر الإلحاد بين بني جنسهن ولتكوين رأي عام ضد الحجاب! وضد تزويج صغار السن من البنات!! وضد الختان!! 7ـ استخدام إنجازات العلم ضد الإسلام مثل التحدث بالوصول إلى القمر.. إلخ وأكثر هذه الوسائل استخدمها الغرب من قبل حين كان يلجأ إلى ((تنصير)) المسلمين.. ثانياً: خارج روسيا 63ـ الإبادة في البلاد التي دخلتها الشيوعية 1ـ ومثل من بلغاريا 1 في معركة خسيسة لتغيير أسماء المسلمين إلى أسماء غير إسلامية طردوا من الأعمال وحرموا من الرزق من رفض التغيير ألقي الآلاف في السجن وتعرض الكثير من النساء والأطفال لنهش الكلاب البوليسية وصدرت أحكام بالاعدام ونفذت. وأخرى بالسجن ونفذت.. 64ـ 2ـ من ألبانيا نسبة المسلمين بها بين 80 % إلى 90 % انضمت أثناء الحرب العالمية مع يوغوسلافيا ضد ايطاليا ثم الائتلاف بينهما ثم انفصلت سنة 1948 ليتولى حكمها اثنان من الشيوعيين

_ 1 - نقلا عن خطاب اتحاد الطلبة المسلمين في شرق أوربا إلى كل من وزير الخارجية السعودي وإلى الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والافتاء بالمملكة العربية السعودية الأول رقم 42 في 15 جمادى الأول سنة 1396، الثاني في 5 جمادى الأول 1396 هـ.

أنور خوجه ـ ويدعى أنه الله ومحمد شيخو ـ ويدعى أنه رسول الله! هدموا المساجد حولوا المناهج الدراسية إلى الاحاد ويسومون المسلمين صنوف الارهاب1 3ـ من الصومال 65ـ بعد الإنقلاب العسكري الذي أعلن به زياد بري حكم الاشتراكية (العلمية) أو الماركسية أصدر بعض القوانين يعدل بها أحكام الإسلام في الميراث فعارضه بعض العلماء فقتلهم حرقا بالنار!!! 66ـ الدعوة إلى الشيوعية في البلاد التي لم تحكمها 1ـ في البداية كانت الشيوعية تعلن رأيها في الدين صراحة أنه ((أفيون الشعوب)) و ((مخدر الفقراء)) وأنه ((انعكاس لشقاء فعلي، واحتجاج على هذا الشقاء. وربما قال قائلهم.. أنهم يقصدون الدين المسيحي ولكنهم بشروا بذلك ـ فيما أعلم ـ في بلاد المسلمين كذلك وقد كان دعاة الشيوعية ـ ولا يزال بعضهم ـ يفتخر بمحادته لله سبحانه وبتركه لشعائر الإسلام، وبممارسته لصنوف الانحلال وكان لايزال من وسائلهم للتبشير اغراق الشخص بالمال والجنس.. حتى يغرق في الطين إلى أذنيه! 2ـ وبدا لهم أن الشيوعية تلقى مقاومة عنيفة من العقيدة لمجاهرتها بالالحاد.. فبدا لهم أن يعدلوا من ((التكتيك)) فبدأ روجيه جارودي فيلسوف الحزب الشيوعي الفرنسي ـ السابق ـ يعلن عن الأمل في تعاون بين المسيحين والشيوعين لبناء المستقبل دون أن نضيع شيئا من ميراث القيم الانسانية

_ 1 - نقلا عن بيان لاتحاد الطلبة المسلمين في شرق أوربا.

(غمزة إلى انها ليست من عند الله) التي جاءت بها المسيحية منذ ألف عام 1 ـ وفي البلاد الإسلامية بوجه خاص فقد صدرت الأوامر إلى دعاة الشيوعية بأن لا تمس الدين وبأن تنادي بالماركسية مذهبا اقتصاديا مع الابقاء على العقيدة الإسلامية بل صدرت الأوامر إلى دعاتها.. بأداء الشعائر الإسلاميةكالصلاة والحج.. إلخ2 ومن هنا شاهد الناس أمثال خالد محي الدين.. وزياد برى الأول يؤدي مناسك الحج والثاني يؤدي مناسك العمرة مع أنهما يعلنان أنهما ماركسيان3 وهكذا عمدت الشيوعية أخيرا إلى تلبيس الحق بالباطل، وإلى محاولة تجزئة الإسلام ـ كتكتيك مرحلي ـ والإعلان بقبول عقيدته وشعائره والاقتباس من الماركسية في مذهبها الاقتصادي.. وذلك حتى تتمكن فتقضي على الدين ((عقيدة)) كما قضت عليه ((شريعة))

_ 1 -ويؤكد ذلك تصريحه في مكان آخر (ص 163) إلى أن الدين جهد إنساني ويعود فيكذب نفسه حين يسمي الحاد الشيوعية بالحاد القرن العشرين ويميزه عن الحاد القرن الثامن عشر (كان علمويا) يقصد علمي ت ص 143، 144 من ماركسية القرن العشرين وراجع ص 202 2 - تقول مجلة كورومويخست السوفيتية الصادرة في أول يناير 64 ((وإذا اقتضت مراحل التحويل الاشتراكي تعايشا مع العقيدة الدينية.. كما هو الحال في المناطق الإسلامية فان هذا الاهتمام هو من قبيل التدبير المؤقت)) وفي مكان آخر ((وفي بعض النظم الاشتراكية الجديدة تجد جماعات من أصحاب المسؤوليات ـ هم اشتراكيون فكرا واقتناعا ـ يمارسون الفرائض الدينية ويؤدونها.. 3 - من رأينا أن يحرم على من أعلن أنه ماركسي أو شيوعي دخول المسجد الحرام لأنه باعلانه هذا يكون قد ارتد عن الإسلام وينطبق عليه قول الله {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} (التوبة) ..

ثالثا: الشيوعية ـ والسياسة.. والإعلام 67ـ مخاطبة القاعدة كانت الشيوعية بادئ الأمر تغزو البلاد الإسلامية من القاعدة فتنشر مذهبها بين الجموع.. مستغلة ما تعرضت وما تتعرض له البلاد الإسلامية من قحط وتجويع بذنوبها أو بفعل أعداء الله فيها.. لتنشغل بلقمة العيش عن التفكير في واقعها الأليم وأمتها الممزقة. ومستغلة كذلك ما تقع فيه بعض الأنظمة الحاكمة من بعد عن العدالة الاجتماعية الإسلامية، ومن ترف داعر ترفل فيه الطبقة الحاكمة، وبؤس بائس تعيشه الطبقات الكادحة. ومستغلة كذلك غيبة الحكم الإسلامي الراشد.. الذي أقامت دعائمه من قبل النبوة الحكيمة والخلافة الرشيدة. ومستغلة فشل الشعارات الوطنية الكاذبة ومعها شعارات الغرب الجوفاء. وهكذا عملت الشيوعية لغزو القاعدة. 68ـ وبدأت معها صريحة.. تعلن كفرها الحادها. فلما اصطدمت بالعقيدة الإسلامية القوية.. تلوت وتلونت.. وادعت مصالحتها للإسلام ومعايشتها لعقيدته، وغذت ذلك روسيا ببضعة أفراد تعلن عن ارسالهم إلى الحج.. وبضعة أفراد آخرين من البلاد الإسلامية تدعوهم إلى روسيا وتطوف بهم بعض المساجد. وقد حكى بعض هؤلاء.. أنه لوحظ أن المصلين في هذه المساجد.. لا يكادون يتغيرون.. فهم في موسكو الذين يصلون وهو في جمهورية أخرى كالقرم أو القوقاز هم الذين يصلون بل لاحظ أكثر من ذلك أن ملابسهم من نوع واحد وأحذيتهم كذلك من نوع واحد. وأستدل من ذلك إلى أنهم أشبه بالفرقة المأجورة لتؤدي دورا فهي تنتقل حيثما يقضي الأمر أن تنتقل كما تنتقل الفرقة المسرحية بين مسرح وآخر!!

وإلى جوار ذلك نصحوا عملاءهم في البلاد الإسلامية بآداء الشعائر واعلان الإسلام (كتكتيك مرحلي) .1 69ـ التغيير من القمة إلى جوار مخاطبة القاعدة.. وهي مستمرة فقد لجأوا أخيرا إلى لعبة الشعوب التي تلعبها الولايات المتحدة الأمريكية جربوا التغيير من القمة..ونجحوا فيه.. ووجدوه سهلا لا يبذلون الكثير فيه بينما تتولى تلك القمة ـ مقابل تعضيدهم لبقائهم في الحكم ـ تتولى عنهم كل شيء.. سلخ الأمة من دينها اشاعة الاباحية والانحلال فيها عن طريق وسائل الإعلام وغيرها من الوسائل وأخيرا اشاعة الالحاد.. شيئا فشيئا ومثل في مصر في الستينات قريب ومثل في الصومال في السبعينات أقرب!! وهم الآن لا يشترطون في القمة التي تتعامل معهم أن تكون معتنقة مبادئهم. بل يكفي أن تلتزم بنشر.. هذه المبادئ. وإن صلت وصامت وزعمت أنها مسلمة!!

_ 1 - راجع هامش الصفحة السابقة

الفصل الثالث: الدعوة الإسلامية في وجه الغزو الفاجر

الفصل الثالث: الدعوة الإسلامية في وجه الغزو الفاجر ((توطئة)) 70ـ تقف الدعوة الإسلامية، ويقف دعاتها.. صامدة في وجه الغزو الفاجر من غرب.. ومن شرق.. تقف موقف الدفاع.. الدفاع ضد ما يوجه إلى الإسلام من انتقاد.. أو ما يوجه إليه من تحطيم.. وفي الكثير يقف الدعاة موقف ((التبرير)) .. حين يهاجم الإسلام لكن الإسلام ((كوسيلة)) لا يكتفي ((بالدفاع)) .. وأدناه ((التبرير)) وهو كهدف و ((مبدأ)) لايقبل التجزئة ولا ((التقطيع)) ولا ((الترقيع)) الذي يريده له أعداء الإسلام لتحطيمه خطوة.. خطوة أو نقضه عروة.. عروة.! ونشير إلى كل في مطلب

المطلب الأول: وسيلة الإسلام

المطلب الأول: وسيلة الإسلام 71ـ قد يقبل الإسلام ((المهادنة)) لكنه لا يقبل ((المداهنة)) وقد يقبل الدفاع.. لكنه لا يرفض الهجوم ولا يتركه كوسيلة للدفاع!

وهو بكل تأكيد لا يقبل التخادل.. ولا التبرير الذي يكشف عن ذلك التخاذل! ذاك ما أعنيه في حديثي عن وسيلة الإسلام.. في مواجهة الزحف الفاجر للشرق الكافر والغرب الحاقد.. على الإسلام ونفصل الكلمات! لا يقبل الإسلام ((المداهنة)) 72ـ المداهنة لون من النفاق.. لا يرضاه الله للدعوة ولا للدعاة قد يقبل منهم. إذا ابتلوا أن يهادنوا، لكن لا يقبل منهم أبدا أن يداهنوا! وفرق بين الأمرين عظيم ... ! لقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أن يهادن.. وكان ذلك بداية الفتح العظيم الذي نزل فيه قول الله سبحانه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً..} وكانت نهايته.. فتح مكة التي نزل بعدها قول الله {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً..} 73ـ ولقد حاول الكفار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يداهن حتى قالوا له.. نعبد إلهك يوما، وتعبد إلهنا يوما ورفض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل الوحي يؤيد رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم. {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ.. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}

ونزل قوله تعالى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} وفي الإسلام دفاع وهجوم 74ـ دفاع قد يقتضيه ((التكتيك)) وهجوم كذلك قد يقتضيه ((التكتيك)) وقد من وسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم الدفاع، وكان من وسائله الهجوم.. والهجوم والدفاع يومئذ دفاع عن الإسلام! وسواء الدفاع والهجوم في المجال الحربي، أو في المجال السياسي و ((الديبلوماسي)) .. فكلاهما مشروع وكما نزل قوله سبحانه وتعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} فقد كان في نهاية آيات القتال قولهك {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً..} {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ..} .. وهو في دفاعه وهجومه لا يعرف التخاذل.. ولا التبرير الذي يكشف عن ذلك التخاذل {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} 75ـ وفي مواجهة أهل الكتاب فإن الله لا ينهانا عن الذين لم يقاتلونا في دينناولم يخوجونا من ديارنا أن نبرهم ونقسط إليهم.. لكنه سبحانه وتعالى ينهانا عن الذين قاتلونا في الدين وأخرجونا من ديارنا أن نتولاهم.. أن نعطيهم شيئا من محبة القلب أو نعطيهم شيئا من مساعدة اليمين ومن ثم فإننا أمام أهل الكتاب..من أهل الغرب أو من غير أهل الغرب

لا نبدؤهم بقتال.. متى كفوا هم عن قتالنا وإخراجنا من ديارنا فإن قاتلونا أو أخرجونا.. فقد أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير! 76ـ وعلى الغرب أن يختار لنفسه.. إما أن يكف عن قتالنا في ديننا.. بحرب عسكرية، أو بحرب فكرية.. وأن يكف عن إخراجنا.. على يده أو على أيدي صنائعه.. فإن فعل فليس في الإسلام ما ينهانا عن بره والإقساط إليه.. وإلا.. فإنه يعرف الأخرى! أما الشرق الكافر.. فإننا نبشره من الآن.. ليس بيننا وبينه غير القتال.. القتال دفاعا لاخراجه من تسعة أعشار أرضه التي احتلها واغتصبها من أيدي المسلمين.. والقتال هجوما.. باعتباره عقبة في طريق الدعوة الإسلامية وليس لنا معه طريق ثان.. هكذا.. وبصراحة..! وعلى الذين يتولونه.. أن يعلموا أنهم منه.. وأن قتالهم.. كقتاله فرض..! والله متم نوره ولو كره الكافرون

المطلب الثاني: هدف الإسلام

المطلب الثاني: هدف الإسلام 77ـ حديثنا في المطلب الأول كان عن وسيلة الإسلام.. إنه لا يقبل المداهنة وإن قبل المهادنة، ولا يقبل التخاذل وإن وقف موقف الدفاع حينا وموقف الهجوم حينا آخر!

وحديثنا في هذا المطلب عن هدف الإسلام.. إنه لا يقبل التجزئة ولا الترقيع بل لابد أن يكون الدين كله لله.. فذاك هدفه! أولا: الدين كله لله 78ـ الله خلق الخلق كله.. فأخضع بعضه جبرا وقسرا.. يسبح بحمده، ويسير وفق ناموسه وجعل للبعض الآخر الاختيار.. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وأنزل لمن جعل له الاختيار نظاما كاملا لحياته.. وأنزل مع آخر آيات القرآن {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} فصار الإسلام الذي رضيه لنا هو هذا الدين الكامل.. نتعبد الله به.. أفرادا نتعبد الله به.. أسرا نتعبد الله به.. مجتمعات ـ ويتقرر بناء على ذلك الثواب والعقاب في الآخرة والآخرة خير وأبقى. 79ـ وهو بالنسبة للجميع منهج كامل.. يشمل الحياة كلها.. حتى ليتناول الانسان في حياته وفي موته.. في يقظته وفي نومه.. في عسره وفي يسره.. يجمل الحكم أحيانا.. ليدع مجالا للاجتهاد في ظل ذلك الخط الرئيسي ويفصل الحكم أحيانا.. حتى لا يدع مجالا للاجتهاد لأحد.. فما يختلف أحد حول الحكم الذي جاء.. لأن حكمة الله.. أن مثل هذا الحكم لا يتغير بتغير المكان أو الزمان وهو بهذا..

دواء متكامل.. فيه الشفاء للانسانية من كل أمراضها وبناء متكامل.. يناسب أجواء البشرية، ويقيها صروف كل تغير قد يرد عليها وهو بهذا.. لا يقبل التجزئة ولا التفرقة.. ثانيا: لا تجزئة ولا تفرقة 80ـ مضت حكمة الله.. أن يكون الدين دواء متكاملا، وبناء متكاملا.. ومنهجا شاملا يلف الحياة كلها.. وهو بهذا لا يقبل التجزئة ولا التفرقة ووردت النصوص تنهى عن تلك التفرقة.. وتعتبر تجزئة الدين.. كفرا.. وفتنة.. وجاهلية.. ـ فقرأنا قول الله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ..} ـ وقرأنا قول الله: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} ـ وقرأنا قول الله معقبا على التجزئة {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 81ـ وأدركنا بفضل الله بعض الحكمة إن تجزئة شريعة الله ودينه.. قد يكون هو الطريق لهدم الدين كله ومن هنا كانت خطورته.. أنه يتم خطوة.. خطوة.. دون أن يحس الناس.. ثم إن الدواء المتكامل.. قد ينجد بإذن الله في شفاء المريض أما بتر الدواء.. فقد لا ينجح في الشفاء.. بل قد يؤدي إلى تفاقم المرض.

82ـ ولقد كان لنا من التاريخ عبرة إن التتار حين غزوا أرض الإسلام أرادوا أن يقيموا حكما بعضه من الإسلام وبعضه من عندهم أو من شرائع أخرى.. فقضت يقظة علماء الإسلام ـ بفضل الله ـ على هذه الفتنة.. إذ اجتمعوا فأجمعواعلى رفض ذلك الميثاق ((الياسق)) وأفتوا بكفر من قبله.. ومن ثم.. انتهت الفتنة. ودخل التتار في الإسلام.. بدلا من أن يخرجوا المسلمين من الإسلام! ومن هنا كان لنا مع كل من الغرب والشرق كلمة.. كلمتنا للغرب.. 83ـ وهي ليست للغرب وحده.. إنها كذلك.. لصنائعه هنا ممن هم جلدتنا ويتكلمون بلساننا! إننا لانقبل النقل الأعمى لأن ذلك.. أولا ـ ضد طبائع الأشياء.. فإن النبات يأخذ باختيارفيتخير النخيل ما لا يتخيره البرتقال من عناصر التربة.. أفلا يكون ذلك لمن ميزه الله بالارادة والاختيار! ثانيا ـ ضد الأصالة.. فإن الأمم الأصيلة تستمسك بتراثها.. استمساكها باستقلالها.. وبغير ذلك تذوب شخصيتها.. والتاريخ خير شاهد.. الأمم التي استمسكت بتراثها.. ظلت حية.. والأمم التي ذابت في الغزاة، ماتت وانمحت شخصيتها ثالثا ـ لأن ما عندنا خير وأبقى..

والذين أحسنوا دراسة التاريخ.. والذين أنصفوا من أنفسهم من أبناء الغرب يعلمون أن ما عندهم من خير.. كان نقلا من الشرق الإسلامي.. إبان الحروب الصليبية ومن خلال الأندلس.. وجزر البحر الأبيض المتوسط الإسلامية! لكن المسلمين.. تركوا.. الجواهر في خزائنهم.. وراحوا يتكففون الناس.. فيأخذون فتات الموائد.. من الغرب ومن.. الشرق!! 84ـ وإن الهجمة الأثيمة على قيم الإسلام تسندها السترات العسكرية المحلية في أكثر بلاد الإسلام.. هذه الهجمة الأثيمة متمثلة في علمانية التعليم والإعلام والقانون ومتمثلة في إثارة القوميات ومتمثلة في استخدام المرأة المسلمة مطية لنشر الانحلال ولهدم البيت المسلم من قواعده.. هذه الهجمة الأثيمة بما يساندها من حكم الدكتاتوريات العسكرية .. قد انكشف أمرها.. وهتك سترها.. وبدا للناس اثمها وسرها ثم أنه لابد لها من رد فعل مساو لها في القوة.. ومضاد لها في الاتجاه.. وفعلها بشري ورد الفعل لها.. بشري.. تسنده قوة السماء.. ومن ذا يهزم قوة السماء..؟! 85ـ فليكف الغرب عن حربنا في ديننا قبل أن يفقد مصالحه الاقتصادية.. بعد أن فقد أماكنه وقواعده العسكرية.. وليعلم أن أبناء الإسلام.. إن كفوا عن حربهم في دينهم أقرب إليهم من أبناء ماركس الذين يسحبون البساط من تحت أقدام الغربيين.. في أماكن كثيرة.. ولن يرحموهم.. يوم يسقطون! 86ـ أما كلمتنا للشرق الكافر ولمن يدينون له.. ممن يحملون أسماء المسلمين أو أسماء العرب فإنها:

أولا: إننا لانقبل اللعبة الأخيرة الحقيرة.. في الفصل بين العقيدة والنظام فالإسلام عقيدة ونظام.. يعالج الفرد والمجتمع والأسرة ويعالج شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع والتخلي عن النظام كالتخلي عن العقيدة سواء بسواء بل هو تخل عن العقيدة نفسها لأن من عقيدة الإسلام أن الله هو الحاكم والمشرع كما أنه الخالق والرازق والأخذ بحكم الشرق وشرعه في الاقتصاد أو في غيره.. معناه التخلي عن جزء من العقيدة أن الله هو الحاكم! فضلا عن النهي الذي قدمنا عند الحديث عن رفض التجزئة والتفرقة. وثانيا: إن الحرب بيننا وبين الكفر سجال ليس فقط داخل ديارنا.. لنطهرها من الكفرة الفجرة بل كذلك خارج ديارنا.. لنكبح جماح الكفر الذي يستبدل أبناء المسلمين ولنحرر أولئك المسلمين من نير الاستعباد الشيوعي الكافر! والجهاد في هذه الحالة فرض عين حتى تتطهر أرض البخاري والإمام مسلم.. وغيرهم وغيرها من أراضي الإسلام..! وإن جندنا لهم الغالبون والحمد لله رب العالمين..

توصيات المؤتمر

توصيات المؤتمر مدخل ... توصيات المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. إن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة انطلاقا من أهدافها السامية في تبليغ رسالة الإسلام الخالدة إلى العالم عن طريق الدعوة وفي غرس الروح الإسلامية وتنميتها وتعميق التدين العملي في حياة الفرد والمجتمع المبني على إخلاص العبادة لله وحده وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. دعت إلى عقد مؤتمر عالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة بهدف إلى: ـ أولا: التعريف بالدعوة الإسلامية ومنهاجها الأقوم في توجيه الحياة الإنسانية في كل جوانبها على غايتها الفاضلة التي يسعد بها الإنسان في دنياه وأخراه، وفي توجيه بناء حضارتها بناء متكاملا يلبي دائما مطالب الجسم والروح معا. ثانيا: الأخذ بأفضل المناهج العلمية وأساليب العملية في إعداد الدعاة، وتمكينهم من أداء رسالتهم. ثالثا: التطوير العلمي لأساليب الدعوة على ضوء النتائج العملية في حقل الدعوة. رابعا: دراسة المشاكل والصعوبات التي تعترض مسار الدعوة والعمل على حلها بالوسائل الممكنة.

خامسا: تقوية سبل الاتصال والتعاون بين الهيئات والمؤسسات المعنية بالدعوة الإسلامية، والتنسيق العام لجهود المبذولة في هذا الميدان على الصعيد العالمي، وتنظيم سبل التعاون الإيجابي بين الدعاة. سادسا: تعزيز الدعوة الإسلامية والتمكين لها من مواجهة التحديات المعادية والتيارات المضادة للإسلام وصدها. سابعا: المتابعة العلمية لحركة الدعوة الإسلامية وملاحظة اتجاهاتها وتقويم نتائجها وآثارها والعمل المشترك على تعزيزها وتعميق مسارها وتحقيق أهدافها. وقد تم بعون الله وتوفيقه عقده في مقر الجامعة في طيبة الطيبة دار هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعاصمة الإسلام الأولى في الفترة من 24 إلى 29 صفر 1397 هـ واشترك فيه علماء ودعاة من نحو سبعين قطر من أقطار العالم هي: ـ الأردن ـ إريتريا ـ أثيوبيا ـ الأرجنتين ـ أسبانيا ـ أستراليا ـ أفغانستان ـ ألمانيا الغربية ـ الإمارات العربية ـ إندونيسيا ـ إيران ـ إيطاليا ـ باكستان ـ البحرين ـ البرازيل ـ بريطانيا ـ البرتغال ـ بلجيكا ـ تايلند ـ تركيا ـ تشيلي ـ تنزانيا ـ تونس ـ الجابون ـ جامبيا ـ الجزائر ـ جزر القمر ـ جنوب إفريقيا ـ الدانمارك ـ روديسيا ـ زائير ـ ساحل العاج ـ السنغال ـ السودان ـ سوريا ـ سيلان ـ سيراليون ـ العراق ـ عمان ـ غانا ـ الفلبين ـ فلتا العليا ـ فلسطين ـ قطر ـ كندا ـ الكويت ـ الكنغو برازفيل ـ كينيا ـ لبنان ـ ليبيا ـ ليبيريا ـ مالي ـ ماليزيا ـ محلديب ـ مدغشقر ـ مصر ـ المغرب ـ موريتانيا ـ موريشيس ـ موزمبيق ـ نيبال ـ نيجيريا ـ الهند ـ هولندا ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ اليابان ـ اليمن ـ يوغوسلافيا ـ اليونان. كما حضر وشارك في أعماله علماء ودعاة كثيرون من المملكة العربية السعودية وقد انبثق عن المؤتمر خمس لجان لبحث الموضوعات الرئيسية التالية: ـ (1) مناهج الدعوة الإسلامية ووسائلها وأساليبها وسبل تعزيزها وتطوير أدائها بما يحقق أهدافها في عالمنا المعاصر.

(1) إعداد الدعاة. (2) مشاكل الدعوة والدعاة في العصر الحديث ووسائل التغلب عليها. (3) وسائل الإعلام ودورها في توجيه الأفراد والجماعات والمجتمعات وآثارها المضادة للدعوة الإسلامية وما يجب اتخاذه بازائها. (4) الدعوات والاتجاهات المضادة للإسلام وسبل مقاومتها. وقد انتهى المؤتمرون على التوصيات التالية: ـ

في مجال الدعوة الإسلامية ووسائلها وأساليبها وسبل تعزيزها وتطوير أدائها

في مجال الدعوة الإسلامية ووسائلها وأساليبها وسبل تعزيزها وتطوير أدائها بما يحقق أهدافها في عالمنا المعاصر: انطلاقا من الإيمان بأن الإسلام نظام متكامل ينبثق من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهو منهج الحياة يشمل العقيدة والشريعة والسلوك، ودعوته تقوم على الحكمة والموعظة الحسنة والمسلمون مكلفون بالسير على منهج سلفهم الصالح في الدعوة إلى دينهم وحراسة تراثهم ولغتهم وقيمهم الرفيعة: ـ يوصى المؤتمر بما يلي: (1) مطالبة الحكومات الإسلامية كلها بنبذ القوانين الوضعية والعودة إلى الشريعة الإسلامية {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (2) التأكيد على وزارات التربية والتعليم في البلاد الإسلامية بتوجيه مزيد من العناية بالقرآن الكريم حفظا وتجويدا ودراسة، وأن تجعل ذلك مادة أساسية وإجبارية في جميع أنواع التعليم ومراحله ربطا للأمة بكتابها العظيم وحفظا لعقيدتها وأخلاقها. تحذير المسلمين من أعداء السنة الذين يزعمون أن القرآن وحده يكفي في التشريع والاعتقاد والعبادات، فإن هؤلاء أعداء للكتاب والسنة جميعا، والمسلمون يجمعون على أن الإسلام يقوم على الكتاب والسنة معا.. كما

(1) قال تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} والواقع أنه من لم يؤمن بالسنة لم يؤمن بالقرآن. (2) تنقية مناهج التربية والتعليم ووضعها على أسس إسلامية خالصة والعناية بإعادة كتابة التاريخ الإسلامي بما يبرز أمجاد هذه الأمة بشكل صحيح، وتعميم الدراسات الإسلامية كمادة إجبارية في الجامعات. (3) إحياء نظام الحسبة في الإسلام وذلك يجعل المجتمع يتحرك في نطاق التعاليم الإسلامية، فتهتم الأمة بإقامة الصلوات وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائر شعائر الإسلام وأحكامه. (4) توجيه العناية الخاصة بالشباب المسلم وتوفير كافة الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية وإقامة المعسكرات التي تنميه داخل الإطار الإسلامي. (5) الاهتمام الخاص بالمرأة من حيث التربية الدينية والثقافة الإسلامية حتى تكون قادرة على القيام بوظيفتها وأداء رسالتها في الحياة. (6) الاتصال بالجهات المعنية لإنشاء مساجد في كل الجامعات والمعاهد والمصانع وسائر المؤسسات كما تطالب السفارات الإسلامية في الخارج بإنشاء مساجد في مقارها إظهارا لشعائر الإسلام وحفاظا عليها. (7) العناية بالتوعية الدينية في القوات المسلحة الإسلامية وإنشاء المساجد في ثكناتهم وأماكن تجمعاتهم واختيار أئمة قادرين على التوجيه السليم ومحاربة المذاهب الهدامة. (8) مطالبة أمانة المؤتمر الإسلامي بجده بإنشاء مسجد في مقر الأمم المتحدة إذ أنه لا يليق أن يسبق اليهود والنصارى إلى إنشاء معبد وكنيسة لهم ويتأخر المسلمون في إقامة بيت الله ويأمل المؤتمر من حكومة المملكة العربية السعودية أن تبادر بذلك. (9) توحيد يوم العطلة في العالم الإسلامي وجعله يوم الجمعة لا يوم الأحد. واحترام التاريخ الهجري والأخذ به وجعله سابقا على التاريخ الميلادي.

(1) مناشدة الدول الإسلامية أن يكون سفراؤها ممن يمثل الإسلام في خلقه وعمله وأن يعين بكل سفارة ملحق ديني يكون مسؤولا عن شؤون الدعوة. (2) تعبئة أشرطة علمية تختار بعناية لنشر العقيدة الصحيحة والتعاليم الإسلامية بين الشعوب خصوصا في إفريقيا ويكون ذلك باللغات المحلية وبعض اللغات العالمية الشائعة. (3) حث الدول الإسلامية على التعاون في بعث الدعاة للبلاد المحتاجة على أن تقدم البلاد التي لديها طاقات بشرية الدعاة. وتقدم البلاد التي لديها القدرة المالية النفقة. (4) تشجيع الجامعيين المتخصصين في الدعوة بالمخصصات المالية المناسبة والحوافز التشجيعية لاستمرارهم في عملهم ورفع مستوى الدعاة بصفة عامة. (5) حث الحكومات الإسلامية على تخصيص مبالغ في ميزانياتها لنشر الدعوة الإسلامية.

في مجال إعداد الدعاة

في مجال ((إعداد الدعاة)) الداعية هو العنصر الفعال في الدعوة، ولا تنتصر الدعوة إلا بالداعية الذي يؤمن بها ويحسن عرضها، ويكون نموذجا حيا لتعاليمها. ولهذا تجب العناية بإعداده لأداء رسالته إعدادا متكاملا من جميع الجوانب، وفي ضوء هذه الأهمية للداعية يوصي المؤتمر بما يلي: (1) ـ العناية بالإعداد العلمي والثقافي للداعية، حتى تكون دعوته على بصيرة، كما أمر الله، بحيث يعرف دعوته، ويعرف عصره، ويعرف من يدعو، وكيف يدعو. وذلك عن طريق منهج متكامل، تشترك في وضعه لجنة من كبار العلماء والدعاة في العالم الإسلامي على أن تتوافر فيه المقومات التالية: أـ دراسة إسلامية مؤسسة على كتاب الله وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح مع العناية بالسيرة النبوية، والحذر من الأحاديث الموضوعة والواهية. ب ـ دراسة لغوية وأدبية تعين على فهم الإسلام، وحسن عرضه بأسلوب بليغ.

ج ـ دراسة التاريخ الإسلامي، بما فيه من أمجاد وبطولات، واستخلاص العبر منه، وخصوصا من سير الأبطال ورجال الفكر والدعوة في الإسلام، مع التحذير من الزيف والتحريف الذي شاب هذا التاريخ قديما وحديثا. د ـ القدر المناسب من الثقافة العامة، والعلوم الحديثة، وبخاصة العلوم الإنسانية، على أن يدرسها من يوثق بدينه عقيدة وعملا. هـ دراسة الأديان والمذاهب المعاصرة، وحاضر العالم الإسلامي وإبراز قضاياه، والقوى المعادية للإسلام، والفرق المنشقة عليه. بحيث يعرف الداعية من معه ومن عليه. وـ دراسة اللغات الأجنبية حتى يستطيع الدعاة تبليغ رسالة الله بكل لسان تحقيقا لعالمية الرسالة. (2) العناية بالجانب الخلقي للداعية، وذلك بغرس معاني الإيمان وتثبيتها في نفسه، والعمل على إنشاء مناخ إيجابي يعينه على أن يحيا حياة إسلامية قويمة، فإن الداعية يؤثر بخلقه وسلوكه أكثر مما يؤثر بقلمه ولسانه. (3) إنشاء مدارس ثانوية للدعوة لتربية الدعاة في سن مبكرة مع ضرورة دعم المدارس الموجودة حاليا وبخاصة الموجودة في الأماكن التي فيها النشاط المكثف للحركات المناوئة للإسلام. (4) إنشاء كليات للدعوة في جهات متعددة من العالم. كلما أمكن ذلك لإعداد الدعاة حسب المناطق التي سيقومون بالدعوة فيها ولسد حاجة كل منطقة حسب متطلباتها. (5) التنسيق بين كليات الدعوة القائمة حاليا لتوحيد الأهداف والخطط والمناهج والأعمال بالتعاون مع المؤسسات والهيئات القائمة بالدعوة. (1) إدخال مادة الثقافة الإسلامية في الكليات الجامعية في البلاد الإسلامية على أن تتضمن التعريف بالإسلام عقيدة وعبادة وأحكاما وأخلاقا مع اشتمالها على دراسة واقع الأمة الإسلامية وقضاياها.

(1) التدقيق في اختيار أصلح المتقدمين للالتحاق بمدارس وكليات الدعوة ممن يتوافر الاستعداد المطلوب للداعية من حيث المواهب والصفات الخلقية والخلقية. (2) تشجيع الطلاب المتقدمين لمدارس وكليات الدعوة بمزايا تعينهم على الالتحاق والاستمرار في دراسة علوم الدعوة. (3) العناية بانتقاء أساتذة كليات الدعوة من أناس يؤثرون بالقدوة كما يؤثرون بالكلمة بأن يكونوا رجال علم ودعوة معا. (4) تنظيم دورات تدريبية لمجموعات من الدعاة يمارسون من خلالها مهام الدعوة بطريقة علمية مدروسة مع التعمق في العلوم الإسلامية وتزويد الدارسين بالثقافة العامة الضرورية لمواجهة التيارات المعادية للإسلام. (5) إقامة دورات تدريبية في مجال الدعوة لغير المتفرغين من الراغبين في العمل للدعوة كالأطباء والمعلمين والمهندسين والتجار وغيرهم. (6) تنظيم لقاءات إسلامية للدعاة للتعارف وتبادل الخبرات ممن يمكنهم من الوقوف على إيجابيات والسلبيات في المناطق التي يدعون فيها. (7) تزويد الدعاة بما يمكنهم من الوقوف على المذاهب المنحرفة والمبادئ الهدامة لمواجهة التحديات والتيارات المعادية للإسلام. (8) دعم مراكز والهيئات الإسلامية الموجودة حالياً مع إنشاء مراكز جديدة في البلاد التي بها أقليات مسلمة لإمداد الدعاة بما يحتاجون إليه في أداء رسالتهم. (9) تزويد مراكز وهيئات الدعوة بالكتب المناسبة والنشرات المتعلقة بالدعوة وأحوال العالم الإسلامي، وإمدادها بالأشرطة التي تسجل فيها محاضرات لكبار المفكرين الإسلاميين. (10) دعوة الجامعات في البلاد الإسلامية بأن تخصص منحاً دراسية لأبناء الأقليات الإسلامية ليتلقوا علومهم في الكليات النظرية والعملية كالطب والهندسة وغيرهما.

(1) الاهتمام بإعداد الداعيات المسلمات، نظراً لخطورة الميدان النسائي، وتأثير المرأة في الأسرة والمجتمع، واستغلال الحركات الهدامة، والقوى المناوئة للإسلام له، وحرصها على غزوه وكسبه في صفها. (2) تدريب طلاب كليات وأقسام الدعوة على ممارسة الدعوة إلى الله ممارسة عملية على غرار ما يتم في كليات التربية ودور إعداد المعلمين.

في مجال مشاكل الدعوة والدعاة

في مجال مشاكل الدعوة والدعاة: أولاً: تظهر بين الدعاة أفراداً وجماعات خلافات متنوعة منها ما هو في أمور العقيدة ومنها ما هو في فروع الفقه ومنها ما هو في أسلوب العمل ولذلك فإن المؤتمر يوصي بما يلي:- 1ـ اعتماد القرآن والسنة في مجال الدعوة أساساً وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم منهاجاً، وتربية المسلمين تربية عملية على عقيدة التوحيد الخالص الخالي من البدع والخرافات. 2ـ توكيد أن الخلافات الفرعية لا يجوز أن تكون مثار خصومة وشقاق وأن توحيد الصف الإسلامي فريضة لازمة تجاه الخصوم الكثيرين الذين تألبوا عليه. 3ـ وضع مناهج عمل مشتركة لتوحيد المفاهيم والأفكار لدى الدعاة على ضوء الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح من قبل لجان متخصصة تدعو إليها أمانة المؤتمر تشترك فيها بعض الحركات والهيئات الإسلامية العاملة في ميدان الدعوة. ثانياً: إن نقص المعلومات المختلفة في العالم لدى الداعية يقلل من أثر الدعوة ويفقد الدعاة مادة حية لمعالجة أسلوب دعوتهم بما يكفل نجاحها سواء أكانت معلومات جغرافية أو سياسية أو اقتصادية عن بلدان العالم أو عن السكان عدداً ونوعاً أو عن أحوال المسلمين في بلدان العالم الإسلامي أو الأقليات ويوصي المؤتمر بما يلي:- 1ـ العمل على إقامة مراكز معلومات متكاملة تضم معلومات عن العالم وعن الحركات الإسلامية وأحوال المسلمين مستفيدة مما توصل إليه العلم الحديث في تجميعها وتصنيفها.

2ـ توفير هذه المعلومات للمتخصصين لتحليلها وتوفير خلاصات عنها توضع تحت تصرف الدعاة أفراداً وجماعات وهيئات شعبية ورسمية. 3ـ تقوم المراكز بإحصاء الكفايات في مجال الدعوة الإسلامية والعمل على الاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن داخل بلادها وخارجها. 4ـ وعلى المراكز تقديم تجارب الحركات الإسلامية في العصر الحديث للعاملين في ميدان الدعوة. ثالثا: إن غياب المجتمع الإسلامي الذي يكون نموذجاً حياً لأنظمة الإسلام يمثل عقبة صعبة أمام الدعوة، ولكي يقام هذا المجتمع يوصي المؤتمر بالتركيز على مايلي:- 1ـ التركيز على إنشاء المدارس والمؤسسات التعليمية لصياغة المجتمع الإسلامي من خلالها. 2ـ الإهابة بالحركات الإسلامية بوضع برامج بعيدة المدى ذات أهداف مرحلية لإنشاء مجتمعات صغيرة نموذجية في ميدان عملها تشتمل على محاضن أولية للعاملين للإسلام. 3ـ مناشدة الهيئات ومنظمات الشباب والطلاب تبنِّي برامج تدريب وصقل لتوفير طاقات وعناصر قيادية للدعوة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

في مجال وسائل الإعلام

في مجال وسائل الإعلام: إن المؤتمرين إذ يقدرون الأثر الخطير لوسائل الإعلام في العصر الحديث ودورها في توجيه الأفراد والجماعات والمجتمعات.. الأمر الذي طويت معه المسافات وتلاشت معه الحدود والذي صار سلاحاً خطيراً تمارسه الدعوات الباطلة بلوغا لأهدافها وغزواً لأوطان غير أوطانها فإنهم في الوقت نفسه يدركون ما تتعرض له أمتنا من غزو إعلامي خطير من الشرق ومن الغرب كل يروج لتجارته وينتصر لمبادئه وعقائده. ويندد المؤتمر بالهوة السحيقة التي تردَّى إليها إعلامنا ولا يزال يتردى عن جهل من القائمين به أو عليه أو عن علم منهم.. فبدلاً من أن يكون الإعلام في البلاد

الإسلامية منارة إشعاع للحق، ومنبر دعوة إلى الخير صار صوت إفساد وسوط عذاب، وخفت صوت الدعوة والدعاة وسط ضجيج الإعلام الفاسد، وسكت القادة فأقروا بسكوتهم أو جاوزوا ذلك فشجعوا وحموا، ورجحت كفة الفساد على كفة الدعوة إلى الله وزلزل الناس في إيمانهم وأخلاقهم وقيمهم ومثلهم.. ولم يعد الأمر يحتمل السكوت من الدعاة إلى الحق. ومؤتمر الدعوة والدعاة يرفع صوته عاليا لأولي الأمر من الملوك والرؤساء والأمراء في الأمة الإسلامية كلها: أولا: ليصدروا أوامرهم صريحة إلى أجهزة الإعلام المختلفة ليتقوا الله في الكلمة المنشورة أو المسموعة أو في القصة المكتوبة أو المصورة.. في كل ما يصدر عنهم فيمتنعوا فيه عن الفساد أو الإفساد.. فالحلال بين والحرام بين. وأن يطهروا وسائل الإعلام كلها من إبراز صور النساء لكونها تضر بالمجتمع وتفتنه في عقيدته وأخلاقه. ثانيا: ليصدروا أوامرهم صريحة إلى أجهزة الإعلام المختلفة أن تستقي فيما تقدم من المعين الرباني الصافي ومن الثقافة الإسلامية والمعارف الإنسانية الجادة بحيث يتميز الإعلام الإسلامي بشخصية مستقلة عن سائر أنواع الإعلام العالمية الأخرى. ثالثا: أن تهتم أجهزة الإعلام المختلفة ـ إلى جانب استقائها من المعين الإسلامي ـ بردِّ الشبه والدعاوى الباطلة الموجهة ضد الإسلام على مستوى العالم كله وأن تولي الأقليات الإسلامية أهمية خاصة وأن يكون البث الإعلامي لا على مستوى البث المضاد بل أرفع منه وبتخطيط علمي مدروس. رابعا: يراعى اختيار المناهج الصالحة إسلاميا للبث الإعلامي، كما يراعى التوازن بين مناهج التربية وبرامج الترويح المباح بما يضمن عدم طغيان الأخيرة على الأولى، ويركز على وجه الخصوص الاهتمام بالقرآن المرتل مع برامج العقيدة والأخلاق إلى جانب الاهتمام باللغة العربية

الفصحى أداء ونشرا وتعليما للأقطار الإسلامية الناطقة بها وشقيقاتها غير الناطقة بها.. وفي كل الأحوال ينبغي التقليل من أوقات الإرسال بما يساعد على حسن أداء الشعائر الإسلامية وبما يتناسب مع حاجة الطلاب إلى التحصيل والمذاكرة. خامسا: أن تنشأ في البلاد الإسلامية كليات للإعلام الإسلامي وكذلك أقسام للإعلام الإسلامي تتبع الكليات المناسبة لإعداد رجل الإعلام المسلم الصالح الذي يستطيع أن يمد هذا الجهاز الخطير من المعين الإسلامي الصافي.. وحتى تقام هذه الكليات والأقسام لا بد أن تسارع الجامعات الإسلامية القائمة بإدخال مادة الإعلام الإسلامي مع مواد كليات الشريعة والدعوة والقرآن وأصول الدين بالإضافة إلى المواد الإسلامية الحديثة كالفقه السياسي والاقتصاد السياسي وكذلك مادة الغزو الفكري الحديث. سادساً: يختار رجل الإعلام ممن يطمأن إلى عقيدته وخلقه وسلوكه مع إعداد دورات علمية إسلامية لرجال الإعلام. سابعا: دعم الصالح من الصحافة الإسلامية القائمة، وكذلك وكالات الأنباء الإسلامية والإذاعات الإسلامية المتخصصة، وإنشاء إذاعة عالمية إسلامية ومطابع حديثة كاملة تصدر الكتب الإسلامية والنشرات الإعلامية مع استئجار مساحات في الصحف الأجنبية لنشر الدعوة الإسلامية عن طريقها. ثامنا: إصدار صحف دورية متخصصة في كل دولة إسلامية تعرض لمشكلات العالم الإسلامي وتدافع عن قضاياه وتبرز المظالم الواقعة على المسلمين المضطهدين بعامة والأقليات المسلمة بوجه خاص. تاسعا: بما أن المنبر لا يزال له مكان الإعلام الأول فينبغي الاهتمام الزائد بالمسجد وإمامه علميا وأدبيا وماديا مع التركيز على حسن اختيار الأئمة والخطباء الأكفاء وإقامة دورات لهم بما يجعلهم موضع القدوة للمجتمع كله.

عاشرا: العمل على رعاية الإعلام الإسلامي المتخصص للناشئة نشرا وصحافة وبثّّا إذاعيا وتلفزيونيا.. رعاية إسلامية كاملة. حادي عشر: إنشاء ((نادي القلم الإسلامي)) يضم حامل الأقلام الإسلامية في مواجهة النوادي المنحرفة عقيدة وخلقا. ثاني عشر: إنشاء اتحاد عام للصحافة الإسلامية لتيسير تبادل الأنباء والموضوعات والأحداث الإسلامية العالمية. ثالث عشر: مواجهة خطر الكنائس والمدارس التبشيرية ومناشدة القادة المسلمين بالتخلص منها وعدم السماح بإنشائها والترخيص لها وخاصة في دول الخليج وبقية دول الجزيرة. رابع عشر: إنشاء رقابة في كل دولة إسلامية على الصحف والمجلات والأفلام والمسرحيات حتى تسير على منهج إسلامي. خامس عشر: ونظراً للتعتيم الإعلامي على أخبار العالم الإسلامي فإن المؤتمر يرى أن تقوم رابطة العالم الإسلامي بإنشاء مركز إعلامي يستعين بمعطيات العلم الحديث في أدوات الاتصال ((التلكس وغيره)) ويعتمد في معلوماته على الحركات والجمعيات الإسلامية ومنظمات الشباب والطلاب والدعاة أفراداً وجماعات مع وضع فروع رئيسية في أماكن مهمة لرصد الأخبار والمعلومات وتبليغها فوراً إلى المركز الذي يتولى توزيعها إلى المنظمات والجمعيات.

في مجال الدعوات والاتجهات المضادة للإسلام

في مجال الدعوات والاتجهات المضادة للإسلام: أولا: يرى المؤتمر اعتبار الدعوات والاتجاهات الآتية مضادة للإسلام: الباطنية، البهائية، القاديانية (الأحمدية) ، التبشير والاستشراق، الرأسمالية الطاغية، الاشتراكية، الشيوعية، الماسونية، اليهودية العالمية (الصهيونية) ، العلمانية، القومية، الإباحية والوجودية.

ثانيا: يوصي المؤتمر بما يلي: 1ـ دعوة الحكومات الإسلامية إلى حل الأحزاب الشيوعية والأحزاب الأخرى المعادية للإسلام وحل الجماعات البهائية والقاديانية والماسونية بفروعها وما شاكلها والقضاء على نشاطها حماية للمسلين من فتنتهم. 2ـ الدعوة إلى تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي الذي جاء به الإسلام عملا بشرع الله وإغلاقا للبواب أمام الدعوات المادية المضادة للإسلام. 3ـ يستنكر المؤتمر التشكيك في نسخ الإسلام للشرائع السابقة فإن الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده ولا يقبل من أحد سواه وهذا مما لا خلاف فيه بين علماء الإسلام وهو المعلوم من الدين بالضرورة كما قال الله تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} كما يستنكر استغلال التسامح الديني الذي يتميز به الإسلام لإزالة الفوارق بين الأديان واختلاط الكفر والإيمان وتسوية التوحيد بالتثليث. 4ـ توعية المسلمين لإخراجهم من موقف الضعف والمدافعة إلى موقف القوة والمجابهة. 5ـ مناشدة الأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي بجده للاتصال بالدول الأعضاء في المؤتمر والأعضاء في هيئة الأمم لكي يعملوا على تمكين المسلمين الذين يعيشون تحت ظل حكم شيوعي من ممارسة شعائر دينهم وإطلاق الحرية الدينية لهم تنفيذا لما جاء في اتفاقية هلسنكي عام 1976، وكذلك العمل على تمكين المسلمين الذين يعيشون في ظل حكم آخر غير إسلامي من ذلك. 6ـ تحذير المسلمين من الدعوة المشبوهة التي روجها أعداء الإسلام لتحديد النسل واستنكار ما تقوم به بعض الحكومات من إجبار المسلمين على تحديد نسلهم بطريق التعقيم الإجباري.

7ـ منع الاختلاط بين الجنسين لصيانة أخلاق المجتمع الإسلامي وإزالة المفاهيم الخاطئة التي روج لها أعداء الإسلام باسم تحرير المرأة. 8ـ العناية باللغة العربية والعمل على نشرها على أوسع نطاق بين المسلمين والتحذير من الدعوات المشبوهة لترويج العامية واستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية. 9ـ توصية الدول الإسلامية والعربية منها خاصة بإنشاء مراكز ثقافية في مختلف دول العالم لتعليم اللغة العربية ونشر الثقافة الإسلامية. 10ـ يوصي المؤتمر الحكومة السعودية بتبني مشروع دائرة معارف إسلامية على الأساليب العلمية السليمة لتكون مرجعا إسلاميا أصيلا مع العناية ببيان أخطار دائرة المعارف الإسلامية التي وضعها المستشرقون والتي هي حافلة بالأغلاط والمغالطات العلمية في طريقة البحث ومناهجه ومادته فضلا عما فيها من الافتراء على الإسلام وحضارته وتاريخه. 11ـ تبصير المسلمين بالمؤامرات اليهودية قديما وحديثا وكشف المخططات الصهيونية التي تعمل للقضاء على الشخصية الإسلامية بنشر الإلحاد والانحلال الخلقي لتصل إلى غرضها في السيطرة على العالم بأسره وحث أهل العلم والفكر على مواصلة النشاط لاطلاع المسلمين على تلك المؤامرات ومجابهتها. 12ـ توصية القائمين على المدارس الإسلامية في إفريقيا وغيرها بإنشاء أقسام مهنية يتدرب فيها الطلاب على بعض الحرف والصناعات التي تمكنهم من كسب رزقهم مع اشتغالهم بالدعوة إلى الله بعد التخرج. 13ـ يذكر المؤتمر بما انتهى إليه المؤتمر الإسلامي المسيحي الذي دعا إليه مجلس الكنائس العالمي المنعقد في جنيف في يونيو 1976 الذي اعترف مبديا أسفه الشديد لأن الإرساليات التبشيرية المسيحية في ديار المسلمين قد تسببت في إفساد الروابط بين المسلمين والمسيحيين كما اعترف بأن تلك الإرساليات

كانت تضع نشاطاتها في خدمة الدول الأوربية المستعمرة وتستخدم التعليم وسيلة لإفساد عقائد المسلمين والذي تعهد فيه الجانب المسيحي في المؤتمر بإيقاف جميع الخدمات التعليمية والصحية التي تستخدم لتنصير المسلمين. ولهذا يوصي المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة كافة الدول الإسلامية بالعمل على تنفيذ القرار الذي تعهد به المؤتمر الإسلامي المسيحي وذلك بحظر نشاط المؤسسات التبشيرية التعليمية والاجتماعية، وإحلال الهيئات الإسلامية العامة فيها محلها، مع الحذر من السماح بإنشاء المؤسسات مشبوهة تحت أي ستار. 14ـ إحسان اختيار المؤسسات العلمية في الدول الإسلامية لمن يمثلها في كل المؤتمرات التي ترى المشاركة فيها وتزويده بكافة البيانات التي تعينه على أداء مهمته. 15ـ تحذير المسلمين من النشاطات المعادية للإسلام التي تتقنع في مؤتمرات بأسماء مختلفة مثل مؤتمر العلوم الإنسانية ونوادي الصداقة والمؤسسات الثقافية والندوات الاجتماعية المشبوهة كالروتاري وليونز واسكان إلى آخره. 16ـ استنكار جميع ما تقدمه وسائل الإعلام في الدول الغربية مثل الروايات المسلسلة التي تظهر المسلمين في صورة مزرية ووضع اسم مكة على نوادي القمار والرقص. 17ـ التحذير بصفة خاصة من البهائية والقاديانية لأن معتنقيها يحاولون التسلل إلى المناصب الهامة في بعض الدول الإسلامية لبث الفرقة وإيقاع الفتنة بين المسلمين والدعوة إلى نحلتهما الكافرة. 18ـ تشجيع الجمعيات الإسلامية التي تعنى بتربية ناشئة المسلمين ودعوتها إلى تنسيق جهودها لصد التيارات المعادية للإسلام. 19ـ مطالبة الحكومات الإسلامية بأن تسعى لدى الدول التي لم تعترف بالإسلام دينا بأن تعترف به لتأمين حقوق المسلمين المقيمين بها وينوه المؤتمر بموقف ((بلجيكا)) بهذا الشأن.

20ـ استنكار ما يجري في بعض الدول من تغيير أسماء المسلمين إجباريا أو حملهم على ذلك بأساليب ملتوية. 21ـ إنشاء اتحاد للهيئات الإسلامية في كل دولة ينظم جهودها ويخطط لها وإعانته بالإمكانات المادية اللازمة تمهيدا لإقامة اتحاد إسلامي أوسع. 22ـ التطبيق العملي ((لمبدأ التناصر بالإسلام)) وذلك: أـ بمعاونة المسلمين المخلصين على أن يتولوا مراكز التوجيه. ب ـ وتجميع القوى الإسلامية المبعثرة وتوحيد اتجهاتها. جـ ـ والدعوة إلى إقامة العلاقات الداخلية والخارجية على أساس الإسلام. 23ـ مطالبة الحكومات الإسلامية ومناشدة المسلمين بمناصرة إخوانهم المضطهدين واستنكار الجرائم البشعة التي ترتكب ضدهم في بعض الدول كالصومال واليمن الجنوبية والفلبين وإريتريا وإثيوبيا وفطاني. 24ـ يناشد المؤتمر جميع المسلمين بالاهتمام بتحرير فلسطين وسائر الأراضي المحتلة وتخليص المسجد الأقصى من أيدي اليهود المعتدين. 25ـ حث الجامعات الإسلامية على تتبع افتراءات المستشرقين على الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام والرد عليهم.

توصيات عامة

توصيات عامة يوصي المؤتمر بما يلي:- 1ـ العمل على إيجاد نوع من الحصانة للدعاة لضمان الحفاظ على كرامتهم وحقوقهم وأداء رسالتهم. 2ـ التحري في المساعدات المالية والمنح والعمل على تنظيمها وتوفير الضمانات ليستفيد منها المسلمون المحتاجون إليها.

3ـ ضبط عملية الابتعاث لأبناء المسلمين إلى البلاد الأجنبية بضوابط هي:- 1ـ ألا يكون إلا من ضرورة فلا يبعث في مجال الدراسات الإسلامية والعربية والتاريخ الإسلامي. 2ـ أن يكون بعد الدراسة الجامعية أو بعد ((الماجستير)) . 3ـ حسن اختيار الطالب مع توفير الإشراف الديني الأمين على المبتعثين. 4ـ عمل دورات تثقيفية لتعريف المبتعثين بالمشكلات التي سيواجهونها مثل أنواع الأطعمة والأشربة المحرمة وتقديم أجوبة شافية للشبهات التي يواجهونها. 5ـ مناشدة الحكومات الإسلامية استخدام وسائل الضغط الاقتصادي والسياسي لتوفير الحرية الدينية للأقليات الإسلامية والعمل على تمكينهم من التحاكم إلى الشريعة الإسلامية في قضاياهم الخاصة. وتوجيه إذاعات خاصة لهم. وعقد المؤتمرات في البلاد التي بها أقليات إسلامية لما لها من أثر فعال في نشر الدعوة وتوجيه الأنظار إليها وصد الدعوات المعادية لها. 6ـ إطلاق حرية العمل للجماعات الإسلامية لتسد الفراغ الفكري الملموس في بلاد العرب والمسلمين وهو فراغ تعمل على ملئه الحركات الهدامة المؤيدة من أعداء الإسلام. 7ـ ينوه المؤتمر بالجهود التي بذلت لتحقيق التضامن الإسلامي في ميادين العلم والتكنولوجيا ويوصي المؤتمر بمتابعة إقامة المؤتمرات للخبراء والمهندسين

والفنيين المسلمين في كافة التخصصات لتبادل المعلومات والاستفادة من الخبرات. 8ـ مطالبة الجهات المسئولة في البلاد الإسلامية وقف المباريات الرياضية وكافة الاجتماعات النيابية والسياسية وغيرها عندما يؤذن للصلاة احتراما لشعائر الله تمكينا لكل مسلم من أداء ما فرض الله عليه في وقته كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} . 9ـ يوصي المؤتمرون إخوانهم المسلمين في لبنان أن يوحدوا كلمتهم على الحق والاستقامة على أمر الله وأن يتكافلوا للوقوف في وجه المؤامرات الخارجية التي تحاك لهم وللمنطقة كلها. 10ـ يوصي المؤتمر بتأليف وفد من أعضائه يحمل توصيات المؤتمر إلى الملوك والرؤساء لاطلاعهم عليها ومطالبتهم بالعمل على تحقيقها أداء للأمانة وإعذارا إلى الله وإبلاغا لدينه. 11ـ يوصي المؤتمر بإنشاء في أمانة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لمتابعة تحقيق أهداف المؤتمر وتوصياته والاتصال بأعضائه وتلقي مكاتباتهم والعمل على عقد المؤتمر في دورات رتيبة كل ثلاث سنوات. والمؤتمر إذ ينهي أعماله فيتقدم بالشكر الجزيل لحكومة المملكة العربية السعودية وعلى رأسها جلالة الملك خالد بن عبد العزيز حفظه الله وسمو ولي عهده الأمير فهد بن عبد العزيز الرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية حفظه الله على رعايتهما لهذا المؤتمر وتمكينهما لأعضائه من أداء عملهم الإسلامي في حرية واطمئنان ويسألون الله تعالى أن تبقى هذه الحكومة الجليلة حارسة لشعائر الإسلام ومعلية لمناره في العالمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. (29/2/1397هـ)

§1/1