اللواء الركن محمود شيت خطاب

عبد الله محمود الطنطاوي

اللِّواء الرّكن مَحمُودْ شيْت خَطَّابْ المُجَاهِدُ الَّذِي يَحمِلُ سَيْفَهُ في كُتُبِهِ (1337 - 1419 هـ) (1919 - 1998 م) تَألِيفُ عبد الله محْمود

بسم الله الرحمن الرحيم

اللِّواء الرّكن مَحمُودْ شيْت خَطَّابْ

الطّبعَة الأولى 1422 هـ - 2001 م حُقوق الطَّبْع مَحفُوظَة تطلب جميع كتبنا من: دَارْ القَلمْ - دمَشق: صَ بْ: 4523 - ت: 2229177 الدّار الشاميَّة - بَيْروت - ت: 653655/ 653666 صَ بْ: 6501/ 113 توزّع جميع كتبنا في السّعوديّة عَن طريق دَارْ البَشير - جدّة: 21461 - ص بْ: 2895 ت: 6608904/ 6657621

المقدمة

المقَدّمَة عرفت اللواء محمود شيت خطاب في كتابه الرائد (الرسول القائد) - صلى الله عليه وسلم -، ثمّ في كتبه ومقالاته التي كانت تملأ فراغاً كبيراً ما ملأه غيرها، ثم كان التعارف في بغداد عام 1983 م ومذ عرفته والتقيته ما فارقته إلا لماماً ومضطراً، فكنت أجلس إليه، وأستمع منه، وأحاوره في شؤوننا، وهو العسكري المجرِّب الخبير، فأفدت منه علماً، وديناً، وأخلاقاً، وجِدّاً، واكتسبت من خبراته، وأطلعني على كثير من أسراره وأسرار مَنْ حوله، وقد يأتي يوم قريب - إن شاء الله تعالى - أكتب فيه عن تلك المعارف والأسرار التي دوّنتها في لحظتها، بعد عودتي إلى بيتي، وحرصتُ عليها وعلى سرّيّتها، حتى لا يؤذى الرجل الذي ما كان يحسب حساباً لغير الله والحقيقة والتاريخ، ولكني أحسب .. كان أستاذي الثالث، بعد شيخنا السباعي، وأستاذي الرائع أحمد مظهر العظمة، رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة. وهذا الكتاب تعريف موجز بحياته الخصبة، وتعريف ببعض كتبه القيّمة، جاء بهذا الحجم الصغير، ليكون إلى جانب إخوته في سلسلة: (علماء ومفكرون معاصرون) التي تحرص أن تكون هكذا .. تقدّم لمحات من حياة المترجَم له، وتعريفات بكتبه، في صفحات معلومات .. وسوف يليه كتاب كبير يليق به إن شاء الله. أرجو من الله الكريم أن يأجر صاحب فكرتها الأستاذ الكاتب،

والأخ الحبيب محمد علي دولة، مؤسس دار القلم بدمشق، حفظه الله لها، وحفظها له، وحفظهما لخدمة الإسلام ورجالاته في القديم والحديث. وصلّى الله وسلم وبارك على مولاي وسيِّدي وقائدي محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله أولاً وآخراً. عمّان: 21/ 12/ 1421 هـ ........ 16/ 3/ 2001 م عبد الله محمود

الفصْل الأوّل لمحات من حياته

الفصل الأول لمحات من حياته

الفصْل الأوّل لمحات من حياته عصره: عاش اللواء خطاب عصراً متفجّراً من أعنف العصور عنفاً، وأمرِّها مرارات .. فعلى مستوى العالم، تفجّرت حربان عالميتان فاجرتان أكلتا عشرات الملايين من الأرواح، ودمّرتا ما لم تدمّره الحروب الأخرى منذ أول حرب نشبت بين بني البشر، من بدء الخليقة حتى اليوم .. وتفجّرت ثورات حمراء داميات في كل أرجاء المعمورة. وعلى مستوى العالم الإسلامي كانت الحرائق في بيوتات ذلك العالم التعيس البائس، قد أتت على أخضره وهشيمه، وتركته مِزَقاً وأنقاضاً بمعاول أعدائه في الداخل والخارج، وكانت معاول الداخل أضرى ضراوة، وأشدّ بأساً، لأن (الخارج) كان قد أعدَّها، وأحدَّها، لتكون فتّاكة تأتي على بنيان العروبة والإسلام من الجذور، وباسم العروبة هنا، وباسم الإسلام هناك وهنالك، والعروبة والإسلام من هؤلاء وأولئك براء. وكان نصيب العراق كبيراً من تلك الحرائق والمعاول، وكان الأبأسَ والأتعسَ بعد فلسطين الذبيحة، وشعبها المجاهد الذي قدّم وشعبَ العراق ما لم تقدّمه سائر الشعوب العربية والإسلامية الأخرى .. وكان خطّاب شاهد القرن على تلك الكوارث والمآسي التي اجتاحت عراقه الحبيب الغالي الذي بذل من أجل إنهاضه الكثير، وكان العقوق جزاءه.

فتح عينيه على الكيانات التي خَلَفَتْ دولةَ الخلافة، وشهد الصراعات غير البريئة بينها، وميلاد الكيان الصهيوني من بين براثنها، والاستعمار يحطّ بكلكله الثقيل على أرضها، وشعوبها، وعقيدتها وثقافتها، وفكرها، والثورات التي تريد الإطاحة به، ووقودُها شعوب مؤمنة، والمستفيدون زعامات لا تهمّها إلا مصالحها، وكان هو من بين ذلك الوقود في ثورة رشيد عالي الكيلاني، وحرب فلسطين، ومحارق العملاء والمشبوهين والطواغيت .. رضي أن يكون عبدَ الله المقتول، كسائر أبناء شعبه، ودافع بدمه ومستقبله وبكل ما يملك للتخفيف عن ذلك الشعب، ولكن حجم التحدّي كان كبيراً، والذين يتربّصون به وبأمثاله من الرجال المؤمنين المخلصين، أكثر عدداً وأقوى عُدّة .. شاهد مصارع أحرار ومصارع أنذال، وأفول أنظمة وقيام أخرى، وضياع أخلاق ومروءات ومبادئ في متاهات المصالح والأهواء والشهوات، فانكفأ على نفسه، ولزم بيته، واستلّ قلمه، فكان سيفَه في تلك الكتب المقاتلة، وهي الأبقى على الدهر، سيوفاً مشرعة في وجوه الظلم والظلام والظالمين، ومنارات هدى للسائرين في وضح النهار، وتحت شمس الظهيرة، أو في ظلام الأنفاق المعتمة، في قرن كان أشدَّ هولاً من سائر القرون .. شهد هزيمة الأنظمة العربية في حرب حزيران، بعد أن (طُهِّرت) جيوشها من أعدائها وخصومها الافتراضيين، وهم من أصحاب الخبرات والكفايات، وكتب ونصح، وحذّر وأنذر، ولا سميع .. وشهد حربين ضاريتين بين عراقه الحبيب، وبين أشقّاء يعزّ عليه أن

يهانوا أو يُقتلوا، وبكى في الحرب الثانية كما لم تبك ثكلى .. بكى على الجيش الذي كان يعدّه للملمّات .. لتحرير فلسطين .. وإذا هو لقمة سائغة تتناهشها أنياب ثلاث وثلاثين دولة، بين شقيقة وعدوّة .. ولقد سمعته يقول، ودموعه السخينة تحرق وجنتيه: - هل رأيت أشلاء جيشنا يا عبد الله؟ هل سمعت بالانسحاب الكيفي أمام لؤم أمريكة المتوحشة، وطيرانها المتغوّل؟ هل هذا هو المصير الذي كنّا نُعِدُّ جيش العراق له؟ هل خُلق جيش العراق ليكون طعاماً لجنازير الدبابات والصواريخ؟ ثم أنشد باكياً والله بنشيج يقطّع القلوب: لمْ يبقَ شيءٌ مِنَ الدُّنيا بأيْدينَا ... إلاَّ بقيّة دَمْعٍ في مَآقينَا وكان يقابل هذه الظلماتِ المدلهمّة، وعيٌ إسلاميٌّ، وصحوة إسلاميّة، كان لها أعداء من الداخل والخارج بالمرصاد .. وكان يفرح لها، ويحزن لمصائر قادتها .. ولما يُبَيَّتُ لها .. ولضعف قياداتها، وارتجاليتهم، أمام التحدّيات الشرسة التي تواجههم، وتريد استئصالهم .. كان يقول: - هذا عصر الأئمة: حسن البنا، وأبي الأعلى المودودي، ومصطفى السباعي، وسيد قطب، وعبد القادر عودة، ومحمد فرغلي .. كان خطّاب يعرف الكثير عنهم، ويعرف المؤامرات التي دُبِّرت لهم، والعجز الذي شلَّ أتباعهم .. كان عصر خطّاب مزيجاً من نار ونور، ولكن وهج النار وتأثيرها أكبر من النور المحاصَر، وأعظم من ضياء الأيدي المتوضّئة. عاش خطّاب عصره بكل ما فيه، وناله الكثير مما فيه، وعاه بعقله

اسمه ونسبه ونشأته

وذكاء قلبه، وأسهم في إطفاء بعض الحرائق، وإيقاد بعض الشموع، ليكشط ما يستطيع من ظلام المادّة الثقيلة الوطأة، ويخفّف من غلواء النفوس المادية، ويكسر الحصار عن النور .. ولكنها ظلمات بعضها فوق بعض .. اسمه ونسبه ونشأته: محمود بن شيت خطّاب ولد في مدينة الموصل - شمال العراق - عام 1919 م من أبوين عربيين، فأبوه من قبيلة الدليم - فرع الصقور الذين يتصل نسبهم بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - من جهة الحسن بن عليّ رضي الله عنهما، وأمّه قيسية، وهي بنت الشيخ مصطفى بن خليل، من علماء الموصل. لم يلبث في حضن أمه إلا عاماً أو بعض عام، ثم زاحمه أخوه الذي وُلد بعده بأشهر، فانتقل إلى حضن جدّته لوالده، وهي امرأة تقيّة نقيّة، تقضي أكثر ساعات ليلها في تهجّد وتسبيح وبكاء من خشية الله تعالى، وهي حسينية النسب، تتصف بالعقل والكرم والصدق وحبّ الناس، فانغرست هذه الفضائل في نفس الطفل، ونمتْ بنموّه، فشبّ الطفل على الوفاء لمن أحسن إليه، وعلى حبّ الناس، والعطف على الضعفاء والفقراء والمساكين .. روى خطّاب لنا في بعض كتبه - عن جدّته الصالحة أنها " آثرت أن تبقى جائعة تقدّم طعامها إلى ضيف قدم على غير ميعاد. " وأنها قدّمت طعامها الذي كانت تتناوله إلى فقير طرق الباب، وهي تقول فرحة مستبشرة: حصَّتي في الجنة. " وجاءها - مرة - فقير يرتدي أسمالاً بالية، فخلعت ثوبها، وكسته به. وحين عادت إلى غرفتها لترتدي ثوباً آخر، كانت مسرورة بعملها سروراً لا يوصف.

" وكانت تردّد - كلما أكلت وشبعت -: اللهمّ كما أطعمتني، فأطعم كل فقير " (¬1). وقال عنها: " كانت تصحبني إلى المسجد القريب لصلاة المغرب، فإذا قُضيت الصلاة، أصغيت معها من مقصورة النساء إلى مواعظ الملك داود، ذي الأسلوب المؤثر، حتى تنهض لصلاة العشاء ... فإذا أوينا إلى النوم، أخذت بذكر الله والاستغفار، ثم لا تدعني حتى تتحقق من نومي، فتتسلل لصلاة القيام. ولطالما استيقظتُ على نشيجها أثناء ذلك، فإذا ما شعرتْ بي، عادتْ لتحنو عليّ. واستمرّ هذا دأبها حتى توفّاها الله، وأنا في السادسة عشرة، فكان لوفاتها وقعٌ لا ينسى " (¬2). وأبوه كان صالحاً، يعمل في التجارة وتربية المواشي، وكان يتطلع إلى ولد صالح يرزقه الله إياه، فيتعلم علوم الدين والعربية، ويؤمّه في الصلاة، فرُزق محموداً، فوجّهه الوجهة التي يريد، فانطلق إلى مشايخ الموصل، يتعلم منهم القرآن والحديث واللغة العربية. وهكذا نشأ الفتى في بيت علم وفضل ودين، يُتلى فيه القرآن في الأمساء والأصباح، وتقام فيه الصلوات، ويلتزم كلُّ مَنْ فيه بالدين الحنيف، ويتعاونون على البرّ والتقوى، ويضمّ في جنباته مكتبة عامرة بالكتب والمصادر المطبوعة والمخطوطة. ¬_______ (¬1) الإسلام والنصر، ص 81. (¬2) محمد المجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم: 1/ 328.

دراسته

دراسته: تلقّى دروسه الأولى في تلاوة القرآن وحفظه على يد أبيه ولسان جدّته التي كانت تُعنى بتحفيظه ما تحفظ من قصار السور، ثم في الكُتّاب، ومشايخ الموصل، ثم دخل المدرسة الابتدائية، فالإعدادية، والثانوية، وكان متفوقاً في مراحل دراسته في الموصل، وكان يتلقى العلوم الشرعية والعربية على أيدي بعض مشايخ الموصل في المساجد، وفي أثناء شهور العطل الصيفية. كما كان لمجلس الحيّ أثر في تكوين شخصيته، فقد كان يصحبه أبوه إليه وهو تلميذ صغير، ثم صار هو الذي يقرأ لذلك المجلس كتب التاريخ، ولعل هذا وسواه، مكّنه من اللغة العربية، وحبَّبه في التاريخ. في الجيش: كان الفتى محمود يحلم بدراسة الحقوق، وشاء الله أن يدخل الكلية العسكرية، ليكون لنا منه ضابط قائد مغوار، ومؤرّخ عسكريّ فذّ. في سنة 1937 م انتسب الفتى محمود إلى الكلية العسكرية في بغداد، وتخرج فيها برتبة ملازم، حاملاً شهادة الليسانس في العلوم العسكرية سنة 1938 م بدرجة جيد جداً. وفي سنة 1947 م حصل على شهادة الماجستير بدرجة جيد جداً من كلية الأركان والقيادة، حيث تخرج برتبة نقيب ركن. وفي سنة 1954 م تخرج في كلية الضباط الأقدمين في العراق (دراسات عسكرية عليا) بدرجة جيد جداً. وأوفد إلى بريطانية عام 1955 م إلى كلية الضباط الأقدمين،

دراسات عسكرية عليا، وكان الأول على دورته، وتخرج بدرجة ممتاز .. كانت الدورة تحتوي على مئة طالب من جنسيات مختلفة .. و" شهد أربعاً وعشرين دورة تدريبية عسكرية في العراق، وشمالي إفريقية، وإنكلترة، والتحق بالوحدات البريطانية في أثناء تدريبها الإجمالي في الصحراء الغربية في شمالي إفريقية سنة 1953 م، وفي إنكلترة سنة 1955 م وكان تقديره في جميع تلك الدورات بدرجة جيد جداً، ودرجة ممتاز. ومن هذه الدورات، دورات الفروسية والأسلحة، ودورات التعبية ... إلخ " (¬1). ومع احتفاظه بشارة الفرسان، شغل واجبات الأركان والقيادة في عدد من القطعات العسكرية، وكان قائداً متميزاً بانضباطه، وجدّيته، آلفاً مألوفاً، يحبه مرؤوسه وعناصره، ولكن بعض رؤسائه التافهين كانوا يكرهون فيه تديُّنه، وبُعْدَه عن الفجور والموبقات، وتمسُّكه بالفضيلة والأخلاق والإسلام. " ويتحدّث - اللواء خطاب - عن واقع الحياة في الجيش العراقي آنئذ، فيرينا العجب العجاب من آثار التوجيه الاستعماري؛ إذ كان كلّ شيء هناك، يسير بالضابط في طريق التميع والانحلال، فلا يجد عاصماً إلا أن يكون مزوّداً بالحصانة القادرة على الثبات في وجه الأعاصير. كان من تقاليد الجيش أن تولم الوحدات لضباطها الجدد وليمة يُطلق عليها (وليمة التعارف والاستقبال)، تقدم فيها الخمر مع ما لذَّ وطاب من الأطعمة، وقد يصاحب ذلك أنغام الموسيقى والرقص، زيادة في الحفاوة والتكريم. ¬_______ (¬1) حياة محمود شيت خطاب بخط يده - مخطوط عندي.

دراسات عسكرية عليا، وكان الأول على دورته، وتخرج بدرجة ممتاز .. كانت الدورة تحتوي على مئة طالب من جنسيات مختلفة .. و" شهد أربعاً وعشرين دورة تدريبية عسكرية في العراق، وشمالي إفريقية، وإنكلترة، والتحق بالوحدات البريطانية في أثناء تدريبها الإجمالي في الصحراء الغربية في شمالي إفريقية سنة 1953 م، وفي إنكلترة سنة 1955 م وكان تقديره في جميع تلك الدورات بدرجة جيد جداً، ودرجة ممتاز. ومن هذه الدورات، دورات الفروسية والأسلحة، ودورات التعبية ... إلخ " (¬1). ومع احتفاظه بشارة الفرسان، شغل واجبات الأركان والقيادة في عدد من القطعات العسكرية، وكان قائداً متميزاً بانضباطه، وجدّيته، آلفاً مألوفاً، يحبه مرؤوسه وعناصره، ولكن بعض رؤسائه التافهين كانوا يكرهون فيه تديُّنه، وبُعْدَه عن الفجور والموبقات، وتمسُّكه بالفضيلة والأخلاق والإسلام. " ويتحدّث - اللواء خطاب - عن واقع الحياة في الجيش العراقي آنئذ، فيرينا العجب العجاب من آثار التوجيه الاستعماري؛ إذ كان كلّ شيء هناك، يسير بالضابط في طريق التميع والانحلال، فلا يجد عاصماً إلا أن يكون مزوّداً بالحصانة القادرة على الثبات في وجه الأعاصير. كان من تقاليد الجيش أن تولم الوحدات لضباطها الجدد وليمة يُطلق عليها (وليمة التعارف والاستقبال)، تقدم فيها الخمر مع ما لذَّ وطاب من الأطعمة، وقد يصاحب ذلك أنغام الموسيقى والرقص، زيادة في الحفاوة والتكريم. ¬_______ (¬1) حياة محمود شيت خطاب بخط يده - مخطوط عندي.

في الصحافة

العلمية، كما هو معروف في الأوساط العسكرية، والسياسية، ولهذا كان يدعى إلى تلك الهيئات والجمعيات العلمية، فقد كان عضواً في المجمع العلمي العراقي منذ عام 1963 م وعضواً في مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر (1968 م)، وعضواً في مجمع اللغة العربية في القاهرة (1966 م)، وعضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق (1966 م)، وعضواً في مجمع اللغة العربية الأردني (1979 م)، وعضواً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي (1964 م)، وعضواً في المجلس الأعلى للمساجد في مكة المكرمة (1975 م). في الصحافة: كان اللواء خطاب يكتب في عدد من الصحف والمجلات والدوريات الجادّة، مثل: مجلة المجمع العلمي العراقي (1954 م)، ومجمع اللغة العربية المصري (1966 م)، ومجلة مجمع اللغة العربية السوري (1966 م)، ومجلة العربي الكويتية (1966 م)، ومجلة الوعي الإسلامي الكويتية (1966 م)، ومجلة الأزهر (1966 م)، ومجلة الفيصل (1975 م)، ومجلة الحرس الوطني/ السعودية (1980 م)، ومجلة الأمة القطرية (1980 م)، ومجلة الدوحة/ القطرية (1980 م)، ومجلة دعوة الحق/ المغربية (1978 م)، ومجموعة بحوث مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر (1968 م)، ومجموعة بحوث مجمع اللغة العربية المصري (1966 م)، ومجلة الفكر الإسلامي البيروتية (1964 م)، ومجلة المورد العراقية (1973 م)، ومجلة رسالة الخليج العربي (1983 م)، ومجلة معهد البحوث والدراسات العربية (1983 م)، ومجلة التربية الإسلامية في بغداد (1961 م)، ومجلة الرسالة/ المصرية (1964 م)، ومجلة حضارة الإسلام الدمشقية، ومجلة التمدن الإسلامي الدمشقية، وسواها وسواها من الصحف العربية والإسلامية.

في الإذاعة والتلفزيون

في الإذاعة والتلفزيون: قدّم اللواء خطاب عدداً من الأحاديث في الإذاعات العربية المسموعة والمرئية .. منها - على سبيل المثال - برنامج (نور على نور) في إذاعة القاهرة عام 1970 م لمدة ساعتين عن غزوة بدر الكبرى، وساعتين عن دروس في الكتمان من الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الأمر في إذاعة العراق سنة 1966 م عن التاريخ العربي العسكري، وفي إذاعة دولة الإمارات عن التاريخ العسكري الإسلامي، وفي الإذاعة السعودية عن قادة الفتح الإسلامي، وفي إذاعة المغرب عن العدو الصهيوني والأسلحة المتطورة، وعن اللغة العسكرية، والدفاع عن اللغة العربية، والإسلام دين ودنيا، وسواها من الموضوعات المهمة. أهم الموضوعات التي كان يكتب فيها: 1 - قادة الفتح الإسلامي، وقادة استعادة الفتح الإسلامي. 2 - معارك الفتح الإسلامي، ومعارك استعادة الفتح الإسلامي. 3 - الفن العسكري العربي الإسلامي. 4 - اللغة العسكرية، وتطهير العربية من الألفاظ الدخيلة. 5 - العسكرية الإسرائيلية. 6 - الدفاع عن العربية لغة، والإسلام ديناً. 7 - القصص الهادفة. 8 - تحقيق التراث العربي الإسلامي العسكري. 9 - ترجمة الكتب العسكرية التي تفيد الفكر العسكري. 10 - مناقشة المشكلات العربية الإسلامية، ومحاولة إيجاد الحلول لها.

هذا وقد كتب ما كتب ضمن المحاور الأربعة التالية

11 - تربية الشباب وتصحيح الانحرافات لديهم. 12 - تعريب المصطلحات العسكرية الأجنبية الحديثة .. 13 - توحيد المصطلحات العسكرية وغير العسكرية في البلاد العربية. هذا وقد كتب ما كتب ضمن المحاور الأربعة التالية: 1 - محور التاريخ العربي الإسلامي العسكري: وله في هذا المجال: الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - قادة فتح العراق والجزيرة - قادة فتح فارس - قادة فتح بلاد الشام ومصر - قادة فتح المغرب العربي - الفاروق القائد - الصدّيق القائد - خالد بن الوليد - عقبة بن نافع - قادة فتح السند وأفغانستان - قادة النبي - صلى الله عليه وسلم - قادة فتح أرمينية - قادة فتح بلاد الروم (جزءان) - قادة فتح بلاد ما وراء النهر (جزءان) - قادة فتح بلاد الأندلس (جزءان) ... إلخ. وقد كان المؤلف " في بداية حياته العسكرية، يقرأ عن القادة الأجانب الذين غزوا البلاد العربية، ومعارك الأجانب التي استعمروا بها البلاد العربية، ولم تكن المدارس والمعاهد والكليات العسكرية العربية تدرّس تلاميذها وطلاّبها العرب عن قادة الفتح الإسلامي، ولا عن معارك الفتوح الإسلامية، ولا عن غزوات النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وبعد مثابرته التي بدأت قبل أربعين سنة، واستمرت، دون كلل ولا ملل، حتى اليوم، تبدّل الحال غير الحال، والحمد لله، فأصبحت المدارس والمعاهد والجامعات العسكرية تعجّ بنشاطها المثمر في دراسة قادة الفتح الإسلامي، ومعارك الفتوح، وغزوات الرسول القائد عليه الصلاة والسلام " (¬1). ¬_______ (¬1) مخطوطة حياته بخط يده، ص 14.

2 - محور اللغة العسكرية

2 - محور اللغة العسكرية: وله في هذا المجال من الكتب: المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم (جزءان) - المصطلحات العسكرية في كتاب (المخصّص) لابن سيده. وكان اقترح توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية، ثم وضع هذا الاقتراح في حيّز التنفيذ، فأصدر المعجمات العسكرية الموحِّدة الأربعة، فشاعت لغة القرآن الكريم في الجيوش العربية، بدلاً من اللغات الأجنبية والدخيلة. 3 - محور العدو الصهيوني: في محاولة منه أن يعرف العرب والمسلمون عدوّهم على حقيقته، لا كما يحلو للعدو الصهيوني أن يعرف العرب والمسلمون عنه. لقد كانت المعلومات عن العدو الصهيوني قليلة، ومضلّلة، فكان هذا الجهل بالعدوّ من أهمّ أسباب نكسة حزيران 1967 م فقاتل العرب عدواً لا يعرفون عنه إلا القليل. ولهذا قرّر أن يحاضر ويؤلف في العسكرية الإسرائيلية، فكان له في هذا المجال: الوجيز في العسكرية الإسرائيلية - العسكرية الإسرائيلية - أهداف العدو الصهيوني في البلاد العربية - العدو الصهيوني والأسلحة المتطورة ... إلخ. 4 - محور الدعوة الإسلامية، والدفاع عن الإسلام ديناً، والعربية لغة، وله فيه: بين العقيدة والقيادة - رسالة المسجد العسكرية - عدالة السماء - تدابير القدر ... والمحاور الأربعة السابقة، تصبّ في بحر الدعوة.

المؤتمرات العلمية

المؤتمرات العلميّة: كان اللواء خطاب يدعى إلى الكثير من المؤتمرات والندوات العلميّة، فكان يحضر بعضها، ويعتذر عن بعضها الآخر، لأسباب تتعلق به حيناً، وأسباب أخرى خارجة عن إرادته، وخاصة في ربع القرن الأخير من حياته في بغداد. من هذه المؤتمرات ما كان في بغداد، كتلك التي كان يعقدها المجمع العلمي العراقي خاصة، ومؤتمرات مجمع اللغة العربية في القاهرة، ومؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف، ومؤتمرات رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، والمؤتمرات الإسلاميّة على نطاق البلاد العربيّة. وكان له في كل مؤتمر محاضرة، أو بحث، مثل بحث: (أهمية توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية)، و (أسد بن الفرات: فاتح صقلية)، و (الأمثال العسكرية في مجمع الأمثال للميداني)، و (تاريخ المعجمات العسكرية في البلاد العربية)، و (المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم)، و (حاضر المسلمين ومستقبلهم بين الآمال والآلام)، و (الحرب الإجماعية في الإسلام)، و (أمّ الخبائث)، و (رسالة المسجد العسكرية)، و (إرادة القتال في الجهاد الإسلامي)، و (أهداف إسرائيل التوسّعية في البلاد العربية)، و (دروس في الكتمان من الرسول القائد) - صلى الله عليه وسلم -، و (أهمية الدعوة)، وسواها من الأبحاث القيمة التي كادت تكون محور تلك المؤتمرات. في الكليات العسكرية: كان اللواء خطاب يدعى إلى إلقاء العديد من المحاضرات في الكليات العسكرية، وكليات القيادة والأركان، وجامعات الدراسات العسكرية العليا، والجامعات والجمعيات غير العسكرية، في العراق وفي

في الوزارة

الأردن، والسعودية، ودول الخليج العربي، وليبية، والمغرب، ومصر .. ومن تلك المحاضرات: (العدو الصهيوني والسلاح النووي)، و (العدو الصهيوني والأسلحة المتطورة)، و (البلاد العربية في الحرب العالمية الثانية)، و (أهمية البلاد العربية سَوْقيّاً)، و (أسباب نكسة حزيران 1967 م)، و (طريق النصر على الصهاينة)، وسواها من المحاضرات ذات القيمة الاستراتيجية. بل إن اللواء خطاباً كان أول من أقدم على تدريس العسكرية الإسرائيلية في المعهد العالي التابع لجامعة الدول العربية، في الوقت الذي كان يحجم فيه كبار القادة والضباط عن الحديث في تلك الموضوعات .. كان شعاره: (اعرف عدوَّك تأمن مكره، وتنتصر عليه). وكان يأبى إلا أن يدرِّس ويحاضر باللغة العربية التي تجمع الشعوب العربية ولا تفرّقها كتلك اللهجات العاميّة. في الوزارة: لم يكن اللواء خطاب يفكر في الوزارة، بل كان يتحاشاها، ولكنّ صديقه المشير عبد السلام عارف - رحمه الله تعالى- أصرَّ عليه أن يكون إلى جانبه في الحكم، وأن يأتيه بناس صالحين، من الإخوان وغير الإخوان، ولكن الإخوان المسلمين رفضوا المشاركة في الحكم، لأن تجربتهم القاسية مع عبد الناصر ما تزال ماثلة للعيان، وضحايا عبد الناصر منهم فاقت مجموع ضحاياهم وشهدائهم في فلسطين، والقنال، وجرائم القصر والأحزاب التابعة له بكثير. نزولاً عند إصرار المشير عبد السلام الذي خوّفه بالله، وحمّله مسؤولية عدم المشاركة أمام الله والتاريخ، شارك اللواء خطاب في عدّة وزارات، ولكنه انتهز أول فرصة سنحت له، فاستقال، وآلى على نفسه أن

يكون بعيداً عنها، وعن أيّ مسؤولية، وتفرّغ للعلم وللعلم وحده. وقد عُرضت عليه المشاركة في كل حكومة شكلت بعد عام 1964 م ولكنه كان يعتذر باستمرار. وفي 17 من تموز 1968 م عُيِّن وزيراً للمواصلات، وكان يومها في مصر، يعمل رئيساً للجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية التي أعدّت المعجمات العسكرية الأربعة الموحِّدة، فاعتذر عن قبول هذا المنصب، وآثر العمل في المجالات العلميّة، على العمل في المناصب الحكومية، وبقي في القاهرة، حتى أخرج المعجمات آنفة الذكر، وكان هو الذي اقترح توحيد هذه المصطلحات، وهو الذي وضعها في حيّز التنفيذ. ومن طريف ما حدّثني به، أن أخاه المستشار في محكمة النقض ذهب إلى قيادة الجيش ليأخذ راتب أخيه، ويرسله إليه، فأجابوه: أخوك لم يعد في الجيش، صار وزيراً، فراجع الوزارة .. وذهب المستشار إلى الوزارة ليقبض الراتب، فقيل له: أخوك اللواء اعتذر عن قبول الوزارة، وهو من ملاك الجيش، فاذهب إلى هناك. وهكذا ضاع اللواء محمود بين الجيش والوزارة، وهو في مصر، ولا يملك إلا راتبه لينفق منه، ولولا أصدقاؤه الكرام في مصر، من أمثال: الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ عبد الحليم محمود، وسواهما، لجاع هو وأسرته في القاهرة. وعندما عاد من مصر إلى بغداد عام 1973 م عرض عليه صديقه أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية، عدة مناصب حكومية رفيعة، ولكنه اعتذر عن قبولها، وتفرّغ كلياً لبحوثه ودراساته ومحاضراته في المعاهد والمدارس والكليات العسكرية العربية.

وفاته

وفاته: في صباح اليوم الثالث عشر من كانون الأول 1998 م كان يجلس اللواء خطاب في مجلسه المعتاد: تحت درج منزله على كرسيّ عتيق، وجاءت ابنته تودّعه، وقبل أن تغادر المنزل إلى الجامعة، طلب منها أن تجلس معه، لتقرأ معه سورة (يَس) حاولت الطالبة الاعتذار من أجل حضور المحاضرات، فأشار إليها: أن اجلسي، فجلست، وجاءت زوجته الصالحة الصابرة، وجلست، وقرأت (آمنة) سورة (يَس)، وكان الوالد يقرأ معها، فأحسّ بجفاف في حلقه، بعد الانتهاء من قراءة السورة، فطلب من زوجته أن تأتيه بكأس من الشراب، وأسرعت الزوجة إلى المطبخ، وهي تسمع زوجها يردّد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله .. وكرّرها مرة وثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً ثم سكت، وابنتُه تنظر إليه، وتردّد معه شهادة الحقّ، فأسرعت زوجته إليه، لتراه كالنائم، قد أسلم روحه لبارئها .. رحمه الله رحمة واسعة. وحُملت جنازته، ودُفن، دون أن يدري بوفاته ودفنه أكثر أصحابه ومحبّيه الكثر من أبناء الشعب العراقي، ولو علموا لكانت من الجنازات المشهودة في تاريخ بغداد. ***

مواقفه

مواقفه 1 - مواقفه في نصرة دعاة الإسلام: أ - مع سيد قطب: حدّثني اللواء خطّاب أنه زار القاهرة، بصحبة رئيس الجمهورية العراقية المشير عبد السلام عارف. وهناك في القاهرة، طلب من المشير عارف أن يتوسّط لدى صديقه عبد الناصر للإفراج عن سيد قطب. وتحدّث عارف مع ناصر بحضور خطاب، ووافق ناصر على الإفراج عن سيّد. عندها طلب خطاب من عبد الناصر أن يسمح له بزيارة سيد في سجنه، ليبشّره بقرار الرئيس، فسمح بذلك، وجاءت سيارة من القصر حملت خطاباً إلى سجن سيّد. وفرح سيّد بلقاء خطاب، وحمّله سلامه إلى المشير عارف، فقال له خطاب: - أبشرك بالإفراج عنك قريباً جداً. تساءل سيّد: كيف؟ فقصّ عليه خطّاب قصّة وساطة المشير عبد السلام الذي يكنّ له حبّاً ومودّة وتقديراً وإعجاباً بجهاده، وفكره، وقوة إيمانه وصموده في وجه الأعاصير. فسأل سيّد، وقد علت وجهه كآبة: يعني .. كلمتم الرئيس، وانتهى الأمر؟ أجاب خطاب بسرور: نعمْ والحمد لله.

قال سيّد في حزن: سامحكم الله .. لو أنكم شاورتموني. قال خطاب في دهشة: وهل كان سيكون لك رأي آخر؟ قال سيّد: نعمْ .. لو شاورتموني لرفضت الوساطة، ولما خرجت بهذه الصورة. قال خطّاب في حزن وسهوم: ولكنها كريمة .. إخراج كريم .. الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - قال معلّقاً على إباء يوسف الخروج من السجن حتى يسأل الملك النسوة اللواتي قطّعن أيديهنّ: رحم الله أخي يوسف. لو خُيّرت - مكانه - لاخترت الخروج على المكث في السجن. قال سيّد: - على أيّ حال .. سبق السيف العذل، وشكر الله لكم مسعاكم النبيل، ونيّتكم الحسنة في الإفراج عن أخيكم، وأطيب تحياتي لكم وللأخ عبد السلام عارف .. الرجل الصالح. " وخرج سيّد من السجن، وقدّم لي وللمشير عارف كتبه كلّها مجلّدة تجليداً فاخراً، وكتب على الظلال إهداء لطيفاً لكلٍّ منا ". ثم اصطحبني اللواء خطّاب إلى مكتبته العامرة، وأراني كتب الشهيد العظيم، وقرأت إهداءه بخط يده على المجلد الأول من الظلال، واللواء خطّاب يدندن بهذين البيتين في تأثّر ثائر: ذلك المؤمن المجاهد يغشى ... غمرة الحرب، والرَّدَى يخشاه تحت ظلِّ السيوف ماضٍ قويٌّ ... درْعُه: لا إله إلا الله ثم التفت إليّ، وقد أخذ الحزن مأخذه في وجهي وعينيّ، وقال في حزن:

ب - مع المودودي

وهوِّن عليك، فإن الأمور ... بكفّ الإله مقاديرها فليس يؤاتيك مَنْهيُّها ... ولا قاصرٌ عنك مأمورها ب - مع المودودي: وتابع اللواء خطاب حديثه، فقال: في العام نفسه: (1964 م) زرت باكستان بصحبة الأخ المشير عبد السلام عارف، وهناك حدثته عن اعتقال الأستاذ أبي الأعلى المودودي، فأبدى امتعاضه وأسفه لتصرف الحكام مع قادة الفكر الإسلامي، وقال: - سوف أكلّم أيوب خان - رئيس الجمهورية - بشأنه. قال خطّاب: - وتذكّرتُ عتاب الأستاذ سيد قطب، لأننا لم نشاوره قبل التوسّط لدى عبد الناصر للإفراج عنه، فقلت للأخ المشير: - لا تكلّمه - أيوب خان - قبل أن أزور الأستاذ في سجنه، وأرى رأيه في ذلك. وعندما التقينا الجنرال أيوب خان، استأذنتُه في زيارة الأستاذ المودودي، فأذن بذلك وقال: - الأستاذ المودودي عالم كبير، وإنسان مفكّر عاقل، ولكنه يكرهني .. لماذا؟ لا أدري. فأنا هنا الرئيس - يا سيادة الرئيس - وكلما أصدرت قانوناً، أو اتخذت قراراً، أو رسمت مرسوماً، بادر الأستاذ المودودي إلى تفنيده، والتنديد به. ثم التفتَ إليَّ وقال:

- زره - يا حضرة الأخ خطاب - وافهمْ منه ماذا يريد، حتى نتفاهم ونتعاون. قلت لأيوب خان: - يريد الإسلام حاكماً لباكستان، فباكستان ما انفصلت عن الهند إلا من أجل الإسلام، وأن يحكم الإسلام، ويكون الدستور الباكستانيّ إسلامياً. قال أيوب خان: - ونحن معه، ولكنه يتعجل الأمور .. يحرّض على الانقلاب عليّ ... وزرت الأستاذ المودودي في سجنه، ففرح بلقائي، واختلطت مشاعر الفرح والحزن بلقائه .. فرحت بلقاء هذا العالم المجاهد العظيم، وحزنت أن يكون فى السجن، وليس فى قمة السلطة، يخطّط لباكستان المسلمة وينظِّر. وبعد تبادل التحيات، وسؤاله عن أحوالنا، وسؤالي عن أحواله وأحوال جماعته، وأحوال المسلمين في باكستان، قلت له: - المشير عبد السلام عارف يحبّك، ويحترمك، ويقرأ كتبك، ويتأثر بها جداً، وهو يعدّ نفسه من تلاميذك، ويريد أن يخدمك، ويسعى للإفراج عنك. فقاطعني المودودي: - هل كلّم أيوب خان بشأني؟ أجبت: ليس بعد.

2 - موقفه من اللهجة العامية

فتنفّس الصُّعداء وقال بحرارة يكاد شواظها يلفحني: - الحمد لله. قلت: على ماذا تحمد الله؟ قال: لو توسّط لدى أيوب خان، لرفضت الوساطة، وما خرجت من السجن، فالحمد لله أنكم لم تكلموا ذلك الطاغية بشأني. قلت: ولكنّ الأستاذ سيّد قطب قبل وساطة الأخ المشير. قال: أظنكم أحرجتموه فقبل هذه الوساطة الكريمة .. الأستاذ سيّد رجل حيي .. أمّا أنا، فما كنت لأقبلها، حتى لو أحرجتكم .. ثم ودّعته محمَّلاً بدعواته وتحياته للأخ عبد السلام. 2 - موقفه من اللهجة العاميّة: يتلخص في أن عواقب انتشارها خطيرة، وكلّ الدعوات إليها مريبة، وكلّ الداعين إليها مشبوهون، وكثير منهم ماسونيون يريدون تقسيم الدولة العربية الواحدة إلى دويلات، أو دولة فيها عدة لهجات تقوم مقام اللغات، وفي النهاية، يريدون أن يصبح القرآن الكريم غير مفهوم، ومن يريد فهمه، فليترجمه إلى عاميته، أو أن يتعلم لغة أجنبية، كاللغة العربية، ليفهمه، لأن تلك اللهجات بعيدة عن العربية الفصيحة، أو يفهمونه مترجماً إلى إحدى اللغات (¬1) .. إنه يحذر من استخدامها ومن الداعين إليها من المستشرقين والمستغربين. 3 - موقفه من شعر التفعيلة: قَرَنَ اللواء خطاب بين الدعوة إلى استخدام العامية بالدعوة إلى ¬_______ (¬1) مجلة لواء الإسلام: 24/ 5 لعام 1970.

4 - موقفه من اللغة العربية

استخدام الشعر الحر، وقال: " فالشعر الموزون المقفَّى هو من دعائم اللغة العربية، والدعوة إلى الشعر الحرّ أصلها صهيوني من إسرائيل " (¬1). وعندما أطلعته على مقالي الذي نشرته في مجلة (الآداب) البيروتية عام 1969 م - العدد التاسع، وأثبتّ فيه أن الشاعر الإسلامي علي أحمد باكثير- رحمه الله - هو أول من بدأ هذا النمط من الشعر، قبل السياب ونازك وغيرهما من الشعراء، قرأ المقال بإمعان، ثم قال: " جهد غير مشكور .. ليتك لم تكتب هذا الكلام، وتتعب نفسك، وتبرئ ساحة أعداء العربية الذين يدعون إليه، وتلصق هذه التهمة بالشاعر والأديب الرائع باكثير الذي كتب صدفة أو قدراً مثل ذلك الكلام الذي هو ترجمة لباكثير، وكتبه تحدّياً، وليس ابتداعاً من عندياته ". 4 - موقفه من اللغة العربية: هي أحسن لغة في العالم، كما أن عقيدتنا أحسن عقيدة (¬2). وقد آلى على نفسه أن يكون الذائد عن حياض اللغة العربية ما عاش، ولهذا تراه في كل مناسبة يدعو إلى استخدامها، والتعمق فيها، ويندّد بأولئك الخونة الجهلة الذين يطلقون عليها أوصاف (لغة الكهوف - لغة أهل القبور - اللغة التي لا تستطيع أن تجهر بالعلم) ويجرون استفتاءات عما إذا كانت تستطيع النهوض بالعلوم الحديثة في القرن العشرين (¬3). ويرى أنّ اللغة العربية عالمية، متغلغلة في العالم شرقاً وغرباً، وقد ¬_______ (¬1) مجلة لواء الإسلام: 24/ 5 لعام 1970. (¬2) مجلة لواء الإسلام: 24/ 5 لعام 1970. (¬3) المرجع السابق.

5 - يرفض رفضا قاطعا دعوة أعداء العربية إلى كتابتها بالحروف اللاتينية، تحت أي ذريعة

دخلت في كل لغة من لغات العالم، كالروسيّة والإنكليزية والفرنسية والألمانية، ناهيك عن لغات الشعوب الإسلامية، كالتركية والفارسية واللغات الهندية. 5 - يرفض رفضاً قاطعاً دعوة أعداء العربية إلى كتابتها بالحروف اللاتينية، تحت أيّ ذريعة (¬1)، من أجل قطع صلة المسلمين بقرآنهم، وهو سندهم القويّ المتين. 6 - موقفه من الحضارة الغربية: يرى أن الحضارة الغربية مقسومة إلى قسمين. الأول: علميّ، نقبله ونستورده. والثاني: ذو صلة بالمبادئ، وهذا نرفضه ولا نرضى بشيء منه ... إنه من قبيل الاستعمار الفكري والغزو الثقافي، وهو أخطر أنواع الاستعمار الحديث (¬2) وهو القائل: " إن هذا العصر الذي نجح في تطوير العلوم التطبيقية، والوصول إلى القمر، أخفق في تطوير معاملات البشر، أفراداً أو أمماً، بعضهم لبعض لذلك، لا يزال البشر بعيدين عن الكمال، لأن حضاراتهم اهتمت بظاهر الإنسان وحياته المادية، بينما اهتمّ الإسلام بباطن الإنسان وظاهره، وبحياته الماديّة والرّوحيّة على حدٍّ سواء " (¬3). 7 - موقفه من أدب الجنس: قال في مقدمة مجموعته القصصية: (عدالة السماء): " صدرت قصص كثيرة في الأعوام الأخيرة، أقبل على قراءتها ¬_______ (¬1) المرجع السابق: 23/ 9 و 10. (¬2) مجلة لواء الإسلام: 23/ 9 و 10. (¬3) ومضات من حياة المصطفى: ص 8.

الشباب والشابات، لأنها تدور على الجنس، وتشجّع عليه، ممّا أدى إلى إشاعة الفحشاء في كثير من قرائها .. هذه القصص الجنسية الداعرة، قصص المخدع، التي تتبجّح بالخلاعة، وتدعو إلى الميوعة، أضرّت بقرائها أبلغ الضرر، لأنها عملت على إفساد أخلاقهم، وجعلتهم يرون في (الجنس) هدفهم الحيويّ في الحياة .. ولست أشكّ في أنّ الذي يتلوّث جنسياً لا يقوى على تحمُّل أعباء الحرب. ولا يستطيع النهوض بواجباته في القتال .. وبذلك أفاد مؤلفو قصص المخدع إسرائيل من حيث يدرون أو من حيث لا يدرون " (¬1). وندّد بالأدب الماجن في عدّة مواضع من كتبه، وقال: " إنّ ترك شبابنا يلجؤون إلى الأفكار المستوردة، والتخنّث، والعبث، وتقليد الغرب حتى في (خنافسه) لن يفيد غير أعدائنا المستعمرين والصهاينة، لأن الترف والتخنّث على طرفي نقيض من حبّ التضحية والإقدام. إن أدب المخدع، والصور العارية، والصحف والمجلات الخلاعية، وكتب الجنس والرقص، والأفلام العابثة، والحانات، والعلاقات المشبوهة بين الجنسين بدون حسيب أو رقيب، كلّها معاول هدم للفرد العربيّ أولاً، وللأسرة ثانياً، وللأمّة ثالثاً، وهي لا تفيد غير إسرائيل، لأن من نتائجها: تمييع الشعب وتخنّثه، والشعب المائع المخنّث لا يحارب أبداً " (¬2). ثمّ وجه نداءه الحارّ إلى المؤلفين " أن يحرصوا على أخلاق أبنائنا ¬_______ (¬1) عدالة السماء: ص 7. (¬2) طريق النصر: ص 150.

8 - موقفه من يهود والصهاينة

وبناتنا، وألاّ يكتبوا ما يحطم تلك الأخلاق .. وستلعن الأجيال القادمة كل مؤلف اتخذ العلم (تجارة) فقذف إلى أسواق الكتب مؤلفات أضرّت بالخلق الكريم، وألحقت بالفضيلة أبلغ الأضرار " (¬1). 8 - موقفه من يهود والصهاينة: كانت الصهيونية أو اليهودية أعدى أعدائه، ومحور تفكيره وهمومه، وأمَّ أحزانه وآلامه، وشغله الشاغل الذي لا يشغله عنه شاغل آخر، فلا يكاد كتاب من كتبه يخلو من التنديد بها، والتحريض عليها، والتحذير منها، والتبكيت لعملائها، والمتهاونين في مقاومتها .. كان ينعى على الكتاب السائرين في ركابها، كذلك الأديب الكبير الذي منحوه جائزة نوبل لعلاقاته المريبة بالصهيونية ويهود، ويتساءل: لمصلحة مَنْ منحوك هذه الجائزة اليهودية يا أديب كنانة الأزهر؟ وألهب ظهور حكام العرب بالمقال الذي كتبه عن (اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل)، وذكر فيه أن القوّة وحدها، ولا شيء غير القوة، هي اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل (¬2). والجهاد وحده هو الطريق الصحيح لتحرير فلسطين، وسحق إسرائيل. يرى أن إسرائيل دويلة عنصرية، وكل ما بُني على العنصرية إلى زوال، وكل أمّة أو دولة تُبنى على العنصرية إلى زوال وفناء، كما حدث لألمانيا النازية (¬3). ويرى أن مركّب النقص لدى يهود، الذي تغلغل في عمق أعماق ¬_______ (¬1) عدالة السماء: ص 107 - 108. (¬2) الأيام الحاسمة: ص 12 - 13. (¬3) مجلة لواء الإسلام: 25/ 8.

نفوسهم وقلوبهم وعقولهم وأعصابهم، نتيجة للذلّ والحرمان والمهانة التي عانوا منها عبر القرون - دفعهم إلى جعل دولتهم عسكرية تؤمن بالقوّة وبالقوة فقط، وربُّوا أطفالهم، وأنشؤوا عناصرهم البشرية على المظاهر العسكرية، ووجّهوهم توجيهاً حربياً ذا أهداف احتلالية، ولقّنوهم ما يعمّق فيهم التعصّب الضيّق جدّاً كالذي يُطبَّق في النُّظُم العسكرية، التي تؤلّه جيوشها. إنهم ينشّئون الأطفال هذه التنشئة العسكرية، مستعينين بجميع الوسائل التي تملكها الدولة، ليطبعوا كل شيء فيها بطابع الغزو والاستعمار (¬1). وحول محاولات إسرائيل إقامة هيكل سليمان المزعوم قال: يوم 21 من آب سنة 70 م أحرق تيتيوس الرّوماني هيكل سليمان. وفي 21 من آب سنة 1969 م يحرق اليهود المسجد الأقصى. هل يمكن أن يكون هذا صدفة؟ أنا أقول - وهذا ليس تنبُّؤاً، إنما هو حساب محسوب: يوم 21 من آب سنة 1970 م سيوضع الحجر الأساس لهيكل سليمان، ذلك لأن اليهود يهتمون برقم سبعة، ويعتبرونه رقماً ربّانيّاً، وكل الأعمال الكبيرة يعملونها في السبعة. مثلاً: سنة 1897 كان المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرة. سنة 1907 م بدء الهجرة اليهودية بطاقات كبيرة. سنة 1937 م وضع الحجر الأساس في جيش الهاجاناه. سنة 1947 م كان قرار التقسيم. ¬_______ (¬1) الأيام الحاسمة: ص 60 - 61.

9 - موقفه من المستشرقين

سنة 1957 م كان الإبحار في إيلات. وسنة 1967 م كان لهم النصر العظيم في حرب حزيران (¬1) 9 - موقفه من المستشرقين: اللواء خطاب عسكريّ يقظ، لا تلتبس عليه الأمور، ولا يستطيع الخبثاء من المستشرقين والمستعمرين التدليس عليه، أو الإيقاع به، في دراساتهم المطليّة بالموضوعية والبحث العلميّ - زعموا - وهي مليئة بالمفتريات والافتيات على كل ما يمتّ إلى العروبة والإسلام بصِلة .. إنها سموم مطلية بحلاوة صناعية .. ولمعرفة خطّاب بهذا، انطلق في اتجاههم .. واجههم .. تصدّى لهم .. وتعقّبهم، وألقمهم أحجاراً تسدّ أفواههم ذات الأنياب الحمر والزرق، وتكسر أقلامهم، في أبحاث علميّة رصينة، قائمة على الأدلّة والبراهين. فمثلاً البطل عقبة بن نافع، كان، وما يزال وسيبقى، المثل الأعلى للقائد الفاتح، والبطل الفذ، والمؤمن الحق، والمجاهد الصادق، لذلك حاول الاستعمار بأذنابه، الانتقاص من قدره قائداً، ليحطم تأثيره العميق في نفوس العرب والمسلمين في شمال إفريقية بخاصة، وفي العالم العربي والإسلاميّ كلّه بعامّة. ردّ خطّاب على أولئك الحاقدين من المستشرقين وأذنابهم المستغربين في كتاب كامل قوامه (327) صفحة، كما تعقّبهم وردّ عليهم مزاعمهم في أهداف الفتح الإسلامي، وفي سواها من الموضوعات، وكتبه مليئة بهذه الردود المهمّة. ¬_______ (¬1) مجلة لواء الإسلام: 24/ 5 لعام 1970.

10 - بناء الرجال

10 - بناء الرجال: يعوِّل خطّاب أكثر ما يعوِّل على أن تكون البدايات التربوية سليمة. فالعناية تبدأ في البيت، والآباء والأمهات أول من يُسأل عن تربية الأطفال قبل ولوجهم رياض الأطفال .. يربّونهم على الفضيلة، ويغرسون في عقولهم عقيدة الإسلام، ومبادئه، وحبّ الخير، والصدق، والأمانة .. ويكون كل من الأبوين قدوة حسنة لأطفالهما، فهي تؤثر فيهم أعمق التأثير، والأطفال المنحرفون، هم نسخ طبق الأصل عن آبائهم المنحرفين، وأمهاتهم المنحرفات. ثم يأتي دور المدرسة، ومناهجها، ومعلّميها .. ويرى الكاتب أن تكون المناهج مستمدَّة من تعاليم الإسلام، وأن يُعَدَّ المعلمون إعداداً سليماً، ثم يأتي دور المسجد، وهنا يؤكد على وجوب إقامة المساجد في كل مدرسة ومعهد وكلية، وحث التلاميذ والطلاب على أداء فريضة الصلاة فيها جماعة ودعا إلى تنظيم رحلات جماعية لهم لأداء العمرة وفريضة الحج، فهي توجّههم إلى الخير والنور، وقد حجَّ خطّاب وهو تلميذ في الصف الثالث الإعدادي، وكان أثر ذلك في نفسه وحياته ورسم مستقبله عظيماً. ودعا إلى مراقبة تصرفات التلاميذ والطلاب والمعلمين، ووضع حدّ للانحراف والمنحرفين بحزم وقوّة قبل أن يستفحل الداء، ويصعب أو يعزّ الدواء. 11 - شروط النَّهضة: يحدّد اللواء خطاب الشروط الواجب تحقّقها في العلماء، من أجل النهوض بالأمة العربية والإسلاميّة فيراها في: " سعة الأفق العلمي التي

12 - مع الزعماء

تمكّن من فهم العصر وما يعتوره من مشكلات، وما تتطلبه من حلول في ضوء الإسلام. ثم في الإخلاص لله، بحيث لا يخاف - العالم - في الحقّ لومة لائم. والثالث: الحفاظ على كرامة العلم، فلا يمتهنها بالحاجة لغير الله. يقول: " إن المسلمين اليوم في حاجة ماسّة إلى قادة كخالد والمثنّى و ... إلا أنّ حاجتهم إلى العلماء العاملين أمسُّ وأشدّ. " هناك أزمة ثقة بين الشيوخ والشباب، ومردّ هذه الأزمة إلى فقدان عنصر القدوة الصالحة في معظم الذين يُعدّون في الشيوخ، ويظنون أنّ كلّ ما عليهم، هو أن يحسنوا عرض الموعظة السطحية، ولو كان سلوكهم الشخصي أبعد ما يكون عما يدعون إليه " (¬1). 12 - مع الزعماء: قال اللواء خطاب: " لقد رأيت قبل اليوم - ولا أقول: زرت - كثيراً من الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء والقادة والزعماء، وكثيراً من ذوي الجاه والسلطان، في نطاق البلاد العربية والدول الإسلامية وغير الإسلامية أيضاً، فكان شعوري عند رؤيتهم متفاوتاً بين الاحترام، والسخرية، والرثاء: احتراماً للذين يعملون من أجل المصلحة العامة حقاً، بكفاية وإخلاص، منكرين أنفسهم، ناسين مصالحهم الشخصية. وما أقلَّهم!. وسخرية من الذين لا يعرفون واقعهم وأقدار أنفسهم، فيتخيّلون لأنفسهم عظمة لا وجود لها، وإنجازات لا حقيقة لها، ويصدّقون مَنْ ¬_______ (¬1) محمد المجذوب - علماء ومفكرون عرفتهم: 1/ 344.

13 - موقفه من الوحدة العربية

حولهم من الإمّعات والتافهين والوصوليّين والهتّافين وأشباه الرجال، في ادّعاءاتهم الباطلة؛ عبقرية ونبوغاً. ورثاء للذين يشغلون مناصب أكبر من قابلياتهم .. فهم أقزام يطمعون أن يصبحوا عمالقة، فأرشدتهم حاشية السوء إلى أنّ السبيل إلى ذلك، هو أن يحطّموا العمالقة، ليخلو لهم الجوّ، فلا استطاعوا أن يحطّموا العمالقة، ولا استطاعوا أن يصبحوا عمالقة، وبقوا أقزاماً لا يستحقون إلا الرثاء .. ولكنني لم أشعر مطلقاً بأيّ نوع من أنواع الاضطراب عند رؤيتهم جميعاً، ولم أخش منهم أحداً، فليس لديّ ما أخافهم عليه، وليس لديهم ما أطمع فيه، وما عند الناس لا يبقى، وما عند الله خير وأبقى. ولو أن الإنسان أخرج من نفسه كلمة واحدة، هي الطمع، بما فيها من معان، لانكشف عنه الغطاء، ولنظر إلى ملكوت السماوات والأرض " (¬1). إنه شموخ المسلم المعتز بإيمانه وإسلامه وكرامته .. وأين هذه المعاني من الكتاب والمثقفين والعلماء والزعماء الذين لا يعرفون غير العبودية للمتألهين في الأرض من الطواغيت!. 13 - موقفه من الوحدة العربية: اللواء خطاب وحدوي حتى العظم، والوحدة جزء من عقيدته كسائر المسلمين. يقول: " والوحدة قدر، والقدر أقوى من البشر. بها يكون العرب كل شيء، وبدونها يكون العرب لا شيء. وهي سلاحٌ يقضي على إسرائيل، والتفرقة سلاحٌ يقضي على العرب. وإذا كانت الوحدة ضرورية أبداً، فإنها ¬_______ (¬1) تدابير القدر: ص 71 - 72.

14 - الإسلام هو الحل

أصبحت أكثر من ضرورية بعد خلق إسرائيل .. إنها قضيّة مصير .. إنها قضيّة حياة أو موت. والذين يقاومون الوحدة نكاية بأشخاص معيّنين، مخطئون، كالذين يريدون الوحدة من أجل أشخاص معيّنين .. إن الوحدة إلى بقاء، والأشخاص إلى فناء. فيجب أن نعمل للوحدة من أجل الوحدة، ومن أجل عزة العرب ومجدهم، ومن أجل القضاء على إسرائيل " (¬1). وضرب لنا مثلاً بإخوان سورية الذين وقفوا ضدّ انفصال سورية عن مصر، على الرغم ممّا ذاقوه هم وإخوانهم في مصر على يد جمال عبد الناصر ونظامه المفْرط في الديكتاتورية والقسوة والاستبداد. 14 - الإسلام هو الحل: الإسلام هو الحل لسائر قضايا الأمة؛ السياسية والاقتصادية والعسكرية، والاجتماعية، وبغير الإسلام تتفاقم المشكلات، وتتردَّى الأمّة، ويطمع بها أعداؤها، فنحن أمّة أعزنا الله بالإسلام، فإذا طلبنا العزة بغيره، أذلّنا الله. 15 - موقفه من الأرقام: يصرّ على أن الأرقام التي نستخدمها في المشرق هي الأرقام العربية، ويرفض الأرقام التي يستخدمها إخواننا في المغرب العربي، ويعدّها أجنبية، أو .. عربية بالاسم لا بالواقع، ويقول: كل الكتب التراثية التي وصلت إلينا مرقمة بأرقامنا نحن المشارقة، ولم أرَ كتاباً عربياً واحداً مرقَّماً بالأرقام المستخدمة في المغرب. ولذا كان يستنكر على المغاربة والمشارقة كتابة الأرقام بالحرف ¬_______ (¬1) طريق النصر: ص 287.

16 - كتابة القرآن بالإملاء الحديث

اللاتيني أو الأجنبي كما يقول، ويدعوهم إلى كتابتها كما نكتبها نحن في المشرق العربي. 16 - كتابة القرآن بالإملاء الحديث: لا يجيز كتابة القرآن الكريم بالإملاء الحديث في مصحف يُتلى، ويناقش في هذا ويثور ويغضب على من يدعو إلى إعادة كتابته كما نكتب الآن. مع إقراره بأن الرسم العثماني للمصحف ليس توقيفياً، كان يستثنيني لأني أدعو إلى كتابة المصحف حسب الإملاء الحديث، حتى يتمكن المثقفون ناهيك عن المتعلمين وأنصاف المتعلمين من قراءته سليمة صحيحة. 17 - يقول بالاتباع، ويصرّ عليه، ويرفض الابتداع في الدين، ويهاجم المبتدعين بشدّة، لأن الاتباع مضمون، والابتداع غير مأمون. 18 - يرى أن العلم يحتاج إلى تفرّغ كامل، فإذا لم تعط العلم كلَّك، لم يعطك بعضه. ولهذا قرّر التفرّغ للعلم، ولولا تفرُّغه للعلم - كما يقول - لما استطاع أن يصنع شيئاً يُذْكَر. ***

المناضل المجاهد

المناضل المجاهد كان اللواء خطاب مجاهداً مناضلاً في سائر أطوار حياته المستقيمة، منذ كان تلميذاً صغيراً يشارك في المظاهرات الطلابية ضدّ الاستعمار البريطاني، وبعد أن شبّ وصار طالباً ضابطاً، ثم ضابطاً في سلاح الفرسان، ثم ضابطاً كبيراً يخشاه الطواغيت، فيحاولون إبعاده عن مواطن التأثير والاحتكاك بالشعب حيناً، أو يسجنونه حيناً آخر، ويشتدون في تعذيبه، لعله يرتدع ويسايرهم أو يسكت عن ظلمهم وطغيانهم وخيانتهم لشعبهم وأمّتهم ... ولكن .. هيهات. فالذي لا يأتي بالترغيب، ولا يكترث بالذهب والمناصب، يرهبه التعذيب، ويردّ إليه عقله المشغول بمصلحة الوطن أرضاً وشعباً، وقلبه المسكون بدين الله والوطن والقيم العربية والإسلامية، حتى بلغ الأمر بالطاغية عبد الكريم قاسم وزبانيته أن يكسروا له (43) عظماً تحت التعذيب الوحشي، ولا يخرجوه من سجنه إلا بعد أن ظنّ هو وجلاوزته جلادُو الشعب، أن خطاباً قد انتهى، ولا يريدون أن يجعلوا منه شهيداً، فأخرجوه من السجن ليموت في بيته، كما يموت الناس العاديون، لا كما يموت الفرسان المجاهدون، ولكن .. أبى الله ذلك، وعاش خطّاب، واندثروا هم كالجيف، الأحياء منهم والأموات: لا يذكرهم الناس إلا باللعنات، وهم يتوارون خوفاً وخجلاً من الناس. فاللواء خطاب مناضل، له عينان ذكيتان، رأتا " أن الضباط الذين

لديهم سجيّة عسكرية، يعملون في غير مجالاتهم، واختصاصهم، أو متقاعدون في بيوتهم، أو شهداء برصاص بني قومهم " (¬1)، كما فعل الشيوعيون الأنذال في مجزرة أم الطبول في بغداد أيام عبد الكريم قاسم، وكما فعل سواهم بأحرار العراق من بعد قاسم العراق. مثل هذه الظروف الشاذة، من حكام شواذ، لا يستطيع اللواء خطاب السكوت عنها .. لابدّ له من فضحها بلسانه وقلمه، يحرّض بهما أحرار الشعب، من عسكريين ومدنيين، ليثوروا بأولئك الشواذ، ولذلك تراه يتساءل مستنكراً: " فأين من يستقطب الضباط أصحاب السجية العسكرية النادرة، ويعطي لهم الصلاحيات الكاملة، للعمل في مجالهم العسكري، حتى تعرف إسرائيل ومن وراء إسرائيل من دول الاستعمار القديم والحديث، أيّ أمّة عريقة هم العرب، وأيّ رجال أبطال هم بنوها! " (¬2). إنه صاحب بصيرة، يفكر بالماضي، ويحلّل الحاضر، لتكون نظرته المستقبلية صائبة .. وهذا ما يأباه الطغاة المسكونون بأنانيّاتهم، ومصالحهم الذاتية، مهما كانت تافهة، وضارّة ومضرّة بالوطن والمواطن. ونستطيع أن نرصد جهاده على محورين: الأول: داخلي، ويتمثل في نضاله مع أبناء الشعب العراقي من أجل التحرر من المظالم التي يوقعها الحكام الظلمة بالشعب العراقي، وقد تمثل هذا في المظاهرات التي شارك فيها وهو طالب. ثم عندما قام القائد المجاهد رشيد عالي الكيلاني بثورته المسلّحة ضد الإنكليز المحتلين عام 1941 م، التحق الضابط خطاب بالثورة، ¬_______ (¬1) عقبة بن نافع الفهري: ص 11. (¬2) المرجع السابق: ص 12.

وشارك فيها مشاركة فعّالة، وجُرح في تلك المعارك جروحاً بليغة غائرة، وكان الأمل في بقائه على قيد الحياة ضئيلاً، ولكنّ الله سلمه (¬1). ثم وهو ضابط (آمر فوج مشاة بالموصل) سنة 1956 م عندما نشبت المظاهرات العارمة في الموصل، ضدّ العدوان الثلاثي على مصر، فتصدّت الشرطة للمتظاهرين، وأطلقت النار عليهم، وسقط عدد من الشهداء، وجُرح آخرون، فبادر إلى أن يتولى بنفسه مسؤولية الأمن والنظام في الموصل، وحافظ على حياة المتظاهرين والشرطة، وطوّق الفتنة، وتصدّى لبعض عناصر السلطة التي كانت ترغب في التنكيل بالناس دون مسوِّغ، على عادة الطواغيت في بلاد العرب والمسلمين، وأدّى هذا إلى غضب تلك العناصر، فسعت إلى نقله من مدينته إلى الديوانية، وحاولت إبعاده عن الجيش، ولكن الرجال الخيّرين حالوا دون ذلك (¬2). وفي أثناء المدّ الشيوعي أيام حكم عبد الكريم قاسم، تصدّى للشيوعيين، وحال بينهم وبين تنكيلهم بأبناء الشعب، قتلاً، وسحلاً، وشنقاً، وعدواناً على الأموال والأعراض، فوشوا به إلى طاغية العراق - وما أكثر الطغاة في العراق المظلوم على الزمان - فأمر باعتقاله وتعذيبه من سنة 1959 م إلى منتصف عام 1961 م ثم أفرج عنه، بعد أن ترك التعذيب الوحشى أثره في جسده، في 43 كسراً في عظامه (¬3). الثاني: جهاده في فلسطين، فقد تقدَّم - مختاراً - بطلب إلى المراجع العسكرية عام 1948 م، وكان برتبة نقيب ركن، ليسمحوا له بالالتحاق ¬_______ (¬1) المخطوطة عن حياته بخط يده: ص 13. (¬2) المرجع السابق: ص 13. (¬3) المرجع السابق.

بالقطعة التي سوف تتوجه إلى فلسطين لقتال اليهود. وقد شارك في عدة معارك، وضرب أروع الأمثلة بشجاعته، وحنكته، وحسن تصرفه قبل القتال وأثناءه وبعده، وبقي في مدينة (جنين) أكثر من سنة، ثم جاءت الأوامر بعودة الجيش العراقي إلى العراق، فعاد معه. وما يزال أهل جنين يذكرون الضابط العراقي البطل محمود شيت خطاب بالحبّ والإكبار (¬1). قال اللواء خطاب عن نفسه: " إنني أؤمن بأن الحرب الإجماعية تقتضي الجهاد بالمال، والجهاد بالأنفس، والجهاد بالأقلام، لنيل النصر المؤزَّر. وقد حبستُ قلمي على الجهاد في فترة الأيام العصيبة قبيل اندلاع الحرب يوم 5 حزيران 1967 م فلما وقعت الحرب بين العرب وإسرائيل، حاولت أن أجاهد بروحي، فلم يكتب الله لي الشهادة في ساحات القتال " (¬2). وقال عن معركة (جنين) التي أبلى فيها بلاء رائعاً في عدة معارك ضارية: أجنينُ إنكِ قد شهدتِ جهادنا ... وعلمتِ كيف تساقطتْ قتلانا أجنينُ لا أنسى البطولة حيّةً ... لبنيكِ حتى أرتدي الأكفانا أجنينُ يا بلد الكرام تجلّدي ... ما مات ثأرٌ ضرّجتْه دمانا إنَّ الخلودَ لمن يموتُ مجاهداً ... ليسَ الخلودُ لمَنْ يموتُ جَبانَا ولعلّ من المناسب أن نذكر، أن اللواء خطّاباً لم يشاهَد وهو يضحك ¬_______ (¬1) من حديث مع الأستاذ المؤرخ للقضية الفلسطينية بوعي وصدق وإخلاص، حسني أدهم جرار في مناسبات وأوقات عدّة. (¬2) الأيام الحاسمة: ص 7.

ولم يبتسم منذ اندحار العرب في حرب حزيران، وكان دائم التقطيب والتجهّم، وإذا ألقيتَ على مسامعه نكتة، أو طرفة، وراقبتَ وجهه، فسوف تراه يتمعّر ويكظم غيظه من إلقاء النكتة والابتسام لها، وقد حاول الأستاذ الشيخ محمد الغزالي أن يضحكه بأكثر من نكتة، فكان اللواء يشيح بوجهه عنّا، ويزداد حزنه وألمه لضحكاتنا .. كان هذا في بيت اللواء خطاب، أثناء زيارة الشيخ الغزالي لبغداد، لحضور المؤتمر الإسلامي الشعبي عام 1990 م. كان يرى من العار على العربي المسلم أن يفرح أو يبتسم بعد هزيمة حزيران، واحتلال ما بقي من فلسطين، وأسْرِ الأقصى وقبّة الصّخرة، وانتهاك القدس. ***

الفصْل الثّاني تعريف بمؤلفاته

الفصل الثاني تعريف بمؤلفاته

الفصل الثّاني تعريف بمؤلفاته اللواء الركن محمود شيت خطاب كاتب غزير الإنتاج، بلغت مؤلفاته وأبحاثه المطبوعة والمخطوطة والمنثورة في عدد من المجلات العربية - وبعض كتبه يصلح أن يكون عدّة كتب - بلغت أربع مئة كتاب وبحث. سوف نسرد - فيما يلي - أهمّ تلك الكتب، ثم نعرّف ببعضها، ونترك بعضها الآخر لكتاب كبير آخر عن هذا العملاق. وخاصة سلسلة التراجم عن قادة الفتوح، لأنها تسلك مسلكاً واحداً، وينهج الكاتب فيها منهجاً واحداً لا يكاد يحيد عنه إلا قليلاً .. فهو يتحدث عن نسبه، ونشأته الأولى، ثم عن جهاده، ثم عن صفاته الإنسانية التي تميّز بها من سواه، ثم عن قيادته، ثم .. ماذا قال عنه التاريخ .. وإذا كان القائد المجاهد مشهوراً بصفة غلبت عليه، كالعلم، أو الفقه، أو الشعر، توقّف عندها، كما فعل بالقائد الشاعر عبد الله بن رواحة، وبالقائد الفقيه أسد بن الفرات، وبسواهما. ولكنك تجد في ترجمة كلّ شخصية مذاقاً خاصاً به، لا تجده في سواه. كما أنّ المقدمات الممهّدة للدخول إلى تلك الشخصيات، مهمّة جداً، فهو يسيح بقارئه سياحة تاريخية وجغرافية واجتماعية وسياسية تؤطر لحيوات أولئك الفاتحين. مثلاً في كتابه: (قادة فتح السند وأفغانستان)

يتحدث عن البلاد الساسانية في عهد الساسانيين، بل وقبل الساسانيين .. عن النظم السياسية والاجتماعية .. عن تنظيم الدولة، والإدارة المركزية. وعن عقيدة تلك الدولة، وأثر الدين في الفرس، وعن الجيش، والملوك، والشعب. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالهند قبل الفتح الإسلاميّ وبعده .. يحدّثك عن الهند القديمة، وعن الحضارة، وعن طبيعة الهند، وأجناس سكانها ولغاتهم، ومعتقدات الهند القديمة .. وهكذا إلى أن يصل إلى قادة فتح تلك البلاد. وكذلك الأمر في التمهيد للحديث عن قادة الفتح في أفغانستان، فهو يحدثك عن أفغانستان قبل الفتح الإسلامي وفي أثنائه، وعن طبيعة أفغانستان، ثم عن فتحها، وصولاً إلى قادة الفتح .. وهكذا .. كما سنرى بعد قليل إن شاء الله تعالى. ***

مسرد بالكتب المطبوعة

مسرد بالكتب المطبوعة 1 - في التراجم: 1 - الرسول القائد - ط1 عام 1958 م في 540 ص. 2 - الصدّيق القائد - في 320 ص. 3 - الفاروق القائد - ط1 عام 965 1 م في 230 ص. 4 - خالد بن الوليد المخزومي - ط1 عام 1970 م في 320 ص. 5 - عقبة بن نافع الفهري - ط1 عام 1971 م في 320 ص. 6 - عمرو بن العاص- جزءان - ط1 عام 1996 م في 382 ص. 7 - قادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ط1 عام 1995 م في 669 ص. 8 - سفراء النبي - صلى الله عليه وسلم - جزءان - ط1 عام 1996 م في 1262 ص. 9 - قادة فتح العراق والجزيرة - ط1 عام 1964 م في 500 ص. 10 - قادة فتح بلاد فارس - ط1 عام 1964 م في 520 ص. 11 - قادة فتح بلاد الشام ومصر - ط1 عام 1964 م في 540 ص. 12 - قادة فتح بلاد المغرب العربي (جزءان) ط1 عام 1965 م في 560 ص. 13 - قادة فتح السند وأفغانستان - ط1 عام 1998 م في 422 ص. 14 - قادة فتح أرمينية - ط1 عام 1998 م في 504 ص. 15 - قادة فتح بلاد الروم (جزءان) - ط1 عام 1998 م. 16 - قادة فتح بلاد ما وراء النهر - جزءان - ط1 عام 1998 م في 524 ص.

2 - في الدراسات العسكرية

17 - قادة فتح بلاد الأندلس- جزءان - مخطوط. 18 - ومضات من نور المصطفى - ط1 عام 1972 م في 120 ص. 19 - هنيبال. 20 - المشير فون رونشتد - ط1 عام 1962 م في 400 ص. 2 - في الدراسات العسكرية: 1 - بين العقيدة والقيادة - ط1 عام 1972 م في 650 ص. 2 - دروس في الكتمان - ط1 عام 1969 م في 55 ص. 3 - إرادة القتال في الجهاد الإسلامي - ط1 عام 1964 م في 40 ص. 4 - الرسالة العسكرية للمسجد - ط1 عام 1968 م في 320 ص. 5 - غزوة بدر الكبرى - ط1 عام 1972 في 48 ص. 6 - العسكرية العربية الإسلامية - ط1 عام 1983 م في 200 ص. 7 - المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم - جزءان - ط1 عام 1966 م في 1000 ص. 8 - أهمية توحيد المصطلحات العسكرية - ط1 عام 1965 م في 40 ص. 9 - المعجم العسكري الموحِّد (عربي - إنكليزي) ط1 عام 1972 م في 800 ص. 10 - المعجم العسكري الموحِّد (إنكليزي - عربي) ط1 عام 1970 م في 1000 ص. 11 - المعجم العسكري الموحِّد (فرنسي - عربي) - ط1 عام 1971 م في 800 ص.

12 - المعجم العسكري الموحِّد (عربي - فرنسي) - ط1 عام 1973 م في 800 ص. 13 - تعريب المصطلحات العسكرية وتوحيدها - ط1 عام 1985 م في 63 ص. 14 - أهداف إسرائيل التوسعية - ط1 عام 1966 م. 15 - الأيام الحاسمة قبل معركة المصير - ط1 عام 1967 م في 250 ص. 16 - حقيقة إسرائيل - ط1 عام 1967 م في 220 ص. 17 - طريق النصر في معركة الثأر - ط1 عام 1966 م في 495 ص. 18 - الوجيز في العسكرية الإسرائيلية - ط1 عام 1967 م في 250 ص. 19 - دراسات في الوحدة العسكرية العربية - ط1 عام 1968 م في 260 ص. 20 - التصور الصهيوني للتفتيت الطائفي - في 100 ص. 21 - القتال في الإسلام. 22 - الأمثال العسكرية في كتاب (مجمع الأمثال). 23 - الوحدة العسكرية العربية - ط1 عام 1970 م في 350 ص. 24 - العسكرية الإسرائيلية - ط1 عام 1968 م في 600 ص. 25 - العدو الصهيوني والأسلحة المتطورة - ط1 عام 1987 م في 350 ص. 26 - جيش النبي - صلى الله عليه وسلم - ط1 عام 1980 م في 100 ص. 27 - الإسلام والنصر - ط1 عام 1972 م في 248 ص. 28 - التدريب الفردي ليلاً - ط1 عام 1954 م في 150 ص. 29 - القضايا الإدارية في الميدان - ط1 عام 1950 م في 200 ص.

3 - قصص وحكايات

30 - الشورى العسكرية النّبويّة - ط1 عام 1990 م في 174 ص. 31 - الشورى في المواثيق والمعاهدات النبوية - في 200 ص. 32 - الأدلة الرسمية في التعابي الحربية (تحقيق) - ط1 عام 1988 م في 272 ص. 33 - أسباب انتصار الرسول القائد. 34 - التوجيه المعنوي للحرب. 35 - أسرار الحرب العالمية الثانية. 3 - قصص وحكايات: 1 - عدالة السماء - ط1 عام 1972 م في 120 ص. 2 - تدابير القدر - ط1 عام 1980 م في 102 ص. 3 - الرقيب العتيد، في 200 ص. 4 - اليوم الموعود، في 250 ص. 5 - السفارات النبوية - ط1 عام 1987 م في 500 ص. 6 - أقباس روحانية - ط1 عام 1976 م في 180 ص. 7 - نفحات روحانية - ط1 عام 1988 م. 4 - في النقد: 1 - نقد كتاب: خطة الحسبة - ط1 عام 1988 م في 60 ص. 2 - الفهرس الموضوعي لآيات القرآن الكريم - ط1 عام 1989 م في 18 ص. وغيرها، وغيرها، من الأبحاث، والمحاضرات، والندوات. ***

الإهداءات

الإهداءات (المكتوب يظهر من عنوانه) هكذا قالوا، وقولهم صحيح، فأنت من الكلمات القليلة التي تقرؤها على الظرف (مغلّف الرسالة)، تستطيع أن تعرف ما إذا كان صاحب الرسالة راضياً عنك، محبّاً لك، أو ساخطاً عليك، وكذلك تعرف الرجل الكاتب من عنوان كتابه، ثم من الصفحة الأولى التي تلي العنوان، فإذا بدأ الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم، عرفت أنه مسلم مؤمن بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا قرأت الإهداء الذي يلي البسملة، عرفت أيّ رجل هذا الذي كتب الكتاب، ومضمون الكتاب بعامة. وعندما نطالع (إهداءات) اللواء خطاب، ندرك أن الرجل مجاهد، ويتحدث إلى المجاهدين. ففي كتابه عن (عقبة بن نافع الفهري) صدّر الكتاب بالآية الكريمة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .... مِّنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23]، ثم جاء الإهداء: إلى المجاهدين القدامى الذين بذلوا أرواحهم لنشر لغة القرآن، وتعاليمه، في ربوع إفريقية. وإلى المجاهدين الجدد الذين بذلوا أرواحهم لتثبيت دعائم لغة القرآن وتعاليمه في إفريقية. أقدّم سيرة بطل من أبطال فتح إفريقية: " عقبة بن نافع الفهري ". فالجهاد هو ما يشغله، والمجاهدون دائماً في فكره وذهنه وحياته،

من الذين قضوا نحبهم شهداء، ومن الذين ما يزالون ينتظرون الشهادة على دروب الجهاد. وأهدى كتابه: (قادة فتح العراق والجزيرة) إلى (سيد القادات، وقائد السادات، بطل الأبطال، ورجل الرجال، الرسول القائد، النبي العربيّ محمد بن عبد الله، صلوات الله وتسليمه عليه، أهدي سير خريجي مدرسته، ودعاة عقيدته، وحماة مبادئه، ورافعي راياته: قادة الفتح الإسلامي)، وكذلك في كتابيه: (سفراء النبي - صلى الله عليه وسلم -)، و (قادة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -) جاء في إهدائه: " إلى سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وإمام المجاهدين، أهدي سير قادة سراياه، من خريجي مدرسته في الجهاد، لإعلاء كلمة الله في الأرض، وقيادة البشرية للتي هي أحسن ". فالجهاد ديدنه، والرسول القائد إمام المجاهدين، وخلفاؤه الغرّ الميامين، أولى الناس بإهداء أعماله الجهادية إليهم. فقد أهدى كتابه: (قادة فتح الشام ومصر) إلى " أول من بعث الجيوش لفتح الشام، تنفيذاً لمخططات الرسول القائد - عليه أفضل الصلاة والسلام - في الفتح .. إلى ثاني اثنين إذ هما في الغار .. إلى الصدّيق أبي بكر، - رضي الله عنه -، أهدي سير بعض قادته الذين جاهدوا تحت لواء الإسلام، لتكون كلمة الله هي العليا ". وأهدي كتابه: (قادة فتح بلاد فارس) " إلى بطل الفتح الإسلامي الفاروق عمر بن الخطاب. أعزّ الله بك الإسلام، وأظهره حين أسلمت، وفرّق بك بين الحقّ والباطل حين آمنت، وجعل الحقّ على لسانك وقلبك.

كان إسلامك فتحاً وهجرتك نصراً وإمارتك رحمة وكان عهدك هو العهد الذهبي للفتح الإسلامي العظيم. وهذه البلاد بعض ما فتح الله على يديك وأيدي قادتك .. فمن أولى منك بإهداء هذا الكتاب عن قادتك إليك؟ رضي الله عنك وأرضاك. وجعلك قدوة حسنة للحاكمين في بلاد العرب وديار الإسلام ". إنه قطعة أدبية راقية، فيها من معاني الجهاد، والحق، والفتح، والإيمان، والعدل، والتوجيه والإرشاد للحكام شيء كثير، مما يشغل بال المؤلف، ويسعى إلى تثبيته في العقول والقلوب والنفوس المؤمنة المسلمة. وأهدى كتابيه: (قادة فتح السند وأفغانستان)، و (قادة فتح المغرب العربي) إلى ذي النورين: عثمان بن عفان، وقال في إهدائه: " كنت من السابقين الأولين، فصلّيت إلى القبلتين، وهاجرتَ الهجرتين .. وجهّزت جيش العسرة بمالك .. وجمعت القرآن الكريم في أيامك .. وكنت أول من بعث الجيوش لفتح إفريقية، فأصبحت تلك البلاد عربية إسلامية منذ فتحها المسلمون، وستبقى عربية إسلامية إلى الأبد بإذن الله. وهذا الكتاب تذكير بجهادك، وذكرى لأمجادك، فهو منك وإليك، رضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنة مستقرّك ومثواك ". وأهدى كتابه: (قادة الفتح الإسلامي في بلاد ما وراء النهر) إلى

" سيف الله الغالب، الإمام عليّ بن أبي طالب ". ولم ينس المؤلف أن يهدي بعض كتبه إلى المجاهدين في العصر الحديث، لأنهم يسيرون على خطا السلف الصالح المجاهد، فقد أهدى كتابه: (دروس في الكتمان من الرسول القائد) إلى (الفدائيين الفلسطينيين الذين يتكلمون بالدم)، وأهدى كتابه: (دراسات في الوحدة العسكرية العربية) إلى من يأمل أن يكون: " القائد الذي يجاهد من أجل الوحدة، ويوحّد من أجل الجهاد، فيستعيد القدس وفلسطين من إسرائيل بالوحدة والجهاد "، وكذلك أهدى كتابه: (بين العقيدة والقيادة) إلى " من يتطلع أن يكون القائد الذي يرفع راية الإسلام فوق المسجد الأقصى، ويستعيد الأرض المقدّسة للعرب من إسرائيل "، فالقدس، وفلسطين لا تغيبان عن عقله وقلبه لحظة واحدة، وما ينبغي لمثله من القادة المجاهدين أن ينساهما .. وأهدى كتابه: (طريق النصر في معركة الثأر) " إلى البطل صلاح الدين الأيوبي الذي طرد الصليبيين من فلسطين .. وإلى البطل الذي يعيد ذكرى صلاح الدين، فيطرد إسرائيل من فلسطين .. وإلى الصابرين المحتسبين من العائدين في كل مكان .. أهدي هذا الكتاب تحيةً وتذكيراً ". وأهدى كتابه: (الإسلام والنصر): " إلى الذين يتكلمون بالدم، ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ". وأهدى كتابه: (الأيام الحاسمة قبل معركة المصير): " إلى أرواح الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فبذلوا أرواحهم رخيصة، دفاعاً عن الشرف، وتقديراً وإكباراً وإجلالاً ". هذا هو اللواء المجاهد خطاب، لا يشغله عن الجهاد شاغل، وهو يرنو ويتطلع إلى القائد الذي سيأتي من رحم الغيب، ليحمل راية الجهاد،

ويعيد إلى العربي المسلم كرامته وأرضه .. يعيد المسجد الأقصى الأسير المهدّد بالقتل والتدمير، وقبّة الصّخرة التي تستغيث ولا مغيث، وفلسطين التي تئنّ تحت بساطير الغزاة المحتلين، تستجير ولا مجير .. تصرخ .. تنادي: " وإسلاماه .. وا عروبتاه .. ولكنها صرخات مخنوقة، في أودية سحيقة. اللواء خطّاب لم يُهْدِ كتاباً واحداً إلى أيّ حاكم، كما فعل ويفعل سواه، وما ينبغي له ولأمثاله إلا أن يكونوا فوق المادّة وإغراءاتها .. فوق الدينار والدولار .. فأبناء الإسلام العظيم عظماء .. وما ينبغي لهم إلا أن يكونوا عظماء عظماء. ***

الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -

الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - يتألف هذا الكتاب من مقدمتين وخمسة عشر بحثاً، مع سبع خرائط ومخططات في (359) صفحة، تحدث في المقدمة عن القيمة الحربية لدى الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -، التي لا تعادلها أي قيمة حربية أخرى، لأيّ قائد قديم أو حديث، ولكن الكاتبين في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحربية، لم يوفّوا هذا الجانب المهمّ حقّه، الأمر الذي دفع المؤلف إلى تأليف هذا الكتاب، وتقديمه إلى الناس بأسلوب علمي بسيط، نسّق فيه المعلومات، وتطرّق إلى الموقف العام للطرفين المتحاربين قبل المعركة، وبيّن أهداف كلّ معركة، وقوات الطرفين، وسير الحوادث قبل القتال، وأثناءه، وبعده، ونتائج المعركة، ودروسها المفيدة، وأوضح ذلك بالخرائط والمخططات والأشكال، لمعرفة مواقع المعركة، وأسلوبها، وأسلحتها .. من أجل أن يعيش القارئ في جوّ المعركة، ويطّلع على تفاصيلها، ليحصل من ذلك على معلومات وافية عن المعركة بتفصيلاتها. وأغفل المؤلف الحوادث التي يستحيل حدوثها في المعركة، تلك التي يريد بعض المؤرخين أن يقولوا: إن انتصار الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان بالخوارق والمعجزات، لا بتطبيقه مبادئ الحرب. مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان قائداً واقعياً بعيداً عن الخيال، إذا أراد شيئاً، هيّأ له أسبابه. " لقد عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكل مبادئ الحرب المعروفة، إضافة إلى مزاياه الأخرى - الشخصية - في القيادة، لهذا انتصر على أعدائه، ولو

أغفل شيئاً من الحذر والحيطة والاستعداد، لتبدّل الحال غير الحال ". " إن النصر من عند الله، ما في ذلك شك، ولكن الله لا يهب نصره لمن لا يعرف متطلبات القتال كافة ". " إن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - العسكرية، أثبتت بشكل جازم لا يتطرق إليه الشك أن انتصاره كان لشجاعته الشخصية، وسيطرته على أعصابه في أحلك المواقف، ولقراراته السريعة الحازمة في أخطر الظروف، ولعزمه الأكيد على التشبث بأسباب النصر. ولتطبيقه كل مبادئ الحرب المعروفة في كل معاركه ". " ويمتاز الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن غيره من القادة في كل زمان ومكان، بميزتين مهمتين: الأولى: أنه كان قائداً عصامياً. والثانية: أن معاركه كانت لفرض حماية حرية نشر الإسلام، ولتوطيد أركان السلام، لا للعدوان، والاغتصاب، والاستغلال ". قسّم المؤلف حياة - صلى الله عليه وسلم - العسكرية إلى أربعة أدوار: دور التحشد، ودور الدفاع عن العقيدة، ودور الهجوم، ودور التكامل، وبذلك بزّ كل قائد في كلّ أدوار التاريخ، لأنه أوجد قوة كبيرة، ذات عقيدة واحدة، وهدف واحد، من لا شيء .. وخطّأ المؤلف إطلاق المؤلفين تعبير " الفتح الإسلامي على عهد الرسول " لأنه لم يفتح بلداً لغاية الفتح، والصحيح أن نقول: " انتشار الإسلام على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - " لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يعمل على حماية حرية نشر الإسلام، وتوطيد أركان السلام، ولا عجب، فقد كان محمد - صلى الله عليه وسلم - قائداً ورسولاً.

وردّ في المقدّمة على مطاعن بعض المستشرقين بالرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -، وقرّر أن الحرب في الإسلام حرب دفاعية، لأن الإسلام جاء من أجل تحقيق فكرة سامية، هي فكرة وحدة الإنسانية جمعاء، وقارن بين السلام الذي يدعو إليه الإسلام، وهو مادة وروح يسعى لخير البشر كافة، وبين السلام عند أدعياء السلام، وهو مادة فقط، يعرقل تسليح غيرهم، ويقتل، ويسحل، ويشرّد، ويعذّب، ويفتك .. السلام في الإسلام نور، وعند أدعياء السلام نار .. فقد كانت خسائر الشعوب في الحرب العالمية الأولى حوالي عشرة ملايين نسمة، فضلاً عن الخراب والدمار اللذين لحقا بالممتلكات، وخسائرها في الحرب العالمية الثانية أكثر من ستين مليوناً من القتلى المدنيين والعسكريين، وقُتل سبعة عشر مليوناً من الأطفال بالغارات الجوية، ودُمّر ثلاثون مليوناً من الأبنية، واثنان وعشرون مليوناً من المساكن، عدا المآسي المروّعة التي صاحبت الحرب. وخلص المؤلف إلى القول: " إن الإسلام وحده هو الذي يستطيع نشر السلام في ربوع العالم، ويشيع فيه الثقة والاطمئنان " (¬1). وفي بحث (الحرب العادلة) عرّف معنى الحرب، والحرب العادلة، والحرب الجائرة، ثم عرّف معنى القتال في الإسلام، متى شُرع؟ وأهدافه التي حصرها في حماية حرية نشر الدعوة، وتوطيد أركان السلام ثم تحدث عن أنواع القتال في الإسلام: قتال المسلمين للمسلمين - قتال المسلمين لغير المسلمين .. ثم تكلم عن تنظيم القتال في الإسلام: تقوية المعنويات - إعداد القوة المادية - التنظيم العملي للقتال، ويشمل: الإعفاء من الجندية، وإعلان الحرب، والدعوة إلى الجهاد، وعقاب المتخلفين، وتطهير الجيش من عناصر الفتنة والخذلان، وأساليب القتال، والضبط، ¬_______ (¬1) الرسول القائد: ص 15.

والكتمان، والهدنة والصلح، والأسرى، والمحافظة على الحدود. وتحدث عن شروط القبول للجندية، وهي: البلوغ، والإسلام، والسلامة، والإقدام. ثم تحدث عن النفير في حالتي الدفاع والتعرض. كان هذا الفصل في نظرية القتال في الإسلام، ثم شرع يطبق ما نظَّر له في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - العملية، فتحدث عن المرحلة السرية في الدعوة، ثم العلنية، وما لقي المسلمون الأوائل من الألاقي على أيدي المشركين، ثم تحدث عن بيعة العقبة الأولى، فالثانية، وعدَّ الأولى " أول نجاح عسكري للرسول - صلى الله عليه وسلم - خارج مكة، إذ انتشر الإسلام في يثرب، فأصبح للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيها جنود يعتمد عليهم في الملمّات " كما كانت الثانية نجاحاً عسكرياً آخر. ثم تحدّث عن التحشّد في المدينة المنوّرة، ومراحل إنجازه: " بناء المسجد - المؤاخاة - المعاهدات " وبذلك تهيّأ للرسول - صلى الله عليه وسلم - جيش يجمعه هدف واحد، يأتمر بأمر قائد واحد، ويستند إلى قاعدة أمينة .. وبذلك تهيأت للمسلمين كل أسباب النجاح عند نشوب القتال، على الرغم من قلة عددهم. ثم تحدّث المؤلف عن العرب، أقدم الشعوب السامية، وأنقاها، لانعزالهم في الجزيرة العربية وامتناعهم على الغزاة. وتحدّث عن الروم وجيشهم المكوَّن من مجموعة من المرتزقة يقوده مجموعة من الإقطاعيين، الذين يتولّون مناصبهم بالوراثة، لا بالكفاءة والمقدرة. تحدّث عن التشكيلات العسكرية عند الفرس، وهي كأختها الرومية من حيث الارتزاق والقيادة الوراثية. ثم ناقش الموقف العسكري لكلّ من هذه القوات، ورأى أن غلبة

المسلمين قليلي العدد، كانت معلومة ومحسومة من الوجهة العسكرية قبل نشوب القتال، نظراً لإعداد قوات المسلمين على نظام رصين مكين، فيما كان نظام أعدائهم فاسداً من سائر الوجوه. يقول المؤلف: " إن كل جيش يحارب (بعقيدة) لتحقيق هدف (معين) لا بدّ أن (يستقتل) في سبيل عقيدته وهدفه، وبذلك يصعب قهره، إذا لم يكن ذلك مستحيلاً. أما الجيش الذي لا عقيدة له ولا هدف، فما أسهل أن تتحطم معنوياته عند الخطر ... ! إذا كانت لديه معنويات " (¬1). وفي فصل (الدفاع عن العقيدة) تحدّث عن دوريات القتال والاستطلاع الأولى والموقف العام عند المسلمين من جهة، وعند المشركين من جهة أخرى، وبيّن أن الهدف الحيويّ من تلك الدوريات الإسلامية، إشعار المشركين واليهود بقوة المسلمين، حتى لا يعترضوا طريق نشر الدعوة، ثم تحدّث عن سرية حمزة، وسرية عبيدة بن الحارث، وسائر السرايا الأخرى، والفوائد التي جناها المسلمون منها، من حيث الاستطلاع، والقتال، والكتمان، والحصار الاقتصادي. وفي فصل (الصراع الحاسم بين عقيدتين) تحدث عن غزوة بدر الكبرى، المعركة الحاسمة الأولى في الإسلام، تحدث عن الموقف العام لدى المسلمين، وعند المشركين واليهود، وقوات الطرفين، وأهدافهما، ثم سير الأحداث قبل المعركة، وأثناءها، وخسائر الطرفين، وأعاد انتصار المسلمين إلى القيادة الموحدة (الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو القائد العام)، وإلى التعبئة الجديدة، وإلى العقيدة الراسخة، والمعنويات العالية، ثم تحدث عن الدروس المستفادة من غزوة بدر، من حيث الاستطلاع، والقيادة، ¬_______ (¬1) الرسول القائد: ص 48.

والضبط، والمعنويات، والعقيدة، والقضايا التعبوية، والقضايا الإدارية: (الأرزاق - الماء - الغنائم - الأسرى - القتلى - الجرحى - التهذيب). وفي بحث (القاعدة الأمينة) تحدّث عن المدينة المنورة، وضرورة تطهيرها من المشركين واليهود، لتكون القاعدة الأمينة للمسلمين، وفرض الحصار الاقتصادي على قريش، من خلال عدّة غزوات وسرايا ناجحة. وفي (النصر للمغلوب) تحدث عن غزوة أحد، وعن أسباب الخسارة فيها، والدروس والعبر المستخلصة منها، وقال: " أجمع المؤرخون على اعتبار نتيجة (أحد) نصراً للمشركين على المسلمين .. ولكن الحقائق العسكرية لا تتفق مع ما أجمع عليه المؤرخون. لقد كان بإمكان المشركين القضاء على قوات المسلمين في معركة أحد، بعد أن استطاعوا الإحاطة بهم من كل الجوانب، بقوات متفوقة عليهم تفوقاً ساحقاً .. ومع ذلك، استطاع محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يشقّ طريقه بين القوات المحيطة به، ويخلّص تسعة أعشار قواته من فناء أكيد. إن فشل المشركين في القضاء على قوات المسلمين، بعد إحاطتهم بقواتهم المتفوقة، يعتبر اندحاراً لهم. وإن نجاح المسلمين في الخروج من تطويق المشركين بخسائر عشرة بالمئة من قواتهم القليلة، يعتبر نصراً لهم ". كما أن المسلمين عرفوا المنافقين المنبثين في صفوفهم، مما أتاح لهم القيام بالتطهير العام في صفوفهم بعد (أحد) على هدى وبصيرة. وبذلك تظهر الفائدة العظيمة للمسلمين من غزوة أحد. وكانت (إعادة النظام) بعد معركة أحد، مهمة جداً، فقد أعاد المسلمون الكرّة في التطهير العام، حتى يعيدوا النظام إلى صفوفهم،

وحتى يستعيدوا السيطرة الكاملة على المدينة وما حولها، وعلى المشركين من قريش والقبائل الأخرى. ومن أجل هذا انطلقت السرايا والدوريات والغزوات التي قادها الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، واستخدم فيها عنصر المباغتة، بمسيره الليلي، وبالهجوم فجراً، وبخوض قتال المدن والشوارع .. وكانت مرحلة دامية، كافح فيها المسلمون بقيادة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - كفاح الأبطال الميامين، وقدموا الشهداء، وعاشوا عيشة ضنكاً، وتوج المشركون هذه المرحلة، بغزوة الأحزاب التي هدف المشركون من ورائها، إلى القضاء على المسلمين، وانتهاب أموالهم وذراريهم. ولكن اليهود والمشركين فشلوا في تحقيق هدفهم، لأسباب، هي: أن قيادتهم لم تكن موحدة، ولمباغتتهم بالخندق الذي حفره المسلمون، وبسبب الطقس الذي لم يمكنهم من الحصار الطويل للمدينة، ولانعدام الثقة بين الأحزاب أنفسهم من جهة، وبينهم وبين اليهود من جهة أخرى، ولنفاد صبر الأحزاب من طول مدة الحصار. بينما كانت قيادة المسلمين كفؤةً، حازمة، رشيدة، أمرت بحفر الخندق، وشارك الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - نفسه بالحفر، وسهر على حراسة الخندق، وسيطرته التامة على أصحابه. كما أن قيادة المسلمين لجأت إلى أسلوب جديد في الدفاع ورد الغزاة، هو حفر الخندق الذي لم يكن للعرب سابق عهد به، واستخدمت الخدعة في الحرب، عن طريق الصحابي الجليل: نعيم بن مسعود. وهكذا فشل اليهود والمشركون في غزوة الخندق، وهي المعركة الفاصلة الثانية في تاريخ الإسلام والمسلمين. وبهذا الفشل، انتقل المسلمون من دور الدفاع إلى دور الهجوم، لذلك قال الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بعد انسحاب الأحزاب: " الآن نغزوهم ولا يغزونا ".

" وانتقلت المبادأة إلى يد المسلمين بعد هذه الغزوة، ولم يتركوها، حتى شمل الإسلام الجزيرة العربية كلها، وارتفعت راية الإسلام شرقاً وغرباً فوق كل راية ". وفي بحث (القصاص العادل) تحدث عن محاسبة الغادرين: يهود بني قريظة في المدينة، الذين نكثوا العهد مع المسلمين، وتآمروا مع المشركين في غزوة الأحزاب. وعن معاقبة بني لحيان الذين غدروا بدعاة المسلمين عند ماء الرجيع ... فقد قاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - غزوة بني لحيان لتأديبهم، وللتأثير على معنويات قريش والقبائل العربية الأخرى. وفي (الفتح القريب) تحدث عن غزوة الحديبية، والهدف منها، ورآه المؤلف في: 1 - إظهاره قوة المسلمين لقريش وللقبائل المجتمعة للحج، وشدّة ضبطهم، وطاعتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتعلقهم بالدعوة. 2 - إظهار تعظيم المسلمين للبيت الحرام عملياً، حتى تتأكد العرب من ذلك عن يقين لا يتطرق إليه الشك. بينما كان هدف المشركين، صدَّ المسلمين عن البيت الحرام، حتى لا تتحدّث العرب عن دخول المسلمين إليه عنوة، مما يقلل من هيبة قريش. تحدّث المؤلف عن موقع الحديبية، وعن قوات المسلمين (1400 مسلم بقيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم -)، وقوات المشركين، وعن الأعمال التمهيدية، كالحصول على المعلومات، والمناوشات، والمفاوضات، فالهدنة، وذكر نص وثيقة الهدنة، ثم انتهى إلى الدروس المستفادة من الحديبية، وأهمِّ نتائجها وهي:

1 - اعتبار المسلمين كطرف مساوٍ لقريش. وهذا أول اعتراف بالدولة الإسلامية من أشد أعدائها. 2 - فتحت المجال أمام الرسول للتحالف مع القبائل. 3 - فرقت بين قريش وبين حلفائها يهود خيبر. 4 - الاستقرار الذي أمَّنَ التفرغ للدعوة ونشر الإسلام. 5 - نجاح المسلمين في الحياد المسلح. 6 - إثارة الرأي العربي العام ضد قريش، لصدّها المسلمين عن البيت الحرام. وفي (فترة الهدنة) قطف المسلمون ثمار صلح الحديبية، فتفرغوا للتبشير بالإسلام داخل أرض العرب وخارجها، فأوفد الرسول الوفود إلى الملوك والأمراء والرؤساء النابهين، يدعوهم إلى الإسلام، كما تفرغوا ليهود خيبر، وللأعراب في شمال المدينة. تحدّث عن (غزوة خيبر):. عن قوات الطرفين، وعن الهدف الذي هو القضاء على اليهود، للتخلص من المشكلات الخطيرة التي يثيرونها ضدّ المسلمين. وتحدّث عن سير الحوادث: عن الأعمال التمهيدية، وعن القتال، وعن خسائر الطرفين، ثم عن نهاية اليهود في الجزيرة العربية: يهود فدك - يهود وادي القرى - يهود تيماء. ثم تحدّث عن (غزوة مؤتة): أسبابها، وقوات المسلمين، وقوات المشركين من العرب والروم، والهدف منها، وسير الحوادث، والقتال، ثم انسحاب خالد بن الوليد بجيش المسلمين، وخسائر المسلمين (12 شهيداً) وخسائر الروم والمشركين (أضعاف خسائر المسلمين)، واستنتج

المؤلف أن معركة مؤتة كانت معركة استطلاعية، أفادت المسلمين كثيراً في معرفة خواص قوات الروم، وأساليب قتالها، فأفادوا من هذه المعلومات في قتالهم بعد ذلك للروم. ثم تحدث عن (غزوة ذات السلاسل): أسبابها، وسير الحوادث فيها، والدروس المستفادة منها (القضايا التعبوية: المباغتة - قتال المدن والأحراش - الانسحاب)، وتحدّث عن المعنويات، وعن الأمانة عند المسلمين، في وفائهم بالعهود، وعدم العدوان على مال الغير، حتى لو كان يهودياً معادياً. وتحدّث عن التحشد، ونشر الإسلام بدعوة الملوك والأمراء والرؤساء إلى الإسلام، وعن القضايا الإدارية: (الإعاشة - الماء - الصحة - المجندات من النساء المتطوعات اللواتي كن يناولن المقاتلين السهام، ويضمدن الجراح، ويعتنين بالمرضى، ويسقين السويق .. في غزوة خيبر)، كما تحدث عن الغنائم. وقد نتج عن هدنة الحديبية: 1 - القضاء الأخير على اليهود في الجزيرة العربية. 2 - السيطرة على القبائل العربية. 3 - التأثير على معنويات قريش وحلفائها، مما سهّل فتح مكة. 4 - انتشار الإسلام انتشاراً عظيماً داخل الجزيرة العربية. وفي (عودة المستضعفين) تحدث عن (فتح مكة)، وحال كل من المسلمين والمشركين قبل الفتح، وإعلان الحرب، والتحضير لها، وقوات المسلمين (عشرة آلاف مقاتل بقيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم -)، وقوات قريش وبني بكر، ثم سير الحوادث، وخطة الفتح، فالفتح، وخسائر المسلمين

(شهيدان)، وخسائر المشركين (13 قتيلاً وبعض الجرحى)، والدروس المستفادة من الفتح: (المباغتة - المعلومات - بُعْدُ النظر - التنظيم - الأصنام - القضايا الإدارية). وفي (استثمار الفوز) تحدث عن (غزوة حنين) وعن حال المسلمين وحال المشركين بعد فتح مكة، وعن قوات الطرفين (المسلمون: اثنا عشر ألفاً بقيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم -) (المشركون: بقيادة مالك بن عوف من قبيلة هوازن). وأهداف الطرفين المتحاربين، ثم سير الحوادث قبيل المعركة وأثناءها وبعدها، وحصار الطائف، وخسائر المسلمين، وخسائر المشركين، ثم لماذا ترك المسلمون حصار الطائف، ثم تحدث عن الغنائم، وتوزيعها، وإعادة السَّبْي، ثم عن الدروس المستفادة من حُنَيْن والطائف: (المباغتة - القيادة - المطاردة - المعلومات - المعنويات - العقيدة - حرب الفروسية - القضايا الإدارية .. ). وفي (مولد إمبراطورية) تحدث عن (غزوة تبوك)، وقدّم لها ببيان أحوال سكان المدينة من المسلمين والمنافقين، ثم تحدّث عن المشركين، وعن الرومان .. وذكر الأسباب المباشرة وغير المباشرة لهذه الغزوة، وأهداف كل من المسلمين والروم، وقواتهما (المسلمون ثلاثون ألفاً بقيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم -)، وقوات الروم كبيرة جداً، ومعهم بعض القبائل العربية المشركة. تحدث عن التحضير للمعركة لدى الطرفين، ثم عن حركة جيش المسلمين، وجيش الروم، والمصالحات التي أجراها الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع بعض الزعماء العرب .. ثم عودة المسلمين بغير قتال، بعد أن أقاموا في منطقة تبوك عشرين يوماً، وهم ينتظرون جيوش الرومان، ويعقدون المعاهدات مع القبائل العربية، من أجل تأمين الحدود الشمالية، وتأكيد هيبة الإسلام في نفوس أبناء تلك القبائل، ومن ثم، نشر الدعوة في تلك الأرجاء.

ثم تحدث الكاتب عن دروس غزوة تبوك، من مثل الحرب الإجماعية التي تعني تحشيد سائر قوى الأمة، المادية والمعنوية للأغراض الحربية، وليس الجيش وحده. ثم تحدث عن المتخلّفين عن تلك الغزوة، وعقابهم، وعن التدريب العنيف الذي تعرّض له جيش العُسْرة، وعن المسير الليلي، والمعنويات، والمعلومات، والضَّبْط، ثم أجملَ نتائجَ تلك الغزوة، من رفعِ معنويات المسلمين، وإقبالِ المتردّدين في اعتناق الإسلام إلى اعتناقه، ومن تأمين نقاط ارتكاز على الحدود الشمالية تربط شبه الجزيرة العربية، ببلاد الشام الخاضعة للرومان، وذلك بعقد المحالفات مع سكان تلك المنطقة، ودخول بعضهم في الإسلام. ونقاط الارتكاز هذه، هي التي سهّلت مهمة الفتح الإسلاميّ على عهد الخلفاء الراشدين. وفي بحث (التطبيق العملي) كانت خاتمة الكتاب، تطرَّقَ فيها إلى التطبيق العمليّ لنظريات الحرب المثالية بصورة موجزة، ذلك التطبيق الذي أنجزه الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - قبل أربعة عشر قرناً، بينما عجز عن تطبيقه العسكريون في القرن العشرين. وقد أجمل المؤلف أسباب النصر الذي حقّقه الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - في الغزوات الثماني والعشرين التي قادها بنفسه، في أربعة أسباب مهمة هي: 1 - قيادة عبقرية تمثلت في مجمل صفات القائد العبقري وهي: (الشجاعة الشخصية - الإرادة القوية - تحمل المسؤولية بلا تردد - الوقوف التام على مبادئ الحرب - القدرة على إبداء الحكم السريع الواضح - ذو مخيلة مقرونة بمزاج لا تأخذه نشوة الفوز، ولا تثبط عزيمته كارثة الخيبة - أن يكون سابراً غور الطبع البشري - إصدار القرارات الصحيحة - المحافظة على معنويات رجاله - كسب ثقة رجاله، ليكسب طاعتهم وحسن تنفيذهم للأوامر - اللياقة البدنية - الماضي المجيد - الثقة المتبادلة بينه وبين رجاله).

وانطلق الكاتب يطبق هذه الصفات على شخصية الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -، ويشرحها، يضيف إليه ما جعل من قيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قيادة عبقرية، ضرب على ذلك الأمثال من تطبيقه العمليّ لمبادئ الحرب العشرة: اختيار المقصد وإدامته - التعرُّض - المباغتة - تحشيد القوة - الاقتصاد بالمجهود - الأمن - المرونة - التعاون - إدامة المعنويات - الأمور الإدارية. 2 - جنود ممتازون، يتصفون بالعقيدة الراسخة، والمعنويات العالية، والضَّبْط القوي، والتدريب الجيد، والتنظيم الصحيح، والتسليح الممتاز. ثم فصّل في هذه المزايا العسكرية، وطبقها عملياً على جنود جيش الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -، واستشهد على ما يذهب إليه بأمثلة حيّة من التاريخ الذي عمروه وملؤوه بها. 3 - حرب عادلة. وهنا عاد ليعرِّف هذه الحرب، ثم يفصِّل فيها. وقد كانت كل الغزوات والسرايا من هذا النمط من الحرب العادلة، فقد وقع الظلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وقد ردّوا على الظلم بتلك المعارك التي انتصف فيها الإسلام والمسلمون، من الشِّرْك والمشركين. تحدّثَ الكاتب عن الحرب الدفاعية - وهي الحرب التي خاضها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - وعن الحرب لتوطيد السلام، وعن الحرب الإنسانية التي يحترم فيها الأبرياء من الشيوخ والأطفال والنساء وغير المحاربين من الرجال، وعن الأسرى والرهائن، وعن القتلى والجرحى. وتحدّث عن حرب العقيدة الخالية من الأغراض الشخصيّة، والتوجّهات العنصريّة، والمغانم الماديّة، وتحدّث عن الحرب المثاليّة، وخلص إلى أن الحروب التي خاضها الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - كانت دفاعيّة، وعادلة، وإنسانيّة، ومثاليّة قائمة على العقيدة.

4 - ضعف الأعداء. فقد كان أعداء الإسلام ضعافاً برغم كثرتهم، وبيّن أسباب ضعفهم، وهي: ضعف قيادتهم، وفساد نظامهم العسكري، وعدم وجود أهداف مثالية تؤمن بها قوات العرب المشركين والفرس والروم معاً .. ولن ينتصر جيش، مهما كان قوياً، إذا كانت تنخر فيه هذه الأسباب. لقد حفل هذا الكتاب المهمّ بألوان من الموضوعات المهمّة التي يحتاج إليها العسكريّ، والسياسيّ، والداعية، والمفكّر .. فقد ذكر في بحث (القتال في الإسلام) المبادئ المثالية التي جاء بها القرآن العظيم، الخاصّة بأغراض الحرب العادلة في الإسلام، وأهدافها، وتنظيمها، وأورد بعض المصطلحات العسكرية والقانونية، وقوانين الحرب والحياد، من أجل تقديم فكرة واضحة عن المبادئ النظرية، في أحدث الكتب العسكرية، وأوثقها، وفي أحدث مصادر القانون الدولي، ومقارنتها بالمبادئ المثالية التي جاء بها الإسلام عن الحرب في الإسلام. كما حفل الكتاب بأعمال الرسول - صلى الله عليه وسلم - العسكرية التي طبّقها فعلاً في القتال، وقارن بينها وبين المعلومات النظرية الحربية، التي طبّقها الرسول وأصحابه عملياً قبل أربعة عشر قرناً، بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ. وفي هذا الكتاب ظهر الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - بشراً سويّاً، لم ينتصر وينشر دينه بحدّ السّيف كما يزعم المستشرقون وأذنابهم هنا وهناك وهنالك، كما لم ينتصر بالمعجزات والخوارق، كما يحلو لبعض البسطاء أن يزعموا، وإنما كان - عليه صلوات الله وسلامه - قائداً إنساناً فذاً، له من المؤهلات العظيمة ما تجعله فوق القادة العسكريين على مدى الزمان. ***

قادة النبي - صلى الله عليه وسلم -

قادة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جاء هذا الكتاب في (669) صفحة، وكانت طبعته الأولى عام 1995 م واعتمد الكاتب في تأليفه على (84) مصدراً ومرجعاً عربياً وأجنبياً. قدّم للكتاب بمقدمة مهمة، كانت بعنوان: (الدروس والعبر من قادة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لحاضر العرب والمسلمين ومستقبلهم) تمنى فيها على الله، أن يجعل حكام العرب والمسلمين يأتسون بالنبيّ - عليه الصلاة والسلام - الذي كان يختار الرجل المناسب، للعمل المناسب، في سائر المجالات العسكرية والمدنية، ليقود شعوبَهم أفضلُ أبنائها، ليريحوا من يقودونهم ويستريحوا، ويقودوا شعوبهم إلى النصر والنجاح في سائر الميادين. تحدّث عن غزوات النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الثماني والعشرين، وعن سراياه السبع والأربعين، تلك التي أثمرت توحيد شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام لأول مرة في التاريخ. وكان عدد قادة تلك السرايا سبعة وثلاثين قائداً، قادوا سبعاً وأربعين سرية، اختارهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن معرفة دقيقة بتفصيلات حياتهم، ومعرفة دقيقة بمزاياهم، وكان اختياره الفذّ هذا، من أهمّ الأسباب الدنيوية لانتصاره في أيام الحرب ونجاحه في أيام السلم. كان الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - يلتزم شرطين في اختياره: الإسلام والكفاية، لذا كان ثلاثون من قادته، ممن أسلموا قديماً، وواحد وعشرون منهم، ممن شهد (بدراً)، وكان هؤلاء جميعاً على جانب عظيم من الإيمان،

وكان واحد منهم أسلم بعد الهجرة، وخمسة أسلموا قبل فتح مكة، وأن أكثر قادته من المهاجرين والأنصار، من السابقين الأولين. وكان الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - لا يؤمّر أهل الوبر على أهل الحضر، لأنّ أهل المدن أعرف بفنون القتال من البدو، وأصبر على معاناة الحرب، وأقدر على تحمُّل أعباء القتال. ولما التحق النبيُّ الكريم - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى خَلَفَه قادةٌ وأمراء، وولاة وقضاة، وعلماء وفقهاء ومحدّثون، قادوا الأمة سياسياً، وعسكرياً، وإدارياً، واقتصادياً، وفكرياً، واجتماعياً، ونجحوا في قيادتها إلى المجد. وتحدّث عن مصائر قادة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأحصى اثنين وعشرين منهم شهداء، وخمسة عشر ماتوا على فرشهم، وهذه أعلى نسبة في القادة الشهداء في تاريخ الحروب القديمة والحديثة، وهي تدل على شجاعتهم، وإقدامهم، وشدّة طلبهم للشهادة، وحرصهم عليها لما يلقى الشهيد من التكريم عند الله تعالى. وقدّم المؤلف جدولاً بيَّن فيه مصارع قادة الرسول القائد عليه الصلاة والسلام. ثم تحدّث الكاتب عن المراحل التي تمّ فيها تأليف هذا الكتاب، منذ كان فكرة وحلماً في نفسه، إلى أن غدا واقعاً يطالعه الناس .. كانت فكرة الكتاب قد راودته في سن مبكرة، عندما كان طالباً في الكلية العسكرية سنة 1937 م، ثم بعد أن صار ضابطاً في كلية الأركان العراقية عام 1948 م، حيث كان التاريخ العسكري الاستعماري للبلاد العربية والإسلامية، وتاريخ القادة العسكريين الاستعماريين هو الذي يُدرَّس، بينما لا يجد التاريخ العسكري العربي الإسلامي، ولا تاريخ قادته، أيَّ مجال في المدارس والكلّيات العسكرية العربية والإسلامية، ولهذا قرّر أن يندب نفسه لإخراج كتاب عن قادة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.

تبلورت الفكرة وهو معتقل في سجون الشيوعيين، وتفرّغ تماماً لدراسة قادة الفتوح ومعاركها، ثم خرج من السجن ليكون أسير البيت، فأكبّ على المطالعة والكتابة، فأخرج: قادة فتح العراق والجزيرة، وقادة فتح بلاد فارس، وقادة فتح الشام ومصر، وقادة فتح المغرب العربي بين 1964 - 1966 م وبرَّ بوعده في تأليف كتاب ضخم عن قادة النبي - صلى الله عليه وسلم - عام 1981 م وهو هذا الكتاب، الذي هو خطوة على طريق العسكرية العربية الإسلامية. ثم شرع في الحديث عن قادة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - السبعة والثلاثين، على المنهج الذي سار عليه في ترجمة قادة الفتوح، وكان أول هؤلاء القادة العظام، حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وسيّد الشهداء، فتحدث عن نسبه وحياته قبل إسلامه، ثم تحدّث عن إسلامه، ثم وهو والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - والهاشميون في شِعْب أبي طالب، ثم عن هجرته، ومؤاخاته مع زيد بن حارثة، ثمّ عن حمله أول لواء في الإسلام عقده له الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -، ثم في غزوة بدر، حيث كان فارس المسلمين ومغوارهم، وفي غزوة بني قينقاع، ثم في غزوة أحد، ودوره في المعركة الهائلة، واستشهاده غدراً بحربة (وحشيّ)، وحزن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين عليه، ورثاء شعرائهم إياه، وذكر من تلك المراثي قصائد كعب بن مالك، وقصيدة حسان في شهداء أحد، وقصيدته في رثاء حمزة سيد الشهداء، ثم تحدث عن حمزة الإنسان، وحمزة القائد، وحمزة في التاريخ. وعلى هذا المنهج كانت تراجم سائر القادة الآخرين، - رضي الله عنهم - وأرضاهم. ***

قادة فتح السند وأفغانستان

قادة فتح السند وأفغانستان يقع هذا الكتاب في (422) صفحة، وطُبع لأول مرة عام 1998 م واستقى مادته من (149) مصدراً ومرجعاً عربياً وأجنبياً، وكان ترتيبه الخامس من سلسلة قادة الفتح الإسلامي، وإن تأخر صدوره عن تأليفه عشرين سنة، لإحجام دور النشر عن طباعة كتب اللواء خطّاب، بحجّة أن لصوص الكتب يصوّرونها ويبيعونها بأثمان زهيدة، ويخسر الناشر الأصلي. في مستهل الكتاب، تحدث عن البلاد الساسانية في عهد الساسانيين، وقبل الساسانيين، عن النظام الاجتماعي، والنظام السياسي، وعن العقائد الدينية، ثم عن قيادة الدولة الساسانية، وتنظيمها، وطبقاتها الأربع: رجال الدين، ورجال الحرب، وكتاب الدواوين، وبقية أبناء الشعب من الفلاحين والعمال وسواهم. تحدث عن الإدارة المركزية، والمالية، وعن الصناعة والتجارة والمواصلات، وعن الجيش، والكتّاب، والموظفين، وعن إدارة الأقاليم، ثم تحدث عن الزردشتية التي هي دين الدولة الساسانية، وعن المانوية والمزدكية، وعن الملوك وعن حقوقهم وواجباتهم، ونسائهم وجواريهم، وعن الشعب .. وعن أشكال الإيرانيين وصفاتهم، وتعليم بناتهم، وعن علومهم، ثم ختم هذا المستهلّ الطويل بالحديث الموجز عن ظروف الدولة الساسانية قبيل الفتح العربي الإسلامي، والظروف التي جابهها القادة الفاتحون، فرأى أن عوامل الفساد والاضطراب قد استفحلت في القرن السادس الميلادي، وانتشرت دسائس الطامعين في العرش، وكثرت مذاهب الشعب، وتبلبلت عقائد

الناس، وانحلت العصبيّة القومية، وانهارت القوى المعنوية، وتدهور مثلهم الأعلى، وانتشر الظلم، وشاع الجهل، وتفشَّى المرض والفقر بين عامة أفراد الشعب الذي كان يعيش تحت وطأة نظام طبقي إقطاعي ظالم، فأصطلحت علل الفناء على بنية الإمبراطورية الساسانية قبيل الإسلام، وأيام الفتح. ثم تحدّث - بإيجاز شديد - عن انتصار العرب الفاتحين الذين حملوا للدنيا عقيدة الإسلام، وكانوا أولي خبرة ومقدرة أهّلتهم للنصر على تلك الإمبراطورية. ثم تحدث عن الهند قبل الفتح وأثناءه، عن حدودها وحاكميها، وعن حضارتها، وطبيعتها الجغرافية، وأجناس سكانها، ولغاتهم، وتحدّث عن ديانتهم الهندوسيّة والبوذية، والجينية، ثم انتقل إلى الحديث عن فتح الهند، فجال جولة مركزة في التاريخ، وبداية التفكير بفتحها أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأرضاه، إلى الحجاج فمحمد بن القاسم الثقفي الذي أنجز فتوحاً عظيمة خلال خمس سنوات (89 - 94 هـ). ثم تحدّث عن قادة فتح السند: المهلّب بن أبي صُفْرة الأزدي، ومحمد بن القاسم الثقفي، حسب النهج الذي ارتضاه لتراجمه، بذكر النسب والأهل، وشبابه، وجهاده وفتوحه، ثم الإنسان، فالقائد، وذكرِه في التاريخ. ثم انتقل إلى الحديث عن أفغانستان قبل الفتح وأثناءه، فجال جولة مركزة في التاريخ، ثم تحدّث عن الطبيعة الجغرافية لأفغانستان، عن موقعها، وجبالها، وسهولها، ومُناخها، وأنهارها، وأجناس سكانها، ومدنها، إلى أن وصل إلى فتحها، فبدأ بالمعركة الحاسمة، معركة نَهاوند

بقيادة النعمان بن مُقَرِّن المُزَنيّ، والتي دُعيتْ بفتح الفتوح، ثم بالمعارك التي تلتها مستثمرة النصر المبين فيها، فذكر فتح الأحنف بن قيس التميمي لخراسان، وفتح عاصم بن عمرو التميمي لسجستان. ثم تحدث عن استعادة فتح خراسان التي نقض أهلها العهد وغدروا إثر استشهاد أمير المؤمنين عمر، وعن استعادة فتح سجستان. ثم تحدّث بالتفصيل عن قادة فتح أفغانستان: عبد الله بن عامر، والأحنف بن قيس، والربيع بن زياد، وعبد الرحمن العبشميّ، وعاصم ابن عمرو، والأقرع بن حابس، حسب الخطة أو النهج الذي عمل به في سائر تراجمه. ثم كانت الخاتمة بعنوان: الإسلام والحرب الإجماعية، فعرّف الحرب الإجماعية الحديثة، ثم الحرب الإجماعية في القرآن، وأكدّ أن الإسلام هو الذي وضع أسس الحرب الإجماعية في القرآن العظيم، والحديث النبوي الشريف، وأن المسلمين هم الذين طبّقوا هذه الحرب على عهد الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -، وفي أيام الفتح الإسلاميّ العظيم في القرن الهجري الأول. ثم أجرى مقارنة بين الحرب الإجماعية الحديثة، والحرب الإجماعية الإسلامية، فرأى أن الحرب الإجماعية في الإسلام هي حرب وقائية، هدفها حماية نشر الدعوة الإسلامية، والدفاع عن بلاد المسلمين، وإقرار السلام القويّ، سلام الأقوياء. والحرب الإجماعية في الدول الحديثة هي حرب عدوانية، هدفها استعباد الشعوب، واستغلال الطاقات، والسيطرة على الموارد الاقتصادية والخامات. والحرب في الإسلام حرب عادلة، هدفها هداية الناس.

وفي الدول الحديثة حرب ظالمة، هدفها التوسع، والقهر، والتضليل، والاستغلال والاستعباد. والحرب الإجماعية في الإسلام متفوقة تفوقاً كاسحاً على الحرب الإجماعية في الأمم الحديثة كمّاً ونوعاً، وبرهن على ذلك التفوق، ثم قال: " تلك هي الحرب الإجماعية في الإسلام، طبّقها المسلمون قبل أربعة عشر قرناً خلت. فلا يقولنّ قائل بعد اليوم: إنها من صنع الأجانب نظرية وتطبيقاً، فقد شرحها الإسلام يوم كان الأجانب يغطّون في سبات عميق، فسادوا العالم فكرياً وعسكرياً، وقادوا الحضارة العالمية قروناً طويلة. فلما تخلَّوا عنها فكراً وتطبيقاً، تخلَّى عنهم النصر، وتكاثرت هزائمهم، وأصبحت بلادهم مستعمرة، وخيراتهم لغيرهم، " فما غُزي قوم في عُقر دارهم إلا ذلُّوا " (¬1). " ولن يعود المسلمون إلى سالف عزهم ومجدهم، ما لم ينهضوا بفريضة الجهاد، بما فيها من تكاليف البذل والتضحية والفداء " (¬2). ... ¬_______ (¬1) قادة فتح السند وأفغانستان: ص 405. (¬2) المرجع السابق: ص 404.

قادة الفتح الإسلامي في أرمينية

قادة الفتح الإسلامي في أرمينية جاء هذا الكتاب في نحو (504) صفحة، وكانت طبعته الأولى عام 1998 م استهله ببحث: " إعادة كتابة المعارك العسكريّة العربيّة الإسلاميّة " ووضع لذلك شروطاً ومبادئ، حتى لا تكون فوضى يثير نقعها الحاقدون من الأجانب وأتباعهم وتلاميذهم من أبناء العرب والمسلمين الجاهلين، أو المغرورين بالغرب وأمانته العلميّة، أو الجهلة أصحاب النيّات الحسنة. أرّخ - في إيجاز شديد - لتطور المعارك العربيّة الإسلاميّة عبر التاريخ، تلك التي بدأت في السنة الثانية للهجرة، إذ قاد الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - ثمانياً وعشرين غزوة، وبعث سبعاً وأربعين سرية، وكان من ثمرة تلك الغزوات المظفّرة، والسرايا المباركة، توحيد شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام. ثم كانت حروب الردّة على عهد الخليفة الصدِّيق، وامتدّت سنة كاملة، انتصر فيها المسلمون انتصاراً باهراً، وقضوا على المرتدّين. وبدأت معارك الفتح الإسلامي سنة 11 هـ على عهد الصدّيق، وتصاعدت وامتدت على عهد عمر، وأوائل عهد عثمان، حتى صارت الفتوح طوفاناً عارماً، ما لبث أن توقَّف من جزاء اختلاف المسلمين. ومنذ سنة مئة هجرية بدأت المعارك الدفاعية عن البلاد الإسلامية، ثم جاء التتار سنة 656 هـ واقتحموا بغداد كالضواري المتوحّشة، فقتلوا وأحرقوا، ودمّروا، وقضوا على الخلافة العباسيّة، وعلى معالم الحضارة

الإسلاميّة، وما كان هذا الانهيار الشنيع ليصيب الدولة الإسلاميّة، لو بقيت دولة واحدة، بحماية جيش واحد، ولكنّها كانت دويلات .. وكان بصيص من نور في المعارك التي خاضها القادة: أسد بن الفرات فاتح جزيرة صقلية، وصلاح الدين الأيوبي، قاهر الصليبيين ومحرر القدس، وبلاد الشام، ومحمد الفاتح، فاتح القسطنطينية، والسلطان قطز قاهر التتار في عين جالوت .. وبلغ انهيار المسلمين أقصى أمدائه في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، فغزاهم الأوروبيون، واستعمروا بلادهم، وكانت نكبة فلسطين عام 1948 م ونكسة حزيران 1967 م وما شئت من الهزائم فيما قبلُ وفيما بعدُ .. وطالب اللواء خطاب أن تعاد كتابة تلك المعارك بأيد أمينة، واستنباط الدروس والعبر من دراستها، والمصادر الموثوقة متوفرة، وركّز على تاريخ الطبري، وتاريخ ابن الأثير، وتاريخ البلاذري عن فتوح البلدان. هذا عن إعادة الكتابة في المعارك التاريخية السابقة، أمّا المعارك الدفاعية الحديثة، فمصادرها - غالباً - أجنبية متحيّزة ضدّ العرب والمسلمين، وكتّابها غير ملتزمين بالمثل العليا، الأمر الذي يجعلنا على حذر شديد منها، فقد مضى الوقت الذي كان المؤرّخون يعتبرون العلم عبادة من أجلِّ العبادات، وجاء الزمن الذي أصبح فيه أكثرهم يعتبرون العلم تجارة من أربح التجارات. وتحدّث خطّاب عن الأسلوب والمناهج في كتابتها، وهو نفسه الأسلوب والمنهاج الذي سار عليه فيما كتب عن معارك الفتوح، ويكون في " تقسيم كل معركة إلى الموقف العام قبل المعركة، والقوات المشاركة

في المعركة للجانبين، وقادة الطرفين، وسير القتال، وخسائر الطرفين، ونتائج المعركة، والدروس المستنبطة من المعركة. " ومن المناسب جداً أن تكون المعركة موضحة على خريطة أو عدّة خرائط، تعين القارئ والدارس على تفهُّم سير القتال تفهُّما كاملاً " (¬1). "والمهمّ في إعادة كتابة تاريخ المعارك، هو الاحتفاظ بالمعلومات الواردة عنها في المصادر التاريخية العربيّة الإسلاميّة المعتمدة، وعدم تشويشها أو بترها، أو إقحام معلومات جديدة عليها لم تقع، فالأمانة المطلقة في النقل مطلوبة للغاية، ومعيد كتابتها مسؤول فقط عن تصنيف المعلومات الواردة عنها، وتبويبها، واستنتاج الدروس التي تفيد العرب والمسلمين في حاضرهم ومستقبلهم، وتوضيحها بالخرائط والمخططات إن أمكن، على أن تُستوفى المعلومات الواردة عنها بكل دقّة وأمانة، بدون زيادة ولا نقصان " (¬2). وبعد هذا البحث القيّم الذي جعله مدخلاً لكتابه، تحدّث عن أرمينية قبل الفتح الإسلامي وفي أيامه .. تحدّث عن طبيعتها، فذكر موقعها، وأقسامها الإدارية، وجبالها، وأنهارها، وبحيراتها، وسكّانها: الخزر، والأكراد، واللَّكْز، والضارية، والدودانية، والصُّغْد، والأرمن، وعن لغاتها، وعن محافظاتها، ومدنها. ثمّ تحدّث عن فتحها، فوصف الموقف العام، ويشمل البلاد وأهلها، وحال المسلمين .. ثم جاء إلى فتح عِيَاض بن غَنْم الفهري، وفتح عثمان ابن أبي العاص الثقفي، وفتح سُراقة بن عمرو، وفتح سلمان بن ربيعة ¬_______ (¬1) قادة الفتح الإسلامي في أرمينية: ص 12 - 13. (¬2) المرجع السابق.

الباهلي، وفتح حبيب بن مَسْلَمَة الفهري، إلى أن وصل إلى (عبرة الفتح) في استقامة السلف الصالح، وتعففهم، ورغبتهم فيما عند الله، لا فيما عند الناس، لذلك انتصروا بمبادئهم العالية، أكثر من انتصارهم بسيوفهم البتّارة. وفي الحرب العادلة التي خاضوها، وهي حرب ضدّ الظلم، والاستغلال، والاستعباد، فاستحوذوا على ثقة الشعوب المغلوبة، فتعاونت هذه الشعوب مع الفاتحين العادلين. ثم تحدّث عن استعادة فتح أرمينية التي انتقضت وثارت على العرب والمسلمين الذين كانوا يقتتلون فيما بينهم، في فتن كقطع الليل المظلم، ثم استقلت عن الدولة الإسلاميّة. تحدّث عن جهاد محمد بن مروان، ومَسْلَمَة بن عبد الملك، والجرّاح ابن عبد الله الحكمي، وسعيد بن عمرو، ومروان بن محمد، وكيف استعادوها بصعوبة وتضحيات جسام، ثم خلص إلى العبرة المستخلصة من استعادة فتح أرمينية فقال: " وكان المسلمون الأولون يحرصون على تعلُّم القرآن الكريم، والحديث الشريف، واللغة والتاريخ، وعلى تعليمها، لتقويم عقولهم وقلوبهم وألسنتهم، لبناء الفرد المسلم إنساناً، ولبناء المجتمع الإسلاميّ أمّة، حتى يربَّى الفرد مثالياً وحتى لا تُقهر الأمة أبداً. " وكان الفرد يعتبر بالتاريخ ليتأسَّى بالمحسنين، فيسجّل بأعماله صفحات من نور في تاريخ أمته، ويترفّع عن أخطاء المسيئين حتى لا يسوِّد صفحات أمّته، ويلحق بها العار " (¬1). ¬_______ (¬1) قادة الفتح الإسلامي في أرمينية: ص 99.

وجال اللواء خطاب جولة في التاريخ، وقارن الفاتحين الأولين، بالفاتحين التالين، وكانت فروق واضحة بين الجيلين، فقلَّ المجاهدون، وكثر المحترفون. وعندما وصل به المطاف إلى العصر الحديث، رأى الخزي في استخزاء العرب والمسلمين، الذين استقلوا في أواخر النصف الأول من القرن العشرين، ولكنهم بقوا يعانون من الاستعمار الفكري البغيض، حتى سيطر الصهاينة على فلسطين والجولان والضفة وسيناء، في غياب الجهاد، وغياب التمسك بالإسلام العظيم. كانت انتصاراتهم في عصر الفتح الذهبي، وعصر استعادة الفتح، انتصار عقيدة، وحّدت صفوفهم، وجمعت كلمتهم، وجعلتهم كالبنيان المرصوص، فلما غيَّر المسلمون ما بأنفسهم، وانحرفوا عن عقيدتهم، لم ينتصروا قطّ، لأن أنفسهم هانت عليهم، فهانوا على الأمم. لقد أصبح المسلمون في سنوات معدودات بالإسلام في الأوج، فقادوا العالم عسكرياً وسياسياً وحضارياً، وصاروا خير أمة أخرجت للناس، فلمّا تخلّوا عن الإسلام، صاروا في الحضيض .. تلك هي عبرة استعادة الفتح (¬1). ثم تحدّث عن القادة الفاتحين لأرمينية، والقادة الذين استعادوا الفتح بالتفصيل، وهم الذين ذكرناهم آنفاً، وحسب الخطة التي كان اختطها في المقدمة، وسار على نهجها في كل كتاباته عن المعارك، وعن القادة الفاتحين .. فمثلاً عندما تحدّث عن القائد عياض بن غَنْم الفهري، ¬_______ (¬1) قادة الفتح الإسلامي في أرمينية: ص 116 - 117.

فاتح الجزيرة وشطرٍ من أرمينية، تحدّث عن إسلامه، وعن جهاده في العراق، والشام، وتحدّث عنه فاتحاً، وإنساناً، وقائداً، وكذلك كان حديثه عن سائر القادة الفاتحين. بقي أن نعرف أن اللواء المؤلف رجع إلى (86) مرجعاً ومصدراً عربياً، و (11) مرجعاً أجنبياً، في تأليف هذا الكتاب القيّم. ***

قادة الفتح الإسلامي في بلاد ما وراء النهر

قادة الفتح الإسلامي في بلاد ما وراء النهر جاء هذا الكتاب في (524) صفحة، وكانت طبعته الأولى عام 1998 م قدّم له بمقدمة قيمة، حول إعادة كتابة التاريخ العسكري العربي الإسلامي، وهو تاريخ فخم يستحقّ الدراسة الواعية لمصلحة العرب والمسلمين في حاضرهم ومستقبلهم، والمصادر الموثوقة متوفرة في مصادرنا العربية الإسلامية، وتتطلب الكتابة بأسلوب حديث يكون وسطاً بين إطناب الغربيين، ومتون العرب، ولاحظ خطّاب العقوق الذي لحق بالقادة الفاتحين، فقد كتب القدامى عن طبقات الفقهاء، والشعراء، والأدباء، والنحاة .. ولكنهم لم يكتبوا عن القادة، وتابعهم في عقوقهم هذا، الكتّاب المعاصرون، مع أن الكتابة عن القادة العسكريين لا تقل أهمية عن كتب الطبقات الأخرى، فهم الذين فتحوا البلاد، وحملوا الإسلام، ونشروا اللغة العربية في البلاد المفتوحة. ويرى اللواء خطّاب أن الكتابة عن القادة الفاتحين ليس أمراً يسيراً، لعدم وجود الدراسات التفصيلية عن كل قائد، أو لندرتها وضعفها، والذي يريد الكتابة عنهم اليوم، عليه أن يبحر في عالم المصادر العربية الإسلامية الموثوقة، ويجمع شتات ما كُتب عن القائد الذي يرغب في الكتابة عنه .. وهذا يعني أن خطّاباً درس عشرات المصادر ومئاتها، عربية وأجنبية، قبل الشروع في الكتابة عن أولئك القادة الفاتحين.

ويرى أن لا يقتصر الكاتبون على ترجمة المشاهير من القادة، بل لابدّ من الكتابة عن المغمورين أيضاً، والكتابة عن هؤلاء أصعب وأعسر. كما لابدّ من الكتابة عن العسكرية الإسلامية، ومصادرها متوفرة في القرآن الكريم، والسُّنّة النبوية المطهَّرة، والسيرة النبوية الشريفة، وكتب الفقه الإسلامي، وكتب التاريخ؛ ففي القرآن والحديث والفقه مبادئ العسكرية الإسلامية، وفي التاريخ: التطبيق العملي لتلك المبادئ. ولابدَّ من عرض العسكرية الإسلامية بأسلوب حديث يفهمه القارئ والمختص، فقد تغيّرت المصطلحات .. ونحن - بهذا - نأمل أن تُدرَّس العسكرية الإسلامية في المدارس والمعاهد والكليّات العسكرية، وأن تصبح العسكرية الإسلامية هي السائدة في القوات المسلحة، وأن يستعيضوا بها عن العقيدة العسكرية الغربية والشرقيّة اللتين جرّتا على العرب والمسلمين الهزائم، فتكاثرت عليهم النكبات، وحلّت الكوارث والمصائب. ودعا إلى تحقيق كتب التراث العسكري، كما دعا أصحاب الاختصاص إلى التأليف في العقيدة العسكرية العربية الإسلامية. وبعد هذه المقدّمة القيمة التي تكررت بعض معانيها وأفكارها في كتبه الأخرى، جاء إلى صلب الكتاب، فتحدّث عن بلاد ما وراء النهر قبل الفتح الإسلامي وفي أيامه .. تحدّث عن موقعها، وأقاليمها، ونهريها، وذكر لمحات من تاريخها القديم، ومدنها .. تحدّث عن بخارى وسمرقند، وعن إقليم خُوارزم، عن مدنه وحاصلاته، وعن سائر الأقاليم الأخرى، ثم تحدّث عن فتح تلك البلاد، واستعادة فتحها بعد انتقاضها وانفصالها عن الدولة الإسلامية. تحدّث عن الأحنف بن قيس، وعن فتح الحكم بن عمر الغفاري،

وفتح عبيد الله بن زياد، وفتح سعيد بن عثمان بن عفان، وفتح سَلْم بن زياد، وأميّة بن عبد الله، وفتح المهلّب بن أبي صُفْرة، ويزيد بن المهلب، وفتح قتيبة بن مسلم الباهلي، وتوقَّف طويلاً عند قتيبة وأعماله الحربية، ثم ذكر فتح عبد الرحمن بن مُسْلم الباهلي، وصالح بن مسلم الباهلي الذي كان له دور كبير في فتح مدينة سمرقند صلحاً. ثم جاء إلى (عبرة الفتح واستعادة الفتح)، وردّ على مفتريات المؤرخين الغربيين وأذنابهم وتلاميذهم الذين يفتئتون على الحقائق التاريخية، تنفيساً لأحقاد تملأ نفوسهم. ثم تحدّث بالتفصيل عن أولئك القادة الفاتحين الاثني عشر الذين ذكرناهم آنفاً، حسب المنهاج الذي اختطه لنفسه في مقدّمة هذا الكتاب، وسائر كتب قادة الفتوح الأخرى. هذا وقد اعتمد الكاتب على (97) مصدراً ومرجعاً عربياً وأجنبياً في تأليف هذا الكتاب القيّم. ***

بين العقيدة والقيادة

بين العقيدة والقيادة يقع هذا الكتاب الكبير في أكثر من ست مئة صفحة، قدّم له الشيخ العلامة محمد أبو زهرة بمقدّمة ضافية بديعة، ثم كانت مقدّمة المؤلف عن معاناته في الجيش العراقيّ الذي كان أكثر ضباطه من الفاسدين المنحرفين، وقد ألف اللواء خطاب هذا الكتاب ليردّ على أولئك الفاسدين الذين يظنون أن لا علاقة بين الضابط والتديّن إلا العلاقة السلبيّة .. فأراد المؤلف أن يوضح الصّلة الوثيقة بين العقيدة والقائد، " وأن القيادة الرشيدة لا بّد أن تدفعها عقيدة مؤمنة، وقلب لم يرتكس في المعاصي، ونفس لم تُدَنَّس بالفسوق والعصيان والانحراف، وإرادة قويّة ضابطة غير خاضعة لهوى يهوي بها، بل هي سيِّدة على النفس حاكمة لها ". في بحث (العقيدة) ربطٌ وثيق بين العقيدة والقيادة، فقد عَرَّفَ العقيدةَ بأنّها " مُثُلٌ عليا يؤمن بها الإنسان، فيضحّي - من أجلها - بالأموال والنفس، لأنها أغلى من الأموال والنفس ". وهذا التعريف يحدّد حوافز التضحية، والبذل، والفداء، في المجال العسكري. ويقرر أن " الجيش لا قيمة له - من الناحية العسكرية - بدون عقيدة تجمع شمله، وتوحّد صفوفه، وتشيع فيه الانسجام الفكريّ الذي بدونه لا يتمّ تعاون ولا اتحاد ".

ما علاقة القيادة بالعقيدة؟

" وكلُّ جيش في العالم مؤلف من عنصرين: عنصر مادي، وعنصر معنوي ". " والمعنويات هي العقيدة، وقد أثبت تاريخ الأمم أن الجيوش لا تهزم لقلَّة مواردها، بل لضعف عقيدتها "، وقد قرر عباقرة العسكريين أن المعنويات كانت، ولا تزال، وستبقى عاملاً حاسماً في إحراز النصر. وعَرَّفَ القيادة بأنها الأعمال التي يضطلع بها القائد في قيادة الجنود، والقائد من كان على رأس الجماعة، وكان للجماعة رأساً يتبعه الناس. ثم تساءل: ما علاقة القيادة بالعقيدة؟ وأجاب بأنه لا بد للإجابة على هذا التساؤل، من مراجعة تراثنا العربي الإسلامي أولاً، والمصادر العسكرية الحديثة ثانياً. وفي بحثه (مع التراث العربي الإسلامي) جال جولات في هذا التراث المتميز بأصالة بحوثه العسكرية، ودقّتها، وشمولها، فقد بلغ العرب في العلوم العسكرية شأواً بعيداً، حتى إن صفات القائد مسطرة ليس في الكتب العسكرية وحسب، بل في كتب الفقه أيضاً .. وقد اقتصر المؤلف على خمسة كتب منها، وكلها تؤكد أن القائد العسكري يجب " أن يجعل رأس سلاحه في حربه: تقوى الله وحده، وكثرة ذكره، والاستعانة به، والتوكل عليه، والفزع إليه، يسأله التأييد والنصر، والسلامة والظفر، وأن يعلم أن ذلك إنما هو من الله جل ثناؤه، لمن شاء من خلقه، وكيف شاء، لا بالأرب منه والحيلة، والاقتدار والكثرة، وأن يبرأ إليه - جلّ وعزّ - من الحول والقوة، في كل أمر ونهي ووقت وحال، وألا يدع

الاستخارة لله في كل ما يعمل به، وأن يترك البغي والحقد، وينوي العفو، ويترك الانتقام عند الظفر، إلا ما كان لله فيه رضا، وأن يستعمل العدل وحُسن السيرة، والتفقد للصغير والكبير بما فيه مصلحة رعيته، وأن يعتمد في كل ما يعمل به في حربه، طلب ما عند ربه عز وجلّ، ليجتمع له به خير الدنيا والآخرة ". و" أن يكون حسن السيرة، عفيفاً، صارماً، حذراً، متيقظاً، شجاعاً ". وقرر الماوردي في (الأحكام السلطانية) أنه: " يجب أن يأخذ جيشه بما أوجبه تعالى من حقوقه، وأمر به من حدوده، حتى لا يكون بينهم تجوّرٌ في دين، ولا تحيُّفٌ في حق ". وجاء في كتاب (الأحكام السلطانية) للقاضي أبي يعلى: " أن يقصد بقتاله نصرة دين الله تعالى .. ولا يقصد في جهاده استفادة المغنم، فيصير من المتكسبين، لا من المجاهدين ". وهكذا نقل بعض النُّقول من كتاب (السياسة الشرعية) لابن تيمية، ومن كتاب (الأدلة الرسمية في التعابي الحربية) لمحمد بن مَنْكَلي نقيب الجيش في سلطنة الأشرف شعبان على مصر، ثم انتقل إلى العصر الحديث، وإلى المشير مونتكمري على وجه الخصوص، لإقناع من لا يقنع إلا بما يقوله الأجانب من الشرق أو الغرب. اقتبس المؤلف من كتاب مونتكمري (السبيل إلى القيادة) عدّة اقتباسات تؤيّد وجهة نظره، في الربط بين القيادة والعقيدة، وخصّ هذا الكتاب، لأنه مبنيٌّ على تجارب عمليّة امتدت خمسين سنة في الخدمة العسكرية.

ومن صفات القائد الناجح عنده، أن يكون متفائلاً دائماً، وأن يكون ذا عزيمة وثبات في وجه المصاعب، وأن يبثّ الثّقة في نفوس رجاله، وأن يكون مخلصاً، فيه غيريّة وإيثار. ثم يتساءل مونتكمري: " هل من علاقة للدّين بالقيادة؟ ". ويجيب هو نفسه: " لا يستهوي القائد الكثيرين من الناس، إن لم يتحلَّ بالفضائل الدينية ". والفضائل الدينية عنده هي: الهُدى، والعدالة، والانضباط والجلادة، ثم يذكر - مونتكمري - أن محمداً - صلى الله عليه وسلم -، كان من أعظم القادة في كل الأزمان. ويعتبر العامل الأكبر في نفوذ القائد ونجاحه، هو إخلاصه، وكونه قدوة، وخاصة في الفضائل الدينية، ولا يهمّ أن يكون القائد من الطبقة العليا أو السُّفلى في مجتمعنا، ويقول: " إنني لا أدري كيف يكون قائداً، إن لم تكن حياته الخاصة فوق الشبهات، فإن لم تكن حياته الخاصة فوق الشبهات، فلن يحترمه الذين يقودهم، ويسحبون ثقتهم منه، وإذا ما حدث ذلك، فستفقد قيادته تأثيرها ". ويقول: " أعتقد بأن الاستقامة في القضايا المعنوية الكبرى، وفي الفضائل الدينية، أمر ضروري لنجاح القائد ". ويقول: لقد اقتضت القيادة العسكرية دوماً مهارة فنيّة، وقوة وخصالاً روحية " (¬1). ¬_______ (¬1) السبيل إلى القيادة: ص 21.

ويقول: " يجب أن يكون القائد مستقيماً كلّ الاستقامة " (¬1). " ويجب أن يكون ذا يقين باطني يسمو أحياناً فوق العقل " (¬2). وهكذا يستمر استعراض المؤلف كتاب مونتكمري، وفي نُقُوله منه، وهي مهمّة، لأنّها تبيّن صلة العقيدة والتربية والسلوك الحسن، بالقيادة الناجحة. وأخيراً، يصف اللواء خطاب، المشير مونتكمري بقوله: " بقي أن تعرف، أنّ مونتكمري متدين إلى أبعد الحدود، لم يدخّن، ولم يعاقر الخمر، ولم يكشف ذيله على حرام، وكان في حياته مستقيماً، متقشفاً، ومع ذلك، فهو أعظم القادة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ". فأين من يدّعي أن القيادة والعقيدة متناقضان؟ ويسير اللواء خطاب خطوات (مع القادة الآخرين) كالمشير (ويفل) من أبرز القادة الإنكليز في الحرب الثانية، وآيزنهاور القائد العام لقوّات الحلفاء في أوروبة، وكان متديّناً، ورعاً، ملتزماً بتعاليم الدين - المسيحي طبعاً، وهو الذي صار رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية - وغيرهم من الفرنسيين أو الغربيين عامة، ممن ينهلون من مناهل الدين، ويعانقون بين العقيدة والقيادة، ويخلص إلى القول: " إن العقيدة ضرورية للغاية، للقائد وللجنود أيضاً، والتمسّك بعقيدة فاسدة، خير من التخلي عن أيّ عقيدة. ¬_______ (¬1) السبيل إلى القيادة: ص 62. (¬2) المرجع السابق: ص 64.

" وقد كان من جملة أسباب اندحار العرب في حرب حزيران سنة 1967 م هو تخليهم عن عقيدتهم السماوية العظيمة. لذلك انتصرت العقيدة الفاسدة التي يتمسّك بها اليهود، على من لا عقيدة لهم .. ويوم يعود العرب إلى عقيدتهم، فلن يُغْلَبُوا من قلة أبداً ". ثم انتقل المؤلف إلى بحث (الإسلام والنصر) فكتب عن أثر الإسلام في العرب، وحاول الاقتصار على الناحية العسكرية، لأنها هي التي جعلت لهم مكانة سامية بين الأمم، لأن الدول لا تحترم غير الأقوياء .. تحدّث عن العرب في الجاهلية؛ عن إيجابياتهم وسلبياتهم، حتى إذا جاء الإسلام، وحَّدَ عقائدهم، وأهدافهم، وصفوفهم، ونظّمهم، ونقَّى أرواحهم، وقضى على سلبياتهم، وأكد مكارم الأخلاق عندهم .. وتسامت تعاليمه بمستواهم العقلي، وكان لعقيدة اليوم الآخر، أثر عظيم في بيع كثير منهم نفوسهم في سبيل إعلاء كلمة الله .. لقد كان فضل الإسلام على العرب عظيماً. وفي بحث (الإسلام في مجال التربية العسكرية) تحدث عن التدريب الفردي، فعرّفه، وأشار إلى الصفات الخالدة للجندي الحق، كالطاعة، أو الضبط، والصبر، والثبات، والشجاعة، والحذر واليقظة وعدم الاستهانة بالعدو، وأن يجاهد بماله ونفسه في سبيل الله، وأن يكون متقناً لفنون القتال. ثم تحدث عن التدريب الإجمالي، والحرب العادلة، والحرب النفسية، وعزة الإسلام، ثم انتقل إلى الحديث عن (التطبيق العمليّ في عهد النبوة) .. في مكة المكرمة، حيث تعرّض للأهوال، ثم كانت الهجرة بعد بيعتي العقبة، وفي المدينة المنورة لقي الألاقي من يهود والمنافقين

والمشركين، ثم كان الإذن بالقتال، والجهاد الحاسم في بدر، وأحد، وسائر الغزوات الأخرى، حيث كان الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - قدوة حسنة لسائر المسلمين. وفي حديثه عن الصحابة الكرام، ذكر ما قدّموه من تضحيات جسام في شتى المجالات والنواحي، الأمر الذي جعل الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم بالهجرة من مكة المكرمة إلى الحبشة. وفي المدينة المنورة تآخى المهاجرون والأنصار مؤاخاة لم يعرفها التاريخ، ولم يعرف مثلها أو ما هو أدنى منها، وأظهر المسلمون إخلاصاً عجيباً لعقيدتهم، فقاطعوا أقرباءهم وحلفاءهم من يهود ومنافقين، ثم خاضوا معركة بدر، حيث التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة .. خالفت بينهم المبادئ، ففصلت بينهم السيوف. وفي معركة أُحد استبسل المسلمون، وقدّموا سبعين شهيداً، كان فيهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب. وفي كارثة الرجيع قدّموا ستة شهداء، ويوم الأحزاب زُلزل المسلمون أو كادوا، وكانت محاسبة الغادرين من يهود بني قريظة عادلة، وكان إخلاص الأنصار عجيباً. وفي الحديبية، وفي مؤتة، وفي سواهما، كان المسلمون وسيبقون مضرب الأمثال في الإخلاص لإسلامهم، والتضحية في سبيل الله تعالى. ومن يقرأ ما كتبه المؤلف، واستشهد عليه، يجد العجب العجاب. ثم انتقل الكاتب إلى التطبيق العمليّ في أيام الفتح الإسلاميّ العظيم، أيام الصحابة والتابعين، فتحدّث عن التخطيط الأول للفتح الإسلامي، الذي كان نسيج وحده في تاريخ البشر، لا يشبهه فتح، ولا يدانيه، ولا يقاس به. وقد كان الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - هو المخطط الأول للفتح الإسلامي،

فهو واضع الخُطّة التمهيدية التي حملت الجيوش الإسلامية على فتح أرض الشام، وتأسيس أول ركن لدولة الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية، على الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، في معركة مؤتة التي كانت نتائجها وآثارها بعيدة المدى، ثم في غزوة تبوك التي كانت إيذاناً بانطلاق الفتح الإسلامي لتحقيق أهدافه. وتحدّث المؤلف عن (بعث أسامة بن زيد)، وأثره في المرتدين وغيرهم، وتأديب القبائل العربية القاطنة في الشمال، تلك التي ما لبثت أن دخلت في الإسلام، وصارت من الذادة عنه. وتحدّث عن حروب الردّة التي شملت أكثر العرب إلا أهل المدينة ومكة والطائف، وأقساها كانت معركة اليمامة، كما تحدث عن معركة اليرموك في الشام، ومعركتي الجسر والقادسية في العراق، وفتح المدائن، وما صاحب تلك المعارك من النماذج البطولية، ثم انتقل إلى أفريقية، فالأندلس، وقرر أن انتصار المسلمين في تلك المعارك، كان انتصار عقيدة، وضرب على ذلك أمثلة ناطقة بإيمان أولئك الأبطال الميامين الذين ضَحَّوا بدمائهم، وأموالهم، في سبيل الله. ثم جاء إلى التطبيق العملي بعد الفتح الإسلامي العظيم على أيدي عدد من القادة المنتصرين: أسد بن الفرات، فاتح جزيرة صقلية، وصلاح الدين الأيوبي، قاهر الصليبيين، وقطز، قاهر التتار، ومحمد الفاتح، فاتح القسطنطينية. وسبب اختيار هؤلاء القادة العظام، ما كان لانتصاراتهم من آثار مصيرية، لأنها كانت انتصارات استراتيجية، وليست تكتيكية .. رفعت شأن العرب والمسلمين، ولا تزال آثارها ونتائجها ظاهرة ملموسة .. وهذه الانتصارات أحرزها قادة متدينون بكل ما في التدين من المعاني، بينما لم نجد قائداً عربياً أو مسلماً واحداً غير متدين، استطاع

إحراز انتصار استراتيجي واحد، منذ انحسر مد الفتح الإسلامي العظيم حتى اليوم .. ولن يستطيع أحد أن يفعل .. ثم شرع يتحدث عن القائد المنتصر (أسد بن الفرات) تلميذ الإمام مالك بن أنس الذي أوصاه بتقوى الله، والقرآن، والمناصحة لهذه الأمة .. كما تلقى (أسد) العلم على تلاميذ أبي حنيفة في بغداد: أبي يوسف، ومحمد، كما طلب العلم في مصر، وفيها ألف كتابه (المدوّنة الأسدية) التي جمع فيها أجوبة أستاذه ابن القاسم في الفقه، ثم عاد إلى (القيروان) فسمعها و (الموطأ) منه خلقٌ كثير، كما تلقّى الناس العلم عنه، حتى غدا إماماً، فولاّه ابن الأغلب قضاء إفريقية، فأقام في القيروان يقضي بين أهلها بالكتاب والسُّنّة، حتى خرج لغزو صقلية أميراً للجيش، فقد جمع له ابن الأغلب بين الإمارة والقضاء. خرج أسد بجيشه المؤلف من عشرة آلاف رجل، منهم ألف فارس، حملتهم مئة سفينة، سنة 212 هـ وفي طريقه إلى (صقلية) فتح جزيرة (قوصرة) صلحاً، وتغلب أسد على الروم في معركة حامية جرت في ميدانٍ بين بالرمو ومازر سُمّي باسم (بلاطه) فيما بعد، وكان الصقليون يفوقون المسلمين عَدَداً وعُدَداً، كانوا مئة وخمسين ألف مقاتل. وفَرَّ الرُّومُ نحو الجبهة الشرقية، وحشدوا جموعهم حول مدينة (سرقوسة)، ولاحقهم أسد بجيشه المنتصر، مستثمراً النصر الذي حققه عليهم، وحاصر (سرقوسة) برّاً وبحراً، وفي ذلك الحين وصل أسطول الإمبراطور البيزنطي من القسطنطينية لنجدة الروم المحاصرين، واشتد القتال، وكانت معارك طاحنة خاضها المسلمون بقيادة الإمام أسد بن الفرات الذي ما لبث أن مات أثناء القتال سنة 213 هـ/ 828 م، وتمكن المسلمون من فتح جزيرة صقلية. ثم تحدّث الكاتب عن الإمام القائد المنتصر أسد بن الفرات إنساناً،

وقائداً، فقد كان إماماً من أئمة المسلمين، وشيخاً من شيوخ الإفتاء، ورئيساً من رؤوس القضاء، وكان أول من جمع بين القيادة والقضاء، فكان عالماً، ومجاهداً وشهيداً، سقط مضرَّجاً بدمائه، ولم يسقط السيف والقلم من يده. ثم تحدّث عن صلاح الدين الأيوبي، قاهر الصليبيين، ومحرر بيت المقدس، وبطل معركة حطّين .. الذي كان حسنة من حسنات البطل نور الدين الشهيد، كما كان الفاروق عمر حسنة من حسنات أبي بكر الصدّيق - رضي الله عنه - .. لأن نور الدين هو الذي جمع الشَّمْل، ورصَّ الصفوف، ووحَّدَ العرب، ووجَّه المسلمين إلى حرب الصليبيين، ومهَّد الطريق لصلاح الدين. تحدّث عن حياة الأمير نجم الدين أيوب والد صلاح الدين، وأخيه أسد الدين شيركوه عمِّ صلاح الدين .. ثم عن حياة صلاح الدين، ولادةً، ووزيراً، وسلطاناً، وقائداً محنَّكاً مظفَّراً، في عدد من المعارك، كانت تاجها معركة حطين التي هي من المعارك الإسلامية الحاسمة .. فقد حشد صلاح الدين ما أمكنه من الطاقات المادية والمعنوية لمصر والجزيرة وبلاد الشام، ونظّمها من أجل المجهود الحربي الهادف إلى تحرير القدس وسائر البلاد العربية والإسلامية التي احتلّها الصليبيون، وقد أمضى صلاح الدين سبع عشرة سنة في الإعداد والاستعداد، ليقطف الثمرات اليانعة في معركة حطّين الفاصلة. ثم تحدّث المؤلف عن معارك استثمار الفوز بعد حطين، فكان استيلاء صلاح الدين على قلعة طبريّة التي استعصت عليه من قبل، وعكا ونابلس، وحيفا، وقيساريّة، وصَفُّوريّة، والناصرة، وتبنين، وصيدا، وبيروت، وجبيل، ثم انكفأ فاحتلَّ الرَّمْلة، ويبنا، والدارون، وعسقلان،

وغزّة، وبيت جبرين، والنطرون. وقد تمَّ كلُّ هذا الزَّحف والفتح في أقلَّ من شهر. كان هدف صلاح الدِّين تحرير القدس، وسحق المملكة الصليبيّة، وإعادة الصلة المباشرة بين مصر وبلاد الشام إلى ما كانت عليه قبل الغزو الصَّليبيّ. وقد استثمر نصره العظيم في (حطّين) فعزل بيت المقدس من الشّمال، ومن المناطق المجاورة لها، ليحرم الصليبيين من الإمداد البريّ، وحتى لا يستفيدوا من الإمداد البحريّ، استعاد الموانئ البحرية، بحيث لم يبق للصليبيين إلا الاعتماد على مواردهم القتالية الذاتية. وبهذا التطويق البريّ والبحريّ، وبفعل معركة حطّين، كانت معنويات الصليبيين منهارة في الحضيض، حتى إنهم كانوا يتوقّعون استسلام المدينة المقدَّسة بين لحظة وأخرى. وعندما تحرّك صلاح الدين يوم الجمعة في العشرين من رجب سنة 583 هـ/ 20 من أيلول 1187 م إلى الجانب الشمالي من المدينة المقدسة، ونصب عليه المجانيق، وضايقه بالزحف والقتال وكثرة الرماة، حتى تمكّن من إحداث ثغرة في السور - شعر الصليبيون بخطورة الموقف، فبعثوا وفداً منهم إلى صلاح الدين، يطلب الأمان، ووافق صلاح الدين على منحهم الأمان، على أن يسلّم الإفرنج المدينة المقدسة. ودخل المسلمون بيت المقدس في يوم الجمعة، السابع والعشرين من رجب سنة 583 هـ/ الثاني من تشرين الأول سنة 1187 م ليلة الإسراء والمعراج، بعد احتلال دام زهاء تسعين سنة. وتحدّث المؤلف عن حصيلة جهاد صلاح الدين وجهده التي دوَّخ بها الصليبيين، وهي تدل على قيادته الفذّة، وجهاده العظيم، فإذا أضفنا إليها توحيده مصر والشام وجزيرة ابن عمر، يكون صلاح الدين من أعظم

قادة المسلمين، جهاداً وجهوداً وإخلاصاً وحميّة وفتوحاً. وتحدّث عن إنسانية صلاح الدين، وعن دينه وأخلاقه، وعن عبادته، ورأفته، ورحمته، وشهامته، وعدله وعلمه، وشجاعته، وذكائه، وكرمه، وحيائه، ونقائه، فقد كان مثلاً أعلى لرجاله في سائر أحواله. كما قدّم المؤلف بعض النُّقُول من المصادر الأجنبية التي ما كان يسعها إلا الإشادة بأعماله البطولية، وسجاياه النادرة. وكذلك فعل المؤلف في حديثه عن الملك المظفَّر قطز، وعن السلطان محمد الفاتح .. تحدَّث عن حياة كلّ منهما، وعن أعماله البطولية، وأخلاقه السامية، ودينه وعبادته .. في حديثه عن قطز مهَّد بالكلام عن التتار، وعن هولاكو وتدمير بغداد، ثم زحفهم إلى جزيرة ابن عمر، واستيلائهم على مدنها، ثم نزولهم على حلب، واستيلائهم عليها، وإحراقهم المساجد، وذبح الناس فيها، حتى سالت الدماء في أزقتها. ثم عن وصولهم إلى دمشق، وغدرهم بأهلها، واعتدائهم على نابلس، والكرك، وبيت المقدس، وغزة. وتحدث عن موقف أوروبة التي فرحت بانتصارات التتار، وأحلام البابوات في إقامة حلف مع التتار، من أجل نشر النصرانية بينهم، ولضرب المسلمين، كما فاوضهم لويس التاسع على عقد اتفاقية عسكرية تنصُّ على أن يقوم الصليبيون والتتار بعمليات حربية ضد المسلمين، يكون دور التتار غزو العراق، وتدمير بغداد، والقضاء على الخلافة الإسلامية، ويكون دور الصليبيين حماية هذا الغزو التتري من الجيوش المصرية، بعزل مصر عزلاً تاماً عن سائر البلاد العربية. وصف الأسقف دي مسنيل حملة التتار بقوله: " لقد كانت الحملة التترية على الإسلام والعرب حملة صليبية

بالمعنى الكامل لها .. حملة مسيحية نسطورية، وقد هلل لها الغرب، وارتقب الخلاص على يد هولاكو وقائده المسيحي (كتبغا) الذي تعلق أمل الغرب في جيشيهما، ليحققا القضاء على المسلمين وهو الهدف الذي أخفقت في تحقيقه الجيوش الصليبية ". وتحدّث عن زحف التتار باتجاه مصر، وكان قرار ملكها قطز وسائر الأمراء والعلماء، قتال التتار، ولا شيء غير القتال .. وحشد قطز حشوده، ونودي في القاهرة والفسطاط وسائر الأقاليم المصرية بالخروج إلى الجهاد. جمع قطز أمراء المماليك، وقادة الجيش، وبذل جهداً عظيماً في رفع معنوياتهم المنهارة، واستحثَّ القادرين على حمل السلاح من الشعب المصري على القتال، واستحثَّ الأغنياء على البذل السّخيّ للحرب، وقد قدَّم لجيشه وللناس مثلاً حيّاً بشخصه، في تقديم ماله وروحه في سبيل الله. كان قرار قطز أن تكون المعركة الفاصلة بينه وبين التتار خارج مصر، فكان قراراً عسكرياً فذاً. ووصف المؤلف معركة (عين جالوت)، وما سبقها، وما لحقها من استثمار للفوز العظيم، بمطاردة فلول التتار حتى مدينة حلب، حيث ترك التتار ما كان في أيديهم من أسرى المسلمين، كما رموا أولادهم على قوارع الطرق، لينجوا هم بأرواحهم. وتحدّث المؤلف عن (أسباب النصر) الهائل لجيش المسلمين على جيوش التتار الجرارة، بمعنوياتهم العالية، وتسليحهم، وتدريبهم، وخبراتهم القتالية، ورآها في: 1 - تعاون الملك قطز مع العلماء، فأمر رجاله بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فخرج الجيش من مصر تائباً طاهراً.

2 - تحلي قطز بإرادة القتال. 3 - إيمان قطز بالله، واعتماده عليه، وكذلك جيشه المؤمن، فعندما اطمأنّ قطز إلى نصر الله، ترجَّلَ عن فرسه، ومرَّغ وجهه في التُّراب، وسجد لله شكراً على نصره المؤزَّر. وبهذا كان انتصار المسلمين في (عين جالوت) انتصار عقيدة، طهر به بلاد الشام من التتار، ثم قضى شهيداً مظلوماً. والتطبيق العمليُّ الرابع بعد الفتح الإسلامي كان عن السلطان محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية، فتحدّث عن أيامه الأولى، عن تعليمه، وتدريبه المبكر على إدارة الدولة عمليّاً في حياة أبيه، كما تدرَّب على القيادة العسكرية، وتحدّث عن المحاولات الأولى لفتح القسطنطينية، وعن أهمّيتها وموقعها الإستراتيجي المنيع، وما كان من أمر آخر الأباطرة: قسطنطين الحادي عشر مع الفاتح، ونقضه العهد الذي كان أبرمه معه، ومعاناة العثمانيين من البيزنطيين، " ولم ينس محمد الفاتح أن بيزنطة هي التي حرّضت تيمورلنك على قتال آبائه وأجداده، فسبّبت ما نزل بالدولة العثمانية من نكبة وبلاء. ولم ينس أن القسطنطينية تفتح أبوابها لكل خارج على الدولة العثمانية، كما كانت تعتقل الأمراء العثمانيين وتحبسهم لديها، ثم تهدّد بهم السلاطين العثمانيين، وتطلقهم في اللحظة المواتية، وتجرّ على الدولة العثمانية بذلك حرباً أهليّة دامية " إلى آخر ما هنالك من مسوّغات تدفع به إلى فتحها. ثم تحدّث عن التمهيد للفتح، ضمن خُطّة مُحْكَمة، مُضْنية، ولكن، ما كان منها بُدٌّ لفتح القسطنطينية التي صارت شوكة في خاصرة الدولة العثمانية. ولأنه توقَّع أن تهبَّ أوروبة لنجدة قسطنطين، عقد محمد الفاتح

سلسلة من الاتفاقات مع البندقية، والمجر، والبوسنة، وغيرها من الدول والإمارات، وشرع في بناء قلعة منيعة على الشاطئ الأوروبي من البسفور، عند مضيق موضع من القناة، وأحكَمَ - بذلك - إغلاق هذا الممرّ المائيّ، ومنع وصول أيِّ إمدادات قد تأتي من اتجاه البحر الأسود، كما نصب المجانيق والمدافع الضخمة على الشاطئ، لتحرق أيَّ قادم إلى القناة، وأحكم الحصار على القسطنطينية التي حشد لها الفاتح الحشود الضخمة من الجيش العثماني النظامي، ومن المجاهدين المتطوّعين الذين جاؤوا من آسية وأوروبة ليشاركوا في هذا الفتح العظيم، وقد بلغ عدد الجميع حوالي مئة وخمسين ألف مقاتل، بينما كان عدد الروم المدافعين عن المدينة خمسين ألف مقاتل. وقام السلطان الفاتح ببناء السفن الحربيّة، وتصنيع المدافع الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، ومنها المدفع العملاق الذي أطلقوا عليه اسم سلطان المدافع أو المدفع السلطاني، وسعى السلطان إلى شحن الروح المعنوية وبث روح الجهاد والاستشهاد في جنوده، ثم كان الزَّحف، وكانت المعارك الهائلة في البحر والبرّ وعلى الأسوار، وكانت كلُّها ضمن خُطّة مُحْكَمَة تضمن له النجاح، وكان فتح القسطنطينية مَلْحَمَةً من الملاحم الخالدة، وحُقَّ له أن يُسَمَّى فَتْحَ الفُتُوح، ودخل الفاتح المدينة على صهوة جواده، ثم تَرَجَّلَ عن فرسه، واستقبل القِبْلة، وسجد على الأرض، وحَثَا التُّراب على رأسه، شكراً لله على ما منحه من النصر، ثم توجَّهَ نحو كنيسة آيا صوفيا، ولمّا اقترب منها، تناهت إلى سمعه أصوات خافتة حزينة، هي أصوات النصارى الذين لجؤوا إليها، وغلَّقوا عليهم الأبواب، وشرعوا يصلّون ويدعون .. وعندما علم الراهب بمقدم السلطان، فتح له أحد أبواب الكنيسة، وخاف مَنْ فيها من قدوم السلطان، ولكن السلطان الفاتح الإنسان الرحيم طمأنهم، وطلب من الراهب أن يستمروا في صلواتهم،

ثم أمرهم أن يعودوا إلى منازلهم آمنين. وسجد الفاتح من جديد، شكراً لله على نصره، ثم بعث من رجاله من يطوف في أرجاء المدينة، لتأمين الناس وتطمينهم، والطلب منهم أن يعودوا إلى حياتهم العادية. وأمر السلطان بتحويل الكنيسة إلى مسجد، وارتفع فيها صوت الأذان، وأدَّى صلاة العصر، وأعلن أنه سوف يصلي صلاة الجمعة القادمة في المسجد الجديد. وسلك السلطان الفاتح نحو أهل القسطنطينية سياسة التسامح، وأمر جنوده بحسن معاملة الأسرى الذين بين أيديهم، وفدى عدداً من كبار الأسرى من ماله الخاصّ، وطلب من الفارين أن يعودوا إلى منازلهم آمنين مطمئنين، ودعا الناس إلى مزاولة أعمالهم في مصانعهم ومتاجرهم، وطمأن الجميع أن يكونوا أحراراً في ممارسة طقوسهم الدينية. وهكذا عاد أهل المدينة إلى حياتهم الطبيعية آمنين مطمئنين. واستاءت أوروبة من هذا الفتح العظيم، وأخذت تكيد وتحشد وتؤلّب، الأمر الذي دفع السلطان الفاتح إلى مواصلة الحرب، والقضاء على كلّ الدول النصرانية القريبة من (بيزنطة) فقد قضى على قوات البلقان، والبلغار، وهزم المجر هزيمة ساحقة. وهكذا صارت (البوسنة) كلها ولاية عثمانية سنة 867 هـ/ 1463 م، وأقبل أهلها على اعتناق الإسلام. وكذلك كان أمر (الهرسك) بعد عام. وخضعت (أثينة) لحكم العثمانيين سنة 864 هـ/ 1460 م، بل صارت اليونان كلُّها تابعة للدولة العثمانية.

كما فتح جزر الأرخبيل، والأفلاق، والبغدان، وأماصرة، وإمارة سينوب، وأرضروم، وطرابزون، وسواها .. كما طهّر حدوده الشمالية، فامتدّت دولته حتى البحر الأسود الذي صار بحيرة عثمانيّة. وعندما استولى على مدينة (أوترانتو) الإيطالية في 11/ 8/ 1480 م فزع البابا سيكست الرابع، وظن أنّ روما سوف تسقط في أيدي العثمانيين، كما سقطت القسطنطينية من قبل، فَهَمَّ بالفرار من إيطالية، ولكن المنية عاجلت السلطان الفاتح، فمات القائد البطل الذي كان أمّة في رجل في 4/ 3/ 886 هـ - 3/ 5/ 1481 م. وحسب منهج المؤلف في حديثه عن قادة الفتوح، تحدّث عن الفاتح الإنسان الذي نشأ نشأة علمية بعيدة عن السياسة والحرب، فقد كان وثيق الصلة بالثقافة، والعلم، والفكر، والفن، والإدارة والحكم، وكان للفاتح في هذه الميادين، مثل ما كان له في ميادين السياسة والحرب. وقال عنه: " ويُعَدُّ الفاتح أعظم سلاطين آل عثمان طُرّاً، وأعظم ملوك عصره، ويصحُّ أن يقال: إنه كان محور السياسة الدولية في عهده، وصاحب الكلمة الأولى في الشؤون العالميّة ". " لقد كان محمد الفاتح فذاً عظيماً في كل ميدان من ميادين الحياة. لا يكفُّ عن الحرص على المعرفة، حامياً للعلوم والآداب والفنون، أسبغ على أهلها أكرم رعاية وأسناها، وقدَّر كرامة الإنسان، وجعل حرية الضمير، وحرية الفكر والقول مشاعاً لجميع الناس .. وكان عظيماً فذاً في حروبه وسياسته، قلّما ارتدّ عن غاية استهدفها، لا يبطره الظَّفَرُ إذا انتصر، ولا تُقْعده الهزيمة إذا انكسر.

وكان فذّاً في إدارته لملكه، وحسن حكمه لرعاياه، وسماحته نحو أهل الأديان الأخرى. وكان فذّاً عظيماً في تديُّنه وورعه وتقواه، وفي استقامته وعدله وتقشُّفه، وفي خضوعه للحقّ، ولو كان مُرّاً ". وفي الخاتمة تحدَّثَ عن صفة القيادة، والفروق بين القائد العسكري والقائد المدني، وضرورة العقيدة السليمة الراسخة لكل قائد، عسكريّاً كان أم مدنيّاً، وخاصّة القائد العسكريّ، وضرورة توفر أربعة شروط في القائد المتميّز المنتصر: الطبع الموهوب، والعلم المكتسب، والتجرِبة العمليّة، والعقيدة الراسخة. كما طالب أن يُقَدَّم القائد المناسب، للقيادة المناسبة، بعيداً عن الهوى وعن المصالح الشخصيّة. ورأى أن القاسم المشترك بين قادة أمتنا، هو تمسُّكُهم بتعاليم الإسلام ورَغْبَتُهم الصادقة في إعلاء كلمة الله. لقد كانوا قادة (مبادئ) لا قادة (مصالح)، كما كان وراء كل قائد منهم، عالم عامل من علماء الإسلام، يُذْكي الشعور الدينيّ، ويحرّض على القتال، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويرفع المعنويات، ويصاول الحرب النفسيّة، ويبشّر بالنصر، ويكافح الانهزاميين. ورأى أن اختيار القائد العقيدي مهم جداً، وهو خدمة للجيش والأمة والبلاد، كما أن اختيار القائد غير الملتزم بالعقيدة الراسخة، مهما تكن صفاته القيادية الأخرى، هو من مصلحة العدو دون ريب. " وقد جَرَّبَ العرب والمسلمون - في ظروف مختلفة، ومناسبات

شتَّى - قادةً لا عقيدة لهم، فكان ضررهم أكبر من فائدتهم، وكان هَدْمُهم أكثر من بنائهم، على الرغم من تيسُّر بعض الصِّفات القيادية المتميّزة في قسم منهم ". ثم استشهد المؤلف ببعض قادة (إسرائيل) المتمسّكين بالعقيدة الصهيونية التي هي عبارة عن الدين اليهودي، والقوميّة اليهودية، وقال: " والعقيدة لا تقاوم إلا بعقيدة أصلح منها وأفضل، لها مقوّمات البقاء، لأنّ البقاء للأصلح، وتلك هي سُنَّةُ الحياة ". " والتمسُّكُ بعقيدة فاسدة، أفضل من عدم التمسك بأية عقيدة .. فقد انتصرت إسرائيل بالعقيدة اليهودية على العرب الذين تخلَّوا عن عقيدتهم .. ". وهذا قاده إلى الحديث عن (بناء الرجال) .. بناء الفرد، ودور البيت، والروضة والمدرسة، والجامعة، والدولة، في هذا البناء الذي يقود إلى طهر الأفراد، والأسر، والمجتمع، والدولة .. تربية الفرد على التمسك بأهداب الدين، والخلق القويم .. على حُبِّ الفضيلة، وكره الرذيلة .. ذلك أنّ قوّة الأمم ليست بكثرة نفوسها، بل بمتانة مُثُلها العليا، فلم يكن العرب والمسلمون أكثر من الفرس والروم في صدر الإسلام، ومع ذلك، غلبوا الفرس والروم .. بمبادئهم .. وهذا هو طريق النصر. ***

ومضات من نور المصطفى - صلى الله عليه وسلم -

ومضات من نور المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هذا الكتاب هو تلخيص لحياة الرسول القائد، عليه الصلاة والسلام، لتكون سهلة المنال، يستفيد منها (العالم والجاهل، والتلميذ والمعلم، والطالب والأستاذ، وتفيد الداعية والدعوة). حاول فيه اختصار السيرة النبوية اختصاراً غير مخل، ليطلع المسلمون على سيرة (قائدنا، وقدوتنا، ورائدنا، وزعيمنا .. سيِّدي ومولاي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سيّد القادات، وقائد السادات، رجل الرجال، وبطل الأبطال. إمام المجاهدين، وقائد الغرّ الميامين). (ودراسة سيرته العطرة - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - واجب على كل مسلم؛ حاكماً أو محكوماً، رئيساً أو مرؤوساً، عالماً أو جاهلاً، غنياً أو فقيراً، ضابطاً أو جندياً .. فأعماله تطبيق لتعاليم الإسلام، وأقواله تفصيل للكتاب العزيز، وأخلاقه أخلاق القرآن الكريم ومنهجه طريق الدعاة). والمؤلف هنا كما هو في كتابه (الرسول القائد) - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه قدم - هنا - لمحات من حياة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: من ولادته إلى النبوة، ومن النبوة إلى الهجرة، وحياته في المدينة المنورة، ثم تحدث عن صفاته السامية، خَلْقيّة وخُلُقيّة: عن حسن خُلُقه، حلمه وصفحه، وعن تواضعه، وشفقته ومداراته، وحيائه، ورحمته للعالمين، وعن جوده وشجاعته. ومنها انتقل إلى (الجهاد) فذكر عدداً من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحدثت عن الجهاد.

ثم قدّم درساً، بل دروساً في بناء الرجال من الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يعرف أصحابه جيداً، فيضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ويحاول الإفادة منهم جميعاً؛ من القائد، ومن الجندي الشجاع، ومن الثري، ومن الفقيه والعالم، والشاعر، والحكيم، ومن رجل الإدارة. ثم تحدث عن أسباب انتصارات الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - فوجدها في القرار السريع الصحيح، وفي الشجاعة النادرة والإرادة القوية، وفي السيطرة على أعصابه، وفي بُعد نظره، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وفي الثقة المتبادلة بينه وبين جنوده، وفي المحبة المتبادلة بينهم، وفي الشخصية القوية النافذة، وفي القابلية البدنية، وفي تاريخه الشخصي الناصع، وفي معرفته مبادئ الحرب وتطبيقه إياها بحنكة ومهارة. وتحدث عن جنوده الممتازين المتميزين بالعقيدة الراسخة، والمعنويات العالية، والضبط المتين، والتدريب الجيد، والتنظيم السليم، والتسليح الجيّد. وأخيراً تحدَّث عن الحرب العادلة التي خاضها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. جاء الكتاب في (89) صفحة من القطع الكبير، وكانت طبعته الشَّرْعيَّة الثانية عشرة عام 1988 م من منشورات مكتبة النهضة في بغداد. ***

التصور الصهيوني للتفتيت الطائفي والعرقي

التصور الصهيوني للتفتيت الطائفي والعرقي كتب اللواء خطاب هذا الكتاب عام 1987 م ولم تساعده صحّته لمتابعة هذا البحث القيّم الذي هدف منه إلى تحذير العرب والمسلمين من مكايد اليهود، ليكونوا على بيّنة من أمرهم، وحتى لا يقولوا يوماً: ما جاءنا من نذير، فقد أنذرهم اللواء الباحث الاستراتيجي أكثر من مرّة، ولكن قادتهم عموا وصمّوا، ولم يستمعوا له ولم ينصتوا، ليعوا صوت النذير العريان قبيل وقوع نكبة حزيران، وقبلها وبعدها. وقد رجع بنا المؤلف إلى العصور القديمة، واستعرض لنا مسيرة الغدر والخيانة لدى يهود منذ السبي البابلي الذي قام به نبوخذ نصر مرتين ضدّ اليهود، ثم ما كان من استقرار قسم منهم في العراق القديم الذي أحسن إليهم سكّانُه، فأساؤوا - أي اليهود - إليهم، وغدروا بهم، وعملوا على تفتيت بلادهم وتمزيقها، وحرّضوا أعداءهم عليهم، وأغروهم بغزوهم، ثم ساعدوهم في غزو العراق، وتقتيل أهله واستعبادهم. كلّ هذا من أجل إضعافه، وإرهاق أهله، لتكون لهم الغلبة عليهم. ثم انتقل بنا المؤلف إلى (مصاولة الإسلام والمسلمين في عهد الرسالة) حيث ناصبوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - العداء، وأظهروا النفاق، ولم يرعوا المعاهدة التي أبرمها الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - معهم بُعيْدَ هجرته إلى المدينة. وقد أحصى المؤلف إحدى عشرة مكيدة لهم، وضرب الأمثلة على تلك المكايد من المصادر الموثوقة، كعهده في الأمانة والصدق فيما يروي من

كتب التاريخ المعتمدة .. ولكنّ الله ردَّ كيدهم في نحورهم، وكانت مكايدهم سبباً في تخليص شبه الجزيرة من شرورهم وآثارهم. وتابع المؤلف (محاولات اليهود التخريبية على عهد الخلفاء الراشدين) فتحدث عن دورهم في استشهاد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، على يد أبي لؤلؤة المجوسيّ، ودورهم في إثارة الفتنة على أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، التي تولّى كبرها اليهودي ابن السوداء (عبد الله بن سبأ) الذي أعلن الإسلام وأبطن اليهودية، ليفسد أهل البصرة والكوفة ومصر على عثمان وانتهت باستشهاده، وتمزيق وحدة الأمة. وقد تابع ابن السوداء مهمته التضليلية أيام الإمام علي، - رضي الله عنه -، فزعم أن علياً نبي، ثم زعم للناس أن علياً إله، وبعد استشهاد علي، زعم أن علياً لم يُقتل، بل رُفع إلى السماء كعيسى، وأن الذي قُتل شيطان في صورة علي. كما كان له دوره في تمزيق شمل المسلمين، بظهور الخوارج، وبمقتل علي، وفي المعارك التي دارت رحاها بين المسلمين. وفي (مكايد اليهود) عبر القرون الأربعة عشر التي تلت عهد النبوّة، تحدّث عن مكايد اليهودي ميمون القدّاح الذي ادّعى الإسلام، وأسقط الفرائض عن أتباعه، فلا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حجّ، كما أباح كلَّ المحرّمات، فجوّز نكاح المحارم من الأمهات والأخوات والبنات، ودعاهم إلى الانسلاخ من سائر التعاليم الإسلامية، والضوابط الإنسانية، ومكّن بالغدر والخداع للباطنية، الذين انطلقوا يعيثون فساداً وإفساداً، قتلاً وحرقاً وتدميراً واغتصاباً، ويتعاونون مع الجيوش المعادية الغازية. وميمون القدّاح هذا - يهوديّ متعصب ليهوديته، وحبرٌ من أحبار يهود، وكان عالماً بالفلسفة والتنجيم، وكان صائغاً في بلدة (السلمية) أعلن إسلامه، وأضمر يهوديته، ثم ألحق نسب ابنه سعيد بنسب آل النبي - صلى الله عليه وسلم -،

وكان وأتباعه يتعاملون مع اليهود، ويكلون إليهم أمورهم. وعندما جاء من بعده العبيديون، استوزروا اليهود، فظلم اليهودُ المسلمين. وتحدّث عن الفتن التي أحدثها القدّاحيون، ثم القرامطة، والأرواح التي أزهقوها، والأموال التي صُرفت، والجهود التي بُذلت، في سبيل إخماد تلك الفتن الشيطانية الباطنية التي أثاروها لتمزيق الأمة. وفي (مكايد اليهود في التسلل إلى السلطة) تحدث عن المعاملة الطيّبة التي عامل المسلمون بها اليهود، لأنهم أهل ذمّة والذمة تعني العهد والأمان - حتى تسلموا مناصب رفيعة في الدولة العبّاسية، ولكنهم غدروا بالمسلمين عندما جاء التتار واستولوا على بغداد، فساموهم سوء العذاب، وساعدوا على تقتيلهم والتنكيل بهم. وكذلك فعلوا في الأندلس، عندما استطاعوا التسلل إلى مراكز السلطة، فأثاروا الفتن، وحاكوا المؤامرات، وأوقعوا بين الأمراء، وغدروا بأرباب نعمتهم. وتحدّث المؤلف عن مكيدة استخدام النساء للتأثير في الذين يريدون السيطرة عليهم، وضرب الأمثال بسفر (أستير)، وسفر (يهوديت)، وبما كان منهم في العصر الحديث، وبعد الهدنة عام 1948 م في فلسطين، مع ضباط الأمم المتحدة، من فرنسيين، وهولنديين، وبلجيكيين، حتى صاروا جواسيس لدى اليهود الذين أغرقوهم بالجنس. وتحدّث عن لجوئهم إلى إنشاء الجمعيات السرية، من أجل تحقيق أهدافهم الخبيثة، لأنهم قلة، ولا يستطيعون فرض هيمنتهم بغيرها، وكان من أهمّ أهدافهم، العمل على تجزئة أمم الأرض، وإثارة الحروب والفتن

بينها، من أجل تمزيقها، كما هدفوا إلى إفساد عقائد الشعوب، وأخلاقها، ونُظُمها، وإبعادها عن أديانهم، حتى تفقد أهمّ عوامل قوّتها .. وأهم تلك الجمعيات: الجمعيات الماسونية بأسمائها الصريحة والمدلّسة، كجمعية أبناء العهد، والاتحاد اليهودي العالمي، ومحفل لا ينير إنترناشيونال، والروتاري، والليونز، وكلها واجهات للماسونية، وتنحصر أهدافها وأنشطتها في هدم الدين والأخلاق والانتماء الوطني والديني، واستشهد على ذلك بنُقول ونصوص من بروتوكولات صهيون، ومن توراتهم المزيفة، وتلمودهم، وبأقوال ماسونيين معاصرين من يهود ونصارى لا يخفون أهدافهم في السعي لإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم، على أنقاض المسجد الأقصى المبارك الذي حاولوا إحراقه، ويحاولون ويعملون على هدمه، بحفر الأنفاق من حوله وتحته. وفي (مكايد الصهيونية من قبيل عام 1948 م وحتى اليوم) تحدّث عن إثارتهم الفتن بين الفلسطينيين، وسعيهم لتحقيق الأحلام الصهيونية في (إسرائيل الكبرى) من الفرات إلى النيل، واستشهد بأقوال إسرائيل سيف، وبن غوريون، وبما ورد في كتاب (خنجر إسرائيل)، وكلّها تركّز على ضرورة قيام دويلات طائفية، لأن الوحدة العربية قادرة على مواجهة إسرائيل ودحرها، وبغير الوحدة لا تقوى أي دولة عربية على الوقوف في وجه إسرائيل. وهذا ما حدث فعلاً في الحروب العربية الإسرائيلية، فالعرب كانوا يقاتلون اليهود بعدة جيوش، وعدّة قيادات، بينما حاربهم اليهود بجيش واحد، وقيادة واحدة، فانهزم العرب المنقسمون على أنفسهم، وانتصر اليهود وتغلبوا بوحدة جيشهم، ووحدة قيادته. وفي الخاتمة، رأى المؤلف أن اليهود يعملون لتقوية أنفسهم عسكرياً، وتقنياً، واقتصادياً، وسياسياً، و .. ويعملون على إضعاف جيرانهم العرب عسكرياً، وتقنياً، واقتصادياً، وسياسياً، و .. بالعمل

على إثارة الفتن بينهم، تمهيداً لتمزيقهم إلى كيانات هزيلة .. كما تحدث عن مناهج اليهود في مدارسهم الدينية في العراق، وهي مناهج تربّي أطفالهم على كره العرب، والمسلمين، وحُبِّ اليهود، وتربيتهم تربية عسكرية، ليكونوا مؤهّلين لخوض أيِّ معركة في المستقبل ضدّ العرب، ويدرس مناهجهم، وإن كان المخطط واحداً في سائر البلدان التي يقيمون فيها .. واحداً في أهدافه البعيدة. هذا الكتاب جدير بالدراسة والتأمل، ففيه قال اللواء خطاب كثيراً مما ينبغي أن يقال في هذه الأيام الحبالى. ***

المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم

المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم يقع هذا الكتاب في جزأين كبيرين طُبعا في بيروت عام 1966 م درس فيه المؤلف ما بدا له أنه مصطلح عسكري ورد في القرآن الكريم، وتوسَّع في هذا، وعدّ كثيراً من الكلمات مصطلحات عسكرية، وليست كذلك، ولهذا جاء كتابه في مجلدين كبيرين. وقد قدّم المؤلف لكتابه بفاتحة عرض فيها للمصطلحات العسكرية، ونشأتها، وتطورها في العراق وسائر بلاد العرب. وتقوم طريقة المؤلف على إثباته (الجذر) في أعلى الصفحة، كما فعل في مادة (أثر) ثم أتبعها بنصّ الآية الكريمة: {وَقَفَّيْنَا عَلَىءَاثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [المائدة: 46]. ثم عاد فأثبت معاني هذه المادة المعجمية .. كما جاء في نقد الدكتور إبراهيم السامرائي لهذا الكتاب (¬1). ضرب الدكتور السامرائي عدّة أمثلة على نقده لمادة الكتاب الذي كان يمكن للواء خطاب أن يجمع عدداً من ألفاظ القرآن الكريم، ويشكل منها مقالة صغيرة، وليس كتاباً ضخماً. من تلك الأمثلة قوله: ¬_______ (¬1) د. إبراهيم السامرائي، مع المصادر في اللغة والأدب: 2/ 55 - 68.

" وإذا كانت (البحريّة) من المصطلحات العسكريّة، لأنّها صنف من الأصناف العسكريّة، فإن ذلك لا يمكن أن يدخل في مادة الكتاب، لأن هذا المصطلح غير موجود في القرآن، وإن كلمة (البحر) الموجودة في القرآن بمعناها الحقيقي، لا يمكن أن يكون مسوِّغاً للمؤلف في إثبات مصطلح (البحرية). " أذكر هذا على سبيل المثال، لأخلص إلى مادة الكتاب برمتها، ولأعطي القارئ المتخصّص نموذجاً واحداً ليتبين أن ما ذهبتُ إليه صحيح ". ومن الأمثلة التي استشهد بها الدكتور السامرائي مادة (أثر)، ومادة (أجر) من قوله تعالى: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170]. ومادة (أجل) من قوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ .. } [يونس: 49]. ومادة (أخذ) من قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: 81]. وهكذا .. وهذه الأمثلة مأخوذة كلّها من الباب الأول من الكتاب المبدوء بالهمزة .. وفي هذه ما يكفي للتعريف بالكتاب وطريقة المؤلف في تحريره، وقد أجهد اللواء خطاب نفسه أيما إجهاد في استخلاص هذه التي أسماها: مصطلحات عسكرية، وليست كذلك. ***

دراسات في الوحدة العسكرية العربية

دراسات في الوحدة العسكرية العربية كانت الطبعة الرابعة لهذا الكتاب عام 1987 م وجاء في (260) صفحة من القطع الكبير، احتوى على مقدمة وخاتمة، وأحد عشر بحثاً ودراسة، كلّها تدور حول أهمية الوحدة العسكرية العربية، وأهمية الجهاد، وأهمية القوة التي تنبثق من الوحدة العسكرية العربية، بدأه بالآية الكريمة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]. وأهداه " إلى القائد الذي يجاهد من أجل الوحدة، ويوحد من أجل الجهاد فيستعيد القدس وفلسطين من إسرائيل، بالوحدة والجهاد ". ذكر الكاتب في المقدمة، أنه تشرَّب حبّ الوحدة العربية منذ كان تلميذاً صغيراً، وشارك في المظاهرات الصاخبة التي كانت تطالب بالوحدة، وتهاجم التفرقة، وتحثّ على التقارب بين العرب. وكبر التلميذ وكبر معه حبّ الوحدة، وكان يتساءل مع زملائه من طلاب الكلية العسكرية: (لماذا لا تقوم الوحدة فوراً بين العرب؟). ويأتيهم الجواب من معلميهم: " إن الحكام الخونة، هم الذين يحولون بين العرب، وبين أملهم المنشود في الوحدة الناجزة، التي تحطّم السدود والقيود، وتعيد إلى العرب مكانتهم المرموقة بين الأمم " (¬1). ¬_______ (¬1) دراسات في الوحدة العسكرية العربية: ص 12.

وبعد أن صار ضابطاً في الجيش، كان حديث الوحدة يرافقه صباح مساء .. وكان الضباط يتقنونه كما يتقنون واجباتهم العسكرية. " وكان في الجيش بعثة عسكرية بريطانية، يعمل أفرادها مفتّشين ومدرّبين ظاهرياً، ولكنهم كانوا في الواقع يرصدون حركات الضباط وسكناتهم، ويعدّون عليهم أنفاسهم " (¬1)، لأن الضباط كانوا وطنيين، وكانوا وحدويين، وظهر هذا في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 م التي بادر الإنكليز إلى القضاء عليها بسرعة وقسوة وشدّة وعنف، ووقوف الضباط الوطنيين بشجاعة وبسالة، وفي حرب فلسطين عام 1948 م فقد لقّن الجيش العراقي - وكان الكاتب مشاركاً فيها - لقّن اليهود دروساً قاسية في معارك (جنين) وسواها. ولو كان أمر الجيش العراقي بيده، لقدّم لفلسطين أضعاف ما قدّم .. وظهرت وحدوية الشعب والجيش إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 م وعندما أُعلنت الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 م، وحزن الضباط العراقيون لانفصال سورية عن مصر عام 1961 م، وظهرت وحدوية الضباط أيام عبد الكريم قاسم، فقد قاوم قسم كبير منهم انحراف قاسم، وكان يجمع صفوفهم حبّهم للوحدة، وكرههم لأعدائها، وعندما قام عبد السلام عارف بثورته ضد قاسم، ورفع شعار الوحدة، أيّده الضباط والشعب " ومع ذلك، بقيت الوحدة في متاهات النزاعات والأهواء، تقاومها المصالح الشخصية، والرغبات الأنانية، دون أن يكون للمصلحة العربية العليا أيُّ دخل في الموضوع " (¬2). " واليوم .. تحتم عليهم ضرورة البقاء أمة ذات سيادة ومكانة، أن ¬_______ (¬1) دراسات في الوحدة العسكرية العربية: ص 12. (¬2) المصدر السابق: ص 20.

يُقبلوا على الوحدة العسكرية، وأن يضعوا تحت أقدامهم كل ما يحول دون تحقيقها، وإلا، فسيكونون بعد سنوات عبيداً في بلادهم، أو لاجئين في بلاد أخرى " (¬1). كان البحث الأول فى هذا الكتاب بعنوان: (الوحدة العسكرية من التاريخ العربي الإسلامي)، وقد استهله بأن القاعدة الثابتة هي أن الشعب - كل شعب - لا يكون قوياً ما لم يكن موحَّد الصفوف والأهداف. والوحدة تجعل من الأمة قوة ضاربة لا تغلب من قلة أبداً، والفرقة تجعل من الأمة غثاء كغثاء السيل، لا قيمة لها في حرب ولا في سلام. وضرب الأمثال على ذلك بألمانية، وإيطالية، والولايات المتحدة الأمريكية، ثم جاء إلى العرب عندما كانوا شراذم، وعندما جاء الإسلام ووحّدهم، صاروا قوة يحسب حسابها، تهابها أكبر إمبراطوريتين في ذلك الزمان: الفرس، والروم، وعندما تشرذموا ثانية واختلفوا، طمع فيهم الروم، وصار الطالب مطلوباً بسبب التفرق والانقسام .. وهكذا دواليك. وفي العصر الحديث، احتلَّ المستعمرون بلاد العرب عام 1918 م وأقاموا الحدود والسدود بين الأقطار العربية، وشجعوا الروح الإقليمية والطائفية، وأشاعوا التحلل الخلقي، ونشروا مبادئ حضارتهم، وجعلوا العرب يشيحون عن تراثهم، وكان غزو فكري، ثم صنعوا إسرائيل في بقعة عربية مقدّسة، لتعينهم على إضعاف العرب، واستنزاف طاقاتهم، ولتكون قاعدة لهم أيام السلم والحرب، وأمدّوها بكلِّ أسباب القوة، ولهذا، لم يبق أمام العرب غير طريق واحد: أن يأخذوا حقوقهم بالقوة، وبالقوة وحدها، وسبيل القوة، هي الوحدة العسكرية بين العرب. ¬_______ (¬1) دراسات في الوحدة العسكرية العربية: ص 20.

وفي البحث الثاني: (عبرة الاتفاقية العسكرية العربية قبل حرب 1967 م) يرى أن ما لقيه العرب من إسرائيل في حروب: 1948 و 1956 و 1967 م خير حافز لوضع الوحدة العسكرية في حيز التنفيذ، فقد كان من جملة أسباب اندحار الجيوش العربية فيها، عدم وجود الوحدة العسكرية. ويميز الكاتب بين التعاون العسكري، والوحدة العسكرية، فالأول يخضع للظروف والملابسات، بينما الوحدة العسكرية أمر وتنفيذ، وواجب وفرض، ولها خططها المرسومة، وإعدادها المسبق، وقيادتها الواحدة التي تعرف هدفها جيداً، وتسعى إلى تحقيقه. تحدث الكاتب عن التعاون العسكري بين الدول العربية في تلك الحروب .. عن معاهدة الدفاع المشترك عام 1950 م التي جعلت العمل العسكري وسيلة من عدة وسائل لصد الاعتداء الإسرائيلي، ولكن ليس في نصوصها ما يلزم الدول العربية باستخدام قواتها المسلحة للدفاع عن أي دولة عربية تتعرض للعدوان، وهذا ما جعل بعض الدول العربية تتنصّل من تقديم المساعدات لمصر عندما تعرضت للعدوان الثلاثي عام 1956 م. وهكذا أخفقت سائر أشكال التعاون العسكري ضمن الجامعة العربية وكل الاتفاقات الثنائية بين دول الجامعة، لأسباب، أهمها الخلافات العربية. وخلص المؤلف إلى: 1 - أن الجامعة العربية بأجهزتها الراهنة، لا يمكن أن تنهض بالوحدة العسكرية أو التعاون العسكري. 2 - أن التعاون العسكري لن يكون مجدياً، ما لم توحّد الجيوش العربية وبكل ما في الوحدة العسكرية من معانٍ. 3 - لا بدّ للوحدة العسكرية من قيادة سياسية.

4 - الوحدة العسكرية العربية قضية مصيرية للحاضر والمستقبل. وفي بحث (المؤتمرات العسكرية العربية) أبدى استغرابه لعدم انعقاد مؤتمر عسكري يبحث أسباب نكبة حرب حزيران، لاستخلاص الدروس والعبر منها، ووضع المقترحات اللازمة لمعالجتها، لأن تلك النكبة عسكرية قبل كل شيء. والعسكريون وحدهم يقدّرون أسباب تلك النكبة. والمؤتمر العسكري الذي يطالب بعقده على النطاق العربي، لابدّ أن يكون أعضاؤه على مستوى الأحداث، علماً، وكفاية، وتجربة، وخلقاً كريماً. يضمّ أعلى المستويات العسكرية العربية مسؤولية، ومنزلة، وخبرة، وإخلاصاً، ليتمكن المؤتمرون من تحقيق أهداف معيّنة تفيد العرب في حاضرهم ومستقبلهم. ولابدّ من الإعداد الجيّد لهذا المؤتمر سلفاً، بالدراسات والبحوث، ليكون بعيداً عن الارتجال الذي هو سمة سائر المؤتمرات العربية .. فمن أجل نجاح المؤتمر لا بدّ من: 1 - التبليغ بموعد عقد المؤتمر قبل مدّة كافية، من أجل التحضير المسبّق له. 2 - عقد اجتماع تمهيدي لإعداد كل ما يجب أن يناقش في المؤتمر. 3 - اختيار أعضاء الاجتماع التمهيدي من ذوي الاختصاص والإخلاص. 4 - اختيار أعضاء المؤتمر من ذوي الكفايات العالية، والإخلاص النادر، والاستقامة المثالية. من الذين يضحّون بمصالحهم الشخصية في سبيل مصلحة الأمة.

5 - أن يكون مع كل وفد دراسات مستوعبة. 6 - أن تلتزم الدول العربية بمقررات المؤتمر التزاماً كاملاً. ويرى الكاتب ضرورة اتصاف الضباط الذين سيُعِدّون الدراسات بـ: 1 - الخبرة الدقيقة التفصيلية في المعلومات العسكرية النظرية والعملية. 2 - التجربة العملية الموفقة في القيادات العسكرية العملية أيام السلم والحرب. 3 - العمل المتواصل البناء. 4 - الكتمان الشديد. 5 - الخلق الكريم الذي يشهد له به ماضيه المجيد. 6 - البعد عن الأنانية وحبّ الظهور. 7 - النزاهة المطلقة، والإخلاص المطلق لقيادته ووطنه وشرفه. أما صفات الضباط الذين سيشهدون المؤتمر، فهي: 1 - أن يكونوا تدرّجوا في مناصبهم القيادية، ولم يصلوا إلى أعلى الرتب بالترقيات الاستثنائية. 2 - من اللامعين في مهنتهم. 3 - أن تكون لديهم حاسّة استراتيجية. ويرى الكاتب أن يبحث المؤتمر الذي يدعو إليه: 1 - أسباب نكسة حزيران بصراحة تامة. 2 - وضع الحلول الجذرية للأخطاء التي أدت إلى النكسة.

3 - أسباب إخفاق القيادة العربية الموحدة، وعوامل تقويتها؛ لتكون عند مسؤوليتها التاريخية. 4 - العمل على حشد الطاقات المادية والمعنوية للعرب، من أجل مجابهة إسرائيل، وذلك بإقرار الوحدة العسكرية، وإيجاد قيادة عربية سياسية مسؤولة، ترتبط بها القيادة العربية الموحدة. وفي بحث (أهمية الوحدة العسكرية العربية) ركّز المؤلف على الإفادة من الطاقات المادية والمعنوية للأمة، وهي كبيرة، بالتنظيم السليم الدقيق الذي هو روح القوة، وعمادها وركنها الركين، والوحدة العسكرية التي تسيطر عليها قيادة عربية موحّدة هي التي تنهض بهذا التنظيم، كما توحّد التدريب، والتسليح، والتنظيم، والتجهيز، وبهذا التوحيد ترتفع المعنويات وتوحّد الجهود، كما توحد بجهة القتال. هذا على الصعيد الداخلي .. وأمّا على الصعيد الخارجي فهي: 1 - توقف إسرائيل عن تنفيذ مطامعها التوسعية. 2 - وتغيّر نظرة الدول إلى العرب، فتكون معهم لا عليهم. وفي بحث (القيادة العربية الموحدة) يرى أنها: 1 - تقوم بتوحيد التدريب العسكري. 2 - تعمل على توحيد تسليح الجيوش العربية. 3 - وتنظم تلك الجيوش بأسلوب واحد. 4 - وتوحّد التجهيز والعتاد. 5 - وتجمع المعلومات العسكرية عن العدو وقوّاته. 6 - وتعدّ الخطط العسكرية ضدّ العدوّ.

هذا قبل الحرب، أما واجباتها في الحرب، فهي: 1 - وضع الخطط العسكرية موضع التنفيذ. 2 - استخدام القطعات العسكرية المناسبة، والسلاح المناسب، في المكان والزمان المناسبين. 3 - وضع القائد المناسب، في المكان المناسب. 4 - التنسيق العسكري في ميادين القتال. ثم تحدّث عن إنجازات القيادة العربية الموحدة منذ ولادتها، وحتى حرب حزيران 1967 م وعن العقبات التي اعترضتها، ثم بيّن كيف يمكن لهذه القيادة أن تنهض بواجباتها أيام السلم وأيام الحرب. ثم تحدث عن (الوحدة السياسية العربية) لأن الناحية العسكرية وحدها لا تكفي لجعل القيادة العربية ذات أثر وتأثير، فالجانب السياسي ضروري جداً لدعم الوحدة العسكرية، من أجل أن تكون فعالة، وضرب الأمثال عما جرى لدول الجامعة العربية وما كان ينبغي أن يجري. وتحدث عن (أثر الوحدة العسكرية في المعنويات)، وبيَّن معنى المعنويات، ورأى أن عوامل تقويتها هي العقيدة (لا نصر لجيش لا عقيدة له)، والقيادة المتميزة، والنصر في الميادين الحربية، والعلمية والعملية، بل إن كل نصر في أي ميدان حيوي، يرفع المعنويات، وللمعنويات تأثيرها الكبير في تحقيق النصر، جعلها نابليون ذات قيمة كبيرة تصل إلى (75%) من قيمة الجيش، وترك (25%) للجوانب المادية من تسليح وعتاد وتدريب و .. ثم تحدث عن أثر الوحدة العسكرية في رفع المعنويات فرأى أن الوحدة قوة ونصر (يد الله مع الجماعة)، لما فيها من حشد للقوى، يجعل العرب قوة ضخمة ضاربة.

وتحدث عن (أثر الوحدة العسكرية في تكامل الإنتاج الحربي، وتطويره) لأن بلاد العرب تشكل وحدة اقتصادية متكاملة، ولكنها تحتاج إلى التنسيق الاقتصادي الذي يؤدي حتماً إلى الاكتفاء الذاتي، ويحرم إسرائيل ومن وراءها من تهديد العرب اقتصادياً. وهذا يحتاج إلى تخطيط دقيق يتولاه الخبراء الاقتصاديون، بالتعاون مع العسكريين، ولا بد أن يلي التخطيط تنفيذ سليم مثله. ودعا إلى ضرورة التنسيق في الصناعات العسكرية، وهذا يتطلب وجود خبراء عسكريين لديهم إحصائيات دقيقة تعينهم على اتخاذ القرارات التي تشمل احتياجات الحاضر، وتطوير المصانع لسد احتياجات المستقبل. ويتطلب وجود علماء في الاقتصاد يقدمون أفضل الطرق لإخراج هذه المصانع إلى حيز الإنتاج لكي نسد حاجة الجيوش العربية في الحاضر والمستقبل. كما يتطلب وجود خبراء من علماء إنتاج السلاح والعتاد، ينتجون هذه المواد. والوحدة العسكرية هي التي تجعل التنسيق الصناعي العسكري العربي عملاً ملموساً، وليس حبراً على ورق. ثم تحدث عن (أثر الوحدة العسكرية في المجال العلمي) وقدم لذلك بالترسانة العسكرية الضخمة لدى العدو الإسرائيلي، وما فيها من سلاح صاروخي وذري، والمفاعلات النووية الإسرائيلية، والمسرّعات الذرية في إسرائيل، وعن تدابير الدفاع المدني ضد السلاح الذري في إسرائيل، وعن الأسلحة الكيماوية، والجرثومية لديها، وعن أبحاثها في مجال الفضاء وفي مجال الفيزياء وعن بعض أبحاثها السرية الخطيرة، كجهاز تغيير اتجاه القذائف، وجهاز الاختفاء عن الأنظار، وسوى هذا وذاك ...

ثم انتقل إلى الحديث عن البحث العلمي، والتطور التكنولوجي في مجال التعاون العربي، فوجدهما متفاوتين بين دولة وأخرى. ودعا إلى أن يمتلك العرب السلاح الذري، لأنه الرادع الوحيد لإسرائيل، الذي يمكن أن يحول بينها وبين استعمال السلاح الذري ضد العرب. ثم تحدث عن واجب الدول العربية تجاه السلاح الذري الإسرائيلي، فرآه في: 1 - التدابير العسكرية: (الحصول على السلاح الذري - الإسراع بإنشاء الأفران الذرية - إعادة النظر في تنظيم الجيوش العربية، وتدريبها، وتجهيزها - تعليم المدنيين حقائق الحرب الذرية، وأساليب الوقاية منها، وأساليب الدفاع ضد أخطارها - الاهتمام بتدابير الدفاع السلبي ضد أخطار الحرب الذرية - مراقبة إنتاج السلاح الذري الإسرائيلي - وضع خطة عربية عسكرية موحدة لمجابهة الخطر الذري الإسرائيلي، وإحباطه). 2 - التدابير العلمية: (حشد الكفايات العلمية العربية أولاً، ثم الإسلامية - الاستفادة من خبراء الذرة في العالم - إرسال البعثات العلمية للتخصص في مجالات الذرة - الاهتمام بسلاح الصواريخ - الاهتمام بالأسلحة الكيماوية - الاهتمام بالأسلحة الجرثومية). 3 - التدابير السياسية: (التشهير بامتلاك إسرائيل السلاح الذري - محاولة عزل إسرائيل عن الدول الآسيوية والأفريقية - الدعوة إلى نزع السلاح الذري في المحافل الدولية). وتحدث عن واجب الدول العربية تجاه الحرب الجرثومية، والحرب الكيماوية .. ثم جاءت (الخاتمة) وكانت رائعة، بما فيها من تحليل وتطلعات

تصب في بحر القوة التي لا تفهم إسرائيل لغة غيرها، وكان فيها دعوة وهتاف ونداء إلى أن يتوحد العرب، عسكرياً وسياسياً، واقتصادياً، فالوحدة قوة، والتفرق ضعف ... ودعا إلى التمسك بالإسلام العظيم: (إن العرب بالإسلام كل شيء، والعرب بلا إسلام لا شيء) ففي الإسلام طاعة أي ضبط ونظام، وفيه معاني الخلق الكريم، ومنه الصبر الجميل، وغرس الإسلام روح الشجاعة والإقدام في المسلمين، وجعل التولي يوم الزحف من الكبائر، وأمر بالثبات في ميادين القتال، ودعا إلى الجهاد بالأموال والأنفس لإعلاء كلمة الله، وجعل الشهداء في مقام العظماء مع الأنبياء والصدّيقين والصالحين. واهتم الإسلام بالحرب النفسية، وأهم أهدافها: (التخويف من الموت والفقر - ومن القوة الضاربة للمنتصر - ومحاولة جعل النصر حاسماً - والدعوة إلى الاستسلام - وبث الإشاعات والأراجيف - وإشاعة اليأس والقنوط .. )، وقد تصدى الإسلام لهذه الحرب، بتربية أبنائه التربية التي تقيهم الوقوع في حبائلها، فالمسلم لا يخشى الموت، لأن الآجال بيد الله، ولا يخشى قوة العدو من عدد وعُدد، لأنه يعتقد أن النصر من عند الله، وما دام هو في حماية عقيدته، فلا خوف عليه، والمسلم لا يستسلم للهزيمة، ولا يصدق الإشاعات، ولا يجوز له اليأس والقنوط. وتحدث عن الحوافز المادية في الإسلام، وهي لا تقل تأثيراً عن الحوافز الروحية، فهما تعملان - جنباً إلى جنب - لترسيخ إرادة القتال في نفوس المسلمين وعقولهم معاً. فالمسلمون لا يستهينون بالعدو، ويستعدون للحرب ويكونون في حالة حذر ويقظة. يقول المؤلف: " السؤال الذي يتردد اليوم هو: ألسنا مسلمين؟ وإذا كنا مسلمين، فلماذا لا ينصرنا الله على أعدائنا؟ " ويجيب: (كيف ينصرنا الله، ونحن

لا نطبق تعاليمه؟ وهل ورد في القرآن أن الله ينصر المسلمين الذين يتقبلون الإسلام بدون تكاليفه في الجهاد والعمل الصالح؟ إن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله: العودة إلى الإسلام. وحينذاك سيقول يهود كما قالوا من قبل: (إن فيها قوماً جبارين)، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله. هذا وقد احتوى الكتاب على مجموعة من الملاحق التي هي وثائق مهمة، تعزز ما ذكره الكاتب وتضيف إلى معلومات القارئ معلومات أخرى، سمع بها، ولكنه لم يقرأها في كتاب أو مرجع آخر، أو أصبحت من منسياته. وأخيراً أقول: إن لهذا الكتاب القيم أهمية كبيرة في حياة الأمة العربية، فقد دعا الكاتب فيه إلى ضرورة قيام الوحدة العسكرية بين الدول العربية، وعدّها شرطاً أساسياً لأي نصر في أي معركة يخوضها العرب ضد أعدائهم أدعياء البنوّة لإسرائيل، وإسرائيل بريء منهم ومن أعمالهم. كما ظهر لنا الكاتب مفكراً عربياً إسلامياً، يؤمن بالعروبة والإسلام، ويدعو إلى الوحدة العربية، وإلى التعاون الإسلامي، ويندد بأعدائهما، وواضعي العقبات في طريقهما. ***

طريق النصر في معركة الثأر

طريق النصر في معركة الثأر صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب سنة 1966 م، ثم تتالت الطبعات دون أن يغيّر المؤلف حرفاً واحداً مما كتب في الطبعة الأولى. وهذا يعني أن طريق النصر واضح: هو الإعداد للحرب، والحرب. وعلى العرب أن يستبدلوا بالخطة الدفاعية، خطة هجومية. في هذا الكتاب بيّن أسباب الهزيمة في فلسطين، وطريق النصر في معركة الثأر، باختصار شديد، متطرّقاً إلى المبادئ العامة، دون المساس بالأشخاص أو الدول العربية؛ فهو كتاب يريد بناء المستقبل، ولا يثير معايب الماضي القريب. جاء الكتاب في (360) صفحة من القطع الكبير، احتوت على بضعة فصول .. تحدّث في البحث الأول عن (أسباب الهزيمة) عام 1948 م ومهّد لها بالحديث عن واقع العرب المتخلف في فلسطين وخارج فلسطين، وواقع اليهود الذين كانوا يعملون ولا يضيعون لحظة من أوقاتهم، فيما كان العرب يقولون ولا يفعلون ثم تساءل: لماذا خسرنا الحرب في فلسطين؟ ومع أن المقدّمات أجابت عن هذا التساؤل، فإنه أجاب: 1 - فشل السياسة العربيّة في إفهام العالم حق العرب التاريخيّ والواقعيّ في أرض فلسطين. 2 - عدم إعداد الفلسطينيين تنظيماً وتدريباً وتسليحاً وتجهيزاً وقيادة، من أجل أن يتحمّلوا مسؤوليّة الدّفاع عن وطنهم.

عوامل قوة إسرائيل

3 - عدم وجود حكومة لفلسطين، تُعِدُّ العُدَّة، وتقود، وتخطط، وتنفذ. 4 - عدم وجود قيادة عربيّة موحّدة أيام السِّلْم، تخطط وتوحّد، لتكون جاهزة لقيادة المعركة أيام الحرب. 5 - عدم جاهزيّة كلّ الجيوش العربية حين خوضها المعركة مع اليهود. 6 - عدم توظيف الثروات العربية الطبيعية والاقتصادية، للضغط على الدّول التي تساند اليهود سرّاً وعلانية. 7 - فشل الحكومات العربيّة في الإفادة من المتطوعين العرب والمسلمين بل إن العراقيل وُضعت في طريق التحاق أولئك المتطوعين بفلسطين، فحوربوا من بعض جيوش الدّول العربية حرباً لا هوادة فيها: انتُزعت أسلحتهم، وسُجن بعضهم، وطورد آخرون، وحرموا من كلّ معاونة ماديّة أو معنويّة: وكانت القيادة العامّة للمتطوعين اسماً على غير مسمّى. ثم تحدّث عن (حقيقة إسرائيل) فبيّن عوامل قوة إسرائيل: 1 - الدول التي تساند إسرائيل، وعلى رأسها: أمريكة، وبريطانية، وفرنسة، بكل ما لديها من إمكانات سياسية، واقتصادية، وعلمية، وعسكرية. 2 - الصهيونية العالمية التي تضمّ بين صفوفها: وزراء، وأعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأعضاء في مجالس النوّاب الأمريكي والبريطاني، وعلماء، وكتَّاباً وأدباء وشعراء وأطباء ومحامين .. في الدول الغربية عامة، وأمريكة خاصة.

عوامل ضعف إسرائيل

3 - أجهزة إعلامية قويّة تبذل جهدها في خدمة إسرائيل. 4 - وجود استخبارات قويّة لها في جميع أرجاء العالم، ومنها في الدّول العربيّة. 5 - تصنيع بلادها. وخاصّة صناعة الأسلحة والعتاد والمعدّات العسكريّة. 6 - هيمنتها على الاقتصاد العالمي. 7 - وسائلها التخطيطية الدّقيقة المتقنة؛ فلا ارتجال ولا عواطف .. تخطيط لسياستها الخارجية، والدّاخليّة، والتصنيعيّة، والتجاريّة، والزراعيّة، والاقتصاديّة، والعسكريّة .. 8 - قوّة جيشها: ضباطاً، وقادة، وجنوداً، وتدريباً، وتسليحاً، وعتاداً، وتخطيطاً .. أمّا عوامل ضعف إسرائيل، فيراها في: 1 - كثرة الأحزاب فيها. 2 - التردّي الأخلاقي بين أبنائها. 3 - الماديّة الطاغية على أبنائها. 4 - الجبن المتأصّل في أبنائها. 5 - التمييز العنصريّ بين اليهود الشَّرقيين، وبين اليهود الغربيين. 6 - موقعها الجغرافي، فهي تحتلّ بقعة صغيرة تحيط بها سورية، ولبنان، والأردن، ومصر. 7 - عامل الوقت، فهو ليس في صالح إسرائيل، بل في صالح العرب.

8 - الفساد في جيشها، فمظهر جيش إسرائيل غير مخبره .. عناصره جبناء، مخنّثون، ماديون، وبغايا. وتحدّث عن (إسرائيل والقنبلة الذرّيّة) فأنذر العرب والمسلمين بخطر محاولة إسرائيل امتلاك القنبلة الذّرّيّة منذ عام 1961 م ولكنّ العرب والمسلمين خدَّروا أنفسهم بالأماني .. جدّ اليهود في محاولاتهم، ولها العرب وبدّدوا أوقاتهم سدى، حتى إذا جاء عام 1965 م استيقظوا من سُباتهم العميق، ولكن .. بعد فوات الأوان. ثم تحدّث عن تاريخ المحاولات الإسرائيلية للحصول على السلاح الذّرّيّ، منذ قيام (الدولة) عام 1948 م، وكانت تتكتم وتتظاهر بالفقر وبالدعوة إلى السلام، وحكام العرب يتبجحون بالخطب الطنّانة، يخدعون الجماهير الجاهلة البائسة .. بدأت إسرائيل تخطط لإقامة فرن ذريّ (ديمونا) في منطقة بئر السبع عام 1957 م وزوّدتها فرنسة بالأسرار الفنّية اللازمة لصنع القنبلة الذرّيّة، وبالموادّ والخبراء عام 1960 م وأشرف هؤلاء على إنشائه. وتحدث عن عوامل إنتاج السلاح الذريّ في إسرائيل - وعن أهدافها من التسلح الذّريّ، ثم عن واجب الدول العربية إزاء هذا التسلح، فذكر التدابير العسكريّة الواجب اتخاذها، كالحصول على هذا السلاح بأيّ وسيلة كانت، وبسرعة (!!!) و .. و .. وما كان المؤلف بعيداً عن الواقع المعيش .. ولكنه حذّر وأنذر، وهو يعرف أنه ينفخ في قربة مقطوعة .. في القسم الثاني من الكتاب، تحدّث عن أسباب النصر، فذكر أسباباً عامة: 1 - وضوح الهدف من محاربة إسرائيل، وهو: تحطيم إرادة إسرائيل على القتال.

2 - أن يمتلك العرب إرادة القتال .. وهي: الرغبة الأكيدة في خوض الحرب من أجل أهداف سامية، مضحّين بالأموال والأنفس في سبيل الوصول إليها. وضرب المؤلف عدّة أمثلة من تاريخنا، وخلص إلى أن الإسلام (عقيدة وعملاً وتضحية وفداء) هو الذي يغرس روح الضبط والنظام في النفوس، كما يغرس روح الشجاعة والإقدام والصبر على المكاره، ويرفع المعنويات. 3 - أن تكون للعرب قيادة خيّرة قويّة، تجمع ولا تفرّق، لتحقيق أهداف واحدة، يداً واحدة، وقلباً واحداً، وبتعاون وانسجام. ثم ذكر أسباباً لفلسطين: 1 - أن تكون لها حكومة تنظِّم وتقود بوعي وإخلاص. 2 - أن يكون لها جيشها القويّ تدريباً، وتسليحاً، هدفه: إنقاذ فلسطين. 3 - أن يكون لها إعلامها الفاعل، بحيث يفهِّم شعوب العالم حقيقة مأساة فلسطين على أيدي المتآمرين من حكامها (الغربيين والأمريكيين) خاصّة، السائرين في ركاب الصهيونيّة. وأمّا الأسباب الخاصة بالدول العربية فهي: 1 - القيادة العربيّة الموحّدة: توحّد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية، وأساليب التدريب العسكري، وتعمل لتوحيد تسليح الجيوش العربية جهد الإمكان، ولتوحيد تنظيمها، ونُظُمها وعقيدتها القتالية. 2 - استثمار مؤتمرات القمة.

3 - تفعيل الجامعة العربية، ليكون لها دور في المعركة. 4 - تفعيل ميثاق التضامن العربي. 5 - تحويل روافد نهر الأردن. 6 - أن تلتزم بتقديم التزاماتها المالية لدعم القضية الفلسطينيّة. 7 - أن تنسّق - فيما بينها - اقتصادياً، بحيث تشكل وحدة اقتصادية متكاملة، تحقق للعرب اكتفاء ذاتياً، يحرم إسرائيل ومن يساندها من موارد العرب. ووقف المؤلف طويلاً عند سلاح البترول، وقال: " لو لوَّحنا بهذا السلاح الرهيب عام 1948 م لتراجع المستعمرون وحلفاؤهم خائفين مذعورين ". 8 - أن تنسّق صناعياً. 9 - أن تنسّق إعلامياً. 10 - أن تنسق في سياستها الخارجية. 11 - أن تنسّق مناهجها التعليمية والتربوية. 12 - أن يعرف العالم كلُّه والعرب خاصّة أن إسرائيل أكبر قاعدة للاستعمار الجديد في الشرق الأوسط، وإفهام الدول الآسيوية والإفريقية ذلك، من أجل العمل معاً للتخلص منها. 13 - العمل من أجل الوحدة العربية بصدق، لا بجعجة فارغة مشهودة. ثم ذكر الأسباب لكل دولة، فرآها في:

1 - تقوية الجيش، ودعا إلى إبعاد الجيش عن السياسة، حتى لا ينقلب إلى حزب من الأحزاب، وينسى واجبه. ودعا إلى الاحتفاظ بالضباط الأكفاء، وعدم تسريحهم لأنهم لا ينتمون إلى الحزب الحاكم. فهذه خيانة. تكلم المؤلف اللواء عن هذا كلاماً فيه واقعية مريرة عاناها هو وكثير من الضباط القادة المتميزين، نتيجة للسياسات الحزبية العمياء. 2 - الوحدة الوطنية التي لا تفرّق بل تجمع .. الوحدة الوطنية الحقيقية البعيدة عن التفرقة الطائفية ودعاتها الخونة؛ فالوحدة الوطنية هي الخطوة الأولى نحو الوحدة العربية الشاملة، ولا وحدة عربية شاملة، بدون وحدة وطنيّة رصينة. بل إنّ الوحدة الوطنية الرصينة، هي الأساس القويّ للوحدة العربية الشاملة. وحتى الجيش القوي، أساسه الوحدة الوطنية، وتساءل في سخرية ومرارة عن سلوك السياسيين الذين يتسنّمون المناصب الرفيعة، ومقاليد الأمور باسم التفرقة القومية أو الدينية أو الطائفية، فيدّعون أنهم وحدويون لا يرضون بأقلّ من الوحدة من المحيط إلى الخليج، ثم هم يفرّقون بين طائفة وطائفة، بل بين مدينة ومدينة. وقال: هؤلاء السياسيّون يخربون ولا يعمرون، ويهدمون ولا يبنون، ويفرّقون ولا يوحّدون .. مكانهم في صفوف الأعداء، ولا يجوز أن تنطلي أحابيلهم على أحد من العرب المخلصين .. إنهم خونة حقيقيون عريقون في الخيانة، وهم أعوان الاستعمار وورثته الملوّثون بأدرانه. 3 - التعاون بين الحاكمين والمحكومين. 4 - الالتزام بالقضيّة الفلسطينية بدءاً من ضمير الفرد، إلى محيط الجماعة، إلى مسؤولية الشعب، إلى واجب الحكومة. 5 - بناء الرجال، ليكونوا - في المستقبل - عماد الوطن وركنه الركين.

هذا كتاب استراتيجي، ذو نظرات مستقبلية، فيه ثقافة تاريخية، ودينية، وسياسية، واقتصادية، كُتب بأسلوب مشحون بالعاطفة والعقلانية معاً، وله تأثير في قارئه، ما لم يكن حزبياً أو حاكماً، وكان يحرص على شرف أمته، وكرامة وطنه، تقرؤه الآن وكأنه كُتب لهذه الأيام، وليس قبل خمسة وثلاثين عاماً من الآن. ***

الأيام الحاسمة قبل معركة المصير

الأيام الحاسمة قبل معركة المصير صدر هذا الكتاب في بغداد سنة 1967 م عن وزارة الثقافة والإرشاد في (167) صفحة. وهو مجموعة من الدراسات العسكرية كتبها ونشرها بين 30/ 5 و 5/ 6/ 1967 م. هدف من نشرها إلى: 1 - خلق وعي عسكري سليم بين أبناء الشعب. 2 - استثارة الهمم لحشد الطاقات المادية والمعنوية للجهاد. 3 - إبراز ما يمكن أن يحدث في الحرب فعلاً بكل صراحة وموضوعية ووضوح ليكون الشعب على بيّنة من أمره، فلا يؤخذ بالأحداث على غرّة، فتنهار معنوياته دون مبرر. في بحثه (خطة إسرائيل في 5 حزيران) كان مدركاً لمخططات إسرائيل، وخُطّتُها في الهجوم على تلك الهضاب (السورية) مكشوفة، أيضاً .. وهي خطتها التي كررتها مئات المرات في الاعتداء على البلاد العربية المجاورة، مع اختلاف بسيط واحد، هو زيادة حجم دروعها ومشاتها المنقولين بالعجلات المدرعة، وزيادة إسنادها الجوّيّ. خطتها هذه، هي غارات خاطفة، تباغت بها القوات العربية، بقوات أرضية مدرعة، وقوات جوية، مع اختلاف في حجم تلك القوات

بالنسبة للواجب المطلوب، والهدف الذي تريد السيطرة عليه. " وقد حشدت بالقرب من حدود سورية للهجوم على هضاب تحويل مجرى نهر الأردن - قوات تقدّر بأربعة ألوية مدرعة، ولواءين من المشاة المحمولين بالناقلات المدرعة، وهيأت القوة الجوية لإسناد هذا الهجوم الأرضي، لكي تهيّئ الجوّ المناسب لاختراق سريع حاسم ". وإسرائيل " لم تكتم نياتها في الاعتداء على سورية، وفضحت باستهتار عجيب تلك النيات ". لماذا هذا الاستهتار؟ أظنّ الجواب واضحاً .. بل عندما قامت مصر بحشد قواتها في سيناء على حدود إسرائيل، سارعت إسرائيل إلى سحب قواتها من حدودها الشمالية، إلى حدودها الجنوبية مع مصر، وصارت جبهتها الشمالية مع سورية ثانوية، وجبهتها مع مصر هي الحيوية. ومع ذلك .. سقطت الهضاب المنيعة في الجولان الاستراتيجي المنيع. فتأمل. وفي بحث (أهمية حرمان إسرائيل من الملاحة في خليج العقبة) قدّم وصفاً مجملاً لخليج العقبة، وأهميته الاستراتيجية من النواحي العسكرية والاقتصادية والسياسية. وفي (حرب أم لا حرب) الذي كتبه في 30/ 5/ 1967 م أي قبل الحرب بخمسة أيام فقط قال: " وأبادر إلى القول بأن الحرب بين العرب وإسرائيل آتية لا ريب فيها، ولكن: كيف؟ ومتى؟ وأين؟ ". ثم أجاب اللواء خطاب على هذه الأسئلة.

تحدّث عن القوات الإسرائيلية: النظامية، والعصابات الإرهابية الرديفة للجيش النظامي، والقوات المدنيّة المهيأة للدفاع المحلي عن القرى والبلدات والمستعمرات. وبيّن أن القتال على جبهتين ليس بمقدور إسرائيل، بقواتها النظامية الراهنة، ولذلك دعت إلى النفير العام الذي تستطيع به تجنيد 200 - 300 ألف مقاتل. وهذا العدد يحتاج إلى التسليح، والتنظيم، والتجهيز، والقيادة. وكل هذا يحتاج إلى الوقت، وهي جادة في كسب الوقت، وتخادع العرب بمظاهر كاذبة .. " هذا ما يجب على العرب أن يضعوه نصب أعينهم، ويستعدّوا لمجابهته بخطط مدروسة دقيقة " فإسرائيل سوف تخوض الحرب لا محالة. وخلص إلى القول في هذه المقالة التي نشرها في 30/ 5/ 1967 م: " أمّا متى تبدأ الحرب؟ فالنفير الإسرائيلي يكمل خلال أسبوعين، وقد بدأت بتنفيذ خطة نفيرها بتاريخ 23/ 5/ 1967 م وينتهي نفيرها يوم 5/ 6/ 1967 م، وفي خلال هذه الفترة يمكن إنجاز خطط الحركات والخطط الإدارية، وخطط التنقل، وخطط تعيين القيادات، وإصدار الأوامر إليها. وعلى ذلك: ستهاجم إسرائيل القوات العربية يوم 5/ 6/ 1967 م " (¬1). ترى .. أي مفكر استراتيجي هذا اللواء الركن محمود شيت خطاب؟ وأيّ حساب دقيق، وذهن متوقّد كان يمتلك؟ ¬_______ (¬1) الأيام الحاسمة قبل معركة المصير: ص 84.

وفهمه لقيمة الوقت في هذه المرحلة الحاسمة، جعله يكتب بحثه (الوقت مع العرب على إسرائيل)، وخلص فيه إلى " أن العرب إذا اشتبكوا بالقتال ضدّ إسرائيل، بعد حشد طاقاتهم المادية والمعنوية، فإن الحرب، كلما طال أمدها، يكون الوقت مع العرب على إسرائيل. والذي أريده: أن العرب إذا حاربوا إسرائيل قبل استكمال نفيرها، فسيلحقون بها أضراراً جسيمة ". هذا المعنى الحاسم كان خطاب لا يفتأ يردّده على مسامع العرب، ويؤكّده ليعوا خطورة ما يقول: " والذي أريده: أن العرب يجب أن يبدؤوا بالهجوم على إسرائيل، ليحطموا قواتها أولاً، قبل أن تحطّم إسرائيل القوات العربية، في حال استكمال نفيرها، وإقدامها على مهاجمة العرب، ولكي تكون المبادأة بيد العرب على إسرائيل ". ولكن .. يبدو أنه كان مدركاً أن العرب سوف يفوّتون على أنفسهم فرصة المبادأة، وسوف يقوم اليهود بمهاجمة العرب، وسوف يحققون نصراً كاسحاً في الأيام الأولى من الحرب، وعندها ما على العرب إلا الاستمرار في القتال، فقال: " الدرس الذي أركز عليه في هذا المقال، والذي أريد أن يتفهمه العرب بعمق وأصالة: أن انتصار إسرائيل في الأيام الأولى من الحرب على العرب، يجب أن يزيد من صمود العرب، ومن استقتالهم، دفاعاً عن كرامتهم، وحقوقهم، وشرفهم ". فإذا كان العرب لا يجرؤون على مهاجمة إسرائيل، وتركوا لها فرصة بدء الحرب، وكسب النصر، فليطيلوا أمد الحرب، ولا يوقفوا القتال، وعندها يتراجع جيش اليهود وينتصر العرب، ولكنْ هيهات ... إنها صيحة في وادٍ سحيق. وفي بحثه (حرب البترول) بيّن الأهمية الاستراتيجية للبترول

بالنسبة للآلة العسكرية، وبالنسبة للغرب، وبالنسبة لإسرائيل ... وبعد دراسة مركّزة، قال: " يمكن الجزم بأن قطع البترول عن إسرائيل نهائياً، وعن الدول الاستعمارية التي تساند إسرائيل، سيؤدي إلى اندحار إسرائيل في الحرب، وذلك في حالة صمود العرب، مهما بذلوا من خسائر وأضرار، وسيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الغربي خاصة، ويجعل الدول التي وراء إسرائيل، تفكر ألف مرة قبل الإقدام على إلحاق الضرر بمصالح العرب ". ودعا العرب والمسلمين إلى قطع بترولهم عن إسرائيل فوراً، وإذا نشبت الحرب، فعلى العرب أن يوقفوا ضخَّ بترولهم نهائياً، حتى تضع الحرب أوزارها، لكي لا يتسرب هذا النفط إلى إسرائيل، وإلى من وراء إسرائيل من دول الاستعمار. وفي كلمته (إرادة القتال) التي ألقاها من تلفزيون بغداد مساء يوم 5/ 6/ 1967 م شجّع العرب على القتال والاستبسال والصمود في وجه العدو اليهودي، وبدأ حديثه بذكر عدّة حوادث تاريخية، كغزوة الحديبية التي بايع فيها المسلمون رسولهم وقاندهم - صلى الله عليه وسلم - على الموت، واستذكر بعض بطولات معركة اليرموك، والقادسية، ثم عرّف (إرادة القتال) التي هي: إيمان بهدف سام، وجهاد في سبيل هذا الهدف بالنفس والمال، وثقة بأن هذا الهدف هو أحبّ وأعزّ وأغلى من الآباء والأبناء والإخوان والزوجات والعشيرة والأموال والتجارة والمساكن .. وتحدّث عن الناحية الروحية، والإيمان، وعقيدة الإسلام .. وطالب القادة العسكريين أن يكونوا قدوة لضباطهم وجنودهم، ولشعوبهم، في المعارك، وما يقال للقادة العسكريين، يقال للقادة السياسيين، وطالبهم:

1 - بحشد سائر الطاقات المعنوية والمادية، وزجّها في المعركة. 2 - بالتوقف عن ضخّ البترول فوراً. 3 - بأن يفتح العرب على إسرائيل ثلاث جبهات: مصرية، وسورية، وأردنية. 4 - بأن تحشد سائر الدول العربية قواتها فوراً، وتنقلها إلى ساحات القتال بسرعة. 5 - بإعلان النفير العام في سائر البلاد العربية. وأنهى كتابه الاستراتيجي هذا بخاتمة لخّص فيها توقّعاته قبل الحرب، وحدوث تلك التوقعات على أرض الواقع، ثم حاول التخفيف من وقع هذه النكسة، النكبة على العرب، ودعاهم إلى الصبر، والإعداد، والصمود، والإفادة من دروس المعركة، والتركيز على المعنويات، على العقيدة، على المبادئ والأخلاق، على أن يعودوا إلى الإسلام من جديد. فنتيجة حرب حزيران كانت متوقّعة، فقد كان همّ اليهود الإعداد لحرب العرب، وكان همُّ العرب مقاتلة بعضهم بعضاً .. لم يصرف اليهود دقيقة من وقتهم في غير الاستعداد للحرب، وصرف العرب كل أوقاتهم في تخدير أنفسهم، وفي اللهو واللعب وتفرفة الصفوف. كانت إسرائيل تعمل، وكان العرب يقولون. وشتان بين الأعمال والأقوال. لقد بدا اللواء خطاب - في هذا الكتاب كما في غيره مفكراً استراتيجياً، مستقبلياً ومثقفاً عميق الثقافة، واسع الاطلاع، نهم القراءة والاستماع، يطالع الصحف، ويقرأ المذكرات والكتب، عربيةً وأجنبية، صديقةً ومعادية، ويستمع إلى الإذاعات المعادية، ويحلّل ما يقرأ ويسمع ويركّب، ثم يستخلص النتائج بوعي، ويفهم دور العامل الاقتصادي،

والسياسيّ، والمعنويّ في الحرب الحديثة، ومدى التغلغل اليهوديّ الاقتصادي في بلاد العرب والمسلمين، كما في أرتيرية عن طريق الحبشة. إنه مفكر استراتيجي وكفى .. قال عنه الكاتب اليهودي صاحب كتاب (الحرب بين العرب وإسرائيل): " إنه أكبر عقليّة استراتيجية في العرب، ولكنّه كالنبيّ في الصحراء، لا يجد من يستفيد منه " (¬1). ... ¬_______ (¬1) محمد المجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم: 1/ 341.

الإسلام والنصر

الإسلام والنصر هذا الكتاب هو مجموعة من الدراسات نشرها كاتبها في المجلات العربية، في أوقات متباعدة، ثم جمعها في هذا الكتاب الذي طبع لأول مرة عام 1972 م ثم تتالت طبعاته غير الشرعية، وجاء في (247) صفحة من القطع الكبير. البحث الأول كان عن (المعنويات) وأهميتها، واستشهد على ذلك بأقوال عدد من القادة، في القديم (خالد بن الوليد - رضي الله عنه - وأرضاه) وفي الحديث، مثل نابليون الذي جعل (قيمة المعنويات بالنسبة إلى القوى المادية، تساوي ثلاثة على واحد) أي أن الجيش تكون قيمته (75%) في الناحية المعنوية، و (25%) في الناحية المادية. ثم عرّف المعنويات، ورأى أن عوامل رفعها هي: 1 - الدين .. أهمّ تلك العوامل .. فقد غرس الإسلام في أبنائه عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، وأن النفس لن تموت إلا بأجلها، في ساحة الوغى أو على الفراش. وأمر الإسلام بالشجاعة والثبات والإقدام، وبالطاعة والصبر، هذا على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الجماعة، أمر بالوحدة، وحثّ على الاستعداد، وأمر بالجهاد بالأموال والأنفس، ووعد المسلمين بالنصر .. 2 - القيادة المتميزة التي تكون قدوة لرجالها بأعمالها، لا بأقوالها.

3 - النصر في ميادين القتال .. وللنصر تكاليفه، وأولها التخطيط له، والعمل الدائب لوضع ذلك التخطيط موضع التنفيذ، ليكون الإعداد كاملاً سليماً. وتحدّث عن (أثر الإسلام في إحراز النصر)، وفصَّل هنا ما أجمله في البحث السابق، وضرب الأمثال من الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -، ومن جنوده الأوفياء، الذين حققوا انتصارات مذهلة، مع قلة عددهم، وكثرة أعدائهم، وكان ذلك بفعل الإسلام الذي ربّى فيهم ملكة الجندية من طاعة، وصبر، وضبط، وشجاعة، وثبات، ويقظة وحذر .. وفي (الإسلام والحرب النفسيّة) فصّل ما أجمله في البحث السابق عن الحرب النفسيّة، فعرّفها، وبيّن معناها، وإيغالها في التاريخ، والحلول الجذرية البسيطة التي يعالج بها الإسلام آفاتها المتمثلة في التخويف من الموت والفقر، وبثّ اليأس والقنوط في النفس، وأن المسلم الحقّ لا تؤثر فيه أراجيفها. ثمّ تساءل: هل العرب والمسلمون اليوم، مؤمنون حقاً، حتى لا تؤثر فيهم خزعبلاتها؟ وقرّر: " لا بدّ من إعادة النظر في (بناء الرجال) ليكونوا دعامة الحاضر، وسند المستقبل، ولتكون الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس ". وتحدّث عن (التربية المثالية)، وقد فصّل نظريّته التربويّة التي أجملها في البحث السابق، وركز على القدوة العملية في البيت والمدرسة، وعلى أن الإسلام هو منهج الحياة، وطريق العمل الصالح، والأخلاق السامية .. وقد أولى التربية البيتية أهمية كبيرة، فهي الأساس. والخلاصة: " إن التربية الإسلامية تُعِدُّ المسلم ليكون عنصراً مفيداً

في الأمة الإسلامية من الناحيتين: العسكرية والمدنية ". وتحدّث في بحثه (مونتكومري والتربية المثالية) عن النظرية التربوية لدى هذا القائد العسكري في كتابه (السبيل إلى القيادة) فقد وقف عند باب (قيادة الشبيبة) ملخصاً أبرز آرائه التربوية، وأفكاره في تربية الشباب: 1 - هو غير راض عن شباب اليوم، لضعف أخلاقهم. 2 - يجب العناية بتربية الطفل منذ السادسة من العمر، وفي البيت خاصة. 3 - يؤكد أهمية التعاليم الدينية في بناء شخصية الطفل، لأنها تغرس في نفسه المثل العليا. 4 - يلحّ على القدوة العملية في البيت والمدرسة. 5 - ينصح الشباب: برزانة الفكر، وبالطاعة التي تعني قبول قانون الواجب قانوناً للحياة، وبالجدّ والمثابرة وكسب الوقت، وأخيراً يقول لهم: " لقد تعلمت في حياتي الخاصة، أن صفات ثلاثاً ضرورية للنجاح: العمل الشاق، والاستقامة المطلقة، والشجاعة الأدبيّة، وهي تعني: عدم خوف الإنسان من قول ما يعتقده صواباً، والثبات على هذا الاعتقاد ". وقرّر في بحث (الأخلاق المحاربة) أن الملوّث جنسيّاً، أو الملوّث جيبياً، لا يمكن أن يقاتل في الحرب كما يقاتل الرجال. ولذلك عندما جاء الجنرال غورو لاحتلال لبنان عام 1918 م جاء بجيشٍ لجبٍ معه من البغايا حمولة سفينة. فقيل له: واجب الجيش المقاتل مفهوم، فما فائدة الجيش الآخر من المومسات؟ فأجاب: إن أثر هذا الجيش أعظم من الجيش المقاتل ". وصدق غورو، وكان صريحاً في جوابه .. لقد عمل المستعمر في أيامه على إشاعة الفاحشة والتهتك في كل

بلد حلَّ فيه، ونجح في مهمته أعظم النجاح ". ووجد الكاتب تلازماً (بين التديُّن والقيادة) الحقيقية الفاعلة فيما حولها، وضرب على ذلك الأمثال في الفتح الإسلامي العظيم، وفي معركة حطين، ومعركة عين جالوت، وكان انتصار المسلمين في حطين بفضل قيادة البطل صلاح الدين الذي كانت العقيدة الإسلامية تملأ نفسه ومشاعره، وليس شيء آخر غيرها من أعراض الدنيا، حتى إنه لما توفي لم يخلّف مالاً ولا عقاراً، ولم يجدوا في خزائنه شيئاً من الذهب والفضة سوى دينار واحد وسبعة وأربعين درهماً. وكان صلاح الدين الأيوبي يحمل - في أيام جهاده - صناديق مقفلة، كان يحرص عليها حرصاً عظيماً، فلمّا مات فتحوها، فوجدوا فيها: وصيّته، وكفنه الذي اشتراه من كدّه، وكميّة من التراب. وجاء في وصيته: " أُكفَّن بهذا الكفن الذي تعطّر بماء زمزم، وزار الكعبة المشرَّفة، وقبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وهذا التراب هو من مخلّفات أيام الجهاد، يُصنع منه طابوق يوضع تحت رأسي في قبري ". وصنعوا من ذلك التراب اثنتي عشرة طابوقة كبيرة تستقرُّ اليوم تحت رأس صلاح الدين في قبره، وسوف يلقى بها الله يوم القيامة. وكان انتصار المسلمين في (عين جالوت) على التتار، عجباً من عجب، فقد كان التفاوت بين جيوش التتار الجرارة، وبين جيش المسلمين البسيط الذي يقوده قطز ومن معه من الأبطال المؤمنين، كبيراً وكبيراً جداً، ومع ذلك " كان النصر المؤزَّر خلافاً لكل مبادئ الحرب، وبعد هذه المعركة لم يفلح التتار أبداً، فقد تكبّدوا خسائر هائلة بالأرواح والأموال، فولَّوا مدبرين، وطمع فيهم الناس، وصاروا يتخطفونهم. وقارن المؤلف بين جيش قطز، وجيش العباسيين الذي سحقه التتار

في بغداد سنة 656 هـ فوجد الفروق هائلة أيضاً، غير أن قادة جيش العباسيين كانوا مشغولين عن الحرب ومتطلباتها، بجمع الأموال، والتطاول في البنيان، وحبّ الشهوات، فدبّ بينهم الفساد، وهانت نفوسهم عليهم، كما هانت عليهم كرامة الناس وأعراضهم .. كانوا لا يتسنّمون المناصب الرفيعة لكفايتهم العسكرية، ومزاياهم الإنسانية السامية، ولتجربتهم الطويلة في معاناة الحروب، وإنما لأنهم من (شلّة) أصحاب السلطة، فباؤوا بالخذلان. بينما كان جيش قطز خرج مهاجراً إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ليست له غاية سوى إدراك رضا الله تعالى، والجهاد بالأموال والأنفس لإعلاء كلمته، فانتصر على التتار، وهذا يؤكد أهمية العقيدة في إحراز النصر. وقد أكد الكاتب هذه المعاني في بحثه التالي (التدين من مزايا القائد المنتصر) فركز على العقيدة كمزية من مزايا القائد المنتصر في تاريخنا أولاً، وفي المصادر الأجنبية ثانياً .. وعاد واستشهد بما كتبه مونتكمري عن علاقة الدين بالقيادة. وفي بحث (شجاعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -) ذكر أهمية السيرة النبويّة بما تقدّمُ من النماذج الرائعة الفذّة عن شجاعة الرسول القائد في أيام السلم وأيام الحرب معاً، وذكر بعضها في (بدر)، و (أحد)، و (الخندق)، و (حنين)، وقال: إن الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - كان يقود رجاله من (الأمام) يقول لهم: " اتبعوني اتبعوني "، ولم يكن يقودهم من (الخلف)، ويقول لهم: " تقدّموا .. تقدّموا " ثم يأوي إلى مقر آمن مريح، كما فعل ويفعل القادة المخذولون. ثم قدّم درساً في بناء الرجال، استخلصه من سيرة الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يبني الرجال ولا يحطّمهم، ويقوّم المعوجّ ولا يكسره، ويضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ويوظّف إمكانات كلٍّ منهم

الرجل المناسب في المكان المناسب، ويوظّف إمكانات كل منهم فيما يخدم المعركة، فيستفيد من القائد العسكري، كما يستفيد من التاجر الغني، والشاعر المجيد، يحترمهم، ويعرف كلاًّ منهم حقَّ المعرفة، فيثني على المزايا الحسنة، ويتغاضى عن المثالب والسلبيات، ولا يبرزها أمام الآخرين. وكان الدرس المستخلص: " يجب ألاّ نبرز المثالب، ونغضّ الطرف عن المناقب. يجب الاّ نخلق المثالب للناس خلقاً، ونغمط المناقب غمطاً. يجب أن نبني الرجال ولا نحطّم الرجال. إن الذين يعملون على تحطيم الرجال يخدمون إسرائيل وأعداء العرب والمسلمين في كل مكان ". وتحدّث عن الفوائد العسكرية للصوم، مثل الإيمان العميق، والتدريب العنيف على الحرمان من الطعام والشراب وسواهما، مما يعلّم الصبر، وصدق العزيمة، والتضحية، فالصوم يوجّه المسلم إلى ما يجب أن يعمل، لا إلى ما يحبّ أن يعمل. وأعاد في بحثه (عامل الوقت مع العرب على إسرائيل) ما سبق أن ذكره في كتابيه (الأيام الحاسمة)، و (طريق النصر في معركة الثأر)، وذكر الأمثال على واقعية هذه النظرة المستقبلية، وهو متفائل بأن النصر سيكون للمسلمين على إسرائيل، إذا وعوا ما يقول لهم، وأحسنوا التصرف. وكذلك الأمر في بحثه (الوحدة العسكرية في التاريخ العربي والإسلامي)، وفي (التطبيق العملي للجهاد) فقد ركز على المعنويات، ثم على المال، ثم في إخراج الجهاد من نطاق الفتاوى، إلى نطاق العمل الإيجابي البنّاء.

وكانت الخاتمة، في توجيه الذين يكتبون في الدين، فهم يختلفون عن سائر الكاتبين الآخرين، فشتان بين الأدباء الدِّينيين، وبين الأدباء المتدينين .. فالهدف الحيوي للكاتبين في الدين، هو غرس الإيمان العميق في النفوس والعقول معاً، لا المتاجرة بالدين، والتظاهر به، والارتزاق منه. نصحهم بالأسلوب السلس، وبالدخول في الموضوع مباشرة، وبعدم التطويل، وباختيار الموضوعات المناسبة، والبعد عن الارتزاق فيما يكتبون ... هذا الكتاب من الكتب المهمة في صراعنا السياسي، والعسكري، والفكري مع إسرائيل ومع من وراءها، وهو حامل التوجيهات السديدة، والمعلومات الأكيدة، والنظرات البعيدة .. فيه حماسة الشباب، وحكمة الشيوخ، وحنكة الخبراء المجربين. ***

الأدلة الرسمية في التعابي الحربية

الأدلة الرسمية في التعابي الحربية هذا الكتاب من تأليف محمد بن مَنْكَلِي (784 هـ - 1382 م) حقّقه اللواء خطّاب، وكتب له مقدّمة ضافية تصلح أن تكون كتاباً، فقد جاءت في (134) صفحة، منها (64) صفحة هي عبارة عن بحث عام ومركَّز حول التُّراث العسكريّ العربيّ الإسلاميّ الذي يدلّ ما بقي منه على أن العرب والمسلمين بلغوا شأواً بعيداً في العلوم العسكرية، وكان لهم فيها باع طويل، كما هو شأنهم في سائر العلوم والآداب والفنون، في تراثهم العريق الأصيل، ولا تقلّ أهميةً عنها، والتطبيق العمليّ لذلك التراث، صان حضارتهم، وحماها من الغزو الخارجي، ووضعها في المحلّ اللائق بها، قائدةً للحضارة العالمية ردحاً طويلاً من الزمن، كما هو معروف عربياً وإسلامياً وعالمياً .. وما وصل إلينا من ذلك التراث، يدلّ على سعة اطلاعهم، ومهارتهم في سائر العلوم، عملياً ونظرياً. وهذه العلوم العسكرية التراثية تستطيع أن تجيب المتسائلين عن الكيفية التي مكّنت العرب والمسلمين من بلوغ ما بلغوا في إعداد قوّاتهم العسكرية للحرب، دقةً وإتقاناً، وكفاية، وتكاملاً، وكيف تمكّنوا من الانتصار على أعدائهم في ميادين القتال؟ إنها تجيبهم بأن أسباب النصر تمثّلت في العقيدة الراسخة، والطبع الموهوب، والتجارب العملية، والعلم المكتسب.

وتحدّث المحقق في مقدمته عن جدوى تحقيق التراث العسكري الإسلامي بعد أن تجاوز الزمن تلك الأسلحة التراثية، ورآه ضرورياً، لأنه يلقي الضوء على الأسلحة التي استخدمها الأجداد في حروبهم، وأساليبهم القتالية، وتشكيلاتهم في مجابهة الأعداء .. إنه يفيد مؤرخي الحروب خاصة، والمؤرخين عامة، ويبني الدراسات العسكرية التاريخية على اليقين لا التخمين، وعلى الواقع لا الظن .. ولكن .. لا بدّ من وضع خطة مسبقة واعية للتحقيق، ليثمر الجهد، ولا يضيع الوقت. ثم تحدث عن أنواع كتب التراث العسكري عندنا، فأحصى منها عشرين نوعاً، منها: كتب الأسلحة القديمة، وكتب الأسلحة، ورسم لها الرسوم الموضّحة، ومنها كتب الرمي، وكتب الفروسية، وألعابها، وكتب تدريب الخيول، وكتب الحِيَل، وكتب في تدبير الحروب، وفي القصف (أي رمي النار والنفط والزرّاقات). وكتب في الدبابات والمنجنيقات، وكتب في الجوارح واللعب في الصيد والقنص، وكتب في إرشادات المجاهدين، وهي تبحث في أهمية فريضة الجهاد، والآيات والأحاديث الواردة في الحثّ على الجهاد، ومنزلة المجاهدين، والشهادة والشهداء، وحياتهم المستمرة، ومنزلتهم في الجنة، وإرشاد المجاهدين من مغادرة منازلهم، إلى وصولهم إلى ميادين القتال، والتشكيلات القتالية .. وهناك كتب في الإرشادات العملية للمقاتلين، وكتب في التجنيد والجنود، والكتب الشاملة لأهمّ الأمور العسكرية، وكتب الأسطول والبحرية، تدريباً وتسليحاً وتنظيماً وأساليب قتال، وأنواع السفن، وصناعتها، والمكايد والحيل البحرية، وأساليب إحباط الخطط التعبوية للعدو، وكتب السِّيَر، والتّفسير، والحديث، والفقه، أو ما نسمّيه اليوم:

العلاقات الدّولية في الإسلام، أو القانون الدولي في الحرب والسلام والحياد .. وكان الكاتب يستشهد على كل نوع بأهمّ الكتب المندرجة فيه. معرّفاً بها حيناً، وملخّصاً لأهمِّ ما ورد فيها حيناً آخر، مما يدلّ على اطلاع واسع لديه .. ثم جمع الأنواع العشرين في خمسة أقسام هي: 1 - كتب الأسلحة الخفيفة، والثقيلة، والتدريب عليها. 2 - كتب الخيل والتدريب عليها، وتدريبها، وعلاجها، وألعاب الفروسيّة والصيد والقنص. 3 - كتب السَّوْق، والتعبية، والتجنيد، وتجارب الجنود. 4 - كتب الجهاد (نظرياً وعملياً). 5 - كتب اللغة العسكرية. واعتباراً من الصفحة (65)، وحتى الصفحة (85) بدأ يعرّف بالكتاب المحقَّق، وعدّه من النوع الشامل وقال: " بدأ المؤلف بتقديم كتابه بمقدّمة، تعرّض فيها إلى أهمية التعابي الحربيّة، وإعراض الناس عنها، لانصرافهم إلى اللهو وإلى متاع الدنيا، ثم تحدّث عن السبب الداعي لتأليفه، ثم ذكر الخطوط العريضة التي ينبغي لأمراء الجيوش الاهتمام بها، لضمان النصر. بدأ كتابه في أهمية التقوى، وأنها أول العوامل التي تقود إلى النصر، لأن النصر من عند الله تعالى. ثم عن مزايا المقاتل، كأن يعرف رئيسُ الجند خواصَّ رجاله بالتفصيل، ليضع الرجل المناسب، في العمل المناسب، وحتى يقودهم على هدى وبينة. كما تحدّث عن (عيوب المقاتل)، وعدّد أبرزها وأشدَّها ضرراً على الضبط والنظام اللذين - بدونهما - لا يبقى الجيش جيشاً، بل يصير عصابات متناحرة.

وتحدّث المؤلف عن المشورة في الحرب، وأهميّتها شرعاً وعقلاً، وحثّ فيه على الاستعانة بذوي الرأي السّديد، وعدم الاستعانة بمشرك، وبنى هذا الرأي على تجاربه في الحياة، فقد شهد من استُعين به، فخان من استشاره، فلا بدّ من حسن اختيار المستشارين. وهنا عدّد صفات المستشارين فأجاد وأبدع وتميّز على غيره من الكتّاب العرب والأجانب في هذا المضمار. وفي الفصل السادس قدّم (وصية لأمراء الجيوش في السفر)، وفصَّل في كيفية سياسة الجيش، وتدبير الحرب، وما يتعلق بذلك من أحكام. وكان الفصل السابع في (المصابرة في القتال)، وتعاليم الشرع في الغنائم وغيرها، وفي الحرب والسلام والهدنة، ومعاملة المحاربين وغيرهم. وقدّم (وصيّة مختصرة تختصّ بالأجناد) ذكر فيها - بعد تقوى الله - اتخاذ الفرس الجيد، وتأديبه ليكون الفرس صالحاً للقتال، واستعمال التجهيزات المناسبة للفرس، كما يوصي الجندي بالتدريب المستمر على القتال، والابتعاد عن القنوط والتكبّر والإعجاب بالنفس، والاشتغال بما ينفع، وتعلّم العلوم الحربية، وعدم ازدراء أحد من المسلمين. وفي (التعابي المنصورة) ألواح مصوّرة لتشكيلات القتال، مع وصايا وإرشادات مهمة تفيد المقاتلين، جنوداً وضباطاً. وفي فصل (أشكال التعابي) ألواح مصورة بالتخطيط لتشكيلات القتال، يطبّقها المشاة والخيالة. وفي فصل (ذكر طبائع الأمم واختلاف أحوالهم في الحرب) معان

قيّمة، كأنّ ابن منكلي كاتب معاصر يصف طبائع الأمم في الوقت الحاضر. وكان الفصل العشرون بعنوان: (أحوال تخصّ المقدَّمة)، وهو في صفات الضباط والآمرين والقادة، وهي: أن يكون الواحد منهم قدوة حسنة لرجاله، قادراً على خداع عدوّه، يحترم الكبير ويعطف على الصغير، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، عالماً في علوم مهنته العسكرية، كريماً، حسن الخلق، متوسّط الانبساط، يعلّم رجاله - في المسير - ما يفيدهم، ويتفقد خيولهم، ويسير بهم برفق، ويغضّ الطرف عن عوراتهم، ويكون ذا حياء وعفّة، وذا ناموس يناسب رتبته، ولا يقف في المواقف المشبوهة، ويقف في سوق الخيل، وسوق السلاح، وسوق الكتب، وله أوراد للتلاوة والذكر والصلاة وغير ذلك من القُرُبات، ويتعلم كلّ العلوم المباحة، ويكون بيته كملعب للرياضة العنيفة، وأن يداوم على التدريب وعلى الرمي .. ثم يضيف: "إن المقدَّم يجب أن يموت عزيزاً، ولا ينهزم ذليلاً "، وهذه الصفات لا أجد لها مثيلاً حتى في صفات الضباط في الوقت الحاضر، ليس على النطاق العربي والإسلامي وحسب، بل على النطاق العالمي أيضاً .. فما انتصر جيش بعَدَده وعُدَده، بل بما يختزن من مُثُل عليا. والفصل الأخيرُ كان بعنوان: (نكت في قتال البحر)، وفيه نصائح وإرشادات عملية في القتال البحري، وهي قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان. وفي الصفحة (86) تحدّث اللواء خطاب عن المؤلف محمد منكلي الذي كان يشغل منصب نقيب الجيش في عهد السلطان الأشرف شعبان، أحد سلاطين دولة المماليك في مصر، ويبدو أنه عسكري مجرِّب، له

خبرة جيدة في أساليب القتال، ومعرفة بما ينبغي للجندي أن يتجنّبه من مثالب وسلبيات لا تليق به ولا تناسبه، وعدّد أربعة عشر كتاباً من تأليف ابن منكلي، والكتب المحققة منها، والكتب الضائعة، ثم تحدث عن عصره، وعن دولة المماليك الأولى في مصر، وسلاطينهم الأربعة والعشرين، في إيجاز وتكثيف ووضوح، وخلص إلى أن نقد ابن منكلي بنّاء وليس هدّاماً، يشيّد ولا يحطّم، يرتق الثغرات، ويغطّي العورات، وقد ألّف كتابه هذا لسببين: الأول: أن يُعرف أن في المعسكر الإسلامي من له اهتمام في العلوم العسكرية. الثاني: أن يستثير هِمَمَ المسؤولين، للإفادة من طاقات الرجال، وكفاياتهم المعطلة. يقول خطّاب: لقد أراد - ابن منكلي - بنقده الإصلاح والصلاح، وخير البلد، ومصلحة الأمّة، وكان سبيله إلى ذلك قلمه، بعد أن جاهد بسيفه حقّ الجهاد، فلم يسكت على انحراف، فهاجم المنحرفين، وشخّص الداء، ووصف الدواء .. إنه قال علناً ما (يجب) أن يسمعه السلطان، لا ما (يحبّ) أن يسمعه السلطان، فأدَّى الأمانة، وبقي - بقلمه - حاضراً في سمع الزمن، مرموق المكانة والمكان. كان تحقيق اللواء خطّاب لهذا الكتاب نمطاً فريداً في التحقيق، تجشّم فيه المشاق، وذلّل العقبات، وبذل جهوداً مضنية، وهو لم يحققه لأنه وقع تحت يده، بل تلبّث طويلاً وتردّد في التحقيق، من أجل اعتقاد ابن منكلي بالحروف والأعداد والأرقام، ثم هُدي إلى تحقيقه، وشرح الله صدره لذلك، فأقدم .. فهو رجل الجدّ والصرامة، لا يعبث فيما يحقق، كما لا يعبث فيما يقول ويفعل ويكتب، فلو لم يجد فائدة كبيرة في تحقيقه

لما حققه، كفعل كثير من المحققين الذين يهمُّهم أن يدفعوا إلى المطبعة في كل يوم كتاباً، مهما كان عادياً أو تافهاً. وهو في التحقيق، كما في سواه يضع فلسطين أمام عينيه، يفكّر بها ولها، ويكتب ويقترح عنها، لعله يجد القائد الذي يأخذ بآرائه، ويسعى إلى تحريرها من بين براثن حفدة القردة والخنازير. ***

الأديب القاص

الأديب القاص اللواء خطّاب إنسان عجيب، يريد أن يقف على كلِّ ثغرة من ثغر الإسلام، إذا رأى أصحاب تلك الثغرات لا يأبهون لها، فينادي قلمه: الله الله لا تُؤْتينَّ من هذه الثغرة. وهذه الروايات والقصص (العاطفية) التي تدغدغ الجنس، وتهوي بقرائها الشبان إلى سفاسف الحياة - تملأ الأسواق الأدبية، ويقبل عليها المراهقون والمراهقات، وقد يمتدّ عمر المراهقة لدى بعضهم إلى القبر. يقبلون عليها، يقرؤونها، ويتأثرون بما يقرؤون، فيجري الفجور من عيونهم إلى قلوبهم ودمائهم وعقولهم، ويكون الفساد الذي تولَّى كبره عدد من الهالكين الذين أغرقوا الشباب بأدب مكشوف عاهر، ثم أخرجه الفاسدون الآخرون أفلاماً ومسلسلات مهلهلات تافهات. ولأنّ خطّاباً لا يترك ثغرة يستطيع سدَّها إلا ويبادر إليها، وعلى الرغم من جسامة أعبائه، أخرج للناس أربع مجموعات قصصية، هي: عدالة السماء - تدابير القدر - اليوم الموعود - الرقيب العتيد. لقيت مجموعته القصصية الأولى: (عدالة السماء) قبولاً كبيراً من القراء، وانتشرت انتشاراً عظيماً في البلاد العربية والإسلامية، وأعيد نشر قصصها في عدد من المجلات والصحف، وأذيعت من عدّة إذاعات، وترجمت إلى بضع لغات، وكان تأثيرها في قرائها واضحاً، وهم كثر،

لأنها - كأكثر كتبه - طُبعت عشرات الطبعات الشرعية والمسروقة في لبنان وسورية والعراق. يقول المؤلف: " وما صنعت جديداً في هذا الكتاب .. لم أجوِّد في صياغة قصصه، بل تركت قلمي على سجيته، يسجل حوادث القصص كما شهدتها، بدون تكلف، ولا تزيُّد، فكان الكتاب مجموعة حكايات واقعية، استهدفتُ من روايتها - بعفوية كاملة، وصدق وأمانة - أن أعيد القارئ العربي والمسلم إلى التفكير بالروح، بعد أن انصرف تفكيره إلى المادة، وإلى القلب، بعد أن شُغل بالجيب، وأن أذكّره بالعمل للآخرة كما يعمل للدنيا، وللحياة الباقية كما يعمل للحياة الفانية. وإذا كانت الحقيقة الأزلية للإنسان هي الموت، فماذا أعدَّ له من العمل الصالح؟ " (¬1). وهذا النص المجتزأ من مقدمة مجموعته الثانية: (تدابير القدر) مهمٌّ جداً، لأنه تصريح صريح وواضح بالمغازي التي رمى إليها المؤلف من قصصه هذه، وهو المؤرخ العسكري، والباحث في الاستراتيجيات العسكرية، والمشغول بتراجم القادة الفاتحين. بل إنه يقول بوضوح أوضح في مقدمة: (عدالة السماء): إنّ " هدفي الأصلي من كتابة هذه القصص: هو الدعوة إلى الله " (¬2). حوى كتابه (عدالة السماء) إحدى عشرة قصة، وكتابه (تدابير القدر) ثماني قصص، استقى مادتها من الواقع المعاش، بكل ما فيه من ¬_______ (¬1) تدابير القدر: ص 7. (¬2) عدالة السماء - الطبعة 35: ص 9.

واقعية وسوداوية، ولم يلجأ إلى الخيال ليقتنص من سبحاته حادثة من هنا وأخرى من هناك، ثم يركبها كيف شاء له خياله، ولا إلى الفنّ الذي يدبّج به القصصيون قصصهم، حسب العناصر التي استمدّوها من تاريخ القصة العربية حيناً، والغربية في أكثر الأحيان .. لم يتكلف حادثة، ولم يتزيّد في التفاصيل، وكأنه هنا مؤرخ، وليس كاتب قصّة، وأهمّ صفة في المؤرخ: الصدق والأمانة في النقل .. ولهذا كان خطّاب أميناً في نقله عن الواقع، الأمر الذي أكّد صدقه، وأضرَّ بفنّه، فصارت قصصه من صنف الحكايات التي تروي حوادث وقعت، دون أن يتفنن كاتبها بزخرف من القول أو الخيال، لأنه حريص على صدق ما ينقل، أمين في رواية الحوادث. إنه لا يريد من وراء ما يكتب دنيا يصيبها، ولا يريد كسباً مادياً، ولا شهرة، بل يريد الآخرة لنفسه ولقرّائه؛ فقد انغمس الناس في أوحال المادة حتى الذقون، وما عادوا يأبهون لدين أو خلق أو آخرة .. ضمرت أرواحهم، وتورّمت أجسامهم .. خوت قلوبهم، وانتفخت جيوبهم، وصار لسان حال الواحد منهم يقول: " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً " فلا موت ولا قبر ولا حساب ولا عقاب، بل انكباب على الشهوات، وتكاثر في الأرصدة والعقارات. إنه قدّم الحوادث بصدق، بلا تزويق، ولا رتوش فنية .. إنه يريد أن يقدّم العبرة والموعظة، لتقويم الفكر والسلوك معاً. يقول: " أردت بعرضها معالجة بعض عيوبنا الفردية والاجتماعية التي نعاني منها، فكل جريمة لها عقاب، ومن ينجو من عقاب البشر، لا ينجو

من عقاب خالق البشر " (¬1). كان لا يعير أهمية للفن القصصيّ، ويرى أنّ كتاب القصة يجنحون إلى الكذب من أجل الفنّ وباسم الفنّ، وهم يقلّدون الأوروبيين فيما يكتبون، وهو لا يريد أن يكون مثلهم، ولا ينبغي للكتاب المسلمين أن يكونوا كذّابين ومقلّدين. إلا أنّ القاصَّ خطّاباً كان يُعنى برسم البيئة الاجتماعية فيما يقصّ أو يحكي، فيُطْلعنا على عاداتها، وتقاليدها، وما يسود الناس من معتقدات، والأحوال العامّة التي كانت في المكان الذي تجري حوادث الحكاية فيه، كما في (وليمة قندهارية)، و (في ضيافة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -)، و (كلّ مودّة لله تصفو) في كتابه: (تدابير القدر) فكأنه يؤرّخ للحياة الاجتماعية. ومن الطريف أن نعرف - مثلاً - أنّ رطل اللحم في بغداد، في الأربعينيات كان بثلاثين فلساً (هو الآن بثلاثة ملايين فلس)، وأن سعر صفيحة السمن الحيواني النّقي بنصف دينار، وثمن البدلة الرجّالية مع خياطتها - للعيد - ديناران (¬2). قال الدكتور مجاهد مصطفى بهجت عن قصص خطّاب: " أسهم - خطّاب - في إصدار سلسلة من الكتب القصصية الهادفة، ذات الطابع الإسلاميّ الواقعي الذي يحيي المعاني الإسلامية، ويبرز البُعْد الغيبيّ في الإيمان بالله تعالى، وقدره: خيره وشرّه .. ¬_______ (¬1) تدابير القدر: ص 10. (¬2) المرجع السابق: ص 17.

وقصصه، وإن خلت من عنصر الخيال المجنّح، لكنها تحفل بغرائب الأحداث وعجائبها، ممّا يقع في كل عصر ومكان، ويضفي على قصصه عنصر الإثارة والتشويق " (¬1). ... ¬_______ (¬1) مجلة المجتمع - الكويت: 1296 في 18/ 4/ 2000 م.

§1/1