اللمحة في شرح الملحة

ابن الصَّائغ

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة ... كتاب اللمحة في شرح الملحة تأليف: محمد بن الحسن الصايغ (645 - 720هـ) تحقيق: إبراهيم بن سالم الصاعدي بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة المحقق أَحْمَدُ الله - تَعَالَى - حَمْدًا يَليْقُ بِجَلاَلِهِ، عَلَى مَا أَسْدَاهُ مِنْ دَقَائِقِ نَعْمَائِهِ، وجَلاَئِلِ آلاَئِهِ، وصَلاَةً وسَلاَمًا عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. وَبَعْدُ؛ فَإِنَّ فِي مَكْتَبَتِنَا الْعَرَبِيَّةِ تُرَاثًا غَزِيرًا، حَفَلَتْ بِهِ مُنْذُ أَنْ مَكَّنَ اللَّهُ لِهَذهِ الأُمَّةِ فِي الأَرْضِ بِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهَا مِنْ إِقَامَةِ دِيْنِهِ، وَتَحْكِيْمِهِ فِي كُلِّ صُقْعٍ حَلَّتْ فِيهِ. وَكَانَ لِعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ وَآدَابِهَا نَصِيْبٌ مَوْفُورٌ فِي خَزَائِنِ الكُتُبِ شَرْقًا وَغَرْبًا؛ وَكَانَت تِلْكَ الْخَزَائِنُ مَرْجِعًا لِطُلاّبِ العِلمِ على مُخْتَلَفِ العصور؛ حتّى عَصْرنَا هذَا الّذي تَيَسّرتْ فِيهِ أَسْبَابُ الإِفَادَة مِنْ ذَلِكَ الرَّصِيدِ الضَّخْمِ، حَيْثُ فَتَحَتِ الْجَامِعَاتُ أَبْوَابَهَا، وَمَدَّتْ يَدَ الْعَوْنِ وَالْمُسَاعَدَةِ لِطُلاَّبِ الْعِلْمِ وَالْمَعْنِيِّينَ بِتَحْقِيقِ التُّرَاثِ؛ ليَعُمَّ الانْتِفَاعُ بِهِ. وَلَقَدْ وَدِدْتُ أَنْ أُشَارِكَ بِسَهْمٍ فِي هَذَا الْمَجَالِ الرَّحْبِ؛ فَأَخَذْتُ أَبْحَثُ تَارَةً وَأَسْأَلُ أَهْلَ الشَّأْن تَارَةً، حَتَّى اهْتَدَيْتُ - بِفَضْلِ اللَّهِ - إِلَى شَرْحٍ نَفِيْسٍ مِنْ شُرُوحِ (مُلْحَةِ الإِعْرَاب) ، وَهُوَ المُسمّى (اللَّمْحَةَ فِي شَرْحِ المُلْحَةِ) لمحمَّد بنِ الحسن الصَّايِغ، فَاسْتَشَرْتُ

شكر وتقدير: أَحْمَدُ اللهَ العَليّ العظيمَ الَّذِي سلَكَ بِي سَبِيلَ العِلْمِ، وَوَفَّقَنِي لإتمام هذا الكِتَاب. ثُمَّ أَشْكُرُ لِوالِديّ اللّذين كَانَ لَهُمَا الفَضْلُ بَعْد اللهِ تَعَالى فِي مُوَاصَلَة دِرَاسَتِي العُلْيَا؛ حَيْثُ هَيَّا لِي كُلَّ السُّبل، وحَثَّانِي عَلَى إِنْجَازِ هَذَا العَمَل، فَأََسْأل اللهَ أَنْ يَجْزِيَهُمَا عَنِّي خَيْراً، وَيُبَارِكَ فِي عُمْرِهِمَا. كَمَا أَشْكُرُ الْقَائِمِينَ عَلَى هَذَا الصَّرْحِ الْعِلْمِيِّ الشَّامِخِ؛ أَعْنِي الْجَامِعَةَ الإِسْلاَمِيَّةَ فِي الْمَدِيْنَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ الَّذِيْنَ مَا فَتِئُوا يُولُونَ أَبْنَاءَ الأُمَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ جُهُودَهُمْ المُبَارَكَة، وَيُعِدُّونَهُمْ لِتَحَمُّلِ أَعْبَاءِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ عَلَى هَدْيٍ مِنَ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم. كَمَا أُزْجِي الشُّكْرَ لِفَضِيْلَةِ شَيْخِي وَمُشْرِفِي الدُّكْتُور مُحَمَّدُ بْنُ عَوَضٍ السِّهْلِيّ؛ الَّذِي تَكَرَّمَ بِالإِشْرَافِ عَلَى هَذِهِ الرِّسَالَة، وَأَعْطَانِي مِنْ وَقْتِهِ الثَّمِين مَا أَعْطَانِي، وَوَاكَبَ خُطُوَاتِ البَحْثَ، وَشَارَكَنِي هُمُومَهُ؛ فَلَقَدْ وَجَدْتُ فِيْهُ خُلُقَ الْعُلَمَاءِ، وَكَرَمَ الْفُضَلاءِ؛ فَجَزُاهُ اللَّهُ عَنِّي خَيْرَ الْجَزَاءِ، وَبَارَكَ فِيْهِ وَفِي عَقِبِهِ، وَجَعَلَ مَا قَدَّمَهُ لِي فِي مِيْزَانِ حَسَنَاتِهِ.

مَشَايِخِي الأَجِلاَّءَ فِيهِ، فَامْتَدَحُوا الْكِتَابَ، وَأَشَارُوا عَلَيَّ بِتَحْقِيقِه؛ لِذَا عَقَدْتُ الْعَزْمَ عَلَى تَحْقِيقِهِ وَدِرَاسَتِهِ - مُسْتَعِيْنًا بِاللَّهِ تَعَالَى-، لِيَكُونَ مَوْضُوعَ رِسَالَتِي العالمِيّة (المَاجستير) ؛ وَكَانَ مِنْ أَهَمِّ الأَسْبَابِ الَّتِي دَفَعَتْنِي إِلَى ذَلِكَ مَا يَلِي: 1-أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ شَرْحٌ لِمَنْظُومَةِ (مُلْحَةِ الإِعْرَابِ) الَّتِي تُعَدُّ مِنْ أَوَائِلِ الْمَنْظُومَاتِ النَّحوِيَّةِ الَّتِي وَصَلَتْ إِلَيْنَا كَامِلَةً؛ وَلَقَدْ طَبَّقَتْ شُهْرَتُهَا الآفَاقَ، إِذْ تَنَاوَلَهَا جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ شَرْحًا وَاخْتِصَارًا وَإِعْرَابًا. 2-أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ يُعَدُّ مِنْ أَوْسَعِ الْكُتُبِ الَّتِي شَرَحَتِ (الْمُلْحَة) ؛ فَقَدْ تَمَيَّزَ بِكَثْرَةِ عَرْضِهِ لِلْمَسَائِلِ النَّحوِيَّةِ، وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، وَمُنَاقَشَتِهَا، وَكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ، وَتَنَوُّعِهَا. 3-أَنَّ مُؤَلِّفَ هَذَا الْكِتَاب عَاشَ فِي الْقَرْنِ الثَّامِن، وَهُوَ الْقَرْنُ الَّذِي نَشِطَتْ فِيهِ الدِّرَاسَاتُ الإِسْلاَمِيَّةُ، وَكَثُرَتْ فِيهِ الْمُؤَلَّفَاتُ، وَتَمَيَّزَ فِيهِ كَوْكَبَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الأَعْلاَمِ، كَأَبِي حَيَّان، وَالْمُرَادِي، وَابْنِ هِشَام، وَابْنِ عَقِيلٍ، مِمَّا كَانَ لَهُ أَبْلَغُ الأَثَرِ فِي إِيْجَادِ مُجْتَمَعٍ عِلْمِيّ مُتَمَيِّزٍ ظَهَرَتْ آثَارُهُ فِي تِلْكِ الدِّرَاسَاتِ. 4-الْكَشْفُ عَنْ مَعَالِمِ شَخْصِيَّةِ الصَّائِغِ؛ لأنّه لَمْ يُحَقَّقْ لَهُ

أَيُّ كِتَابٍ قَبْلَ هَذَا - على حدِّ عِلْمِي، وَلَمْ تُدْرَسْ شَخْصِيَّتُهُ. 5- أَنَّ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْكِتَاب مُشَارَكَةً فِي إِحْيَاءِ كُتُبِ التُّرَاثِ الَّتِي ظَلَّتْ قَابِعَةً فِي رُفُوفِ الْمَكْتَبَاتِ زَمَنًا طَوِيلاً. فَكَانَتْ هَذِهِ الأَسْبَابُ مُجْتَمِعَةً مِنْ أَهَمَّ مَا دَفَعَنِي إِلَى تَحْقِيقِ هَذَا الْكِتَابِ. هَذَا، وَقَدْ اقْتَضَت طَبِيعَةُ الْبَحْث أَنْ أُقَسِّمَهُ قِسْمَيْنِ رَئِيسَيْنِ: الْقِسْمُ الأَوَّلُ: الدِّرَاسَةُ، وَتَشْتَمِلُ عَلَى تَمْهِيد، وَفَصْلَيْن: التَّمْهِيدُ: وَفِيهِ تَعْرِيفٌ مُوجَزٌ بِالْحَرِيرِيّ صَاحَبِ الْمَنْظُومَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَحْقِيْقِ شَرْحِهَا. الفَصْلُ الأَوَّلُ: الصَّايِغ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَبَاحِث: المَبحَثُ الأَوَّلُ: اسْمُهُ، وَنَسَبُهُ، وَكُنْيَتُه، وَلَقَبُهُ. المبَحَثُ الثَّانِي: مَوْلِدُهُ، وَنَشْأَتُهُ، وَوَفَاتُهُ. المَبحَثُ الثَّالِث: شُيُوخُهُ، وَتَلاَمِيذُهُ. المَبْحَثُ الرَّابِعُ: مُصَنَّفَاتُهُ. الفَصْلُ الثَّانِي: (اللَّمْحَةُ فِي شَرْحِ المُلْحَةِ) ، وَفِيه سِتَّةُ مَبَاحِث: المَبحَثُ الأَوَّلُ: تَوْثِيقُ اسْمِ الْكِتَابِ، وَنِسْبَتِهِ إِلَى مُؤَلِّفِهِ. المَبحَثُ الثَّانِي: مَنْهَجُ الْمُؤَلِّفِ فِي الْكِتَابِ. المَبْحَثُ الثَّالِثُ: مَصَادِرُهُ.

المَبْحَثُ الرَّابِعُ: شَوَاهِدُهُ. المَبْحَثُ الخَامِسُ: مُوَازَنَةٌ بَيْنَ (اللَّمْحَةِ) وَ (شَرْحِ الْحَرِيرِيِّ عَلَى المُلْحَة) . المَبْحَثُ السَّادِسُ: تَقْوِيمُ الْكِتَاب. الْقِسْمُ الثَّانِي: التَّحْقِيقُ، وَيَشْتَمِلُ عَلَى مَا يَلِي: 1- وَصْفُ النُّسَخِ الْخَطِّيَّةِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي التَّحْقِيق. 2- مَنْهَجِي فِي التَّحْقِيقِ. 3- النَّصُّ الْمُحَقَّق. ثُمَّ ذَيَّلْتُ الكِتَابَ بِالْفَهَارِسِ الْفَنِّيَّةِ اللاَّزِمَة.

كَمَا أَشْكُرُ جَمِيعَ أَسَاتِذَتِي الَّذِينَ سَاعَدُونِي فِي إِنْجَازِ هَذَا الْكِتَاب؛ وَعَلَى رَأسِهم فَضِيلَة الأُستاذ الدّكتور/ عليّ بن سُلْطَان الحكميّ؛ رئيس قسم اللّغويات بالكلّية. كَمَا أَشْكُرُ زَوْجَتِي المُخْلِصَة؛ لِمَا بَذَلَتْه مِنْ صَبْرٍ ومُسَاعَدةٍ، كَانَ لَهُمَا الأَثَرُ الكَبِيرُ فِي مُوَاصَلةِ الدِّرَاسَةِ وَالتَّحْصِيلِ. كَمَا أَشْكُرُ إخوَاني الأوفِيَاء؛ وأَخُصُّ منْهُم بالذّكر أَخي الشّيخ عبد الله الّذي قَدَّم لِي يدَ العَوْنِ والمُسَاعَدةِ في سَبِيلِ إِنْجَازِ هذا العَمَل. وَبَعْدُ؛ فَلَقَدْ بَذَلْتُ فِي هَذَا الْكتاب كُلَّ مَا فِي وُسْعِي، وَلَكِنَّنِي - مَعَ ذَلِكَ - لاَ أَدَّعِي فِيهِ الْوُصُولَ إَلَى الْكَمَال؛ فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ صَوَابٍ فَهُوَ مِنَ فَضْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَكَرَمِهِ وَتَوْفِيقِهِ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ خَطَأ أَوْ زَلَلٍ أَوْ تَقْصِير فَهُوَ مِنِّي، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَحَسْبِي أَنِّي تَحَرَّيْتُ الصَّوَابَ جُهْدِي، وَبَحَثْتُ عَنْهُ مَا اسْتَطَعْتُ. وَخِتَامًا أَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيم، وَأَنْ يُوَفِّقَنِي لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وكتب إبراهيم بن سالم الصّاعديّ 27/4/1419هـ.

القسم الأول: قسم الدراسة

القسم الأول: قسم الدراسة التمهيد ... التمهيد تعريف موجز بالحريريّ: الحريريّ1 هو: أبو محمّد القاسم بن عليّ بن محمّد بن عثمان الحريريّ2 الحراميّ3 البصريّ؛ وينتهي نسبُه إلى رَبِيعةَ الفَرَس4. ولد الحريريّ في قرية (المَشَانّ) 5 من أعمال البصرة، سنة

ستّ وأربعين وأربعمائة من الهجرة؛ وفيها قضى طُفولته وبعض صباه، ثمّ انتقل إلى البصرة، وفيها تلقّى أنواع العلوم على كبار الشّيوخ في ذلك العَصْر. فقد قرأ النّحو على أبي القاسم الفضْل بن محمّد القَصَبَانيّ1، ثم دخل بغداد فقرأ النّحو والأدب على عليّ بن فَضّال المجاشعيّ2، وتفقّه على ابن الصّبّاغ3، وأبي إسحاق الشّيرازيّ4، وقرأ الفرائض والحساب على أبي حكيم الخَبْرِيّ5. وكان الحريريّ من ذَوِي الجاه واليَسَار؛ له مُلْكٌ حَسَنٌ بالمَشَانّ؛ يقال: إنّه كان له ثماني عشرة ألف نخْلة6. وكان من ذوي الوجاهة لدى السّلطان؛ فقد كان صاحب الخبَر7 بالبصرة؛ وهو منصبٌ ظلّ به إلى أنْ مات؛ فتوارثه أولادُه من بعده8.

وكان - رحمه الله - أديبًا، لغويًّا، نحويًّا، ناظمًا، ناثرًا1؛ وكان غايةً في الذّكاء، والفِطْنة، والفصاحة، والبلاغة2. توفّي - رحمه الله - في البصرة، في محلّة بني حرام؛ سنة ستّ عشرة وخمسمائة من الهجرة، وعمرُه سبعون سنة3. وقد ترك من المصنّفات ما يلي: 1- دُرَّةُ الغَوَّاصّ في أوهام الخَوَاص4. وهو كتابٌ بَيَّن فيه أغلاط الكُتّاب فيما يستعملونه من الألفاظ في غير معناه، أو في غير موضعه. 2- المقامات5.

وهي أشهرُ كتبه على الإطلاق؛ قال ياقوت الحمويّ1: "وله صانيف تشهد بفضلِهِ، وتُقِرُّ بِنُبْلِهِ؛ وكفاه شاهدًا كتاب "المقامات" الّتي أَبَرَّ بها على الأوائل وأعجز الأواخر". وقد بدأ تأليفَها سنة 495هـ2؛ ودام تأليفها بضع سنوات، وجعلها خمسين مقامة. وقد اعتنى بشرحها عددٌ كبيرٌ من العلماء؛ فمنهم مَن طَوَّل، ومنهم من اختصر3. 3- ملحة الإعراب4. وهي أُرجوزة في النّحو، تقع في 377 بيتًا؛ ومطلُعها: أَقُولُ مِنْ بَعْدِ افْتِتَاحِ القَول ... بحمد ذي الطول شديد الحول 4- شرح ملحة الإعراب5.

5- كتاب رسائل الحريري1. ومن هذه الرّسائل: الرّسالة السّينيّة، والرّسالة الشّينيّة2؛ كلّ كلمة في الأولى تحوي سينًا، وكلّ كلمة في الثّانية تحوي شينًا. 6- كتاب شعر الحريري3. 7- الفرْق بين الضّاد والظّاء4. 8- توشيح البيان5.

_ 1 يُنظر: معجم الأدباء 16/271. 2 طُبعتا بآخر كتاب (المقامات) بالمطبعة الحسينيّة سنة 1326هـ، ثم أُعيد طبعها بآخر كتاب (المقامات) أيضًا في مطبعة الحلبيّ. يُنظر: معجم المطبوعات العربيّة والمعرّبة 1/750. 3 يُنظر: معجم الأدباء 16/271. ومنه نُسخة خطّيّة في مكتبة برلين تحت رقم 7022. يُنظر: تأريخ الأدب العربيّ لبروكلمان 5/151. 4 يُنظر: معجم الأدباء 16/271، وإنباه الرّواة 3/25، وبُغية الوُعاة 2/259، ومعجم المؤلِّفين 8/108. 5 نسبه إليه ابن حجّة الحمويّ في كتابه ثمرات الأوراق 40.

الفصل الأول: الصايغ

الفصل الأول: الصايغ المبحث الأول: اسمه، ونسبُه، وكنيته، ولقبه ... المبحث الأوّل: اسمه، ونسبُه، وكنيته، ولقبه هو الإمام، العلاّمة، النّحويّ، اللّغويّ؛ شمس الدّين1 أبو عبد الله محمّد ابن الحسن2 بن سِبَاع بن أبي بكر المصريّ الأصل، الدّمشقيّ المولد والوفاة؛ المعروف بـ (الصّايغ) 3؛ - بالياء - وهو غير ابن الصائغ المشهور -

كما نصّ على ذلك السّيوطيّ في البُغية -1. وينتهي نَسَبُهُ إلى بني جُذام عمرو بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أُدَد ابن زيد بن يَشْجُب بن عريب بن زيد بن كهْلان بن سَبَأ، وهو عامر بن يَشْجُب بن يَعْرب بن قحْطان2. وقد كُتب على صفحة العنوان من النّسخة (ب) : "شمس الدّين محمّد

ابن بدر الدّين حسن ... " ولم تذكر جميع المصادر (بدر الدّين) هذا؛ وكأنّ إيرادَه تصرُّفٌ من النّاسخ؛ لأنّه كتب في آخر النّسخة: "نجز ما ألّفه الشّيخ، الإمام، شمس الدّين محمّد بن حسن ... "؛ ولم يذكر (بدر الدّين) .

المبحث الثاني: مولده، ونشأته، ووفاته

المبحث الثاني: مولده، ونشأته، ووفاته أوّلاً - مولده، ونشأته: وُلد الصّايغ في دمشق في شهر صفر، سنة خمس وأربعين وستمائة1. وبالرّجوع إلى المصادر الّتي تناولت حياة الصّايغ لم أجد أحداً ذكر شيئاً عن نشأته في طفولته، وشبابه وحياته العلميّة، إلاّ ما ذُكِرَ من أنّه كان له حانوت بالصّاغة يقرئ الطّلبة فيه العربيّة والعروض والأدب؛ وقد أقرأ (ديوان المتنبّي) و (الحماسة) ، وغير ذلك2. وكان يسكن بين دَرْب الحبّالين والفراش عند بُستان القطّ3. وكان حسن الأخلاق، متواضعاً، ذا فضائل4. وكان فيه وُدّ، لطيف المحاورة والمحاضرة5. وكانت حياتُه حافلة بالتّنقّل؛ فقد نشأ في دمشق، ثم انتقل إلى مصر، ثم عاد مرّة أخرى إلى دمشق 6.

ثانياً - وفاتُه: توفّي الصّايغ في داره بدمشق، يوم الاثنين1 ثالث شعبان2، سنة 720هـ، ودفن بباب الصّغير3، عن خمس وسبعين4 سنة رحمه الله. وقيل: إنّه توفّي سنة 722هـ5. وذكر ابن القاضي6 أنّه توفّي سنة 721?؛ ولم أجد مَن تابعه على ذلك. وذكر السيوطيّ7 أنّه توفّي سنة 725، ووافقه صاحب (كشف الظنون) 8؛ لكنّه ذكر في مواضع أخرى التأريخين الأولين9.

_ 1 نصّ على ذلك ابن كثير في البداية والنّهاية 14/101. 2 وفي الدرر الكامنة 4/40: (أو رمضان) . 3 نصّ على ذلك ابن كثير في البداية والنّهاية 14/101. 4 يُنظر: ذيول العبر 4/58، والبداية والنّهاية 14/101، وطبقات ابن قاضي شُهْبة 87، والدرر الكامنة 4/40، والنّجوم الزّاهرة 9/248، وشذرات الذّهب 6/53، والأعلام 6/87. 5 يُنظر: الوافي بالوفيات 2/362، وفوات الوفيات 3/326، وعقود الجمان 232، والسّلوك جـ 2، قسم 1/239، والمنهل الصافي 6/96، والدّليل الشّافي 2/614، وهديّة العارفين 2/145. 6 درّة الحجال 2/304. 7 بُغية الوُعاة 1/84. 8 يُنظر: 2/1808. 9 يُنظر: كشف الظّنون 2/1072، 1780.

المبحث الثالث: شيوخه، وتلاميذه

المبحث الثالث: شيوخه، وتلاميذه أوّلاً- شيوخه: لم تذكر لنا المصادر من شيوخه إلاّ ابن أبي اليسر1؛ وهو: أبو محمّد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن أبي المجد، مسند الشّام، تقيّ الدّين، شرف الفضلاء، التّنوخيّ، المعريّ الأصل، الدّمشقيّ. وُلد سنة 589هـ، وتوفّي سنة 672هـ. ومن شيوخ ابن أبي اليسر: الخشوعيّ، وعبد اللّطيف بن شيخ الشّيوخ، والقاسم بن عساكر؛ وأجاز له جماعة، وروى الكثير، واشتهر ذكره. تفرّد بأشياء كثيرة، وكان متميّزًا في كتابة الإنشاء، جيّد النّظم، حسن القول، ديِّنًا متصوّنًا، صحيح السّماع؛ من بيت كتابة وجلالة؛ وله شعرٌ جيِّد وبلاغة؛ وفيه خير وعدالة2. وهناك شيخٌ آخر للصّايغ أشار إليه في هذا الشّرح؛ لكنّه لم يصرّح باسمه، وإنّما اكتفى بقوله: "قال شيخُنا - رحمه الله-"، أو"كقول شيخنا - رحمه الله تعالى -"3، ثم أورد نصّين نقلهما عن هذا الشّيخ؛ وقد تبيّن لي

من خلال مراجعة هذين النّصّين أنّ المقصود بهذا الشّيخ ابن النّاظم؛ والنّصّان موجودان في شرحه على الألفيّة1. وقد راجعتُ ترجمة ابن النّاظم بُغية أن أجد من ينصّ على أنّ من تلاميذه الصّايغ؛ لكنّني لم أظفر بشيءٍ من ذلك؛ ولا غرابة في ذلك إذْ إنّ كلّ شيخ له تلاميذ كُثُر، وأصحاب التّراجم لا ينصّون إلاّ على بعض التّلاميذ. وممّا يؤيد ذلك كثرة نقوله عنه - في شرحه على الألفيّة - دون أن يصرّح بالنّقل عنه2؛ ففي هذا دلالة على أنّه من شيوخه. وابن النّاظم هو: أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن عبد الله بن عبد الله ابن مالك بدر الدّين الشّافعيّ الطّائيّ الجيّانيّ الدّمشقيّ النّحويّ. شيخ العربيّة، وقدوة أرباب المعاني والبيان، وأحدُ العلماء الفضلاء؛ قرأ على أبيه، وأخذ عنه النّحو واللّغة؛ وكان ذكيًّا فهمًا، عارفًا بالمنطق، والأصول، والنّظر؛ أخذ عنه جماعة منهم: كمال الدّين ابن الزّملكانيّ، وبدر الدّين ابن جماعة، وغيرهما. ومن مصنّفاته: شرح ألفيّة والده، والمصباح في المعاني والبيان، ومقدّمة في المنطق، ومقدّمة في العروض؛ وشرح ملحة الإعراب وغير ذلك. توفّي بدمشق يوم الأحد ثامن المحرّم سنة 686هـ، ودُفن بمقبرة باب الصّغير، وتأسّف النّاس عليه3.

ثانيًا- تلاميذه: إنّ كتب التّراجم الّتي تترجم للعلماء ربّما تكون مختصرة لا تستوعب أكبر قدر ممكن من ذكر العلماء وأخبارهم؛ ولم نجد من يذكر تلاميذ الصّايغ بأسمائهم، مع شهرته ومكانته، حيث لم تزد المصادر الّتي بين أيدينا على قولها: "تخرّج به فضلاء" 1. ولكن من خلال مطالعاتي في تراجم رجال القَرْن الثّامن وقفت على ترجمة ابن فضل الله العمريّ، ووجدتّ المترجمين ينصّون على أنّ من شيوخه الّذين تلقّى عنهم الأدب والعروض شمس الدّين ابن الصّائغ؛ وقد تبيّن لي - من خلال المراجَعة والتّدقيق - أنّ شمس الدّين بن الصّائغ هو: محمّد بن الحسن بن سباع شارح "الملحة" لا محمّد بن عبد الرّحمن بن عليّ المشهور بابن الصّائغ؛ لأسباب عدّة: أوّلاً - أنّ محمّد بن الحسن اشتهر بفنّ الأدب والعروض؛ وقد وجدنا المترجِمين يلقّبونه بـ (الأديب العروضيّ) 2. ثانيًا- أنّه من أهل دمشق، وابن الصّائغ المشهور من أهل مصر - وإنْ كانت له رحلات إلى دمشق، لكنّ معظم حياته قضاها في مصر- وابن فضل الله العمريّ تلقّى معظم علومه في دمشق. ثالثًا- أنّ مُدَّة التّحصيل والطّلب هي الفترة الّتي عاشها

ابن فضل الله العمريّ في دمشق - وكان محمّد بن الحسن من أبرز علماء دمشق في هذه الفترة - لأنّه وُلد سنة 697هـ أو 700هـ، ومحمّد بن الحسن توفّي سنة 720هـ أو 722هـ؛ وهذه المدّة تتسع لتلقيه العلم من الصّايغ صاحبنا. وابن فضل الله العمريّ هو1: شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن فضل الله ابن يحيى القرشيّ العدويّ العمريّ الدّمشقيّ. وُلد في دمشق في ثالث شوّال سنة 697هـ، وقيل 700هـ؛ وكان إمامًا بارعًا، وكاتبًا فقيهًا، نظم كثيرًا من القصائد، والأراجيز، والمقطّعات، والدّوبيت؛ وأنشأ كثيرًا من التّقاليد والمناشير والتّواقيع. قرأ العربيّة على كمال الدّين بن قاضي شُهْبة، والفقه على ابن الفركاح، وشهاب الدّين ابن المجد، وقرأ العروض والأدب على الشّيخ شمس الدّين ابن الصّائغ، وعلاء الدّين الوداعيّ، وقرأ جملة من المعاني والبيان على العلاّمة شهاب الدّين محمود، وقرأ عليه جملة من الدّواوين، وكتب الأدب. ومن مصنّفاته: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، وفواصل السّمر في فضائل آل عمر، وصبابة المشتاق، ودمعة الباكي، وغيرها. توفّي في دمشق يوم السّبت تاسع ذي الحجّة سنة 749هـ.

_ 1 تُنظر ترجمته في: الوافي بالوفيات 8/252 - 270، والدّرر الكامنة 1/352 - 354، والنّجوم الزّاهرة 10/334 ـ 335، والدّليل الشّافي 1/96.

المبحث الرابع: مصنفاته

المبحث الرابع: مصنّفاته ترك الصّايغ مصنّفات كثيرة؛ منها: 1- ديوان شعر. في مجلّدين كبيرين1. 2- شرح قصيدة ابن الحاجب في العروض2. 3- شرح مقصورة ابن دُريد. في مجلّدين كبيرين3. 4- كتاب العراقيّين في الفروع4. وأغلب الظّنّ أنّه ليس له؛ لأنّ حاجّي خليفة عندما ذكر هذا الكتاب نسبه لمحمّد بن الحسن الصّائغ الحلال الشّافعيّ؛ ولم ينصّ أحدٌ من الّذين ترجموا للصّايغ صاحبنا على هذا اللّقب (الحلال) ؛ والصّايغ من فقهاء الحنفيّة

وليس من الشّافعيّة؛ ولذلك ترجم له قطلوبغا في (تاج التّراجم) ، وهوكتاب في طبقات الحنفيّة. 5- القصيدة التّائيّة في نحو ألفي بيت؛ ذكر فيها العلوم والصّنائع1. 6- اللَّمْحَةُ فِي شَرْحِ المُلْحَةِ. وهو موضوع هذه الدّراسة والتّحقيق. 7- مختصر صحاح الجوهريّ2. اختصر فيه (الصِّحاح) بتجريده من الشّواهد، والإيجاز في الشّروح.

8- المقامة الشّهابيّة، وشرحها1.

_ 1 عملها للقاضي شهاب الدّين الخُوَييّ. يُنظر: فوات الوفيات 3/326، والنّجوم الزّاهرة 9/248، وبُغية الوُعاة 1/84، وكشف الظّنون 2/1785، وهديّة العارفين 2/145، ومعجم المؤلِّفين 9/192. وفي الوافي بالوفيات 2/362: (المقالة الشّهابيّة) . والقاضي شهاب الدّين الخوييّ هو: محمّد بن أحمد بن خليل، قاضي القُضاة، ذو الفنون، شهاب الدّين أبو عبد الله، ابن قاضي القضاة شمس الدّين الخَوَييّ الشّافعيّ؛ قاضي دمشق وابن قاضيها. وُلد سنة 626هـ، ومات والده وهو ابنُ إحدى عشرة سنة، فأقام بالعادليّة، ولزم الاشتغال حتى برع، وسمع الحديث، وحدّث، وصنّف كتبًا؛ منها: شرح الفصول لابن معطٍ، ونظْم علوم الحديث لابن الصّلاح، والفصيح لثعلب؛ توفّي سنة 693هـ. يُنظر: الوافي بالوفيات 2/137 ـ 139، وفوات الوفيات 3/313، 314، وطبقات الشّافعيّة للأسنويّ 1/501، 502، وشذرات الذّهب 5/423.

الفصل الثاني: اللمحة في شرح الملحة

الفصل الثاني: اللمحة في شرح الملحة المبحث الأول: توثيق اسم الكتاب، ونسبته إلى مؤلفه ... المبحث الأوّل: توثيق اسم الكتاب، ونسبته إلى مؤلّفه أ- توثيق اسم الكتاب: في سبيل توثيق اسم الكتاب رجعتُ إلى كتب التّراجم الّتي ترجمت للصّايغ، فوجدتّها تذكُر له شرحًا على (ملحة الإعراب) 1 دون أن تنصّ على اسمٍ له؛ لكنّ كتاب (كشف الظّنون) 2 نصَّ على أنّ من شروح (ملحة الإعراب) شرحًا للصّايغ سمّاه: (اللَّمْحة في شرح الملحة) . وكذلك نصّ على هذه التّسمية صاحب (إيضاح المكنون) 3، و (هديّة العارفين) 4. وهذا العنوان هو الموجود على غلاف النّسخة (ب) ولم يكن واضحًا في النّسخة (أ) . والصّايغ - رحمه الله - لم يصرّح باسم كتابه هذا؛ لأنّه لم يصدّره بمقدّمة يحتمل أن ينصّ فيها على اسمٍ لشرحه هذا، وكذلك لم يصرّح به في خاتمة الكتاب.

ب - توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلّفه: مؤلّف هذا الكتاب هو: محمّد بن الحسن بن سباع الصّايغ، وليس هناك شكٌّ في نسبة هذا الكتاب إليه؛ وذلك للأسباب التّالية: 1- أنّ المؤرّخين الّذين ترجموا للصّايغ ذكروا أنّه شَرَحَ (ملحة الإعراب) 1. 2- أنّ بعض العلماء نقل من هذا الكتاب مع نسبته للصّايغ؛ كـ (ياسين) في حاشيته على (التّصريح) 2. 3- أنّ المؤلّف نفسه صرّح باسمه في افتتاحيّته للكتاب بقوله: "قال العبد الفقير إلى الله تعالى محمّد بن الحسن بن سباع الصّايغ عفا الله عنه". 4- أنّ اسم المؤلِّف ذُكِرَ في خاتمة النّسخة (ب) حيث جاء فيها: "نجز ما ألّفه الشّيخ الإمام شمس الدّين محمّد بن حسن بن سباع الصّايغ رحمه الله تعالى". 5- أنّ اسمه مكتوبٌ على غلاف النّسختين، وإن لم يكن واضحًا في (أ) .

_ 1 يُنظر: تأريخ ابن الورديّ 2/386، والوافي بالوفيات 2/362، وفوات الوفيات 3/326، وطبقات ابن قاضي شُهبة 87، والدّرر الكامنة 4/40، وتاج التّراجم 258. 2 يُنظر: ص 544، 568 من النّصّ المحقّق؛ وحاشية ياسين 1/112، 1/192.

المبحث الثاني: منهج المؤلف في الكتاب

المبحث الثاني: منهج المؤلّف في الكتاب إنّ أيّ مؤلِّفٍ - في الغالب - لا بدّ أنْ يصدِّر مؤلَّفه بمقدّمة يبيّن فيها سمات منهجه الّذي سار عليه في كتابه. أمّا الصّايغ - رحمه الله - فلم يفعل شيئًا من ذلك؛ ولذا لا بدّ أن نستقري الكتاب، ومن خلال هذا الاستقراء نستطيع أن نوضّح المنهج العام الّذي اتّبعه في هذا الكتاب. ويمكننا أن نلخّص منهج الصّايغ في شرحه للملحة في النّقاط التّالية: 1- دأب الشّارح على ذكر اسم الباب، ثمّ يذكر الأبيات المتعلّقة به من (ملحة الإعراب) ، ثمّ يتبعها بالشّرح. 2- اختلفت طريقته في تناوله لأبيات (الملحة) ؛ فيذكُر بيتًا1، أو بيتين2، أو أكثر3، حسب ترابُط تلك الأبيات. 3- يُلحظ عليه عدم العناية بأبيات (ملحة الإعراب) ، ويتجلّى ذلك في إهماله لتفسير معاني الألفاظ الغريبة؛ ومن أمثلة ذلك عدم تفسيره كلمة (راتكه) 4 الواردة في قول الحريريّ في باب الفاعل:

كَقَوْلِهِمْ: جَاءَتْ سُعَادُ ضَاحِكَهْ ... وَانْطَلَقَتْ نَاقَةُ هِنْدٍ رَاتِكَهْ1 وكذلك عدم تفسيره كلمة (الجبابا) 2 الواردة في قول الحريريّ في باب المفعول معه: تَقُولُ: جَاءَ الْبَرْدُ وَالْجِبَابَا ... وَاسْتَوَتْ الْمِيَاهُ وَالأَخْشَابَا3 وكذلك عدم تعريفه بالمواضع الواردة في قول الحريريّ في باب ما لا ينصرف4: مِثْلُ: حُنَيْنٍ ومِنًى وَبَدْرِ ... وَوَاسِطٍ وَدَابِقٍ وَحَجْرِ5 4- يُكثر من التّعليلات النّحويّة؛ كقوله: "والحرف سمّي حرفًا لاستغناء الاسم والفعل عنه في انعقاد الجمل؛ فصار بمنزلة الأخير، وآخر كلّ شيءٍ حرفه"6. وكقوله: "أصل الاسم الإعراب؛ وذلك لدلالته بصيغة واحدة على معانٍ مختلفة، فاحتيج إلى إعرابه؛ لتبيين تلك المعاني، والبناء فيه فرع. والفعل أصله البناء؛ لدلالته بالصّيغ المختلفة على المعاني المختلفة،

فأغنى اختلاف صيغه عن إعرابه، والإعراب فيه فرع"1. وكقوله: "وقيل: اختير للفاعل الرّفع، وللمفعول النّصب، لثقل الضّمّة وخفّة الفتحة"2. 5 - يعرض أقوال النّحاة وخلافاتهم كثيرًا3، ويختار أحد الأقوال أحيانًا4، ويدلّل لبعض الآراء الّتي يختارُها5. 6- قد يشرح بعض الكلمات الغريبة في الشّواهد الشّعريّة؛ كقوله بعدذكره لقول الشّاعر: وَلاَ تَرَى بَعْلاً وَلاَ حَلائِلاَ ... كَهُ وَلاَ كَهُنَّ إِلاّ عَاضِلاَ (أي: غيورًا) 6. وكذلك قوله بعد ذكره لقول الشّاعر: لَوَاحِقُ الأقْرَابِ فِيهَا كَالْمَقَقْ (أي: فيها مقق، وهو: الطّول) 7.

كما يشرح أحيانًا بعض الكلمات الغريبة في الأمثلة الّتي يذكُرها؛ فمن ذلك قولُه: "ولم يصرف أدهم" - للقيد - نظرًا إلى كونه صفةً في الأصل، و (أجدل) للصّقر، و (أخيل) للطّائر ذي خيلان، و (أفعى) لضربٍ من الحيّات) 1. وكقوله: "والمراد بالوزن الخاصّ بالفعل ما لا يوجد دون ندور في غير فعلٍ، أو علم، أو أعجميّ؛ فالنّادر نحو: (دئل) لدويبة، و (ينجلب) لخرزة، و (تبشّر) لطائر"2. وكقوله: "يمنع من الصّرف اجتماع التّعريف والعدل، وهذا اسم عدل به عن صيغة (فاعل) إلى (فُعَل) ، نحو: (مضر) المعدول به عن (ماضر) ، وهو مازج اللّبن بالماء، و (جشم) المعدول به عن (جاشم) وهوالّذي يفعل الشّيء علىاستثقال، و (دلف) المعدول به عن (دالف) وهو المتأخّر الخطو، و (زحل) وهو النّجم المعروف بالطّارق، عدل به عن (زاحل) لأنّه أبعد الكواكب السّيّارة"3. 7- يورد الشّاهد الشّعريّ، أو شطره، أو قطعة منه، ويذكر قائله أحيانًا. 8- يعرّف في الغالب بالباب الّذي سيشرحُه تعريفًا لغويًّا

واصطلاحيًّا، ومن ذلك تعريفُه كلاًّ من الإعراب1، والتّرخيم2، وعطف النّسق3، والتّوكيد4، وعطف البيان5، وما لاينصرف6. 9- يزيد بعض الأبواب الّتي لم يذكرها الحريريّ أحيانًا، مثل باب أفعل الّذي للتّفضيل7. 10- ينقُل كثيرًا من (شرح الألفيّة) لابن النّاظم8، و (شرح ملحة الإعراب) للحريريّ9، دون إشارة إلى المصدر؛ فينقل نصوصًا كاملة، ونادرًا ما يتصرّف فيها.

_ 1 يُنظر: ص 147، 148 من النّصّ المحقّق. 2 يُنظر: ص 631 من النّصّ المحقّق. 3 يُنظر: ص 689 من النّصّ المحقّق. 4 يُنظر: ص 705 من النّص المحقّق. 5 يُنظر: ص 737 من النّصّ المحقّق. 6 يُنظر: ص 743، 744 من النّصّ المحقّق. 7 يُنظر: 415 من النّصّ المحقّق. 8 يُنظر مثالاً على ذلك: ص 357، 382، 568 من النّصّ المحقّق. 9 يُنظر مثالاً على ذلك: 100، 152، 527 من النّصّ المحقّق.

المبحث الثالث: مصادره

المبحث الثالث: مصادره لا شكّ أنّ الصّايغ قد رجع كغيره إلى كتب النّحاة السّابقين، وأفاد منها؛ وقد انعكس ذلك على عمله هذا - وإن كان قليل التّنصيص على ذكر تلك المصادر - فقد أورد أقوالاً وآراء معزوّة إلى بعض أئمّة النّحو، كسيبويه، والخليل، ويونس، والمبرّد، والمازنيّ، وابن السّرّاج، وابن جنّي، والفرّاء، والسّيرافيّ، وابن بابشاذ. وتارة يذكُر هذه الأقوال دون أن يعزوها إلى عالم بعينِه، وإنّما يكتفي بقوله: "قال بعضُ النّحاة" أو: "قال بعضُهم" أو: "قال غيره" أو: "ومنهم من قال"، إلى آخر ما ذكر من الإحالات. ومِن هُنا يصعُب على الباحث أنْ يحصُر هذه المصادر الّتي اعتمد عليها في هذا الشّرح، ويظهر لي أنّ أهمّ مصدر استقى منه الشّارح هو "شرح الألفيّة" لابن النّاظم، ويتمثّل هذا في نقله عنه دون إشارة في الغالب، فينقل نصًّا كاملاً، ونادرًا ما يتصرّف فيه1. ومع كثرة نقوله عن ابن النّاظم لم يصرّح بالنّقل عنه إلاّ مرّتين2. ونقل عنه مرّتين3مصدّرًا نقله بقوله: "قال شيخُنا"، وبالرّجوع إلى "شرح الألفيّة" لابن النّاظم وجدنا النّصّ كاملاً؛ وهذا يدلّ على أنّه

هو المقصود بقوله: "شيخُنا". وهناك مصدرٌ آخر استقى منه الشّارح كثيرًا، ألا وهو "شرح ملحة الإعراب"1 للحريريّ، وطريقته في النّقل عنه كطريقته مع شرح ابن النّاظم. كما اعتمد على كتاب سيبويه؛ فقد أثبت كثيرًا من آرائه، وأقواله، وما حكاه عن العرب، وما أنشده، وما تضمّنه الكتاب من أقوال الخليل ويونس. من ذلك قوله في باب التّصغير: " ... وفي إبراهيم وإسماعيل: بريه، وسميع، نصَّ على ذلك سيبويه في كتابه"2. وقوله في باب النّسب: "كقولك في (ثبة) و (مكّة) و (أخت) : ثُبيّ، ومكّيّ، وأخويّ؛ هذا مذهب سيبويه والخليل - أعني: قولك في أخت: أخويّ -، ويونس يقول: أختيٌّ"3. وقال في باب حروف الجرّ عند حديثه عن (من) : "وتكون زائدة في الموجب، وهو مذهب الأخفش، وسيبويه لا يرى ذلك"4. وقال - أيضًا - في باب حروف الجرّ عند حديثه عن (مذ) و (منذ) : "فإذا أتى بعدهما

قال سيبويه: وممّا يُضاف إلى الفعل قولُك: ما رأيتُه مذ كان عندي، ومنذ جاءني"1. إلى غير ذلك ممّا أخذ من كتاب سيبويه2. كما نصّ على النّقل عن الزّمخشري3؛ وبالرجوع إلى كتب الزّمخشري تبيّن أنّ هذا النّقل من "المفصّل". كما نصّ على النّقل عن ابن برهان4 وبالرجوع إلى كتب ابن برهان تبيّن أن هذا النّقل من "شرح اللّمع". كما نصّ على النّقل عن ابن بابشاذ5 وبالرجوع إلى كتب ابن بابشاذ تبيّن أنّ هذا النّقل من "شرح الجمل" وهو مخطوط.

_ 1 يُنظر: ص 236 من النّصّ المحقّق. 2 يُنظر مزيدٌ من ذلك في: ص 387، 433، 604، 640، 821، 869، 870، 872 من النّصّ المحقّق. 3 يُنظر: ص 367 من النّصّ المحقّق. 4 يُنظر: ص 565 من النّصّ المحقّق. 5 يُنظر: ص 515، 902 من النّصّ المحقّق.

المبحث الرابع: شواهده

المبحث الرابع: شواهده إنّ أهمّ الأدلّة على القواعد النّحويّة هو السّماع؛ ويتمثّل في الآيات القرآنية، والأحاديث النّبويّة، وكلام العرب الفصحاء الّذين يحتجّ بكلامهم شعرًا أو نثرًا؛ وسأفصّل الكلام على كلٍّ فيما يلي: 1- القرآن الكريم: ليس من شكٍّ أنّ كلامَ الله - تعالى - الّذي أُنزل على نبيّه محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - هو في المرتبة الأولى من الفصاحة والبلاغة؛ ولذلك نجد الصّايغ يُكثر من الاستشهاد به؛ فلا تكاد تجد بابًا من الأبواب يخلو من الآيات القرآنيّة؛ فقد بلغ عدد الآيات الّتي استشهد بها في هذا الكتاب اثنتين وثلاثين ومائتي آية تقريبًا، عدا المكرّرة؛ وهذا ممّا يُحمد للصّايغ فقلَّ أن تجد موضوعًا لا يستشهد فيه بآية كريمة أو آيات. وكان منهجه في عرض الشّواهد القرآنيّة: أنّه يذكر الآية كاملة، وأحيانًا يذكر جزءًا من الآية وهو موطن الشّاهد. وقد استدلّ بالقراءات القرآنيّة المتواترة منها، والشّاذة. وكان في أكثر المواضع لا يعزو القراءة، وإنّما يكتفي بقوله: "وقرأ الباقون"1 أو: "وقراءة الباقين"2 أو: "وفي بعض المصاحف"3

أو: "قرئ"1 أو "قراءة بعضهم"2. 2- الحديث الشّريف: حذا الصّايغ حذو ابن مالك - رحمهما الله تعالى - في الاستدلال بالأحاديث النّبويّة الشّريفة؛ فيستدلّ بها على إثبات قاعدة نحويّة، وينصر بها مذهبًا نحويًّا، أو يحتجّ بها على آخر. وكان عدد ما أورده اثني عشر حديثًا؛ وكذا الأمر بالنّسبة لما روي عن الصّحابة - رضي الله تعالى عنهم -؛ فقد أورد من ذلك ثلاثة آثار. 3- كلامُ العرب: 1- الشّعر: احتجّ الصّايغ - رحمه الله تعالى - في كثير من المسائل النّحويّة بالشّعر، وقد بلغ عددُ الأبيات الّتي استشهد بها تسعة وثلاثين وأربعمائة بيت عدا المكرّر؛ وهو عددٌ كبير إذا ما قيس بحجم الكتاب. وقد اشتملت هذه الشّواهد على أبيات قليلة الذّكر في كتب النّحو المتداولة، وعلى أبيات أخرى لم أقف عليها في مكان آخر. فمن النّوع الأوّل: فَإِنْ يَكُ خَيْرٌ أَوْيَكُن ْبَعْضُ رَاحَةٍ ... فَإِنَّكَ لاَقٍ مِنْ هُمُومٍ وَمِنْ كَرْبِ3

وقول بشامة بن الغدير: مِنْ عَهْدِ عَادٍ كَانَ مَعْرُوفًا لَنَا ... أَسْرُ المُلُوكِ وَقَتْلُهَا وَقِتَالُهَا1 وقول الشّاعر: وَلَقَدْ أَعْطِفُهَا كَارِهَةً ... حَيْث ُلِلنَّفْسِ مِن المَوْت هَرِيْرُ2 ومن النّوع الثّاني: قول الشّاعر: فَاقْر ِالهُمُوم َقَلاَئِصًا عَبْدِيّةً ... تَطْوِي الفَيَافِي بِالْوَجِيْفِ الْمُعْنِقِ3 وقول الرّاجز: وَلاَ تُخَالِفْ ثِقَةً فَتَنْدَمَا4 ومن ملامح منهجه في إيراد الشّواهد الشّعريّة ما يلي: 1- يورد البيت كاملاً، وفي بعض الأحيان يورد شطْرًا منه. 2- لا ينسب البيت إلى صاحبه غالبًا، وإنّما يكتفي بقوله: "كقول الشّاعر"5 أو: "كقول الآخر"6 أو: "ومنه قول الشّاعر"7.

أو "ومنه قول الآخر"1. 3- لا يبيّن وجه الاستشهاد من البيت الّذي أورده؛ معتمدًا على فهم القارئ من خلال السّياق. 2- أقوال العرب وأمثالهم: كان لأقوال العرب وأمثالهم في هذا الكتاب نصيبٌ موفور؛ إذْ بلغت خمسة وأربعين قولاً ومثلاً.

_ 1 ينظر: ص 585 من النّصّ المحقّق.

المبحث الخامس: موازنة بين اللمحة وشرح الحريري على الملحة

المبحث الخامس: موازنة بين اللّمحة وشرح الحريريّ على الملحة في هذا المبحث سأعقد موازنة بين شرحي الصّايغ والحريريّ للملحة، لتبيّن ما امتاز به كلّ منهما عن صاحبه في المنهج، والأسلوب، والاستشهاد، وما إلى ذلك. وإنّما اخترتُ الحريريّ من بين الشرّاح؛ لأنّه صدر هذا الشأن وصاحبه، فهو ناظم (الملحة) ، وهو أوّل من شرح هذه المنظومة فيما يظهر لي، كما أنّ شرحه أفضل الشّروح الّتي وقفت عليها قبل شرح الصّايغ. أوّلاً- موازنة عامّة: بعد القراءة المتأنّية لكلٍّ من (شرح ملحة الإعراب) للحريريّ و (اللّمحة في شرح الملحة) للصّايغ خرجتُ بما يلي: 1- اتّفق الشّرحان في خلوّهما من مقدّمة يُبيّن فيها المنهج الّذي سارا عليه، والمعالم الأساسيّة لذلك. 2- توخّى الحريريّ في شرحه للملحة الاختصار، بينما اتّسم شرح الصّايغ بالتّوسّع؛ ويمكن معرفة هذا من خلال النّقاط التّالية: أ- استشهد الحريريّ بتسع عشرة ومائتي آية بما في ذلك الآيات المكرّرة، واستشهد الصّايغ بثلاث وأربعين ومائتي آية بما في ذلك الآيات المكرّرة. ب- استشهد الحريريّ بثلاثة أحاديث، ولم يستشهد بأي أثرٍ

من الآثار المرويّة عن أحد الصّحابة رضي الله عنهم. واستشهد الصّايغ باثني عشر حديثا، وثلاثة آثار من آثار الصّحابة رضوان الله عليهم. ج- استشهد الحريريّ بثلاثة وثمانين بيتا من الشّعر، واستشهد الصّايغ بتسعة وخمسين وأربعمائة بيت، بما في ذلك الأبيات المكرّرة. د- استشهد الحريريّ بخمسة أقوال من الأقوال المرويّة عن العرب، واستشهد الصّايغ بخمسة وأربعين قوْلاً. هـ- شَرْح الصّايغ تكثُر فيه الخلافات النّحويّة، وأقوال النّحاة؛ أمّا شرح الحريريّ فقد ندر فيه التّعرّض للخلافات النّحويّة. 3- التزم الحريريّ التزاما تاما بترتيب أبواب (الملحة) ، والحديث عن كلّ حكم عند ذكره للبيت الّذي يتناوله. أمّا الصّايغ فقد التزم بترتيب أبواب (الملحة) ، إلاّ أنّه أضاف بعض الأبواب، كدمجه (باب أفعل التّفضيل) مع (حبّذا) تحت باب واحد هو (باب حبّذا وأفعل الّذي للتّفضيل) ، وقسّم ما سمّاه الحريريّ (باب حروف الجرّ) إلى ثلاثة أبواب؛ وهي: (باب حروف الجرّ) ، وبعده (باب رُبَّ) ، وبعده (باب القسَم) . وكذلك لم يلتزم دائما بشرح الأحكام في كلِّ بيتٍ من أبيات (الملحة) . 4- اقتصر الحريريّ على ما ورد في (الملحة) ، وتعرّض لإعراب بعض الكلمات الواردة فيها، وفسّر بعض الكلمات الغريبة.

أمّا الصّايغ فقد توسّع توسعا كبيرًا في الشّرح، إلى درجة أنّ القارئ لهذا الكتاب لا يتصوّر أنّه شرحٌ لـ (ملحة الإعراب) بل هو شرحٌ لـ (ألفيّة ابن مالك) ؛ إذْ إنّه نقل من ابن النّاظم في شرحه على (الألفيّة) نقولاً كثيرة دون التّصريح بذلك. وكذلك لم يذكر الصّايغ إعراب أيّ كلمة من كلمات (الملحة) ، لكنّه فسّر بعض الكلمات، وترك كثيرًا ممّا يحتاج إلى ذلك. 5- لم يهتمّ الحريريّ اهتماما واضحا بالتّعليلات النّحويّة، بخلاف الصّايغ الّذي اهتمّ بها. 6- يتّضح في شرح الحريريّ متانة الأسلوب، وجمال العبارة، ونصاعتها؛ لتوخِّيه الإيجاز من ناحية، ولأنّه من فرسان البيان العربيّ. أمّا الصّايغ فقد تفاوت أسلوبه من حين لآخر؛ فبينما تراه قويا سلسا في موضع، تجده واهنا ركيكا في موضع آخر. ثانيا- موازنة خاصّة في بعض الأبواب: لزيادة البيان والإيضاح رأيتُ أن أقدِّم بين يدي القارئ الكريم موازنة في بعض الأبواب بين هذين الشّرحين؛ بغية التّوصّل من خلالها إلى إبراز قيمة هذا الشّرح؛ وقد اخترت لذلك الأبواب التّالية: 1- باب حروف1الجرّ: قسّم الصّايغ هذا الباب إلى ثلاثة أبواب؛ فجعل ما يتعلّق بـ (رُبَّ)

في باب سمّاه (باب رُبَّ) ، وجعل ما يتعلّق بالقسَم في باب آخر سمّاه (باب القسَم) ، ومرادُه به حروف القسَم. أمّا الحريريّ فجعل هذه الأبواب تحت بابٍ واحدٍ هو باب حروف الجرّ. وقد خرجت من هذه الموازنة بما يلي: 1- بلغت الآيات القرآنيّة الّتي استشهد بها الصّايغ أربعا وثلاثين آية، على حين بلغت عند الحريريّ اثنتي عشرة آية. 2- استشهد الصّايغ في هذا الباب بخمسة أقوال من أقوال العرب، على حين لم يستشهد الحريريّ بشيء من ذلك. 3- بلغت الشّواهد الشّعريّة الّتي استشهد بها الصّايغ في هذا الباب تسعة وخمسين بيتا، على حين بلغت عند الحريريّ سبعة أبيات. 4- بلغ عدد أسماء النّحاة والشّعراء الّذين ذكرهم الصّايغ في هذا الباب خمسة وعشرين علَما، على حين ذكر الحريريّ ثلاثة شعراء فقط. 5- توسّع الصّايغ في تناوُله لمعاني حروف الجرّ توسّعا كبيرًا، فأورد لكلّ حرف ما يتعلّق به من معان، مستشهدًا لمعظم تلك المعاني، أمّا الحريريّ فقد اقتصر على المعاني المشهورة لكلّ حرف فقط. 6- ذكر الصّايغ بعض المسائل الخلافيّة المتعلّقة بحروف الجرّ، بخلاف الحريريّ. 7- يحسُن بنا أن نورِد نصا من كلام الصّايغ في هذا الباب، وما يقابله عند الحريريّ؛ لتبيين معالم المنهج الّذي سلكاه في معالجة مسائل هذا الباب.

قال الصّايغ1 في معاني (من) : "وابتدأ بذكر (من) لأنّها أمّ الباب، وهو حرف جرّ يدخُل على الظّاهر وعلى المضمَر، تقول: أخذت من زيدٍ، وسمعتُ منه؛ وله معانٍ: أحدها: ابتداء الغاية في المكان، كقوله: قمت من الدّار، وللتّبعيض، كقولك: أنفقت من المال، ولتمييز الشّيء من غيره، كقولك: أحبّ الحمام من الطّير؛ وتكون سببيّة، كقولك: من أجل السّلامة أطلتُ الصّمت، ومنه قولُ الفرزدق: يُغْضِي حَيَاءً ويُغْضَى مِنْ مَهَابَتِه ... فَلاَ يُكَلَّمُ إِلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ وتقع مكان باء القسَم، كقولهم: من ربّي ما فعلتُ ذلك، أي: بربّي أقسمتُ. وتكون زائدة، ويُشترط لذلك أن تكون بعد حرف نفي، كقوله- تعالى-: {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} ، أو بعد استفهام كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ} ؛ وتكون زائدة في الموجب، وهو مذهب الأخفش، وسيبويه لا يرى ذلك، ومنه قول إياس بن الأرتّ: فَإِنْ يَكُ خَيْرٌ أَوْ يَكُنْ بَعْضُ رَاحَةٍ ... فَإِنَّكَ لاَقٍ مِنْ هُمُومٍ وَمِنْ كَرْبِ وتقع مكان (على) كقوله - تعالى -: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} أي: على القوم. وتكون مكان (الباء) كقوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}

أي: بأمر الله. وقد تكون دالاًّ على ضرْبٍ من النّعت، كقوله - تعالى -: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} أي: الرّجس الوثنيّ. وتكون بمعنى (في) كقوله - تعالى -: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} . وتقع لابتداء الغاية في الزّمان، كقول امرئ القيس: لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الْحِجْرِ؟ ... أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ دَهْرِ وكقول الآخر: مِنْ عَهْدِ عَادٍ كَانَ مَعْرُوفا لَنَا ... أَسْرُ المُلُوكِ وَقَتْلُهَا وَقِتَالُهَا". وقال الحريريّ1: "و (من) تأتي في الكلام على أربعة معانٍ: أحدها: أن تقع بمعنى الابتداء المختصّ بالمكان الّتي تقابلها (إلى) الّتي يختصّ بها انتهاء الغاية، كقولك: سرتُ من البصرة إلى مكّة. والثّاني: أن تكون للتّبعيض، كقولك: شربت من النّهر. والثّالث: أن تأتي لتبيين الجنس، كقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} . الرّابع: أن تأتي زائدة، كقولك: ما جاءني من أحد؛ فإنْ قلتَ: "ما جاءني من رجل" فليست زائدة في هذا الموضع، بل هي جاعلة اسم الشّخص للنّوع، وتنزل منزلة قولك: "ما جاءني أحد" الّذي معناه نفي النّوع.

والفائدة في دخولها في هذا الكلام: استغراقُ النّفي؛ لأنّ الكلام كان يحتمل قبل دخولها أن يكون: ما جاءك رجل بل جاءك اثنان أو جماعة". فقد تبيّن من خلال هذين النّصّين أنّ الصّايغ قد أورد أحد عشر معنا ل (من) ، بينما اقتصر الحريريّ على أربعة معان. كما أنّ الصّايغ قد أولى الشّواهد عناية واضحة، خلافا للحريريّ الّذي لم يعن عناية كبيرة بالاستشهاد لما ذكره من معان. كما تعرّض الصّايغ لشيء من الخلاف بين النّحاة في بعض تلك المعاني، أمّا الحريريّ فلم يتعرّض لشيء من ذلك. 2- باب الاستثناء1: 1- بلغت الآيات القرآنيّة الّتي استشهد بها الصّايغ في هذا الباب ثلاث آيات، بينما بلغت عند الحريريّ أربع آيات. 2- استشهد الصّايغ في هذا الباب بثلاثة أحاديث، بينما لم يستشهد الحريريّ بأيّ حديث في هذا الباب. 3- استشهد الصّايغ في هذا الباب بقولٍ واحدٍ من أقوال العرب، بينما لم يستشهد الحريريّ بأيّ قولٍ من أقوال العرب. 4- بلغت الشّواهد الشّعريّة الّتي استشهد بها الصّايغ في هذا الباب اثني عشر بيتا، بينما بلغت عند الحريريّ بيتين.

5- بلغ عدد أسماء النّحاة والشّعراء الّذين ذكرهم الصّايغ تسعة أعلام، بينما ذكر الحريريّ شاعرين فقط. 6 للوقوف على طرفٍ من منهج الرّجلين في معالجة هذا الباب نورِد بعضا ممّا ذكراه في شرح هذين البيتين: وَكُلُّ مَا اسْتَثْنَيْتَهُ مِنْ مُوْجَبِ ... تَمَّ الكَلاَمُ عِنْدَهُ فَلْيُنْصَبِ تَقُولُ: جَاءَ القَوْمُ إِلاَّ سَعْدَا ... وَقَامَتِ النِّسْوَةُ إِلاَّ هِنْدَا1 إذْ قال الصّايغ2: "الاستثناء هو: إخراج شيءٍ ممّا دخل فيه غيرُه، أو إدخال شيء فيما خرج منه غيرُه، والاسم المستثنى ضدّ المستثنى منه. والاستثناء نوعان: متّصل، ومنقطع. فالمتّصل: إخراج مذكور بـ (إلاّ) أو ما في معناها من حكم شامل، أو ملفوظٍ به، أو مقدّر. فـ (الإخراج) جنس يشمل نوعي الاستثناء، ويخرج الوصف بـ (إلاّ) ، كقوله - تعالى -: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ؛ فقوله: "إخراج مذكور" ولم يقل: إخراج اسم: ليعمّ استثناء المفرد، نحو: (قام القوم إلاَّ زيدًا) ، واستثناء الجملة لتأوّلها بالمشتقّ، نحو: (ما مررت بأحدٍ إلاّ زيدٌ خيرٌ منه) ". وقوله: "? (إلاّ) أو ما في معناها) ليخرج التّخصيص ونحوه، ويدخل

الاستثناء بـ (غير) و (سوى) و (حاشا) و (خلا) و (عدا) و (ليس) و (لا يكون) . وقوله: "من حكم شامل له" ليخرج الاستثناء المنقطع. وقوله: "ملفوظ به أو مقدّر" ليتناول الحدّ الاستثناء التّامّ والمفرّغ. والاستثناء التّامّ هو: أن يكون المخرج منه مذكورًا، نحو: (قام القوم إلاّ زيدًا) . والمفرّغ هو: أن يكون المخرج منه مقدّرًا في قوّة المنطوق به، نحو: (ما قام إلاّ زيد) ، التّقدير: ما قام أحدٌ إلاَّ زيدٌ. والمنقطع هو: الإخراج ب (إلاّ) أو (غير) أو (بيد) لما دخل في حكم دلالة المفهوم.... والنّاصب هو: (إلاّ) لا ما قبلها بتقويتها، ولا به مستقلاًّ، ولا باستثني مضمَرًا، خلافا لزاعمي ذلك. والسّيرافيّ يذهب إلى أنّ النّاصب هو ما قبل (إلاّ) من فعل أو غيره بتعدية (إلاّ) . وذهب ابن خروف إلى أنّ النّاصب هو ما قبل (إلاّ) على سبيل الاستقلال. وذهب الزّجّاج إلى أنّ النّاصب (استثني) مضمرًا". وقال الحريريّ1: "معنى الاستثناء: إخراج الشّيء ممّا دخل فيه

غيرُه، أو إدخاله فيما خرج منه غيره؛ فالاسم المستثنى أبدًا ضدّ المستثنى منه. وللاستثناء عدّة أدوات، إلاّ أنّ حرفه المستولي عليه: (إلاّ) ، ولا يخلو حال الكلام قبل أن ينطق المتكلِّم ب (إلاّ) من قسمين: أحدهما: أن يكون منقطعا. الثاني: أن يكون تاما. فإن كان منقطعا مرتبطا بما بعد (إلاّ) لم تعمل (إلاّ) شيئا من الإعراب، بل يكون إعراب ما بعدها كإعرابه لو لم تذكر، وذلك كقولك: (ما قام إلاّ زيد) و (ما ضربت إلاّ زيدًا) و (ما مررت إلاّ بزيد) ؛ ف (إلاّ) هاهنا أفادت إثبات القيام لزيد، وإيقاع الضّرب به، وحصول المرور به، من غير أن تحدث إعرابا.... وأمّا إذا كان ما قبل (إلاّ) كلاما تاما فلا يخلو من قسمين: أحدهما: أن يكون موجبا. والثّاني: أن يكون غير موجب. فإنْ كان موجبا كقولك: (جاء القوم إلاّ سعدًا) نصبت ما بعد (إلاّ) ، وكان النّاصب له الفعل الّذي هو: (جاء) ، لكن نصبه بواسطة (إلاّ) كما ينصب الفعل المفعول معه بواسطة الواو. وعند بعضهم: أنّ (إلاّ) هي النّاصبة، وأنّ تقدير الكلام: جاء القوم أستثني زيدًا، أو: لا أعني زيدًا". فواضح من خلال هذين النّصّين أنّ الصّايغ عني بتعريف المصطلحات، وإخراج محترزات كلّ تعريف، بخلاف الحريريّ الّذي اقتصر على تعريف الاستثناء.

واتّفقا في ذكر أقسام الاستثناء، وذكر الخلاف في ناصب المستثنى، لكنّ الصّايغ توسّع في بيان الخلاف ناسبا كلّ قول إلى صاحبه. 3- باب نواصب الفعل1: 1- بلغت الآيات القرآنيّة الّتي استشهد بها الصّايغ إحدى وعشرين آية، بينما بلغت عند الحريريّ سبع آيات. 2- أورد الصّايغ ثلاث قراءات، ناسبا كلّ قراءة إلى مَن قرأ بها؛ أمّا الحريريّ فقد ذكر قراءة واحدة، دون ذكر مَنْ قرأ بها، وإنّما اكتفى بقوله: (وقرىء) . 3- استشهد الصّايغ في هذا الباب بقولين من أقوال العرب؛ بينما لم يستشهد الحريريّ بأيّ قولٍ من أقوال العرب. 4-بلغت الشّواهد الشّعريّة الّتي استشهد بها الصّايغ في هذا الباب ستّة عشر بيتا، بينما بلغت عند الحريريّ ثلاثة أبيات. 5- بلغ عدد أسماء النّحاة والشّعراء والقرّاء الّذين ذكرهم الصّايغ في هذا الباب عشرة أعلام، بينما ذكر الحريريّ شاعرين فقط. 6- أورد الصّايغ بعض المسائل الخلافيّة في هذا الباب، بينما لم يورد الحريريّ أيّ مسألة. 7- ينبغي أن نورد نصا من كلام الصّايغ في هذا الباب، وما يقابله عند الحريريّ؛ للوُقوف على طريقة تناولهما لمسائل هذا الباب.

فقد قال الصّايغ1 في الحرف النّاصب (لن) : "وأمّا (لن) فهي عند سيبويه مفردة، وعند الخليل مركّبة، وأصلُها عنده: (لا أن) ، فحذفت الهمزة تخفيفا والتقى ساكنان؛ وهما: الألف والنّون؛ فحذفت الألف لذلك، وبقي (لن) ؛ والصّحيح ما ذهب إليه سيبويه. وهي لفظة نفي وضعت لجواب الفعل المقترن بأحد حرفي التنفيس؛ وهما: السّين وسوف، ف (لن يخرج زيد) جواب من قال: سوف يخرج، أو سيخرج. وتختصّ (لن) دون أخواتها بأن يتقدّم عليها مفعول الفعل الّذي نصبته، كقولك: (زيدًا لن أضرب) ، وأجمعوا على ذلك، وعلى أنّ معناها نفي الفعل المستقبل". وقال الحريريّ2: "وأمّا (لن) فهي لفظة نفي وُضعت لجواب حرفي التّنفيس اللّذين هما: السّين، وسوف؛ فكأنّ قولك: (لن يخرج زيد) هو جواب مَن قال: سوف يخرج، أو سيخرُج. وتختصّ (لن) دون أخواتها بجواز أن يتقدّم عليها مفعول الفعل الّذي نصبته، كقولك: (زيدًا لن أضرب) ". فالنّاظر لهذين النّصّين يرى أنّ الصّايغ والحريريّ قد اتّفقا في ذكر وظيفة هذه الأداة، وخصوصيّتها على بقيّة أخواتها، وزاد الصّايغ عليه

بذكر أصل بنيتها: أهي مركّبة أم بسيطة؟ مع التّرجيح. وبعد؛ فمن خلال هذه الموازنات يتبيّن تفوّق الصّايغ في شرحه ل (ملحة الإعراب) على الحريريّ؛ ليس في جانب واحد فحسْب، بل في سائر مقوّمات الشّرح الوافي. والحمد لله أوّلاً وآخرًا.

المبحث السادس: تقويم الكتاب

المبحث السادس: تقويم الكتاب الكلام في هذا المبحث يتناول شيئين؛ وهما: مميّزات الكتاب، والمآخذ عليه. فأقول - بعد الاستعانة بالله-: أوّلاً- مميّزات الكتاب: تميّز هذا الشّرح عن بقيّة شروح (ملحة الإعراب) الّتي وقفتُ عليه بأكثر من ميزة؛ وأهمّ هذه المميّزات ما يلي: 1- التّوسّع في الشّرح قياسا على نظائره من شروح (ملحة الإعراب) ؛ فبالرّغم من أنّ (ملحة الإعراب) منظومة مختصرة ألّفها الحريريّ للمبتدئين، إلاّ أن شرح الصّايغ لها جعل منها عملاً علمياً حافلاً؛ وخيرُ دليلٍ على هذا: كثرة شواهده، فلقد استشهد بقدر كبير من جميع الشّواهد - كما تقدّم - وممّا يدلّ على توسّع الصّايغ أيضا: كثرة إيراده المسائل الخلافيّة، ومناقشته لكثيرٍ من القضايا النّحويّة؛ فلقد تردّد في هذا الكتاب أسماء أشهر النّحاة منذ بدء النّحو إلى عصر المؤلِّف. ويُضاف إلى ذلك أيضا: إيرادُه بعض لغات القبائل العربيّة. 2- الدّقّة في نسبته الأقوال إلى أصحابها غالبا. 3- تفرد الكتاب ببعض الشّواهد الشّعريّة الّتي لم أجدها في غيره،

وببعض الشّواهد قليلة الذّكر في كتب النّحو المتداولة1. ثانيا- المآخذ عليه: لا يسلَم أيّ عملٍ بشري في الغالب من الخطأ والنّقص والخلَل، ولا غرابة في هذا؛ لأنّ الإنسان يتعرّض للسّهو والنّسيان والخطأ. والصّايغ في أثناء تأليفه لهذا الكتاب وقع في بعض هذه الأشياء؛ وها أنذا أعرضها فيما يلي، رجاءَ أن ينفع الله بها، وأن يغفر لنا الزّلل، وأن يصلح لنا الخلَل. 1- اعتمد في شرحه على (شرح ملحة الإعراب) للحريريّ، و (شرح الألفيّة) لابن النّاظم اعتمادًا كبيرًا، وكان الأولى أن يصرّح بما نقله منهما، وبخاصّة أنّه ينقُل أحيانا نصوصا كاملة دون تصرّف فيها، ومع ذلك لا يُشير إلى المنقول منه. 2- أخطأ في نسبة بيت إلى امرئ القيْس؛ وهو قولُه: لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الْحِجْرِ؟ ... أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ دَهْرِ2 والصّحيح: أنّه لزُهير بن أبي سُلمى. وكذلك أخطأ في نسبة بيتٍ إلى الطّرمّاح؛ وهو قولُه: لاَ يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إِلَى الإِحْجَامِ ... يَوْمَ الْوَغْى مُتَخَوِّفا لِحِمَامِ3

والصّحيح: أنّه لقطريّ بن الفجاءة؛ وهو تابعٌ في هذا الخطأ لابن النّاظم1 رحمه الله تعالى. 3- منهجه لم يكن على وتيرة واحدة؛ فتارةً يكون قويا في منهجه، ويستقصي كلّ الشّواهد في المسألة، وتارة أُخرى نراه يقتضب الحديث ويختصر فيه. 4- يُلحظ في منهج الصّايغ أنّه عندما يقوم بتقسيم المسائل فإنّه يذكُر أحد الأقسام، ثمّ يُغفِل باقي الأقسام؛ وهذا ظاهرٌ كثير الانتشار في الكتاب. 5- عدم الاهتمام بأبيات (ملحة الإعراب) ؛ فلا يفسّر الكلمات الغامضة، ولا يعرب الكلمات المشكلة. 6- عدم الدقة في شرح كلام الحريريّ؛ فأحيانا يذكُر أبياتا من (الملحة) ، ويتكلّم عن موضوعها بشكل عامّ، ولا يتطرّق إلى المسائل الّتي ذكرها الحريريّ؛ ومن الأمثلة على ذلك: طريقة تناوله لمباحث باب الحال2، وكذلك باب الاستثناء3.

_ 1 يُنظر: شرح الألفيّة لابن النّاظم 320. 2 يُنظر: ص 375 من النّصّ المحقّق. 3 يُنظر: ص 457 من النّصّ المحقّق.

القسم الثاني: قسم التحقيق

القسم الثاني: قسم التحقيق وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ... وصف النّسخ الخطّيّة المعتمدة في التّحقيق: بعد البحث عن نسخ هذا الكتاب تمكّنت من الحصول على نسختين خطّيّتين، اعتمدتّ عليهما في تحقيق هذا الكتاب؛ وفيما يلي وصفهما: النّسخة الأولى: مصوّرة من نسخة موجودة بدار الكتب الوطنيّة بتونس، تحت رقم (671) وعدد لوحاتها أربع وستّون ومائة لوحة، وعدد الأسطر ثلاثة عشر سطرًا، في السّطر الواحد ثلاث عشرة كلمة. وقد كتبت بخطّ مشرقيّ، واضح مشكول، وميّزت أبيات (الملحة) للحريريّ من الشّرح بخطّ كبير، وعناوين الأبواب كلّها، وكلمة (فصل) مكتوبة بخط أحمر، وبعض الأبيات مكتوب بخطّ أحمر، وبعضها مكتوب بخطّ أسود وهو الأكثر. وهذه النّسخة روجعت من قِبل ناسخها؛ فكان يستدرك ما سقط منها فيكتبه في الهامش، ثم يضع في نهايته كلمة (صح) . وفي هوامشها إشارات توضّح أنّها قوبلت مع نسخة أخرى. واسم النّاسخ: إبراهيم بن عبد العالي محمود؛ وقد نُسخت في القرن التّاسع الهجريّ سنة 864هـ. وكُتب على غلاف هذه النّسخة: (كتاب شرح الملحة لابن

الصّائغ) . وقد رمزت لها بالحرف: (أ) . 2- النّسخة الثّانية: مصوّرة من نسخة موجودة بمكتبة جامعة إستانبول بتركيا، تحت رقم (1016) وعدد لوحاتها خمسون ومائة لوحة، وعدد الأسطر خمسة عشر سطرًا، في السّطر الواحد إحدى عشرة كلمة. وقد كُتبت بخطّ معتاد، واضح، وبهوامشها بعض التّصويبات، وفيها سقْط مقدارُه إحدى عشرة لوحة، يقابل في (أ) : 10/أ - 21/أ. واسم النّاسخ: عليّ بن صدَقة، وتأريخ نسخها سنة 890هـ، وقد التزم النّاسخ بوضع رمز (ص) عند أوّل النّظم، و (ش) عند الشّرح. وكُتب على غلاف هذه النّسخة: "كتاب اللّمحة في شرح الملحة للشّيخ، الإمام، العالم، وحيد دهره، وفريد عصره، شمس الدّين محمّد بن بدر الدّين بن سباع الصّايغ، عفا الله عنه، وأنار ضريحه، وأوسع ضريحه، إنّه على كلّ شيء قدير. آمين". وقد رمزت لها بالحرف: (ب) .

منهجي في التحقيق

منهجي في التّحقيق كان منهجي في تحقيق الكتاب كالتّالي: احترمتُ النّصّ؛ فلم أتدخّل فيه إلاّ بالقدر الّذي يقيم معوجًّا، أو يكمّل ناقصًا، وما أضفتُه جعلتُه بين معقوفين هكذا [] . اخترت ما سمّي بمنهج التّلفيق بين النسخ، فقابلت بين نسختي المخطوط مقابلة دقيقة، وأشرتُ إلى مواضع الزّيادة، والاختلاف، والتّحريف في كلّ منهما، وأثبتّ ما رأيته أليق بالمقام من ذلك في الصّلب، وما لا يليق بالصّلب أثبته في الحاشية، كما أشرتُ إلى مواضع السّقط، وميزّت النّصّ السّاقط من إحدى المخطوطتين بوضعه بين معقوفين هكذا [] . ميّزت أبيات النّظم بأن كتبتها بحرف كبير أسود. كتبت النّصّ وفقًا للقواعد الإملائيّة الحديثة. ضبطت الآيات القرآنيّة الكريمة، والأحاديث الشّريفة، والشّواهد الشّعريّة والنّثريّة، وأبيات النّظم، والكلمات الّتي تحتاج إلى ضبط. عزوت الآيات القرآنيّة إلى سورها، ذاكرًا رقم الآية. خرّجت القراءات القرآنيّة، ونسبتها إلى قرّائها من كتب القراءات. خرّجت الأحاديث الشّريفة والآثار من كتب السّنّة المعتمدة. خرّجت الأمثال من كتب الأمثال. خرّجت الشّواهد الشّعريّة، مبيّنًا بحر البيت، وقائله - إنْ أمكن

ذلك -، مع الإحالة إلى ديوانه إنْ وُجد، أو إلى كتب المختارات الشّعريّة، ذاكرًا وجهَ الاستشهاد فيه، مع إيراد بعض الكتب النّحويّة الّتي استشهدت به، مراعيًا في ذلك التّسلسل التّأريخيّ لوفاة مؤلّفيها. وثّقت الأقوال والآراء الواردة في الشّرح؛ بالرّجوع إلى مصنّفات أصحابها إنْ تيسّرت، وإلاّ فمن كتب النّحو المعتمدة. عرّفت بالأعلام والأماكن والبُلدان الواردة في الشّرح. شرحت الكلمات الغريبة الواردة في الشّرح؛ وذلك بالرّجوع إلى المعاجم اللّغويّة. خرّجت المسائل النّحويّة، وذلك بالرّجوع إلى مظانّها من كتب النّحو. بيّنت ما أبهمه الشّارح، وذكرتُ ما أغفله ممّا تدعو الحاجة إلى ذكره. قمت بعمل الفهارس الفنّيّة اللاّزمة الّتي تيسّر الإفادة من الكتاب. وضعت اختصاراً لأسماء بعض المصادر التي تتكرر كثيراً في التحقيق، وهي: ابن عقيل- شرح الألفيّة لابن عقيل. ابن النّاظم- شرح الألفيّة لابن النّاظم. الإتحاف- إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر للبنّا. الأشمونيّ- شرح الأشمونيّ على ألفيّة ابن مالك. حاشية ياسين- حاشية ياسين على التّصريح.

الدّرر- الدّرر اللّوامع على همع الهوامع للشنقيطيّ. شرح الجمل- شرح جمل الزّجّاجيّ لابن عصفور. شرح الرّضيّ- شرح الكافية للرّضيّ الاستراباذيّ. شرح الملحة- شرح ملحة الإعراب للحريريّ. الصّبّان- حاشية الصّبّان على شرح الأشمونيّ على ألفيّة ابن مالك. اللّباب- اللّباب في علل البناء والإعراب للعكبريّ. النّكت- النّكت في تفسير كتاب سيبويه للأعلم الشّنتمريّ. الهمع- همع الهوامع في شرح جمع الجوامع للسّيوطيّ.

النص المحقق

النص المحقق كتاب اللمحة في شرح الملحة ... بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكّلت1. [قال العبد الفقير إلى الله تعالى محمّد بن الحسن بن سِبَاع الصّايغ ـ عفا الله عنه -: أحمدُ الله، وأستعينه، وأصلِّي على رسوله محمّد وآله وصحبه] 2. قال الشّيخ، الإمام، العالِم، العلاّمة3، حجّة العرب، ولسان الأدب، أبو محمّد القاسم4 ابن عليّ بن محمّد5 الحريريّ - رحمه الله تعالى6، [وأثابه الجنَّة برحمته] 7: أَقُولُ مِنْ بَعْدِ افْتِتَاحِ الْقَوْلِ ... بِحَمْدِ ذِي الطَّوْلِ الشَّدِيدِ8 الْحَوْلِ9

يقول: إنّه قد ابتدأ بحمد الله تعالى قبل شُروعِه فيما قصده من الكلام. والحول1: البَطْش، والطَّول: المَنُّ والكرم. حَدًّا وَنَوْعًا وَ2 إِلَى كَمْ يَنْقَسِمْ؟ ... يَا سَائِلِي عَنِ الْكَلاَمِ المُنْتَظِمْ قال: أقول يا [سَائلي؛ فَأَقَامَ] 3 مُخَاطَبًا له؛ كيْلا يكون مُلْقيًا كلامَه إلى غير سَامِعٍ. والكلامُ: [ما حَصَلَ] 4 به فائدةُ السَّامع، وحَسُنَ عليه سُكُوتُ المتكلِّم. و [الحدُّ هو: الجامع] 5 المانع؛ لأنَّه مُركَّب من جنسٍ وفصل؛ فهو بالجنس يَعُمُّ ويجمع، وبالفصل يخصُّ ويَمْنع. وهو في اللّغة: المنع، [قال الشّاعر: [2/ب] لاَ تَعْبُدُنَّ إِلَهًا دُوْنَ خَالِقِكُمْ ... فَإِنْ دُعِيْتُمْ فَقُولُوا دُوْنَهُ حَدَدُ6 فهو يمنع الشّيء المحدود من الخروج إلى غيره، كما يمنع غيرَه من

الدخول إليه؛ ومنه قيل للبوّاب: حَدَّاد] 1، قال الشّاعر: يَقُولُ لِيَ الْحَدَّادُ وَهْوَ يَقُودُنِي إِلَى السِّجْنِ لاَ تَجْزَعْ فَمَا بِكَ مِنْ بَاسِ! 2 والنّوع: ما كان تحت جنسٍ كالفرع من أصله، وقد يكون جنسًا إذا اشتمل على أنواعٍ بالنّسبة إلى ما تحته. اسْمَعْ هُدِيْتَ الرُّشْدَ مَا أَقُولُ ... وَافْهَمْهُ فَهْمَ مَنْ لَهُ مَعْقُولُ فالمعقول مصدر عَقَل، ومثله من المصادر: مَيْسُورٌ، ومَعْسُورٌ، ومَخْلُوق3.

_ 1 ما بين المعقوفين ساقط من ب. 2 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لقيس بن الخطيم. يُنظر هذا البيت في: الملاحن 51، واللّسان (حدد) 3/142، (باس) 6/20، وشرح اللُّمحة البدريّة 1/203 ـ وفيه (السّجّان) بدل (الحدّاد) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية -، وتاج العروس (بأس) 15/430، وملحقات الدّيوان 34. 3 في أ: مخلوف. ووُرود المصدر بِزِنَة اسم المفعول جائز عند الجمهور ـ وإنْ كان قليلاً ـ نحو: (ميسور) من اليُسْر، و (معسور) من العُسْر، و (معقول) من العقل، و (مخلوق) من الخلق. وخالف سيبويه وغيرُه في مجيء المصدر على وزن المفعول؛ وجعل الميسور والمعسور صفة للزّمان ـ أي: الزّمان الذي يُؤسر فيه ويُعسر فيه على حذف الجارّ ـ؛ وجَعل المعقول بمعنى المحبوس المشدود صفةً للعقل؛ إذْ قال: "كأنّه قال: عُقِل له شيء، أي: حُبس له لُبّه وشدّد". ومثله المخلوق صفة للخلق. يُنظر: الكتاب 4/97، وشرح المفصّل 6/50، وشرح الشّافية 1/174، 175، واللّسان (عقل) 12/458، (عسر) 4/564، (يسر) 5/297، (خلق) 10/85.

باب الكلام

[بَابُ الكَلاَمِ] 1 حَدُّ الْكَلاَمِ مَا أَفَادَ اَلْمُسْتَمِعْ ... نَحْوُ: سَعَى زَيْدٌ وَعَمْروٌ مُتَّبِع قد تقدّم الكلام في أنّه عِبَارةٌ عمّا يحسُن [السُّكوت] 2 عليه، ولا يأتلف من أقلّ من كلمتين3؛ أحدُ رُكني الإسناد [فيهما الاسم] 4 عدا الحرف إلاّ في النِّداء؛ لتضمُّنه معنى الفعل5. وهو كما مَثَّل من قوله: [قام زيد، و] 6 زيدٌ قائم؛ فالجملة الأولى تُسَمَّى الفعليّة، والثّانية تُسَمّى [الاسميّة؛ فإذا] 7 انفصل [3/أ] تركيب

الجملة عادَ كلّ واحدٍ منهما مُفْردًا، ويُسَمَّى كلمةً1. والكلمةُ هي: اللّفظة الدّالّة على معنىً مفردٍ بالوضع عند النّحويّين2. وعند اللّغويّين هي: كلامٌ مستقلّ بنفسه؛ ومن ذلك قولهم إذا أنشدوا بيتًا من قصيدة فيقولون: "من3كلمة له"؛فتصدُق الكلمة على القصيدة4، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: " أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَّاعِرٌ5؛ كَلِمَةُ لَبِيْدٍ6: أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ" 7 ... وَكُلُّ نَعِيمٍ لاَ مَحَالَةَ زَائِلُ8

وقيل: هي اللّفظُ الدّالُّ بالوضع على معنىً مفرد1. وقيل: اَلْجُزْءُ المفرد2. وقيل: اللّفظة الموضوعة بإزاء معنىً، فهي أحد أنواع اسْم جِنْسٍ3 وهو الكلم، لقبوله4: أن يصير5 نوعًا بدخول حرف الهاء عليه. والكلم: يطلق6 على المفيد وغيره. ولا ينعقد الكلام المفيد من فعلين، ولا من حرفين، ولا من فعل وحرف، ولا من اسم وحرف؛ إلاّ في باب النِّداء7.

وَنَوْعُهُ الَّذِي عَلَيْهِ يُبْنَى ... اسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفُ مَعْنَى أَنْواع الكلم ثلاثة؛ وهي: الاسم، والفعل، والحرف1. لا يمكن أن تكون [3/ب] أربعةً؛ لوصول النّفوس إلى أغراضها من العبارة بها؛ فوجب الاستغناء عن القسم الرّابع؛ وكذلك لا يمكن كونُها كلمتين؛ لاحتياجهم إلى القسم الثّالث. فالاسم: بمنزلة الذّات؛ لأنّه لا يكون كلامًا إلاّ بوجوده2؛ فلذلك تقدّم وَضْعًا، ومنه قولُ الشّاعر: جَعَلَتْنِي3 كَالْحَرْفِ [جَاءَ] 4 لِمَعْنىً ... غَلَطًا مِنْ ضَلاَلِهَا وَشَقَاهَا وَأَنَا5 الاسْمُ لاَ يُتَمَّمُ6 شَيءٌ ... بِسِوَى وَضْعِهِ وَلاَ يَتَنَاهى7

وهو يُخبر به وعنه1. والفعل: بمنزلة الحَدَث فهو مفتقرٌ إلى الإسناد إلى الاسم؛ لأنّه يخبر به لا عنه. والحرف: واسطة بين الذّات والحدث؛ والمراد به معنىً2 في غيره لا في ذاته؛ فهو لا يخبر به ولا عنه؛ فلذلك تأخّر وَلَزِمَ توسُّط الفعل.

_ 1 في ب: يخبر عنه. 2 في كلتا النسختين: لمعنى، والصّواب ما هو مثبت.

باب الاسم

بَابُ الاسْمِ: فَالاسْمُ مَا يَدْخُلُهُ مِنْ وَإِلَى ... أَوْ كَانَ مَجْرُورًا بِحَتَّى وَعَلَى مِثَالُهُ: زَيْدٌ وَخَيْلٌ وَغَنَمْ ... وَذَا وَتِلْكَ1 وَالَّذِيْ وَمَنْ وَكَمْ اقتصر الشّيخ [رحمه الله تعالى] 2 من علامات الاسم على حروف الجرّ؛ لكونها أعمّ [4/أ] علاماته؛ لدخولها على المضمرات، كقولك: (أخذت منه) و (أقبلتُ عليه) ؛ وعلى أسماء الإشارة، كقولك: (عجبتُ من هذا الأمر) و (سِرْتُ إلى تلك المدينة) ؛ وعلى الموصول، كقولك: (استعنتُ بالّذي لم يَخِبِ المستعينُ به) ؛ وعلى أسماء الاستفهام، كقولك: (إلى متى؟) و (من أين؟) و (إلى كم؟) و (على كيف؟) . ومن علائم الاسم3: أن يكون مُنوَّنًا، كقولك: (زيدٌ) ؛ مجرورًا، كقولك: (قمتُ مِنَ الدّار) ؛ مُعَرَّفًا بالألف واللاّم، كقولك: (الرَّجل) ؛ مُصَغَّرًا، كقولك في رَاجِل: (رُويجل) ؛ مُخْبِرًا عنه، كقولك: (اليوم4 مبارك) ؛ مثنّى، كقولك: (الزّيدان) ؛ مجموعًا، كقولك: (الزّيدون) ؛ مضافًا، كـ (غلام زيد) ؛ منادًى، كقولك: (يا رجلاً) ؛

منعوتًا، كقولك: (زيدٌ الكريمُ) . فالاسم1: ما أبان عن مُسَمًّى؛ شخصًا كان أو غير شخصٍ. وَحَدُّه2: كلمةٌ دَلّت على معنىً في نفسها3، غير مقترنةٍ بزمن4 مُحَصَّلٍ5. فَمُحَصَّلٌ6: احترازٌ من7 الصَّبُوح والغَبُوق؛ لوقوع كلّ واحدٍ منهما في وقتٍ لكنَّهُ غير مُحَصَّلٍ8.

واشتقاقه عند البصريّين من السُّمُوّ1؛ لأنّه عَالٍ على مُسَمَّاهُ، ولأنَّه2 سمَا على الفعل والحرف لاستغنائِه عنهما؛ وعند الكوفيّين [4/ب] من السِّمَة3. والاعتمادُ على القول الأوَّل؛ لدلالة الجمع والتّصغير على أُصول4 الأشياء، كقولهم في التّصغير: (سُمَيّ) ، وفي الجمع: (أسماء) 5.

....................................................................

_ = والأصل فيها: (وَسْم) إلاَّ أنّهم حذفوا الواو من أوّله وعوّضوا مكانها الهمزة، فصار اسما وزنه (اِعْلٌ) لأنّه قد حذف منه فاؤه التّي هي الواو في (وَسْم) ؛ وهذا قول الكوفيين. يُنظر تفصيل المسألة في: شرح عيوان الإعراب 51، والإنصاف، المسألة الأولى، 1/6، وأسرار العربيّة 5، والتّبيين، المسألة الرّابعة، 132، وشرح المفصّل 1/23، وائتلاف النّصرة، فصل الاسم، المسألة الأولى، 27.

باب الفعل

بَابُ الْفِعْلِ: وَالْفِعْلُ مَا يَدْخُلُ قَدْ وَالسِّينُ ... عَلَيْهِ مِثْلُ: بَانَ أَوْ يَبِينُ (قد) حَرْفٌ يدخل على الماضي والمضارِع؛ فإذا دخل على الماضي قيل فيه: حرفُ تَقْرِيْبٍ، وإنْ دخل على المضارِع1؛ فلا يخلو من الوجوب والإمكان، فإنْ كان مُمْكِنًا2، قيل3: حرف تقليل، كقولك: (قد يقع المطر) ، وإن كان واجبًا، كقولك: (قد تغرب الشَّمسُ) ، فهو4 حرف تحقيقٍ5. (والسِّين وسَوْفَ) حرفا تنفيسٍ، يختصّان بالمضارِع المستقبل6،

وقد يستعملان في الوعد والوعيد 1. أَوْ لَحِقَتْهُ تَاءُ مَنْ يُحَدِّثُ ... كَقَوْلِهِمْ فِي لَيْسَ: لَسْتُ أَنْفُثُ من علائم الفعل: دخول الضّمائر على آخره؛ كتاء المتكلّم، وهي إذا كانت لمتكلّم مبنيّة على الضّمّ، ويستوي2 فيها المذكّر والمؤنّث؛ فإن كانت لمخاطبٍ فُتِحَتْ مع المذكّر وكُسِرَتْ مع المؤنَّث؛ فإن كان المؤنَّث غائبًا كانت ساكنة3، [5/أ] كقولك: (بئست الفاجرة) ، وكذلك المشار إليه4.

ومنها: دخول ضمير الاثنين وهو الألف، كقولك: (الرجلان قاما) ، وكذلك ضمير الجمع، كقولك: (النّاس قاموا) . ومنها: دخول حرف الجزْم على أوّله ونون التّوكيد على آخره، كقولك: (لم يقم زيدٌ) و (لا تُخْدَعنَّ بالباطل) وكقولك: (لم يَضْرِبَنْ) . أَوْ كَانَ أَمْراً ذَا اشْتِقَاقٍ نَحْوَ: قُلْ ... وَمِثْلُهُ: ادْخُلْ وَانْبَسِطْ وَاشْرَبْ وَكُلْ من أنواع الفعل: الأمر، وشرطه: أن يكون مُشتقًّا من مصدر1، كقوله: (ادخل وانبسط) فهما مشتقّان من الدّخول والانبساط؛ احترازًا من أسماء الأفعال الّتي هي: (صَهْ) و (مَهْ) لدلالتهما على اهتمام السَّامع بالسّكوت والكفّ مع خُلوّهما من الاشتقاق. واشتقاق الفعل عند البصريّين من المصدر؛ ومذهب الكوفيّين أنّ المصدر مشتقّ منه. والاعتماد على القول الأوّل؛ لدلالة الفرع على ما في أصله مع الزّيادة عليه2.

وحَدُّهُ: كَلِمَةٌ دلّت على معنىً في نفسها مقترنةٌ بزمنٍ مُحَصَّل1.

_ 1 مقترنة بزمنٍ محصّل: للفرق بينه وبين المصدر؛ وذلك أنَّ المصدر يدلّ على زمان؛ إذِ الحدث لا يكون إلاَّ في زمان، لكن زمانه غير متعيّن كما كان في الفعل؛ والحق: أنّه لا يحتاج إلى هذا القيْد، وذلك من قبل أنّ الفعل وُضع للدّلالة على الحدَث وزمان وجوده ولولا ذلك لكان المصدر كافيًا، فدلالته عليهما من جهة اللّفظ وهي دلالة مطابَقة. شرح المفصّل 7/2.

باب الحرف

[5/ب] باب الحرف وَالْحَرْفُ مَا لَيْسَتْ لَهُ عَلاَمَهْ ... فَقِسْ عَلَى قَوْلِي تَكُنْ عَلاَّمَهْ مِثَالُهُ: حَتَّى وَلاَ وَثُمَّا ... وَهَلْ وَبَلْ وَلَوْ [وَلَمْ] 1 وَلَمَّا علامة الحرف: سَلْبُه ممّا تقدّم من علائم الأسماء والأفعال2؛ فتجريده من3 العلامة عَلاَمَةٌ له وَحَدُّهُ 4: كلمةٌ5 لا تدلّ على معنىً إلاَّ في غيرها6.

والعَلاَّمَةُ 1 هو: الكثير العلم؛ فالهاء إلحاقها2 بالمذكّر3 للمبالغة4. والحرف5 سُمَّي حَرْفًا لاستغناء الاسم والفعل عنه في انعقاد الجُمل؛ فصار بمنزلة الأخير، وآخر كلِّ شيءٍ حَرْفُهُ؛ فهو مأخوذٌ من الطَّرَف؛ والطَّرَف6 هو المبتدأ به والمنتهى إليه. والفرق بين حرف المعنى وحرف الهجاء: أنّ حرف الهجاء [جزء] 7 من الكلمة، وحرف المعنى كلمةٌ بذاتها. والحرف ينقسم إلى: مُعْمَلٍ، ومُهْمَل. فالمُعْمَلُ8 هو: المختصّ بتأثيرٍ؛ كحرف الجرّ، وحرف الجزم. والمُهْمَلُ9: كحرف الاستفهام، وحرف العطف10.

_ 1 يُنظر: اللّسان (علم) 12/417. 2 في ب: إلحاقاها. 3 في أ: في المذكّر. 4 أي: لتأكيد المبالغة؛ حيث توجد المبالغة من صيغة علاّم. 5 الحرف في الأصل: الطَّرَف والجانِب، وبه سُمّي الحرف من حروف الهجاء، وحرْفُ كلِّ شيء طَرَفُهُ وشفيرُه وحدُّه. يُنظر: اللّسان (حرف) 9/41، 42. 6 الطَّرَفُ - بالتّحريك -: النّاحية من النّواحي والطّائفة من الشيء، والجمع: أطراف، وطرفُ الشيء: منتهاه. يُنظر: اللّسان (طرَف) 9/216، 217. 7 ما بين المعقوفين غير واضحٍ في أ. 8 المُعْمَلُ هو: ما يختصّ بالأسماء فيعمل فيها كـ (في) ، وما يختصّ بالأفعال فيعمل فيها كـ (لَمْ) . يُنظر: الجنى الدّاني 27، وأوضح المسالك 1/20. 9 المُهْمَلُ هو: ما لا يختصّ بالأسماء ولا بالأفعال؛ فلا يعمل شيئًا، كحرف الاستفهام، وحرف العطف. يُنظر: الجنى الدّاني 27، وأوضح المسالك 1/20. 10 في أ: كحروف الاستفهام، والعطف.

باب النكرة والمعرفة

باب النكرة والمعرفة: وَالاِسْمُ ضَرْبَانِ فَضَرْبٌ نَكِرَهْ ... وَالآخَرُ اَلْمَعْرِفَةُ الْمُشْتَهِرهْ [6/أ] النَّكرة هو1 الأصل2، والمعرفة فرع عليه. والنَّكرة هو3: الاسم الشّائع في جنسه، وهو كلّ اسمٍ يقبل دخول الألِف واللاّم عليه4، أو يقع5 موقع ما يقبل الألِف واللاّم6.

والمعرفة1 هو: المقول2 على واحدٍ بعينه. وأعمُّ النّكرات: شيء3. فَكُلُّ مَا رُبَّ عَلَيْهِ تَدْخُلُ ... فَإِنَّهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ نَحْوُ: غُلاَمٍ وَكِتَابٍ4 وَطَبَقْ ... كَقَوْلِهِمْ: رُبَّ غُلاَمٍ لِي أَبَقْ كلّ اسمٍ حَسُنَ عليه دخولُ (رُبَّ) فهو نكرة5؛ وبهذا عُلِمَ أنَّ (مثلك) و (غيرك) نكرتان؛ لدخول (رُبَّ) عليهما6، قال7 الشّاعر:

يَا رُبَّ غَيْرِكِ فِي النِّسَاءِ عَزِيزَةٍ ... بَيْضَاءَ قَدْ مَتَّعْتُهَا بِطَلاَقِ1 وكقول امرئ القيس2 بإضمار (رُبَّ) بعد الفاء: فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ ... فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ3

وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهْوَ مَعْرِفَهْ ... لاَ يَمْتَرِيْ فِيهِ الصَّحِيْحُ الْمَعْرِفَهْ مِثَالُهُ: الدَّارُ وَزَيْدٌ وَأَنَا ... وَذَا وَتِلْكَ وَالَّذِيْ وَذُو الْغِنَى المعرفة: ما خصَّ واحدًا بعينه؛ وهو أقسام: منها المضمر1 وهو: مَا دَلَّ على مسمًّى [6/ب] مُشْعِرًا بحضوره أو غيبته2. وهو متَّصلٌ ومُنْفَصِلٌ. فالمتّصل: الضّمائر المتّصلة بالأفعال؛ وهي: (التّاء) و (الألِف) و (الواو) على ما يقتضي حُكمها لاختلاف الفاعلين. ومنها (كاف المخاطب) ، و (هاء الغائب) ، و (ياء المتكلّم) ، و (النّون والألف) الدّالاّن على الجمع3؛ فهذه إذا اتّصلت بالاسم كانت

مُضافًا1 [إليها] 2، وإذا اتّصلت بالحرف [كانت] 3 مجرورةً4، كقولك: (عملك لك) ، و (عمله له) ، و (عملي لي) ، و (عملنا لنا) . وإذا اتّصلت بالفعل كانت مفعولةً إلاَّ ضمير الجمع فإنّه يكون تارةً فاعلاً، وتارةً مفعولاً5، لقولك: (الله خلقني وَخَلَقَكَ، وخَلَقَهُ، وهدانا فاتّبعنا الحقَّ) ، وما يتصرّف6 من ذلك. والمنفصل؛ مثل: (أنا) ، و (أنت) ، و (نحن) ، و (هو) ، و (هي) ، و (هم) ، و (هُنَّ) ، و (إيّاكَ) ، و (إيّايَ) ؛ وما تصرّف منه؛ وهذه أعرف المعارف عند الأكثر7.

والعلم هو: ما عُلِّقَ على شيءٍ بعينه، غير مُتَناولٍ1 مَا أشبهه. وهو لا يخلو من2 أنْ يكون مفردًا كـ (زيد) ، أو مضافًا كـ (عبد الله) ، أو كنيةً كـ (أبي الحسن) ، أو لقبًا كـ (تأبّط شرًّا) ؛ وهذا عند بعض3 النّحويّين أعرف المعارف4. وأسماء الإشارة وهي المبهمة، نحو: (هذا) ، و (ذاك) ، و (هذه) ، و (تلك) ، و (ذان) ، و (تان) ، و (أولى) ؛ وهذه [7/أ] عند ابن السّرَّاج5

أعرف المعارف 1. و (الَّذي) وفروعه في أسماء الإشارة 2. والمعرّف بالألف واللاّم، نحو: (الرّجل) ؛ وهذه تكون تارةً للعهد، كقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُوْلاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُوْلَ} 3؛ وتكون تارةً للجنس، كقولك: (الرّجل خيرٌ من المرأة) .

وتكون بمعنى (الّذي) ، كقولك: (مررت بالضّارب زيد) أي: بالّذي ضربه. وتكون للتّفخيم، وهي لا تفارِق اسم1 الله تعالى2. والمضاف إلى أحد هؤلاء [الأربعة] 3 المتقدّم4 ذكرها، كقولك: (غُلاَمي) ، و (غُلامُ زَيْدٍ) ، و (غلام هذا) ، و (غُلام الأمير) . والمنادى5 كقولك: (يا رجل) فهو6 معرفة لِمَا عرض له

من تخصيص النّداء، كقول كُثَيِّر1: حَيَّتْكَ عَزَّةُ يَوْمَ النَّفْرِ2 وَانْصَرَفَتْ ... فَحَيِّ وَيْحَكَ مَنْ حَيَّاكَ يَا جَمَلُ مَا ضَرَّهَا لَوْ أَشَارَتْ في تَحَيَّتِهَا ... مَكَانَ يَا جَمَلٌ حُيِّيتَ يَا رَجُلُ3 وَآلَةُ التَّعْرِيْفِ [أَلْ] 4 فَمَنْ يُرِدْ ... تَعْرِيفَ كَبْدٍ مُبْهَمٍ قَالَ: الكَبِدْ [7/ب] إذا أردتّ تعريف الاسم النّكرة أدخلت عليه الألف واللاّم/ فيصير معرفة، ويكون على ما يراد به من اختلاف المعنى - كما تقدّم فيه الكلام -. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهَا اللاَّمُ فَقَطْ ... إِذْ أَلِفُ الوَصْلِ مَتَى يُدْرَجْ سَقَطْ

ذهب الخليل1 إلى أنّ الألف واللاّم آلة التَّعْريف، وقال: (إنّ (أَل) حَرْفٌ كهل) . وقال غيره2: "إنّ (اللاّم) آلة التَّعْريف لخلوّ اللّفظ من همزة الوصل عند إدراج الكلام". وقال: "التّعريف نقيض التّنكير، والتّنكير يدخله التّنوين؛ وهو حرْفٌ واحد؛ فلزم أن يكون التّعريف شيئًا3 واحدًا؛ لأنّ الشّيء يُحْمَلُ على نقيضه كما يُحمل على نظيره"4.

...........................................................................

_ = لئلاّ ينتقل من كسر إلى ضمّ دون حاجز حصين. وبأنّ العرب تقف عليها، تقول (أَلي) ثم تتذكّر فتقول (الرجل) ، كما تقول (قدي) ثم تقول (قد فعل) ؛ ولا يوقف إلاَّ ما كان على حرفين. القول الثّاني: أنّها (أل) والألف زائدة؛ وإلى ذلك ذهب سيبويه، وجعلها من الحروف الثنائيّة الوضع. وحجّته: سقوطها في الدّرج؛ وأمّا فتحها فلمخالفتها القياس بدخولها على الحرف، وأمّا ثبوتها مع الحركة فالحركة عارضة فلا يعتدّ بها. القول الثّالث: أنّها (اللاّم) وحدها، والهمزة قبلها همزة وصلٍ زائدة؛ وإليه ذهب بعض النّحويّين، ونقله ابن مالك في شرح الكافية عن سيبويه. القول الرابع: أنّها (الهمزة) وحدها، واللاّم زائدة للفرق بينها وبين همزة الاستفهام؛ ونسبه الرّضيّ إلى المبرّد، فقال "وذكر المبرّد في كتاب الشّافي أنّ حرف التّعريف الهمزة المفتوحة وحدها، وإنما ضمّ اللاّم إليها لئلاّ يشتبه التّعريف بالاستفهام"، ونسبه إلى المبرّد - أيضًا - الأزهريّ في التّصريح، لكنّ محقّق المقتضب يرى أنّ حديث المبرّد عن (أل) إنما هو ترديدٌ لِمَا ذكره سيبويه. وحُجّته: أنّها جاءتْ لمعنى، وأولى الحروف بذلك حرف العلّة؛ وحُرِّكت لتعذُّر الابتداء بالسّاكن، فصارت همزة كهمزة التكلّم والاستفهام، وأنّ اللاّم تُغَيَّر عن صورتها في لغة حمير فتقلب ميمًا. تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 4/147، 148، 226، 3/325، والمقتضب 1/83، واللاّمات للزّجّاجيّ 17، 18، وشرح المفصّل 9/17، وشرح الكافية الشّافية 1/319، وشرح التّسهيل 1/253، وشرح الرّضيّ 2/130، 131، والمساعِد 1/195، 196، والتّصريح 1/148، والهمع 1/271.

باب قسمة الأفعال

باب قسمة الأفعال: وَإِنْ أَرَدْتَ قِسْمَةَ الأَفْعَالِ ... لِيَنْجَلِي عَنْكَ صَدَى الإِشْكَالِ فَهْيَ ثَلاَثٌ مَا لَهُنَّ رَابِعُ ... مَاضٍ وَفِعْلُ الأَمْرِ وَالْمُضَارِعُ الفِعْلُ: حَدَثٌ؛ وهو لا يقع إلاّ في زمان، ويختلف باختلافه. والزّمانُ على ثلاثة أقسام: ماضٍ، وحالٍ، ومستقبل. فكلّ [فعل] 1 يقع في زمانٍ فهو مختصّ به؛ فالماضي يُعْتَبَرُ بأمس2، والمضارِع يُعْتَبَرُ بالآن، وهو [بدخول] 3 السِّين أو سوف للمستقبَل، وفعل الأمر يُسْتَدعى به من المأمور أن يُحْدِثَ الفعلَ فلا يقع إلاَّ [8/أ] في المستقبَل.

ومن ذلك قولُ زُهَيْر1: وَأَعْلَمُ مَا فِي اليَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ ... [وَلَكِنَّنِي] 2عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ3 فقسَّم الزّمان على ثلاثة أَقْسَامٍ مَجَازًا. فَكُلُّ مَا يَصْلُحُ فِيهِ أَمْسِ ... فَإِنَّهُ مَاضٍ بِغَيْرِ لَبْسِ وَحُكْمُهُ فَتْحُ الأَخِيرِ مِنْهُ ... كَقَوْلِهِمْ: سَارَ وَبَانَ عَنْهُ الماضي يُعْتَبَرُ وقوعُه في زمنٍ مَاضٍ قَرُبَ أو بَعُدَ؛ فإنْ دخل عليه حرفُ شرطٍ نَقَل معناه إلى الاستقبال4، كقولك: (إِنْ وصلَ زيدٌ أَكْرَمْتُهُ) لِمَا يقتضيه الشَّرْط من وقوع الجزاءِ في المستقبل.

وهو مبنيّ 1 على الفتح، وكان مبنيًّا على حركةٍ لوُقوعه موقع الفعل المضارِع في مواضع: أحدها: أَنْ يكون خبرًا لمبتدأٍ، كقولك: (زيدٌ قام) ، كما تقول: (يقوم) . وأن يقع خبرًا لحرفٍ عاملٍ، كقولك: (ليت عَمْرًا ذَهَبَ) كما تقول: (يذهب) . وأن يقع به الشّرط كما يقع بالمضارِع، كقولك: (إنْ قام زيدٌ قمتُ) كما تقول: (إن تقم 2 أقم) . [8/ب] وَبُني على الفتح طلبًا3 للخِفّة، ما لم يكن معتلّ اللاّم4؛ وذلك

إن كان ثلاثيًّا كـ (ضَرَبَ) 1، أورُباعيًّا كـ (أَقْبَلَ) ، أو خُماسيًّا كـ (انْعَطَفَ) ، أو سُداسيًّا2 كـ (اسْتَخْرَجَ) .

_ 1 في ب: كضربا. 2 في ب: سادسياً.

باب الأمر

باب الأمر: وَالأَمْرُ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ ... مِثَالُهُ: احْذَرْ صَفْقَةَ الْمَغْبُونِ وَإِنْ تَلاَهُ أَلِفٌ وَلاَمُ ... فَاكْسِرْ وَقُلْ: لِيَقُمِ الْغُلاَمُ أفعال الأمر مَبْنيّاتُ1 الأواخر على السّكونِ2 ما لم يلها3 حرف ساكنٌ، فإن وليها كُسِرت، كقولك: (اتَّقِ الله) . ويجرى على هذا الحكم كُلُّ كَلمةٍ ساكنةٍ الآخِر؛ لامتناع الجمع بين ساكنين؛ فمِن ذلك الفِعْلُ المضارع المجزوم، كقولك: (لِيَقُمِ الغُلاَمُ) ؛

أو كانت اسمًا، كقولك: (كَمِ المالُ؟) ؛ أو كانت حرف معنىً، كقولك: (رميتُ عنِ القوس) . وفَتْحُ (مِنْ) شاذّ1؛ ومنه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ} 2، وقد تُكْسَرُ3.

فَصْلٌ: ودخول الهمزة على بعض أفعال الأَمر تَوصُّلٌ إلى النّطق بالسَّاكن إذْ1 هو غيرُ مُمْكِن 2؛ ويُعلم ذلك بدخول حرف المضارعة على الفعل وتنْظَر3، فإنْ كان ما بعدَه4 متحرِّكًا كقولك: (هو يَسِيْرُ) فتقول منه: (سِرْ) ، وإِنْ كان ما بعده ساكنًا كقولك: (يَذْهَبُ) فتقول منه: (اِذْهَبْ) . وهذه الهمزة تُعْتَبَرُ حركتها من حركة ثالث الفعل المضارع؛ فإنْ كان مضمومًا كانت الهمزة مضمومة، فَتَأمُرُ مَنْ يَسْكُنُ فتقول: (اُسْكُنْ) بالضّمّ. [9/أ] وإِنْ كان ثالثة مكسورًا نحو: (يَضْرِب) أو مفتوحًا كـ (يَذْهَبْ) فتكسر الهمزة، كقولك: (اِضْرِبْ) و (اِذْهَبْ) .

وكذلك الخُماسيُّ والسُّداسيّ نحو: (انْطَلَقَ) و (اسْتَخْرَجَ) ، تقول منه: (اِنْطَلِق) و (اِسْتَخْرِجْ) . وأمّا الموضع الّذي تفتح فيه فهو إذا كان الفعل الماضي رُباعيًّا فتقول مِن أَكْرَم: (يُكْرِم) ، (أَكْرِم) ، قال تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ} 1. فَصْلٌ: وإنْ أمرت من فِعْلٍ مُضاعَفٍ لمذكّر كـ (شُدَّ) و (غُضّ) فلك فيه وجهان: فَكُّ التّضعيف2؛ تقول: (اشْدُدْ) و (اغْضُضْ) بسكون آخره. وإبقاؤه على3تشديده؛ فتقول: (غُضَّ البصر) . وفي آخره وُجوهٌ: الأَوّل: كسره لالتقاء السّاكنين كما تقدّم. الثّاني: إتباع حركة ما قَبْلَهُ - وهي الضّمّ -، فتقول: (غُضُّ البَصَر) . الثّالث: الفتحة طلبًا للخِفّة؛ فتقول: (غُضَّ) ؛ وعلى [9/ب] هذا4 يُنْشَد بيتُ جرير5:

فَغُضَّ الطّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... فَلاَ كَعْبًا بَلَغْتَ وَلاَ كِلاَبَا1 وهذا الفعلُ يُضمُّ أوّله إذا كان من مُتَعَدٍّ2، ويُكْسَرُ إذا كان من لازمٍ؛ فتقول: (فِرَّ من الفِتْنَة) ، قال الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ} 3؛ وهذا إذا كان لِمُفْرَدٍ مُذكّرٍ يُكْسَر آخِرُهُ ويُفتح ولا يُضمُّ4.

وَإِنْ أَمَرْتَ مِنْ سَعَى وَمِنْ غَدَا ... فَأَسْقِطِ الْحَرْفَ الأَخِيرَ أَبَدَا تَقُولُ: يَا زَيْدُ اْغْدُ فِي يَوْمِ الأَحَدْ ... وَاسْعَ إِلَى الْخَيْرَاتِ لُقِّيْتَ الرَّشَدْ وَهَكَذَا قَوْلُكَ: إرْمِ1مِنْ رَمَى ... فَاحْذُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا اسْتَبْهَمَا [فَصْلٌ2] : [10/أ] الأمر من المعتلّ إذا كان آخر الفعل المضارِع حرف عِلَّةٍ حذفته في الأمر؛ فإنْ كان ألِفًا أبقيتَ بعد حذفها فتحةً لطيفةً تدلّ عليها، كقولك في الأمر من يسعى3: (اسعَ يا زيدُ) بِرَوْمِ4 الفتحة، قال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} 5.

وإنْ كان واوًا فتقول مِنْ يغدو: (اغْدُ) بِرَوْمِ الضّمّة، كقوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} 1. وإنْ كان ياءً أبقيت بعدها كسرة، كقوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} 2 بِرَوْم الكسرة. فإنْ وقفت على شيءٍ من ذلك فلك أن تقف عليه بالسّكون: (اخشْ) و (اغدْ) و (ارمْ) ؛ ولك أن تزيد عليه هاءً لبيان الحركة فتقول: (اخشه) ، (اغده) ، [ارمه3] ، كقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 4. وَالأَمْرُ5 مِنْ خَافَ خَفِ الْعِقاَبَا ... وَمِنْ أَجَادَ أَجِدِ الْجَوَابَا إذا كان الفعل معتلّ6 العين فهو يسقط في حال الأمر لوجوب سكون آخره؛ لئلاّ يجتمع ساكنان؛ وذلك إذا أمرت به المفرد7 المذكّر، كقولك:

(خَف) و (بِعْ) و (قُلْ) 1؛ وكذلك إذا أمرت به جمع المؤنّث فتقول: (خَفْنَ) و (بِعْنَ) و (قُلْنَ) . والمقرَّرُ من ذلك: أنّه متى التقى ساكنان أحدهما حَرفُ علّةٍ كان هو المحذوف2. وَإِنْ يَكُنْ أَمْرُكَ لِلْمُؤَنَّثِ ... َقُلْ لَهَا: خَافِي رِجَالَ الْعَبَثِ فإنْ كان الأمر لمؤَنَّثٍ مفردٍ، أو لمثنّى، أو لجماعة مذكّرٍ، أو اتّصل بالفعل [10/ب] نونا التّوكيد الخفيفة أو الثّقيلة فتثبت حروف العلّة؛ لوجود المتحرّكات بعدها، فتقول: (خافي ياهذه) و (قولا) و (بيعا) و (خافوا يا هؤلاء) و (خافَنَّ الله يا زيد) و (خافَنَّ يا عمرو) . فإنْ أمرت مِن (وَعَدَ) ومِنْ (وَزَنَ) فمضارِع هذين: (يَوْعِدُ) و (يَوْزِنُ) ؛ ولكنّهم لم يجمعوا بين الياء والواو فحذفوا فاء الفعل، فقالوا: (يَعِدُ) و (يَزِنُ) ؛ فالأمرُ من ذلك بسقوط حرف المضارعة، فتقول للمفرد المذكّر من (يَعِد) : (عِدْ) ، وللمؤنَّثِ المفرد: (عِدي يا هِنْدُ) ، وللمثنّى: (عِداني) ، والجمع: (عِدُوني يا رجال) و (عدنني يا نِسَاء) .

_ 1 الأصل في (خف) : (خاف) ، حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع لام الكلمة. وفي (قل) و (بِع) : (أقوُل) و (أبيِع) ؛ نقلت حركة العين إلى السّاكن قبلها فاستغني عن همزة الوصل، وحُذفت العين لسكونها مع سكون اللاّم. 2 يسقط حرف العلّة في الأمر في موضعين؛ وهما: إذا أمرت به المفرد المذكّر، أو أمرت به جمع المؤنّث؛ وقد وضّح الشّارح العلّة في ذلك.

باب الفعل المضارع

باب الفعل المضارع: وَإِنْ وَجَدْتَ هَمْزَةً أَوْ تَاءَ ... أَوْ نُونَ جَمْعٍ مُخْبِرٍ أَوْ يَاءَ قَدْ أُلْحِقَتْ أَوَّلَ كُلِّ فِعْلِ ... فَإِنَّهُ المُضَارِعُ المُسْتَعْلِى حروف المضارعة هي: الهمزة، والنّون، والتّاء، والياء. فإذا اتَّصل أَحَدُهَا بأَوّل فعلٍ ماضٍ سُمّيَ مُضارِعا وَعَادَ مَعَهَا. [مُعْرَباً1] . فالهمزة تختصّ بالمتكلّم، ويستوي فيه المذكّر والمؤنَّث، كـ (أَنَا أَفْعَلُ) . والنّون إذا كان معه [11/أ] غيره، كـ (نَحْنُ نَفْعَلُ) ، أو يكون معظّماً نَفْسَهُ. والتّاء للمذكّر الحاضر، كـ (أَنْتَ تَفْعَلُ) . والياء للمذكّر الغائب، كـ (هُوَ يَفْعَلُ) . ونون العظمة تختصّ باسم الله تعالى. وأمّا قولُ الملوك: (نَحْنُ نَفْعَلُ) ؛ قيل: لَمّا كانت تصاريف أقضية الله تعالى تجري على أيدي خَلْقِهِ نُزِّلَتْ أفعالهم منزلة فِعْلِه مجازًا؛ وعلى هذا الحكم يجوز أن يَنطق بالنّون مَن لا يباشِر الأمر بنفسه. وأمّا قولُ العَالِم: (نَحْنُ نبيِّنُ) ؛ فهو مُخْبِرٌ عن نفسه وأَهْلِ مقالته. وَلَيْسَ فِي الأَفْعَالِ فِعْلٌ يُعْرَبُ ... سِوَاهُ والتِّمْثَالُ فِيهِ: يَضْرِبُ2 هذا الفعل شابه الاسم.

والمضارعة هي: المشابَهة؛ فلذلك أُعْرِبَ1. وتوجيه ذلك: أنّه يكون مُبْهما زمني الحال والاستقبال، كما يكون الاسم مُبْهما في حال تنكيره. ويكون مُخْتَصا بدخول حرف التَّنفيس عليه، كما يختصّ الاسم بدخول حرف التّعريف عليه. وتدخلُه لام الابتداء، كقولك: (لزيدٌ قائم) 2. وهو جَارٍ على حركات الاسم وسَكَنَاته وعدد حروفه في قولك: (هو يَضْرِبُ) ، (زَيْدٌ ضَارِبٌ) ، فلمَّا شابه المُعْرَبَ أُعْرِبَ.

[11/ب] وَالأَحْرُفُ الأَرْبَعَةُ المُتَابَعَهْ ... مُسَمَّيَاتٌ أَحْرُفَ المُضَارَعَهْ وَسِمْطُهَا الْحَاوِي لَهَا نَأَيْتُ ... فَاسْمَعْ وَعِ الْقَوْلَ كَمَا وَعَيْتُ السِّمْطُ1: الشّيءُ المنظوم كالقلادة والعِقْد. قال: هذه يَجْمَعُهَا كلمةُ: (نَأَيْتُ) ؛ ويجمعها - أيضا -: (أنيت) و (أَتَيْنَ) و (تَنْأَي) . وَضَمُّهَا مِنْ أَصْلِهَا الرُّبَاعِي ... مِثْلُ: يُجِيْبُ مِنْ أَجَابَ الدَّاعِي يقول: إنّ هذه الحروف تكون مضمومةً إذا كان ماضي2ما اتّصلت به رُباعيا، كـ (يُجِيْبُ) مْن (أَجَابَ) ، و (يُصِيْبُ) مِن (أَصَابَ) . وَمَا سِوَاهُ فَهْيَ مِنْهُ تُفْتَتَحْ ... وَلاَ تُبَلْ أَخَفَّ وَزْنٌ أَمْ رَجَحْ يقول: إِنَّ المضارِع إن نقص ماضيه عن هذه الأربعة أحرف، كقولك: (ذَهَبَ) فلا يُضمّ أوّله بل يكون مفتوحا، كقولك: (يَذْهَبُ) ؛ وكذلك إذا زاد عليه؛ كالخُماسيّ والسُّداسيّ. [12/ أ] مِثَالُهُ: يَذْهَبُ زَيْدٌ وَيَجِي ... وَيَسْتَجِيْشُ تَارَةً وَيَلْتَجِيِ

قد مَثَّل ما نَقَصَ من الرُّباعيّ بفعلين: أحدهما: سالم1؛ وهو: (يذهب) . والآخرُ: مهموز2؛ وهو: (يجيء) . وممّا زاد عليه بفعلين: أحدهما: سُداسيّ، والآخَر: خُماسيّ؛ فتقول: (يستجيش زيدٌ) ، مِن (استجاش) ، و (يلتجيء) مِن (التجأ) .

_ 1 السّالم: من أقسام الفعل الصّحيح؛ وهو: ما سلِمت حروفه الأصليّة من حروف العلّة، والهمزة، والتّضعيف. يُنظر: شرح مختصر التّصريف العزّيّ 30. 2 المهموز: من أقسام الفعل الصّحيح؛ وهو: ما أحدُ حروفه الأصليّة همزة، كـ (أمر) و (سأل) و (قرأ) . يُنظر: شرح الشّافية 1/33، 34، وشرح مختصر التّصريف العزّيّ 169.

باب الإعراب

باب الإعراب وَإِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْرِفَ الإِعْرَابَا ... لِتَقْتَفِي فِي نُطْقِكَ الصَّوَابَا الإعراب في اللّغة1: هو البيانُ؛ يُقال: (أَعْرَبَ الرّجلُ عمَّا في نفسه) أي: أَبَانَ عَنْهُ. وقيل: هو التّحسين، من قوله تعالى: {عُرُبًا أَتْرَابًا} 2؛ لأنّ العَرُوْبَ المُتحسِّنة3. وقيل فيه: التّغييرُ، من قولهم: (عَرِبَتْ مَعِدَةُ الفَصِيْلِ) إِذا تَغَيَّرت؛ وأعْرَبْتُها4: إذا أَزَلْتُ فَسَادَهَا5.

فالمُعْرَبُ: يتغيّر بتغيّر العوامِل الدّاخلة عليه لاختلاف المعاني من حَالٍ إلى حَال؛ وهو أحسنُ في اللّفظ من العاري من الحركات الموجِبَةِ له. وذلك التّغييرُ يكون لفظًا في السّالم، وتقديرًا في المعتلّ1. فَإِنَّهُ بِالرَّفْعِ ثُمَّ الْجَرِّ ... وَالنَّصْبِ وَالْجَزْمِ جَمِيْعًا يَجْرِي [12/ ب] وألقَابُه أَرْبَعَةٌ؛ وهي: رَفْعٌ، وَنَصْبٌ، وَجَرٌّ، وَجَزْمٌ. والبِنَاءُ2: ضِدُّ الإعرابِ، وهو مثله في اللّفظ3. وألقابُه أَرْبَعَةٌ؛ وهي: ضَمٌّ، وَفَتْحٌ، وَكَسْرٌ، وَوَقْفٌ. وَذُكِرَ البِنَاءُ هاهُنا وإنْ لم يكن في بابه؛ للاحتياج4إلى ذكره في سائر الأبواب. والمُعْرَبُ من الكلام كلمتان؛ وهما: الاسم المتمكّنُ5، والفعل المضارع.

فالرَّفْعُ هُوَ أَتمُّ ألقاب الإعراب؛ ولهذا كان إعرابًا لِمَا هو عُمدةٌ في الكلام وهو الفاعل وما حُمِلَ عليه، والنّصب والجرّ لا يُوْجَدَان1حتَّى يتقدَّمهما الرّفعُ، كقولك: (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا) وَ (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ) . والنّصبُ عُمْدَةُ المفعولِ وما حُمِل عليه، والجرُّ عُمْدَةُ الإضافة وما جرى مَجْراهَا. فَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ بِلاَ مُمَانِعِ ... قَدْ دَخَلاَ فِي الاسْمِ وَالمُضَارِع وَالْجَرُّ يَسْتَأْثِرُ بِالأَسْمَاءِ ... وَالْجَزْمُ فِي الْفِعْلِ2بِلاَ امْتِرَاءِ الاسم المُعْرَبُ: هو المتمكّن؛ وهو ما لم يشابه الحرف، ولم يتضمّن معناه، ولم يَقَعْ مَوْقِعَ المبنيّ؛ فهو والمضارع يشتركان في الرّفع والنّصب، كقولك: (زَيْدٌ يَذْهَبُ) ، و (إِنَّ عَمْرًا لن يَرْكَبَ) . [13/ أ] ويختلفان3في الاختصاص؛ فالاسم يختصّ بالجرّ، والفعل يختصّ بالجَزْمِ واختصاص الاسم بالجرِّ إمّا بإضافة حَرْفٍ إلى اسمٍ، [أ] وْ4 بإضافة اسمٍ إلى اسم؛ ويُعْلَمُ من ذلك إمَّا مِلْكٌ، أو اسْتِحْقَاقٌ.

فامتنع الجرُّ من الأفعال1؛ لأنَّها لا تُملَكُ ولا تُستَحقّ لكَوْنَها2 ليست من الذّوات. امتنع الجزْم من الاسم3؛ لأنّه حَذْفٌ4، ولو حُذِفَ بعضُ الاسم كما يحذف فاءُ الفعل، أو عينُه، أو لامُه، لتغيَّرتْ صيغة الاسم عمَّا كانت عليه، والفعل ليس هُوَ كَذَلِكَ.

فَالرَّفْعُ1 ضَمُّ آخِرِ الحُرُوفِ ... وَالنَّصْبُ بِالْفَتْحِ بِلاَ وُقُوفِ وَالْجَرُّ بِالْكَسْرَةِ لِلتَّبْيِينِ ... وَالْجَزْمُ فِي السَّالِمِ بِالتَّسْكِيْنِ حَرْفُ الإعراب من كُلّ معرب: آخِرُهُ كـ (دالِ زَيْدٍ) و (ميم يقوم) ؛ وذلك لأنَّهُ كالصِّفَةِ؛ والصِّفَةُ لا تأتي إلاَّ بعد كَمَالِ المَوْصُوفِ، ولا سَبِيْلَ إلى معرفته إلاَّ بعد كَمَالِ صيْغَتِهِ. وأصلُ الاسم الإعرابُ2؛ وذلك لدلالته بصِيغةٍ واحدةٍ على مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فاحتيج إلى إعرابه، لتبيين تلك المعاني3؛ والبناءُ فيه [13/ ب] فَرْعٌ والفعل أصله البناءُ؛ لدلالته بالصِّيغ المختلفة على المعاني المختلفةِ؛

فأغنى اختلاف صيغه عن إعرابه1، والإعراب فيه فَرْعٌ وسُمِّيَ الضَّمُّ رَفْعًا؛ لانضمام الشّفتين به، إذْ هُمَا أرفع الفَمِ2. وسُمِّيَ الفَتْحُ نَصْبًَا؛ لأنَّ الفتحة إذا أُشْبِعتْ صارت ألفًا؛ والنُّطْقُ به انتصابٌ إلى أعلى الحَنَكِ3. وسُمِّيَتْ الكسرةُ جَرًّا؛ لِهُوِيِّ النّطق بها سُفْلاً؛ فكأنَّهُ مَأخُوذٌ من جَرِّ الجبل وهو سَفْحُهُ4. وسُمِّيَ الجَزْمُ جَزْمًا؛ لقطع الحركة أو الحرفِ؛ لأنَّهُ في اللّغة: القَطْعُ5.

وأصل الإعراب الحركة1؛ وأصل البناءُ السُّكون2؛ والحرفُ مبنيٌّ ولا حظَّ له في الإعراب3.

_ 1 إنّما كان الأصل في علامات الإعراب الحركات دون الحروف لثلاثة أوجه: أحدها: أنّ الإعراب دالٌّ على معنىً عارِضٍ في الكلمة؛ فكانت علامته حركة عارضة في الكلمة لِمَا بينهما من التّناسب. والثّاني: أنّ الحركة أيسر من الحرف؛ وهي كافية في الدّلالة على الإعراب؛ وإذا حصل الغرض بالأيسر لم يُصَرْ إلى غيره. والثّالث: أنّ الحرف من جملة الصِّيغة الدّالّة على معنى الكلمة اللاّزم لها؛ فلو جعل الحرف دليلاً على الإعراب لأدّى ذلك إلى أن يدلّ الشّيء الواحد على معنيين؛ وفي ذلك اشتراك؛ والأصل أن يُخصّ كلّ معنى بدليل. اللّباب 1/54، 55. 2 إنّما كان الأصل في البناء السّكون لوجهين: أحدهما: أنّه ضدُّ الإعراب، والإعرابُ يكون بالحركات، فضدّه يكون بالسّكون. والثّاني: أنّ الحركة زِيدَتْ على المعرب للحاجة إليها؛ ولا حاجة إلى الحركة في المبنيّ، إذْ لا تدلّ على معنى. اللّباب 1/66. 3 الحروف كلّها مبنيّة، لا حظّ لها في الإعراب؛ لأنّها لا تنصرف ولا يعتور عليها من المعاني ما يحتاج إلى الإعراب لبيانها، فبُنيت لذلك. ابن النّاظم 32. ويُنظر: ابن عقيل 1/43.

باب التنوين

باب التنوين: وَنَوِّنِ الاِسْمَ الْفَرِيْدَ المُنْصَرِفْ ... إِذَا انْدَرَجْتَ1 قَائِلاً وَلاَ تَقِفْ التَّنوين2: نُونٌ سَاكِنَةٌ تَثْبُتُ وَصْلاً، وتَسْقُطُ وَقْفًا. وَهُوَ أَنواعٌ: تنوينُ تمكين3، كـ (زيْدٍ) وَ (رَجُلٍ) . وتنوينُ تنكير4 وهو: ما يلزمُ الأسماءَ بعد التَّعريف تَنْكِيْرًا، نحو: (مَهْ) و (صَهْ) ، فتقول: (مَهٍ) و (صَهٍ) ؛ و (سيبويهِ) [14/أ] و (سيْبَوَيْهٍ) آخر. وتنوين مُقَابَلةٍ5، كـ (مُسْلِمَاتٍ) و (صَالحاتٍ) .

وتنوين عِوَضٍ وهو: ما جيءَ به عِوَضًا عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوْفةٍ، ك (يومئذٍ) و (حينئذٍ) ؛ فـ (إذٍ) ظرف زَمَانٍ مبنيّ؛ لافتقاره إلى جملةٍ يُضَافُ إليها، فَحُذِفَت الجملة للعلم بها وعُوِّضَ عنها بالتّنوين، وكُسِرَ ذَاْلُ (إذ) لالتقاء السّاكنين؛ وهما: الذّال والتّنوين. ومنه قَوْلُ أبي ذُؤَيْبٍ1: نَهَيْتُكَ عَنْ طِلاَبِكَ أُمَّ عَمْرٍو ... بِعَافِيَةٍ وَأَنْتَ إذٍ صَحِيْحُ2

ويكونُ عِوَضًا عَنْ غير جُمْلَةٍ1؛ وهو تنوينُ (جَوار) و (غَوَاشٍ) ؛ فهو في هذا ونحوه عِوَضٌ من الياءِ المحذوفةِ. وتنوينُ تَرنُّم2 وهو: يَخْتَصُّ بالقافِيَةِ المطلقَة3بدلاً من حرُوف الإطلاق؛ عِوَضًا من مدَّاتِ4 التَّرَنُّمِ.

فالمبدل من الألف كقول الشّاعر: يَا صَاحِ مَا هَاجَ الدُّمُوعَ الذُّرَّفَنْ1 [و] 2 مِنْ طَلَلٍ كَالأَتْحَمِيِّ أَنْهَجَنْ3

والمبدل من الواو كقول الشّاعر: ............................. ... سُقِيْتِ الْغَيْثَ أَيَّتُهَا الخِيَامُنْ1 [14/ ب] والمبدل من الياء2 كقول جرير:

............................ ... كَانَتْ مُبَارَكَةً1 مِنَ الأيَّامِنْ2 وتنوينٌ غال3 وهو: يختصُّ بالقافية

المقيَّدة1، كقول رُؤْبَةَ2: وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوِي المُخْتَرَقْنْ ... مُشْتَبِهِ الأَعْلاَمِ لَمَّاعِ الخَفَقْنْ3

والتّنوين يختصُّ بالاسم المنصرف لخِفَّتِهِ. وهو مأخوذٌ من صريف البَكْرةِ1 عند الاستِقاءِ؛ لأنّه يُحْدِثُ في الاسم صَوْتًا شَبِيْهًا به فلذلك سُمِّيَ مُنْصَرِفًا؛ فتقول من ذلك: (أَكْرَمتُ زَيْدًا يا هذا) في اتّصال الكلام. وَقِفْ عَلَى المَنْصُوبِ مِنْهُ بِالأَلِفْ ... كَمِثْلِ مَا تَكْتُبُهُ لاَ يَخْتَلِفْ تَقُولُ: عَمْرٌو قَدْ أَضَافَ زَيْدَا ... وَخَالِدٌ صَادَ الغَدَاةَ صَيْدَا يُبْدَلُ في الوقف على الاسم المنصوب أَلِفًا من فتحه مع التّنوين؛ لبُعْدِه ممَّا يَمْنَع ذلك في المجرور والمرفوع؛ لأنَّه لو وقف على المجرور بالياء لالتبس بالمضاف إلى ياء المتكلّم؛ فلو قال قائلٌ: (مررت بغلامي) لتوَهَّم أنّ [15/ أ] الغلام ِمُلْكُهُ؛ ولو وقف على المرفوع بالواو فيقول: (جاء زَيْدُو) لخرج عن أصل كلام العرب؛ لأنَّهُ لا يوجد في كلامهم اسمٌ آخره واوٌ قبلها ضمَّةٌ، وإنّما يوجد ذلك في الأفعال2؛ ولذلك اضطّروا في بعض الجموع إلى مثل ذلك، فأبدلوا الواو ياءً، وكسروا ما قبلها، فقالوا في جمع (دَلْوٍ) و (جَرْوٍ) : (أَدْلٍ) و (أَجرٍ) ، والأصل: (أَدْلُوٌ) و (أَجْرُو) ٌ؛ ففرّوا من هذا محافظةً على الأصل3.

وَتُسْقِطُ التَّنْوِينَ إِنْ أَضَفْتَهُ ... أَوْ إِنْ تَكُنْ بِاللاَّمِ قَدْ عَرَّفْتَهُ مِثَالُهُ: جَاءَ غُلاَمُ الْوَالِي ... وَأَقْبَلَ الغُلاَمُ كَالْغَزَالِ التّنوين يسقط في أربعة مواضع: أحدها: من الاسم المُعرَّف باللاّم؛ لأنّه زيادةٌ على أوّل الاسم، والتّنوين زِيَادةٌ على آخره فلم يَحْتَمِلْ الجمع بين زيادتين. الثّاني: يَسْقُطْ من المُضاف الأوّل، كقولك: (غُلامُ زَيْدٍ) ؛ لأنَّه بالإضافة مِنَ الثّاني كبعض الكلمة لاتّصاله به، والتّنوين يَفْصِلُ بينهما؛ فلذلك لَزِمَ أَنْ لا يكون إلاَّ في آخر الثّاني. الثّالث: الاسم الّذي لا ينصرف [15/ب] كـ (أَحْمدَ) و (أَحْمَرَ) ،وذلك لشبهها بالفعل- ويأتي بيان ذلك في (باب ما لا ينصرف) -. الرَّابع: أَنْ يكون الاسم المفرد علمًا موصوفًا بابن وهو مضاف إلى عَلَمٍ من اسمٍ أو كنيةٍ أو لقبٍ؛ فالتّنوين يَسْقُطُ من المعرَّف باللاّم، ومن الموصوف به؛ للإضافة، فتقول: (جاء زيدُ بن عَمْرٍو) [و] 1 (رأيتُ خالدَ بن أبي الحسن) و (مررت بزيد بن تأبّط شرًّا) . ومن هذا قولُ الشّاعر: قَتَلْتُ بِعَبْدِ اللهِ خَيْرَ لِدَاتِهِ2 ... ذُؤَابَ بنَ أَسْمَاءَ بنِ زَيْدِ بنِ قَارِبِ3

وتوجيه ذلك: أَنَّ التّنوين سَاكِنٌ، وألِف (ابن) أَلِفُ وصل تسقط في اندراج الكلام فيلتقي التّنوين بالباء السّاكنة فَحُذِفَ لِذَلِكَ. فَإنْ وُصِف الاسم بابن مُضَافٍ إلى ما فيه الألف واللاّم نُوِّنَ؛ لثبوت همزة الوصل بعده، كقولك: (هذا زَيْدٌ بنُ الأمير) لأنَّ الأميرَ ليس بِعَلَمٍ.

_ = ومعنى البيت: لقد أخذتُ بثأر أخي عبد الله فقتلتُ تِربه الّذي قتله؛ وهو ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب. والشّاهد فيه: (ذؤاب بن أسماء بن زيد) حيث حذف التّنوين من (ذؤاب) و (زيد) لإضافة كلٍّ منهما إلى ابن؛ وأمّا حذف التّنوين من (أسماء) فلكونه لا ينصرف. يُنظر هذا البيت في: الكتاب 3/43 وورد العجز فيه كالتّالي: .................................... ... ذُؤَابًا فَلَمْ أَفْخَرْ بِذَاكَ وَأَجْزَعَا ولا شاهد فيه على هذه الرّواية. والأصمعيّات111، والشّعر والشّعراء 506، والاشتقاق 292، والتّبصرة 1/401، وأمالي ابن الشّجريّ 2/148، وشرح ملحة الإعراب 84، وسرح العيون 365، والخزانة 7/30، والدّيوان 27.

باب الأسماء المعتلة المضافة

بَابُ الأَسْمَاءِ المُعْتلَّةِ المُضَافَةِ: وَسِتَّةٌ تَرْفَعُهَا بِالْوَاوِ ... فِي قَوْلِ كُلِّ عَالِمٍ وَرَاوِي وَالنَّصْبُ فِيهَا يَا أُخَيَّ بِالأَلِفْ ... وَجَرُّهَا بِالْيَاءِ فَاعْرِفْ وَاعْتَرِف [16/أ] هذه الأَسماء أَمْكَنُ 1 ممّا يُشَاركُها في الإعراب بالحروف2، وأُعْرِبَ كلّ منها بالحرف مُضافًا إلى غير ياء المتكلّم؛ لأنَّ مَدْلُوْلَه زائدٌ على مدلول المفرد؛ لأنَّهُ فَرْعٌ عليه، والحرفُ زائدٌ على الحركة كونُهُ فرعًا لها؛ فكان ذلك تعديلاً في النِّسْبَةِ. فالواو: في هذا الباب علامة الرّفع نِيَابةً عن الضَّمّة، وفي جمع المذكّر السّالم.

والألِفُ: تنوبُ عن الفتحة فتكون علامةُ النّصب في هذه الأَسماء لا غير. والياءُ: نائبةٌ عن الكسرة1 فتكونُ2 علامة الجرِّ في هذه الأَسماء، وفي باب التّثنية، وفي جمع الصِّحَّةِ3. وَهِيَ أَخُوكَ وَأَبُو عِمْرَانَا ... وَذُو وَفُوكَ وَحَمُو عُثْمَانَا ثُمَّ هَنُوكَ سَادِسُ الأَسْمَاءِ ... فَاحْفَظْ مَقَالِي حِفْظَ ذِي الذَّكَاءِ هذه الأسماء إذا كانت مضافةً إلى غير ياء مُتكلِّمٍ تُعْرَبُ جميعها بالحروف4 -كما تقدّم -؛ فتقول: جاءني أَبُوهُ ورأيتُ أَبَاهُ ومررتُ بأبيهِ؛ وكذلك الجميع. وقيل: إنّ ذو أصل الباب لملازمته الإعراب بالحرف، وهو لا يُنطقُ به إلاَّ مُضافًا، ولا يضافُ إلى مضمرٍ بل إلى أسماء الأجناس5، [16/ب] وجميعها تنفصل عن الإضافة فتعربُ بالحركات إلاَّ ذو.

وفُوهُ1يعوّض عن الواو ميمًا بحال انفصاله، فتقول: هذا فَمٌ ورأيتُ فَمًا، ونظرتُ إلى فَمٍ. وهَنُ 2 يُعَبَّرُ به عمَّا يُسْتَقْبَحُ ذِكره؛ وله إعرابٌ آخر في استعماله منقوصًا3 فتقول: هذا هَنُهُ وسَتَرْتُ هَنَهُ و "أَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيْهِ"4.

وفي إعراب حَمِيهِ1 وُجوهٌ: أحدُها: ما تقدَّم من الإعراب بالحرف. والثّاني: أن يكون مقصورًا؛ فتقول: جاءني حَمَاهُ. وأن يكون مهموزًا، ويعرب بالحركات الثّلاث؛ فتقول: [جاء] 2 حَمْؤُهُ ورأيتُ حَمَأَهُ ومررت بِحَمئِهِ.

وقد ندر في بعض اللّغات نقص أبٍ وأخٍ كحمٍ؛ فمن ذلك قولُ الشّاعر: بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيُّ فِي الْكَرَمْ ... وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمَ1 وفيها لغة ثالثة: القَصْرُ2؛ وهي أشهر من لغة النّقص، كقول الرّاجز: إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي المَجْدِ غَايَتَاهَا3

فتقول مِن هذا: جاءني أَبَاهُ ومَرَرْتُ بأبَاهُ. وإنْ جاءَتْ ذُوْ بمعنى الّذي فالأَعْرَفُ فيها البناءُ، كقول الشّاعِرِ: وَإِمَّا كِرَامٌ مُوْسِرُونَ أَتَيْتُهُمْ ... فَحَسْبِيَ مِنْ ذُوْ عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا1 [17/أ] وَقَدْ روى ابن جنِّي2هذا البيت: "من ذي عِنْدَهُمْ"، يُشِيْرُ إلى إعرابه3.

وتكونُ جاريةً بلفظِ المفردِ مع المذكّر، والمؤنّث، والمثنّى، والمجموع، ولم تتغيّر واوها على اختلاف استعمالها1؛ فتقول: أنا ذو عَرَفْتُ ورأيْتُ الرّجلين ذو عَرَفْتُهُمَا ومررتُ بالرِّجال ذو عَرَفْتُهُمْ. قال الشّاعر: فَإِنَّ المَاءَ مَاءُ أَبِي وَجَدِّي ... وَبِئْرِي ذُوْ حَفَرْتُ وَذُوْ طَوَيْتُ2 فقال: ذو حَفَرْتُ، والبئر مُؤَنَّثةٌ.

_ 1 المشهور في (ذو) عدم تصرفها مع بنائها؛ والعلّة في ذلك - كما قال الصيمريّ -: "وإنّما لم يُثنّ، ولم يجمع، ولم يغيّر لفظه عن الواو؛ لأنّه منقول عن (ذو) بمعنى (صاحب) في قولك: (ذو مالٍ) فضعف عن التّصرّف، وألزم وجهًا واحدًا". التّبصرة 1/520. ويُنظر استعمالاتها الأخرى في: شرح المفصّل 3/147، وشرح الرّضيّ 2/41، وأوضح المسالك 1/110، والتّصريح 1/137، 138، والهمع 1/289. 2 هذا بيتٌ من الوافر، من جملة أبياتٍ قالها سنان بن الفحل الطّائيّ، يخاطِب بها عبد الرّحمن ابن الضّحّاك والي المدينة في بئر وقع فيها نزاع بين حيّين من العرب. و (ذو حفرت) أي: الّتي حفرتها. و (ذو طويت) أي: الّتي طويتها؛ و (طيّ البئر) : بناؤها بالحجارة. والمعنى: إنّ هذا الماء من عهد أبي وجدّي، وأنا الّذي حفرت هذه البئر وبنيتها. والشّاهد فيه: (ذو حفرت) و (ذو طويت) حيث استعمل (ذو) في الجملتين اسمًا موصولاً بمعنى (الّتي) ، وأجراه على غير العاقل؛ لأنّ المقصود بها البئر، وهي مُؤنّثة. يُنظر هذا البيت في: ديوان الحماسة 1/302، وأمالي ابن الشّجريّ 3/55، والإنصاف 1/384، وشرح المفصّل 3/147، وشرح الجمل 1/177، وشرح التّسهيل 1/199، وابن النّاظم 88، والبسيط 1/291، وتوضيح المقاصد 1/228، والخزانة 6/34.

باب حروف العلة

بَابُ حُرُوفِ الْعِلَّةِ: وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ جَمِيعًا وَالأَلِف ... هُنَّ حُرُوفُ الاِعْتِلاَلِ المُكْتَنِفْ هذه الحروفُ سُمِّيَتْ حُرُوفَ العِلّةِ؛ لسكُونِهَا وعدم الحركاتِ فيها دائمًا1. وسُمِّيَتْ حُرُوْفَ اللّين؛ لَضَعْفِهَا واتّساع مَخَارِجِهَا2. والألِفُ أَكْثَرُهَا اتّساعًا، وإنّما ضَعُفَتْ بالتّغيّير والانتقال، واختصاصها بالمدِّ؛ لمجاورة3 الهمزة حرف قويّ، فَقَوِيَتْ على المدِّ بذلك؛ [18/ب] فإِنْ لم يَكُنْ ما قبل الواو مَضْمُوْمًَا، ولا ما قبل الياء مَكْسُوْرًا، لم يكونا حرفي اعتلالٍ.

_ 1 وقيل: سمّيت حروف العلّة لكثرة تغيّرها. يُنظر: شرح المفصّل 9/54، والإيضاح في شرح المفصّل 2/415. 2 حروف العلّة إنْ كانت متحرّكة لا تسمّى حروف المدّ واللّين؛ لانتفائهما فيها، وهذا في غير الألف، وإنْ كانت ساكنةً تسمّى حروفَ اللّين لِمَا فيها من اللّين لاتّساع مخرجها؛ لأنّها تخرج في لين من غير خشونة على اللّسان، وحينئذ إنْ كانت حركاتُ ما قبلها من جنسها بأن يكون ما قبل الواو مضمومًا، والألف مفتوحًا، والياء مكسورًا، تُسمّى حروف المدّ أيضًا، لِمَا فيها من اللّين والامتداد، نحو (قال، يقول) ، و (باع، يبيع) ، وإلاّ تُسمّى حروف اللّين لا المدّ لانتفائه فيها؛ هذا في الواو والياء. وأمّا الألف فيكون حرف مدّ أبدًا. وقيل: سمّيت حروف المدّ واللّين؛ لأنّها تخرج في لين من غير كُلْفة على اللّسان، وذلك لاتّساع مخرجها؛ فإنّ المخرَج إذا اتّسع انتشر الصّوت وامتدّ ولان، وإذا ضاق انضغط فيه الصّوت وصَلُبَ. يُنظر: شرح مختصر التّصريف العزّيّ 106. 3 في أ: المجاوزة، وهو تصحيف.

باب الاسم المنقوص

بَابُ الاِسْمِ الْمَنْقُوصِ: وَالْيَاءُ فِي الْقَاضِي وَفِي الْمُسْتَشْرِي ... سَاكِنَةٌ فِي رَفْعِهَا واَلْجَرِّ َتُفْتَحُ الْيَاءُ إِذَا مَا نُصِبَا ... نَحْوُ: لَقِيْتُ القَاضِيَ المُهَذَّبَا المعتلّ من الأسماء غير المضاف اسمان؛ وهما: المنقوص، والمقصور. فالمنقوص: كُلُّ اسم آخِره ياءٌ خَفِيْفَةٌ قبلها كَسْرَةٌ، كـ (القَاضِي) و (المقتضي) و (المستقضي) . وهذا يسكن [ياؤه] 1 في رفعه وجرّه، ويقدّر على حرف إعرابه في حال رفعه ضَمَّةٌ، وفي حال جرّه كسرةٌ؛ والمانع من ظهور ما قُدِّر فيه: الاستثقال؛ ويظهرُ فيه بحال نصبه الفتحةُ؛ لخفّتها؛ فتقول: (جاءني القَاضِي) و (مررتُ بالقاضِي) و (رأيتُ القَاضيَ) ؛ فتَنْقُصُ من إعرابه حركتان2؛ فلذلك سُمِّيَ مَنْقُوصًا3.

ويجوز [إظهار] 1حركة هذه الياء في حال الجرِّ والرَّفع في ضرورة الشِّعرِ، قال ابن قيس الرُّقَيَّات2: لاَ بَارَكَ اللهُ فِي الْغَوَانِيِ هَلْ ... يُصْبِحْنَ إِلاَّ لَهُنَّ مُطَّلَبُ3 وَنَوِّنِ المُنَكَّرَ المَنْقُوصَا ... فِي رَفْعِهِ وَجَرِّهِ خُصُوصَا تَقُولُ: هَذَا مُشْتَرٍ مُخَادِعُ ... وَافْزَعْ إِلَى حَامٍ حِمَاهُ مَانِعُ [18/أ] هذا الاسم لا يخلو أن يكون مُعَرَّفًا باللاّم4-كما تقّدم-،أو بالإضافة، كقولك: (قاضِي مكّة) ، (وَالِي المدينة) ؛ وهذا يُعْرَبُ كما تقدّم.

أو أنْ يكون نكرةً؛ فهذا يَسْقُطُ حَرْفُ إعرابه لوجوب تنوينه؛ فِرارًا من الجمع بين ساكنين، وسَاغَ ذلك لدلالة الكسرة الّتي قبله عليه؛ فتقول في حال رفعه: (هذا قَاضٍ يا زَيْدُ) ، وفي جَرِّه: (نَزَلْتُ بِوادٍ رَحْبٍ) . وتَثْبُتُ الياء في حال نصبه؛ لحركتها على أصل إعرابه؛ فتقول: (وَجَدْتُ قَاضِيًا عَادِلاً) . ويُوقف على المُعَرَّف باللاّم منه في حال رفعه وجرّه بسكون يائه- كما تقدّم-، وبالألف في حال نصبه. فإنْ كان نكرةً وقفتَ بحذف الياء؛ فتقول: (هذا قاضْ) و (مررتُ بقاضْ) ؛ وفي حال نصبه بالألف المبدلة من التّنوين مع إثبات يائه فتقول: (رأيتُ قاضِيا) ، ويجوز إلحاق الياء به في قَوْلِهِمْ: (هذا قاضِي) و (أقَمْتُ بِوَادي) 1. وكذلك حذفها من المعرفة، فتقول: (هذا العادِ) 2 و (نَزَلْتُ بالوَادِ) .

وَهَكَذَا تَفْعَلُ فِي يَاءِ الشَّجِي ... وَكُلِّ يَاءٍ بَعْدَ مَكْسُورٍ تَجِي هَذَا إِذَا مَا وَرَدَتْ مُخَفَّفَهْ ... فَافْهَمْهُ عَنِّي فَهْمَ صَافِي المَعْرِفَهْ [18/ب] المنقوصُ مستوٍ في حكم إعرابه - على ما تقدّم -، [سواء كان] 1 ثلاثيًّا2، أَوْ رُبَاعِيًّا، أو خُمَاسيًّا، أَوْ سُدَاسيًّا، كـ (الشّجي) و (القاضِي) و (المُشْتَرِي) و (المُسْتَقْصِي) . فإِنْ كانت ياؤهُ مشدَّدةً، كـ (الصبيِّ) و (الكُرسيِّ) و (الأَلمَعيِّ) . أوكان ما قبلها ساكنًا، كـ (ظَبْيٍ) و (دَلْوٍ) ،كان كالاسم السّالم في تعاقُب الحركات عَلَيْهِ3.

_ 1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق. 2 في أ: كاثلاثيًّا. 3 لأنّه قد اختلّ فيه شرطٌ من شروط الاسم المنقوص.

باب الاسم المقصور

بَابُ الاِسْمِ الْمَقْصُورِ: وَلَيْسَ لِلإِعْرَابِ فِيمَا قَدْ قُصِرْ ... مِنَ الأَسَامِي أَثَرٌ إِذَا ذُكِرْ مِثَالُهُ: يَحْيىَ وَمُوسَى وَالْعَصَا ... أَوْ كَحَيًا أَوْ كَرَحىً أَوْ كَحَصى الاسم المقصور: ما كان آخِرُهُ ألفًا مُفْرَدَةً. وقيل: ملساء، أي: لا يَتبعُهَا هَمْزَةٌ. [19/أ] والقصر في اللّغة: الحبس1؛ فَسُمِّي مقصورًا من ذلك؛ لأنّه يُقَدَّرُ إعرابه في رفعه ونصبه وجرّهِ، فتقول: (هذا يحيى) ؛ فعلى حرف إعرابه ضمّةٌ مقدّرةٌ، و (رأيتُ يحيى) ، فعلى حرف إعرابه فتحةٌ مُقدّرةٌ، و (سلّمتُ على يحيى) ، فعلى حرف إعرابه كسرةٌ مُقدَّرةٌ؛ والمانع من ظهور ما قُدِّر فيه: التّعذّر؛ لأنَّ الألِفَ لا تكون مُتَحَرّكةً البتَّةَ. وفي تسميتهِ مقصورًا ثلاثة أقوال2: أحدُها: أنّه حُبِسَ عن الحركات. الثّاني: أنّ الحركات حُبِسَتْ عَنْهُ. الثّالثُ: أنّها حُبِسَتْ فِيْهِ. والاسم المقصور ينقسمُ قِسْمين: أحَدُهُما: ما يدخله التّنوين، نحو (حَيًا) و (رَحَىً) ،كقوله تعالى: {يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلىً شَيْئًا} 3؛ فالأوّل مرفوع، والثّاني مجرور.

والثّاني: ما لا يدخله التّنوين؛ وذلك إمَّا أن يكون عَلَمًا غيرَ مُنْصَرِفٍ، كـ (موسى) و (سُعدى) ، أو أَنْ يكون مُعَرّفًا باللاّم، كـ (الحَيَا) و (الرّحَى) . فَهَذِهِ آخِرُهَا لاَ يَخْتَلِفْ ... عَلَى تَصَارِيْفِ الْكَلاَمِ المُؤْتَلِفْ [19/ب] يُشِيْرُ بهذا الكلام إلى شَيْئين: أَحَدُهما: أنّه لا يتغيَّرُ آخرها لتغيّرالعامِل الدّاخل عليها لفظًا. والثّاني: أَنَّهُ لا يوقف عليه إلاَّ بالأَلِفْ، مُنوَّنًا كان، أو غير مُنَوَّنٍ1. وفي المنوَّن ثلاثةُ مَذَاهِبٍ: أَحَدُها: مذهب سيبويه2؛ وهو الحكم عليه في الرّفع والجرِّ أَنَّ تنوينه [محذوف] 3 دون عوض، وأنَّ الوقف على الألف الّتي من نفس الاسم، والحكم عليه في النّصب أنّ تنوينه أُبدِل منه في الوقف ألفاً إجراءً له مُجْرَى الصَّحيح4.

والمازنيّ1 يرى: أَنّ الألف الثّابتة2 في الوقف هي بَدَل في ثلاثة أحواله3.

والكسائي1: أنَّ الألف الموقوف عليها هي من نفس الكلمة في الثّلاثة2؛ ويُقَوِّي هذا المذهب ثبوت الرِّوَاية بإِمالةِ الألِف3، والاعتداد بها

رويًّا1؛ وبدل التّنوين لا يكون كذلك2.

_ 1 في قول الشّاعر: وَرُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الحَيَّ سُرَى ... صَادَفَ زَادًا وَحَدِيْثًا مَا اشْتَهَى فألِف (سُرى) هي الرّوي؛ والألف المبدلة من التّنوين في النّصب إذا وقفت عليها لا تكون رويًّا؛ فلا يقع في القوافي مثل: (نظرت زيدًا) - مثلاً - في آخر البيت، ويقع في آخِرِ (آخَر) و (شكرت عمرًا) ، وهما في قصيدة واحدة. ويقويّ هذا المذهب أنّ ألف (هدى) في قوله تعالى: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} [طه: 10] كُتبت في المصحف بالياء، وألف التّنوين تُكتب ألفاً. يُنظر: المرتجل 48، والتّبيين 189، وشرح المفصّل 9/77، وشرح الشّافية 2/283. 2 قد جاء عن بعض العرب قلب الألِف الموقوف عليها همزة أو ياءً أو واوًا، نحو: (هذه أفعأ) أو (أفعي) أو (أفعو) في: (هذه أفعى) ؛ و (هذه عصأ) أو (عصي) أو (عصو) في (عصا) . يُنظر: الكتاب 4/176، 177، 181، والتّكملة 26، وشرح الكافية الشّافية 4/1984، والهمع 6/205.

باب التثنية

بَابُ التَّثْنِيَةِ وَرَفْعُ مَنْ1ثَنَّيْتَهُ بِالأَلِفِ ... كَقَوْلِكَ: الزَّيْدَانِ كَانَا مَأْلَفِي التَّثْنِيَةُ: ضَمُّ الشّيء إلى مِثْلهِ. والغرض بها: الاختصارُ، وحُسْنُ التّركيبِ. وأصلُها: العطفُ؛ ويدلُّ على ذلك قولُ الرّاجز: لَيْثٌ وَلَيْثٌ فِي مَحَلٍّ ضَنْكِ2 ... ................................ [20/أ] وقال غيرُه: كَأَنَّ بَيْنَ فَكِّهَا وَالْفَكِّ3 ... ............................

أراد بينَ فَكَّيْهَا، فلم يستقم له الوزن فعاد إلى الأصل. والتّثنيةُ على ثلاثةِ أضرُبٍ1: تثنية في اللّفظ والمعنى؛ وعليه أكثرُ الكلام. وتثنية في اللفظ دون المعنى؛ وذلك على حُكم التّغْلِيْبِ؛ وهو قليلٌ، كـ (العُمَرَين) 2 و (القَمَرين) 3و (الأَبوَين) 4.

وتثنية في المعنى دون اللّفظ؛ وهو لِمَا كان في الجَسَدِ منه شيءٌ واحدٌ، وأُريْدَ تثنيتُه وهو مضافٌ إلى مثنّى، فهو يكونُ بلفظ الجمع، مثل: (أعجبني وجُوهُكُمَا) و (سَرَّني طيبةُ قُلُوبِكُمَا) ، وكقوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} 1. ويشترك في التّثنية: المُذكّر والمؤنّث، والمنكّر والمعرَّف، ومَن يَعْقِل ومن لا يَعْقِل2. والألفُ في قولك: (الزّيدان) تدلّ على ثلاثة أشياء3:

أَحَدها: أنّها حَرْفُ الإعْرَابِ. الثّاني: علامة الرّفع. الثّالث: الدَّالُّ على التّثنية. وحرف إعراب المفرَد يُفْتَحُ1قبل دخول الألف أو الياء؛ ولهذا يَثْبُتُ بالاسم المنقوص؛ وذلك لخفّة الفتحة. [20/ب] وَنَصْبُهُ وَجَرُّهُ بِالْيَاءِ ... بِغَيْرِ إِشْكَالٍ وَلاَ مِرَاءِ تَقُولُ: زَيْدٌ لاَبِسٌ بُرْدَيْنِ ... وَخَالِدٌ مُنْطَلِقُ الْيَدَيْنِ اعلم أَنَّ المنصوب هو أخو المجرور مِنْ وجُوهٍ2: أَحَدُهَا: أنَّ كُلَّ واحدٍ منهما فَضْلةٌ في وُرُوْده. والثّاني: أَنَّ المجرور مفعولٌ لَكنَّهُ لم يُؤَثِّر3فكأنّ حرفَ الجرِّ بَعضٌ من الفعل لتعدِّيه إليه؛ فالمجرور مفعولٌ في المعنى4. الثّالِث: اتفاقهما في حركة البناء إذا كانا ضميرين، كقولك: (قصدتُّكَ) و (وثقتُ بِكَ) و (قصدتُّه) و (شكرتُ له) ؛ فلهذا اشترك المنصوب والمجرور في هذا الباب؛ وفي الجمع السّالم في الإعراب بالياء.

وهذه الياء لَمَّا كان المثنّى مرفوعًا بقرار الألف، ثم دخل عليه عاملُ جرٍّ لمقتضى المعنى؛ فقلبت الألف ياءً للمناسبة، فلم يبق إلاَّ حمل النّصب على الرّفع أو على الجرّ؛ فكان حمله على الجرِّ أَوْلى لِمَا تقدَّم من المُمَاثَلةِ1. فالياء: حَرْفُ الإعراب، وعلامةُ التّثنية، وعلامةُ الجرِّ أو النَّصْبِ. والنّون: دخلت المثنّى عِوَضًا من الحركات والتّنوين2،وكُسِرَتْ على الأصل في التقاء السّاكنَيْن3، وحَكَى [21/أ] الفرّاءُ4 فتحها5،

وقال:"هي لغة بعض العرب"1، وأَنْشَدَ: عَلَى أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ عَشِيَّةً ... فَمَا هِيَ إِلاَّ لَمْحَةٌ وَتَغِيْبُ2 ويسلم في التّثنية نظم الواحد، إلاَّ اسمُ الإشارةِ والملحق بهِ، وهو (الّذي) وفروعه3،فتقول فيهما: (هذانِ) و (اللّذانِ) و (اللّتانِ) ، وفي

الجرِّ: (مررت بهذينِ) و (اللّذين) و (اللّتينِ) ، وقيل: إنَّ هذه صيغة التّخفيف1 بالتّثنية. والمنقوص، كـ (الشّجيّ) تثبت ياؤه في التّثنية، وليس هو كـ (الّذي) ؛ وذلك لأنَّ (ياءه) تتحرّكُ في حال النّصب، و (ياء الّذي) لا تتحرّك بِوَجْهٍ؛ فَجَرَى لذلك مَجْرَى الصَّحيح. والمقصور إن كانت أَلِفُهُ رابعةً فصاعدًا قُلِبَتْ (ياءً) في التّثنية، فتقول في تثنية (موسى) و (سُعدى) في الرفع: موسيان، وسعديان، وفي (مصطفى) : مصطفيان. فإنْ كانت ألِفُه ثالثةً رَدَدْتَهَا إلى أصلها واوًا أو ياءً؛ والطّريق في2 ذلك: أن تنظر في تصريف الكلمة، فإنْ وَجَدْتَ الواوَ في بعض تصاريفها فهي من ذوات الواو، وإِنْ وَجَدْتَ الياءَ فهي من ذوات الياء؛ فتقول في تثنية (قَفًَا) و (عَصًَا) : قَفَوان، وعَصَوان؛ لأنّهما من (قَفَوت) و (عصوت) .

وتقول في تثنية (هُدًى) و (رَحَىً) هُدَيَانِ، ورَحَيَانِ؛ لأنّهما من (هَدَيْتُ) و (رَحَيْتُ) . وإن ثنّيتَ الممدودَ أَبدلت1همزتَهُ واوًا فيما لا ينصرف، وأقررتها فيما ينصرف؛ فتقول في تثنية (حمراء) و (حسناء) : حمراوان، وحسناوان، وفي تثنية (سماء) و (كساء) : سماءان، وكساءان؛ وقد ورد إبدالهما واوًا2، والأوّل أفصح3. [21/ب] ويلتحق4 الأَلِفُ واللاّم بأوّل المثنّى إذا [كان] 5 عَلَمًا جَبْراً6 لِمَا حَصَل له من التّنكير بالتّثنية7. وَتَلْحَقُ النُّونُ بِمَا قَدْ ثُنِّيَ مِنَ المَفَارِيْدِ لِجَبْرِ الْوَهْنِ هذه النّونُ بها جَبْرٌ لِمَا حَصَلَ للمفرديْن8من الضّعف؛ لسقوط الحركتين والتّنوين لفظًا أو تقديرًا. وهذه النّونُ تُفارِقُ التّنوين في أَنّ حركتها لازِمةٌ، وأنها تثبتُ في الوقف، [و] 9 مع الألِف واللاّم10.

[بَابُ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ] 1: وَكُلُّ جَمْعٍ صَحَّ فِيْهِ وَاحِدُهْ ... ثُمَّ أَتَى بَعْدَ التَّنَاهِي زَائِدُهْ فَرَفْعُهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونُ تَبَعْ ... مِثْلُ: شَجَانِي الْخَاطِبُونَ فِي الْجُمَعْ [22/أ] الجمع هو: ضَمُّ الشّيء إلى أَكثرَ مِنْهُ. وهو ينقسم إلى جمع صِحَّة، وإلى جمع تكسير. فجمع الصّحّة: ما سَلِمَ فيه نظمُ الواحد وبناؤه. وجمع التّكسير: ما تغيّر فيه نظمُ الواحد وبناؤه. وإعرابه بالحروف على حكم ما تقدّم، ورفعه بالواو مضموماً ما قَبْلَهُ. فالواو علامة رفعه، وعلامة جمع الصّحّة، وحرف الإعراب؛ وكذلك الياء. وحكم النّون التّابع الواو والياء حكم نون التّثنية. وهذا الجمع من شرطه2: أَنْ يكون مذكّرًا، علَمًا، عاقلاً، عاريًا من تاء التّأنيث وألف التّأنيث.

وَنَصْبُهُ وَجَرُّهُ بِالْيَاءِ ... عِنْدَ جَمِيْعِ الْعَرَبِ الْعَرْبَاءِ تَقُولُ: حَيَّ النَّازِلِيْنَ فِي مِنَى ... وَسَلْ عَنِ الزَّيْدِينَ هَلْ كَانُوا هُنَا قوله:"عند جميع العرب"أي: إنَّ إعرابه على هذا الحكم لم يقع فيه خُلْفٌ كما اختُلِفَ في إعراب المثنّى؛ فجعله بعضُهم1بالألِف في جميع أحواله، وعليه حمل بعضُهم قوله تعالى: {إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} 2، ومنه [22/ ب] قول المُتَلَمِّس3: فَأَطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ رَأى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا4

بل اتُّفِقَ على إعرابه كما1 تقدَّم [عند] 2جميع العرب، وكان الإعرابُ فيه بالانقلاب؛ لامتناع ظهور الحركات على الواو المضموم ما قبلها؛ فاستقرّت الواو في الرّفع؛ فإذا دخل [عليه] 3عامل الجرّ قُلِبَت ياءً للمناسبة، وكُسِرَ4ما قبلها لئلاّ يلتبس الجمع بالمثنّى في بعض الصُّور، وحُمِلَ النّصب على الجرّ-كما مَرَّ في (باب التّثنية) 5. والتحاق النّون عِوَضًا - كما تقدّم - عن الحركة والتّنوين؛ ولذلك: تسقط في الإضافة كسقوط التّنوين، وتثبُتُ6 مع الألِف واللاّم؛

لكونها1 بدلاً من الحركة، وفتح النّون تخفيف. وأَوْجَبَ الرّفع - ههنا2بالواو، وفي المثنّى بالألِف - قِلّةُ هذا الجمع بما شُرط فيه؛ فاختصَّ بالواو لِقِلّته، وكثرة ما يُثنّى [بالألِف3] [لِخَفّة] 4 الألِف؛ وكان ذلك تَعْدِيلاً. فالواو والنّون، أو الياء والنّون المكسور ما قبلها؛ لا يدلاّن إلاَّ على جمع5الصّحّة، ولا يوصَف بهما إلاَّ مَن يعقِل، كقولك: (الزّيدون) [و] 6 (السّابقون) . [23/أ] فإنْ وصفت ما لا يعقل أتيتَ7بالألِف والتّاء، فتقول من ذلك: (نَخْلٌ باسِقات) و (خَيْلٌ سابقات) . فإنْ أتى8ما لا يعقل موصوفًا بالواو والنّون؛ فذلك9 لِمُنَاسَبَةٍ، أو تنزيل منزلة من يعقِل، كقوله تعالى إخبارًا عن السّماء والأرض: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 10، فَنُزِّلا لوصفهما بالقول منزلة من يَعْقِل؛ ومثله

قوله تعالى حكايةً عن النّملة: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} 1، وكذلك: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِيْنَ} 2. فساغ ذلك تغليبًا بالوصف بمن يعقل. أو تغليبًا لمجاوَرةٍ، كقولك: (الفَرَسُ والجَمَلُ وعمرٌو ذاهبون) و (هندٌ وسعادٌ وزيدٌ منطلِقون) .أو تشبيهًا من جهة اللّفظ3، كـ (عشرين) إلى (تسعين) ؛ وهذا من أسماء الجموع. و (أَرضون) 4 و (سنون) 5 وما جاء مِن ذلك ممّا

حُذِف هَاؤه1، فيجمع بالواو والنّون تعويضًا2. فإنْ جمعت اسمًا مقصورًا3فإنّك تفتح ما قبل علامة الجمع؛ ليدلّ على الألِف المحذوفة، كقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ} 4، وفي جمع المصطفى: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} 5. وكذلك ياء المنقوص تُحذف في هذا الجمع، كقولهم في الرّفع: (القاضون) ، وفي الجرّ والنّصب: (القاضين) ؛ [23/ب] وحذفها لامتناع دخول الضّمّة والكسرة على هذه6 الياء. وَنُوْنُهُ مَفْتُوحَةٌ إِذْ تُذْكَرُ ... وَالنُّونُ فِي كُلِّ مُثَنًّى تُكْسَرُ

وذلك لأَنَّ الفتح بعد الضَّمّ أو الكسر خفيفٌ، والكسر بعد الألِف أو الياء أثقل من ذلك؛ فكان تعديلاً بأنْ جُعِلَ الأخفّ للأثقل والأثقل للأخفِّ1. وقد كَسَرَ الشّاعِرُ نونَ الجمع للضّرورة2، فقال: أَكُلُّ الدَّهْرِ حِلٌّ وَارْتِحَالٌ ... أَمَا يُبْقِي عَلَيَّ وَلاَ يَقِيْنِي؟ وَمَاذاَ يَدَّرِي3 الشُّعَرَاءُ مِنِّي ... وَقَدْ جَاوَزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِيْنِ؟ 4

وَتَسْقُطُ النُّونَانِ فِي الإِضَافَهْ نَحْوُ: رَأَيْتُ سَاكِنِي الرَّصَافَهْ1 سقُوطُها في الإضافة كسقوط التّنوين في المضاف؛ فتقول: (غُلاما زيد) و (مسلمو المدينة) 2. وثبتت3هاتان النّونان مع الألِف واللاّم، ولم تثبتا4مع المضاف؟. لأنّ الإضافة زيادةٌ أُلحِقَت بآخر الاسم [24/أ] كنون التّثنية، ونون الجمع؛ فاستثقل التَّوالي بين زيادتين؛ وليس كذلك الألِف واللاّم لِمَا بينهما من الافتراق5.

_ 1 ورد في متن الملحة 13، وشرح الملحة 108 بعد هذا البيت بيتٌ آخَر، وهو قولُه: وَقَدْ لَقِيْتُ صَاحِبَيْ أَخِينَا ... فَاعْلَمْهُ فِي حَذْفِهَا يَقِينَا 2 في ب: مكّة. 3 في كلتا النّسختين: ثبات، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبَت. 4 في كلتا النّسختين: يثبتا، وهو تصحيف. 5 لأنّ النّون عوضٌ من الحركة والتّنوين، والتّنوين لا يثبت مع الإضافة؛ فكذلك ما هو بدلٌ منه. يُنظر: كشف المشكِل 1/261، وشرح المفصّل 4/145.

باب جمع التأنيث

بَابُ جَمْعِ التَّأْنِيْثِ: وَكُلُّ جَمْعٍ فِيهِ تَاءٌ زَائِدَهْ ... فَارْفَعْهُ بِالضَّمِّ كَرَفْعٍ حَامِدَهْ وَنَصْبُهُ وَجَرُّهُ بِالْكَسْرِ ... نَحْوُ: كَفَيْتُ المُسْلِمَاتِ شَرِّي جمع المؤنّث السّالم بالألف والتّاء؛ والمؤنّث له ثلاث علامات: أَحَدُها: التّاء الّتي تثبُت هاءً في الوقفِ1؛ وهي على ضرين2: فَارِقة بين المُذكّر والمؤنّث، كقولك: (مُسْلم) و (مسلمة) ؛ وفارِقة بين الجنس ونوعه، كـ (شجر) و (شجرة) . وَغَيرِ فارقةٍ، كما3 في (غَرْفَةٍ) 4 و (جَفْنَةٍ) . الثّانية5: الألِف المقصورة، كألف (سُعدى) و (حُبْلَى) . الثّالثة: الألِف الممدودة، كألف (حسناء) و (حمراء) .

فَتُجْمَعُ هذه الثّلاثة بالألف والتّاء؛ فهما بمنزلة حرف الإعراب. ويشترك في هذا الجمع من يعقل من المؤنّث، وما لا يعقل، كقولك: (مسلمات) و (فاطمات) و (سعديات) و (حسناوات) [24/ ب]- بإبدال الهمزة واوًا1- و (شجرات) . وحُذِفت التّاء من (مسلمةٍ) ولم تُحذف الألف المقصورة ولا الممدودة؛ والكُلُّ علامات التّأنيث؛ لأنَّ التّاء الّتي حُذِفت كالتّاء2 الّتي بعد الألِف؛ فكرهوا أَنْ يجمعوا بين علامتين كالشّيء الواحد، فحذفوا الأولى؛ لاستغنائهم عنها بالثّانية؛ وليس كذلك العلامتان؛ لأنّهما من غير جنس التّاء. وحكم إعراب هذا الجمع: ضَمُّ تائِه في الرّفع، وكسرها في الجرّ والنّصب اتباعًا لجمع المذكّر السّالم؛ ومنصوبه محمولٌ على مجروره3. وجميع صِفات المؤنّث تجمع بالألِف والتّاء، إلاَّ ما كان على وزن (فَعْلاء) الّتي مذكّرها (أَفْعل) ، كـ (بَيْضاء) و (حَمْراء) ؛

أو على1 وزن (فَعْلَى) الّتي مذكّرها (فَعْلاَن) ،2كـ (سَكْرَى) و (غَضْبَى) ؛ فلا يقال: (بَيْضَاوَاتٍ) ، كما لم يَقُلْ في مذكّرها (أَبْيَضُون) ، وكذلك لا يُقال: (سَكْرَانُون) 3؛ لأنّ كلّ ما لم يُجْمع مُذكَّرُه بالواو والنّون فلا يُجمع مُؤنّثه بالألِف والتّاء4. وإنْ كان ممّا ثالِثُه ألِفٌ بعدها تاء التّأنيث5 الموقوف عليها بالهاء6؛ حُذِفت التّاء، وقلبت إلى أصلها؛ فتقول في جمع (غَزَاةٍ) و (قَنَاةٍ) : غَزَوَاتٍ، وقَنَواتٍ؛ لأنّ أصل ألِفها: الواو؛ وتقول في جمع (فَتَاةٍ)

و (دَوَاةٍ) 1: فَتَيَاتٍ2، [25/أ] ودَوَيَاتٍ؛ لأنَّ أصل ألِفها الياء. وقد جاء عن العرب جَمْعُ أسماء مُذَكَّرةٍ من أجناس ما لا يعقل؛ وذلك ممّا لا يوجد إلاَّ سماعًا ولا يُقاس عليه، كقولهم في جمع (حَمَّامٌ) و (مَقَامٌ) و (سُرَادِق) 3 و [إيوان] 4: حَمَّامَاتٌ، ومَقَامَاتٌ، وسُرَادِقَاتٌ، وإيْوَانَاتٌ5؛ وكذلك: (المحرَّم) و (شَعْبان) و (رَمَضَان) و (ذُوْ القعدة) و (ابْنُ عِرْسٍ) 6 و (ابنُ آوَى) 7: مُحَرَّمات، وشَعْبَانَاتٍ، و [رَمَضَانَاتٍ] 8، وذواتِ القعدة، وبَنَاتِ عِرْسٍ، وبنات آوَى9.

_ 1 في أ: في جمع دواةٍ، وفتاةٍ. 2 في ب: قنيات. 3 السُّرادِق: ما أحاط بالبناء؛ والجمع: سُرادِقات. وقيل: هو كلّ ما أحاط بشَيْءٍ مِنْ حائط، أو خِباء. يُنظر: اللّسان (سردق) 10/157. 4 ما بين المعقوفين ساقط من أ. 5 في أ: وإيواناتٍ، وسُرادِقَاتٍ. الإيوان: الصُّفة العظيمة كالأَزَج، وهو أعجميّ مُعرَّب، وجمعه: إِيواناتٌ وأوَاوينُ. يُنظر: الصّحاح (أون) 5/2076، والمعرّب 113، واللّسان (أون) 13/40. 6 ابنُ عِرْسٍ: دُوَويْبَّةٌ معروفة دون السِّنَّوْر، أشتر أصلم أصكُّ له ناب؛ والجمع: بنات عِرْسٍ ذكرًا كان أو أنثى، معرفة ونكِرة. اللّسان (عرس) 6/137. 7 ابن آوى: هو الصغير من الذّئاب. ينظر: المنتخب من غريب كلام العرب 1/370. 8 ما بين المعقوفين ساقط من أ. 9 يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/303، وشرح التّسهيل 1/114، والهمع 1/70.

باب جمع التكسير

بَابُ جَمْعِ التَّكْسِيْرِ: وَكُلُّ مَا كُسِّرَ فِي الجُمُوعِ ... كَاْلأُسْدِ وَالأَبْيَاتِ وَالرُّبُوعِ فَهْوَ نَظِيرُ الْفَرْدِ فِي الإِعْرَابِ ... فَاسْمَعْ مَقَالِي وَاتَّبِعْ صَوَابِي جمع التّكسير هو: ما تغيّر1 [فيه] نظم الواحد وبناؤه2؛ لأَنَّ واحدَهُ يُكسَّر فيه كما يُكسر الإناء، ثمّ يُجمع على صيغة أُخرى3. والتّغيير الّذي يقع فيه على ثلاثة أَضْرُبٍ4:

أَحَدُهَا: بزيادة؛ كقولك في جمع (ثَوْبٍ) : أَثْواب. الثّاني: بنقصان؛ كقولك في جمع (كتاب) و (إزارٍ) : كُتُب، وأُزُر. الثّالث: أَن يأتي على عَدَدِ حُرُوفهِ مع تغيير الحركة والسّكون؛ [25/ب] كقولك في جمع (رَهْنٍ) و (سَقْفٍ) : رُهُن، وسُقُف. وحكم إعراب هذا الجمع كإعراب واحده؛ في اعتقابِ حركات الإعراب عليه1. والألفاظُ2 الّتي بها الجمع تنقسم إلى قسمين: قسمٌ وُضِعَ لأقلّ العدد. وقسمٌ وُضِعَ للكثرة. وحدّ القليل ما بين الثّلاثة إلى العشرة، والكثير ما جاوز ذلك. وأبْنية جمع القِلّة أربعة؛ وهي: (أَفْعُل) : كـ (كَلْبٍ) و (أَكْلُبٍ) . و (أَفْعَال) : كـ (جَمَلٍ) و (أَجْمَالٍ) . و (أَفْعِلة) : كـ (رِدَاءٍ) و (أَرْدِيَةٍ) .

و (فِعْلة) : كـ (غُلاَمٍ) و (غِلْمَةٍ) . وما سوى هذه الأربعة فهي جموع1 كَثْرةٍ، ويُسْتَعْمَلُ كُلٌّ منها في موضع الآخر مجازًا2.

فَصْلٌ: والمذكور ههنا من هذا الجمع ممّا يحتاج إلى معرفة تصريف ألفاظه، وممّا يختصّ على سبيل الاختصار. نبتدئ أوّلاً بالثّلاثيّ على ترتيب أوزانه؛ والغالب أَنْ يأتي جَمْعُ1 جميعها على (أَفْعَالٍ) 2، وقد يأتي منها على غير ذلك. الأوّل: فَعْلٌ سالم ساكن العين كـ (سَمْعٍ) و (أَسْمَاعٍ) ؛ و (أَفْعُل) كـ (اكْعُبٍ) ، وفي الكثرة (فِعَال) كـ (كِعَاب) 3؛ و (فُعُول) كـ (نُجُوم) ؛ [26/أ] و (فُعْلاَن) كـ (بُطْنَان) 4، و (فَعِيْل) كـ (عَبِيد) ؛ و (فَعْل) كـ (لَحْد) 5؛ و (فِعْلاَن) كـ (عِبْدان) ؛ و (أَفْعِلَة) كـ (أَنْجِدَة) . وممّا عينه ألف، أو واوٌ، أو ياءٌ، فيأتي [على (أَفْعَال) كـ (أَبْوَابٍ) و (أَثْوابٍ) و (أَبْيَاتٍ) ؛ و (أَبْيُتٍ) و (أَثْوُبٍ) شاذّان] 6؛ ومن مضاعفه

(فُعُول) كـ (فُصُوص) ؛ و (فُعُولة) كـ (عُمُومة) . [و1] (فَعَل) المفتوح2 العين له من الجموع: (أَفْعَال) كـ (أَبْصَار) ؛ و (أَفْعُل) كـ (أَزْمُن) ؛ و (فُعُول) كـ (ذُكُور) ؛ و (فُعْلاَن) كـ (حُمْلاَن) 3، و (فُعْل) كـ (أُسْدٍ) ؛ و (فِعَالة) كـ (حِجَارةٍ) ؛ و (فِعِيل) كـ (عِصِيّ) ؛ ومن مُعْتَلّهِ (أَفْعُلْ) كـ (أدْؤُرٍ) . [و4] (فَعِل) المكسورالعين من أوزان جمعه: [ (أَفْعَال) كـ (أَكْتَاف) ؛ و (فُعُول) كـ (كُبُود) و (وُعُود) ؛و (فُعُل) كـ (نُمُر) 5.و (فَعُل) المضموم العين من أوزان جمعه] 6: (أَفْعَال) كـ (أَعْضَاد) ؛ و (فِعَال) كـ (رِجَال) ؛ و (افْعُل) كأضْبُع7 شاذّ8. المكسور الفاء السّاكن العين من أوزان جمعه: (أَفْعَال) كـ (أَحْمَال) 9،

و (فُعُول) كـ (سُتُور) ؛ و (فِعَلَة) كـ (قِرَدَةٍ) ؛ و (فُعْلان) كـ (ذُؤْبان) ؛ و (أَفْعُل) [كـ] 1 (أَذْؤُب) ؛ وهو قليل؛ و (فِعْلان) كـ (صِنْوان) 2؛ و (أَفْعَال) لِمَا اعتلَّ عينه كـ (آبَار) 3 و (أَمْيَال) 4؛ و (فِعَال) كـ (رِيَاح) ؛ ومن مضاعفه (فِعَال) كـ (زِقَاقٍ) ، و (فُعُول) كـ (زُقُوقٍ) . المكسور5 الأوّل المفتوح العين منها: [26/ب] (أَفْعَال) كـ (أَعْنَاب) و (أَضْلاعٍ) و (أَضْلُعٍ) 6 شاذّ. [و7] المكسور الفاء والعين له: (أَفْعَال) كـ (إِبِلٍ) و (آبَالٍ) . المضموم الأوّل السّاكن العين من أوزان جمعه (أَفْعَال) كـ (أَقْفَالٍ) ؛ وشَذَّ (أَفْعُل) 8 كـ (أَرْكُنْ) ؛ و (فُعُول) كـ (بُرُود) ، و (فِعْلاَن) لمعتلّه

كـ (كِيْزَان) 1؛ و (أَفْعَال) كـ (أَسْوارٍ) ؛ و (فِعَال) كـ (رِمَاح) 2. المضموم الأوّل المفتوح العين من أوزان جمعه: (أَفْعَال) كـ (أَرْطَابٍ) ؛ و (فِعْلان) كـ (صِرْدانٍ) 3؛ و (فُعْلان) كـ (جُرْذان) 4. المضموم العين والفاء من أوزان جمعه: (أَفْعَال) كـ (أَطْنابٍ) و (أَعْنَاقٍ) في القِلَّة والكثرة؛ ومن مضعّفه (أَفْعَال) كـ (أَمْدَاد) 5؛ وَشَذَّ منه (فُعُول) كـ (خُصُوص) 6.

فَصْلٌ: الرّباعيّ يأتي جمع (فعَال) على اختلاف فائه، على (أَفْعِلَة) في القِلَّة1 كـ (أَغْرِبةٍ) ، وفي الكثرة: (فِعْلاَن) كـ (غِرْبَان) ، و (أَفْعِلَة) كـ (أَطْعِمَة) و (أَحْمِرةٍ) والكثير (حُمْرٌ) ، و (فُعُل) كـ (شُهُبٍ) ؛ و (أَفْعِلة) للمعتلّ اللاّم كـ (أَقْبِية) ، وللمدود كـ (أرْدِيَة) ، ومضاعفًا لـ (زِمامٍ) 2 كـ (أزِمَّةِ) ؛ ومن أمثلة جمع القلّة (فِعْلة) كـ (غُلاَم) و (غِلْمَة) . ومن الكثرة (فُعُل) كـ (أُتُن) ؛ وممّا ثالثه حَرْفُ علّةٍ: (قُصُب) و (صُبُر) ، و (فُعَل) للمؤنّث كـ (غُرَفٍ) ، [27/أ] وللمؤنّث بالألِف المقصورة كـ (الكُبْرى) و (كُبَر) ، و (فِعَل) كـ (قِصَع) 3. وجائز أن يجمع ما كان على (فَُعلَة) من مفتوح العين، ومكسورها، أو مضمومها بالألِف والتّاء. فإنْ كان صفة جُمِعَ على (فَعْلاَت) - بسكون العين -كـ (ضَخْمةٍ) (عَبْلة) 4؛ فتقول: ضَخْمَات، وعَبْلاَت.

وإنْ كان اسمًا، كـ (جَفْنَةٍ) 1 جُمِعَ بفتح عينه وسكونها، كـ (جَفنَاتٍ) و (جَفْنَاتٍ) و (جِفَانٍ) ، وكذلك (صَحْفَة) 2. فإنْ كان ثاني الاسم حرف عِلَّة سكنت في جَمْعِهِ، كـ (بَيْضَاتٍ) و (رَوْضَاتٍ) 3؛ وتقول في المضّعف: (مَرَّاتٍ) . ويفرّق4 في هذا بين المخلوق والمصنوع [فتقول] 5: (نَخَلاَتٍ) و (نَخْل) ، و (جَوْزَاتٍ) و (جَوْز) ؛ ولا يُقال: [في] 6 (جَفْن) ؛ ( [جفنات] 7) لأنَّه مصنوع؛ وتقول في (ظُلْمة) 8: (ظُلُمَات) و (ظُلَم) - بضمّ ثانيه وتسكينه وفتحه -فتقول: (ظُلُمات) و (ظُلْمات) [وظُلَمات] 9.

وكذلك المكْسور الفاء بكسرها وفتحها؛ فتقول في (سِدْرَةٍ) : (سِدَرَاتٍ) و (سَِدَرَاتٍ) 1. [وسِدْرات] 2. ومن جُموع3 الكثرة (فُعَلَة) وصفٌ لمذّكر عاقل، كـ (قُضَاة) و (رُمَاة) ؛ و (فَعَلَة) كـ (كَمَلَة) 4 و (فَجَرة) 5. ومنه: (فَعْلَى) ممّا جاء صفة كـ (فَعِيل) 6 و (فَعْلى) ، أو لِمَا هو بمعنى فاعل كـ (مَرْضَى) 7، أو لفاعل كـ (هَلْكَى) ، أو لفَيْعل8 كـ (مَوْتَى) ، أو لأفْعَل كـ (حَمْقى) ، أو لفَعْلان كـ (سَكْرَى) . ومنها: (فُعَلاَء) وأكثر9ما يدلّ على مدح جمعًا لفَعِيل [27/ب] كـ (ظُرَفَاء) 10، ومنه أَفْعَال كـ (أَشْرَافٍ) ؛ أو لِفَاعِلٍ كـ (صُلَحاء) ، ومنه (أَفْعِلاَء) لفَعِيل كـ (أَشِدَّاء) و (أَوْلِيَاء) .

ومنها: أوزانٌ يُعْلَمُ بها على اختلافها نهايةُ ما يرتقي إليه الجمع، فمنها: (أَفَاعِل) جمع (أَفْعُل) كـ (أَدَاهِم) و (أَجَادِل) ، و (فَوَاعِل) -لـ (فَوْعلٍ) 1-كـ (جَوَاهِرٍ) ، ولـ (فاعِل) 2 كـ (طَوَابِع) ، ولمذكّر لا يعقل كـ (صَوَاهِل) ؛ وشَذَّ منه للمذكّر العاقل: (فَوَارِس) و (سَوَابِق) ، ومنه صِفَةٌ لمؤنّث كـ (حَوَائِض) و (صَوَاحِب) ، ولفاعلة مطلقًا كـ (فَوَاطِم) . ومنه3 (فَعَائِل) كـ (سَحَائِب) و (رَسَائل) ؛ وللمجرّد من الهاء كـ (عَجَائز) ؛ ومنه (فَعَالِي) كـ (مَوَامٍ) 4، و (سَعَالٍ) 5، و (فَعَالى) كـ (عَذَارَى) و (حَبَالى) ، و (فعالِيَّ) كـ (كَرَاسيّ) ، و (فَعَالِل) كـ (جَعَافر) و (بَرَاثن) ، وما قبل آخره حرف مدٍّ يُجْمع على (فَعَاليل) كـ (قَنَادِيل) ؛ وهذان المثالان إليهما مُنتهى الجموع. [28/ أ] فإذا كان في الاسم من حروف الزّيادة ما يخلّ بقاؤه بأحد المثالين حُذِف كـ (سَفَارِج) 6؛ فإنْ تأتَّى بحذف بعضٍ وإبقاء بعضٍ؛ أُبقي7 ماله مَزيّةٌ، فإنْ

ثبت التّكافؤ؛ فالحاذف1 مُخيّر؛ فعلى هذا تقول2 في3جمع (مُسْتَدعٍ) : (مَدَاعٍ) 4، [و5] حذفوا ما قبل الآخر إذا6 كان يشبه حروف الزّيادة، فقالوا في (فَرَزْدق) : (فَرَازِد) و (فَرَازِقْ) .

_ 1 في كلتا النسختين: فالحاذق والتصويب من ابن الناظم 784. 2 في أ: يقول. 3 أي: فيما له مزية. 4 "تقول في (مُسْتَدْعٍ) : (مَدَاع) بحذف السّين والتّاء معًا؛ لأنّ بقاءهما يخلّ ببنية الجمع؛ وأُبقيت الميم لأنّ لها مزيّة في المعنى عليهما؛ لكون زيادتها لمعنىً مختصّ بالأسماء؛ بخلافهما فإنّهما يزادان في الأسماء والأفعال". الأشمونيّ 4/149. 5 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق. 6 أي: إذا لم يكن له مزيّة.

باب حروف الجر

بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ: وَالجَرُّ فِي الاِسْمِ الصَّحِيْحِ المُنْصَرِفْ ... بِأَحْرُفٍ هُنَّ إِذَا مَا قِيلَ صِفْ مِنْ وَإِلَى وَفِي وَحَتَّى وَعَلَى ... وَعَنْ وَمُنْذُ ثُمَّ حَاشَا وَخَلاَ قولُه: (والجرُّ في الاسم) يُشير إلى اختصاصه به. وقوله: (الصّحيح) احترازًا مِنَ المُعْتلّ؛ لأنَّ الجرَّ فيه مُقدّرٌ. وقوله: (المنصرف) احترازًا ممّا لا ينصرف. وقوله: (بأحرف) يُعْلَمُ منه أنَّ الاسم يُجرُّ بغير الحرف، وهو الاسم؛ فإنْ تضمَّن الاسم الأوّل معنى زمانٍ أو مكان فهو ظرفٌ1، والاسم الثّاني مخفوضٌ2 به؛ وإنْ لم يتضمّن ذلك فهو مضافٌ3، والثّاني مضافٌ إليه؛ لكنَّهُ تقدّم بذكر الحرف؛ لأنَّه أولى بالعمل من الاسم. وابتدأ بذكر (مِنْ) لأنَّها أُمُّ [28/ب] الباب؛ وهو حرفُ جَرٍّ يدخل على الظّاهر، وعلى المضمر؛ تقول: (أخذت من زيدٍ) و (سمعت منه) ؛ وله مَعَانٍ: أَحَدُها: ابتداء الغاية في المكان، كقوله4: (قُمْتُ من الدّار) . وللتّبعيض، كقولك: (أَنْفَقْتُ من المال) . ولتمييز الشّيء5 من غيره، كقولك: (أُحِبُّ الحَمَامَ من الطَّيْرِ) .

وتكون سببيّة، كقولك: (من أجل السّلامة أَطَلْتُ الصَّمْتَ) . ومنه قولُ الفرزدق1: يُغْضِي حَيَاءً ويُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَلاَ يُكَلَّمُ إِلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ2 وتقع3 مكان باء القسم، كقولهم: (من ربِّي مَا فَعَلْتُ ذلك) أي: بربِّي أَقْسمْتُ.

وتكون زائدة1، ويشترط لذلك2 أَنْ تكون بعدحرف نفي، كقوله تعالى: {مَالَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ} 3؛ أو بعد استفهام كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ} 4. وتكون [زائدة] 5 في الموجب؛ وهو مذهب الأخفش6؛

وسيبويه1 لا يرى ذلك، ومنه قول إياس بن الأرتِّ2: فَإِنْ يَكُ خَيْرٌ أَوْ يَكُنْ3 بَعْضُ رَاحَةٍ ... فَإِنّكَ لاَقٍ4 مِنْ هُمُومٍ وَمِنْ كَرْبِ5 وتقع مكان (على) ، كقوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} 6 أي: على القوم.

وتكون مكان (الباء) ، 1 كقوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} 2 أي: بأمر الله. [29/أ] وقد يكون دالاًّ على ضَرْبٍ من النّعت، كقوله تعالى3: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوثَانِ} 4 أيْ: الرِّجس الْوَثَنِيّ5. وتكون بمعنى (في) ، كقوله تعالى: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْضِ} 6. وتقع لابتداء الغاية في7 الزّمان، كقول امرئ القيس8: لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الْحِجْرِ؟ ... أَقْوَيْنَ9 مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ دَهْرِ10

وكقول الآخر: مِنْ عَهْدِ عَادٍ كَانَ مَعْرُوفًا لَنَا ... أَسْرُ المُلُوكِ وقَتْلُهَا وَقِتَالُهَا1 (إِلَى) : حرف جرٍّ يدخل على الظّاهر والمُضْمَر؛ وله مَعَانٍ: أَحَدُها: انتهاء الغاية، كقولك: (وصلتُ إلى المدينة) .

وتكون بمعنى (مَعَ) ، كقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُم} 1، وتقول العرب: "الذَّوْدُ إِلَى الذَّوْدِ إبِلٌ"2 أي: مع الذّوْدِ. وقد تأتي بمعنى (عند) ، كقول [أبي3] كَبِير4: أَمْ لاَ سَبِيلَ إِلَى الشَّبَابِ وَذُِكْرُهُ ... أَشْهَى إِلَيَّ مِنَ الرَّحِيقِ السَّلْسَلِ5

وقد تأتي مكان (في) ، كقول النّابغة1: [29/ب] فَلاَ تَتْرُكَنِّي بِالوَعِيدِ2كَأَنَّنِي ... إِلَى النَّاسِ مَطْلِيٌّ بِهِ القَارُ أَجْرَبُ3 وكقول طَرَفة4: وَإِنْ يَلْتَقِ5 الحَيُّ الْجَمِيعُ تُلاقِنِي6 ... إِلَى ذِرْوَةِ البَيْتِ العَتِيقِ المُعَمَّدِ7

أي: في ذروة [البيت] 1. (فِي) : حَرْفُ جرٍّ يدخل على الظّاهر والمُضْمَر؛ وله مَعَانٍ: أَحَدُها: الوِعَاءُ والظّرفيّة، كقولك: (زيدٌ في المسجد) و (الخير فيه) . ومن ذلك قولُ سُوَيد بن أبي كَاهِل2: هُمُ صَلَبُوا العَبْدِيَّ فِي جِذْعِ نَخْلَةٍ ... فَلاَ عَطَسَتْ3 شَيْبَانُ4 إِلاَّ بِأَجْدَعَا5

وقد تأتي بمعنى (مَعَ) ، كقول الشّاعر: إِذَا أُمُّ سِرْدَاحٍ غَدَتْ فِي ظَعَائِنٍ1 ... جَوَالِسَ نَجْدًا فَاضَتِ العَيْنُ تَدْمَعُ2 وقد تكون مكان (بعد) ، كقوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} 3 [أي: بعد عامين] 4. وقد تقع موقع (مِنْ) ، كقول امرئ القيس: وَهَلْ يَعِمَنْ5 مَنْ كَانَ أَقْرَبَ عَهْدِهِ ... ثَلاَثُونَ6 شَهْرًا فِي7 ثَلاَثَةِ أَحْوَالِ8

أي: من ثَلاثَة أحوال. [3/ أ] وتأتي بمعنى (الباء) ، كقول الشّاعر: وَتَرْكَبُ يَوْمَ الرَّوْعِ مِنَّا فَوَارِسٌ ... بَصِيرُونَ فِي طَعْنِ الكُلَى1 وَالأَبَاهِرِ2 (حَتَّى) : تكون حرفَ جرٍّ، وغير حرف جرٍّ؛ فإذا كان جارًّا فهو يدخل على الظّاهر. ومعناه: انتهاء الغاية كـ (إلى) .

وإذا ابتدئَ بعدها الكلام؛ فلك في الاسم الواقع بعدها ثلاثة أوجُهٍ: الجرُّ بمعنى (إِلَى) ؛ والنّصب لكونها1 حرف عطفٍ. والرّفع لكون2 الاسم الواقع بعدها مبتدأً؛ فمن ذلك: (أَكَلْتُ السَّمَكةَ حتَّى رَأْسِها) أي: إِلَى رَأْسِها؛ و (حتَّى رَأْسَها) أي: ورَأْسَها؛ (وحتَّى رَأْسُها) أي: حتّى رَأْسُها مأكولٌ؛ [وعلى ذلك] 3 أنشدوا4: أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَيْ يُخَفِّفَ رَحْلَهُ ... وَالزَّادَ حَتَّى نَعْلَهُ أَلْقَاهَا5

برفع (النّعل) ، وجرِّها، ونصبِها. وممّا جاء بعده المبتدأ والخبر قولُ1 جَرِيْرٍ: فَمَا زَالَتِ القَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا ... بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ2 (عَلَى) : حرف جرٍّ يدخل على الظّاهر والمُضْمَر؛ وله مَعَانٍ: أَحَدُها: [30/ ب] الاستعلاء، كقولك: (رَكِبْتُ عَلَى الفَرَسِ) . وقد تكون بمعنى (عند) ، كقولك: (لَهُ عَلَيَّ دَيْنٌ) . وتكون بمعنى (في) ، كقولهم: (أتيتُه على عَهْدِ فلان) أي: في عهده، ومنه قولُ الشّاعر: وَصَلِّ عَلَى حِينِ العَشِيَّاتِ وَالضُّحَى ... وَلاَ تَعْبُدِ3 الشَّيْطَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا4

وتكون بمعنى (مِنْ) ، كقوله تعالى: {الَّذِيْنَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ} 1 أي: من النّاس. وتقع موقع (عَنْ) ، كقول العُقَيليِّ2: إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ ... لَعَمْرُ اللهِ يُعْجِبُنِي رِضَاهَا3

وقد تلمح فيه الاسميّة بدخول حرف الجرّ عليه، كقول الشّاعر: غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا تَمَّ ظِمْؤُهَا1 ... [تَصِلٌّ] 2 وَعَنْ قَيْضٍ3 بِزَيْزَاءَ مَجْهَلِ4 وتكون بمعنى (الباء) ، كقولك5: (سِرْ على اسمِ الله) . (عَنْ) : حرف جَرٍّ يدخل على الظّاهر والمُضْمَر؛ وله مَعَانٍ: أَحَدُها: المجاوزة، كقولك: (بلغني عن زيدٍ حديث) أي: جاوزه. وقد تكون مكان (من أجل) ، قال لبيد: لوِرْدٍ تَقْلِصُ الْغِيْطَانُ6 عَنْهُ7 ... ............................

أي: من أَجْلِهِ. [31/ أ] وتُستعمل بمعنى (اللاّم) ، نحو: (لَقِيْتُه كَفَّةً عَنْ كَفَّةٍ) أي: لِكَفَّةٍ. وتكون بمعنى (على) ، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} 1 أي: على نفسه، ومنه قولُ الشّاعر: وَرَجِّ الْفَتَى لِلْخَيْرِ مَا إِنْ رَأَيْتَهُ ... عَنِ السِّنِّ خَيْرًا لاَ يَزَالُ يَزِيدُ2

أي: على السِّنّ. وتكون1 بمعنى (مِنْ) ، كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} 2 أي: من عباده. وتكون بمعنى (الباء) ، كقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى} 3 أي: بالهوى. ومنه قولهم: (رميت عن القوس) أي: بالقوس4، قال امرؤ القيس: تَصُدُّ وَتُبْدِي عَنْ أَسِيْلٍ وَتَتَّقِي5 ... ............................. وتكون بمعنى (بعد) ، كقوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق} 6،

ومنه قولُ الْعَجَّاج1: وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ عَنْ مَنْهَلٍ2 أَيْ: بَعْدَ مَنْهل. ومنه قولُ3 الحارث بن عُبَادٍ4: قَرِّبَا مَرْبِطَ النَّعَامَةِ مِنِّي ... لَقِحَتْ حَرْبُ وَائِلٍ عَنْ حِيَالِ5

وقيل فيه: إنّه لدخول حرف الجرّ عليه اسم؛ لامتناع دخول الحرف على الحرف، وأنشدوا1: فَلَقَدْ أُرَانِي للرِّمَاحِ دَريَّةً ... مِنْ عَنْ يَمِيْنِي تَارَةً وَأَمَامِي2 [31/ ب] (مُذْ) و (مُنْذُ) : حرفان؛ معناهما: ابتداء الغاية في الزّمان كـ (مِنْ) في المكان3. فـ (مُذْ) : مبنيّ على السّكون، و (مُنْذُ) : على الضَّمّ؛ فتقول: (لَمْ أَرَهُ

مُنْذُ يَوْمُ الجمعة) و (لَمْ أَرَهُ مُذْ اليومُ) ؛ فإذا جُرَّ الزّمان بعدهما فهما حرفا جرٍّ بمعنى (مِنْ) مع الماضي، وبمعنى (في) مع الحاضر كما تقدّم. فإذا أتى بعدهما الفعل حُكِمَ باسميّتهما، [و] 1 كونهما ظرفين2. قال سيبويه3: "وممّا يُضاف إلى الفعل قولك: ما رأيته مُذْ كان عندي، ومُنْذُ جاءني"، ومنه قولُ الفرزدق: مَا زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَدَاهُ إِزَارَهُ ... فَسَمَا فَأَدْرَكَ خَمْسَةَ الأَشْبَارِ يُدْنِي4 كَتَائِبَ مِنْ كَتَائِبَ تَلْتَقِي ... فِي ظِلِّ مُعْتَركِ الْعَجَاجِ مُثَارِ5 وقد يُضافان إلى جملة اسميّةٍ، كقول الآخر:

وَمَا زِلْتُ مَحْمُولاً عَلَيَّ ضَغِينَةٌ ... ومُضْطَلِعَ الأَضْغَانِ1 مُذْ أَنَا يَافِعُ2 وقيل: الغالب على (مُذْ) 3 الاسميّة؛ لوُقوع الحذف فيها4 والتّصغير/ كقولهم: (مُنَيْذٌ) . [32/ أ] والغالِبُ على (مُنْذُ) الحرفيّة5. والأجود أَن يُجرَّ بـ (مُنْذُ) ماضي الزّمان وحاضره، وأن يُجرَّ بـ (مُذْ) حاضر الزّمان، ويرفع ماضيه؛ فتقول: (ما رأيته مُذْ اليومُ) و (لم أَرَهُ مُذ يومان) أي: أَمَدُ6 انقطاع الرّؤية يومان؛

فتحلّ (مُذ) محلّ المبتدأ، و (يومان) الخبر1. والحَاصِلُ: أَنَّ (مُذْ) و (مُنْذُ) لا يخلوان من أَنْ يكونا حرفي جرٍّ، بمعنى: [ (مِن) ] 2 أو (فِي) ، أو اسمين بمعنى: (أوّل3 المدّة) ؛ [أو] 4 جميعها. (حاشا) : حَرْفٌ؛ معناه: الاستثناء مع تنزيه المستثنى. وهو يَجُرُّ ما بعده5، ويدخل على الظّاهر والمُضْمَر6. ومِن عمله قولُ الشّاعر7: حَاشَا أَبِي ثَوْبَانَ إِنَّ بِهِ ... ضَنًّا عَنِ المَلْحَاةِ8 وَالشَّتْمِ9

وقد جعله بعضُهم فِعْلاً1 وَصرَّفه، كقول النّابغة2: ..................................... ... وَمَا أُحَاشِي مِنَ الأَقْوَامِ مِنْ أَحَدِ3 وأنشد4 الأخفش: رَأَيْتُ النَّاسَ مَا حَاشَا قُرَيْشًا ... فَإِنَّا نَحْنُ أَكْثَرُهُمْ فَعَالاَ5

[32/ب] بإلحاق أوّلها1 بـ (ما) المصدريّة. (خلا) : معناها2الاستثناء، والغالبُ عليها3 الجرُّ، وقد نُصِبَ بها؛ فإنْ دخل عليها (ما) فليس إلاَّ النّصب4، كقول5 لَبيد: أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ ... وَكُلُّ نَعِيْمٍ لاَ مَحَالَةَ زَائِلُ6 وَالْبَاءُ وَالْكَافُ إِذَا مَا زِيدَا وَاللاَّمُ فَاحْفَظْهَا تَكُنْ رَشِيدَا (الباء) : حرفُ جَرٍّ مبنيّ على الكسر، واختُصّ بذلك لأنَّه في كلّ مواضعه يَجُرُّ؛

فجُعلت حركته من جنس عمله، وهي تدخل على الظّاهر والمُضمَر؛ ولها مَعَانٍ: أَحَدُهَا: الإلصاق، كقولك: (مسحت يدي بالمنديل) . وتكون بمعنى الاستعانة، كقولك: (ضربتُ بالسّيف) . وتكون بمعنى (على) ، قال عَمْرُو بن قَمِيئةَ1: بِوُدِّكِ مَا قَوْمِي عَلَى أَنْ تَرَكْتِهِمْ سُلَيْمَى إِذَا هَبَّتْ شَمَالٌ وَرِيحُهَا2 أيْ: على وُدِّك، و (ما) زائدة. وتكون بمعنى (مِنْ أَجْل) ، قال لَبيد: غُلْبٌ تَشَذَّرُ3 بِالذُّحُولِ4....... ... ............................................

وقد تكون مكان اللاّم، كقوله تعالى: {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ} 1. [33/أ] وتكون للتّعدية، كقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} 2. وتكون بمعنى (مِنْ) الّتي للتّبعيض، قال الشّاعر: فَلَثَمْتُ فَاهَا آخِذًا بِقُرُونِهَا ... شُرْبَ النَّزِيفِ بِبَرْدِ3 مَاءِ الحَشْرَجِ4

وتكون للمصاحَبة، كقولك: (بِعْتُك الدّارَ بأثاثها) 1. وتكون بمعنى (في) ، كقولك: (أَقَمْتُ بالمدينة) . وتكون زائدة مع الفاعل، كقوله تعالى: {وَكَفَى بِاللهِ شَهِيْدًا} 2، ومع المفعول، كقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 3، ومع المبتدأ4، كقولك: (بحسبك زيد) ، ومع الخبر، كقولك: (ما زيدٌ بقائم) 5.

وتأتي بمعنى (عَنْ) ، كقول الشّاعر: فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي ... عَلِيمٌ1 بِأَحْوَالِ النِّسَاءِ طَبِيْبُ2 وتأتي بمعنى (مِنْ) ، كقوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ} 3، قيل: تكون بمعنى (يشرب مِنها) ، وبمعنى (يشربُهَا) 4؛ قال الهذليّ يذكُر السّحاب: شَرِبْنَ بِمَاءِ5 البَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ ... مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيْجُ6

[و] 1 قال عَنْتَرَةُ2: شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُضَينِ3 فَأَصْبَحَتْ ... زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عَنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ4 [33/ب]

وهي أصل باب القسم. (الكاف) : حرفُ جرٍّ، يدخل على الظّاهر غالبًا. ومعناه: التّشبيه، كقولك: (زيدٌ كالأسد إقدامًا) . وقد جاء في الشّعر دخولها على المضمر، كقول الشّاعر يَصِفُ حمارًا وحشيًّا1 وأُتُنًا: وَلاَ تَرَى بَعْلاً وَلاَ حَلائِلاَ2 كَهُ3 وَلاَ كَهُنَّ إِلاَّ4 عَاضِلاَ5

أي: غَيورًا. وتكون زائدة، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ} 1، وكقول رُؤْبة: لَوَاحِقُ الأقْرَابِ فِيهَا كَالْمَقَقْ2 أي: فيها مَقَقٌ؛ وهو: الطُّول3. وتكون للتّعليل، كقوله [تعالى] 4: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} 5. وتخرُج إلى الاسميّة، فتكون فاعلةً، كقول6 الشّاعر: أَتَنْتَهُونَ وَلَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ ... كَالطَّعْنِ يَذْهَبُ فِيهِ الزَّيْتُ وَالْفُتُلُ7

وتكون بمعنى (على) ، كقوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} 1 أي: على ما أُمِرْتَ، و (ما) بمعنى (الّذي) . وتدخُل على ضميري الرّفع والنّصب، كقول بعض العرب: (مَا أنَا كَأَنتَ وَلاَ أنا كَإيّاكَ) 2، وأنشد3 الكِسائيّ: فَأَحْسِنْ4 وَأَجْمِلْ فِي أَسِيرِكَ إِنَّهُ ... ضَعِيفٌ وَلَمْ يَأْسِرْ كَإيَّاكَ آسِرُ5 [34/ أ]

وقد تكون مجرورةً، كقول الرّاجز: يَضْحَكْنَ عَنْ كَالْبَرَدِ1 المُنْهَمِّ2 (اللاّم) : حَرْفُ جَرٍّ، يدخل على الظّاهر والمُضمَر؛ وله مَعَانٍ: أَحَدُها: الملك، كقولك: (المال لزيدٍ) . والاختصاص، كقولك: (الباب للدّار) . والاستحقاق، كقولك: (الحمد لله) . وتكون بمعنى (على) ، كقوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} 3، قال الشّاعر: ............................................ ... فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ4

[وقد] 1 تكون بمعنى (عند2) ، كقوله تعالى: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} 3. وتكون بمعنى (مِنْ أجل) ، تقولُ4: (فعلتُ ذلك لك) ، أي: لأجلك،

ومنه قولُ الشّاعر: وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ ... كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ1 وتكون للعاقبة، كقول2 الشّاعر: أَمْوَالُنَا لِذَوي المِيْرَاثِ نَجْمَعُهَا ... وَدُورُنَا لِخَرابِ الدَّهْرِ نَبْنِيْهَا3 [34/ب] أي: إنّها تعود إلى ذلك، وهي ملتبسة بلام المفعول من أجله وليست به؛ لأنّك تقول: (أعددت هذه الخشبة لميل الحائط عمادًا) ، وأنت لم تُرِدْ4 ميله لكن أعددتّها خوفًا منه.

وتكون بمعنى (إلى) ، كقولك: (سيّرتُ لِفُلانٍ جوابه) ، وكقوله تعالى: {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} 1 أي: إلى هذا. وقد تقع بمعنى (مَعَ) ، قال مُتَمِّمُ2 بن نُوَيْرَةَ يَرْثِي أخاهُ مالكًا3: فَلمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا4

وقد تكون بمعنى (بعد) ، كقولهم: (كتبتُ لثلاثٍ خَلَوْنَ) أي: بعد ثلاث، وتكون مكسورة مع الاسم الظّاهر؛ إلاَّ مع المستغاث به1، ومفتوحةً مع المُضمر؛2 إلاَّ مع ياء المتكلِّم.

_ 1 تُفتح اللاّم مع المستغاث به، وكذلك المتعجّب منه؛ لأنّهما ظاهران في موضع مضمَرين؛ إذ المنادى في موضع مضمرٍ مخاطب، ولو دخلت على المضمر لم تكن إلاّ مفتوحة؛ فعومِل الظّاهر الواقع موقعه معاملته. وبعض العرب يخالف هذا الأصل فيفتح اللاّم مع الظّاهر، فيقول: (المال لَزَيد) . يُنظر: سرّ صناعة الإعراب 1/328، 329، ورصف المباني 325. 2 يُنظر: سرّ صناعة الإعراب 1/326.

باب رب

[بَابُ رُبَّ] 1: وَرُبَّ أَيْضًا ثُمَّ مُذْ فِيمَا حَضَرْ ... مِنَ الزَّمَانِ دُوْنَ مَا مِنْهُ غَبَرْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُهُ2 مُذْ يَوْمِنَا ... وَرُبَّ عَبْدٍ كَيِّسٍ مَرَّ بِنَا (رُبَّ) : حَرْفُ جرٍّ3؛ معناه: التّقليل4، ويختصّ بدخوله على الظّاهر، وبالنّكرات دون المعارِف، وقد تخفَّف كقول الشّاعر: أَزُهَيْرُ إِنْ يَشِبِ الْقَذَالُ فَإِنَّهُ ... رُبَ هَيْضَلٍ لَجِبٍ لَفَفْتُ5 بِهَيْضَلِ6

وَرُبَّ تَأْتِي أَبَدًا مُصَدَّرَهْ ... وَلاَ يَلِيهَا الاسْمُ إِلاَّ نَكِرَهْ [35/ أ] و (رُبَّ) تختصّ عن الحروف بوجوهٍ؛ منها1: أنّها لا تقع إلاَّ في صدر الكلام. وبدخولها على النّكرات. وأنّه لا يجوز الاقتصار على النّكرة الّذي دخلت عليه حتّى تُوصف2، كقولك: (رُبَّ عبدٍ ملكتُه) 3. وَتَارَةً تُضْمَرُ بَعْدَ الْوَاوِ ... كَقَولِهِمْ: وَرَاكِبٍ4 بِجَاوِي5 وتختصّ - أيضًا -بجرِّها الاسم مُضمرةً بعد الواو والفاء،

كقول الشّاعر: وَفَارِسٍ فِي غِمَارِ المَوْتِ مُنْغَمِسٍ ... إِذَا تَأَلَّى عَلَى مَكْرُوهَةٍ صَدَقَا1 أي: وَرُبَّ فارسٍ. وكقول2 امرئ القيس: فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ3 ... ................................. فهي مضمر4 بعد الفاء5. وتقدّر بغير الواو والفاء، كقول6 الشّاعر:

رَسْمِ دَاْرٍ وَقَفْتُ فِي طَلَلِهْ ... كِدْتُ أَقْضِي الْحَيَاةَ مِنْ جَلَلَهِ1 وتضمَر بعد (بل) ، كقول الرّاجز: بَلْ بَلَدٍ مِلْءُ الآكَامِ قَتَمُهْ ... لاَ يُشْتَرَى2 كَتَّانُهُ3 وَجَهْرَمُهْ4

[35/ب] وقد تدخل عليها (ما) فتكفّها عن العمل، فتأتي بعدها المعرِفة، كقولك: (رُبّما زَيْدٌ قائم) . ويأتي بعدها الفعل، كقولك: ( [رُبَّما] 1 يقوم زيد) ، قال اللهُ تعالى: {رُبَّمَا2 يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} 3. وقد تدلّ على التّكثير4، كقول أبي عَطَاءٍ السِّنديّ5:

فَإِنْ تُمْسِ مَهْجُورَ الْفِنَاءِ فَرُبَّمَا ... أَقَامَ بِهِ بَعْدَ الوُفُودِ وفُودُ1 وقد تقع زائدة2 فلا تمنعها عن العمل، كقول عَديّ الغَسَّانيّ3: رُبَّمَا ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ صَقِيْلٍ ... دُوْنَ بُصْرَى وَطَعْنَةٍ نَجْلاَءِ4 وفيها لغاتٌ5: (رُبَّ) مضمومة الرّاء مشدّدة الباء، أو مخفّفة؛ و (رُبَّتَ) بإلحاق التّاء

مشدّدة أو مخفّفة، كقول1 الشّاعر: وَرُبَّتَ سَائِلٍ عَنِّي2 حَفِيَّ ... أَغَارَتْ عَيْنُهُ أَمْ لَنْ تَغَارَا3 وقد تدخُل (ما) الكافّة بعد التّاء، فلا تمنعها عن العمل، كقول الشّاعر: مَاوِيَّ يَا رُبَّتَمَا غَارَةٍ ... شَعْوَاءَ كَاللّذعَةِ4 بِالْمِيْسَمِ5 ولا يتعلّق إلا بفعلٍ متأخّر.

_ 1 في ب: قال. 2 في ب: عن. 3 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لابن أحمر الباهليّ. و (الحفيّ) : المبادر في السّؤال المستقصي له. و (غارت العين) : دخلت في الرّأس؛ ويروى (عارت) أي: سال دمعها. والشّاهد فيه: (ربّت) حيث جاءت (رُبّ) ملحقة بالتّاء مشدّدة. يُنظر هذا البيتُ في: أدب الكاتب 398، واشتقاق أسماء الله 36، والأزهيّة 262، وأمالي ابن الشّجريّ 3/48، وشرح المفصّل 10/75، واللّسان (عور) 4/612، (غور) 5/34، وتذكرة النّحاة 382، وشرح شواهد الشّافية 353، والدّيوان 76. 4 في أ: كالدغة، وفي ب: كالذعة والصواب ما هو مثبت. 5 هذا بيتٌ من السّريع، وهو لِضَمْرَةَ بْنِ ضَمْرَةَ النَّهْشَلِيِّ. (ماويّ) - مرخم ماويّة -: اسم امرأة. و (الشّعواء) : الغارة الكثيرة المنتشرة. و (الميسم) : ما يوسَم به البعير؛ وذلك بوضعه في النّار وكَيِّ البعير به ليكون علامة مميّزة له. والشّاهد فيه: (رُبَّتَمَا غارة) حيث دخلت (ما) الزّائدة على (رُبَّتَ) فلم تكفّها عن العمل. يُنظر هذا البيتُ في: نوادر أبي زيد 55، والأزهيّة 262، والإنصاف 1/105، وشرح المفصّل 8/31، والأشباه والنّظائر 3/186، والخزانة 9/384.

باب القسم

بَابُ القَسَمِ: [ثُمَّ تَجُرُّ الاِسْمَ بَاءُ الْقَسَمِ ... وَوَاوُهُ وَالتَّاءُ أَيْضًا فَاعْلَمِ] 1 لَكِنْ تُخَصُّ التَّاءُ بِاسْمِ اللهِ ... إِذَا تَعَجَّبْتَ بِلاَ اشْتِبَاهِ [36/أ] حروف القسم2: (الباء) : وهي تدخل على الظّاهر والمضمر، وتأتي بعد فعل القسم، كقولك: (أقسمتُ بالله3 وبِهِ) ، ومن دخولها على المضمَر قولُ4 أبي زَيْدٍ5:

أَلاَ نَادَتْ أُمَامَةُ بِاحْتِمَالِ ... لِتَحْزُنَنِي فَلاَ بِكِ لاَ أُبَالِي1 والواو: بدلٌ منها، وهي تدخل على الظّاهر دون المُضمَر؛ فتقول: (والمصحف) 2، ولا تأتي بعد الفعل؛ وتوجيه الإبدال كون بعض معاني الباء للإلصاق، ومن معنى الواو العطف، وهو الجمع؛ فلمّا تقارَب معناهما وقع الإبدال فيهما3.

_ 1 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لِغُوَيّة بن سُلْمَى بن ربيعة. و (الاحتمال) : الارتحال. ومعنى البيت: خَبّرتني أُمامة بارتحالها؛ لتجلب عليَّ الحزن والغم، لكنّني أدعو أن لا يقع ذلك. والشّاهد فيه: (فلا بك) حيث جرّ الباءُ الكافَ؛ فهي تجرّ الاسم الظّاهر والمُضمَر؛ وهي هُنا للقسم. يُنظر هذا البيت في: المسائل العسكريّة 100، وسرّ صناعة الإعراب 1/104، والخصائص 2/109، والتّبصرة 1/445، وشرح الحماسة للمرزوقيّ 2/1001، وشرح المفصّل 8/34، 9/101، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/421، ورصف المباني 1/224. 2 هذا على أنّ المصحف يتضمّن كلامَ الله، وكلامُ الله تعالى من صفاته؛ فإنّه يجوز الحلِف بالمصحف، بأن يقول الإنسان: (والمصحف) ، ويقصد ما فيه من كلام الله عزّ وجلّ. أمّا إذا قصد بالمصحف الصحُف والأوراق، أو الجلدة، أو المِداد فهذا لا يجوز. يُنظر: المغني والشّرح الكبير على المقنع 11/173، ومنار السّبيل 2/433، وفتاوى الشّيخ محمّد الصّالح العثيمين 1/231. (فيهما) زيادة من ب.

وقيل: أشبهت الواو لقُرب المخرَج1. والتّاء: هي بدلٌ من الواو، كما أبدلت من2الواو في قولهم: (تُراث) و (تخمة) و (تهمة) ؛ إذ اشتقاق هذه الكلمات من: (ورث) ، ومن (الوخامة) ، ومن (الوهم) 3، فعدلوا إلى الإبدال طلبًا للخفَّة. ولم تدخل التّاء إلاَّ على اسم الله تعالى، كقوله سبحانه: {وَتَاللهِ لأَكِيْدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 4 لأنّها بدلٌ من بدل، فلم تدخل إلاَّ على اسمٍ واحدٍ [36/ب] معظّم. ومنهُ5 قول الشّاعر: تَاللهِ يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حَيَدٍ ... بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيَّانُ وَالآسُ6

وهاء التّنبيه1 فهي عِوَضٌ من الواو2، تقول: (ها الله لأفعلنَّ) . فالمُقْسِمُ هُنا قد نبَّه السَّامِع على تأكيد القسم؛ فهذا الحرف هُنا يقتضي تنبيهًا3 ومُنَبِّهًا4 ومُنَبَّهًا عليه.

وتعوّض1 - أيضًا - همزة الاستفهام، وألف القطع،2 كقولك: (ألله لتفعلنَّ؟) ، ويجوز ألاَّ يؤتى بحرف القسم ولا بالعوض منه فينتقل إلى النّصب، فتقول: (اللهَ) ؛ فيكون من باب ما سقط فيه الجارّ وتعدّى الفِعْلُ فَنَصَبَ. ويجوز القطع عن مراعاة الفعل، والحمل على الابتداء نحو: (أللهُ لأفعلنَّ) فيكون مبتدأً وخبرًا، كأنّك قُلْتَ: (اللهُ قسمي) أو (قسمي اللهُ) ، ومنه قولُهم: (لَعَمْرُكَ) - بالضّمّ -، ومنه قولُ الشّاعر: فَقَالَ فَرِيقُ الْقَوْمِ لاَ، وَفَرِيقُهُمْ ... نَعَمْ وَفَرِيقٌ أَيْمُنُ اللهِ مَا نَدْرِي3 المعنى: أقسِمُ بيمين الله. وقال امرؤ القيس: وَقَالَتْ يَمِيْنُ اللهِ مَالَكَ حِيْلَةٌ4 ... ...................................

ويحذف أوّل (أَيْمَنْ) 1، فيُقال: [37/أ] (مُنُ اللهِ) و (مَنَ اللهِ) 2 و (مُ اللهِ) وممّا يقسم به العمر؛ فيقال: (لَعَمْرُ اللهِ) ؛ فهو مرفوعٌ بالابتداء، وكقوله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} 3، ويكون مفتوحًا عاريًا من اللاّم: (لَعَمْرَكَ الله) ، وتقديره: (عَمْرَكَ الله) قسمي به، أي: ببقائك4.

والحروف الّتي يجاب بها القسم أربعة:1 حرفان للنّفي؛ وهما: (ما) و (لا) ؛ وحرفان للإيجاب؛ وهما: (إنَّ) و (اللاّم) ، كقولك: (والله لزيدٌ أفضلُ من عَمْرٍو) ، وكقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} 2. وتأتي بعده3 (قد) ، ويسوغ حذف ما هو للنّفي دون الإيجاب، كقوله تعالى: {تَاللهِ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} 4 أي: لا تَفْتَأُ، ومنه قولُ امرئ القيس: فَقُلْتُ يَمِيْنُ اللهِ أَبْرَحُ قَاعِدَاً ... وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي5

أي: لا أبرح. فإنْ أدخلت1 هذه اللاّم على الفعل المضارِع ألحقت بالفعل النّون الثّقيلة أو الخفيفة، كقوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 2. وحرف (قد) يقترن باللاّم الّتي يتلقّى بها الفعل، فيجوز [37/ب] أن يليها الماضي؛ وهي في هذا الحكم على أربعةِ أوجهٍ: أَحَدُها: أنْ تأتي مقترنة بـ (قد) ، كقوله تعالى: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ} 3. الثّاني: بحذف (اللاّم) و (قد) ، كقوله4 [تعالى] 5: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} 6. الثّالث: وقوع الجواب بـ (قد) عاريًا من اللاّم، كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} 7. الرّابع: أن يكون باللاّم عاريًا من (قد) ، كقول8 امرئ القيس: حَلَفْتُ لَهَا بِاللهِ حَلْفَةَ فَاجِرٍ ... لَنَامُوا فَمَا إِنْ مِنْ حَدِيثٍ وَلاَ صَالِ9

والفرق بين واو القسم والواو الّتي تضمر بعدها (رُبَّ) : أنَّ واوَ القسم يجوز أن يدخل عليها واو العطف وفاؤه، كقولك: (وو الله) ، وكما قال اللهُ تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ} 1. والواو القائمة مقام (رُبَّ) فلا يدخل2عليها واو العطف، ولا فاؤه؛ فلا يجوز أنْ تقول: و [وصاحب في قول الشّاعر] 3: وَصَاحِبٍ نَبَّهْتُهُ لِيَنْهَضَا ... إِذَا الْكَرَى في عَيْنِهِ تَمَضْمَضَا4 ولا (فو صاحب) .

_ 1 من الآية: 92 من سورة الحجر. 2 في ب: فلا تدخل. 3 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق. 4 هذا بيتٌ من الرّجز؛ وهو للرّكّاض الدُّبيريّ. و (تمضمض النّعاس في عينيه) : دَبَّ. والتّمثيل فيه (وصاحبٍ) على أنّ الواو القائمة مقام (رُبّ) لا يجوز أن يدخل عليها واو العطف ولا فاؤه. يُنظر هذا البيتُ في: نوادر أبي زيد 168، والكامل 1/192، والجمهرة (مضمض) 1/212، 3/1284، والتّهذيب (أرض) 12/63، 64، والصّحاح (مضض) 6/1106، والمخصّص 10/158، وشرح ملحة الإعراب 131، واللّسان (أرض) 7/112، (مضض) 7/234.

باب الإضافة

بَابُ الإِضَافَةِ: وَقَدْ يُجَرُّ الاسْمُ بِالإِضَافَهْ ... كَقَوْلِهِمْ: دَارُ أَبِي قُحَافَهْ [38/أ] الإضافة هي: إمالة الشّيء إلى الشّيء ونسبته إليه1؛ فالأوّل: مُضاف، والثّاني: مُضافٌ إليه، وينزّلان2 بالتّركيب الإضافي3 منزلة4 الاسم الواحد؛ ولذلك سقط التّنوين من الأوّل؛ لأنَّه لا يكون حشوً الكلمة؛ فالاسم5 الأوّل مُعْربٌ بما يقتضيه العامل، والثّاني مجرورٌ به6 دائمًا.

فَتَارَةً تَأْتِي بِمَعْنَى اللاَّمِ ... نَحْوُ: أَتَى عَبْدُ أَبِي1 تَمَّامِ وَتَارَةً تَأْتِي بِمَعْنَى مِنْ إِذَا ... قُلْتَ: مَنَا2 زَيْتٍ فَقِسْ ذَاْكَ وَذَا اعلم أَنَّ الإضافة تنقسم إلى قسمين: مَحْضَة، وغَيْر مَحْضَةٍ. فالمحضة: تقع تارةً بمعنى (اللاَّم) ، وتسمّى إضافة المِلك، كقولك: (غُلام زيدٍ) ، أو الاختصاص3 كـ (باب الدّار) . وتارةً بمعنى (مِنْ) ، وتُسمَّى إضافة الجنس، ويكونُ الأوّل بعض الثّاني، كقولك: (خاتم فِضَّةٍ) 4؛ وهذا5يجوز في إعراب المضاف إليه [38/ب] ثلاثة أوجهٍ6: جرُّه بالإضافة، ونصبه إمَّا على الحال أو على التّمييز وهو الأولى7، واتباعه للأوّل إمَّا على الصّفة وإمَّا على البدل8؛ مثاله: (خاتم حديدٍ) و (حديدًا) و (حديدٌ) . ومن شرطه9 أن يكون الأوّل نكرة، والثّاني معرفة؛ فيتعرَّفُ

بإضافته إليه1، وإن كانا نكرتين فالتّنكير بَاقٍ، كقولك: (طالبُ عِلْمٍ) 2. ومنها: إضافةٌ بمعنى (في) ، كقولك: (هؤلاء مسلمو المدينة) ،وكقوله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} 3، ومنه قولُ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم – "رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ" 4، ومنه قولُ حَسَّان5: تُسَائِلُ عَنْ قَوْمٍ هِجَانٍ سَمَيْدَعٍ ... لَدَى البَأْسِ مِغْوَارِ الْصَّبَاحِ جَسُورِ6

وغير المحضة هي:1 ما يُقَدَّرُ فيها التّنوين، ولا2يتعرّف بها المضاف، كإضافة اسم الفاعل إذا أُريد به الحال أو الاستقبال، كقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} 3، والتّقدير في هذه الإضافة [الانفصال] 4 والتّنوين؛ وأصلُ هذا الكلام: (هديًا بالغًا الكعبة) ، وتقول: (مررت برجلٍ حَسَنِ الوجه) [39/ أ] و (حَسَنٍ وجهًا) و (حَسَنٍ وَجْهُهُ) 5. ويجوز في الإضافة الّتي هي غير محضةٍ إدخال الألف واللاَّم على المضافين6، كقولك: (مررتُ بالرّجل الحسنِ الوجه) ، كقوله تعالى: {وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةِ} 7.

والإضافة المحضة يجوز أن تَفْصِل بين المضاف والمضاف إليه اضطرارًا1، كما ورد في النّظم، [وذلك] 2 بنعتٍ في3 قول الشّاعر: نَجَوْتُ4 وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيْفَهُ ... مِنَ ابْنِ أَبِي - شَيْخِ الأَبَاطِحِ - طَالِبِ5

أو بجملةٍ1، كقول الآخر2: لَهَا خَائِلٌ أَوْعَى - بِأَيَّةِ كُلَّمَا ... تَنَاوَلَ كَفَّاهُ البِسَارَ - الجَوَانِحِ3

أو بظرفٍ، كقول الشّاعر: ................................. ... لِلَّهِ دَرُّ - اليَومَ - مَنْ لاَمَهَا1

[و] 1 كقول الآخر: كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ - يَوْمًا - ... يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيْلُ2 أو بجارّ ومجرور، كقول الشّاعر: [هُمَا أَخَوَا3 - فِي الحَرْبِ - مَنْ لاَ أَخَا لَهُ 4 ... ......................................

أو بنداء ومنادى1، كقول الآخر:] 2 كَأَنَّ بِرْذَوْنَ - أَبَا عِصَامِ3 - ... زَيْدٍ حِمَارٌ دُقَّ بِاللِّجَامِ4

[39/ ب] وَفِي المُضَافِ مَا يُجَرُّ أَبَدَا ... مِثْلُ: لَدُنْ زَيْدٍ وَإِنْ شِئْتَ لَدَى وَمِنْهُ سُبْحَانَ وَذُو وَمِثْلُ ... وَمَعْ وَعِنْدَ وَأُوْلُو وَكُلُّ ثُمَّ الجِهَاتُ السِّتُّ فَوْقُ وَوَرَا ... وَيَمْنَةً وَعَكْسُهَا بِلاَ مِرَا وَهَكَذَا غَيْرُ وَبَعْضُ وَسِوَى ... فِي كَلِمٍ شَتَّى رَوَاهَا مَنْ رَوَى1 الأسماء المضافة إضافة معنويّةً؛ لازمة الإضافة، وغير لازمة. فاللاّزمةُ على ضربين: ظروف، وغير ظروف2. فمن الظّروف: (لَدُنْ) ، وهو بمنزلة (عند) 3، وهو مع الظّاهر آخره ألفٌ، ومع المضمَر ينقلب4 ياءً؛ تقول: (لدى زيد ولديك) ؛ فإذا استقبلها الألف5واللاّم تسقط نُونها، كقولك: (لدى الرّجل) ؛ ومن العرب مَن ينصب بها6. وتكون بمعنى (مُنْذُ) ؛ تقول: (ما رأيته من لَدُنْ غُدْوَةً) ، قال أبو سفيان7 بن حَرْبٍ:

وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الكَلْبِ مِنْهُمُ ... لَدُنْ1 غُدْوَةً حَتَّى دَنَتْ لِغُرُوبِ2 (سُبحان الله) معناه: التّنزيه. [و] 3 (ذو) 4: بمعنى صاحب لازم الإضافة، ومن إضافته إلى المضمَر5؛ ما أنشده الأصْمَعيُّ6:

[40/أ] إِنَّمَا يَصْطَنِعُ المَعْـ ... رُوفَ فِي النَّاسِ ذَوُوهُ1 ومن إضافته إلى المضاف للمضمَر2قولُ عِثْيَر بن لَبِيد3: يَبْكِي عَلَيْهِ غَرِيْبٌ لَيْسَ يَعْرِفُهُ ... وَذُوْ قَرَابتَهِ فِي الحَيِّ مَسْرُورُ4

(مِثْل) : تسوية1، وقد يَدْخُلُ2 عليه الكاف تأكيدًا للتّشبيه. (مَعَ) : كلمةٌ تَضُمُّ الشّيء إلى الشّيء، والغالب عليها الظّرفيّةُ، كقولك: (سِرْتُ مَعَ القوم) أي: في جَمْعهِمْ. (عِنْد) : ظرف مكان، تقول: (كُنْتُ عِنْدَ زَيْدٍ) ؛ و [قد] 3 تكون ظرف زمان، كقولك: (كان هذا عند انتصاف4 النّهار) . (أولو) : 5 اسم لجمع6 أسماء الإشارة. (كلّ) : معناه العموم والإحاطة. (فَوْقُ) و (تَحْتُ) : هما7 ظرفان، وقد8 يكونان اسمين9 في قولك: (تحتُكَ رجلاك) ؛ لأنَّ الرِّجْل هي التَّحْتُ نفسه10، وكذا: (فوقَكَ بناءٌ حَسَن) 11.

والجهات السِّت:1ظروف أمكنةٍ؛ ومنها: (يمين) و (شمال) و (أعلى) و (أسفل) و (قُبالَة) و (حِذاءَ) و (إِزاء) [و (تِلْقَاء) ] 2 و (تِجاه) و (أمام) و (وراء) و (بين ذلك) . ومنها: (وسَْط) :3- بسكون السّين [وفتحها -؛ والفرق بينهما: أنَّ المتحرِّكة السّين] 4 تقع فيما لا ينقسم، كقولك: (ضربت وَسَطَ رأسه) ، والسّاكنة السّين تحلّ محلّ (بين) ، تقول: (جلس5 وَسْط القوم) [40/ب] (غَيْرُ) : كلمةٌ بمعنى (سِوى) ، ويستثنى بها بعضُ اختصاص من (كُلّ) ، وبعض الشّيء: طائفةٌ مِنْهُ. (سِوى) :6- تُضَمُّ سينه وتُفتح - وهي تكون اسمًا وظرفًا7؛

فإذا كانت اسمًا مُدَّت وقُصِرَت، ولا تُمَدُّ إلاَّ إذا كانت مفتوحة السّين. فإذا كانت اسمًا فهي بمعنى (غير) 1، كقول الأعشى2: ................................. ... وَمَا قَصَدَتْ مِنْ أَهْلِهَا لِسَوائِكَا3 وإذا4 كانت ظرفًا فهي بمنزلة (وَسَط) ، وتكون ممدودةً للتّحقيق، تقول: (مررتُ برجُلٍ سَواءٍ) أي: مثلك.

_ 1 في ب: عن، وهو تحريف. 2 هو: ميمون بن قيس، المعروف بأعشى قيس، ويكنى أبا بصير: شاعرٌ جاهليّ من شعراء المعلَّقات العشر، لقِّب بـ (صنّاجة العرب) لجودة شعره، وقيل: لأنّه كان يتغنّى بشعره؛ أدرك الإسلام في أواخر عمره ولم يُسْلِم. يُنظر: طبقات فحول الشّعراء 1/65، والشّعر والشّعراء 154، والأغاني 9/127، والمؤتلف والمختلف 10، والخزانة 1/175. 3 في ب: لسواكه، وهو تحريف. وهذا عجز بيتٍ من الطّويل، وصدره: تَجَانَفُ عَنْ جُوّ اليَمَامَةِ نَاقَتِي و (التّجانف) : الميل والانحراف. والشّاهد فيه: (لسوائكا) على أنّ (سِوى) تكون اسمًا بمعنى (غير) أي: لغيرك. يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/32، 408، والمقتَضب 4/349، وتحصيل عين الذّهب 68، وأمالي ابن الشّجريّ 1/359، 2/250، والإنصاف 1/295، وشرح المفصّل 2/84، والهمع 3/162، والخزانة 3/435، والدّيوان 89. 4 في أ: وإنْ.

باب كم الخبرية

بَابُ كَمِ الْخَبَرِيَّةِ: وَاجْرُرْ بِكَمْ مَا كُنْتَ عَنْهُ مُخْبِِراً ... مُعَظِّمًا لِقَدْرِهِ مُكَثِّرَا1 تَقُولُ: كَمْ مَالٍ أَفَادَتْهُ يَدِي ... وَكَمْ إِمَاءٍ مَلَكَتْ وَأَعْبُدِ (كَمْ) : اسم موضوع لعدد مُبْهَمٍ جِنْسًا ومِقْدارًا؛ ولها موضعان2: الخبر [41/أ] ، والاستفهام. فالخبرُ يقترن بالتّكثير3؛ والعددُ مجرورٌ بها، ولزمت صدر الكلام لأَنَّها في الخبر بمنزلة (رُبَّ) ؛ لأنَّ الشّيءَ يحمل على نقيضه4 فلم يتقدّم عليها شيءٌ سِوى حرف الجرِّ؛ لأنَّ الجارّ والمجرور كالشّيء الواحد. ويحكم على موضعها بالرّفع تارةً، وبالنّصب أُخرى، وبالجرّ تارةً على ما يقتضيه العامل. وهي تشبه الاستفهاميّة من وُجوهٍ، وتخالِفها من وُجوهٍ5؛ وتوجيه المشابهة:

أنّهما يشتركان في لفظ الكميَّةِ1، ويلزمان صدر الكلام، وأنّهما يشتركان في البِناء لتَضمُّنِهمَا معنى الحرف، وأنّهما يشتركان في احتياجهما إلى مُفَسِّرٍ لأجل ابهامهما، ويشتركان في جواز الحمل على اللّفظ، وتارةً على المعنى في الإفراد والجمع والتّذكير والتّأنيث2. ووجوه المخالَفة: مِنْهَا: أنَّ الاستفهاميّة بمنزلة عَدَدٍ مُنوَّنٍ، نحو: (عشرين دِرْهمًا) ، والخبريّة بمنزلة عَدَدٍ مُضافٍ؛ ويدلّ على ذلك: انتصاب مميّز الاستفهاميَّة، [وانجرار مميّز الخبريّة. ومنها: أنّ مميّز الاستفهاميّة] 3 فردٌ منصوبٌ4، ومميّز الخبريّة

جمع مجرور1. ومنها: [41/ب] أنَّ الاستفهاميّة تقتضي جوابًا؛ وجوابها: إعرابه يكون بحسب موضعها؛ فإذا قُلْتَ: (كم مالك؟) فجوابه: (عشرون) ؛ والخبريّة لا تقتضي جوابًا؛ لأنّ المتكلِّم بها يُخْبِرُ عن نفسه. ويجوز أن يأتي الاسم بعد الخبريّة مُفْرَدًا وجمعًا2، كقولك: (كم عَبْدٍ ملكت) و (كم عبيدٍ) . فإن فَصَل بينها3 وبين ما عملت فيه فاصلٌ انتصب على التّمييز4،

كقول الشّاعر: كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضْلاً عَلَى عَدَمٍ ... إِذْ لاَ أَكَادُ مِنَ الإِقْتَارِ أَحْتَمِلُ1 فتقول من ذلك: (كم لي عَبْدًا) .

_ 1 هذا بيتٌ من البسيط، وهو لِلْقُطَامِيّ. و (العدم) : فقْدُ المال وقلّته. و (الإقتار) : الافتقار. والمعنى: الشّاعر يمدح هؤلاء القوم بأنّهم أنعموا عليه وأفضلو عند فقره وعدمه - لشدّة الزّمان وشمول الجدب -؛ وحين بلغ به الجهد وسوء الحال إلى أنّه لا يستطيع الاحتمال - أي: الارتحال - لطلب الرّزق ضعفًا وفقرًا. ويروى (أجتمل) - بالجيم - أي: أجمع العظام لأخرج وَدَكها وأتعلّل به، و (الجميل) : الوَدَك. والشّاهد فيه: (فضلاً) حيث نصب (فضلاً) على التّمييز مع الفصْل بينه وبين (كم) الخبريّة بفاصل. يُنظر هذا البيتُ في الكتاب 2/165، والمقتضب 3/60، وتحصيل عين الذّهب 301، والإنصاف 1/305، والتّبيين 430، وشرح المفصّل 4/131، وشرح عمدة الحافظ 535، وابن النّاظم 744، والمقاصد النّحويّة 3/298، والخزانة 6/477، والدّيوان 30.

باب المبتدأ وخبره

بَابُ الْمُبْتَدَأ [وَخَبَرِهِ] 1: وَإِنْ فَتَحْتَ النُّطْقَ باسْمِ ... مُبْتَدَا فَارْفَعْهُ وَالإِخْبَارَ عَنْهُ أَبَدَا2 تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: زَيْدٌ عَاقِلُ ... وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَالأَمِيرُ عَادِلُ المبتدأ: كُلُّ اسمٍ ابتدأت به، وعرّيته من العوامِل [اللّفظيّة3 لتسند إليه خبرًا يكون به جملةً تحصُل به الفائدة. وهو وخبره - إذا لم يكن ظرفًا ولا جارًّا ومجرورًا - مرفوعان، كـ (الصُّلْحُ خَيْرٌ) فالمبتدأ مُعْتمد السّؤال، والخبر - من ذي (خير) - معتمد الفائدة4. وهو مرفوعٌ بالابتداء5؛ والابتداءُ مَعْنىً لا لفظ، وهو وَصْفٌ؛

........................................................................................

_ = وذهب الزّجّاج إلى أنّ المبتدأ يرتفع بما في النّفس من معنى الإخبار. وذهب آخرون إلى أنّ المبتدأ يرتفع بإسناد الخبر إليه. وذهب الكوفيّون إلى أنّ المبتدأ يرفع الخبر، واختاره ابن جِنّي، وأبو حيّان، والسّيوطيّ. وقيل: إنّه يرتفع بالعائد من الخبر؛ وهو مذهبٌ آخرٌ للكوفيّين. وقال ابن عقيل بعد ذكر الخلاف: "وهذا الخلاف ممّا لا طائل فيه". واختلفوا في الابتداء: فقيل: هو التعرية من العوامِل اللّفظيّة. وقيل: هو جعل الاسم أوّلاً ليُخبر عنه. وقيل: هو عبارة عن مجموع وصفين هما التّجرّد والإسناد. وقيل: هو علّة ذاتُ أوصاف ثلاثة: التّجرّد من العوامل اللّفظيّة لفظًا أو تقديرًا، والتّعرَّض لدخولها، والإسناد. واختلفوا في رافع الخبر: فذهب سيبويه وأكثرُ البصريّين إلى أنّه مرفوعٌ بالمبتدأ؛ وهو أحدُ قولي المبرّد في المقتضب 4/12، ونُسب إلى أبي عليّ الفارسيّ وابن جِنّي؛ واختاره ابن مالكٍ في التّسهيل 44. وذهب الأخفش وابن السّرّاج، والزّمخشريّ والسّيوطيّ، إلى أنّه مرفوع بالابتداء. وقيل: إنّ الخبر يرتفع بالابتداء والمبتدأ معًا؛ وهو أحدُ قولي المبرّد في المقتضب 2/49، 4/126؛ وهو مذهب ابن السّرّاج الذي قرره في كتابه الأصول 1/58، وكذلك ابن جنّي الّذي قرّره في كتابه الخصائص 2/385؛ وقال عنه ابن يعيش 1/85: "وهذا القولُ عليه كثيرٌ من البصريّين". وذهب الكوفيّون إلى أنّ الخبر يرتفع بالمبتدأ؛ وهو اختيار ابن جنّي، وأبي حيّان، والسيوطي. وقال ابن عقيل - بعد ذكر الخلاف -: "وهذا الخلاف ممّا لا طائل فيه". تُنظر هذه المسائل في: الكتاب 2/127، والمقتضب 4/126، والتّبصرة 1/99، والمفصّل 24، وأسرار العربيّة 67، 76، والإنصاف، المسألة الخامسة، 1/44، والتّبيين، المسألة السّابعة والعشرون، 224، والمسألة الثّامنة والعشرون، 229، وشرح المفصّل 1/84، 85، وابن النّاظم 107، 108، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/814، 816، والارتشاف 2/28، وابن عقيل 1/188، 189، والهمع 2/8، 9، والأشمونيّ 1/193، والصّبّان 1/193.

وذلك الوصفُ اهتمامُك بالمبتدأ وجعلك إيّاهُ أوّلاً لثانٍ، يكون الثّاني خبرًا عنه. والخبر مرفوع بالمبتدأ فهو العامِل فيه. ومن شرط الخبر أنْ يكون نكرة1] 2، [فإنْ كان معرفةً فأنتَ مخيَّرٌ في جعلك أيّهما شئتَ المبتدأ] 3، كقولك: (اللهُ رَبُّنَا) ، [42/أ] وكقول الرّاجز: أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي4

والمبتدأ يُشْبِهُ الفاعل مِنْ وَجْهٍ، ويخالفه مِنْ وَجْهٍ: فالمشابهةُ: أَنَّهُمَا أَبَدًا مرفوعان لفظًا أو تقديرًا؛ و1 أنَّهُمَا مُحَدّث عنهما2. والمخالَفةُ: أنَّ حديث المبتدأ بعده، وحديث الفاعل قبله؛ وأنَّ عامل الفاعل لفظيٌّ، وعامل المبتدأ معنويٌّ. ويشترط في المبتدأ أَنْ يكون اسمًا، أو مُنَزَّلاً منزلةَ الاسم مُخْبَرًا عنه؛ والمنزّل منزلة الاسم قولهم: (تَسْمَعُ بِالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ) 3 تقديره: سَمَاعك بالمعيديّ.

وأنْ يكون معرفةً إذْ لا طريق إلى [معرفة] 1 الفائدة إلاَّ به، فإذا لم يُعْرَف في نفسه فأحرى2 ألاّ يعرف خَبَرَهُ؛ أو مقارنًا للمعرفة بتخصيصٍ أو فائدة؛ وذلك في سِتّة مواضع3: أوَّلها: أنْ يكون نكرة موصوفةً4، كقوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} 5. أو أَنْ يتقدَّم6 خَبَرُه عليه في الجارّ والمجرور أو الظّرف7، كقولك: (لكَ مالٌ) و (عنده عِلْمٌ) ؛ لأنَّ تقدّمه هُنا قَدْ أبطل كونُهُ صِفَةً.

أو يقع1 دُعاءً2، كقوله تعالى: [42/ب] {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} 3 و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} 4 فأفاد لتضمّنه معنى الفعل. أو معتمداً5 على نفيٍ، كقولك: (ما أَحدٌ أفضل منك) . أو على استفهام6، كـ (هل فتًى فأقصده؟) . أو اختصاص بعملٍ، كقولك: (أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ) 7. وإذا كانت النّكرة في معنى الفعل وقد ارتفع بها الاسم، كقولك: (أقائمٌ الزّيدان) و (ما ذاهِبٌ العمران) أفادت8 لاعتماده على الاستفهام،

أو1 النّفي، وَمِنْهُ قولُ الشّاعر: أَقَاطِنٌ قَوْمُ سَلْمَى أَمْ نَوَوْا ظَعَنَا؟ ... إِنْ يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ مَنْ قَطَنَا2 وكقول3 الآخر: خَلِيلَيَّ مَا وَافٍ بِعَهْدِيَ أَنْتُمَا ... إِذَا لَمْ تَكُونَا لِي عَلَى مَنْ أُقَاطِعُ4

أو يكون جوابًا1، كقول2 قائلٍ: (مَنْ جاءك؟) ، فتقول: (رجلٌ) أي: رَجُلٌ جاءني؛ لأنَّهُ داخِلٌ تحتَ (مَنْ) . فهذه جُمْلَة ما يُبْتَدأُ فيها بالنّكرة.

[فَصْلٌ] 1: [وَلاَ يَحُوْلُ حُكْمُهُ مَتَى دَخَلْ ... لَكِنْ عَلَى جُمْلَتِهِ وَهَلْ وَبَلْ] 2 الّذي يُغَيِّرُ المبتدأ عن حاله ثلاثة؛ وهي: العوامِل اللفظيّة؛ فَمِنْهَا: ما ينصب المبتدأ؛ وهي: (إنّ) وأخواتهَا؛ ومنها: ما ينصبُ الخبر؛ وهي/: (كان) وأخواتها؛ ومنها: ما ينصبهما مَعًا؛ وهي: (ظننت) وأخواتها؛ ويأتي ذِكرُ الجميع إنْ شاء الله تعالى. وممَّا يَدْخُلُ على المبتدأ ولا يغيّرهُ عن حُكم الابتداء، ولا يؤثّر فيه بِوَجْهٍ3: (هَلْ) و (بَلْ) و (لَكِنْ) و (حَيْثُ) و (همزة الاستفهام) و (إذ) و (لام الابتداء) و (أَمَا) و (أَلاَ) المخفّفان اللّذان لاستفتاح4 الكلام، و (أَمّا) - بفتح الهمزة وتشديد الميم - الّتي لتفصيل الجملة، و (لولا) [43/ أ] الّتي معناها امتناع الشّيء لوجود غَيْرِهِ. وَقَدِّمِ الأَخْبَارَ إِذْ تَسْتَفْهِمُ ... كَقَوْلِهِمْ: أَيْنَ الْكَرِيمُ المُنْعِمُ؟ وَمِثْلُهُ: كَيْفَ الْمَرِيضُ المُدْنَفُ؟ ... وأَيُّهَا الْغَادِي مَتَى المُنْصَرَفُ؟ خَبَرُ المبتدأ يجوز تقديمه إذا كان غَيْرَ مُسْتَفْهَمٍ به، كقولك: (عَالِمٌ زَيْدٌ بالأمر) .

فإنْ كان اسم استفهام وَجَبَ تَقْدِيمُهُ، كقولك: (أَيْنَ زَيْدٌ؟) و (مَتَى الصّيامُ؟) و (كيف أَنْتَ؟) ؛ لأنَّ أسماء الاستفهام لها صدرُ الكلام1. وقد يقع اسمُ الاستفهام مبتدأً؛ وذلك إذا وقع بعده فِعْلٌ أَوْ جارٌّ ومجرورٌ، كقولك: [43/ب] (أين تسكُن؟) و (كم معك دِرْهَمًا؟) . وَإِنْ يَكُنْ بَعْضُ الظُّروفِ الْخَبَرَا ... فَأَوْلِهِ النَّصْبَ وَدَعْ عَنْكَ الْمِرَا تَقُولُ: زَيْدٌ خَلْفَ عَمْرٍو قَعَدَا ... وَالصَّوْمُ يَوْمَ السَّبْتِ وَالسَّيْرُ غَدَا خبر المبتدأ أنواع: منها: الظَّرْفُ2؛ وَهُوَ نَوْعان: ظَرْفُ زَمَانٍ وهو يختصُّ بالأحدَاث3، كقولك: (الصِّيام يوم الخميس) . وظرف مَكَانٍ وهو يختصّ بالأجسام، كقولك: (الإمام4 أَمَامَ القوم) ؛

وقد يقع ظرف المكان خبرًا عَنْ حَدَثٍ، كقولك: (الصّلاةُ وراء الإمام) 1. ويقع الخبر جارًّا ومجرورًا، كقولك: (زَيْدٌ في دَاْرِهِ) 2، ولا يجوز: (في داره زيد) ؛ لأنّه لو قُدِّمَ عادَ الضّميرُ منه3 إلى مُتأخِّرٍ في اللَّفظِ والرُّتبة؛ والضّابط لتقدير هذين الخبرين: ما يقدَّر4لهما من مُفْرَدٍ5 أَوْ جُمْلَةٍ، نحو: (مُسْتَقِرّ) أو (اسْتَقَرَّ) . ويكون الخبر جُمْلَةً اسميّةً، كقولك: (زيدٌ أبوه عَالِمٌ) ، وفعليَّةً، كقولك6: (زَيْدٌ قَامَ أبوه) ، أو أَنْ7تكون الجملة شرطيّة، كقولك: (زَيْدٌ إنْ تُكْرِمْهُ يُكْرِمْك) ؛ ولا بُدَّ أَنْ يكون8لهذه الجمل ضمير [44/أ] يعود على المبتدأ كالهاء الرّابطة في الثّلاثة9.ويكون الخبر فعلاً ماضيًا، كقولك: (زيد قام) ؛ ففي هذا الفعل

ضميرٌ [يعود على المبتدأ مُسْتترٌ] 1. وكذلك يكون مضارِعًا على حكم ما تَقدَّم، كقولك: (خالدٌ يقومُ) فإن ثُنِّي المبتدأ أو جُمِعَ ظهر الضّميرُ، كقولك: (الزّيدان قاما) و (الرّجال قاموا) و (الزّيدون يقومون) . وبالجملة: لا يخلو2 الخبر من أنْ يكون مُفردًا، أو جُمْلَة، أو ظرفًا3. ويلزم حذف الخبر إذا كان بعد قَسَمٍ مستغنًى عَنْهُ بجواب القسم4، كقولك: (لعمرك إنَّ زيدًا صادقٌ) ، والتّقدير: قَسمي. وبعد (لولا) ، كقولك: (لولا زيدٌ لزرتُك) ، والتّقدير: حاضِرٌ. وفي المُثُل: (أخطبُ ما يكون الأمير قائمًا) أي: إذا كان قائمًا5.

ويُحذف في غير هذه الثّلاثة1 توسّعًا إذا دَلَّ عليه الكلام، وأكثر ما يقع في الاستخبار2، كقولك: (أين زَيْدٌ؟) ، فيُقال: (في المسجد) ؛ فالمبتدأ محذوفٌ، والتّقدير: زيد؛ وإذا قيل لك: (مَنْ عندك؟) فقلت: (زيد) ؛ فالخبر محذوف، والتّقدير: زَيْدٌ عِنْدي. وَإِنْ تَقُلْ: أَيْنَ الأَمِيْرُ جَالِسُ ... وَفِي فِنَاءِ الدَّارِ بِشْرٌ مَائِسُ فَجَالِسٌ وَمَائِسٌ قَدْ رُفِعَا ... وَقَدْ أُجِيزَ الرَّفْعُ3 وَالنَّصْبُ مَعَا [44/ب] هذه المسألة يُعْلَمُ منها: أنَّ الجملة الابتدائيّة إذا تَقَدَّمَ خَبَرُها وجُوبًا، أو اختيارًا لكونُه4 اسم استفهام أو جارًّا ومجرورًا، وأتيت بعد تمام الكلام بنكرة متعلّقة بالجُملة، كقولك: (أَيْنَ الأمير جَالِسٌ؟) ؛ جاز رفع (جالس) ونصبه؛ فإنْ رفعتَ جعلته خبر المبتدأ بإلغاء الظّرف أو الجارّ؛ وإِنْ نَصَبْتَ فعلى الحال؛ والعامِل فيه معنى الاستفهام، ومع الجارّ ما يُقدَّر5 مِن الاستقرار.

وَهَكَذَا إِنْ قُلْتَ: زَيْدٌ لُمْتُهُ ... وَخَالِدٌ ضَرَبْتُهُ وَضِمْتُهُ1 فَالرَّفْعُ فِيهِ جَائِزٌ وَالنَّصْبُ ... كِلاَهُمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْكُتْبُ هذه المسألة تُعرف باشتغال العامِل عن المعمول؛ فقولك2: (زَيْدٌ لُمْتُهُ) فـ (زيدٌ) مبتدأ - وما بعده فِعْلٌ، [و] 3 ضميرُ فَاعلٍ، وضمير مفعول -، والجملة خبرٌ عنه. فإنْ نصبت (زيدًا) نصبته على أنّه مفعولٌ، وليس العاملُ فيه الفعل4الّذي بعده لاشتغاله بالضّمير المنصوب؛ بل بفعلٍ مُقدَّرٍ من جنس الفعل المُتأخّر عنه، كقولك: (أكرمتُ زيدًا أكرمته) ، والرَّفعُ أجودُ من النّصب؛ لاستغنائه عن التّقدير5 [45/أ] ؛ ومن ذلك قولُ الرّبيع6: وَالذِّئْبُ أَخْشَاهُ إِنْ مَرَرْتُ بِهِ ... وَحْدِي وَأَخْشَى الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَا7

...........................................................................

_ = أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَحَ وَلاَ ... أَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إِنْ نَفَرَا والمعنى: أنّه وصف في البيتين انتهاء شبيبته وذهاب قوّته، فلا يُطيق حمل السّلاح لحربٍ، ولا يملك رأس البعير إنْ نفر من شيء؛ وإذا خلا بالذّئب خشيه على نفسه، وأنّه لا يحتمل برد الرّيح، وأذى المطر؛ لِهَرمِه وضعفه. والشّاهد فيه: (والذّئبُ أخشاه) على أنّ الرّفع أجودُ من النّصب؛ لاستغنائه عن التّقدير. وجميعُ النُّحاة استشهدوا بهذا البيت على أنّ النّصب أجود من الرّفع؛ حيث وقع الاسم المشغل عنه بعد عاطف تقدّمه جملة فعليّة (لا أملك) ، ولم يفصل بين العاطف والاسم. يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/89، ونوادر أبي زيد 159، وأمالي القالي 2/185، والمقتصد 1/237، والتّبصرة 1/330، وتحصيل عين الذّهب 106، والمقاصد النّحويّة 3/397، والتّصريح 2/36.

باب الفاعل

بَابُ الفَاعِلِ: وَكُلُّ مَا جَاءَ مِنَ الأَسْمَاءِ ... عَقِيْبَ1 فِعْلٍ سَالِمِ الْبِنَاءِ فَارْفَعْهُ إِذْ تُعْرِبُ فَهْوَ الْفَاعِلُ ... نَحْوُ: جَرَى الْمَاءُ وَجَارَ الْعَامِلُ2 الفَاعِلُ: كُلُّ اسم ذكرته بعد فِعْلٍ، وأسندتّ ذلك الفعل إليه إسنادًا صحيحًا، وجُعِلَ الفِعْلُ حَدِيثًا عنه، وكان في الإيجاب والنَّفي سواء. فالفاعل مرفوع؛ وفي ذلك أقوالٌ: قال الخليلُ: "الأصل فيما إعرابه الرّفع3؛ الفاعل، وباقي المرفوعات محمولات عليه، ومشبَّهاتٌ به"4. وقال سيبويه5: "الأصل هو المبتدأ،

والبواقي1 مشبّهة به". وقال الأخفش2: "كُلُّ واحِدٍ منهما أَصل بنفسه". واحتجَّ الخليل عن مَذْهَبِهِ، وقال: "الفاعل بالرّفع أولى؛ لأنّك إذا قُلْت: (ضرب زَيدْ [بَكرْ] 3- بإسكان الكلمتين - لم يُعرف الضّارب من المضروب، وإذا قُلْتَ: (زَيدْ قَائِمْ) - بإسكانهما - عُلِمَ من نفس اللّفظتين4 أيّهما المبتدأ؛ فثبت أنَّ افتقار الفاعل إلى الإعراب أشدُّ؛ فوجب [45/ب]

أنْ يكون هو الأصل"1. واحتجَّ سيبويه أنْ قال: "قد ثبت أنّ الجملة الاسميّة مُقَدَّمَةٌ على [الجملة] 2 الفعليّة؛ فإعراب الجملة الاسميّة يجب أن يكون مُقَدَّمًا على إعراب الجملة الفعليّة"3. وقوله: (سالمُ البناء) 4 احترازًا من مفعول ما لم يُسَمَّ فَاعِله. وقيل: أُختير للفاعل الرّفع، وللمفعول النّصب؛ لثقل الضّمّة وخِفّة الفتحة؛ والفعلُ لا يُرْفَعُ به إلاَّ فاعلٌ واحدٌ، ويُنصب به عِدَّةٌ من المفاعيل، كالمصدر، والمفعول به، والظّرفين، والمفعول له، والمفعول مَعَه، والحال؛ فَجُعِل المُسْتَثْقَلُ إعرابًا لَما قَلَّ، والمُسْتَخَفُّ إعرابًا لَما كَثُرَ5. وَوَحِّدِ الْفِعْلَ مَعَ الْجَمَاعَهْ كَقَوْلِهِمْ: سَارَ الرِّجَالُ السَّاعَهْ فِعْلُ الفاعل يُوحَّدُ6 إنْ كان لمفردٍ،7 أو مثنّى، أو مجموع؛ فتقول: (جَاءَ زَيْدُ) و (جاءَ الزّيدان) [و (جاء الزّيدون) ] 8 و (ذهب القوم)

ولا يقال: (ذَهَبَا الزّيدان) 1 ولا (ذهبوا القوم) 2؛ [46/أ] لامتناع عَوْد الضّمير على غير ذي ضميرٍ، ولا يقع ذلك إلاَّ إذا تَأخَّر الفعل عن الاسم، كقولك: (زَيْدٌ ذَهَبَ) و (الزَّيدان3 ذَهَبَا) و (الرّجال ذهبوا) ؛ فضمير الفاعل مُسْتَتِرٌ في هذه الأفعال؛ لأنَّ الفعل لا يخلو من فَاعلٍ إمَّا ظاهرًا، و4 إمّا مُضْمَرًا. وَإِنْ تَشَأْ فَزِدْ عَلَيْهِ5التَّاءَ ... نَحْوُ: اشْتَكَتْ عُرَاتُنَا الشِّتَاءَ وَُتلْحَقُ التَّاءُ عَلَى التَّحْقِيقِ ... بِكُلِّ مَا تَأْنِيْثُهُ حَقِيقِي كَقَوْلِهِمْ: جَاءَتْ سُعَادُ ضَاحِكَهْ ... وَانْطَلَقَتْ نَاقَةُ هِنْدٍ رَاتِكَهْ6 وَتُكْسَرُ التَّاءُ بِلاَ مَحَالَهْ ... فِي مِثْلِ: قَدْ أَقْبَلَتِ الْغَزَالَهْ هذه التّاءُ تَلْتَحِقُ بفعلٍ لفاعلٍ7 جُمِعَ جَمْعَ تكسيرٍ؛ فيجوز أن

تقول: (قَالَ الرِّجال) و (قَالتِ الرِّجال) بتأنيث الفعل وتذكيره. وكذلك إذا كان جَمْعًا لمؤنّثٍ حقيقيًّا1 كان أو غير حقيقيٍّ؛ كقولك: (قال النِّساء) و (قالت النّساء) [46/ب] و (اتّسع الدُّور) و (اتَّسَعَتِ الدُّور) 2، فَيُقدَّر فيها في التَّذكير حَذْفُ مُضافٍ مُذكَّرٍ، كقولك: (قام جَمعُ3 الرِّجال) 4.

ويجب إثباتُها في فعل المؤنّث الحقيقيّ1، كقولك: (قامت المرأة) و (بركت النّاقة) ؛ وفي الفعل المتأخّر كَمَا تَقَدَّم ذِكْرُه، كقولك: (الشّجرة حَمَلتْ) و (النّساء قامت) و (الدُّورُ عُمِرَتْ) . وهذه التّاء إذا وليها أَلِفٌ وَلاَمٌ كُسِرَت؛ لالتقاء السّاكنَيْن2.

_ 1 يجب تأنيث الفعل للفاعل في مسألتين: الأولى: أنْ يكون الفاعل المؤنّث ضميرًا متّصلاً؛ ولا فرق في ذلك بين المؤنّث الحقيقيّ والمجازيّ، نحو: (هند قامت) و (الشّمس طلعت) . الثّانية: أنْ يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا، حقيقيّ التّأنيث، نحو: (قامت هند) . يُنظر: ابن النّاظم 224، وشرح شذور الذّهب 163، وابن عقيل 1/432، والتّصريح 1/277. 2 نحو: قَالَتِ النِّساء.

باب ما لم يسم فاعله

بَابُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ: وَاقْضِ قَضَاءً لاَ يُرَدُّ قَائِلُهْ ... بِالرَّفْعِ فِيمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهْ مِنْ بَعْدِ ضَمِّ أَوَّلِ1الأَفْعَالِ ... كَقَوْلِهِمْ: يُكْتَبُ عَهْدُ الْوَالِي وَإِنْ يَكُنْ ثَانِي الثُّلاَثِيِّ أَلِفْ ... فَاكْسِرْهُ حِينَ تَبْتَدِي وَلاَ تَقِفْ تَقُولُ: بِيعَ الثَّوْبُ2وَالْغُلاَمُ ... وَكِيْلَ زَيْتُ الشَّامِ وَالطَّعَامُ المفعول الّذي لم يُسَمَّ فَاعِلُهُ يقوم مقامَ الفاعل المحذوف؛ وذلك للعلم به، أو الجهل به، أو لتَعْظِيْمِهِ، أو لتحقيره3؛ فينوب عنه فيما له من الرّفع، ولزوم الفِعل، ووجوب تأخيرِهِ عنه4. وغُيِّرت له صيغةُ الفعل المسند إليه؛ [47/أ] ليعلم أنّه ليس بفعل الفاعل؛

وذلك بضمِّ أوّله؛ [فإنْ] 1 كان ماضيًا كُسِرَ ما قبل آخره، فتقول: ضُرِب الرَّجُلُ؛ وإنْ كان مضارِعًا فُتِحَ ما قبل آخره، فتقول: (يُضْرَبُ) . فإنْ كان ثُلاثيًّا مُعْتَلّ العين، وبُنِيَ لِمَا لَم يُسَمَّ فاعله، وَجَبَ تخفيفُهُ من استثقال الكسرة بعد الضّمّة، فألقيت حركة الفاء، ونقلت حركة العين إليها، فتقول في (قال) و (باع) : قِيلَ، وبِيعَ؛ وكان الأصل: (بُيِعَ) 2 و (قُوِلَ) ، فاستثقلت كَسْرةٌ على حرف علَّةٍ بعد ضمَّةٍ، فَأُلْقِيَت الضّمّةُ، ونُقِلَت الكسرة إلى مكانها، فَسَلِمت الياءُ من (بِيعَ) ؛ لسكونها بعد حركةٍ تُجانِسُهَا، وانقلبت3 الواو ياءً من (قِيلَ) ؛ لسكونها بعد كسرة، فصار اللّفظ4 بما أصله الياء، كاللّفظ بما أصله الواو5. وبعض العرب6 ينقل7، ويشير8 إلى الضّمّ مع التّلفّظ بالكسر،

ولا يغيّرُ الياء، وَيُسمَّى1ذلك إشمامًا2. ومن العرب3من يخفِّف هذا النّوع بحذف حركة عَيْنِهِ، فإنْ كانت واوًا سَلِمَتْ، كقول الرّاجِز4: حُوكَتْ عَلَى نَوْلَيْنِ إِذْ تُحَاكُ ... تَخْتَبِطُ الشَّوْكَ وَلاَ تُشَاكُ5

[47/ب] فإنْ كانتْ ياءً قُلِبت واوًا؛ لسكونها وانضمام ما قبلها، كقول1 الآخر: لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئًا لَيْتُ ... لَيْتَ شَبَابًا بُوعَ فَاشْتَرَيْتُ2 وقد يعرض3 بالكسر أو بالضّمّ التباس فِعل المفعول به بفعل الفاعل؛ فيجب - حينئذ - الإشمام وإخلاص الضّمّة، في نحو قولك: (خُفْتُ) مقصودًا به خشِيتُ؛ والإشمام وإخلاص الكسرة4، في نحو قولك:

(طُلْتُ) 1 مقصودًا به غُلِبْتُ في المطاولة2. والثّلاثيّ المُضاعَف يجوز في فائه من الضّمّ، والإشمام، والكسر ما جاز في فاء الثّلاثيّ المعتلّ العين، نحو: (حُبَّ الشّيء) و (حِبَّ) 3. والأشياء الّتي يجوز [أن تقوم] 4 مقام الفاعل أربعةٌ؛ وهي: المفعول به، سواءً كان من جُملةِ الأفعال المتعدِّية إلى واحدٍ أو إلى اثنين أو إلى ثلاثةٍ. والمفعول بحرف الجرِّ. و5الظّرف من الزّمان والمكان إذا كانا متمكّنين. والمصدر إذا كان مُعرّفًا أو منعوتًا مُخْتصًّا6؛ ومثال ذلك:

(ضُرِبَ زَيْدٌ) و (أُعْطِيَ عَمْرٌو دِرْهَمًا) و (ظُنَّ زيدٌ قائمًا) و (أُعْلِمَ زَيْدٌ عَمْرًا مُنْطَلِقًا) و (مُرَّ بزيدٍ) و (سِيرَ بِهِ يومان) و (مُشِيَ [عليه] 1 فَرْسَخان) و (قيلَ في خَالدٍ قَوْلٌ حَسَنٌ) .

_ (عليه) ساقطةٌ من ب.

باب المفعول به

بَابُ المَفْعُولِ بِهِ: [48/أ] وَالنَّصْبُ لِلْمَفْعُولِ حُكْمٌ أُوجِبَا1 ... كَقَوْلِهِمْ: صَادَ الأَمِيرُ أَرْنَبَا وَرُبَّمَا أُخِّرَ عَنْهُ الْفَاعِلُ ... نَحْوُ: قَدِ اسْتَوْفَى الْخَرَاجَ2 الْعَامِلُ المفعول به: كلّ اسم اتّصل به تعدّي الفعل فَنَصَبَهُ؛ فهو ما انتصب بعد تَمامِ الكلام إيجابًا أو نفيًا، مثل (ضَرَبْتُ زَيْدًا) و (مَا ضَرَبْتُ عَمْرًا) و (هَلْ رَأَيْتَ خَالِدًا؟) ، وكلّ ما جاء من باب المفاعَلة، كقولك: (ضَارَبَ زَيْدٌ عَمْرًا) ، فالمنصوب مرفوعٌ في المعنى؛ لأنّك تقول: (تَضَارَبَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو) ؛ فإن اختصَّ أحدهما بمعنى الفاعليّة، كان الآخَرُ منصوبًا بالمفعوليّة، كقولك: (عاقبت اللِّصَّ) . وشرط المفعول: أَنْ يكون آخِرًا؛ لأنَّهُ فضلةٌ في الكلام، ومرتبة الفاعل أنْ تكون3 وسطًا4، فإنْ توسَّط المفعول، أو قُدِّم على الفعل؛ فذلك للاهتمام5 [به] 6.

قال سيبويه - عقيب ذكر المفعول -: "يقدِّمون في كلامهم ما هم ببيانه أهمّ وأَعْنَى"1 على هذا الحكم تَقَدَّمُه2 على الفاعل، كقولك: (ركب الفرسَ الأميرُ) اهتمامًا3 بذكره. وكذلك تَقَدُّمُهُ، كقولك: (عَمْرًا ضَرَبَ زيدٌ) ومرتبة مجيئه بعد الفاعل الأصيل4. وَإِنْ تَقُلْ: كَلَّمَ مُوسَى يَعْلَى ... فَقَدِّمِ الْفَاعِلَ فَهْوَ أَوْلَى5 [48/ب] قد تقدّم ذكر جواز تقديم6 المفعول على وجه الاهتمام به، والتوسّع7 في الكلام، بشرط الأمن من اللَّبس؛ فمتى وقع اللّبس لعدَم8 الإعراب9، كالمقصورين [في قولك: (أَكرم موسى عيسى) ] 10؛

فموسى واجب تقدّمه1 إنْ كان فاعلاً، وتأخّره إنْ كان مفعولاً. فإن أُمِنَ اللّبس جَازَ التَّقديم والتّأخير، كقولك: (أكلتْ الكُمَّثْرى الحبلى) و (أخذت ليلى الحُمَّى) 2 وما أشبه ذلك.

_ 1 في ب: تقديمه. 2 المميّز فيهما القرينة المعنويّة؛ فتقدَّمَ المفعول فيهما. يُنظر: شرح الرّضيّ 1/72، وشرح الكافية الشّافية 2/589، وابن النّاظم 228.

باب أقسام الأفعال في التعدي

[بَابُ] 1 أَقْسَامِ الأَفْعَالِ فِي التَّعَدِّي: وَكُلُّ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ يَنْصِبُ ... مَفْعُولَهُ مِثْلُ: سَقَى وَيَشْرَبُ الأفعال في التّعدّي أَنْواعٌ2: فيُقال: الفعل منه لازِمٌ وهو: كُلّ ما لا يقتضي معناه تعدِّيًا إلى مفعولٍ؛ كأفعال الألوان، والخِلَق، والمطاوعة، كـ (اسْوَدَّ) و (حَوِلَ) و (تَدَحْرَجَ) و (ظَرُفَ) . والمتعدِّي على ضربين: ما يتعدّى بحرف جرٍّ3. وما يتعدّى بنفسه. والّذي يتعدَّى بحرف الجرِّ على ضربين4: أَحَدُهما: لا يجوز إسقاط حرف الجرِّ منه إلاَّ في الشّعر؛ وذلك نحو: (مررت بزيدٍ) ، فلا يجوز إسقاط هذه الباء؛ لأنَّها كالجزء من الاسم

لاتّصالها بِهِ، وكالجزء من الفعل لكونها [49/أ] معدّية1 له، وموصِّلة2 إلىالاسم؛ فكلّ واحدٍ من هذين - الاسم والفعل - مفتقرٌ إلى هذا الحرف؛ فخُلُوّهُما منه إجحافٌ بهما؛ وقد ورد حذفه في الشّعر، كقول الشّاعر: تَمُرُّونَ الدِّيَارَ وَلَمْ تَعُوجُوا ... كَلاَمُكُمُ عَلَيَّ إِذَنْ حَرَامُ3 الثّاني: الّذي يتعدّى بحرف الجرّ، والمتكّلم مُخيّرٌ في إثباتِهِ وحَذْفِهِ، كـ (شكرتُ) و (أَمَرْتُ) و (نَصَحْتُ) و (وَزَنْتُ) و (كِلْتُ) و (اخْتَرْتُ) 4؛ تقول: شكرتُ زيدًا، وشكرتُ له، ونصحتُه، ونصحتُ له، ووَزَنْتُه،

ووزنت له؛ قال1 اللهُ تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} 2، وقال تعالى3: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} 4 أي: من قومه، وأمرته كذا، وأمرته بِهِ، ومنهُ5 قولُ الشّاعر: أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ... فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ6

وقوله: (مِثْلُ: سَقَى وَيَشْرَبُ) يشير إلى الرّابع؛ وهو1 أقوى ممّا تقدّمه2 وهو (يشرب) 3 فإنّه متعدٍّ بنفسه إلى مفعولٍ واحدٍ؛ تقول: (شَرِبْتُ ماءً) ؛ وإلى الخامس وهو (سَقَى) ؛ لأنّه متعدٍّ بنفسه إلى مفعولين ثانيهما غير الأوّل4، تقول: (سقيتُ زيدًا ماءً) ، وهذا يجوزُ فيه ذكر المفعولين، كقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوثَرَ} 5، والاقتصار على أَحدِهما، [49/ب]

كقولك: (أعطيتُ زيدًا) ، ولا تذكر ما أَعطيت، [و] 1 كقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 2؛ و (أعطيت درهمًا) ولا تذكر مَنْ أَعطيت؛ ولك أن تقول: (أعطيت) بحذفهما، كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} 3؛ وهذا القسم أقوى من القسم الرّابع. والسّادس: هي4 أفعال القلوب - ويأتي ذكرها -، وهو أقوى من الخامس. والسّابع: لم يذكره الشّيخ5؛ وهو أقواها بتعديته إلى ثلاثة مفعولين6؛ وذلك إمّا بحرف جرٍّ، وإمّا بتضعيف عين الفعل، وإمّا بهمزة النّقل؛

وأنشد الفرّاءُ: تَعْدِيَةُ اللاَّزِمِ يَا حَمْزَهْ ... بِالْحَرْفِ وَالتَّضْعِيْفِ وَالهَمْزَهْ1 والأفعال2 هي: (أَعْلَمَ) و (أَرَى) و (أَنْبَأَ) و (نَبَّأَ) و (خَبَّرَ) و (أَخْبَرَ) و (حَدَّثَ) ؛ كقولك3: (أَعْلَمَ اللهُ النَّاسَ مُحَمَّدًا صَادِقًا) و (نَبَّأْتُ عَمْرًا زَيْدًا كَرِيمًا) و (أَخْبَرْتُ عَنْ عَمْرٍو زَيْدًا خَبَرًا) والتّقدير: أَعْلمَ اللهُ النّاسَ أنَّ محمدًا صَادِقٌ. وذوات التّعديَةِ4 أَتمّها الحرف5؛ لأنّه يتعدّى به جميع الأفعال

الثّلاثيّة وما زاد عليها. وأمَّا الهمزةُ [50/أ] فلا يتعدّى بها إلاَّ الثّلاثيّ؛ وكذلك التّضعيف، تقول من ذلك: (فَرّحتُ زيدًا) و (أخرجته من السّجن) و (ذهبتُ به) 1 و (ما اختفيتُ منه) 2.

_ 1 هذا مثالٌ للتّعدية بالحرف، وكذلك ما بعده. 2 في ب: وما اخفيت منه.

باب أفعال القلوب

بَابُ أَفْعَالِ القُلُوبِ: لَكِنَّ فِعْلَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ ... يَنْصِبُ مَفْعُولَيْنِ فِي التَّلْقِينِ تَقُولُ: قَدْ خِلْتُ الْهِلاَلَ لاَئِحَا ... وَقَدْ وَجَدْتُ المُسْتَشَارَ نَاصِحَا وَمَا أَظُنُّ عَامِرًا رَفِيقَا ... وَلاَ أَرَى لِي خَالِدًا صَدِيقَا وَهَكَذَا تَفْعَلُ1 فِي عَلِمْتُ ... وَفِي حَسِبْتُ ثُمَّ فِي زَعَمْتُ هذه أفعال القلوب2؛ وهي تدخل على المبتدأ والخبر فتَنْصِبُهُمَا جميعًا؛ وهي: (ظَنَنْتُ) و (رَأَيْتُ) و (وَجَدْتُ) و (عَلِمْتُ) و (حَسِبْتُ) و (خِلْتُ) و (زَعَمْتُ) . فـ (خال) 3 لا بمعنى تكبَّر، كقولك: (خِلْتُ زيْدًا صديقًا) .

و (ظنّ) لا بمعنى اتّهم1، نحو (ظننت عمرًا صادقًا) . و (حَسِبَ) 2 لا من صار أَحْسَبَ، أي: ذا شُقْرةٍ، أو حُمْرَةٍ وبياضٍ كالبَرص3، بل كقول الشّاعر: وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً ... عَشِيَّةَ لاَقَيْنَا جُذَامَ وَحِمْيَرَا4 [50/ب]

و (زعم) لا بمعنى كَفَل أو سَمِنَ أو هَزُل1، كقولك: (زَعَمْتُ بَكْرًا مقيمًا) . و (عَلِمْتُ) لا لإدراك المفرد وهو العِرفَان2، نحو: (علمت خالدًا مُحْسِنًا) . و (وَجَدْتُ) لا من وجدَان الضَّالّة3، كقولك: (وجدت محمَّدًا عالمًا) . و (رأيت) لا من قولهم: (رأيته) إذا رماه فأصاب رئته4،

كـ (رأيت الأميرَ عادلاً) . وقيل: (عَدّ) و (أَلْفَى) يجريان مجرى هذه الأفعال؛ فـ (عَدَّ) لا بمعنى (حَسَبَ) 1، كقول الشّاعر: لاَ أَعُدُّ الإِقْتَارَ2 عُدْمًا وَلَكِنْ ... فَقْدُ مَنْ قَدْ فَقَدْتُهُ الإِعْدَامُ3 و (ألفى) بمعنى وَجَدَ4. ومنه (حَجَا) لا بمعنى (غَلَب) في المحاجَاة، أو قَصَدَ5، كقوله:

وَكُنْتُ أَحْجُو أَبَا عَمْرٍو أَخَا ثِقَةٍ ... حَتَّى أَلَمَّتْ بِنَا يَوْمًا مُلِمَّاتُ1 ومنه (هَبْ) ، كقول الشّاعر: فَقُلْتُ أَجِرْنِي أَبَا خَالِدٍ ... وَإِلاَّ فَهَبْنِي امْرَأً هَالِكًا2

ومنه (جَعَل) ، كقولك: (جَعَل زَيْدٌ عَمْرًا صَدِيقًا) . فهذه الأفعال معانيها قائمة بالقلب1؛ وكُلُّ ما جاز أنْ يكون خبرًا لمبتدأ يجوز أنْ يكون المفعول الثّاني لهذه الأفعال. [51/أ] وتختصّ هذه الأفعالُ - سِوَى (هَبْ) و (تَعَلَّم) - بالإلغاء والتّعليق2. فالإلغاءُ3 هو: ترك إعمال4 الفعل؛ لضعفه بالتّأخير، أو التّوسّط بين المفعولين، كقولك مع التّأخير: (زَيْدٌ عَالِمٌ ظننت) ، ومع التّوسّط: (زَيْدٌ ظننت عَالِمٌ) . فالمثال الأوّل: يجوز فيهما5 الرّفع والنّصب6، والرّفعُ7 أجود؛ لتأخير الفعل عنهما، فعودُهما إلى الابتداء8 أَوْلى.

والمثال الثّاني: يجوز فيهما الرَّفعُ والنّصب، والنّصب أجود1؛ لعمل الفعل في بعض الجملة2. والتّعليق3 هو: ترك [إعمال] 4 الفعل؛ لفصل ماله صدر الكلام بينه وبين معمولِه، كقولك: (علمت لزيدٌ ذاهبٌ) و (علمتُ أزيدٌ أخوك أم عمرٌو؟) ، فقد تعلَّق (عمله) 5 بلام الابتداء وهمزة الاستفهام، أو بـ (ما) النّافية، كقولك: (علمت [ما] 6 زيدٌ ذاهبٌ) ، أو بالقسم، كقولك: (علمت واللهِ الْعِلْمُ نَافِعٌ) .

_ 1 وقيل: الإعمال والإلغاء سِيَّان. يُنظر: أوضح المسالك 1/316، وابن عقيل 1/396، والأشمونيّ 2/28. 2 بقي صورة؛ وهي: إذا تقدّم الفعل، نحو: (ظننت زيدًا قائمًا) ، فعند البصريّين يمتنع الإلغاء، فلا تقول: (ظننت زيدٌ قائم) بل يجب الإعمال. فإنْ جاء من لسان العرب ما يوهم إلغائها مُتقدّمةً أوّلَ على إضمار ضمير الشّأن؛ ليكون هو المفعول الأوّل؛ والجزءان جملة في موضع المفعول الثّاني، أو على تقدير لام الابتداء. وذهب الكوفيّون إلى جواز إلغاء التّقدّم، فلا يحتاجون إلى تأويل. تُنظر هذه المسألة في: أوضح المسالك 1/320، وابن عقيل 1/396، والتّصريح 1/258، والأشمونيّ 2/28. 3 وقيل في تعريفه هو: إبطال العمل لفظًا لا محلاًّ؛ لمجيء ماله صدر الكلام بعده، وهو لام الابتداء، ولام القسم، وما النّافية، والاستفهام. يُنظر: أوضح المسالك 1/316، وابن عقيل 1/394. (إعمال) ساقطةٌ من ب. 5 في ب: علمت. (ما) ساقطة من أ.

باب اسم الفاعل

بَابُ اسْمِ الفَاعِلِ: وَإِنْ ذَكَرْتَ فَاعِلاً مُنَوَّنَا ... فَهْوَ كَمَا لَوْ كَانَِ فِعْلاً بَيِّنَا فَارْفَعْ بِهِ فِي لاَزِمِ الأَفْعَالِ ... وَانْصِبْ إِذَا عُدِّي بِكُلِّ حَالِ تَقُولُ: زَيْدٌ مُشْتَرٍ1 أَبُوهُ ... بِالرَّفْعِ مِثْلُ: يَشْتَرِي2 أَخُوهُ وَقُلْ: سَعِيدٌ مُكْرِمٌ عُثْمَانَا ... بِالنَّصْبِ مِثْلُ: يُكْرِمُ الضِّيفَانَا [51/ب] يُشير إلى اسم الفاعل؛ وهو: ما يشتقّ3 من فعل الفاعل؛ فإنْ كان اشتقاقه من لازمٍ كان ما بعده مرفوعًا، كقولك: (زيدٌ شريفٌ4 أبوه) ؛ وإنْ كان من متعدٍّ عَمِلَ عَمَل الفعل المضارع؛ لشبهه به في عِدَّة5الحروف، وهيئة الحركة والسّكون، فـ (ضارب) يُضَاهي (يَضْرِبْ) في كون كلٍّ منهما رُباعيّ الحروف، ثانيهما ساكن، وما عداه متحرّك؛ فلمَّا اشتبها6من هذا الوجه أُعْرِبَ الفعل المضارع من بين الأفعال، وعمل هذا الاسم عمله في الحال والاستقبال؛ وهو لا يعمل

إلاَّ إذا كان معتمدًا على ما قبله من مبتدأ1، كقولك: (هذا ضارب زيدًا) . أو يكون على2 موصوف، كقولك: (مَرَرت3 برجلٍ ضاربٍ زَيْدًا) ؛ [أو] 4 [على صاحب الحال، كقولك: (هذا عمرٌ ضاربًا زيدًا) ؛ أو5 على همزة الاستفهام، كقولك: (أضاربٌ صاحبك زيدًا؟) 6؛ أو على7 (ما) النّافية، كقولك: (ما ضاربٌ زيدٌ عمرًا] . ولا يعمل إذا كان بمعنى8 الماضي عَمَل الفعل، بل يجرّ ما بعده، فتقول: (هذا ضاربُ زيدٍ أَمْسِ) ؛ خلافًا للكسائيّ9، والآية الكريمة

الّتي احتجّ بها من قوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} 1 فحكاية حَالٍ ماضية2بمنزلة قوله تعالى: {هَذَا مِنْ شِيْعَتَهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} 3، وليس بحاضرٍ بل هو علىالحكاية4. [52/أ] وإنْ جرى على غير من هو له برز الضّمير، كقولك: (زيد هند ضاربها هو) 5، فإنْ نصبت هندًا، [فقلت: (زَيْدٌ هِنْدًا] 6ضاربها) جاز7 ولم تحتج إلى إبراز الضّمير. ولا يتعرَّف بما يضاف إليه من المعارف إذا كان للحال والاستقبال؛

لأنّه يعمل عمل الفعل، والفعل نكرة؛ فكذلك ما وَقَعَ موقعه، وكذلك1 وَقَعَ صِفَةً للنّكرة2، وحالاً للمعرفة3، كقولك4: (مررتُ برجلٍ ضاربٍ عمرٍو غَدًا) ؛ ولا يجوز ذلك وأنت تريد الماضي؛ لأنّه لا يتعرّف بما أُضيف إليه، والمعارِف لا تكون أحوالاً ولا صفات النّكرات. ومن شواهد إعماله [قوله] 5: إِنِّي بِحَبْلِكِ وَاصِلٌ حَبْلِي ... وَبِرِيْشِ نَبْلِكِ رَائِشٌ نَبْلِي6

وكقول الآخر: وَكَمْ مَالِىءٍ عَيْنَيْهِ مِنْ شَيْءِ غَيْرهِ ... إِذَا رَاحَ1 نَحْوَ الْجَمْرَةِ الْبِيضُ كَالدُّمَى2 ومنه مجموع، كقوله: مِمَّنْ حَمَلْنَ بِهِ وَهُنَّ عَوَاقِدٌ ... حُبُكَ النِّطَاقِ فَشَبَّ غَيْرَ مُهَبَّلِ3 [52/ب]

..................................................................

_ = والمعنى: إنّ هذا الفتى من الفتيان الّذين حملت أمّهاتهم بهم وهُنّ غضاب غير متهيّأت لأزواجهنّ فشبّ محمودًا؛ وهذا من مزاعِم العرب الباطلة. والشّاهد فيه: (عواقد حبك النّطاق) حيث نصب (عواقدُ) ، (حبكَ النّطاق) ؛ وفيه دليلٌ على إعمال اسم الفاعل مجموعًا جمع تكسير. يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/109، وديوان الهذليّين 2/92، وشرح أشعار الهذليّين 3/1072، وتحصيل عين الذّهب 110، والإنصاف 2/489، وشرح المفصّل 6/74، وابن النّاظم 430، والمقاصد النّحويّة 3/558، والأشمونيّ 2/299، والخزانة 8/192، 193.

باب المصدر

بَابُ الْمَصْدَرِ: وَالْمَصْدَرُ الأَصْلُ وَأَيُّ أَصْلِ ... وَمِنْهُ يَا صَاحِ اشْتِقَاقُ الْفِعْلِ وَأَوْجَبَتْ لَهُ النُّحَاةُ النَّصْبَا ... فِي قَوْلِهِمْ1:ضَرَبْتُ زَيْدًا ضَرْبَا المصدر: اسمٌ يقع على الأحداث، كـ (الضّرب) و (القتل) و (الإكرام) ؛ وهو أصل الأفعال، وسُمِّيَ مصدرًا؛ لصدورها عنه، وهو المفعول المطلَق2. والمفاعيل خمسةٌ؛ لأنَّ الفاعل لا بُدَّ له من فِعْلٍ به صار فاعلاً؛ وذلك أصله المصدر، كقولك: (ضربت زيدًا ضربًا) ولا بُدَّ لذلك من الوقوع بغيره؛ وهو المفعول به، وهو مقيّدٌ بالباء - كما تقدَّم -، ولا بُدَّ لوقوع ذلك من وَقْتٍ وَمَكَانٍ؛ وهو المفعول فيه، ولا بُدَّ3 لذلك الفاعل من غَرَض فَعَلَ الفِعْلَ لأجله؛ وهو المفعول له، ويحتمل مصاحبًا لِمَا يقتضيه الحال؛ وهو المفعول مَعَه؛ فكلٌّ منها4مُقَيَّدٌ بشيء وقد جُمِعَتْ هذه المفاعيل على التّرتيب في بيت - وهو ممّا [53/أ]

نظم المؤلِّف1- وهو الثّاني منقوله: يَا جِيْرةً قَدْ أَوْحَشُوا لَمَّا نَأَوا ... بَصَرِي وَنَفْسِي دَائِمًا وَالمِسْمَعَا كَرّرْتُ تَكْرَارًا هَوَاكُمْ سَحْرَةً ... وَسَطَ الدِّيَارِ مَحَبَّةً وَالأَدْمُعَا2 فالمصدر أصل الفعل3؛ لأنّه يدلّ على العموم، والفعل يدلّ على الخصوص، والعُموم قبل الخصوص؛ ومذهب الكوفيّين عكسُ هذا؛ وحجّتُهُم: أنَّ الفعل عاملٌ في المصدر، والعامل قبل المعمول؛ وليس هذا بدليل؛ لأنَّ الحرف يعمل في الاسم والفعل وليس بأصلٍ لهما4. والمصدر: اسمٌ مبهَم يقع على القليل والكثير، ولا يثنَّى، ولا يجمع؛ لأنَّه بمنزلة اسم الجنس، والجنس لا يثنَّى ولا يُجمع5؛ فإنْ كان المصدر

لعدد المرّات جاز تثنيته وجمعه، كقولك: (ضربت ضَرْبَتَيْنِ) و (ضَرَبَاتٍ) بدخول تاء التّأنيث في واحده فأشبه أسماء الأجناس المحدودة، كـ (القَمْحَةِ) و (التّمرة) 1. والمصدر يأتي لتأكيد الفعل، كـ (ضربت ضربًا) ، ومنه قولُه تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 2. ولبيان النّوع، مثل: (ضربته ضرب الأمير) . ولعدد المرَّات، كقولك: (ضربته ضربتين) . وللحال، كقولك: (أتيتُه رَكْضًَا) 3. وأنواع المصادر يجوز تعريفها بالألف واللاّم، [53/ب] وبالإضافة، إلاّ مصدر الحال غالبًا، فإنّه لا يتعرّف كالحال. وَقَدْ أُقِيْمَ الْوَصْفُ وَالآلاَتُ ... مَقَامَهُ وَالْعَدَدُ الإِثْبَاتُ4 نَحْوُ: ضَرَبْتُ الْعَبْدَ سَوْطًا5 فَهَرَبْ ... وَاضْرِبْ أَشَدَّ الضَّرْبِ مَنْ يَغْشَى6 الرِّيَبْ وَاجْلِدْهُ فِي الخَمْرِ ارْبَعِيْنَ جَلْدَهْ ... وَاحْبِسْهُ مِثلَ حَبْس7 مَوْلًى8 عَبْدَهْ

يجوز حَذْفُ المصدر إذا قَامَ مقامُه صِفَتهُ1، كقولك: (قُلْتُ لك جميلاً) و (ضربته وجيعًا) 2 أي: قُلْتُ لك قولاً جميلاً؛ فحذف المصدر الموصوفَ، وأُقيمت الصّفة مقامه. وقد تقع الصّفة مُضافةً3، كقولك: (ضربتُه أشدّ الضّرب) . وقد تقوم الآلة مقام المصدر، كقولك: (ضَرَبْتُه مِقْرعَةً4 وَسَوْطًا) ، فتنصبهما5 نصب المصادر6؛ وكذلك العدد، فتقول: (ضربته عشرين ضربةً) ، وقد يُقدّر المصدر ويفسّره ما يأتي بعده

من النّعت المضاف، كقوله تعالى: {وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} 1 أي: تَمرُّ مُرُورًا مثل مرِّ السّحاب وَرُبَّمَا أُضْمِرَ فِعْلُ الْمَصْدَرِ ... كَقَوْلِهِمْ: سَمْعًَا وَطَوْعًَا فَاخْبُرِ وَمِثْلُهُ: سَقْيًا لَهُ وَرَعْيَا ... وَإِنْ تَشَأْ جَدْعًا لَهُ وَكَيَّا [54/ أ] المصدر يُنْصَبُ بفعلهِ المشتقّ منه2؛ وقد جاء في كلام العرب ما يُنْصَبُ بفعلٍ محذوفٍ، كدعاءٍ لإنسانٍ، أو دعاء عليه3، كقولهم: (سَقْيًا [له] 4 ورَعْيًَا) أي: سقاه اللهُ سقيًا، وكذلك: جَدْعًا5. وممّا نُصِبَ على المصدر ولم ينطق بفعله؛ قولهم: (سُبْحَان الله)

و (جاء زيد وَحْدَهُ) ، وبعضهم1 جعل انتصاب وحده على الحال، كقولك: (جاء منفردًا) ؛ ومن ذلك: (سَمْعًا) و (طَاعةً) و (كرامةً) و (مَسَرَّةً) التّقدير: أَسْمَعُ لك، وأَطِيْعُ، وأُكْرِمُكَ، وأَسُرُّكَ2. ومنه: (ويلَ زَيْدٍ) و (ويحَ عَمْرٍو) ، تنصبهما عند الإضافة على المصدر3. ومنه: قولك لمن تأهّب للحجّ: (حَجًّا مبرورًا) ، ولِمَنْ قَدِمَ من سَفَره4: (قدومًا مُبَارَكًا) 5. ومنه: ما يأتي بعد أمرٍ، أو نهي، كقولك: (قيامًا لا قُعُودًا) .

ومنه: الاستفهام لقصد التّوبيخ، كقولك للمتواني: ( [أَ] 1 تَوَانِيًا وَقَدْ جَدّ قُرَنَاؤُكَ2؟) 3، ومنه قولُ الشَّاعر: أَعَبْدًا حَلَّ فِي شُعَبَى غَرِيْبًا ... أَلُؤْمًا لاَ أَبَا لَكَ وَاغْتِرَابَا؟ 4 وأمّا قولهم عند تذكُّرِ نعمةٍ: (اللَّهُمَّ حَمْدًا وَشُكْرًا لاَ كُفْرًا) ، وعند [54/ب] تذكُّر شدّةٍ: (صَبْرًا لاَ جَزَعًا) تقديره: أحمده حمدًا، وأشكر [هـ شُكرًا] 5، ولا أكفر.

و [منه: قولهم] 1 عند ظهور ما يُعْجِبُ: (عَجَبًا) ، وعند خطاب مغضوبٍ عليه: (لا أفعل ذلك ولا كَيْدًا ولا كَراَمَةً ولاَ هَمًَّا) 2. وَمِنْهُ3: قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ رَكْضَا ... وَاشْتَمَلَ الصَّمَّاءَ إِذْ تَوَضَّا وقد اُخْتُلِفَ في المصدر الواقع موقع الحال، كقولك: (أَقْبَلَ الأَمِيرُ رَكْضًا) و (جَاءَ زَيْدٌ مَشْيًا) . فمنهم4 مَنْ قال: الوجه نصبهما ونظائرهما5 على الحال، والتّقدير: أقبل الأمير راكضًا.

وقال بعضُهم1: بل ينتصبان2انتصاب المصدر المحذوف فِعله، والتّقدير: يركض ركضًا. وقولهم لمن يجلّل جسده بثوبٍ: (اشتمل الصَّمَّاء) 3، وللقاعد المحتبي بيديه: (قَعَد القُرْفُصَاء) 4، وللسّائر مُسْرعًا: (سار الجَمَزَى) 5،

وللرّاجع مُكْرَهًا: (رجع القَهْقَرَى) 1؛ فانتصاب هذا وما أشبهه على المصدر الّذي تدلّ عليه هيئة الفاعل، وتقديره: اشتمل الاشتمال المعروف بالصَّمَّاء2.

فَصْلٌ: المصدر يعمل عمل فعله1؛ فيرفع الفاعل، وينصب المفعول، بشرط أن يُقْصَد به قصد فعله من الحدوث والنّسبة2. [55/أ] فَيُقَدَّرُ بـ (أن) والفعل إنْ كان ماضيًا أو مستقبَلاً؛ وبـ (ما) والفعل إنْ كان حالاً3. وأكثر ما يعمل مضافًا4، كقولك: (أعجَبني ضَرْبُ زَيْدٍ عَمْرًا) ؛

ومنوّنًا، كقولك: (عجبتُ من ضَرْبٍ زيدٌ عمرًا) تريد من أن ضَرَبَ زيدٌ عَمْرًا؛ ومنه قولُه تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيْمًا} 1، ومنه قولُ الشّاعر: بِضَرْبٍ2 بِالسّيُوفِ رُؤُوسَ قَوْمٍ ... أَزَلْنَا هَامَهُنَّ عَنِ الْمَقِيْلِ3 وقد يعمل مع الألِف واللاّم4، كقول الشّاعر:

ضَعِيفُ النِّكَايَةِ أَعْدَاءَهُ ... يَخَالُ الْفِرَارَ1 يُرَاخِي2 الأَجَلْ3 وإذا كان مضافًا4 جاز أنْ يضاف إلى الفاعل، فيجرّه، ثم ينصب المفعول، نحو: (بَلَغني تَطْليقُ زَيْدٍ هِنْدًا) .

ويجوز إضافة المصدر إلى المفعول1، كقول الشّاعر: تَنْفِي يَدَاهَا الْحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةٍ ... نَفْيَ الدَّرَاهِمِ تَنْقَادُ2 الصَّيَارِيفِ3

_ 1 في كلتا النّسختين: ويجوز إضافة المفعول إلى المصدر، وهو سهوٌ من النُّسّاخ، والصّواب ما هو مثبَت. 2 في أ: نقَّاد. 3 هذا بيتٌ من البسيط، وهو للفرزدق، يصف ناقة بسرعة السّير في الهواجِر. والهاجرة: نصف النّهار عند اشتداد الحرّ. والمعنى: إنّ هذه النّاقة تدفع يداها الحصى عن الأرض في وقت الظّهيرة واشتداد الحرّ؛ كما يدفع الصّيرفيّ النّاقد الدّراهم؛ وكنّى بذلك كلّه عن صلابتها، وسرعة سيرها. والشّاهد فيه: (نفي الدّراهم تنقاد) حيث أضيف المصدر (نفي) إلى مفعوله (الدّراهم) فجرّه ثم رفع الفاعل (تنقادُ) . يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/28، والمقتضب 2/258، والخصائص 2/315، وتحصيل عين الذّهب 62، وشرح المفصّل 6/106، وتخليص الشّواهد 169، وابن عقيل 2/96، والمقاصد النّحويّة 3/521، والتّصريح 2/371، والخزانة 4/424، 426، والدّيوان 570 - والرّواية في جميع هذه الكتب (الدّراهيم) بدل (الدّراهم) -.

بَابُ الْمَفْعُولِ لَهُ - وَيُقَالُ: الْمَفْعُولُ مِنْ أَجْلِهِ: وَإِنْ جَرَى نُطْقُكَ بِا1 لْمَفْعُولِ لَهْ ... فَانْصِبْهُ بِالْفِعْلِ الَّذِي [قَدْ] 2 فَعَلَهْ وَهْوَ لَعَمْرِي مَصْدَرٌ فِي نَفْسِهِ ... لَكِنَّ جِنْسَ الْفِعْلِ غَيْرُ جِنْسِهِ وَغَالِبُ الأَحْوَالِ أَنْ تَرَاهُ ... جَوَابَ: لِمْ فَعَلْتَ مَا تَهْوَاهُ تَقُولُ: قَدْ زُرْتُكَ خَوْفَ الشَّرِّ ... وَغُصْتُ فِي الْبَحْرِ ابْتِغَاءَ الدُّرِّ [55/ب] المفعول له: يُنْصَبُ3؛ وهو: المصدر المذكور عِلّةً لحدَثٍ شاركه في الزّمان، والفاعل. وشَرائِطُهُ: أنْ يكون مصدرًا4، من غير جنس فعله، جواب

(لِمَ1 فَعَلْتَ) ، كقولك: (جِئْتُ رَغْبَةً فِيكَ) ، فـ (رَغْبَةً) مفعولٌ له؛ لأنّه مصدر مُعَلَّلٌ به المجيء، وزمانهما، وفاعلهما واحد2. فإن لم يستوف3 الشّروط فلا بُدَّ من جرّه4بلام التّعليل5،

أو1 ما يقوم مقامها2؛ وذلك ما كان غير مصدرٍ، كقولك: (جِئْتُ للعشب3 والماءِ) ، أو مصدرًا مُخالفًا للمعلَّل4 في الزّمان، نحو: (تأهّبتُ5 أمس للسّفر اليوم) ، أو في الفاعل، نحو: (جِئْتُ لأَمْرِكَ إِيَّاي) . ويأتي مُعَرّفًا باللاّم، أو مضافًا، [أو] 6 مجرّدًا من التّعريف باللاّم والإضافة7.

_ 1 في كلتا النّسختين: وما يقوم، والتصويب من ابن النّاظم. 2 في ب: مقامهما. والّذي يقوم مقام اللاّم هو: (من) و (في) و (الباء) و (الكاف) . يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/672، وشرح عمدة الحافظ 1/396، وابن النّاظم 271، وابن عقيل 1/521، والهمع 3/134، والصّبّان 2/124. 3 في أ: للغيث. 4 في ب: للتّعليل. 5 في أ: تأهّب. (أو) ساقطة من أ. 7 في أ: وبالإضافة. وهذا مذهب سيبويه والجمهور. وذهب الجرميّ، والرّياشيّ، والمبرّد إلى أنّ شرطه أنْ يكون نكرة، وأنّ (أَلْ) فيه زائدة، وإضافته غير محضة. يُنظر: الكتاب 1/370، وشرح المفصّل 2/54، والارتشاف 2/224، والأشمونيّ 2/125.

وقد جمع العجّاج بين المعرّفين والمجرّد في رجزه حيث قال1: يَرْكَبُ كُلَّ عَاقِرٍ2 جُمْهُورِ مَخَافَةً وَزَعَلَ3 الْمَحْبُورِ وَالْهَوْلَ مِنْ تَهَوُّلِ4 الهُبُورِ5

_ 1 في ب: يقول. 2 في أ: عاقل، وهو تحريف. 3 في ب: وزغل، وهو تصحيف. 4 في أ: تَهَوّر، وهو تحريف. 5 في أ: الهيور، وهو تصحيف. وهذه الأبيات يصف الشاعر فيها ثورًا وحشيًّا، فيقول: يركب لِنشاطه وقوّته كُلّ عاقرٍ من الرّمل - وهو الّذي لا يُنْبِتُ. و (الجمهور) : المُتراكِبُ؛ لخوفه من صائدٍ أو سَبُعٍ، أو لزَعَله وسُروره؛ و (الزّعل) : النّشاط. و (المحبور) : المسرور. و (التّهوُّل) : أن يعظم الشيء في نفسك حتى يهُولك أمره. و (الهبور) : جمع هَبْر؛ وهو ما اطمأنّ من الأرض وما حوله مرتفع؛ فلأنّها مكمن للصّائد فهو يخافها فيعدل عنها إلى كلّ عاقر. والشّاهد فيه: (مخافةً، وزعل، والهول) حيث جمع بين النّكرة - مخافة -، والمعرّف بالإضافة - زعل المحبور -، والمعرّف باللاّم - الهول - ونصبها على المفعول له. يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/369، وتحصيل عين الذّهب 229، وأسرار العربيّة 178، وشرح المفصّل 2/54، وشرح الرّضيّ 1/193، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/585، والخزانة 3/114، 116، والدّيوان 233، 234.

باب المفعول له ويقال: المفعول من أجله

باب المفعول له ويقال: المفعول من أجله ... فالمجرَّد الأكثر فيه النّصب، [نحو: (ضَربته تأديبًا) ] 1؛ وقد يجرّ فيُقال: (ضربته لتّأديب) . والمعرّف باللاّم الأكثر فيه الجرّ، كقولك: (جئت للطَّمع في برّك) 2؛ وقد يُنصب فيقال: (جئتك الطَّمَع) ، ومنه قولُ الشّاعر: لاَ أَقْعُدُ الْجُبْنَ عَنِ الْهَيْجَاءِ ... وَلَوْ تَوَالَتْ زُمَرُ الأَعْدَاءِ3 [56/أ] ويجوز تقديم المفعول له على العامل4 فيه، كقولك: (مخافة الشّرّ [جئتك5) . والمضاف جائز جرّه، كقولك: (فعلته لمخافة الشّرّ] 6؛ والنّصب أشهر7.

_ 1 ما بين المعقوفين ساقط من أ. 2 في ب: ترك، وهو تصحيف. 3 هذا بيتٌ من الرّجز، ولم أقف على قائله. و (لا أقعد الجبن) : لا أقعد لأجله، و (الجبن) : الخوف. و (الهيجاء) : الحَرْب. (ولو توالت) أي: تتابَعتْ. و (زمر الأعداء) : جماعاتهم. والشّاهد فيه: (لا أقعد الجبن) حيث جاء المفعول له (الجبن) مقترنًا بـ (أل) ونصب؛ وهذا قليل. يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 1/398، وشرح التّسهيل 2/198، وضمّنه ابن مالك في الخُلاصة وفي الكافية الشّافية 2/672، وأوضح المسالك 2/46، وابن عقيل 1/522، والمقاصد النّحويّة 3/67، والتّصريح 1/336، والهمع 3/134، والأشمونيّ 2/125، والدّرر 3/79. 4 في ب: الفاعل، وهو تحريف. 5 ومنعَ ذلك قومٌ ـ منهم ثعلب ـ؛ والسَّماع يردّ عليهم. يُنظر: الارتشاف 2/ 224، والهمع 3/135. 6 ما بين المعقوفين ساقط من ب. 7 الّذي عليه الجمهور أنّ المضاف يجوز فيه الأمران على السّواء. يُنظر: شرح عمدة الحافظ 1/399، وابن النّاظم 272، والارتشاف 2/224، وابن عقيل 1/524، والهمع 3/135، والأشمونيّ 2/125.

باب المفعول معه

بَابُ الْمَفْعُولِ مَعَهُ: وَإِنْ أَقَمْتَ الْوَاوَ فِي الْكَلاَمِ ... مُقَامَ مَعْ فَانْصِبْ بِلاَ مَلاَمِ تَقُولُ: جَاءَ الْبَرْدُ وَالْجِبَابَا1 ... وَاسْتَوَتِ الْمِيَاهُ وَالأَخْشَابَا وَمَا فَعَلْتَ2 يَا فَتَى وَسَعْدَا3 ... فَقِسْ عَلَى هَذَا4 تُصَادِفْ رُشْدَا المفعول معه5، قال الزّمخشريّ6: "هو المنصوب بعد الواو الكائنةِ بمعنى مع". وهو من جملة الفضلات.

والعامل فيه النّصب؛ الفعلُ الّذي قبله بواسطة الواو1، وليس من المفاعيل ما يُنْصَبُ بواسطةٍ إلاَّ المفعول معه، ويجري مجراه الاستثناء. ولا يجوز حذف الواو من هذا كما جاز حذف [56/ب] اللاّم من المفعول له2؛ ولا أن يتقدّم على النّاصب له، كما جاز تقديم3 المفعول له على ناصبه4. والنّاصبُ له: ما يتقدَّمُ عليه من فعلٍ ظاهرٍ أو مُقدَّرٍ، أو مِن اسمٍ يشبه الفعل؛ مثال الظّاهر: (استوى الماءُ والخشبَةَ) ، ومثال المقدّر5: (كيف أنتَ وقَصْعَةً من ثريدٍ؟) تقديره: كيف تكونُ6؛ ومثال الاسم

المشبه للفعل: (حسبك وزيدًا درهمٌ) ، ومن ذلك قولُ الشّاعر: إِذَا كَانَتِ الْهَيْجَاءُ وَانْشَقَّتِ الْعَصَا ... فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ1 أي: كافيك. ومن أمثلته: (جَاءَ البَرْدُ وَالطَّيالِسَةَ) و (ما زلت أَسيرُ والنِّيلَ) و (لو تُرِكَت النَّاقةُ وفَصِيلَهَا لَرَضعَها) ؛ والتّقدير: جاء البرد مصاحبًا للطّيالسة2،

وما زلت أسير مصاحبًا النّيل، ولو خليت النّاقة لرضعها الفصيل. والفرق بين هذه الواو وواو العطف: أنّ هذه الواو تؤذن بتمكُّن المصاحبة فقط، والواو الّتي1 بمعنى العطف توجِب الشّركة في المعنى؛ فإنْ كان الأوّل على معنى الفاعل فالثّاني على معنى الفاعل؛ والواو الّتي بمعنى (مَعْ) ليست كذلك، إذ الأوّل فاعل والثّاني مفعول؛ فظهر بينهما الفرق. وقد يأتي2 ما بعد الواو مرفوعًا، في قولهم: (كيف أنت وقصعةٌ [من] 3 ثريد) [57/أ] و (ما أنت وزيدٌ) برفع4 ما بعد (الواو) على أنّها عاطفة على ما قبلها. ومن ذلك قولُ الشّاعر: يَا زِبْرِقَانُ أَخَا بَنِي خَلَفٍ ... مَا أَنْتَ وَيْبَ أَبِيْكَ وَالْفَخْرُ5

والأشهر النّصب1؛ فتجعل2الواو بمعنى (مَعَ) وما قبلها مرفوعًا بفعلٍ مضمَرٍ هو النّاصب لِمَا بعدها، تقديره: (ما تُلاَبِس وزيدًا) ، ومنه قولُ الشّاعر: وَمَا أَنَا وَالسَّيْرَ فِي مَتْلَفٍ ... يُبَرِّحُ بِالذَّكَرِ الضَّابِطِ 3

ومن أبيات الكتاب: فَكُونُوا أَنْتُمُ وَبَنِي أَبِيكُمْ ... مَكَانَ الكُلْيَتَيْنِ مِنَ الطِّحَالِ1 وأمّا ما روي من2 الاستشهاد لجواز3 تقديم المفعول معه على مصحوبه4؛ فهو خلافُ ما عليه الجمهور من المنع، ومنه قولُ الشَّاعر:

جَمَعْتَ وَفُحْشًا غِيبَةً وَنَمِيمَةً ... خِصَالاً ثَلاَثًا لَسْتَ عَنْهَا بِمُرْعَوِى1 وهذا لإمكان2 جعل الواو عاطفةً قُدِّمت3 هي ومعطوفُهَا.

_ 1 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو ليزيد بن الحكم. (مرعوي) : منكفّ، يقال: ارعوى عن القبيح، أي: كفّ. والمعنى: جمعت القبح من أطرافه: الفحش، والغيبة، والنّميمة؛ وهي خصال الشّر، ولستَ بِمُنْتَهٍ عنها. والشّاهد فيه: (وفحشًا) حيث ذهب ابن جنّي إلى أنّ الواو في (وفحشًا) هي واو المعيّة، وأنّ الشّاعر قدّم المفعول معه على المعمول لمصاحبة المصاحب؛ وذهب الجمهور إلى أنّ الواو هذه هي واو العطف، وأنّ (فُحشًا) معطوف على (نميمة) ؛ لكنّ الشّاعر اضطّر إلى تقديم المعطوف على المعطوف عليه؛ والتّقدير: جمعتَ غيبةً ونميمةً وفُحشًا. يُنظر هذا البيتُ في: الخصائص 2/383، وأمالي ابن الشّجريّ 1/271، 275، وشرح عمدة الحافظ 2/637، وشرح الكافية الشّافية 2/696، وابن النّاظم280، والمقاصد النّحويّة 3/86، 262، والتّصريح 1/344، 2/137، والهمع 3/240، والأشمونيّ 2/137، والخزانة 3/130. 2 في ب: الإمكان. 3 في أ: قدو منتهى، وهو تحريف.

باب الحال

بَابُ الحَالِ: [57/ب] وَالْحَالُ وَالتَّمْيِيزُ مَنْصُوبَانِ ... عَلَى اخْتِلاَفِ الوَضْعِ وَالْمَبَانِي ثُمَّ كِلاَ النَّوْعَيْنِ جَاءَ فَضْلَهْ ... مُنَكَّرًا بَعْدَ تَمَامِ الجُمْلَهْ لَكِنْ إِذَا نَظَرْتَ فِي اسْمِ الحَالِ ... وَجَدْتَهُ اشْتُقَّ مِنَ الأَفْعَالِ ثُمَّ يُرَىَ1عِنْدَ اعْتِبَارِ مَنْ عَقَلْ ... جَوَابَ كَيْفَ فِي سُؤَالِ مَنْ سَأَلْ مِثَالُهُ: جَاءَ الأَمِيرُ رَاكِبًا ... وَقَامَ قُسٌّ فِي عُكَاظٍ خَاطِبًا وَمِنْهُ: مَنْ ذَا بِالْفِنَاءِ2قَاعِدَاً ... وَبِعْتُهُ بِدِرْهَمٍ فَصَاعِدَاً من المنصوبات الحال؛ وَهْوَ: وصفُ هيئةِ الفاعل، أو المفعول، أو هيئتهما معًا3. وشرطه4: أنْ يكون نكرة5، مشتقّة،

_ 1 في متن الملحة 25: ثُمَّ تَرَى. 2 في متن الملحة 25: مَنْ ذَا فِي الفِنَاءِ. (معًا) ساقطةٌ من أ. ونحو: (جئت راكبًا) فـ (راكبًا) حالٌ مبيّنة لهيئة الفاعل؛ ونحو: (ضربته مشدودًا) فـ (مشدودًا) حالٌ مبيّنة لهيئة المفعول؛ ونحو (لقيته راكبين) فـ (راكبين) حالٌ مبيّنة لهما. 4 يُنظر في شروط الحال - أيضًا-: كشف المشكل 1/472، والفصول في العربيّة 24، والمقرّب 1/151. 5 هذا مذهب الجمهور؛ وأجاز يونس والبغداديّون تعريفه مطلَقًا بلا تأويل؛ فأجازوا (جاء زيد الرّاكب) . وفصّل الكوفيّون فقالوا: إنْ تضمّنت الحال معنى الشّرط صحّ تعريفها لفظًا؛ نحو: (عبد الله المحسِن أفضل منه المسيء) فـ (المحسن) و (المسيء) حالان؛ وصحّ مجيئهما بلفظ المعرفة لتأوّلهما بالشّرط؛ إذ التّقدير: (عبد الله إذا أحسن أفضل منه إذا أساء) ؛ فإن لم تتضمّن الحال معنى الشّرط لم يصحّ مجيئها بلفظ المعرفة؛ فلا يجوز (جاء زيد الرّاكب) إذْ لا يصحّ (جاء زيد إنْ ركب) . يُنظر: الهمع 4/18، والأشمونيّ 2/172.

تأتي1 بعد معرفةٍ قد تَمَّ الكلام دُونها، مقدَّرةً بفي منتقلة2، صالحة أنْ تكون جوابًا لكيف3؛ كقولك: جاء زيد راكبًا فقد اجتمع فيها ما ذُكِر4، واستحقّت أنْ تكون نكرةً؛ لأنّها فضلةٌ جاءتْ بعد تمام الجملة [58/أ] كالمفعول به. وتشبه الظّرف من حيث إنّها مفعولٌ فيها، وتشبه التّمييز في البيان5. وقد تكون وصفًا ثابتًا6 إذا كانت [مؤكّدة، كقولك:

هذا أبوك عطوفًا1، وقد تكون جامدة إذا كانت] 2 في تأويل المشتقّ3،

كقولك: هذا خاتَمُك حديدًا. وصاحب الحال لا يكون إلاَّ معرفةً غالبًا؛ [لأنّها] 1 وصاحبها خبرٌ ومخبرٌ عنه؛ فحقّها أنْ تدلّ على معروفٍ غير منكورٍ؛ كالخبر بالنّسبة إلى المبتدأ. والعامل فيها إمَّا فعلٌ، أو شبهُهُ من الصّفات2، أو معنى فعلٍ، كقولك: هذا زيدٌ قائمًا3؛ فالعامل [في الحال هو العامل] 4 في صاحبها حقيقة أو حكمًا؛ فلو قلتَ: هذا واقِفًا، لم يكن حالاً لكونه5لم يأت بعد تمام الكلام؛ وأمّا قولهم: هذا زيدٌ أَسدًا، فإنّها وإن لم تكن مشتقّةً فإنّها واقعة موقع المشتقّ؛ فأسدٌ ناب مَناب شِدَّةً6.

ويجوز تقديم الحال على العامِل، وتوسُّطُهَا إذا كان العامِل فِعْلاً متصرِّفًا، كقولك: جاء زيدٌ راكبًا وجاء راكبًا زيدٌ وراكبًا جاء زيدٌ، وليس كذلك المعنى1، بل ينقص عن رتبة الفعل، فتقول: هذا زيدٌ قائمًا وهذا قائمًا زيدٌ، والعامِل في الحال2 من هذا أحد شيئين: إمّا ما في ها من معنى التّنبيه3. أو ما في ذا من معنى الإشارة4. وفي هذه [58/ب] المسألة قولان5: أحدهما: أنَّ العامل أحد هذين. والآخر: العامل مجموعهما. فعلى القول الأوّل: يجوز ها قائمًا زيدٌ، ولا يجوز على القول الآخر. فإذا كان العامل ظرْفًا قد وقع خبرًا، كقولك: زيدٌ في الدّار قائمًا؛

ففي تقديمِهِ1 على الظّرف قولان2: أحدهما: أنّه لا يجوز زيدٌ قائمًا في الدّار لتقدُّمِهِ3 على العامل المعنويّ4؛ وهذا هو المذهب5. والأخفش6 يجيز ذلك، ويقول: تقدّمه على جُزءٍ واحدٍ كلا تقدُّمٍ؛ لأنّه بعد المبتدأ، والمبتدأ يُطالب بخبره وكأنّه في نيَّة التّقدّم. وقد وُجِدَ في كلام العرب مثل هذا، ولكن لا ينبغي أَنْ يقاس عليه؛ لأنَّ الظُّروفَ المضّمنة7 استقرارً بمنزلة الحروف في عدم التّصرُّف؛ فكما لا يجوز تقديم الحال على العامل [الحرفي، كذا لا يجوز تقديمها

على العامل] 1 الظّرفي؛ فهذه المسألة على ثلاثةِ أمثلةٍ: زيد في الدّار قائمًا؛ جائز بلا خلاف، وقائمًا في الدّار زيدٌ؛ ممتنع بلا خلاف2، وزيد قائمًا في الدّار؛ يجوز ولا يجوز على الخلاف. وأمّا الحال المؤكّدة مضمون جُمْلةٍ 3: فما كان وصفًا ثابتًا، مذكورًا4 بعد جملة جامِدة الجزأين، مُعَرَّفَتيهما5 لتوكيد بيان6 تَعَيَّن،

نحو: هو زيدٌ معلومًا، قال الشّاعر: أََنا ابْنُ دَارَةَ مَعْرُوفًا بِهَا نَسَبِي ... وَهَلْ بِدَارَةَ يَا لَلنَّاسِ مِنْ عَارِ؟ 1 [59/أ] أو فخر، نحو: أنا فُلان بطلاً شجاعًا؛ أو تعظيم، نحو: هو فلانٌ جليلاً مهيبًا؛ أو تحقير، نحو: [هو] 2 فلان مأخوذًا مقهورًا؛ أو تصاغر، نحو: أنا عبدك فقيرًا إليك؛ أو وعيد، نحو: أنا فلان متمكّنًا منك؛ أو غير ذلك كما هو في [زيد] 3 أبوك عطوفًا. والعامل في الحال4 من هذا النّوع مضمرٌ بعد الخبر، تقديره: أحقُّه

وأعرفُه إنْ كان المبتدأ غير أنا؛ فإنْ كان أنا فالتّقدير: أحقُّ وأعرفُ؛ وقال الزّجّاج1: "العامِل هو الخبر بِتَأوّله اسمًا"2. ويمنع من تقديم الحال3 على صاحبها أسبابٌ؛ منها: اقتران [الحال] 4 بإلاّ لفظًا أو معنى، نحو: ما قام زيدٌ إلاَّ مُسْرِعًا وإنّما5 قام زيدٌ مُسْرِعًا. ومنها: أنْ يكون صاحبها مجرورًا بالإضافة، نحو: عرفت قيام زَيْدٍ

مُسْرِعًا وهذا شَاربُ السّويق ملتوتًا1. لا يجوز في هذا التّقديم2، لئلاّ يلزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه، ولا قبله3؛ لأنَّ نسبة المضاف إليه من المضاف كنسبة/ الصّلة من الموصول؛ فلذلك لا4 يتقدّم ما يتعلّق بالمضاف إليه على المضاف [59/ ب] وحقّ الحال أن تدلّ5 على نفس ما دلّ عليه نفس صاحبها، كالخبر6 بالنّسبة إلى المبتدأ، ومقتضى هذا لا يكون المصدر حالاً7؛ لئلاّ يلزم الإخبار بمعنىً عن عينٍ؛ فإنْ ورد شيءٌ من ذلك حُفِظَ ولا يُقاس عليه إلاَّ فيما قَلَّ؛ ومنه قولهم: طلع زيدٌ علينا بَغتةً وقتلتُه صَبْرًا8 ولقيته فجأةً وكلّمته شِفاهًا وأتيتُهُ ركضًا.

وقد اطَّرَدَ ورودُ المصدر حالاً في أشياء:1 منها: قولُهم: أنت الرّجل علمًا وأدبًا2 و [زَيْدٌ] 3 زُهيرٌ شعرًا، وحَاتِمٌ4 جُودًا، والأحنَفُ حِلْمًا أي: مثل زهيرٍ في حالِ شِعْرٍ، وحاتمٍ في حال جُوْدٍ5. ومن وُرود كان مقدّرًا بعد المصدر، عاملاً في الحال، قولهم6: ضربي زيدًا قائمًا وشُربي السّويق ملتوتًا [تقديره: إذا كان قائمًا وإذا كان ملتوتًا] 7 فكان هي العاملة؛ وهي تامّة لا ناقصة. وعلى ذلك قياس ما أُضيف إلى المصدر من الأسماء الّتي بمعنى التّفضيل، كقولك8: أجود ضربي زيدًا قائمًا وأحسن أفعالك مطيعًا9؛ لأنّ أفعل بعض ما يضاف إليه. ومجيئها لبيان هيئة الفاعل أو المفعول10 [60/ أ] ، كقولك: ضربت زيدًا

قائمًا فيُحتمل أنْ يكون حالاً من الفاعل، أو من المفعول، أو هيئتهما، كقولك: جاءني زَيْدٌ وعمرٌو مسرعين، ومنه قولُ عنترة: مَتَى مَا تَلْقَنِي1 فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ ... رَوَانِفُ2 ألْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَا3 ومنه قولُ الشّاعر: تَعَلَّقْتُ لَيْلَى بَعْدَ عَشْرٍ مَضَتْ لَهَا ... وَلَمْ يَبْدُ للأَتْرَابِ مِنْ نَهْدِهَا4 حَجْمُ صَغِيْرَيْنِ نَرْعَى البَهْمَ يَا لَيْتَ أَنَّنا ... مَدَى الدَّهْرِ لَمْ نَكْبُر وَلَمْ تَكْبُرْ5 البَهْمُ6

وكما1 جاز تعدّد خبر المبتدأ وهو مفردٌ، كقولك: زيدٌ عالم جَوادٌ فـ[ـكذلك] 2 تقول: جاء زيدٌ راكبًا ضاحكًا3. وكما4 جاز أن يبتدأ بالنّكرة5بشرط وضُوح المعنى وإزالة اللّبس؛ فكذلك6 صاحب الحال جائز تنكيره بما يسوّغ له ذلك؛ فمنها تقدّم الحال عليه، كقولك: هذا قائمًا رَجُلٌ؛ فبالتّقدّم7 امتنع أنْ يكون صفةً للنّكرة؛ لأنَّ الصّفة لا تتقدّم على الموصوف؛ فتعيّن أنْ يكون8 حالاً،

ومنه ما أنشده سيبويه: وَبِالْجِسْمِ مِنِّي بَيِّنًا لَوْ عَلِمْتِهِ ... شُحُوبٌ وَإِنْ تَسْتَشْهِدِي1 العَيْنَ تَشْهَدِ2 [60/ب] وكقول الآخر: لِمَيَّةَ مُوْحِشًا3 طَلَلُ4 ... ....................................

أو أنْ يتخصّص؛ إمّا بوصف1، كقوله تعالى: {فِيْهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} 2، وكقول الشّاعر: نَجَّيْتَ يَا رَبِّ3 نُوحًا فَاسْتَجَبْتَ لَهُ ... فِي فُلُكٍ مَاخِرٍ فِي الْيَمِّ مَشْحُونَا4

وإمّا أنْ يتقدّم صاحب الحال نفي، أو نهي، أو استفهام، كقولك: ما أتاني من أحدٍ إلاَّ رَاكِبًا. والنّهي منه قولُ الطِّرِمَّاح1: لاَ يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إِلَى الإِحْجَامِ ... يَوْمَ الْوَغَى مُتَخَوِّفًا لِحِمَامِ2

ومثال ما تقدّم الاستفهام، قولك1: أَجَاءَكَ2 رَجُلٌ رَاكِبًا؟، ومنه قولُ الشّاعر: يَا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ بَاقِيًا فَتَرَى ... لِنَفْسِكَ الْعُذْرَ فِي3 إِبْعَادِهَا الأَمَلاَ؟ 4 وقد تقع الجملة حالا: ً5؛ وهي إمَّا اسميّةٌ، وإمّا فعليّةٌ؛ فإنْ كانت

فعليّةً فلا تخلو1 من أنْ تكون مُصدَّرةً بفعلِ مُضارعٍ، أو ماضٍ؛ فإنْ كانت بمضارعٍ مثبتٍ خالٍ من2 قد لزم الضّمير وترك الواو، كقولك: جاء زيدٌ يضحك وقَدِمَ تُقَادُ الجَنَائِبُ بين3 يديه؛ ولا يجوز: ويضحك4. فإنْ5 كان [61/أ] مقرونًا بقد لزمته الواو6.

وإنْ كانت غير مصدّرةٍ بمضارِعٍ مثبت؛ فالغالب مجيئها بالضّمير1، أو بالواو، أو بهما جميعًا. فإنْ كانت مُصدّرةً بمضارعٍ منفيّ؛ فالنّافي2 إمَّا لا، وإمّا لم؛ فإنْ كان لا فالأكثر مجيئه بالضّمير3وترك الواو4، كقول الشّاعر: لَوْ أَنَّ قَوْمًا لاِرْتِفَاعِ قَبِيلَةٍ ... دَخَلُوا السَّمَاءَ دَخَلْتُهَا لاَ أُحْجَبُ5 وإنْ كان لم كَثُرَ إفراد الضّمير، والاستغناء عنه بالواو، والجمع بينهما.

فالأوّل: 1؛ كقوله تعالى: {فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} 2، وكقول زُهير: كَأَنَّ فُتَاتَ الْعِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الْفَنَا3 لَمْ يُحَطَّمِ4 والثّاني:؛كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ} 5، [و] 6 كقول عَنترة: وَلَقَدْ خَشِيْتُ بِأَنْ أَمُوتَ وَلَمْ تَدُرْ ... لِلْحَرْبِ دَائِرَةٌ عَلَى ابْنَيْ ضَمْضَمِ7

والثّالث:؛ كقوله تعالى: {أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} 1، وكقول الشّاعر: سَقَطَ النَّصِيفُ2 وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنَا بِالْيَدِ3 / وإنْ كانت مُصدّرةً بفعلٍ مَاضٍ؛ فإنْ [كان] 4 بعد إلاّ أو قبل أو لزِم الضّمير وترك الواو، كقوله تعالى: {مَا يَأْتِيْهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 5، ومنه قولُ الشّاعر: كُنْ لِلْخَلِيلِ نَصِيرًا جَارَ أَوْ عَدَلاَ ... وَلاَ تَشِحَّ عَلَيْهِ جَادَ أَوْ بَخِلاَ6 [61/ ب]

فإن لم يكن1 بعد إلاّ ولا قبل أو؛ فالأكثر اقترانُه في الإثبات2 ?الواو وقد مع الضّمير، [ودونه] 3. فالأوّل: [كقوله تعالى] 4: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُم يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ} 5. والثّاني:؛ كقولك6: جاء زيدٌ وقد طلعت الشّمس. ويَقِلُّ7 تجريدُه من الواو وقد8، كقول الشّاعر: وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هَِزَّةٌ ... كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ9

وأولى منه تجريده من الواو، كقول الشّاعر: وَقَفْتُ بِرَبْعِ الدَّارِ قَدْ غَيَّر الْبِلَى ... مَعَارِفَهَا وَالسَّارِيَاتُ الْهَوَاطِلُ1 فإنْ كانت الجملة اسميّة2 فلا بُدَّ فيها من رابط؛ إمَّا عائد3، وإمّا واو الحال، كقوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 4؛

وقد يستغنى بالضّمير عن [62/ أ] الواو، كقوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} 1، ومنه قولُ الشّاعر: وَلَوْلاَ جَنَانُ اللَّيْلِ مَا آبَ عَامِر ... إِلَى قَوْمِهِ سِرْبَالُهُ لَمْ يُمَزَّقِ2 وكقول الآخر: ثُمَّ رَاحُوا عَبَقُ الْمِسْكِ بِهِمْ ... يُلْحِفُونَ الأَرْضَ هُدَّابَ الأُزُرْ3

[وقد يُستغنى بالواو عن الضّمير] 1، ومنه: أتيتُك وزيدٌ قائم، قال الشّاعر: وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا2 ... ......................................... وإنْ كانت الجملة مؤكّدة؛ لزم الضّمير وترك الواو، نحو: هو الحقّ لا شبهة فيه، [و {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيْهِ} 3] 4.

ويحذف عامل الحال جوازًا؛ لحضور معناه، كقولك للرَّاحِلِ1: راشدًا مَهْدِيًّا، وللقادم من سَفَرٍ: مسرورًا مأجورًا بإضمار تذهبُ، ورجعتَ؛ أو لتقدُّم ذكره، نحو قولك: راكبًا لمن قال: كيف جئت؟. ويُحذف2 إذا بُيِّن بها ازدياد ثَمَنٍ شيئًا فشيئًا، كقولك: بِعْهُ بدرهم فصاعدًا أي: فذهب الثّمن صاعدًا، وتصدّق بدينارٍ فَسَافِلاً3 وبعته يدًا بيد وبعتُه مَناقِدًا4؛ ففي هذه الأسماء معنى المشتقّة من الأفعال.

_ 1 في أ: للراجل، وهو تصحيف. 2 في أ: وتحذف. أي: وجوبًا، ويُحذف في غير هذا، في المواضع التّالية: 1- الحال المؤكّدة لمضمون جملة؛ نحو: (زيدٌ أبوك عَطُوفًا) . 2- الحال النّائبة منابَ الخبر؛ نحو: (ضربي زيدًا قائمًا) . 3- أن تدلّ الحال على توبيخ؛ نحو: (أقائمًا وقد قعد النّاس؟) أي: أتوجَد؟ و (أتميميًّا مرّة وقيسيًّا أُخرى؟) أي: أتتحوّل؟. 4- وسماعًا في غير ذلك؛ نحو: (هنيئًا لك) أي: ثبت لك الخير هنيئًا، أو أهنأك هنيئًا. يُنظر: ابن النّاظم 344، وأوضح المسالك 2/107، وابن عقيل 1/599، والتّصريح 1/393، والهمع 4/60، 61. 3 أي: فانحطّ المتصدّق به سافلاً. 4 في أ: مناقد.

باب التمييز

بَابُ التَّمْيِيز: ِ [62/ب] وَإِنْ تُرِدْ مَعْرِفَةَ التّمْيِيزِ ... لِكَيْ تُعَدَّ مِنْ ذَوِي التَّمْيِيزِ فَهْوَ الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ الْعَدَد ... وَالْوَزْنِ1 وَالْكَيْلِ وَمَذْرُوعِ الْيَدِ وَمَنْ إِذَا فَكَّرْتَ فِيهِ مُضْمَرَهْ ... مِنْ قَبْلِ أَنْ تَذْكُرَهُ وَتُظْهِرَهْ تَقُولُ: عِنْدِي مَنَوانِ زُبْدَا ... وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ عَبْدَا وَقَدْ تَصَدَّقْتُ بِصَاعٍ خَلاَّ ... وَمَا لَهُ غَيْرُ جَرِيبٍ نَخْلاَ التّمييز- ويسمّى مميّزًا، وتمييزًا، ومفسّرًا، وتفسيرًا2- وهو يشبه الحال3؛ كونه اسمًا نكرةً يأتي بعد تمام الكلام. والفرق بينهما 4: أنّ الحال يكون مشتقًّا غالبًا.

والتّمييز: اسم جنس؛ فهو نكرة مضمّن1معنى من لبيان ما قبله2؛ وهو ما دلَّ على مقدارٍ أو3 شبهه4. وأكثر ما يأتي تمييزًا لمفردٍ فيما كان مقدارًا، والمقادير أرْبَعَة؛ [وهي] 5: المعدود، والموزون، والمكيل6، والممسوح؛ تقول7 من ذلك:

أعطيتُ زيدًا عشرين درهمًا، ومنوين عسلاً، وقفيزين بُرًّا، وذراعين حريرًا وما في السّماء قَدْرُ رَاحَةٍ سَحَابًا. ويأتي مميّزًا لجملة، كقولك: طاب زيدٌ نفسًا. [63/أ] وتمييز1 المفرد إنْ بيَّنَ العدد فهو واجب الجرّ بالإضافة كوُجوب2 نصبه، وإنْ بيَّنَ غير العدد فحقّه النّصب. ويجوز جرُّهُ بإضافة3 المميّز إليه، إلاَّ أنْ يكون مُضافًا إلى غيره؛ فتقول: ما له شِبْرُ أَرْضٍ وله مَنَوا سَمْنٍ، وقفيزا بُرٍّ، ورَاقُود4 خَلٍّ، وخاتم حديد؛ فإنْ5 كان المميّز مضافًا6 تعيّن النّصب، كقولك: له جُمَامُ7 الملوك دقيقًا.

_ 1 في ب: مميّز. 2 في ب: لوجوب. والمعنى: أنّه واجب الجرّ بالإضافة إذا كان من ثلاثة إلى عشرة؛ كوُجوب نصبه إذا كان من أحد عشر إلى تسع وتسعين. 3 في ب: بالإضلفة. 4 الرّاقود: دَنَّ طويل الأسفل كهيئة الإِرْدِبَّة، يُسَيَّعُ باطنه بالقار، وجمعه: الرَّواقيد؛ معرَّب، وقال ابن دُريد: "لا أحسبه عربيًّا". وقيل: الرّاقود: إناء خزف مستطيل مقيّر. يُنظر: المعرّب 328، واللّسان (رقد) 3/183. 5 في ب: وإن. 6 بمعنى أنّه إذا أُضيف الدّالّ على مقدار إلى غير التّمييز وجب نصبُ التّمييز، نحو: (ما في السّماء قَدْرُ راحةٍ سَحابًا) .ابن عقيل 1/603. 7 الجَمامُ والجِمامُ والجُمامُ والجَمَمُ: الكيل إلى رأس المكيال؛ وقيل: جُمامهُ طَفَافُهُ، ولا يقال: جُمام - بالضّمّ - إلاّ في الدّقيق وأشباهه؛ وهو ما علا رأسَه بعد الامتلاء. اللّسان (جمم) 12/106، 107.

باب نعم وبئس

بَابُ نِعْمَ وَبِئْسَ: وَمِنْهُ أَيْضًا نِعْمَ زَيْدٌ رَجُلاَ ... وَبِئْسَ عَبْدُ الدَّارِ مِنْهُ بَدَلاَ اعلم أنّ نِعْمَ وبِئْسَ فِعْلان غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ1، وضعا للمدح [العامّ] 2، والذّمّ العامّ. وفيهما أربع لغاتٍ: نَعِمَ وبَئِسَ هذه الأصل3، ونِعِمَ وبِئِسَ ونِعْمَ وبِئْسَ ونَعْمَ وبَئْسَ. والدّليل على فعليّتهما: جوازُ [دخول] 4 تاء التّأنيث السّاكنة عليهما5، كقولك: نعمت هند وبئست الجارية6، وإنْ شئتَ قلتَ:

نعم المرأة، ويجوز هذا مع المفرد المذكّر، والمؤنّث، والمثنّى، والمجموع؛ فتقول: نعم الرّجل زيد ونعم الرّجلان أخواك ونعم الرّجال إخوتك ونعم المرأتان هِنْدٌ ودَعْدٌ ونعم النِّساء بنات عمّك. وقد جوّزوا في هذه المسألة في المخصوص1بالمدح أو الذّمّ أنْ يكون مبتدأً وخبره [الجملة] 2 الّتي قبله3. [63/ ب] وأنْ يكون خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره: نعم الرّجل هو زيد4.

وإمّا1 أنْ يكون مضمرًا، مميّزًا بنكرة منصوب، وبعد ذلك اسم مرفوع هو المخصوص بالمدح أو الذّم، كنعم صاحبًا زيدٌ وبئس غُلامًا بِشْرٌ. ويكون الاسم المرفوع الّذي فيه الألف واللاّم للجنس2 مُضْمرًا

وقد فسَّرَهُ الاسم النَّكرة المنصوب؛ وتقديره: نعم الرّجل رجلاً، ومنه قولُ الشّاعر: لَنِعْمَ مَوْئِلاً الْمَوْلَى1 إِذَا حُذِرَتْ ... بَأْسَاءُ ذِي الْبَغْيِ وَاسْتِيْلاَءُ ذِي الإِحَنِ2

التّقدير: لنعم الموئل موئلاً المولى فأضمر الفاعل وفسَّرَهُ بالتّمييز بعده، ومنه قولُه تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} 1. وقد يُسْتَغْنَى عن التّمييز للعلم بجنس الضّمير، كقوله - صلّى الله عليه وسلّم-: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمْعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ" 2 أي: فبالسّنّة أَخَذَ، ونعمت السّنّة. وقد يتقدّم3على نِعْمَ ما يدلّ على المخصوص4بالمدح؛ فيغني ذلك عن ذكره، كقولك: العِلْمُ نِعْمَ المُقْتَنَى، وكقوله تعالى عن أيُّوب - عليه السّلام5 -: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ} 6، وكقول الشّاعر:

إِنِّي1 اعْتَمَدْتُكَ يَا يَزِيـ ـدُ2 ... فَنِعْمَ3مُعْتَمَدُ الْوَسَائِلْ4 [64/أ] وممّا جاء بمعنى بِئْسَ في عَدَمِ التّصرّف سَاْءَ5، كقولك: سَاء الرّجل زيدٌ وساء غلام الرّجل عمروٌ وساء غُلامًا عبدُ هندٍ6، كقوله تعالى7: {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} 8، وقوله تعالى9: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 10؛

فهذا على حَدِّ: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} 1. وذهب الفرّاءُ وأكثرُ الكوفيّين2 إلى اسميّة نعم وبئس، واحتجّوا بدخول حرف الجرّ عليهما، كقول بعض العرب وقد بُشِّر ببنتٍ: " [وَاللهِ] 3 مَا هِيَ بِنعْمَ المَوْلُوْدَةِ، نَصْرُهَا بُكَاءٌ، وَبِرُّهَا سَرِقَةٌ"4، وقول الآخر: "نِعْمَ السَّيْرُ عَلَى بِئْسَ الْعَيْرُ"5؛ ولا حجّة في ذلك؛ لجواز أنْ يكون دخول حرف [الجرّ] 6، كدخوله7 على نام

في قول القائل: عَمْرُكَ مَا لَيْلِي بِنَامَ1 صَاحِبُهْ2 تقديره: ما ليلي بليلٍ نام3صاحبه؛ ثم حذف الموصوف، وأُقيمت4الصّفة مقامه5.

[وكذلك ما هي بِوَلدٍ مقول فيه:1 نعم المولودة؛ فحذف الموصوف، وأُقيمت الصّفة مقامه2] 3.

_ 1 في ب: فقال فيه، وهو سهوٌ من النّاسخ، والصّواب ما هو مثبَت. 2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ. 3 وهُناك أدلّة أُخرى استدلّ بها الكوفيّون؛ منها: 1- أنّ العرب تقول: (يا نعم المولى، ونعم النّصير) ؛ فنداؤهم (نعم) يدلّ على الاسميّة؛ لأنّ النّداء من خصائص الأسماء. 2- أنّه لا يحسُن اقتران الزّمان بهما كسائر الأفعال؛ ألا ترى أنّه لا يحسُن أنْ تقول: (نعم الرجل أمس) ولا (بئس الرّجل غدًا) ؛ فلمّا لمْ يحسُن اقتران الزّمان بهما دلّ على أنّهما ليسا بفعلين. يُنظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/405، 413، 414، والإنصاف، المسألة الرّابعة عشرة، 1/99، 103، 104، وأسرار العربيّة 97، والتّبيين، المسألة الأربعون، 276.

باب حبذا وأفعل الذي للتفضيل

بَابُ حَبَّذَا وَأَفْعَل الَّذِي لِلتَّفْضِيلِ: وَحَبَّذَا أَرْضُ الْبَقِيْعِ أَرْضَا ... وَصَالِحٌ أَطْهَرُ مِنْكَ عِرْضَا (حَبَّذَا) : كلمةٌ مُؤتلفَةٌ من كلمتين؛ إحداهما: (حَبَّ) ، والأخرى: (ذا) ؛ إلاَّ أنَّهما جُعِلاَ كالشّيء الواحد1، بلفظٍ واحدٍ مع المفرد المذكّر2، والمؤنّث، والمثنَّى، والجمع3.

ومعنى (حبَّ) : صارَ محبوبًا جدًّا؛ وفيه لغتان: فتح الحاء، وضمّها. [64/ب] وأصله1: (حَبُبَ) ، وجرى بإسناده إلى اسم الإشارة كالمثل في عدم التَّغيير؛ فلم يضمّ أوّل الفعل2؛ فيُقال3في المدح: (حَبَّذَا زَيْدٌ) ؛ فإذا أُريدَ به الذّمّ قيل4: (لا حَبَّذَا) ، ومنه قولُ الشّاعر: أَلاَ حَبَّذَا أَهْلُ المَلاَ غَيْرَ أَنَّهُ ... إِذَا ذُكِرَتْ مَيٌّ فَلاَ حَبَّذَا هِيَا5 وكقول6 الآخر: أَلاَ حَبَّذَا عَاذِرِي فِي الهَوَى ... وَلاَ حَبَّذَا العَاذِلُ الجَاهِلُ7

واختلف النّحويّون في الاسم الواقع بعدها: فمنهم1 مَنْ جعل المخصوص بعدها خبرًا، على أنَّ (حَبَّذا) مبتدأ. ومنهم2 مَن جعله فاعلاً، على أنّها فِعْلٌ.

وقيل: [إنّ] 1 هذا القول تكلُّف، وإخراج اللّفظ2 عن أصله بلا دليل3. وقال ابن خَرُوف4 بَعْدَ أنْ مَثَّلَ بـ (حَبَّذَا زَيْدٌ) : " (حَبَّ) : فِعْلٌ، و (ذَا) : فاعله، و (زَيْدٌ) : مبتدأ، وخَبَرُه: (حَبَّذَا) ، وقال: هذا قولُ سيبويه"5.

فالمعرفة بعد (حَبَّذا) مرفوع بالابتداء، أو خَبَرٌ1 لمبتدأ محذوف2، والنّكرة بعدها منصوب [65/أ] على التّمييز، ويُذكر3قبله وبعده، كقولك: (حَبَّذا4 رَجُلاً زَيْدٌ) و (حَبَّذا هِنْدٌ امرأةً) . وقيل: إنْ كان الاسم النّكرة جنسًا انتصب على التّمييز، وإنْ كان مشتقًّا انتصب على الحال، كقولك: (حَبَّذا زَيْدٌ ضاحكًا) 5.

وقد يجيء فاعل (حبّ) المراد بها المدح غير (ذا) ؛ وذلك على ضربين: أحدهما: مرفوع، كقولك: (حَبّ زيدٌ رجلاً) . والآخر: مجرورٌ بالباء الزّائدة، نحو: (حَبَّ بزيد رجلاً) . وأكثر1 ما تجيء (حبّ) مع غير (ذا) مضمومة2 الحاء بالنّقل من حركة عينها، كقول الشّاعر: فَقُلْتُ: اقْتُلُوهَا عَنكُمُ بِمِزَاجِهَا ... وَحُبَّ بِهَا مَقْتُولَةً حِيْنَ تُقْتَلُ3

وقد لا تضمّ حاؤها، كقول بعض1 الأنصار - رضي الله عنهم -: بِاسْمِ الإلهِ وَبِهِ بَدِيْنَا ... وَلَوْ عَبَدْنَا2 غَيْرَهُ شَقِينَا فَحَبَّذَا رَبًّا وَحَبَّ دِينَا3 أي: حبّ عبادتُه دينًا4.

وقوله: (وَصَالِحٌ أَطْهَرُ مِنْكَ عِرْضَا) . من خواصّ1 التّمييز: النّكرة الواقعة بعد أفعل الَّذي2 للتَّفضيل؛ وذلك مقيسٌ3 في كلّ ما يبنى منه فعل التّعجّب، تقول: (هذا أفضل من زيدٍ) و (أعلم منه) 4، [65/ب] كما تقول: (ما أفضلَه!) ، و (أعلَمه!) . وما لا يجوز أن يُبنى5منه [فعل التّعجّب لا يبنى منه أفعل التّفضيل67؛ فلا8 يُبْنى من] 9 وصف لا فعل له كـ (غير) (سوى و) ، ولا من فعلٍ زائدٍ

على ثلاثة أَحْرُفٍ، نحو: (استخرج) ، ولا من معبّر1 عن فاعله بأفعل، كـ (عَوِرَ) ، ولا مبنيّ لمفعول2 ما لم يسمّ فاعله، كـ (ضُرِبَ) ، ولا من غير متصرّفٍ، كـ (عَسَى) و (نِعْمَ) و (بِئْسَ) ، ولا من [غير] 3 متفاوت4 المعنى، كـ (مَات) و (فَنِيَ) 5. فإنْ سُمِعَ بناء من ذلك حُفِظَ ولا يُقاس عليه كما في التّعجُّب. تقول: (هُوَ أَقْمَنُ بِكَذَا) 6 أي: أحَقّ به، وإن لم يكن له فعل، كما قالوا: (أَقْمِنْ بِهِ) ، وقالوا: (هو أَلَصُّ مِنْ شِظَاظٍ) 7؛ فبنوه من (لِصّ) ، ولا فعل له8.

و (هَذَا المَكَانُ أَقْفَرُ مِنْ غَيْرِهِ!) ، وفي المثَل: (أَفْلَسُ مِن ابْنِ المُذَلَّقِ) 1، وفي الحديث: "فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ"2. وهذا النّوع عند سيبويه -[رحمه الله] 3- مقيسٌ4، وهو عنده

كالثُّلاثيّ في جواز بناء التَّعجُّب منه، وأفعل التّفضيل. وتقول: (هُوَ أَهْوَجُ1 مِنْهُ) 2، وإن كان اسم فاعله على (أفعل) ، كما يُقال: ( [مَا] 3 أَهْوَجَهُ!) 4، وفي المثل: (أَحْمَقُ مِنْ هَبَنَّقَةَ) 5، و (أَسْوَدُ مِنْ َحنَكِ الغُرَابِ) 6. و [ما] 7 لا يجوز التّعجُّب من لفظه لمانعٍ فيه، يتوصّل8 إلى الدّلالة على التّفضيل فيه، بمثل ما توصّل إلى التّعجُّب منه.

فيبنى1 (أفعل) التّفضيل من (أَشَدّ) وما جرى مجراهُ؛ ويميز بمصدر [ما] 2 فيه المانع [66/أ] وذلك قولهم: (هو أكثر استخراجًا) و (أقبح عورًا) و (أفْجَعُ مَوْتًا) . وأفعل التّفضيل في الكلام على ثلاثة أوجهٍ: مضاف، ومُعَرَّف باللاّم3، ومجرّد منهما4. فإنْ كان مجرّدًا لزم اتّصاله بـ (مِنْ) التّي لابتداء الغاية5، جارّة للمفضَّل عليه، كقولك: (زيدٌ أكرمُ من عمرٍو [أبًا] 6 وأَحْسنُ منه

خلقًا، وأَطْهَرُ منه عِرْضًا) فـ (عِرْضًا) وما تقدَّم مثله، منصوب على التّمييز؛ لاحتماله وُجوهًا. وقد يُستغنى بتقدير (مِنْ) عن ذكرها لدليل، ويكثُر ذلك إذا كان أفعل التّفضيل خبرًا1، كقوله تعالى: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 2، ويجوز أن تحذف (مِنْ) ، فتقول: (زيدٌ أحسن خُلقًا، وأنظفُ ثوبًا) . وإنْ كان (أفعل) مضافًا، نحو: (زَيْدٌ أفضلُ القوم) ؛ أو معرّفًا باللاّم، نحو: (زَيْدٌ الأفضل) لم يجز اتّصاله بـ (من) . وأمّا قولُ الشّاعر: وَلَسْتَ بِالأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ... وَإِنَّمَا العِزَّةُ لِلْكَاثِرِ3

ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنَّ (مِنْ) فيه ليست لابتداء الغاية، بل لبيان الجنس1. الثّاني: أنَّها تعلّقت بمحذوفٍ دَلَّ عليه2 المذكور. الثّالث: أنَّ الألف واللاّم زائدتان؛ فلم يمنعا من وُجود (من) كما لم يمنعا من [66/أ] الإضافة في قوله3: تُوْلِي الضَّجِيعَ إِذَا تَنَبَّهَ مَوْهِنًا كَالأُقْحُوانِ مِنَ الرَّشَاشِ المُسْتَقِي4

قال أبو عليّ1: "أراد: من رشاش المستقي". وإذا كان (أفعل) مجرّدًا لزمه [التّذكير، والإفراد بكلّ حال، كقولك: (هو أفضل) و (هي أفضل) و (هما أفضل) و (هم أفضل) و (هُنّ أفضل) ] 2

[وإذا كان معرّفًا بالألف واللاّم لزمه مطابقة ما هو له في التّذكير، والتّأنيث، والإفراد، والتّثنية، والجمع؛ فتقول: (هو الأفضل) و (هي الفُضْلَى) و (هما الأفضلان) و (هم الأفضلون) و (هُنَّ الفُضليات) أو (الفُضل) ] 1. فإنْ أُضيف إلى نكرة لزمه التّذكير، والإفراد، كالمجرّد؛ فتقول2: (هو أفضلُ رجلٍ) و (هي أفضل امرأةٍ) و (هما أفضل رجلين) و (هم أفضل رجالٍ) و (هُنَّ أفضل نساءٍ) . فإنْ3 أُضيف إلى معرفةٍ جاز أن يوافق المجرّد في لزوم الإفراد، والتّذكير؛ فيُقال: (هي أفضلُ النّساء) و (هما أفضلُ القوم) ؛ وجاز أن يوافق المعرّف بالألف واللاّم في لزوم المطابَقة لِمَا هو له، فيُقال: (هي فُضلى النِّساء) و (هما أفضلا4 القوم) . وجواز الأمرين في المضاف مشروط5 بكون6 الإضافة فيه بمعنى (مِنْ) ؛

وذلك إذا كان أفعل مقصودًا به التّفضيل؛ أمّا إذا لم يُقصد به التّفضيل فلا بُدَّ فيه من المطابقة لِمَا هو له، كقولهم: (النَّاقِصُ والأَشَجُّ أَعْدَلاَ بَنِي مَرْوَانَ) 1 أي: عَادِلاَ هُمْ. وكثيرًا ما يُستعمل أفعل غير مقصودٍ به التَّفْضيل2؛ وهو عند المُبَرّد3مقيس4، ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} 5 أي: رَبُّكُمْ عَالِمٌ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ6، وهو هَيِّنٌ عَلَيْهِ. [67/أ]

وقول الشّاعر: إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا1 ... بَيْتًَا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ2 وَأَطْوَلُ3 وإنَّما أراد بذلك: عزيزة طويلة. وَقَدْ قَرِرْتَ بِالإِيَابِ عَيْنَا وَطِبْتَ نَفْسًا إِذْ قَضَيْتَ الدَّيْنَا هذا التّمييز مُزالٌ عن أصله، وقد حُوِّل الإسناد عنه إلى غيره لقصد4 المبالغة، فلا يغيّر عمّا كان يستحقّه5 من وجوب التّأخير؛ لِمَا فيه من الإخلال بالأصل؛ وهو ما يبيّن إجمالاً في نسبة العامل إلى فاعله ومفعوله، نحو: (طَابَ

زَيْدٌ نَفْسًا) ، وقوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا} 1 فإن نسبة (طاب) إلى (زيد) مجملةٌ تحتمل وجوهًا، و (نَفْسًا) 2 مُبيّنٌ لإجمالها؛ ونسبة (فجّرنا) [إلى] 3 (الأرض) مجملة - أيضًا -، و (عيونًا) 4 مُبيّنٌ لذلك الإجمال5. ومثل6 ذلك: (تصبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا) و (تَفَقَّأ شَحْمًا) و (ضِقْتُ بالأمر ذَرْعًا) 7، ومنه قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 8. [67/ب] وسيبويه9 يمنع تقديم10 التّمييز على عامله، وإنْ كان فعلاً متصرّفًا، نحو: (طاب زيدٌ نفسًا) 11؛ وأجاز ذلك

الكسائيّ1، المازنيّ2، والمبرّد3، [وبه] 4 يقول الشّيخُ جمالُ الدّين بن مالكٍ5- رحمه الله - قياسًا على غيره من الفضلات المنصوبة بفعل متصرّفٍ6. وممّا ورد من ذلك قولُ رَبِيْعَة بن مَقْرُومٍ7: وَوَارِدَةٍ كَأنَّها عُصَبُ القَطَا ... تُثِيرُ عَجَاجًا بِالسَّنابِكِ أَصْهَبَا

رَدَدّتُ بِمِثْلِ1 السِّيدِ نَهْدٍ2 مُقَلَّص ... كَمِيشٍ إِذَا عِطْفَاهُ مَاءً تَحَلَّبَا3 وكقول الآخر: أَنَفْسًا4 تَطِيْبُ بِنَيْلِ الْمُنَى ... وَدَاعِي المَنُونِ يُنَادِي جِهَارَا5

و 1قول الآخر: وَلَسْتُ إِذَا ذَرْعًا أَضِيقُ بِضَارِعٍ2 ... وَلاَ يَائِسٍ عِنْدَ التَّعَسُّرِ3 مِنْ يُسْرِ4

_ 1 في ب: وكقول. 2 في أ: بعارض، وهو تحريف. 3 في ب: التّغيير، وهو تحريف. 4 هذا بيتٌ من الطّويل، ولم أقف على قائله. و (ذرعًا) : الذّرع بسْطُ اليدين. و (الضّارع) : الذّليل. والشّاهد فيه: (ذرعًا) حيث قدّم التّمييز - ذرعًا - على عامله وهو الفعل المتصرّف - أضيق -؛ وهذا نادرٌ عند سيبويه والجمهور؛ وقياسيّ عند الكسائيّ والمازنيّ والمبرّد. يُنظر هذا البيتُ في: شرح الكافية الشّافية 2/777، وشرح التّسهيل 2/389، وابن النّاظم 352، والمقاصد النّحويّة 3/233.

باب كم الاستفهامية

بَابُ كَمِ الاسْتِفْهَامِيَّةِ: وَكَمْ إِذَا جِئْتَ بِهَا مُسْتَفْهِمَا ... فَانْصِبْ وَقُلْ: كَمْ كَوْكَبًا تَحْوِي1 السَّمَا فَصْلٌ: كم الاستفهاميّة: مميّزها فرد منصوب؛ لشبهه بالعدد المنصوب على التّمييز2؛ لأنّه من أحد عشر إلى تسعة وتسعين لا يكون إلاَّ [68/أ] واحدًا. وهذه3يجوز الفصل بينها وبين مميّزها، تقول: (كمْ عَبْدًا لك؟) و (كم لك عبْدًا؟) ؛ وهذه الإجازة كالعِوض من منع إعرابها4، ولا يجوز ذلك في الخبريّة.

وقد تقع موقع المبتدأ، كقولك: (كَمْ عَبْدًا لَكَ؟) ؛ فـ (كم) مبتدأ، و (لك) 1 الخبر، ونصبت (عَبْدًا) على التّمييز. وتقعُ موقع المفعول به، في قولك: (كم رجلاً رأيت؟) . وموقع2 الجارّ والمجرور3، كقولك: (بكم درهمًا بعت؟) . وإنْ دخل عليها حرف جرّ جاز في مميّزها النّصب والجرّ4؛ فيُقال: (بكم درهمًا اشتريت ثوبك؟) و (بكم درهمٍ اشتريت؟) فالنّصب لأنّها كما تقدّم5، والجرّ بـ (من) مضمَرة6، لا بإضافة7 (كم) إليه؛ خلافًا لبعضهم8.

والدّليل على ذلك من وجهين: أحدهما1: أَنَّ (كم) الاستفهاميّة لا تصلُح2أن تعمل الجر؛ لأنّها قائمة مقام عدد مركّب، والعدد المركّب لا يعمل الجرّ؛ فكذا ما قام مقامه3. الثّاني: أنَّ الجرّ بعد (كم) الاستفهاميّة لو كان بالإضافة لم يشترط دخول حرف الجرّ على (كم) 4. فاشتراط ذلك دليل على الجرّ بـ (مِنْ) مقدّرة؛ لكون حرف الجرّ الدّاخل عوضًا من اللّفظ بها. ويجوز حذف مميّزها5 وهو حسن، ولا يحسُن ذلك في الخبريّة؛ لأنّها مضافة، وحذف المضاف إليه وإبقاء المضاف قبيح؛ لأنّ فائدته في المضاف إليه6. [68/ب]

وإذا قلتَ: (كم المال؟) كانت الاستفهاميّة. ومن ههنا اختلف المعنى في قولك: (كم دِرْهمًا معك؟) [و (كم درهمٌ معك؟) ] 1؛ لأنّك في النّصب تسأل عن عِدّة الدّراهم، وفي الرّفع تسأل عن درهم واحدٍ، وفي الجرّ مُخبِراً لا مستخبراً في أحد الوجهين، كأنّك قلت: (كم حبَّة درهم معك؟) و2 (كم قِرطاسًا؟) ؛ ومن ههنا قالَ النّحويّون في قول الفرزدق: كَمْ عَمّةٌٍ لَكَ يا جَرِيرُ وَخَالَةًٌٍ فَدْعَاء قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي3

إنّه إذا رفع العمّة قصد عمّةً واحدةً، فحذف مميّز (كم) وجعله ظرفًا، كأنّه [قال] 1: (كَمْ مَرَّةً2 عَمَّةٌ [لك] 3قد حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي) ؛ ومَن نصب أراد تكثير العمَّات، وصارت (كم) اسمًا مبتدأ

لا ظرفًا، وخبره: (حلبت عليّ) ، وكذلك الحكم في الجرّ1.وتُرَاعَى أصولها إذا استعملت في باب (ظنّ) 2؛ فتقول: (كم تظنّ النَّاسَ رجلاً، والنّاسُ) [وكم النّاسَ تظنّ رجلاً والنّاسُ] 3؛ ولا يجوز [النّاسَ] 4 كم تظنّ5. وتختلف معانيها باختلاف الإعراب، كقولك: (بكم ثوبك مصبوغٌ؟) و (بكم ثوبك مصبوغًا؟) فالسّؤال مع الرّفع عن أُجرة الصّبغ، أو6 المقدار المصبوغ، ومع النّصب عن جملة الثّوب وثمنِه.

_ 1 وكذلك من جَرّ أراد تكثير العمّات. 2 في أ: الظّنّ. 3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ. 4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ. 5 لأنّ (كم) لها الصّدارة، ولا يعمل ما بعدها فيما قبلها. 6 في أ: و.

باب المفعول فيه (وهو الظرف)

بَابُ الْمَفْعُولِ فِيهِ وَهُوَ الظَّرْفُ -: [69/أ] وَالظَّرْفُ نَوْعَانِ فَظَرْفُ أَزْمِنَهْ ... يَجْرِي مَعَ الدَّهْرِ وَظَرْفُ أَمْكِنَهْ وَالْكُلُّ مَنْصُوبٌ عَلَى إِضْمَارِ فِي ... فَاعْتَبِرِ الظَّرْفَ بِهَذَا وَاكْتَفِي تَقُولُ: صَامَ خَالِدٌ أَيَّامَا ... وَغَابَ شَهْرًا وَأَقَامَ عَامَا وَبَاتَ زَيْدٌ فَوْقَ سَطْحِ المَسْجِدِ ... وَالْفَرَسُ الأَبْلَقُ1 تَحْتَ مَعْبَدِ وَالرِّيحُ هَبَّتْ يَمْنَةَ المُصَلِّي ... وَالزَّرْعُ تِلْقَاءَ الحَيَا المُنْهَلِّ وَقِيمَةُ الفِضَّةِ دُونَ الذَّهَبِ ... وَثَمَّ عَمْرٌو فَادْنُ مِنْهُ وَاقْرُبِ وَدَارُهُ غَرْبِيَّ فَيْضِ2البَصْرَهْ ... وَنَخْلُهُ شَرْقِيَّ نَهْرِ مُرَّهْ فَصْلٌ: الظّرْفُ3 هو: المفعول فيه. وينقسم4 إلى: ظرف زمان، وظرف مكان؛

وكلاهُما ينقسم إلى: مبهم [و] 1 مختصّ. و2 أسماء الزّمان كلّها صالحة للظّرفيّة [69/ب] لا فرق3 في ذلك بين المبهَم4 منها والمختصّ5؛تقول6: (انتظرته حينًا ومُدَّةً) و (لقيتُه يوم الخميس) . و [أَمّا] 7 أسماء المكان فالصّالح منها للظّرفيّة نوعان: الأوّل: الاسم المبهَم؛ كأسماء الجِهات، نحو: (فوق) و (تحت) و (أمام) و (وراء) و (يمين) و (شمال) ، وشبهها في الشّياع ممّا يفتقر إلى غيره

في بيان صورة مسمّاه، كـ (جانب) و (ناحية) ، وكأسماء المقادير1 كـ (مِيْلٍ) 2 و (فَرْسَخٍ) 3و (بَرِيد) 4. [و] 5 الثّاني: ما اشتقّ من اسم الحدَث6، كـ (مَذْهَبٍ) و (مَرْمى) 7. والمختصّ منه: (ذَهَبْتُ مَذْهَبَ زَيْدٍ) و (رَمَيْتُ مَرْمَى عَمْرٍو) . والمختصّ: كلّ ما اشتملّ عليه8ما يحوطُه، كـ (الشّام) و (العِرَاق) و (المسجد) و (الدّار) .

وهذا النّوع يتصّرف بوجوه الإعراب، ولا يسمّى ظرف مكان1؛ فإن وُجِدَ منه شيءٌ منصوبًا كان انتصابُه انتصاب المفعول به لا انتصاب الظّرفيّة2. ومن أسماء ظروف الزّمان ما يعبَّر به عن جميعه، كـ (الدّهر) و (قَطّ) و (عَوْض) و (الأبَد) . فـ (قَطُّ) : اسم لِمَا مضى من الزّمان، و (الأبد) : لجميع الآتي منه؛ فتقول من ذلك: (ما فعلتُه قطّ) 3 و (لا أفعله أبدًا) ، و (إذْ) 4: لِمَا مضى من الزّمان، و (إذا) : ظرفٌ لِمَا يُستقبَلُ من الزّمان، يتضمّن معنى الشّرط غالبًا. ويُضْمَر عاملُ الظّرف على [70/أ] شريطة5 التّفسير؛ تقول: (اليوم سِرت فيه)

تقديره: سرت اليوم1. وجميع أسماء الزّمان تكون ظروفًا إذا وردت متضمّنة (في) ولم ينطق بـ (في) ، كقولك2: (قدمت يوم الجمعة) و (صُمْتُ يَوْمَ الخميس) 3؛ فلوقوع الأفعال فيها سُمّيت ظروفًا4. ومنها: ما يقع الفعل في جميعه، كقولك: (صمت يوم الخميس) 5. ومنها: ما يقع في بعضه، كقولك: (لقيتُه يوم الجمعة) ؛ لأنّ اللّقاء قع في بعضه6.

وكلُّ اسم صلح أن يكون1جواب2 (أين) في الاستفهام فهو مكان، تقول من ذلك: (جلست خلفك) و (سرتُ أمامك) و (قعدتّ دونك) و (داري غربي دارك) و (وجهي تلقاء وجهك) و (سرت يَمْنَةَ الأمير) و (لي قبلك حقّ) و (توجّهتُ نحو المدينة) 3؛ فإن لم تتضمّن4هذه الأسماء معنى (في) لم تكن ظروفًا، وجاز أن تعتقب عليها العوامل بوُجوه الإعراب؛ فإذا قلتَ: (دخلتُ البيت) فإنه منتصب نصب المفعول به لوُقوع الفِعل عليه، لا بوقوعه فيه5؛

فليس متضمّنًا1 معنى (في) . وأمّا قولهم: (هو مِنِّي مَقْعَدَ القَابِلَة) 2 و (عمرو مَزْجَر الكلب) و (عبد اللهِ مَنَاطَ الثُّرَيَّا) على الظّرفيّة، فشاذٌّ3.

فإنْ قيل: لِمَ استأثرتْ أسماء الزّمان بصلاحيّة المبهم منها، والمختصّ للظّرفيّة عن أسماء المكان؟ [70/ب] فالجواب: أنَّ أصلَ العوامل الفِعْلُ، ودلالته على الزّمان أقوى من دلالته على المكان؛ لأنّه يدلّ على الزّمان بصيغته والالتزام1، ويدلّ على المكان بالالتزام فقط؛ فلمّا2 كانت دلالة الفعل على الزّمان قويّة تعدّى إلى المبهم منها والمختصّ، ولَمَّا كانت دلالته على المكان ضعيفة لم يتعدَّ إلى كلّ أسمائه، بل يتعدّى إلى المبهم منها3. وقد تُقام صفة الظّرف مقامه بعد حذفه، كقولك: (أقمتُ عنده قليلاً من النّهار) و (سامرْتُه كثيرًا من اللّيل) وتقديره: زمانًا قليلاً، وزمانًا كثيرًا. وقد نُصِبَ بعضُ المصادر نَصْبَ4 الظّروف في قولهم: [ (أتيتُه غروب الشّمس) و (انتبهت طلوعَ الفجر5) ] 6.

وَقَدْ أَكَلْتُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ ... وَإِثْرَهُ وَخَلْفَهُ وَعِنْدَهُ الأسماء منها ما إذا أُضيف إلى شيء صار من جنسه وأُلحِق بنوعه. فمن ذلك: (قبلُ) و (بَعْدُ) فهما إنْ أُضيفا إلى ظرف زمانٍ صارا من جنسه، وانتصبا انتصاب [71/أ] ظرف الزّمان؛ كقولك: (قدمتُ البلد قبل زيدٍ، وسافرت بعده) ، وإنْ أُضيفا إلى ظرف مكانٍ صارا من جنسه، كقولك: (نزلنا قبل المنزلة، وقيلنا بعد المنهل) . وكذلك أسماء العدد1، و (كُلّ) و (بعض) و (نصف) و (ثُلث) ، وما أشبهه، وكذلك (بين) ؛ تقول: غاب زيدٌ خمسة أيّام، وأقمتُ عنده كلّ النّهار وبعض اللّيل، وصلَّيْتُ بين الظّهر والعصر2؛ وتقول: قطعتُ خمسة فراسِخ، وكلّ المرحلة، وسار زيدٌ بعض فرسخٍ، وركب ثلث الطّريق، وأقام بين البلدين3. وَعِنْدَ فِيهَا النَّصْبُ يَسْتَمِرُّ ... لَكِنَّهَا بِمِنْ فَقَطْ تُجَرُّ عِنْدَ: ظرفٌ4 لازمُ الظّرفيّة، ولا يدخله5 الرّفع بحال، ولا يُجرُّ6

إلاَّ بـ (من) دون سائر الظّروف لعدم تصرُّفه؛ لأنَّ الظّرف المتصرّف1 يفارقُ الظّرفيّة، ويُستعمل مخبرًا2عنه، ومضافًا إليه، ومفعولاً به3. ثمّ الظّرف المتصّرف: منه منصرف4، نحو: (يومٍ) و (شهرٍ) و (حوْلٍ) ، ومنه غير منصرف5 نحو: (غُدْوَةَ) و (بُكْرَةَ) مقصودًا بهما تعريف الجنس أو العهد.

و (عند) [71/ب] يكون1ظرف زمان2، كقولك: (وصلت البلدَ عند غروب الشّمس) . [وَأَيْنَمَا صَادَفْتَ فِي لاَ تُضْمَرُ ... فَارْفَعْ وَقُلْ: يَومُ الْخَمِيسِ نَيِّرُ] 3 فَصْلٌ: واعلم4 أنَّ النّاصب5للظّرف هو الفعل الموجود معه؛

فإنْ وُجِدَ منصوبًا في كلامٍ لا فعل فيه، كقولك: (الرّحيل غدًا) ففي الكلام محذوف؛ وهو النّاصب للظّرف وتقديرُه: (استقرّ غدًا) ، وعند بعضهم: (مستقرّ) 1.

فمتى خلَت أسماء الظّروف ممّا تقدّم1 كانت مبتدأةً، كقولك: (يومُ الجمعةِ مُبَاركٌ) و (وسطُ المسجدِ رَحْبٌ) و (الفرسخُ2 أربعةُ أميالٍ) .

_ 1 في أ: ما. 2 في ب: القراسخ.

باب الإستثناء

بَابُ الاسْتِثْنَاءِ: وَكُلُّ مَا اسْتَثْنَيْتَهُ مِنْ مُوْجَبِ ... تَمَّ الْكَلاَمُ عِنْدَهُ1 فَلْيُنْصَبِ تَقُولُ: جَاءَ الْقَوْمُ إِلاَّ سَعْدَا ... وَقَامَتِ النِّسْوَةُ إِلاَّ هِنْدَا2 الاستثناء هو: إخراج شيءٍ3 ممّا دخل فيه غيره، أو إدخال شيء فيما خرج منه غيره؛ والاسم المستثنى ضدّ4المستثنى منه5. والاستثناء نوعان: متّصل، ومنقطع. فالمتصّل: إخراج مذكور بإِلاَّ أو ما في معناها من حكم شامل له، أو ملفوظٍ [به] 6، أو مقدّر7. فالإخراج جنسٌ يشمل8 نوعي الاستثناء، ويخرج الوصف ?إِلاّ

[72/أ] كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا} 1. فقوله: إخراج مذكور ولم يقل: إخراج اسم ليعمّ استثناء2 المفرد، نحو: قام القومُ إلاّ زيدًا، واستثناء الجملة لتأوّلها بالمشتقّ، نحو: ما مررتُ بأحدٍ إلاَّ زيدٌ خيرٌ منه. وقوله: بإلاّ أو ما في معناها ليخرُج التّخصيص3ونحوه، ويدخل الاستثناء بغَير وسِوَى وحَاشَا وخَلا وعَدا ولَيْسَ ولا يكون. وقوله: من حكم شامل له ليخرج الاستثناء المنقطع. وقوله: ملفوظ به أو مقدّر ليتناول الحدُّ الاستثناءَ التّامَّ والمفرّغَ. والاستثناء التّامّ هو: أن يكون المخرج منه مذكورًا، نحو: قام القوم إلاَّ زيدًا.

والمفرّغ هو: أن يكون المخرج منه مقدّرًا في قوّة المنطوق به، نحو: ما قام إلاَّ زيدٌ التّقدير: ما1قام أحدٌ إلاَّ زيدٌ. والمنقطع هو: الإخراج بإلاَّ أو غير أو بَيْد لِمَا دخل في حكم دلالة المفهوم. فالإخراج جنس، وقولُه: بإلاّ، أو غير، أوبَيْد مدخل لنحو: ما فيها إنسان إلاَّ وتدًا2 وما عندي أحدٌ غير فرس3، وكنحو قوله - صلّى الله عليه وسلّم -: "أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ؛ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ، واسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدٍ" 4. ومخرج الاستدراك ?لكن، نحو قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ} 5؛ فإنّه إخراجٌ لِمَا دخل في حكم دلالة المفهوم، ولا يسمّى في اصطلاح النّحويّين استثناءً، بل يختصّ6 باسم7 الاستدراك. [72/ب]

وقوله: لما دخل تعميمٌ لاستثناء المفرد والجملة - كما سيأتي -. وقولُه: في حكم دلالة المفهوم مخرج للاستثناء1 المتّصل؛ فإنّه إخراجٌ لِمَا دخل في دلالة المنطوق. من أمثلة المستثنى المنقطع الآتي مفردًا2، قوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 3 [فـ {اتِّبَاعَ الظَّنِّ} ] 4 مستثنى منقطع، مخرج ممّا أفهمه {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} من نفي الأعمّ من العلم والظّنّ؛ فإنّ الظّنّ يستحضر5 بذكر العلم لكثرة قيامه مقامه، وكأنّه قيل: ما يأخذون6 بشيءٍ إلاَّ اتّباع الظّنّ. ومنها: قولهم: له عَلَيَّ ألفٌ إلاَّ أَلْفَيْن وإنّ لفلانٍ مالاً إلاَّ أنّه شقيّ وما زاد إلاّ ما نقص وما نفع إلاَّ ما ضَرَّ وما في الأرض أخبث منه إلاَّ إيّاه وجاء الصّالحون إلاَّ الطّالحين7؛ فالاستثناء في هذه الأمثلة كلّها على [نحو] 8 ما تقدّم. فالأوّل: على معنى له عليَّ ألف لا غير إلاّ ألفين. والثّاني: على معنى عَدِم فلان البؤس إلاَّ أنّه شقيّ.

وعلى هذا فقِس الباقي من الأمثلة1. وللاستثناء2 عدّة أدوات؛ إلاَّ أنّ3 المستولي عليه4: إلاَّ. وقال الشّيخ بدر الدّين بن مالك - رحمه الله [تعالى] 5-: "الاسم المستثنى بإلاّ في غير تفريغ يصحّ نصبه على الاستثناء، سواء كان متّصلاً أو منقطعًا. [73/أ] والنّاصب هو: إلاّ لا ما قبلها بتقويتها، ولا به مستقلاًّ، ولا باستثني مضمرًا، خلافًا لزاعمي ذلك6.

ويدلّ على أنَّ النّاصب هو إلاَّ أنّها حرف مختصّ بالأسماء غير متنزّل1 منها منزلة الجزء، وما كان كذلك فهو عامل؛ فيجب أنْ تكون عاملة ما لم تتوسّط2 بين عامل مفرّغ ومعمول، فتُلغى3 وُجوبًا إنْ كان التّفريغ محقّقًا4، [نحو: ما قام إلاَّ زيدٌ، وجوازًا إنْ كان مقدّرًا] 5، نحو: ما قام أحدٌ إلاّ زيدٌ [فإنّه في تقدير: ما قام إلاّ زيدٌ] 6؛ لأنّ أحدٌ مبدل منه، والمبدَل منه7 في حكم المطروح8.

فإنْ قيل: إلاّ تدخُل على الفعل، كقولك: نشدتّك الله إلاّ فعلتَ وما تأتيني إلا قلتَ خيرًا. الجواب: أنَّ دخولها على الفعل إذا كان في تأويل الاسم؛ فمعنى نشدتُك الله إلاّ فعلتَ: [ما] 1 أسألك إلاَّ فعلك؛ ومعنى الثّاني: ما تأتيني إلاَّ قائِلاً خَيْرًا. والسّيرافيّ2 يذهبُ إلى أنّ النّاصب هو ما قبل إلاّ من فعل أو غيره بتعدية إلاَّ. وذهب ابن خروف3 إلى أنّ النّاصب هو ما قبل إلاَّ على سبيل الاستقلال.

وذهب الزّجّاج1 إلى أنّ النّاصب2 استثني مضمرًا"3.

وَإِنْ يَكُنْ فِيمَا1 سِوَى الإِيجَابِ ... فَأَوْلِهِ الإِبْدَالَ فِي الإِعْرَابِ تَقُولُ: مَا المَفْخَرُ2 إِلاَّ الكَرَمُ ... وَهَلْ مَحَلُّ الأَمْنِ إِلاَّ الْحَرَمُ3 [73/ب] فَصْلٌ: إذا كان قبل إلاَّ كلامٌ تامٌّ4؛ فلا يخلو من قسمين: أحدهما: أنْ يكون موجَبًا5- كما تقدّم -، كقولك: قام القومُ إلاَّ زيدًا، أو6 غير موجب وهو: أن يكون الكلام نفيًا، أو استفهامًا، أو نهيًا؛ فالأجود أن يُعرب ما بعد إلاَّ بإعراب ما قبلها

على سبيل البَدَل1؛ فتقول: ما قام أحدٌ إلاَّ زيدٌ وما ضربتُ أحدًا إلاَّ زيدًا وما مررتُ بأحدٍ إلاَّ زيدٍ2، ولك أن تنصب الاسم المستثنى على الأصل3، فتقول4: ما قام [أحدٌ] 5 إلاَّ زيدًا6. وَإِنْ تَقُلْ: لاَ رَبَّ إِلاَّ اللهُ ... فَارْفَعْهُ وَارْفَعْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ

[فَصْلٌ] 1: إذا جِيء بالاسم المستثنى [بـ] 2 إلاَّ بعد عامل3 لم يشتغل4 بما قبلها، ولا بما بعدها، يليها عامل، فمطلوب العامل هو ما يليها؛ لتفريغ5 الطّلب له6، فيُرفع7 إنْ كان [يطلب] 8مرفوعًا - كما9 تقدّم -؛ ويُنصب إنْ كان يطلب منصوبًا، نحو: ما رأيتُ إلاَّ زيدًا، ويُجرُّ بالحرف الّذي يتعدّى به10، نحو: ما مررتُ إلاَّ بزيدٍ.

وَانْصِبْ إِذَا1 مَا قُدِّمَ المُسْتَثْنَى ... تَقُولُ: هَلْ إِلاَّ العِرَاقَ مَغْنَى2 إذا قُدِّم المستثنى على المستثنى منه نُصِبَ؛ مُوجَبًا كان أو نفيًا، تقول: ما جاء إلاَّ زيدًا [74/أ] أحدٌ، كقول الكميت3: وَمَا لِي إِلاَّ آلَ أَحْمَدَ شِيْعَةٌ ... وَمَا لِي إِلاَّ مَذْهَبَ الحَقِّ مَذْهَبُ4 امتنع جعلُ المستثنى بدلاً5؛ لأنَّ التّابع لا يتقدّم على المتبوع وكان الوجهُ نصبُه6.

َإِنْ تَكُنْ مُسْتَثْنِيًا بِمَا عَدَا ... وَمَا خَلاَ1وَ2 لَيْسَ فَانْصِبْ أَبَدَا تَقُولُ: جَاؤوا مَا عَدَا مُحَمَّدًا ... وَ3 مَا خَلاَ زَيْدًا وَلَيْسَ أَحْمَدَا [فَصْلٌ] 4: يُنصب المستثنى - من الموجِب - بإلاَّ وعَدَا وخَلا؛ كقولك: قامَ القومُ خلاَ زيدًا وعدا عمرًا بالنّصب؛ وإنْ شئت جررتَ5 فقلت: قام القوم خَلاَ زيدٍ وعَدَا عَمْرٍو؛ فالجرُّ على أنّهما حرفان مختصّان بالأسماء، والنّصبُ على أنّهما فِعْلان ماضيان غير متصرّفين؛ لوُقوعهما موقع الحرف6؛ فإذا تقدّم عليهما ما بَعُدَ من

شبه الحرف؛ [لأنَّ الحرف لا يدخُل على الحرف1] 2؛ فتقول: جاءَ النّاسُ ما خلا زيدًا وما عدا عَمْرًا، كقول لبيد: أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ3 ... .......................................... فوجب النّصب بهما؛ لتقدّم ما المصدريّة4. ومن أدوات الاستثناء: ليس ولا يكون؛ فهما الرّافعان للاسم5، النّاصبان [74/ب] للخبر6؛ فلهذا يجب نصبُ المستثنى بهما؛ لأنّه الخبر.

وأمّا الاسم1 فالتزم إضمارُه2؛ لأنّه لو ظهر فَصَلَهُمَا من المستثنى، وجُهِلَ قصد الاستثناء؛ تقول: قاموا ليس زيدًا، ونحو: "يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ خُلُقٍ لَيْسَ الخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ" 3، المعنى: إلاَّ الخيانة والكذب؛ والتّقدير: لَيْسَ بَعْضُ خُلُقِهِ الخِيَانَةَ والْكَذِبَ. وتقول: قاموا لا يكون زيدًا، وتقديره: قاموا لا يكون بعضهم زيدًا. وأمّا حاشا فَيَجُرُّ ما بعده، وينصب؛ فالجرُّ على أنّها4حرف، والنّصب على أنّها5 [فعل] 6 غير متصرّف7.

فمن الجرّ بها قولُ الشّاعر: حَاشَا أَبِي ثَوْبَانَ إِنَّ بِهِ1 ... ضَنًّا عَنِ المَلْحَاةِ وَالشَّتْمِ2 وأنشد الأخفش بإلحاق ما المصدريّة: رَأَيْتُ النَّاسَ مَا حَاشَا قُرَيْشًَا ... فَإِنَّا نَحْنُ أَكْثَرُهُمْ فَعَالاَ3 ويُقال في حَاشَا: حَاشَ كثيرًا، وحَشَا قليلاً. وأنشدوا في حرفيّة عَدَا والجرّ بها: تَرَكْنَا فِي الْحَضِيْضِ بَنَاتِ عُوْجٍ ... عَوَاكِفَ قَدْ خَضَعْنَ إِلَى النُّسُورِ4 أَبَحْنَا حَيَّهُمْ قَتْلاً وَأَسْرًا عَدَا الشَّمْطَاءِ وَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ5

وَغَيْرُ إِنْ جِئْتَ بِهَا مُسْتَثْنِيَهْ ... جَرَتْ عَلَى الإِضَافَةِ المُسْتَوْلِيَهْ وَرَاؤُهَا تَحْكُمُ فِي إِعْرَابِهَا ... مِثْلَ اسْمِ إِلاَّ حِينَ يُسْتَثْنَى بِهَا غير: يستثنى بها بشرط صلاحيّة إلاَّ مكانها؛ فيجرّ1المستثنى بها، وتعرب هي بما يستحقّه المستثنى بإلاَّ؛ من نَصْبٍ لازمٍ2، أو نصب مرجّح3عليه الإتباع4، [أو نصب مرجّح على الإتباع5] 6، أو تأثّر7بعاملٍ مُفرَّغ؛ تقول في اللاّزم: جاءني القومُ غيرَ زيدٍ، والمرجّح عليه الإتباع8: ما جاءني أحدٌ غيرُ زيد، والمرجّح على9 الإتباع:

ما لزيدٍ علم غيرَ ظنِّ، وإيجابُ التّأثّر1 بالعامل المفرّغ: ما جاءني غيرُ2 زيدٍ فغير هُنا3 كإلاَّ4؛ وقد جاءت إلاَّ كغير في قول الشّاعر: وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلاَّ الفَرْقَدَانِ5 وسُوى وسَواء لغتان في سِوَى6؛ وهي مثل غير

معنىً واستعمالاً؛1 فيستثنى2 بها3 [متّصل] 4، نحو: قاموا سِوى زيد، [منقطع] 5، كقول الشّاعر: لَمْ أُلْفِ فِي الدَّارِ ذَا نُطْقٍ سِوَى طَلَل ... قَدْ كَادَ6 يَعْفُو وَمَا بِالْعَهْدِ مِنْ قِدَمِ7 [وفي شرح الشّيخ بدر الدّين: "ويوصَف بها"8] 9،

[ومن الاستثناء بها1،] كقول الآخر: [75/ب] أَصَابَهُمْ بَلاَءٌ كَانَ فِيْهِمْ سِوَى ... مَا قَدْ أَصَابَ بَنِي النَّضِيرِ2 وتقبل أثر العوامل المفرّغة، كقوله - صلّى الله عليه3 وسلّم-: "مَا أَنْتُمْ فِي سِوَاكُمْ مِنَ الأُمَمِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَبْيَضِ" 4، وتأتي فاعلةً كقول بعضهم - حكاه الفرّاء -: "أَتَانِي5 سِوَاكَ6"، وكقول الشّاعر:

وَلَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَا ... نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا1 وأنشد ابن جنّي مجرورًا: أَلاَ مِنْ مُنَادٍ أَبَا مَالِكٍ ... أَفِي أَمْرِنَا هُوَ أَمْ فِي سِوَاه2 وتأتي مبتدأة، كقول الآخر: وَإِذَا تُبَاعُ كَرِيْمَةٌ أَو تُشْتَرَى ... فَسِوَاكَ بَائِعُهَا وَأَنْتَ المُشْتَرِي3

ولا سِيَّمَا1 يستثنى بها، ومعناها: التّخصيص، ويجرّ ما بعدها2، كقولك: أكرمني النّاس [ولا] 3 سِيَّمَا زيدٍ أي: لا مثل زيدٍ؛

ويرفع1 ما بعدها، كقول الشّاعر: ............................... ... وَلاَ سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ2 [76/أ] أي: ولا مثل الّذي هو يوم. ولا سِيَّمَا زيدًا3 بمعنى: [إلاَّ] 4.

_ 1 الرّفع على أنّه خبرٌ لمبتدأ محذوف، و (ما) موصولة، أو نكرة موصوفة بالجملة، والتّقدير: ولا مثل الّذي هو يوم، أو ولا مثل شيء هو يوم. ويجوز النّصب في الاسم الّذي بعدها إذا كان نكرة. يُنظر: المصادر السّابقة. 2 هذا عجُز بيتٍ من الطّويل، وصدرُه: أَلاَ رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ وهو لامرئ القيس. و (دَاْرَةُ جُلْجُلِ) : موضع. والشّاهد فيه: (ولا سِيَّمَا يَوْمٌ) حيث يجوز في (يوم) الرّفع على أنّه خبرٌ لمبتدأ محذوف، ويجوزُ فيه - أيضًا -: الجرّ على الإضافة، والنّصب على التّمييز. يُنظر هذا البيت في: شرح المفصّل 2/86، وشرح التّسهيل 2/318، وشرح الكافية الشّافية 2/725، واللّسان (سوا) 14/411، والجنى الدّاني 334، والمغني 186، والمساعد 1/597، والهمع 3/293، والخزانة 3/444، 451، والدّرر 3/183، والدّيوان 10. 3 انتصاب المعرفة منعه الجمهور، وجوّزه بعضهم موجِّهًا إيّاه بأنّ (ما) كافّة، وأنّ (لا سيّما) نزلت منزلة (إلاّ) في الاستثناء؛ فما بعدها منصوبٌ على الاستثناء المتّصل، لإخراجه عمّا قبل (لا سيّما) من حيث عدمُ مساواة ما قبلها له. وضُعِّف بأنّ (إِلاَّ) لا تقترنُ بالواو، ولا يُقال: (جاء القوم وإلاّ زيدًا) . ووجّهه الدّمامينيّ بأنّ (ما) تامّة بمعنى (شيء) ، والنّصب بتقدير: (أعني) أي: ولا مثل شيء أعني زيدًا. يُنظر: المغني 187، والأشمونيّ 2/168، والصّبّان 2/168. 4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

باب لا في النفي

بَابُ لاَ فِي النَّفْيِ: وَانْصِبْ بِلاَ فِي النَّفْيِ كُلَّ نَكِرَهْ ... كَقَوْلِهِمْ: لاَ شَكَّ فِيمَا ذَكَرَهْ (لا) حرف له مَعَانٍ: أحدُها: أنْ تكون ناهيةً1؛ وتختصُّ بالدُّخول على الفعل المضارِع جازمة [له] 2، كقوله تعالى: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} 3. وقد تقع بمعنى الدُّعاء، كقولك: (لا يفضض الله فاك) . وتأتي زائدةً لتأكيد النّفي4، كقولك: (ما زيدٌ قائمًا ولا عمرٌو قاعدًا) 5. وتارةً6 للتّوسُّع في الكلام، كقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} 7.

وتارةً مع اليمين، كقوله تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ} 1. وتأتي نافية معنى الفعل عن أحد الاسمين، كقولك: (جاء زيدٌ لا عمرٌو) ؛ فإنْ قلتَ: (ما جاء زيدٌ2 ولا عمرٌو) فالواو ههنا3 هي العاطفة،

و (لا) زائدة لتأكيد النّفي1. وتعترض2بين العامل والمعمول، وتكون بمعنى (غير) 3، كقولك: (ضربتُه بلا ذنبٍ) . وبين المبتدأ والخبر، كقولك: (زيد لا صديق ولا عَدوّ) ، وبين الحال وصاحبها، كقولك [76/ب] : (قَدِم الأمير لا ضاحكًا ولا عابسًا) . وقد تدخُل على الفعل [الماضي] 4فتحوّل معناه إلى الاستقبال، وتكون5 بمعنى (لَمْ) كقوله تعالى: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} 6، وكقول الشّاعر:

إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ جَمَّا ... وَأَيُّ1 عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا2 أي: لم يُلِمَّ. وتدخل على [الفعل] 3 المضارع نافيةً؛ فلا يتأثّر4، كقوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} 5. وتكونُ بمعنى (ليس) مختصّة بالنّكرات6، ومنه قولُ الشّاعر:

تَعَزَّ فَلاَ شَيْءٌ عَلَى الأَرْضِ بَاقِيًا ... وَلاَ وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللهُ وَاقِيَا1 وقول2 الآخر: مَنْ صَدَّ عَنْ نِيْرَانِهَا ... فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لاَ بَرَاحُ3

أراد: لا بَراح لي. وقد تُزاد التّاء مع (لا) 1لتأنيث اللّفظ، والمبالغة في معناه2؛ فتعمل العمل المذكور في أسماء الأحيان لا غير، نحو: (حينٍ) و (ساعةٍ) و (أوانٍ) 3.

والأعرف - حينئذٍ - في1 ذلك حذف2 الاسم، كقوله تعالى: {وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصٍ} 3. المعنى: ليس هذا الحين حين مَنَاصٍ، أي: فِرَارٍ4.

قال الشّاعر: نَدِمَ البُغَاةُ وَلاَتَ سَاعَةَ مَنْدَمٍ ... وَالْبَغْيُ مَرْتَعُ1 مُبْتَغِيْهِ وَخِيمُ2 وقد تكون ناصبةً للاسم، رافعةً للخبر، حملاً على (إِنَّ) في العمل؛ لأنَّ (إِنَّ) لتوكيد الإيجاب، و (لا) لتوكيد النّفي؛ فهي ضدّها، [77/أ]

والشّيء يُحمل1 على ضدّه، كما يُحمل2 على نظيره. وتكون النّكرة بعدها مُضافةً، كقولك: (لا طالبَ جَهْلٍ مشكورٌ) ، أو شبيهةً بالمضافة3، كقولك: (لا جاهلاً قُربه مقصود) . فإنْ كانت النّكرة مُفْرَدةً غير مُضافَةٍ، ولا شبيهة به، بنيت على الفتح لتركيبها4مع (لا) تركيب5 خمسة عشر6؛ ولتضمّنها معنى (مِنْ) الجنسيّة، بدليل ظهورها في قول الشّاعر: فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسَيْفِه ... وَقَالَ: أَلاَ لاَ مِنْ سَبِيْلٍ إِلَى هِنْدِ7 فتقول من ذلك ناوِيًا استغراق8 الجنس: (لا رجل في الدّار) .

وَإِنْ بَدَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضُ ... فَارْفَعْ وَقُلْ: لاَ لأَبِيكَ مُبْغِضُ فَإِنْ فَصَلَ بينها وبين النّكرة فاصل عادَ إلى أصله وهو الإعراب1، وزال عنه ما عرض له من البناء، كقوله تعالى: {لاَ فِيْهَا غَوْلٌ} 2. وَارْفَعْ إِذَا كَرَّرْتَ نَفْيًا وَانْصِبِ ... وَغَايِرِ3 الإِعْرَابَ فِيهِ4 تُصِبِ تَقُولُ: لاَ بَيْعٌ وَلاَ خِلاَلُ ... فِيهِ وَلاَ عَيْبٌ5وَلاَ إِخْلاَلُ [وَالرَّفْعُ فِي الثَّانِي وَفَتْحُ الأَوّلِ ... قَدْ جَازَ وَالْعَكْسُ كَذَاكَ فَافْعَلِ] 6 وَإِنْ تَشَأْ فَانْصِبْهُمَا7 جَمِيعَا ... وَلاَ تَخَفْ رَدًّا وَلاَ تَقْرِيعَا [77/ب]

فصل: يجوز إذا عطفت النّكرةعلى اسم (لا) في العمل خمسة أوجه1ٍ؛ لأنّ العطف يصحّ معه2إلغاء (لا) وإعمالها؛ فإن أعملت الأولى فتحت الاسم بعدها، وجاز لك في الثّاني ثلاثة أوجُهٍ: الأوّل: الفتح على إعمال (لا) 3 الثّانية؛ مثالُه: (لا حول ولا قوّة إلا بالله) ، وكقوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} 4. الثّاني: النّصب على جعلها مؤكّدة، وعطف الاسم بعدها على محلّ الاسم قبلها؛ مثالُه: (لا حولَ ولا قوّةً) ، ومنه قولُ الشّاعر: لاَ نَسَبَ الْيَوْمَ وَلاَ خُلَّةً ... اتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ5

الثّالث1: الرّفع على أحد وجهين2؛ إلغاء (لا) ، أوزيادتها3 وعطف الاسم على محلّ (لا) الأولى مع اسمها؛ فإنّ موضعها رفع بالابتداء؛ مثالُه: (لا حولَ ولا قوّةٌ إلاّ بالله) ، و [منه] 4 قولُ الشّاعر: هَذَا لَعَمْرُكُمُ الصَّغَارُ بِعَيْنِهِ ... لاَ أُمَّ لِي - إِنْ كَانَ ذَاكَ - وَلاَ أَبُ5 فلم6 ينوّن لأجل القافية. [78/أ]

وإنْ ألغيتَ الأولى1 رفعتَ الاسم بعدها، وجاز لك في الثّاني وجهان: أحدهما: الفتح على إعمال (لا) الثّانية؛ مثالُه: (لا حولٌ ولا قوّةَ إلاَّ بِالله) ، ومنه قولُ الشّاعر: فَلاَ لَغْوٌ وَلاَ تَأْثِيمَ فِيهَا ... وَمَا فَاهُوا بِهِ أَبَدًا مُقِيمُ2 الثّاني: الرّفع على إلغاء (لا) ، أو زيادتها وعطف الاسم بعدها على ما قبلها؛ مثالُه: (لا حولٌ ولا قوّةٌ إلاَّ بالله) ، ومنه قولُ الشّاعر: وَمَا هَجَرْتُكِ حَتَّى قُلْتِ مُعْلِنَةً ... لاَ نَاقَةٌ لِي فِي3 هَذَا وَلاَ جَمَلُ4

ولا يجوز نصب الثّاني ورفع الأوّل؛ لأنَّ (لا) الثّانية إنْ أعملت1 وجب في الاسم بعدها البناء على الفتح؛ لأنّه مفرد، وإن لم تعملها وجب فيه الرّفع؛ لعدم نصب المعطوف عليه لفظًا ومحلاًّ.

فصل: وإذا وُصِفَ1 اسم (لا) المبنيّ معها على الفتح بصفةٍ مفردة متّصلة؛ جاز فيها ثلاثة أوجهٍ: البناء على الفتح، كقولك: (لا رجلَ ظريفَ فيها) . والنّصب، نحو: (لا رجلَ ظريفًا فيها) . والرّفع، نحو: (لا رجل ظريفٌ فيها) . فالبناء على أنّه رُكّب الموصوف مع الصّفة تركيب خمسة عشر، ثم دخلت (لا) عليها، والنّصب على اتباع [الصّفة] 2 محلّ اسم3 (لا) ، والرّفع على اتباعها لمحلّ (لا) مع اسمها. [78/ب] وإنْ فصل النّعت عن اسم (لا) تعذّر بناؤها على الفتح؛ لزوال التّركيب بالفصل، وجاز النّصب، نحو: (لا رجلَ فيها ظريفًا) ، والرّفع أيضًا، نحو: (لا رجل فيها ظريفٌ) ، وكذلك إذا كان النّعت غير مفرَد؛ تقول: (لا رجلَ قبيحًا فعله عندك) 4. فإن عطفت على اسم (لا) بدون تكرارها امتنع إلغاء (لا) ، وجاز في المعطوف الرّفع بالعطف على موضع (لا) مع اسمها؛

نحو: (لا رجل وامرأةٌ في الدّار) ، والنّصبُ بالعطف على [موضع] 1 اسم (لا) 2، ومنه قولُ الشّاعر: فَلاَ أَبَ وَابْنًا مِثْلَ مَرْوَانَ وَابْنِهِ ... إِذَا هُوَ بِالمَجْدِ اِرْتَدَى وَتَأَزّرَا3

وتدخل همزة الاستفهام على (لا) النّافية للجنس؛ فيبقى ما كان لها1 من العمل، وجواز الإلغاء إذا كرّرت، والاتباع لاسمها على محلّه [من النّصب، أو على محلّ (لا) معه] 2 من الابتداء. وأكثر ما يجيء ذلك إذا قُصد بالاستفهام التّوبيخ والإنكار، كقوله: أَلاَ ارْعِوَاءَ لِمَنْ وَلَّتْ شَبِيْبَتُهُ ... وَآذَنَتْ بِمَشِيْبٍ بَعْدَهُ هَرَمُ؟ 3 وقد يجيء ذلك؛ والمراد مجرّد الاستفهام عن النّفي، كقول الشّاعر: [79/أ] أَلاَ اصْطِبَارَ لِسَلْمَى أَمْ لَهَا جَلَدٌ؟ ... إِذَا أُلاَقِي الَّذِي لاَقَاهُ أَمْثَالِي4

وقد يُراد بالاستفهام1التّمنّي2، كقوله: أَلاَ عُمْرَ وَلَّى مُسْتَطَاعٌ رُجُوعُهُ3 ... ...............................

ويجب ذكر خبر (لا) إذا لم يُعْلم1، كقول الشّاعر: وَرَدَّ جَازِرُهُمْ2 حَرْفًا مُصَرَّمَة ... وَلاَ كَرِيمَ مِنَ الْوِلْدَانِ مَصْبُوحُ3

وندَر حذْفُ الاسم وإثبات الخبر في قولهم: (لا عليك) أي: لا بأس عليك. وتكونُ (لا) نافية للمعرفة، وذلك بتقدير محذوفٍ1، ومنه قولُ الرّاجز2: لاَ هَيْثَمَ اللَّيْلَةَ لِلْمَطِيِّ3

ومن ذلك قيل: (قَضِيَّةٌ وَلاَ أَبَا حَسَنٍ لَهَا) 1. فإنّما القصد فيه إلى عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -2، وتقدير الكلام: لا مِثل عليّ، ولا مثل الهيثم؛ لأنّ (لا) لا تنصب إلا نكرة - كما تقدّم -، وجواز ذلك بتقدير: مثل.

_ 1 قال الرّضيّ في شرح الكافية 1/260: "معنى قضيّة ولا أبا حسن لها: لا فيصل لها؛ إذْ هو ـ كرّم الله وجهه ـ كان فيصلاً في الحُكومات على ما قالِ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -: "أَقْضَاكُمْ عَلَيّ" فصار اسمُه - رضي الله تعالى عنه - كالجنس المفيد لمعنى الفصل والقطع كلفظ (الفيصل) . وعلى هذا يمكن وصفُه بالمنكّر؛ وهذا كما قالوا: (لكلّ فرعون موسى) أي: لكلّ جبّار قهّار؛ فيصرف (فرعون) و (موسى) لتنكيرهما بالمعنى المذكور". ويُنظر هذا القولُ في: الكتاب 2/297، والمقتضب 4/363، وأمالي ابن الشّجريّ 1/366، وشرح المفصّل 4/123، وشرح الكافية الشّافية 1/530، وتخليص الشّواهد 401. وجاءت الرّواية في الكتاب والأمالي بطرح (لها) . 2 في أ: عليه السّلام.

باب التعجب

بَابُ التَّعَجُّبِ: وَتُنْصَبُ الأَسْمَاءُ فِي التَّعَجُّبِ ... نَصْبَ الْمَفَاعِيلِ فَلاَ تَسْتَعْجِبِ1 تَقُولُ: مَا أَحْسَنَ زَيْدًا إِذْ خَطَا ... وَمَا أَحَدَّ سَيْفَهُ حِينَ2 سَطَا التَّعجُّب هو: استعظام فعل فاعلٍ ظاهر المزيّة فيه. [79/ب] وقيل: إنّ التعجُّب يكون ممّا يظهر معناه، ويخفى سببه، وَيُدَلُّ عليه بصيغ3 مختلفة، كقولك: (كيف تعصي مَن أنتَ تتقلّب في نعمه!) ، وقولهم: (للهِ أنتَ!) ، وقولِ الشّاعر: وَاهًا لِلَيْلَى ثُمَّ وَاهًا وَاهَا4

وقول الآخر: ................................... ... يَا جَارَتَا1 مَا أَنْتِ جَارَهْ! 2 وقولك3لمن أنكرتَ منه حالاً ما: (سبحان اللهِ ما أعلمُ منك هذا!) . والأشهر في استعماله بصيغتين4: أحدهما: (مَا أَفْعَلَهُ!) ، والأُخرى: (أَفْعِلْ بِهِ!) .

وتقول مِن ذلك: (مَا أَحْسَنَ زَيْدًا!) و (أَحْسِنْ بِهِ!) . فـ (ما) عند سيبويه1 نكِرة غير موصوفة، في موضع رفع بالابتداء؛ وساغ الابتداء بها2؛ لأنّها في تقدير: التّخصيص3. والمعنى: شيءٌ عظيمٌ أحسنَ4 زيدًا، أي: جعلهُ حسنًا؛ وهذا كقولهم: (شيءٌ جاء بك) و (شَرٌّ أَهَرَّ ذَا نَابٍ) 5. و (أَحْسَنَ) : فعلٌ ماضٍ6، لا يتصرّف7، مسندٌ إلى ضمير (ما) ؛

والدّليل على فعليّته: لزومه متّصلاً بياء المتكلِّم نُونُ الوقايةِ، نحو: (ما أعرفني بكذا!) و (ما أَرْغَبَنِي في عفو الله) . وقد قيل فيه [80/أ] إنّه اسم1 لمجيئه مُصَغَّرًا في قولِ الشّاعر: يَا مَا أُمَيْلِحَ غِزْلاَنًا شَدَنَّ لَنَا2 ... ........................................

ولا حجّة في هذا؛ لشذوذه، واحتمال1 أن يكون التّصغير دخله لشبهه بـ (أَفْعَل) التّفضيل لفظًا ومعنىً؛ والشّيء قد يخرج عن بابه لمجرّد الشّبه بغيره2. وذهب الأخفش3 إلى أنَّ (ما) في نحو: (ما أحسن زيدًا) موصولة،

وهي مبتدأ، و (أحسن) صلته، والخبر محذوف وُجوبًا تقديرُه: الّذي أَحْسَنَ [زَيْدًا] 1 شَيءٌ عظيم. واحْتَجَّ هو ومَن تابعه: أنّهم لم يجدوا (ما) إذا كانت غير استفهامٍ وغير شرطٍ إلاّ موصولة أو موصوفةً؛ فجعلوها في التّعجُّب موصولة. وهذا الاستدلال ينتقض بقولهم: (إنِّي مِمّا أَنْ2 أَفْعَلَ) 3 تقديرُه: إِنِّي من الأَمْر فِعْلي. وقيل: إنَّ4 ما ذهب إليه سيبويه أوْلى؛ لأنَّ (ما) لو كانت موصولةً لَمَا كان حذفُ الخبر واجبًا؛ لأنّه لا يجب حذفُ الخبر إلاَّ إذا عُلِمَ وسدَّ غيره مسدّه؛ وههنا لم يسدّ مسدّ الخبر شيء؛ لأنّه ليس بعد المبتدأ الموصول5 إلاَّ صلته؛ والصّلة من تمام المبتدأ؛ فليست في محلّ خبره،

وإنّما هي1 في محلّ بقيّة حروف الاسم؛ فلا تصلُح2 للسّدّ مسدّ الخبر. [80/ب] فالمُتَعَجَّبُ منه مَنْصُوبٌ على المفعوليّة، والفاعل لا خلاف3 في أنّه مُضْمَرٌ في (أحسن) ؛ ولا خلاف في أنَّ هذا المُضْمَر لا يظهر قطّ في مُفْرَدٍ ولا تَثْنِيَةٍ ولا جَمْع؛ وكُلمّا أُضْمِر الشّيء وسُتِرَ كان أفخم له، وأَزْيَد في معناه. ولا خلاف [في] 4 أنّه لا يجوز العطف على ذلك المضمَر، ولا أن يبدل منه، ولا أن يُخبَر عنه. وأمَّا (أَفْعِلْ) [في] 5 نحو: (أَحْسِنْ بزيدٍ) فَفِعْلٌ6: لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر، وعُدِل عن ذكر الخبر لاحتماله الصّدق والكذب؛ والأمرُ ليس كذلك؛ فكان وُرودُه به أبلغ وأفخم؛ وهو مسند إلى المجرور بعده، و (الباء) زائدة7، مثلُه

[قولُهم] 1: (كفى بزيدٍ رجلاً) 23، وهو في قوّة: (حَسُنَ زَيْدٌ) بمعنى: ما أحسنَهُ4، [و] 5 تقول: (ما أَحْسَنَ زَيْدًا!) فتنصب ما

بعد [أَفْعَل] 1 بالمفعوليّة؛ [وهو في] 2 الحقيقة فاعل الفعل المتعجّب منه3، لكن دخلت عليه همزة النّقل، فصار الفاعل مفعولاً بعد إسناد الفعل إلى غيره. ولا يجوز حذف المتعجّب منه لغير دليل؛ لأنّك لو4قلت: (ما أحسن! وما أجمل!) لم يكن كلامًا5. وأمّا نحو: (أفعل [به] 6) فلا يُحذف منه المتعجّب منه7 إلاّ إذا دَلَّ على المتعجّب [81/أ] منه دليل؛ وكان المعنى واضحًا عند الحذف8؛ ومنه قولُ عليّ [بن أبي طالب] 9 - رضي الله عنه - 10:

جَزَى اللهُ عَنِّي وَالْجَزَاءُ بِلُطْفِهِ ... رَبِيْعَةَ خَيْرًا: مَا أَعَفَّ! وَأَكْرَمَا! 1 وتقول: (أَحْسِنْ بِزَيْدٍ! وَأَجْمِلْ!) بالحذف، كما قال تعالى: {أَسْمِعْ بِهِم وَأَبْصِرْ} 2. [و] 3 يسوغ ذلك في (أفعل به) إذا كان معطوفًا على آخر مذكور معه الفاعل4. وينبغي معرفة الفعل الّذي يبنى منه فعلا التّعجُّب؛ ولذلك5أحكامٌ: منها: أنّه6 لا يكون منقولاً إلاّ من فعلٍ غير متعدٍّ غالبًا، ثم عُدِّي بالهمزة إلى مفعولٍ، نحو: (ما أظرفَ أباك! وأكرمَ أخاك!) ؛ لأنَّ المتعجّب

منه فاعلٌ في الأصل؛ فَوَجَبَ أن يكون فعله غير متعد. [و] 1منها: أنّه لا يكون منقولاً2إلاَّ من فعلٍ ثُلاثيٍّ، نحو: (ظَرُفَ) و (شَرُفَ) و (عَلِمَ) و (سَمِعَ) ؛ ولا يكون من [فعل] 3 رُباعيٍّ حروفه أصول، نحو: (دحرج) ؛ لأنّ صيغة (أفعل) من هذا هدم لا بِناء4؛ فإن5 كان الرّباعيّ بزوائد6 فإنّه مختلف7 فيه؛

[من] 1 نحو: (أَكْرَمَ) و (أَعْطَى) و (أجمل) ؛ فمنهم مَن يُجيز التّعجُّب [به] 2 بتعويضه همزة التعجُّب [عن همزتها] 3، [وحُجّته] 4: ما سمع [من العرب] 5 من قولهم: (ما أيسر6 فلانًا! وما أسنّه!) ؛ ومنهم من لا يُجيز ذلك قياسًا على الرّباعيّ الّذي7حروفه أصول؛ ومنه حكاية الكتاب8: "ما أبغضني [81/ب] له! "، وهو من أبغض يُبغض؛ ووجهه أن يُقدَّر له فعل ثلاثيّ، كقولك: (بَغُضَ) 9.

وقال ابن بابشَاذ1: "هَا هُنا نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ؛ وهي: ما أبغضني له، وما أبغضني إليه، وما أمقتني له، وما أمقتني إليه، وما أحبَّني له، وما أحبّني إليه؛ فكلّ ما كان باللاّم فهو للفاعل، وما كان2 بـ (إلى) فهو للمفعول؛ فإذا قلتَ: ما أبغضني له، فأنت المُبْغِضُ الكارهُ، وإذا قلتَ:

[ما أبغضني] 1 إليه، فأنت المَبْغُوضُ المَكْرُوه"2. ولا يبنى إلاَّ من فعل، ثلاثيّ، متصرّف، قابل للتّفاوُت، غير ناقص3 كـ (كان) وأخواتها، ولا ملازم للنّفي4، نحو: (ما عَاجَ زيدٌ بهذا الدَّوَاءِ) أي: ما انتفع به؛ فإنّ العرب لم تستعمله إلاَّ في النّفي؛ فلا5 يبنى منه فعل التّعجّب؛ لأنّ ذلك يؤدّي إلى مخالفة الاستعمال بالخروج من النّفي إلى الإيجاب. وَإِنْ تَعَجَّبْتَ مِنَ الأَلْوَانِ ... أَوْ عَاهَةٍ تَحْدُثُ فِي الأَبْدَانِ فَابْنِ لَهُ فِعْلاً مِنَ الثُّلاَثِي ... ثُمَّ اِئْتِ بِاللَّوْنِ وَبِالأَحْدَاثِ6 تَقُولُ: مَا أَنْقَى بَيَاضَ الْعَاجِ ... وَمَا أَشَدَّ ظُلْمَةَ الدَّيَاجِي

اعلم أنّه لا يبنى فعل التّعجّب من فعل اسم فاعله على (أَفْعَل) 1، نحو: (شَهِلَ) 2 فهوأَشْهَلُ، وَ (عَوِرَ) فهو أَعْوَرُ، و (عَرِجَ) فهو أَعْرَجُ؛ لأنَّ (أَفْعَلَ) هو لاسم الفاعل ما كان لونًا أو خلقة3. [82/أ]

أمّا الألوان1 فتقول: (مَا أَحْمَرَهُ) تريد2: البلادَة؛ وإن قصدتّ اللّون لم يجُز3؛ وكذلك تقول: (مَا أَسْوَدَ زيدًا) من السُّودَدِ4 لا من السَّوَادِ، و (مَا أَبْيَضَ5الطّير) ، و (مَا أَصْفَرَ العبدَ) من الصَّفير، والمكان إذا خلا من قولهم: (صَفِرَ الإناء) إذا خلا6، و (ما أَسْمَرَهُ) من السَّمَر؛ فإن أردتّ بجميع ذلك اللّون لم يجز7.

وتقول: (ما أرأسَ زيدًا) من الرّئاسة، و (ما أيدَاه) 1 من اليد الّتي هي النّعمة، و (ما أَرْجَله) من الرّجلة، كقولهم: (رَجَلٌ بَيِّن الرُّجْلة) و (رَجِيلٌ) إذا كان قويًّا على المشي2؛ و (ما أوجهه) بمعنى الوجاهة، وكذلك: (ما أجبهه) من قولك: جَبَهَ3، يجبه4؛ فإن أردتّ بشيءٍ5 من ذلك الخلق الثّابتة من6 الجوارح7 كـ (الرّأس) 8 و (اليد) و (الرّجل) و (الوجه) و (الجبهة) لم يجز9. وتقولُ: (ما أَعْرَجَ زَيدًا) إذا أردتّ عَرَجَ في السُّلَّم10، وكذلك: (ما أَحْوَله) من حال يحول من التّغيّر، و (ما أعمى قلبه11 عن طاعة الله) ؛

فإن أردتّ به العيوب لم يجز1. فما زاد على الثُّلاثيّ نحو2: (انطلق) والألوان، والعُيوب، والخلق؛ [82/ب] يُتعجّب من جميع ذلك بـ (أشدّ) و (أشْدِد) وما جرى مجراهما3؛ تقول: (ما أحسن استخراج زيدٍ) و (اشدد بانطلاقه) و (ما أَشَدّ سَوَاده) و (ما أَصْبَح وجهه) و (ما أَخْفَى عرجَه) و (ما أَحْسَنَ حَوَله) .

ويجوز في فعل التّعجُّب أن يعمل في ظرفي الزّمان والمكان والحال؛ لأنَّ هذه الأشياء مُبيّنةٌ1 ما قبلها وموضِّحة؛ تقول: (ما أحسن زيدًا ضاحكًا!) و (ما أكرم أباك يوم الخميس!) و (ما أجمل خالدًا عندك!) . [ولا يجوز] 2 تقديم3 الظّرفين على فعل التّعجُّب؛ وتقدّمه على المتعجّب منه فيه خلاف، والأقيَسُ جوازُه، وكذلك الجارّ والمجرور4؛

وسيبويه1 يمنع الفصل، وكذلك الأخفش2، والمبرّد3.وكثيرٌ من البصريّين يُجيز4 ذلك؛ منهم الجرميّ5.

والّذي يدلّ على جوازه1: استعمال العرب له نظمًا ونثْرًا؛ فالنّظم كقول الشّاعر: وَقَالَ نَبِيُّ المُسْلِمِينَ تَقَدَّمُوا ... وَأحْبِبْ إِلَيْنَا أَنْ تَكُونَ2المُقَدَّمَا3 وأمّا النّثر فقول عمرو بن معد يكرب4: "مَا أَحْسَنَ فِي الهَيْجَاءِ لِقَاءَهَا!، وَأَكْثَرَ فِي اللَّزَبَاتِ5 عَطَاءَهَا! "6.

ويختصّ فعلُ التّعجُّب بزيادة (كان) معه دون غيرها من الأفعال، نحو: (ما كان أحسن زيدًا) ؛ وزيدت [لتدلّ] 1على أنَّ المعنى المتعجّب منه [83/أ] كان فيما مضى؛ واختصّت2 بعد ذلك بالعوض ممّا منع منه فعل التّعجّب من التّصرّف؛ واختصّت3 (كان) بذلك؛ لأنّها أمّ الأفعال؛ فلا ينفكّ4 [فعل] 5 من معناها غالبًا. والتّعجّب الّذي يأتي بلفظ6 الأمر وليس بأمرٍ؛ لأنَّ معنى7 قولك: (أحسن بزيد) [صار زيد] 8 ذا حسن؛ فإذا كان فِعلاً في اللّفظ وَجَب أن يكون له فاعل؛ وفي الفاعل قولان؛ أصحّهما أنَّ الجارّ والمجرور في موضع الفاعل بمنزلة (كفى بزيدٍ) 9.

والآخر1:ما تقدّم من [أنَّ] 2 الفاعل مضمر لا يظهر قطّ3، والمجرور في موضع نصب4؛ وإنّما لزم هذا حرف الجرّ ليكون فرقًا بين التّعجّب والأمر؛ فلهذا5لم يَجُزْ أن يتقدّم عليه معموله، ولا أن يُجاب بالفاء. وأمّا قولهم: (مَا أَعْظَمَ اللهَ) 6 فهذا على ظاهره فيه حذف مضاف،

[كأنّك قلت: (ما أعظم قدرة الله تعالى وعلمه) وهو في تقدير مضاف] 1، كأنّك قلتَ: (شيء2 نبّهني على عظمته وذكّرنيه3) . وقيل: تقديره: أن يكون المعنى أنّ عباده [سبحانه وتعالى] 4 عظّموه بما استطاعوه5 من الثّناء عليه والتَّمجيد6.

المجلد الثاني

المجلد الثاني القسم الثاني: قسم التحقيق (تابع) النص المحقق (تابع) باب الإغراء والتحذير ... بَابُ الإِغْرَاءِ [وَالتَّحْذِيرِ] 1: وَالنَّصْبُ فِي الإِغْرَاءِ غَيْرُ مُلْتَبِسْ ... وَهْوَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ فَافْهَمْ وَقِسْ تَقُولُ لِلطَّالِبِ خِلاَّ بَرَّا ... دُونَكَ زَيْدًا2 وَعَلَيْكَ عَمْرَا [83/ب] الإغراء هو: التّحضيض على الفعل الّذي يُخشى فواتُه3. والمُغْرَى به منصوبٌ بِلُزوم إضمار العامل4 فيه في ألفاظٍ يختصّ بها التّحذير والإغراء. فالإغراء ألفاظُه: (عليك) - بمعنى: الزم -، و (دونك) و (عندك) و (شأنُك) - بمعنى: خُذْ من حضرتك، وتناول من قريب5-؛ فتقول

من ذلك: (دونك زَيْدًا) و (عليك نَفْسَكَ) و (شَأْنَكَ والْحَجَّ) 1 أي: عليك شأنك والحجّ؛ ومنه: (أَهْلَكَ واللَّيْلَ) 2 أي: بادرهم قبل اللّيل. ولا يجوز تقديم المنصوب بالإغراء على ألفاظه3؛ وهذه الألفاظ تُستعمَل في ضمير4 المخاطَب5.

وتختصّ (على) بشيئين: إدخالها على ضمير الغائب1، وإلحاقُ الباء بمنصوبها2، كقولك: (عليك بتقوى الله) . [والتّحذير] 3 هو4: تنبيه المخاطَب على مكروهٍ ينبغي الاحترازُ منه بألفاظٍ؛ وهي: (إيّاكَ) - بمعنى: احذر -، و (إليك) - بمعنى: تَنَحّ -؛ تقول مِن ذلك: (إيّاك والأسدَ) ؛ فهو مفعولٌ بفعلٍ لا يجوزُ إظهارُه [84/أ] ؛ لأنّه قد كثُر به التّحذير، وجُعِلَ بدلاً من اللّفظ بالفعل5؛ سواءٌ كان معطوفا عليه، نحو: (إيّاكَ والشّرَّ) ، أو مكرّرًا، نحو: فَإِيَّاكَ6 إِيَّاكَ المِرَاءَ فَإِنَّهُ7 ... ................................

أو مفرَدًا، نحو: (إِيَّاكَ الأَسَدَ) 1. فإنْ كان التّحذير بغير (إيّاكَ) ونحوه كان المحذّر2 منصوبا بفعل جائز الإضمار والإظهار إلاّ مع العطف والتّكرار؛ تقولُ: (نَفْسَكَ الشَّرَّ) أي: جنِّب نفسك الشّرّ؛ وإن شئتَ أظهرتَ الفعل، فتقولُ [نفسك والأسد، أي] 3: (قِ4 نَفْسك واحذر الأسد) ؛ ومثله: (مَازِ رَأْسَكَ والسَّيْفَ) 5 أي: يا مَازِنُ6 قِ7 رَأْسَكَ واحْذَر السَّيْفَ.

وَتَنْصِبُ الاسْمَ الَّذِي تُكَرِّرُهْ ... عَنْ عِوَضِ الفِعْلِ1 الَّذِي لاَ تُظْهِرُهْ مِثْلُ مَقَالِ الخَاطِبِ الأَوَّاهِ ... اللهَ اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ الفعل قد يعمل محذوفا إذا دلّت الحالُ عليه؛ وذلك أن ترى إنسانا قد دخل أَجَمَةً2 فتقول: الأسد، أي: احْذرِ الأسد؛ ويجوز إظهارُ الفعل النّاصب. فإن كرّرت الاسم قام تكريرُه مقام إظهار الفعل، ولم يجز إظهارُه3، كقولك: [84/ب] (الأسدَ الأسدَ) ، وللمُجِدِّ في سيرٍ: (السُّرعةَ السُّرعةَ، النَّجاءَ النَّجاءَ) ، ومنه قولُ الخطيب: (اللهَ اللهَ عِبَادَ اللهِ) ؛ وكان الأصل: (اتّقوا اللهَ) فقام التّكريرُ مقام الفعل المحذوف4.

وقد جاء التّحذير للغائب1؛ وهو شاذّ2، ومنه قولُ بعضِهم3:

(إِذَا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فَإِيَّاهُ [وَإِيَّا] 1 الشَّوَابِّ) .

_ 1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

باب إن وأخواتها

بَابُ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا: وَستَّةٌ تَنْتَصِبُ1 الأَسْمَاءُ ... بِهَا كَمَا تَرْتَفِعُ2 الأَنْبَاءُ وَهْيَ إِذَا رَوَيْتَ أَوْ أَمْلَيْتا ... إِنَّ وَأَنَّ يَا فَتَى وَلَيْتَا ثُمَّ كَأَنَّ ثُمَّ لَكِنَّ وَعَلَّ ... وَاللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ الْفُصْحَى لَعَلَّ هذه الحروف تجري في العمل مجرى (كان) في دخولها على المبتدأ والخبر؛ مع اختلاف العمل. عملها3 في المبتدأ والخبر، عكس عمل (كان) ؛ فالمعمولان معها4 كمفعولٍ قُدِّم، وفَاعلٍ أُخِّرَ5. وهي: (إِنَّ) و (أَنَّ) 6 وهما للتّأكيد؛ وبينهما فرق نذكره7. و (كأَنَّ) للتّشبيه؛ وهذا الحرف مركّبٌ8؛ لأنّ الأصل في قولهم: (كأنّ

زيدًا أسدٌ1) أنّ زيدًا كالأسد، فأُريد المبالغة في التّشبيه؛ فقُدِّمت الكاف وجُعِلت مع (إنَّ) كالشّيء الواحد، فصارت غير متعلِّقة بعاملٍ2، بعد أنْ كانت متعلّقة [85/أ] ، وصارت حرفا لا غير، بعد أنْ كانت صالحة للاسميّة. وتخفّف (كَأنَّ) فيبطُل3 عملها؛ قال الشّاعر:

وَنَحْرٍ مُشْرِقِ اللّوْنِ ... كَأَنْ ثَدْيَاهُ حُقَّانِ1 وباقي هذه الحروف مفردة2.

وَ (لَعَلَّ) مختَلَفٌ1 فيه2، والصّحيح إفرادُه3؛ وفيه لُغات4؛ وهي: (لَعَلَّ) و (عَلَّ) و (لَعَنَّ) و (عَنَّ) و (لأنّ) و (أَنّ) . ومعناه: التّوقُّع لمرجوّ، أو مخوفٍ من الطّمع5 والإشفاق.

وقد جاءت شبيهة ب (عسى) في الشّعر1 باقتران (أَنْ) في2 خبرها، كقول مُتمّم بن نويرة: لَعَلَّكَ يَوْما أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ ... عَلَيْكَ مِنَ اللاَّئِي3 يَدَعْنَكَ أَجْدَعَا4 وقد جُرّ ب (لعلَّ) في النّظم؛ ومنه قولُ الشّاعر: ................................... ... لَعَلَّ أَبِي المِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ5

والمبرّد1 يرى2 أنّ أصلها (علّ) 3 زيدت عليها لامُ الابتداء. و (ليت) معناه: التّمنّي؛ وهو طلب ما لا طمعَ4 فيه؛ كقولك: (ليت الشّباب يعودُ) ؛ وقد ينصب5 بعدها الاسمان؛ وفي نصبهما6 ثلاثةُ أقوالٍ: فعند بعضِهم7: أنّه يحذف الخبر؛ كقول الرّاجز:

يا لَيْتَ أَيامَ الصِّبا رَوَاجِعا1 [85/ب] وقول الفرّاء2 إنّ الاسمين3 منصوبان ب (ليت) ؛ لأنّها بمنزلة تمنيّت4. وقول الكسائيّ5 إنّه على تقدير (كان) ؛ لكثرة استعمالها معها، كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا} 6، [و] 7 {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} 8.

و (لَكِنَّ) للاستدراك؛ وهو تعقيبُ الكلام برفع ما توهّم1ثبوته، كقولك: (ما زيدٌ شُجاعا ولكنَّه كريم) أوهم ذلك نفي الكرم؛ لأنّهما كالمتضايفين2، فارتفع3 ذلك ب (لَكِنّ) . و (إِنّ) هي أصلُ الباب؛ ومعناها - كما تقدّم -: توكيد الحكم، وقد تكون بمعنى (نَعَمْ) 4، كقوله: بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبُو ... حِ5 يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ وَيَقُلْنَ شَيْبٌ6 قَدْ عَلاَ. ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ: إنَّهْ7 أي: نعم.

وقد تكون فعلاً إذا وردت ساكنة بمعنى الأمر، كقولك: (إِنْ) من يَئِنّ. والمفتوحة تكون بمعنى (لعلّ) ، ومنه قولهم: (إئتِ1 السُّوقَ لأنّكَ تشتري لنا شيئا2) أي: لَعَلّكَ. وتبدل قيس وتميم3 همزتها عينا، فتقول: (عنّي منطلق) فتقول4 فيها: (إنّ زيدًا عالم) و (حقّقت أنّ خالدًا صديق) و (لَكِنَّ أخاه منطلق) [86/أ] و (كأنّ أباهُ الأسد) و (ليت عبد الله مقيم) و (لعلّ أخاهُ راحلٌ5) . فهذه6 الحروف [عملت] 7 لَمّا أشبهت الأفعال الماضية في البناء على الفتح؛ ولتضمُّنها ما تضمّنت [من] 8 معانيها؛ وباتّصالها بنون الوقاية الّتي تقي الفعل من الكسر9؛ وهي في ذلك10 على ثلاثة أضرُب:

ضربٌ منها يستوي فيه إثبات النّون وحذفها، وذلك مع (إنّ) و (أنّ) و (لكنّ) 1، تقول: (إنّي قائم) و (إنّني) ، ومنه قولُه تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ} 2، و {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} 3؛ فحجّة مَن أثبت تمسُّكُه بالأصل4؛ وحجّة الحذف اجتماع الأمثال من النّون، فاستُغْنِيَ ببعضها عن البعض5. واختُلف في المحذوفة: فقيل: هي الأولى؛ لأنّها لمّا اعتلّت بالسّكون اعتلّت بالحذف6.

وقيل: إِنَّها الوُسطى؛ لأنّها في محلّ اللاّمات الّتي يلحقها التّغيير غالبا1. وقيل2: هي الأخيرة3؛ لأنّها الّتي تناهى بها الثّقل4. الضّرب الثّاني: ما5 الأقيسُ فيه ثبات النّون، والأحسنُ حذفها6؛ وهي (لَعَلَّ) ؛ لأنّ القُرآن العظيم جاء بحذفها من نحو قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} 7، وقد أُلحقت8 النّون9 في ضرورة 10 [86/ ب]

الشّعر، كقول الشّاعر: فَقُلْتُ: أَعِيْرَانِي الْقَدُومَ لَعَلَّنِي ... أَخُطُّ بِهَا قَبْرًا لأَبْيَضَ مَاجِدِ1 الضّرب الثّالث2: ما3 الأقيس فيه [حذف النّون] 4، والأحسن إثباتُها؛ وهي (ليت) 5، كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيما} 6؛

لأنّه لم يجتمع فيه الأمثال، ولا1 المتقاربة؛ فلم يأت الحذف إلاّ في الشّعر، ومنه قولُه2: كَمُنْيَةِ جَابِرٍ إِذْ قَالَ لَيْتِي ... أُصَادِفُهُ وَأَفْقِدُ بَعْضَ مَالِي3 وهذا نادر4. وَإِنَّ بِالْكَسْرَةِ أُمُّ الأَحْرُفِ ... تَأْتِي مَعَ الْقَوْلِ وَبَعْدَ الحَلِفِ وَاللاَّمُ تَخْتَصُّ بِمَعْمُولاَتِهَا ... ليستبين فضلها في ذاتها

مِثَالُهُ: إِنَّ الأَمِيرَ عَادِلُ ... وَقَدْ سَمِعْتُ: أَنَّ زَيْدًا رَاحِلُ وَقِيلَ: إِنَّ خَالِدًا لَقَادِمُ ... وَإِنَّ هِنْدًا لأَبُوهَا عَالِمُ قال شيخُنا1- رحمه الله -: "المواضع الّتي يجب فيها كسر (إنّ) ستّة2: الأوّل: أن يبتدأ بها الكلام مستقلاًّ، نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 3، [أو] 4 مبنيا5 على ما قبله، نحو: (زيدٌ إنّه منطلق) ، قال الشّاعر: مِنَّا الأَنَاةُ وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَحْسِبُنَا ... إِنَّا بِطَاءٌ وَفِي إِبْطَائِنَا سَرَعُ6

الثّاني: أنْ تكون1 [أوّل] 2صلة، كقولك: (جاءني الّذي إنّه شُجاع) ، ونحوه3 قولُه تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} 4. [87/أ] [واحتُرز بكونها أوّل الصّلة من نحو: (جاء الّذي عندك أنّه فاضل) ، ومن نحو] 5 قولهم6: ( [لا] 7أفعله ما أنّ في السّماء نجما) ؛ لأنّ تقديره: ما ثبت أنّ8 في السّماء نجما. الثّالث9: أن يتلقّى بها القسم، كقوله: {حَم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} 10.

الرّابع: أن يحكى بها القول؛ وهو: مجرّدًا من معنى الظّنّ، لقوله تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ} 1؛ [واحترزت بـ] 2 تجريده من معنى الظّنّ، من نحو: (أتقولُ أنّك فاضل) . الخامس: أنْ تقع موقع الحال، نحو: (زرتُكَ وإنّي ذو أمل) كأنّك قلتَ: زُرته آملاً. السّادس: أنْ تقع بعد فعل معلّق3 باللاّم، نحو: (علمت إنّه لذو أمل) ٍ فلولا اللاّم لكانت (إنّ) مفتوحة؛ لكونها وما عملت فيه تقدّر4 بمصدرٍ منصوب بـ (علمت) ؛ فدخلت اللاّم فعلّقت الفعل عن العمل، كما قال تعالى: {وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} 5. وكسر (إِنَّ) في الخمسة الأولى6 واجب7؛ لأنَّها مواضع الجمل ولا يصحّ فيها وُقوع المصدر". وتدخُلُ لام التّاكيد على معمول (إنّ) 8؛ وذلك إنّها9 و (إنّ)

معناهما التّأكيد؛ فلزم الفصل بينهُما كيلا يجمع1بين حرفين متّفقي المعنى؛ فإذا [ادخلوا (إنّ) على المبتدأ] 2 ادخلوا اللاّم على الخبر، كقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} 3؛ فإن أُخِّر الاسم [وحلّ في محلّ الخبر] 4، وفصل بينه وبين (إنّ) بجارّ ومجرور أو ظرفٍ5 [أُدخلت اللاّم على الاسم، كقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً} 6. وإن فصل بين اسم (إنّ) والخبر بجارّ ومجرور أو ظرفٍ] 7؛ جاز إدْخالُ اللاّم على الفاصل8 وعلى الخبر9، تقول: (إنّ زيدًا لَبِكَ10 واثق11) ، ونحوه12 قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 13. [87/ب]

ولا يجوز: (لإنّ زيدًا منطلقٌ) - بفتح اللاّم وكسر إنّ -، ولا: (إنّ لزيدًا منطلق) لئلاَّ يجمع بين حرفين مؤكّدين -كما تقدّم -. وتُكسر بعد (حَتَّى) الّتي يبتدأ بها الكلام؛ فتقول1: ( [قد] 2 قال القومُ ذلك حتَّى إنّ زيدًا يقولُه) وهي بعد العاطفة، والجارّة مفتوحة3. وأمّا مواضع المفتوحة4: فهي تفتح إذا وقعت موقع الفاعل، كقولك: (أعجبني أنّك قائم) ، أو موقع المفعول، كقولك: (كرهت أنّك ذاهب) أو مجرورة 5،

كقولك: (عجبت من أنّك قائم) ؛ لأنّها في هذه المواضع واقعة موقع المصدر، مختصّةٌ بالاسم؛ لتقدير: أعجبني قيامك، وكرهت ذهابك، وعجبت من قيامك. وكذلك1 تُفتح بعد (لو) و (لولا) ، نحو: (لو أنّك عرفتني لساعدتّك) ، ومنه قولُه تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} 2 لاختصاصها بالفعل؛ و (لولا أنّك خرجت لساعدتّك) لاختصاصها بالاسم3. والموضع الّذي يجوز [فيه] 4 الكسر والفتح؛ فيكونُ5 على تأويلين، [88/أ]

مثالُ ذلك: (سَأَلْتُ عنه فإذا أنَّهُ عبد) و (إذا إنَّهُ عبد) 1؛ فمن فَتح أراد العبوديّة نفسها، ومَن كسر أراد العبد نفسه؛ تقدير الفتح: مشاهدة [نفس] 2 المعنى الّذي هو الخدمة، وتقدير الكسر: مشاهدة الشّخص نفسه على غير صفة العمل؛ ففتحت موضع المفرد3، وكسرت موضع الجملة، تقديره4: فإذا هو عبد. ومن ذلك: (أوّل ما أقول: أنّي أحمد الله) و (إِنِّي) 5 [- بالفتح والكسر -،فتقدير الفتح: أَوّلُ قَوْلِي] 6 حَمْدُ7 الله فهو هو؛ وإذا كان كذلك فهو المبتدأ8 في المعنى، والمبتدأ يختصّ بالاسم؛ فلذلك فُتحت. وتقدير الكسر مستنبط لا من اللّفظ لأنّه لا خبر معنا حيث كانت مكسورة متّصلة بالقول؛ فإذا لم يكن في اللّفظ صَلَحَ أن يقدّر بالثّبات

والوُجود حسب ما تدلّ عليه الحال؛ وتلخيصُه: أوّل ذلك ثابت؛ فالتّأويلان مختلفان معنىً وإعرابا1. فإنْ عطف2 على اسم (إِنَّ) فحقّ المعطوف النّصب، نحو: (إنّ زيدًا وعمرًا في الدّار) - بالنّصب -، قال الرّاجز: إِنَّ الرَّبِيْعَ الْجَوْنَ وَالْخَرِيفَا ... يَدَا أَبِي الْعَبَّاسِ وَالصُّيُوفَا3

وقد يرفع على محلّ [اسم] 1 (إنّ) في الابتداء؛ وذلك إذا جاء بعد اسمها وخبرها، [88/ب] ومنه قولُالشّاعر: إِنَّ النُّبُوَّةَ وَالْخِلاَفَةَ فِيهُمُ ... وَ2 المَكْرُمَاتُ وَسَادَةٌ أَطْهَارُ3 ويجوز أن تخفّف (أنّ) المفتوحة فلا4تلغى، ولا يظهر اسمها إلاَّ لضرورة، كقوله: لَقَدْ عَلِمَ الضَّيْفُ وَالمُرْمِلُونَ ... إِذَا اغْبَرَّ أُفْقٌ وَهَبَّتْ شَمَالاَ بِأَنْكَ رَبِيعٌ وَغَيْثٌ مَرِيعٌ ... وَأَنْكَ هُنَاكَ تَكُونُ الثِّمَالاَ5

ولا يجيء خبرها إلاّ جملة؛ إمّا اسميّة، وإمّا مصدّرة1 بفعل مضمّن دعاء2.

فالاسميّة كقوله: فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ1 والمصدّرة بالفعل كقولك: (وبعد أَنْ أحسن الله إليك إنْ كنتَ مطيعَه) .

وقد يأتي بعدها الماضي مفصولاً1ب (قد) ، كقولك: (علمت أَنْ قد [قام] 2) . والمضارع مفصولاً3بحرف تنفيس، كقوله تعالى: { [عَلِمَ] 4 أَن سَيَكُونُ مِنْكُم مَّرْضَى} 5، ورُبّما جاء الفعل غير مفصول6، كقول الشّاعر: عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلونَ فَجَادُوا ... قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوا بِأَعْظَمِ سُؤْلِ7 [89/أ] وَلاَ تُقَدِّمْ خَبَرَ الْحُرُوْفِ ... إِلاَّ مَعَ الْمَجْرُورِ وَالظُّرُوفِ كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ لِزَيْدٍ مَالاَ ... وَإِنَّ عِنْدَ عَامِرٍ جِمَالاَ

هذه الحروف لا يجوز تقديم أخبارها، ولا أسمائها [عليها] 1؛ لأنّها لَمّا لم تتصرّف في أنفسها لم تتصرّف في عملها؛ فلذلك لا يجوز: (زيدًا إنّ قائم) [ولا (قائم] 2 إنّ زيدًا) ؛ فإن أتيت بضميره جاز، كقولك: (زيدٌ إنّه قائم) . وأخبارها لم تقدّم3على أسمائها إلاّ أن تكون ظروفا، أو جارًّا ومجرورًا4؛ فإنّه يجوز التّقديم والتّأخيرُ ما لم يمنع مانع؛ وقيل: إنّ ذلك لا يخلو من ثلاث مسائل: الأولى: لا يكون5الظّرف فيها إلاّ مقدَّما6؛ مثل: (إنَّ قدّام زيد أباه) ، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً} 7. الثّانية: لا يكون الظّرف [فيها] 8 إلاَّ مؤخّرًا9؛ مثل: (إنّ زيدًا لقدّامك) .

الثّالثة: يجوز فيها الأمران؛ نحو: (إنَّ عِنْدَك زيدًا) و (إنَّ زَيْدًا عِنْدَكَ) ؛ وتقديم1 الظّرف أجود. وكذلك الجارّ والمجرور، نحو: (إنَّ زيدًا لفي الدّار) و (إنَّ في الدّار لزيدًا) . وعلّة جواز تقديم ذلك: أنّ العرب [89/ ب] قد اتّسعت في الظّروف وحروف الجرّ اتّساعًا لم تتّسع2 مثله في غيرها؛ بدليل أنَّهم فصلوا بهما3 بين المضاف والمضاف إليه، كقول الشّاعر: لِلَّهِ - دَرُّ الْيَوْمَ - مَنْ لاَمَهَا4 ففصل بالظّرف. وقال الآخر: كَأَنَّ أَصْوَاتَ - مِنْ إِيْغَالِهِنَّ بِنَا - ... أَوَاخِرِ المَيْسِ أَصْوَاتُ الْفَرَارِيجِ5

وإذا ثبت1 هذا كان في باب (إنَّ) وأخواتها المشبّهات بالأفعال أحرى؛ فلذلك جاز: (إنَّ عِنْدَك زيدًا) و2 (لعلّ له عُذرًا) إلاّ أنّ ههنا سرًّا وهو: أنّ الاستقرار العامل في الظّرف مقدّر3 في مثل هذا آخِرًا لا أوّلاً؛ فهذا4 أوجُه الاتّساع المقدّر في الظّرف. وَإِنْ تَزِدْ (مَا) بَعْدَ هَذِى الأَحْرُفِ ... فَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ أُجِيزَ فَاعْرِفِ وَالنَّصْبُ فِي لَيْتَ5 وَعَلّ أَظْهَرُ ... وَفِي كَأَنَّ فَاسْتَمِعْ مَا يُؤْثَرُ

(ما) تدخُل على هذه الحروف فتكفّها عن العمل؛ فهي إمّا الكافّة، وإمّا الزّائدة1؛ ومنه2 قولُه تعالى: {إِنَّمَا اللهُ إِلَهُ وَاحِدٌ} 3. [90/أ] وهي إذا كانت مَعَ (إنّ) و (أنَّ) و (لَكِنَّ) فالأحسن الأقيس إبطال عملها، وجعل (ما) كافّة4؛ واختير الرّفع في هذه الثّلاثة؛ لأنّ معنى الابتداء لا يتغيّر فيها، ويتغيّر في الثّلاثة الأُخر5. فإن دخلت على (ليت) و (لعلّ) و (كأنّ) كان6 الأقيس إعمالُ هذه الحروف، وجعل (ما) زائدة7؛ لأنّ هذه الحروف لَمّا

كانت تغيّر اللّفظ والمعنى قوي شبهها بالأفعال، وضعُف إبطال عملها؛ وعلى هذا أنشدوا1 بيت النّابغة؛ وهو: قَالَتْ أَلاَ لَيْتَمَا هَذَا الْحَمَامَ لَنَا ... إِلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفُهُ فَقَدِ2 وقد يجوز الرّفع. ولقوّة شبهها بالأفعال عملت في الأحوال؛ وقيل: إنّ الإعمال يجوز ل (ليت) دون أخواتها3.

وروى ابنُ بَرْهَان1: "أَنَّ الأخفش رَوَى: إنَّما زَيْدًا2 قَائِمٌ، وعزاه إلى الكسائيّ". وهو غريب3. والحروف تُذكّر وتُؤنّث؛ بدليل قول الشّاعر في التّأنيث: ................................... ... كَمَا بُيِّنَتْ4 كَافٌ تَلُوحُ وَمِيْمُهَا5

وفي التّذكير كقول الرّاجز: كَافا وَمِيْمَيْنِ وَسِيْنا طَاسِما1 [90/ب]

_ 1 هذا بيتٌ من الرّجز المشطور، ولم أقف على قائله. والقولُ في معناه كسابِقه من تشبيه آثار الدّيار. والشّاهد فيه: تذكير (طاسم) وهو نعت ل (السّين) لأنّه أراد الحرف، ولو أمكنه التّأنيث على معنى الكلمة لجاز. يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 3/260، والمذكّر والمؤنّث لأبي حاتم السّجستانيّ 180، والمقتضب 4/40، والمذكّر والمؤنّث للأنباريّ 450، وسرّ صناعة الإعراب 2/782، والمخصّص 17/49، والنّكت 2/846، وشرح المفصّل 6/29، واللّسان (موم)

باب كان وأخواتها

بَابُ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا: وَعَكْسُ إِنَّ يَا أُخَيَّ فِي الْعَمَلْ ... كَانَ وَمَا انْفَكَّ الْفَتَى وَلَمْ يَزَلْ وَهَكَذَا أَصْبَحَ ثُمَّ أَمْسَى ... وَظَلَّ ثُمَّ بَاتَ ثُمَّ أَضْحَى ثُمَّ1 صَارَ ثُمَّ لَيْسَ مَا بَرِحْ2 ... وَمَا فَتِىءْ فَافْهَمْ3 بَيَانِي المُتَّضِحْ وَأُخْتُهَا مَا دَامَ فَاحْفَظَنْهَا ... وَاحْذَرْ هُدِيتَ أَنْ تَزِيغَ عَنْهَا تَقُولُ: قَدْ كَانَ الأَمِيرُ رَاكِبًا ... وَقَامَ قُسٌّ فِي عُكَاظٍ خَاطِبًا4 وَأَصْبَحَ الْبَرْدُ شَدِيدًا فَاعْلَم ... وَبَاتَ زَيْدٌ سَاهِرًا لَمْ يَنَمِ اعلم أنّ (كان) وأخواتها ثلاثة عشر فعلاً. قيل5: إنّ دخولها على المبتدأ والخبر على خلاف القياسِ؛ لأنّها أفعال، وحقّ الأفعال أن تُنسب معانيها إلى المفردات لا الجمل؛ فإنّ ذلك للحروف6، نحو: (هل جاء زيدٌ) و (ليته عندنا) . [91/ أ]

لكنّهم توسّعوا في هذه لكونها لا تتمّ بالفاعل؛ فنسبوا معانيها إلى الجمل، فأدخلوها على المبتدأ والخبر على نسبة معانيها [إلى مضمونها] 1؛ فرفعوا بها المبتدأ تشبيهًا بالفاعل، ونصبوا الخبر تشبيهًا بالمفعول، سواءً تأخّر أو تقدّم، نحو: (كان زيد قائمًا) و (كان جوادًا حاتم) . ويسمّى المرفوع في هذا الباب اسمها، والمنصوب خبرها. فمعنى (كان) : وجد؛ وهي أصل الباب؛ لأنّ كلّ شيء داخل تحت الكون؛ فلا2 ينفكّ شيء من الأفعال عن3 معناه؛ ولأنّها تتصرّف تصرّفًا ليس لغيرها بانقسامها أربعة أقسام4. ومعنى (ظَلّ) : أقام نهارًا. و (بات) : أقام ليلاً. و (أضحى) و [أصبح] 5 و (أمسى) : دخل في الضُّحى، والصّباح، والمساء6.

و (صار) : تجدّد. و (ليس) : نفي الحال؛ فإن نفت غيره فبقرينةٍ1، كقول الشّاعر: وَ2 مَا مِثْلُهُ فِيهِمْ وَلاَ كَانَ قَبْلَهُ ... وَلَيْسَ يَكُونُ الدَّهْرَ3 مَا دَامَ يَذْبُلُ4 ومعنى (زال) : انفصل، وكذا (برح) و (فتىء) و (انفكّ) . ومعنى (دام) : بقيَ. وهي في العمل على ثلاثة أقسام: قسمٌ يعمل بلا شرط؛ وهي: (كان) و (أصبح) و (أمسى) [91/ب] و (ظلّ) و (أضحى) و (بات) و (صار) و (ليس) . وقسمٌ يعمل بشرط تقدُّم نفي أو شبهه؛ وهو: (زال) و (برح) و (فتىء) و (انفكّ) ؛ كقولك: (ما زال زيدٌ عالمًا) و (ما فتىء محمّد صادقًا) و (لن يبرح خالدٌ كريمًا) و (ما انفكّ عمرو جوادًا) .

وقد يغني معنى النّفي عن لفظه، كقوله تعالى: { [تَاللَّهِ] 1 تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} 2، وقال الشّاعر: تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيْـ ... ـتَ بِهَالِكٍ حَتَّى تَكُونَهْ3 والنّهي4 يشبه النّفي، كقول الشّاعر: صَاحِ شَمِّرْ وَلاَ تَزَلْ ذَاكِرَ الْمَوْ ... تِ فَنِسْيَانُهُ ضَلاَلٌ مُبِينُ5

ومتى خَلَت هذه الأفعال الأربعة عن نهيٍ، أو نفيٍ ظاهرٍ، أو مقدَّرٍ، فإنّها لا تعمل العمل المذكور. وقسم يعمل بشرط تقدّم (ما) المصدريّة النّائبة عن الظّرف عليه؛ وهي: (دام) كقول شيخنا1- رحمه الله [تعالى] 2 -: "كأعط ما دمت مُصيبًا درهمًا، أي: مدّة دوامك مصيبًا. فعملت لكونها3صلةً لـ (ما) فإنْ كانت (ما) غير نائبة عن الظّرف لم يصحّ العمل". فـ (أصبح) و (أمسى) أختان؛ لأنّهما طرفا الزّمان. و (ظلّ) و (أضحى) أختان؛ لأنّهما لصدر النّهار. و (ظلّ) - أيضًا - أُخت (بات) ؛ لدلالتهما [92/أ] على سائر مدّة النّهار واللّيل. وقيل: (بات) و (صار) أُختان؛ لاعتلال عينهما.

وقيل: ذلك في (كان) و (صار) ؛ لاستعمال (كان) في موضع (صار) ، ومنه قولُ الشّاعر: ثُمَّ كَانُوا كَأَنَّهُمْ وَرَقٌ جَـ ... ـفَّ1............................ و (ما زال) و (ما بِرَح) و (ما فتىء) و (ما انفكّ) و (ما دام) أخواتٌ؛ لتقدُّم (ما) عليها. و (ليس) منفردة2؛ لكونها غير متصرّفة. وما تصرّف من هذه الأفعال فللمضارع منه وللأمر ما للماضي من العمل؛ تقولُ: (يكون زيدٌ فاضلاً) و (كن عَالِمًا أو متعلِّمًا) ؛ قال الله تعالى: {كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} 3.

ويجري المصدر واسم الفاعل في ذلك مجرى الفعل؛ تقول: (أعجبني كونُ زيدٍ صديقَك) ، وقال الشّاعر: وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي الْبَشَاشَةَ كَائِنًا ... أَخَاكَ إِذَا لَمْ تُلْفِهِ لَكَ مُنْجِدَا1 وإذا وقع بعد2هذه الأفعال جارّ ومجرور أو ظرف كان ما بعد المخفوض مرفوعًا اسمًا لها، وكان المجرور خبرًا لها؛ كقولك: (كان في الدّار زيدٌ) و (كان عندك عمرو) ، ومنه قولُه تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} 3. وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يَجْعَلَ الأَخْبَارَا ... مُقَدَّمَاتٍ فَلْيَقُلْ مَا اخْتَارَا مِثَالُهُ: قَدْ كَانَ سَمْحًا وَائِلُ ... وَوَاقِفًا بِالْبَابِ أَضْحَى السَّائِلُ [92/ب] خبر هذه الأفعال على أربعة أقسام: خبرٌ لا يكون إلاّ مقدّمًا4؛ وهو إذا كان اسم استفهام، كقولك: (مَنْ كان أخوك؟) و (كيف أصبح زيد؟) و (أين أمسى عمرو؟) .

وخبرٌ لا يكون إلاّ مؤخّرًا بعد الفعل؛ وهو ما كان من الأفعال الّتي تلتزم بتقدّم1 (ما) عليها غالبًا؛ والخبر ههنا لا يجوز تقدمّه على (ما) ؛ لأنّ لها صدر الكلام2. وخبرٌ في تقديمه خلاف3؛ وهو خبر (ليس) ؛ لإجرائها مجرى أخواتها في العمل، ولم يختلفوا في تقديم خبرها على اسمها.

وخبرٌ أنت المخيّر في تقديمه وتأخيره وتوسّطه؛ وهو (كان) وما كان عاريًا من النّفي؛ فتقول: (قائمًا كان زيد) ، ومنه قولُه تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} 1 و (مسرورًا ظلّ عمرو) و (أصبح صائمًا خالد) ؛ لأنّ هذه الأفعال لَمّا تصرّفت في أنفسها تصرّفت في معمولها لعدم المانع. وكلّ ما كان خبرًا لمبتدأ جاز2 أنْ يكون خبرًا لهذه3 الأفعال. فإنْ وقع الخبر فعلاً ماضيًا فهو مستكرَهُ؛ لأنّه مثلها، ولا يحسُن إلاّ أنْ يكون معه (قد) ملفوظًا بها أو مقدّرة؛ فتقولُ: (كان زيدٌ قد قام أمس وإن كان عَمِلَ خيرًا فهو مُجْزء به) ؛ وحَسَّنَ التّقدير كون الكلام شرطًا، ومنه قولُه تعالى: {وَإِنْ كَانَ قَمِيْصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} 4. [93/أ] وأمَّا (ليس) فلا يكون خبرها بالماضي؛ لأنّ حقيقتها نفي الحال. وهذه الأفعال سُمِّيت ناقصة؛ لأنّها سُلِبت الدّلالة على الحدَث5.

ومن هذه أفعال يجوز أن تجري على القياس فتكتفي بالإسناد إلى الفاعل، وتُسمّى حينئذٍ تامّة، بمعنى: أنّها لم تحتج1 إلى خبر، وذلك نحو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} 2، وقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} 3، ومنه قولُ الشّاعر: وَبَاتَ وَبَاتَتْ لَهُ لَيْلَةٌ4 ... ..........................

وَإِنْ تَقُلْ: يَا قَوْمِ قَدْ كَانَ الْمَطَرْ ... فَلَسْتَ تَحْتَاجُ لَهَا إِلَى خَبَرْ وَهَكَذَا يَصْنَعُ كُلُّ مَنْ نَفَثْ ... بِهَا إِذَا جَاءَتْ وَمَعْنَاهَا حَدَثْ (كان) لها أربعة أقسام: تكون ناقصة، وتكون زائدة، وتكون بمعنى (صار) ، [93/ب] وتكون تامّة. والنّاقصة1 على ضربين: الأوّل: كقولك: (ما كان زيدٌ قائمًا) ؛ فهذه مسلوبة المصدر، ولا تدلّ على الحدَث، ولا تعمل في الفضلات من الحال، ولا الظّرفين - عند المحقّقين -، وأنّه لا يجوز حذف منصوبها، ولا يُبنى [منها] 2 ما لم يسمّ فاعله، وأنّها يجوز حذف نون مستقبلها في بعض الأحوال3. الثّاني4: كقولك: (ما كان زيدٌ قائم) - بالرّفع - على إسناد الفعل

إلى ضمير الشّأن والقصّة1، والجملة بعده خبر؛ كما إذا وقع المبتدأ والخبر بعده مرفوعين2، ومنه قولُ الشّاعر: إِذَا مُتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ مُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ3 فهذه الجملة لا يجوز أن تتقدّم على (كان) ، ويجو في الأولى؛ وهذه

لا تحتاج فيها إلى عائد، وتحتاج في الأخرى. والتّامّة تتميّز1 عن النّاقصة بأشياء: منها: أنّها تحتاجُ2 إلى اسم واحد يكون فاعلاً، وأنّها فعل حقيقيّ يدلّ على الزّمان والحدَث، كالحدوث3 والوُقوع. ومنها: أن يستعمل منها المصدر المنصوب؛ كقولك: (كان، يكون، كونًا) بمنزلة حدث، حُدوثًا، ومنه4 قولُ الشّاعر: إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَأَدْفِئُونِي ... فَإِنَّ الشَّيْخَ يَهْدِمُهُ الشِّتَاءُ5 [94/أ] وأمّا الزّائدة فإنّها لا تحتاج إلى اسمين، ولا إلى اسم واحد؛ فهي تقع [في] 6 وسط الكلام وآخره لا أوّله؛ ولا يتصرّف فيها بمستقبل7 ولا أمرٍ،

ولا نهيٍ، ولا اسم فاعلٍ. وتتعيّن زيادتها إذا وقعت بين (ما) وفعل التّعجُّب، نحو: (ما كان أحسنَ زيدًا) 1، وبين الجارّ والمجرور، كقول الشّاعر: سَرَاةُ بَنِي [أَبِي] 2 بَكْرٍ تَسَامَى ... عَلَى كَانَ المُسَوَّمَةِ العِرَابِ3 و [نَدَر] 4 زيادتها بلفظ المضارِع، كقول أُمِّ عَقِيل5:

أَنْتَ تَكُونُ مَاجِدٌ جَلِيلٌ1 ... .................................. وشَذَّ زيادة (أصبح) و ( [أمسى] 2) في قولهم: (مَا أَصْبَحَ أَبْرَدَهَا، وَمَا أَمْسَى أَدْفَأَهَا!) 3. والّتي بمعنى (صار) ، كقول4 الشّاعر: ثُمَّ كَانُوا5 كَأَنَّهُمْ وَرَقٌ جَـ ... ـفَّ فَأَلْوَتْ بِهِ الصَّبَا وَالدَّبُورُ6

وإذا اجتمع في باب (كان) النّاقصة معرفة ونكرة؛ فالاسم المعرفة، والخبر النّكرة، كالحكم1في المبتدأ. وأنت مخيّرٌ إذا كانا معرفتين في جعلك أيّهما شئت الاسم والآخر الخبر؛ للتّساوي في التّعريف إلاّ أن يكون [94/ ب] أحدهما أعرف من الآخر، كالضّمير2 مع العلم، والعلم مع المُبْهَم، والمُبْهَم مع المعرّف بالألف واللاّم، والألف واللاّم مع المضاف. فقولُك3: (كان زيدٌ صديقك) أحسن من قولك: (كان صديقك زيدًا) ، وعلى ذلك يُقاسُ الباقي. ويكونان مختلفين؛ أحدهما معرفة، والآخر نكرة؛ فإنْ كان الكلام نَثْرًا لم يكن الاسم إلاّ معرفة، وإنْ كان شعرًا جاز أن يجعل4 الاسم [نكرة] 5 والخبر معرفة للضّرورة، كقول حسّان بن ثابت [رضي الله عنه] 6: كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ7

وفي هذا البيتُ ثلاث روايات: رفعُ (العسل) و (المزاج) ؛ وهذا على ضمير الشّأن والقصّة1.

ويروى برفع (المزاج) ونصب (العسل) ، و (الماء) مرفوع بتقدير فعلٍ، والتّقدير: خالطها ماء1. الثّالثة: ما عليه البيت2؛ وفيه قولٌ لأبي عليّ الفارسيّ يخرجه3 من حيّز الضّرورة، قال4: "مزاجُها ينتصب5 على الظّرف6 تشبيهًا، وإذا كان ظرفًا لم ينتصب7بـ (كان) وجرى مجرى: عندك8 رجل؛

فكأنّه يقول: يكون عسل وماء [في] 1 مزاجها". [أو هو] 2 منصوبٌ بـ (كان) [95/أ] نفسها؛ وهو معرفة بمنزلة [قولك] 3: حالها أو جملتها؛ و (العسل) و (الماء) جنسان؛ فلم يُرد عسلاً من الأعسال ولا ماءً من المياه؛ فصارا4 في حكم المعرفة، ومنه قولُ الآخر: قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ضُبَاعَا ... و َلاَ يَكُ مَوْقِفٌ مِنْكِ الْوَدَاعَا5 فلمّا نعت (الموقف) بـ (منك) تقرّب من المعرفة، و (منك) متعلّق باستقرارٍ محذوفٍ. وَالْبَاءُ تَخْتَصُّ بِلَيْسَ فِي الْخَبَر ... كَقَوْلِهِمْ: لَيْسَ الْفَتَى بِالْمُحْتَقَرْ

(ليس) لا نظير له في1 الأفعال؛ لأنّه فعلٌ ثُلاثيّ، ياؤُه ساكنة؛ ويختصّ2 بدخول (الباء) في خبره، كقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} 3؛ فالجارّ والمجرور في موضع نصبٍ4. وقد تُزاد هذه الباء في خبر (كان) إذا دخل عليها (ما) ، كقولك: (ما كان زيدٌ بخارج) فإنْ عطفت على الخبر5 جاز في المعطوف الجرُّ على اللّفظ، كقولك: (ليس زيد بكاتبٍ ولا فقيهٍ) ، والنّصبُ على الموضع6، كقول الشّاعر: مُعَاوِيَ إِنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ ... فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلاَ الْحَدِيْدَا7

_ 1 في أ: من. 2 أي: عن بقيّة الأفعال لا مطلقًا. 3 من الآية: 172 من سورة الأعراف. 4 وهو خبرُ ليس. 5 أي: خبر ليس المجرور بـ (الباء) . 6 فتجرّ (فقيه) عطفًا على لفظ (كاتب) ، وتنصب (فقيه) عطفًا على موضع كاتب. 7 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لعُقَيْبَة الأسديّ. و (معاوي) : ترخيم معاوية بن أبي سفيان. و (أسجح) : أرفق وسهّل. والشّاهد فيه: (ولا الحديدا) حيث عطف على خبر ليس المجرور بالنّصب، وهذا العطف على الموضع. يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/67، والمقتضب 2/338، 4/112، وسرّ صناعة الإعراب 1/131، وأمالي القالي 1/36، والإنصاف 1/332، وشرح المفصّل4/9، ورصف المباني 202، واللّسان (غمر) 5/389، والمغني 621، والخزانة 2/260.

باب ما التي تعمل عمل ليس

بَابُ مَا الَّتِي تَعْمَلُ عَمَلَ لَيْسَ:1 وَمَا الَّتِي تَنْفِي كَلَيْسَ النَّاصِبَهْ ... فِي قَوْلِ سُكَّانِ الْحِجَازِ قَاطِبَهْ فَقَوْلُهُمْ: مَا عَامِرٌ مُوَافِقًا ... كَقَوْلِهِمْ: لَيْسَ سَعِيدٌ صَادِقًا [95/ ب] (ما) في لغة أهل الحجاز ترفع الاسم وتنصب الخبر إذا كان الخبر مؤخّرًا منفيًّا؛ لأنّهم شبّهوها بـ (ليس) ، نحو قوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} 2، وقولُه تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} 3. وفي لغة بني تميم لا تعمل شيئًا، فيرفع ما بعدها بالابتداء والخبر؛ فهي عندهم كحروف الاستفهام الدّاخلة على الاسم والفعل4؛ فليس عملها في أحدهما بأولى من الآخر. وشَبَهُها بـ (ليس) من ثلاثة أوجُهٍ؛ وهي: دخولها على المبتدأ والخبر، وكونها5 للنّفي، وكون النّفي نفي حالٍ. ومن شرط إعمالها: فقدان الزّيادة6، وبقاء النّفي7؛ فإن وُجدت

قبل (إِنْ) ، كقول الشّاعر: بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ ... وَلاَ صَرِيفٌ وَلَكِنْ أَنْتُمُ خَزَفُ1 بطل العمل لضعف شبهها بـ (ليس) . ومتى انتقض النّفي بحرف الاستثناء2، نحو قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} 3؛ بطل عملها لبُطلان معناها. ولا يجوز4 تقديم [معمول] 5 خبرها علىاسمها إلاّ إذا كان ظرفًا [96/أ]

أو حرف جرّ؛ تقول: (ما زيدٌ آكِلاً طعامك) ولو قدّمت (الطّعام) على (زيد) لم يجز [إلاّ أن] 1 ترفع الخبر، [نحو] 2: (ما طعامك زيدٌ آكل) ، ومنه قولُ الشّاعر: وَقَالُوا تَعَرَّفْهَا3 المَنَازِلَ مِنْ مِنًى ... وَمَا كُلُّ مَنْ وَافَى مِنًى أَنَا عَارِفُ4 وتقولُ: (ما عندك زيد مقيمًا، وما بي أنت معنيًّا) - بالتّقديم5-؛

لأنّ الظّرف والجارّ والمجرور [يتوسّع بهما في الكلام ما لا] 1 يتوسّع بغيرهما. ولا يجوز نصب المعطوف بـ (لكن) ولا بـ (بل) على خبر (ما) ؛ لأن المعطوف بهما موجِب، و (ما) لا يَنصب الخبر [إلاّ] 2 إذا كان منفيًّا3. فإذا عطف بهما على خبر (ما) وجب رفع المعطوف؛ لكونه خبر مبتدأ محذوف، تقول: (ما زيدٌ قائمًا بل قاعد) و (ما عمرو شُجاعًا لكن4 كريم) . المعنى: بل هو قاعد، ولكن هو كريم. وقد تُزاد (الباء) الجارّة في الخبر بعد (ما) ؛ توكيدًا للنّفي، كقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} 5. وقد تُزاد في الخبر بعد (لا) ، كقولك: (لاَ خَيْرَ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ6 النَّارُ) 7.

وتُزاد بعد (لم) 1، كقوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ] 2 بِقَادِرٍ} 3، ومنه4 قولُ الشّاعر: دَعَانِي أَخِي وَالْخَيْلُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ... فَلَمَّا دَعَانِي لَمْ يَجِدْنِي بِقُعْدَُدِ5 [96/ب]

فَصْلٌ: [ (ما) كلمةٌ] 1 تُستعمل2 اسمًا وحرفًا؛ وأقسامُها عشرة: خمسة منها أسماء، وخمسة [منها] 3 حروف. فالأسماء هي: أنْ تكون استفهامًا، كقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 4، أو شرْطًا، كقوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ} 5، أَوْ تَعَجُّبًا، كقوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} 6، أو بمعنى الّذي، كقوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ} 7، أو نكرة موصوفة، كقول ابن دُرَيْد8:

فَكُلُّ مَا لاَقَيْتُهُ مُغْتَفَرٌ ... فِي جَنْبِ مَا أَسَأَرَهُ شَحْطُ النَّوَى1 والحروف: إذا كانت نافية بمعنى (ليس) ، كقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ} 2. أو كافّة؛ وهي الّتي تدخل على (رُبّ) 3، [كقوله تعالى: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} 4] 5، و (إنّ) وأخواتها6. أو زائدة؛ وتقع كثيرًا بين الجارّ والمجرور، كقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ

اللهِ لِنتَ لَهُمْ} 1؛ وقد زيدت بين (قَدْ) والفعل في رواية مَنْ رَوَى2 قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَقَدْ مَا هَاجَنِي فَازْدَدَتُ شَوْقًا ... بُكَاءُ حَمَامَتَيْنِ تَجَاوَبَانِ3 أي: وقد هاجني. أو مهيّئة لإعمال اسم4، أو فعل، أو حرف، لِمَا [لَمْ] 5 يكن له من العمل [97/أ] والاتّصال، كـ (إذْ ما) 6، و (حيثما) فلولاها لم يكونا من أدوات الشّرط، وقلّما يفعل ذلك؛ فبدخولها جاز أن تلي الفعل، و {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} 7 فيها أتى الفعل بعد (رُبّ) أيضًا.

واختلف في [ (ما) ] 1 المصدريّة [الّتي تقدّر هي وما عملت فيه بالمصدر] 2؛ لاتّصالها بالفعل، كقولك: (أعجبني ما صنعتَ) تقديرُه: أعجبني صنعُك. فقيل فيها3: اسم. وقيل: حرف4. والأوجَهُ أنّها اسم.

_ 1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب. 2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ. 3 في أ: فيهما. 4 القول باسميّتها مذهب الأخفش، وابن السّرّاج، وجماعة من الكوفيّين؛ فتفتقر إلى ضمير. وعند سيبويه، والمبرّد، وجمهور البصريّين، أنّها حرفٌ؛ فلا يعود عليها ضمير من صلتها. يُنظر: الكتاب 2/326، 3/11، ومعاني القرآن للأخفش 1/196، والمقتضب 3/200، والأصول 1/161، وشرح الرّضيّ 2/54، ورصف المباني 381، والجنى الدّاني 332، والمغني 402، والهمع 1/281.

باب النداء

بَابُ النِّدَاءِ: وَنَادِ مَنْ تَدْعُو بِيَا أَوْ بِأَيَا ... أَوْ هَمْزَةٍ أَوْ أَيْ وَإِنْ شِئْتَ هَيَا النِّدَاء: أحد معاني الكلام؛ وهو: ما يتألّف من حرف واسم؛ وهو منفردٌ بهذا التّأليف1؛ وجاز ذلك لكون2 حرف النّداء نائبا عن الفعل، فتنزّل3 منزلة الكلام المؤتلف من اسم وفعل4. وقال أبو عليّ الفارسيّ5: "النِّداء خبَرٌ من وجه، وغير خبرٍ من وجه؛ لأنّه مع الصّفات بمنزلة الأخبار، ومع غير الصّفات بمنزلة [غير] 6 الأخبار؛ فإذا قلت لإنسانٍ: (يا صادق) أو (يا كاذب) صلح أن يُجاب هذا بصدق، أو كذب؛ فكان خبرًا من هذا الوجه؛ وليس كذلك إذا قلت: (يا زيدٌ) و (يا عمرٌو) ". وحروف النّداء خمسة7؛ وهي: (يا) و (أيا) و (أي) و (هيا) [97/ب] و (الهمزة) .

وزاد الكوفيّون: (آ) و (آيْ) 1. وفي (يَا) خِلاَفٌ بين النّحويّين: فمنهم مَنْ يذهبُ إلى أنّها حرف - وهو الأكثر-2. ومنهم مَن يذهبُ إلى أنّها اسمٌ للفعل3. فحُجّة الأوّلين: أنّها لا تدلّ على معنىً إلاّ في غيرها. وحُجّة الآخرين: أنّهم رأوا أنّ المنصوب والمجرور يقعان4بعدها، كقولك: (يا رجلاً) و (يا لزيدٍ) ، وأنّه قد سُمِعَ إمالةُ (يا) والحُروف لا تُمال5. وكذلك اختلفوا في العامل من6 قولهم: يا عبد الله7.

فمنهم مَن يقول: (عبد الله) منصوبٌ بنفس (يا) 1. ومنهم مَن يقولُ: هو منصوبٌ بفعلٍ مقدّرٍ لا يظهر؛ كأنّه قال: (أدعو) أو (أُخاطِبُ) ؛ ولأجل هذا يجعلها بعضُهم اسما للفعل2. ف (الهمزة) تُستعمل للقريب، نحو: (أَزَيْدٌ أَقْبِلْ) ؛ لخفّتها3.

و (وا) للنّدبة1؛ وهي نداء المتفجَّعِ2 عليه والمتوجَّعِ3 منه، نحو: (وا زيداهُ) و (واظهراهُ) . وذهب المبرّد4 إلى أنّ (هيا) و (أيا) للبعيد، و (أي) و (الهمزة) للقريب5، و (يا) لهما. وذهب ابنُ بَرْهَان6 إلى أنّ (هَيَا) و (أَيَا) للبعيد، و (الهمزة) للقريب، و (أَيْ) للمتوسّط، و (يَا) للجميع. وأجمعوا [98/ أ] على جواز نداء القريب بما7 [للبعيد] 8 توكيدًا9، وعلى منع10 العكس11.

وقيل: إنّ (هَيَا) و (أَيَا) و (أَيْ) و (آ) تُستعمَلُ للبعيد، وللمستثقِل في نومه لا غير؛ للزّيادة1 في لفظها، و (يَا) للبعيد؛ لأنّها أُمُّ حروف النّداء 2. وَانْصِبْ وَنَوِّنْ إِذْ تُنَادِ3 النَّكِرَهْ ... كقولِهِمْ: يَا نَهِما4 دَعِ الشَّرَهْ وَإِنْ يَكُنْ5 مَعْرِفَةً مُشْتَهِرَهْ ... فَلاَ تُنَوِّنْهُ وَضُمَّ آخِرَهْ تَقُولُ: يَا سَعْدُ أَيَا6 سَعِيدُ ... وَمِثْلُهُ: يَا أَيُّهَا الْعَمِيدُ المنادى: لا يخلو من أن يكون مفردًا نكِرةً لم يُقصد به معيّن؛

فهذا1 منصوبٌ، ومنه قولُه: يَا رَاكِبا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... نَدَامَايَ مِنْ نَجْرَانَ أَلاَّ تَلاَقِيَا2 وكلّ منادى فحقُّه النّصب؛ لأنّه مفعولٌ لفعلٍ3 مضمَرٍ، تقديرُه: (أدعو) أو (أُنادي) ؛ ولا4 يجوز إظهارُه؛ لكون حرف النّداء كالعِوَض منه5. ولا يُفارِقُه النّصب إلاّ إذا كان مفرَدًا معرِفةً؛ فإنّه يبنى على ما كان يرفع به قبل النّداء، لفظا أو تقديرًا، كقولك: (يا محمّدُ) و (يا موسى) . والوجه في بِنائه6: شبهه بالضّمير من نحو: (يَا أَنْتَ) في التّعريف، والإفراد، وتضمين معنى (أدعوك) ؛ فإذا قلت: (يا زيد)

كأنّك [98/ب] قلتَ: (يا أنت) ، قال الرّاجز: يَا أَبْجَرَ بْنَ أَبْجَرٍ يَا أَنْتَا ... أَنْتَ الَّذِي طَلَّقْتَ عَامَ جُعْتَا1 وخُصّ بالضّمّة؛ لأنّها حركة لا تلتبِسُ2 بحركة مضافٍ إليه. فإنْ كان نكرة مقصودة فيُبنى على الضّمّ كالعلَم؛ فتقول من ذلك: (يا رجل) ؛ لتخصيصه بالقصد؛ قال كُثَيِّر: لَيْتَ التَّحِيَّةَ كَانَتْ لِي فَأَشْكُرَهَا ... مَكَانَ يَا جَمَلُ حُيِّيتَ يَا رَجُلُ3

وإذا اضطَّر الشّاعر إلى تنوينه جاز له فيه [وجهان: أحدهما: الضّمّ] 1؛ تشبيها2 بمرفوع اضطّر إلى تنوينه، وهو مستحقّ لمنع الصّرف؛ ومنه ما أنشده سيبويه: سَلاَمُ اللهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا ... وَلَيْسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ السَّلاَمُ3 والثّاني: النّصب؛ تشبيها بالمُضاف [لطوله بالتّنوين، وبقاء] 4 الضّمّ في العلَم أولى من النّصب، والنّصب في غير العلَم أولى من الضّمّ؛

ومن شواهِد النّصب قولُ الشّاعر: ضَرَبَتْ صَدْرَهَا إِلَّي وَقَالَتْ ... يَا عَدِيا لَقَدْ وَقَتْكَ الأَوَاقِي1 [99/أ] فإنْ وصفت العلم بصفة مضافة2 نصبت الصّفة، فتقول: (يا زيد ذا المال) . فإنْ كانت الصّفة مفرَدة3، أو عطفت عليه4 باسم معرّف بالألف واللاّم جاز في الصّفة والمعطوف الرّفع على اتباع اللّفظ،

والنّصب لاتباع الموضع1؛ فتقول لاتباع اللّفظ: (يا زَيْدُ الظَّريفُ) ، ولاتباع المحلّ: (يا زَيْدُ الظَّريفَ) و (يا رجال أطيعوا الله) و (النّساءُ) و (النّساءَ) - بهما -.فإن وصفته بابن، متّصل، مضاف إلى علَم؛ جاز فيه الضّمّ على الأصل، والفتح على الاتباع، والتّخفيف فيما كَثُرَ دورُه في الاستعمال، كقولك: (يا زيدَ بن سعيد) ، [ويجوز: (يا زيدُ بن سعيد) ] 2؛ وهو عند المبرّد3 أولى من الفتح؛ وعليه أنشد قول الرّاجز: يَا حَكَمَ4 بْنَ المُنْذِرِ بْنَ الجَارُودْ ... سُرَادِقُ الْمَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ5

قال: "ولو قال: يا حَكَمُ1؛ كَانَ أَجْوَد"2. فإنْ كان الابن مفصولاً عن موصوفه كما في نحو (يا زيد الظّريف

ابن عمرو) فليس في الموصوف إلاّ الضَّمّ1. وهكذا إذا كان الموصوف بابن غير علَم، نحو: (يا غُلامُ ابن زيدٍ) ، [أو لم يكن المضاف] 2 إليه علَما، نحو: (يا زيد ابن أخينا) . وأمّا المنادى المعرّف بالألِف واللاّم فلا يجوز الجمع [99/ب] بينه وبين حرف النِّداء إلاّ في موضعين: أحدهما: الاسم الأعظم (الله) ؛ وذلك على وجهين: على قطع الهمزة، نحو: (يا أَللهُ) ؛ وعلى وصلها، نحو: (يا اللهُ) . والثّاني: [المنادى] 3 إذا كان جملة محكيّة، نحو: (يا المُنْطلَق4 زَيْدٌ) في رجل سمّي بهذه الجملة. ولا يُجمع بينهما في غير ذلك إلاّ في ضرورة، كقول الرّاجز: فَيَا الغُلاَمَانِ اللَّذَانِ فَرَّا ... إِيَّاكُمَا أَنْ تُكْسِبَانَا شَرَّا5

ولم يجز [مثل] 1 هذا في السّعة؛ كراهة الجمع2 بين أداتيْ تعريف على شيء واحد3. وإذا قصدتّ غير ذلك ممّا فيه الألف واللاّم أتيت ب (أَيّ) أو ب (أيّة) ملحقة ب (هاء) الّتي للتّنبيه، وتأتي بعدها بالمنادى، فتقول: (يا أيّها الرّجلُ) ، أو4 {يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ} 5؛ ف (أَيُّ) و (الرَّجلُ) كاسمٍ واحد، و (أَيٌّ) مُنَادى، و (الرَّجُل) تابع، مخصّص [له، ملازِمٌ] 6؛ لأنَّ (أَيا) مُبهَمٌ7 لا يُستعمل بدون المخصّص8، فإنْ كان مشتقا فهو نعت، نحو (يا أيُّها الفاضل) .

وإنْ1 كان جامدًا فهو عطف بيانٍ، نحو: (يَا أيُّهَا الغُلاَمُ) ولزمته (هَاءُ) التّنبيه تعويضا عمّا فاته من الإضافة2. ولا توصَف3 (أيّ) في النِّداء إلاّ بما فيه الألف واللاّم، [نحو: (يا أيُّها الرّجُل) ، أو بالموصول] 4، كقوله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} 5. [100/ أ] وباسم الإشارة، نحو: (يَأَيُّهَذَا أقْبِل) ، قال الشّاعر: أَلاَ أَيُّهذَا البَاخِعُ الْوَجْدُ نَفْسَهُ ... لِشَيْءٍ6 نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ المَقَادِرُ7

وَتَنْصِبُ المُضَافَ فِي النِّدَاءِ ... كَقَوْلِهِمْ1: يَا صَاحِبَ الرِّدَاءِ وَجَائِزٌ عِنْدَ ذَوِي الأَفْهَامِ ... قَوْلُكَ: يَا غُلاَمُ يَا غُلاَمِي2 وَجَوَّزُوا فَتْحَةَ هَذِي3 اليَاءِ ... وَالْوَقْفَ بَعْدَ فَتْحِهَا بِالْهَاءِ وَالْهَاءُ فِي الْوَقْفِ عَلَى غُلاَمِيَهْ ... كَالْهَاءِ فِي الْوَقْفِ عَلَى سُلْطَانِيَهْ وَقَالَ قَوْمٌ فِيهِ يَا غُلاَما ... كَمَا تَلَوا يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا المُضاف المُنادى منصوبٌ على أصله، ومنه قولُ الشّاعر: أَلاَ يَا عِبَادَ اللهِ قَلْبِي مُتَيَّمٌ4 ... بِأَحْسَنِ مَنْ صَلَّى وَأَقْبَحِهِمْ بَعْلاَ5

والمشبّه بالمُضاف يجرى مجرى المضاف؛ وهو كلّ عامل ومعمول، وكلام [100/ب] فيه طول، نحو: (يا رفيقا بالعباد) و (يا طالِعا جبلاً) و (يا خيرًا من يد) و (يا ذاهبا عجلاً) . فإنْ كان مضافا إلى ياء المتكلّم جاز فيه أربعة أَوْجهٍ: أكثرها استعمالاً حذف الياء، وإبقاء الكسرة تدلّ عليها، كما قُرِئَ1: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 2.

ثم ثُبوتها ساكنة، كما قُرئ1: {يَا عِبَادِيْ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} 2. وإنْ ثبتت الياء مفتوحة، كما قُرئ3: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} 4. ثمّ قلب الياء ألِفا بعد قلب الكسرة [قبلها] 5 فتحة، كما6 قرئ7: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} 8، و {يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ} 9.

مّ حذف الألف، وإبقاء الفتحة دليلاً عليها1، نحو: (يا صَاحِبَ) . وذُكِر وَجْهٌ خامسٌ من التّخفيف كما مضى؛ وهو الاكتفاءُ2مِنَ الإضافَةِ بنيّتها، وجعلُ الاسم مَضْمُوما كالمنادى المفرَد؛ ومنه قِرَاءَةُ بعضهم3: {رَبُّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} 4. إنْ كان آخره حرف علّة فليس في الياء إلاّ وجهٌ واحد؛ وهو: إثباتُها مفتوحة لا غير، نحو: (يا مولايَ) ؛ وفيه لغة قليلة5 يبدلون الألِف ياءً، فيقولون: (يا مَوْليَّ) ، ومنه قول6 أبي ذُؤَيب: سَبَقُوا هَوَىَّ وَأَعْنَقُوا لِهَوَاهُمُ ... فَتُخُرِّمُوا وَلِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ7 [101/أ]

ولك1 أنْ تزيد عليها هاء [ساكنة] 2؛ لحفظ بيان الفتحة، فتقول: (يا صاحبيه) وهي الهاء3 الدّاخلة في قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} 4. فإن نُودِيَ المضافُ إلى المُضاف إلى ياء المتكلّم لم تحذف الياء5- كما تحذف إذا نودي المضاف إليها6 - إلاّ في: (يا ابْنَ أُمّ) و (يا ابْنَ عَمّ) ؛

وذلك قولك: (يا ابن أخي) ثبتت الياء؛ لبُعدها عن موضع التّغيير1؛ ولحلولهما في موضع يثبت فيه التّنوين2، ومنه3: (يا صاحب صاحبي) ؛ لأنّه بمنزلة: (يا صاحب زيد) . ويجوز فيما حذف منه الياء لكثرة استعماله4 أن تُقلَب الياء ألِفا تخفيفا5؛ فتقول: (يا بن أمّا) و (يا بنت عَمَّا) ؛ قال الرّاجز: يَا بِنْتَ عَمَّا لاَ تَلُومِي وَاهْجَعِي6

ويجوز حذف الألِف المنقلِبة عن الياء، وبقاء1الفتحة2؛ فتقول: (يا ابن أُمَّ) ، وقد قرئ بالأمرين3 جميعا: {يَا ابْنَ أُمَّ} و {يَا ابْنَ أُمِّ} 4. والأصلُ في هذا كلّه: إثبات الياء، كَقَولِه: يَا بْنَ أُمِّي5 وَلَوْ شَهِدْتُكَ إِذْ ... تَدْعُو تَمِيما وَأَنْتَ غَيْرُ مُجَابِ6 [101/ب]

وأمّا دخولُ تاء التّأنيث على (أب) 1 في قولهم: (يا أَبَتِ) فهو كقولهم: (رجل رَبَعَةٌ) 2 و (فَرُوقَةٌ) 3؛ فوصفوا المذكّر بالمؤنّث للمبالغة4؛ وكذلك قالوا: (امرأةٌ حائض) وصفا بالمذكَّر، وقيل: بالتّاء، ومنه قولُ الرّاجز: يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَوْ عَسَاكَا5

وإذا نودي منادَى ليخلّص1 من شدّة، أو يُعين على مشقّة؛ فنداؤه استغاثة، وهو مُستغاث. وتدخل لام الجرّ لقوّة التّعديَة، وتفتح مع المستغاث ما لم يكن معطوفا؛ فرقا بين المستغاث والمستغاث له2؛ فالأوّل: لامُه مفتوحة، والثّاني: لامُه مكسورة أبدًا، كقولك: (يا لَزَيْدٍ لِعَمْرٍو) ، ومنهُ قوله في المستغاث: يَا لَبَكْرٍ اُنْشرُوا لِي كُلَيْبا ... يَا لَبَكْرٍ أَيْنَ أَيْنَ الْفِرَارُ! 3

وقال الآخر في الجمع1: فَيَا لَلنَّاسِ لِلْوَاشِي2 المُطَاعِ! 3 ... تَكَنَّفَنِي الوُشَاةُ فَأَزْعَجُونِي [102/أ] وكقوله فيهما بالعطف: يَبْكِيكَ نَاءٍ بَعِيدُ الدَّارِ مُغْتَرِبٌ ... يَا لَلْكُهُولِ وَلِلشُّبَّانِ4مِنْ عَجَبِ5

وهاتان اللاّمان لا بُدّ أن يتعلّقا بشيءٍ ممّا يعمل؛ لكونهما1 حرفي جرّ، والعامِل2 في الأوّل3: (يا) لنيابته4 عن الفعل5، والعَامِلُ في الثّاني6:

محذوفٌ1؛ كأنّه قال: (أدعوكم لفلانٍ) فتَرك ذكره؛ [لأنّه] 2 لا يُستغاث بشيء إلاَّ لمعنىً. فإنْ كرّرت حرف النّداء فلا بدّ من فتحه3، كقول الشّاعر: يَا لَقَوْمِي وَيَا لأَمْثَالِ قَوْمِي ... لأُنَاسٍ عُتُوُّهُمْ فِي ازْدِيَادِ4

ومن المنادى؛ المندوب: وهو المذكور توجُّعًا منه، نحو: (وا رأْسَاهُ) ، أو1 تفجُّعًا عليه؛ لفقْدِه، [نحو] 2: (وا زَيْدَاه) . والقصد بالنُّدْبَةِ: الإعلام بعظمة المُصاب؛ فلذلك لا يُنْدَب إلاّ العلَم3. وهو يختصّ بأحد حرفين4؛ وهما: (ياء) أو (وا) ، وبحرفين من آخره في الوقف؛ وهما: الألِف والهاء؛ وهاؤُه ساكنة؛ لأنّها هاء السّكْت، كقولك: (يا زيداهْ) و (يا عمراهْ) . وَإِنْ كان مُضافا حذفتَ التّنوين من المضاف إليه، وأَلْحقتَ به العلامة؛ فتقولُ: (وا غلامَ زيداه) . ولا تُندب5 النّكرة، ولا (أي) ، ولا اسم الإشارة، ولا الموصول المبهَم6، ولا اسم الجنس7 [المفرد] 8. [102/ب]

ويجوز أن يُندب الموصول إذا اشتهرت صلته، [كقوله] 1: (وَا مَنْ حَفَرَ بِئْرَ زَمْزَمَاهْ) 2. وألِفٌ [الندبة] 3 لا تلزم4 المندوب؛ فيجوز بناؤُه5 على الضّمّ جاريًا مجرَى غيره من الأعلام المناداة؛ فتقولُ: (وا6 محمّد) ؛ ويجوز7 تنوينُه للضّرورة8، كقول الرّاجز: وَا فَقْعسٌ وَأَيْنَ مِنِّي فَقْعَسُ! 9

وَحَذْفُ (يَا) يَجُوزُ فِي النِّدَاءِ ... كَقَوْلِهِمْ: رَبِّ اسْتَجِبْ دُعَائِي وَإِنْ تَقُلْ: يَا هَذِهِ أَوْ يَاذَا ... فَحَذْفُ (يَا) مُمْتَنِعٌ يَا هَذَا ويجوز حذف حرف النّداء اكتفاءً بتضمّن1 المنادى معنى الخِطاب إن لم [يكن] 2 مندوبا، أو مُضمَرًا، أو مستغاثا، أو اسم جنس، أو إِشارة3؛ لأنّ النّدبة تقتضي مدّ الصّوت.

وقد1 أتى مفرَدًا، ومُضافا؛ فمن المفرَد قولُه تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} 2؛ ومن المُضاف قولُه تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا} 3. والاستغاثة4 الباعث [عليها] 5 هو: شدّة الحاجة إلى الغوث والنُّصرة. والمضمَر لو حُذف [منه] 6 حرف النّداء فاتت الدّلالة على النّداء؛ لأنّ الدّالّ عليه7 حرفُ النّداء، [وتضمّن المنادى معنى الخِطَاب] 8؛ فلو حذف9 من المنادى [المُضْمَر] 10 بقي الخطاب؛ وهو فيه غير صالح للدّلالة على إرادة النّداء11. [103/أ]

و [أما] 1 اسم الجنس، واسم الإشارة فلا يُحذف منهما حرف النّداء2 إلاّ فيما ندر من [نحو] 3 قولهم: (أَصْبِحْ لَيْلُ) 4، وقوله

في الحديث: "ثَوْبِي حَجَرُ" 1 فحرف2 النّداء في اسم الجنس كالعِوَض من أداة التّعريف فحقُّه أن لا يُحذَف، كما لم تُحذف3 الأداة؛ واسم الإشارة في معنى اسم الجنس فجرى مجراه. [و] 4 ممّا لا يُستعمَل5 فيه حرفُ النّداء قولُهم: (اللَّهُمَّ) ؛ وفي هذه الميم [قولان] 6: مذهب البصريّين7 أنّها حرف زِيْدَ عِوَضًا من (يا) ،

وليس مأخوذًا من فعلٍ. وقال الفرّاء1: "الميمُ مأخوذٌ من (فعل) ؛ وأصلُه: يا الله أُمَّنَا منك بخيرٍ، أي: اقصدنا؛ فحُذفت الهمزة تخفيفا"2. والقولُ الأوّل أوجه.

_ 1 يُنظر: معاني القرآن 1/203. 2 تُنظر هذه المسألة في: اللاّمات 85، والإنصاف، المسألة السّابعة والأربعون، 1/341، وأسرارُ العربيّة 232، والتّبيين، المسألة الثّانية والثّمانون، 449، وشرح المفصّل 2/16، وشرح الكافية الشّافية 3/1307، وابن النّاظم 572، والتّصريح 2/172، وائتلاف النُّصرة، فصل الاسم، المسألة السّادسة والعشرون، 47، والهمع 3/64.

باب الترخيم

بَابُ التَّرْخِيمِ: وَإِنْ تَشَأ التَّرْخِيمَ فِي حَالِ النِّدَا ... فَاخْصُصْ بِهِ المَعْرِفَةَ المُنْفَرِدَا وَاحْذِفْ إِذَا رَخَّمْتَ آخِرَ اسْمِهِ ... وَلاَ تُغَيِّرْ مَا بَقِي مِنْ1 رَسْمِهِ تَقُولُ: يَا طَلْحَ وَيَا عَامِ اسْمَعَا ... كَمَا تَقُولُ فِي سُعَادَ: يَا سُعَا [103/ب] التّرخيم في اللّغة2: ترقيقُ الصّوت، وتليينُه. وهو عند النّحويّين: حذفُ بعض الكلمة على وجهٍ مخصوص3. وكذلك4 قيل5: هو تخفيف اللّفظ وتسهيلُه؛ ومنه قولُ الشّاعر: لَهَا بَشَرٌ مِثْلُ الحَرِيرِ وَمَنْطِقٌ6 ... رَخِيمُ الحَوَاشِي لاَ هُرَاءٌ وَلاَ نَزْرُ7

وهو ثلاثة أنواع: أحدها: حذف آخر الاسم في النّداء لغير موجِب؛ وشرطُه: أن يكون مفرَدًا، عَلَمًا، زائدًا على ثلاثة أحرُف1؛ وإنّما لم يرخّم الثّلاثيّ؛ لأنّه يبقى بحذف آخره على أقلّ ما عليه الأُصول، وأقلّ الأصول ثلاثة أحرُف؛ فلا يجوز ذلك في نحو: (زيد) ؛ لبقائه على حرفين، والمؤنّث بالهاء ليس كذلك - ويأتي ذكره -2. وأكثر ما في شعر العرب مرخّمًا ممّا ليس فيه تاء التّأنيث ثلاثة ألفاظٍ؛

وهي: (حارث) و (عامر) و (منصور) ؛ لكثرة تسميتهم بها. وللعرب في الاسم المرخّم مذهبان1: أحدهما: أن يبقى في آخره بعد الحذف على ما كان عليه [104/أ] من حركة أو سُكون، وأن ينوى ثبوت المحذوف - وهذا الأكثر -2؛ فتقول في (حَارِثٍ) : يا حَارِ3 أقبِل، ومنه قولُ الشّاعر: يَا حَارِ [لاَ] 4 أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ5 بِدَاهِيَةٍ6 ... .........................................

و [منه] 1 قول الآخر: حَارِ2 بْنَ كَعْبٍ أَلاَ3 أَحْلاَمَ تَزْجُرُكُمْ4 ... ..................................... ومنه: فَصَالِحُونَا جَمِيْعًا إِنْ بَدَا لَكُمْ ... وَلاَ تَقُولُوا لَنَا أَمْثَالَهَا عَامِ5

أراد: عامرًا؛ وكذلك تقول في (مالك) : يا مال. وقد جاء في غير فَاعلٍ قليلاً، ومنه قولُ أَوْس1بن حَجَر2: تَنَكَّرْتِ مِنَّا بَعْدَ مَعْرِفَةٍ لَمِي3 ... ....................................

أراد: يا1 لميس. وتقول فيما كان رُباعيًّا كـ (جعفر) : يا جعفَ، وفي (قمطر) : يا قِمَطْ، وفي (هرقل) : يا هِرَقْ. فلا يحذف مِمَّا حروفه أصول سوى حرفٍ؛ رباعيًّا كان أو خماسيًّا2. والفرّاء3 يرى فيما قبل حرف إعرابه ساكن، نحو (هِرَقْلُ) و (قِمَطْرُ) أن يَحْذِف في التّرخيم حرفين4؛ واستدلّ بأنّه إذا قال: (يا قِمَطْ) - بسكون الطّاء - لزِم عدمُ النّظير؛ إذْ ليس في الأسماء المتمكّنة [ما] 5 آخره حرف صحيح ساكن6.

وقيل: ليس هذا بشيء؛ لأنّه يلزمه ألاَّ يُجيز: (يا حارُ) ؛ لئلاّ يلتبس بـ (قَبْلُ) و (بَعْدُ) عند بنائهما على الضّمّ1. [104/ب] وَقَدْ أُجِيزَ الضَّمُّ فِي التَّرْخِيمِ ... فَقِيلَ: يَا عَامُ بِضَمِّ المِيمِ المذهب الثّاني: أَلاَّ ينوي2 المحذوف؛ فيصير ما بقي كأنّه اسم تامّ؛ فيبنى على الضّمّ لِمَا عَرض له من النّداء3؛ فتقول: (يا حارُ) و (يا عامُ) و (يا مالُ) و (يا هرقُ) و (يا قمطُ) ؛ فإن رخمت اسم رجل سمّي بـ (بُلْبُل) فإنّك تضمّ الباء على اتّفاق المذهبين4؛ فتقول: (يا بلبُ أقبِل) . وَأَلْقِ حَرْفَينِ5 بِلاَ غُفُولِ ... مِنْ وَزْنِ فَعْلاَنَ وَمِنْ مَفْعُولِ6

تَقُولُ فِي مَرْوَانَ: يَا مَرْوَاجْلِسِ ... وَمِثْلُهُ: يَا مَنْصُ فَافْهَمْ وَقِسِ هذا الكلام يُشيرُ إلى أنّه إذا كان آخر الاسم زائدتين زيدتا مَعًَا؛ ويشترط ذلك أن يكونا معًا بعد ثلاثة أحرف فما فوقها؛ وهي: من (ألِف ونون) كـ (مروان) ، أو (واو ونون) كرجل اسمه (مسلمون) ، أو (ياء ونون) كـ (مسكين) 1، أو2 (ألف وهمزة) كـ (أسماء) ، أو3 (ألف وتاء) كـ (بركات) ، أو (واو وراء) 4 كـ (منصور) ؛ فتقول: يا مروُ، ويا مسلمُ، ويا مِسْكُ، ويا أسمُ، ويا بَرَكُ، ويا مَنْصُ5؛ و [منه] 6 قولُه: يَا مَرْوَ إِنَّ مَطِيَّتِي مَحْبُوسَةٌ ... تَرْجُو الحِبَاءَ وَ7 رَبُّهَا لَمْ يَيْأَسِ8 [105/أ]

ومنه [قولُه] 1: قِفِي فَانْظُرِي يَا أَسْمَ هَلْ تَعْرِفِينَهُ ... أَهَذَا المُغِيرِيُّ2 الَّذِي كَانَ يُذْكَرُ3

فإنْ كان في جميع هذا هاء [تأنيث] 1، أو ياء نسب، لم يحذف من هذه الزّوائد غيرها؛ فتقول في ترخيم (مُرْجَانَةٍ) على (فُعْلان) : يا مُرْجَانَ اقبِلي؛ وكذلك2 في رجل سُمّي بـ (حمراويّ) 3: يا حمراو4 أقبِل. وأمّا الأسماء المركّبة نحو: (مَعْدِي يكرب) و (سِيبَويْه) و (حضرموت) إذا سُمّي به رُخِّم بحذف عجزه في التّرخيم؛ لأنّه بمنزلة هاء التّأنيث من نحو: (طلحة) ، إلاّ أنّه خالف هاء التّأنيث في أنّه يُحذف معه ما قبله5؛ قال سيبويه6: "وأَمَّا اثْنَا7 عَشَر إذا سُمّي به ورُخّم حَذَفتَ8 [عشر مع] 9 الألف؛ لأنّ [عَشَر] 10 بِمَنْزِلَةِ نُون مُسْلِمين".

فتقول: [يا سيب] 1 [ويا اثن] 2 و (يا مَعْدِي) و (يا حَضْرَ) ؛ هذا إذا كان مركّبًا3 تركيب مزج؛ ومنهم مَن يركّبهما تركيب إضافة؛ فيقول4: (هذا حضرموت) ؛ فعلى هذا لم يجز ترخيمُه5 كما لم يجز6 ترخيم (غلام زيد) 7. وَلاَ تُرَخِّمْ هِنْدَ فِي النِّدَاءِ ... وَلاَ ثُلاَثِيًّا خَلاَ مِنْ هَاءِ8 وَإِنْ يَكُنْ آخِرَهُ هَاءٌ فَقُلْ ... فِي هِبَةٍ: يَا هِبَ مَنْ هَذَا الرَّجُلْ؟ [105/ب] المؤنّث بالهاء يجوز9 ترخيمُه مطلَقًا؛ أي: سواء كان ثلاثيًّا، أو ما زاد، علَمًا أو غير10 علم11.

وتاء التّأنيث بمنزلة اسم ضمّ إلى اسم، كالاسم المركّب؛ وكما أنّ الاسم الأوّل من المركّب مفتوح، فكذلك1 ما قبل تاء التّأنيث مفتوحٌ دائمًا؛ فتقول2 من ذلك في (ثُبَةٍ) : يَا ثُبَ أَقْبِل، وفي (جارية) : يَا جَارِيَ3 اسمع؛ قال الرّاجز4: جَارِيَ لاَ تَسْتَنْكِرِي5عَذِيْرِي6 ... ................................... وقالوا: (يا شا ارْجُني) 7 أي: يا شاة أقيمي.

وتقولُ في (هِبَةٍ) : يا هِبَ1، وفي (فاطمة) : يا فَاطِمَ، وفي (عائشة) : يَا عَائِشَ؛ قال الشَّمَّاخُ2: أَعَائِشَ مَا لأَهْلِكِ لاَ أَرَاهُمْ ... يُضِيعُونَ الهِجَانَ مَعَ المُضِيعِ3 وكذلك (حمزة) و (طلحة) ؛ وهذا يجوز فيه أربعة أوجُه إذا رُخِّمَ؛ تقول: [يا طلحَ، على: يا حارِ، و] 4 يا طلحُ، على: يا حارُ، ويا طلحةُ على الإقحام؛ ومعنى الإقحامُ: الزّيادة، مثل: يَا بُؤْسَ5 لِلْحَرْبِ6........ ... .................................

يريد: با بُؤْس الحربِ؛ فالتّاء زيدت ساكنةً بين الحاء وحركة التّاء1؛ لأنّه يمكنك أن تقول: (يَا طَلْحَتْ) - بسُكون التّاء -؛ فلمّا قيل: (يا طلحة) [106/أ] صارت التّاء بين الفتحة والحاء2، فوقعت بين شيئين. الرّابع: أن تقول: يا طلحَ؛ فإذا وقفت قلت: يا3طلحهْ، بهاء السّكت؛ ومَن قال: يا طَلْحَةَ؛ أقحم الهاء توكيدًا، وترك [آخِر] 4 الاسم مفتوحًا على حاله؛ قال النّابغة: كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ5 نَاصِبِ ... وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الكَوَاكِبِ6

وأجاز الفرّاء1 ترخيم الثّلاثيّ المتحرّك الأوسَط، نحو: (حكم) ؛ لأنّه إذا قيل فيه: (يا حك) 2لم يلزم عدمُ النّظير؛ إِذْ في الأسماء3ما هو على حرفين ثانيهما4 متحرّك، كـ (غدٍ) و (يدٍ) ؛ فإنْ كان الاسم5 ساكن

الأوسط لم يجز ترخيمُه1. وَقَوْلُهُمْ فِي صَاحِبٍ: يَا صَاحِ ... شَذَّ لِمَعْنًى فِيهِ بِاصْطِلاَحِ ترخيم النّكرة لا يجوز2، نحو: (عالم) فلا يُقال فيه: يا عال، ولا يا راك في (راكب) ، بل سُمع من العرب في (صاحب) : يا صاح، ومنه قولُ الشّاعر: يَا صَاحِ مَا هَاجَ الدُّمُوعَ3 الذُّرَّفَا4 وهذا شاذّ؛ والعلّة فيه كثرة استعماله. فإنْ قلت: يا فار، في ترخيم (فارس) 5؛ فإنْ كان علَمًا جاز ترخيمُه،

وإنْ كان نكرة لم يجز. والثّاني1: هو حذف آخر الاسم في غير [106/ب] النّداء لغير موجِب؛ ويختصّ بضرورة الشّعر، لكن بشرط كونه صالحًا أن2ينادى3؛ ومنه قولُ امرئ القيس: لَنِعْمَ الْفَتَى تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... طَرِيْفُ بْنُ مَالِ لَيْلَةَ الجُوعِ وَالخَصَرْ4 وأجاز سيبويه ذلك على نيّة المحذوف5، وأنشد أيضًا من ذلك:

أَلاَ أَضْحَتْ حِبَالُكُمْ رِمَامًا1 ... وَأَضْحَتْ مِنْكَ شَاسِعَةً أُمَامَا2 و [قال] 3 الآخر: إِنَّ ابْنَ حَارِثَ إِنْ أَشْتَقْ لِرُؤْيَتِهِ ... أَوْ أَمْتَدِحْهُ فَكُلُّ النَّاسِ قَدْ عَلِمُوا4

أراد: أُمامة، وحارِثة1. ومنع المبرّد2 من ذلك، وأنشد الأوّل: ................................... ... وَلاَ عَهْدٌ كَعَهْدِكِ يَا أُمَامَا3

وقيل1: كلتا الرّوايتين لا تقدح2 إحداهما في الأُخرى3. وذهب الكوفيّون4 إلى ترخيم الثّاني من المضاف؛ وأنشدوا: خُذُوا حَظَّكُمْ يَا آلَ عِكْرَمَ وَاذْكُروا ... أَوَاصِرَكُمْ وَالرِّحْمُ بِالْغَيْبِ يُذْكَرُ5

يُريد: يا آل عكرمة. والثّالث: ترخيم التّصغير، كقولك في (أَسْوَد) : سُوَيْد1، [107/أ] وما أشبه ذلك.

_ 1 في ب: سيويد، وهو خطأ.

باب التصغير

بَابُ التَّصْغِيرِ: وَإِنْ1 تُرِدْ تَصْغِيرَ الاسْمِ المُحْتَقَرْ ... إِمَّا لاهْوانٍ2 وَإِمَّا لِصِغَرْ فَضُمَّ مَبْدَاهُ لِهَذِي الحَادِثَهْ ... وَزِدْهُ يَاءً تَبْتَدِي3 ثَالِثَهْ تَقُولُ فِي فَلْسٍ: فُلَيْسٌ يَا فَتَى ... وَهَكَذَا كُلُّ ثُلاَثِيٍّ أَتَى التّصغير: يختصّ بالاسم الخالي من مانعٍ لفظيّ4، أو معنويّ. فاللّفظيّ على ضربين5: ضربٌ متوغّلٌ في شبه الحرف، كالمضمرات، وأسماء الأفعال، والاستفهام6، والشّرط. وضربٌ هو على صيغة تشبه صيغة المصغّر7، كـ (مسيطِر) 8 و (مهيمِن) . والمعنويّ: كون الاسم مستحقًّا للتّعظيم لزومًا، كاسم الله تعالى، وكُتبه، ورُسله؛ فإذا خلا الاسم من ذلك جاز تصغيرُه9.

والتّصغير يأتي على خمسة معان: أحدها: التّحقير؛ كقولك في (رجل) : رُجَيْل. والثّاني: لتقليل العدد؛ كقولك في (دراهم) : دُرَيْهِمَات. والثّالث: لتقريب المسافة؛ كقولك: ( [نزلنا] 1 دوين المنزلة) . والرّابعُ: للتّحنُّن والتّلطُّف2؛ كقولك: (يا بُنيّ) و (يا أُخيّ) . [107/ب] والخامس: تصغير التّفخيم والتّهويل3؛ كقول الحُبَابِ4 بن المنذر5: "أَنَا جُذَيْلُهَا المُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا المُرَجَّبُ"6.

ومنه قولُ الشّاعر: وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْنَهُمْ ... دُوَيْهِيَّةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الأَنَامِلُ1

يُشير إلى الموت. وقد صغّر1 فعل التّعجُّب؛ كقولك: (ما أُحيسنَ زَيدًا) 2، ومنه قولُ الشّاعر: يَا مَا أُمَيْلِحَ غِزْلاَنًا شَدَنَّ لَنَا3 ... ................................... وعلامة التّصغير: أن يضمّ أوّل الاسم، ويُزاد فيه ياء ثالثة4. ولا يصغّر ما هو أقل من ثلاثة أحرُف5. فصيغة المصغّر الثُّلاثيّ (فُعَيْل) ، كقولك6 في (كعبٍ) : كُعَيْب؛ فإنْ كان7 مضعّفًا أظهرت التّضعيف؛ فتقول في (جدّ) : جُدَيْد، وفي (دنٍّ) 8: دُنَيْن؛ فهذا المثال الأوّل.

وَإِنْ يَكُنْ مُؤَنَّثًا أَرْدَفْتَهُ ... هَاءً كَمَا تُلْحِقُ لَوْ وَصَفْتَهُ فَصَغِّرِ النَّارَ عَلَى1 نُوَيْرَهْ ... كَمَا تَقُولُ: نَارُهُ مُنِيرَهْ المصغّر إن يكن2 مؤنّثًا بالمعنى3 أُلحقت به في التّصغير هاء التّأنيث؛ لأنّ التّصغير [108/أ] يَرُدُّ الأشياء إلى أُصولها4؛ فتقوم مقام الوصف؛ فتقول في (أرض) : أُريضة5، كما تقول: (أرض ضيّقة) فجرى إلحاق6 الهاء مجرى الصّفة؛ وهذا الحكم يطّرد في سبعة أسماء؛ فجائز7 إلحاق الهاء بها في حال التّصغير، وحذفها - والحذفُ أفصح -؛ وهي: (الحَرْب) 8 و [الفرس] 9 و (القَوْس) و (العِرْس) 10

[والعَرَب] 1 و (درع الحديد) و (النَّابُ من الإِبل) 2. وَصَغِّرِ البَابَ فَقُلْ: بُوَيْبُ ... وَالنَّابُ إِنْ صَغَّرْتَهُ نُيَيْبُ لأَنَّ بَابًا جَمْعُهُ أَبْوَابُ ... وَالنَّابُ أَصْلُ جَمْعِهِ أَنْيَابُ فإن كان ثاني الثّلاثيّ حرف علّة نُظر؛ فإنْ كان واوًا لم يتغيّر في التّصغير؛ فتقول في (ثوبٍ) و (حوضٍ) : ثُوَيْبٌ، وحُوَيْضٌ. وإن كان ياءً فالأحسن ضمّ أوّله؛ [وقد] 3 كسروه4، فقالوا في تصغير (بيت) ، و (عين) : بِييت، وعِيينة. وإنْ كان ألِفًا فتردّ إلى ما انقلبت عنه؛ كقولك في (اب) : بويب، وفي (ناب) : نييب، وكذلك (مالٌ) و (غارٌ) 5. ومعرفة ذلك بالجمع6، أو بتصريف الكلمة، كقولك: (أبواب)

و (أنياب) و (تَمَوَّلْتُ) 1 و (غَيَّرْتُ) 2. وتقول في (ريح) و (ديمةٍ) 3: رويحة، ودويمة؛ كقولك في التّصريف: رَوَّحتْ، ودامت تدوم4. [108/ب] فإن كان مؤنّثًا5 أُلحقت به الهاء، كقولك في تصغير (رحى) و (عصا) : رحيّة، وعصيّة6. وَفَاعِلٌ تَصْغِيرُهُ فُوَيْعِلُ ... كَقَوْلِهِمْ فِي رَاجِلٍ: رُوَيْجِلُ هذا المِثال الثّاني؛ وهو (فُعَيْعِل) ؛ وهذه الصّيغة تختصّ بالاسم الرُّباعيّ؛ فتقولُ في تصغير (جعفر) و [درهم] 7: جعيفر، ودريهم؛ ولا تلحق هاء التّأنيث بالرّباعيّ المؤنّث، كقولك في [تصغير] 8 (عقرب)

و (زينب) : عُقيرب، وزيينب؛ ويجوز كسر أوّله لأجل الياء، فتقول: زِيينب. فإنْ كان ثانيه حرف علّة نُظر؛ فإنْ كانت واوًا أصليّة ثبتت، كقولك في تصغير (جوهر) : جويهر. فإنْ كانت منقلبة عن ياء فتردّها إلى الياء؛ فتقول في تصغير (موسر) و (موقِن) : مييسر، ومييقن؛ لأنّهما من أيسر، وأيقن1. فإنْ كان ثانيه ياءً مشدّدة خُفِّفت في التّصغير؛ لئلاّ يجتمع ثلاثُ ياءات؛ فتقولُ في تصغير (سيِّد) و (ليِّن) : سييد، وليين. فإنْ كان2ألِفًا أبدلت3منها واوًا مفتوحة؛ كقولك في (راجل) و [خاتم] 4: رُويجل، وخويتم. وَإِنْ تَجِدْ مِنْ بَعْدِ ثَانِيهِ أَلِفْ ... فَاقْلِبْهُ يَاءً أَبَدًا وَلاَ تَقِفْ تَقُولُ: كَمْ غُزَيِّلٍ ذَبَحْتُ ... وَكَمْ دُنَيْنِيرٍ بِهِ سَمَحْتُ [109/ أ] إنْ كان ثالث الرّباعيّ حرف علّة قلبته ياءً مشدّدة؛ فتقول في تصغير (كتاب) و (غزال) : كُتَيِّب، وغُزَيِّل؛ و (عجوز) و (سعيد) : عُجَيِّز، وسُعَيِّد.

فإنْ كانت الواو متحرّكة جاز أن تقلبها في التّصغير ياءً مشدّدة؛ وجاز أن تظهر الواو كما كانت متحرّكة؛ كقولك في تصغير (أَسْوَد) و (جدول) 1: أُسَيِّد2، وجُدَيِّل3، [وإنْ شئتَ قلتَ: أُسَيْوِد، وجُدَيْوِل] 4، والقلبُ أجود5. وإنْ كان آخره ألفًا مقصورة؛ فإنْ كانت للتّأنيث6 أقررتها على حالها، كقولك في تصغير (حُبْلَى) و (بُشْرى) : حُبَيْلى، وبُشَيْرَى. فإنْ كان آخره همزة صُغِّر كتصغير7 الثّلاثيّ؛ فتقول في تصغير (كساء) و (رِداء) : كُسَيٍّ، ورُدَيٍّ.

فإنْ كان خُماسيًّا ورابعه1 حرف علّة ما كان، قلبته في التّصغير ياءً؛ فتقول في تصغير (دينار) و (سِرْبال) : دُنينير، وسُريبيل؛ وفي تصغير (منديل) و (عصفور) : منيديل، وعصيفير. وَلاَ تُغَيِّرْ فِي عُثَيْمَانَ الأَلِفْ ... وَلاَ سُكَيْرَانَ الَّ‍ذِي لاَ يَنْصَرِفْ2 [109/ب] إذا كان آخر الاسم ألِفًا ونونًا فلا يخلو من أن يكون ما قبل الألِف والنّون ثلاثة أحرف، أو أربعة: فإنْ كان ثلاثة كـ (سِرحان) و (سلطان) و (عثمان) و (سكران) فانظر إلى الاسم هل3 جُمِعَ جمع التّكسير أم لا؟ 4. فإنْ جُمع جمع التّكسير فإنّ ألِفه تنقلِبُ ياءً في الجمع؛ فكذلك تُقلَب في التّصغير، فتقول في تصغير (سِرحان) و (سلطان) : سريحين، وسُليطين، كقولك في الجمع: سراحين، وسلاطين. فإن لم يُجمع جمع التّكسير5 فصغِّر الصّدرُ6 منه، ثمّ أُلحق به الألِف

والنّون؛ فتقول في تصغير (عثمان) و (سكران) : عثيمان، وسكيران؛ لأنّهما لم يُقَلْ في جمعهما: عثامين، ولا سكارين1. فإنْ كان ما قبل الألِف والنّون أربعة أحرُف صغّرت الأربعة، ثمّ ألحقت بها الألِف والنّون؛ فتقول في تصغير2 (زعفران) و (ثعلبان) و (عقربان) : زُعيفران، وثُعيلبان، وعُقيربان؛ وهذا مطّرد3. وَارْدُدْ إِلَى الْمَحْذُوفِ مَا كَانَ حُذِفْ ... مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى يَعُودَ مُنْتَصَفْ4 كَقَوْلِهِمْ فِي شَفَةٍ: شُفَيْهَهْ ... وَالشَّاةُ إِنْ صَغَّرْتَهَا: شُوَيْهَهْ [110/أ] اعلم أنّ كل اسم يَرِدُ5على حرفين فإنّ التّصغير يردّه إلى أصله، ويُعيد إليه ما كان نقص منه. فمنه ما حُذف فاؤُه6 كـ (عِدَة) ، فتقول في تصغيرها: وُعَيْدة، وما حُذف عينُه كـ (مُذْ) ، فتقول فيه: مُنَيْذ، وما حُذف لامُه كـ (يد)

و (دم) و (سنة) ، فتقول في تصغيرها: يُدَيَّة؛ لأنّ المحذوف منها الياء، كقولهم: يَدَيْتُه1، أي: أوليتُه يدًا2، ومنه قولُ الشّاعر: يَدَيْتُ عَلَى ابْنِ حَسْحَاسِ بْنِ وَهْبٍ ... بِأَسْفَلِ ذِي الجِدَاةِ3 يَدَ الكَريمِ4 وتقولُ في تصغير (دم) : دُمَيٌّ؛ لأنّ المحذوف منه الياء، بدليل قولهم [في تثنيته] 5: دَمَيَان، ومنهُ قولُ الشّاعر:

وَلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَرٍ ذُبِحْنَا ... جَرَى الدَّمَيَانِ بِالْخَبَرِ اليَقِينِ1 وتقولُ في تصغير (شَفَةٍ) : شُفَيْهَة2،؛ لأنّ المحذوف منها الهاء، كقولهم: شَافَهْتُ؛ وتقولُ في تصغير (شَاةٍ) : شُوَيْهَة، كقولهم في [110/ب]

جمعها: شِيَاهٌ؛ وأمّا (سنة) فقد صُغِّرت على: سُنَيَّة، وعلى: سُنَيْهَة، كقولك في تصريف الفعل: سَانَيْتُ، وسَانَهْتُ1؛ وتقول في تصغير (فم) : فُوَيْه؛ لأنّ المحذوف منه الواو لا غير2. 3 وَأَلْقِ فِي التَّصْغِيرِ مَا يُسْتَثْقَلُ ... زَائِدُهُ وَمَا4 تَرَاهُ يَثْقُلُ وَالأَحْرُفُ اللاَّتِي تُزَادُ فِي الكَلِمْ ... مَجْمُوعُهَا قَوْلُكَ5: سَائِل وَانْتَهِمْ6 يُستثقل تصغير الاسم الخُماسيّ إذا لم يكن رابعه7 [حرف] 8 علّة، وكذلك السُّداسيّ؛ وذلك9 لوُقوع ثلاثة أحرف بعد ياء التّصغير، وحرفين قبله؛ فيميل أحدُ جانبي الكلمة إلى [الجانب] 10 الآخر.

وسبيل [ياء] 1 التّصغير أنْ تكون2وسطًا، والّذي قبلها أرجح من الّذي بعدها. فإذا أُريد تصغير اسمٍ خُماسيّ أو سداسيّ سليم الحروف فيُنظر إنْ3كان فيه حرف من حروف الزّيادة حذف4؛ طلبًا للتّخفيف. وحروف الزّيادة5 عشرة؛ وهي: (الهمزة) و (التّاء) و (السّين) [111/أ] و (الميم) و (الهاء) و (اللاّم) و (النّون) وحروف العلّة الثّلاثة؛ وقد جمعها6في قوله: (سَائِل وانْتَهِمْ) ، وتُجمع في قولك7: (يَا هَوْلُ اسْتَنِمْ) ، وفي (سَأَلْتُمُونِيهَا) ، وفي (الوسمي هَتّان) ، و [في] 8 (الموت ينساه) 9، وفي (اليَوْمَ تَنْسَاهُ) 10.

وحَكى المبرّد1 قال: "سألتُ أبا عثمان المازنيّ عنها، فأنشد: هَوِيتُ السِّمَانَ فَشَيَّبْنَنِي ... وَمَا كُنْتُ قِدْمًا2 هَوِيتُ السِّمَانَا3 فراجعته فقال: قد أجبتك مرّتين". يعني: أنّ مجموعها: هَوِيتُ السِّمَانَ. تَقُولُ فِي مُنْطَلِقٍ: مُطَيْلِقُ ... فَافْهَمْ وَفِي مُرْتَزِقٍ: مُرَيْزِقُ وَقِيلَ فِي سَفَرْجَلٍ: سُفَيْرِجُ ... وَفِي فَتًى مُسْتَخْرِجٍ: مُخَيْرِجُ الاسم الخُماسيّ لا يخلو من أحد ثلاثة أقسام: أحدها: أن لا يكون فيه حرفٌ من حروف الزّيادة؛ نحو: (فَرَزْدَق) ، فهذا وما يشابهه4 إذا صغّرت حذف آخره؛ فتقول فيه: فُرَيْزِد؛ وقد حذف بعضُهم5 الدّال فقال: فُرَيْزِق؛ لأنّها أخت التّاء.

الثّاني: أن يكون في الاسم الخُماسيّ حرفُ علّة؛ فتخصّ الحذف به، فتقول في تصغير (قَرْقَرَى) 1: قُرَيْقِر2؛ فإنّ بقاء هذه الألِف3 [111/ب] يخرج الاسم عن مثال (فعيعل) و (فعيعيل) . الثّالث: أن يكون في الاسم حرفان من حروف الزّيادة؛ فإنْ كان لأحدهما مزيّة أُقرّ، وحُذف الآخر؛ فإنْ تساوَيا كنت مخيّرًا في حذف أيّهما شئت. مثالُ الأوّل: قولك في تصغير (منطلق) و (مرتزق) : مطيلق4، ومريزق، فتحذف التّاء دون الميم؛ لأنّ للميم5 مزيّة بدليل صيغتها على الفاعل ونحوه، [كـ]ـقولك6 في تصغير (مختار) : مخيِّر7.

الثّاني: قولك1 في تصغير (حَبَنْطَى) 2- وهو العظيم البطن-3: حُبَيْنِطٌ4، وحُبَيْطا؛ لأنّ الألِف والنّون زائدتان فيه؛ لأنّ أصله من حَبِطَ بطنُه إذا عَظُمَ5؛ وكذلك (قَلَنْسُوة) 6إذا7صغّرتها لك أن تقول على حذف النّون: قُلَيْسِية8، وعلى حذف الواو: قُلَيْنسة. فأمّا السُّداسيّ فيُحذف في تصغيره ما قبل ياء التّصغير من حروف الزّيادة؛ فتقول في تصغير (مستخرج) : مخيرج9. وَقَدْ تُزَادُ اليَاءُ لِلتَّعْوِيضِ ... وَالجَبْرِ لِلْمُصَغَّرِ المَهِيضِ كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ المُطَيْلِيقَ10 أَتَى ... وَاخْبَأ السُّفَيْرِيجَ إِلَى فَصْلِ الشِّتَا اعلم أنّ كل اسم حُذف منه حرف أو حرفان، في تصغيره جاز أن يعوّض ممّا حُذف11 منه الياء؛ فتقول في تصغير (سفرجل) و (منطلق) [112/أ]

و (مستخرج) إذا عوّضت [منه] 1: سُفَيْرِيج2، ومُطَيْليق3، ومُخَيْرِيج4. وَشَذَّ مِمَّا أَصَّلُوهُ ذَيَّا ... تَصْغِيرُ ذَا وَمِثْلُهُ اللَّذَيَّا التّصغير لا يدخل غير الاسم المتمكّن إلاَّ (ذا) و (الّذي) وفروعهما؛ فإنّها أشبهت الأسماء المتمكّنة بكونها توصَف، ويوصف بها5، فصغّرت على وجهٍ خولِف به تصغير المتمكّن6؛ فتُرك7أوّلهما على ما كانا عليه قبل التّصغير، وعوِّض من ضمّه ألف8 مزيدة في الآخر؛ فقيل في (الّذي) و (الّتي) : اللَّذَيَّا، واللَّتَيَّا. وفي (ذَا) و (تَا) : ذَيَّا، وتَيَّا9؛ والأصل: ذَيَيَّا، وتَيَيَّا؛ بثلاث يَاءَات:

الأولى: عين الكلمة1؛ والثّالثة2: لامها؛ والوُسطى: ياء التّصغير؛ فاستُثْقِل ثلاث ياءات، فَقُصِدَ3 التّخفيف بحذف واحدة. فلم تُحذف ياء التّصغير؛ لدلالتها على معنى، ولا الثّالثة4؛ لحاجة الألِف إلى فتح ما قبلها5؛ فتعيّن حذف الأولى6. ويُقال في (ذَاكَ) : ذَيَّاكَ، وفي (ذَلك) : ذَيَّالك، [112/ب] ومنه قولُ الرّاجز7: لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ الْقَصِيِّ ... مِنِّي ذِي القَاذُورَةِ المَقْليِّ8 أَو تَحْلِفِي بِرَبِّكِ العَلِيِّ ... أَنِّي أَبُو ذَيَّالِكِ الصَّبِيِّ9

وقال الآخر: بِذَيَّالِكَ الوَادِي أَهِيمُ وَلَمْ أَقُلْ ... بِذَيَّالِكَ الوَادِي وَذَيَّاكَ مِنْ زُهْدِ وَلَكِنْ إِذَا مَا حُبَّ شَيْءٌ تَوَلَّعَتْ ... بِهِ أَحْرُفُ التَّصْغِيرِ مِنْ شِدَّةِ الوَجْدِ1 وَقَوْلِهِمْ أَيْضًا: أُنَيْسَانُ2 ... شَذَّ كَمَا شَذَّ مُغَيْرِبَانُ وَلَيْسَ هَذَا بِمِثَالٍ يُحْذَى3 ... فَاتَّبِعِ الأَصْلَ وَدَعْ مَا شَذَّا اعلم أنّه يجيء التّصغير والتّكسير4على غير بناء واحده5؛ فيُحفظ ولا يُقاس عليه.

فممّا خولِف به القياس في التّصغير قولُهم في (المغرب) : مُغَيْرِبان1، وفي (العشاء) : عُشَيَّان، وفي (عَشِيَّة) : عُشَيْشِيَة2، وفي (إنسان) : أُنَيْسِيَان3، وفي (بَنُون) : أُبَيْنُون4، وفي (لَيْلَة) : لُيَيْلِيَة5،

وفي (رجل) : رُوَيْجِل1، وفي (صِبْيَة) و (غِلْمَة) : أُصَيْبية، وأُغَيْلمة2. ومن التّصغير نوعٌ يسمّى [تصغير] 3 التّرخيم؛ وهو تصغير الاسم بتجريده من [113/أ] الزّوائد؛ فإنْ كانت أصوله ثلاثة رُدَّ إلى (فُعَيْل) ، وإنْ كانت أربعة رُدّ إلى (فُعَيْعِل) . فإنْ كانت 4 ثلاثة، والمسمّى5 مؤنّث أُلحقت به التّاء؛ فيُقال6 في (المِعْطَف) : عُطَيف، وفي (أَسْود) و (حَامِد) و (مَحْمُود) : سُوَيْد، وحُمَيْد؛ وفي (قِرْطَاس) و (عُصْفُور) : قُرَيْطِس، وعُصَيْفر7؛ وفي (سَوْدَاء) و (حُبْلَى) : سُوَيْدَة، وحُبَيْلَة، وفي (إبراهيم) و (إسماعيل) 8: بُرَيْه، وسُمَيْع، نصّ على ذلك سيبويه9 في كتابه.

......................................................................

_ = أمّا الهمزة فهي زائدة عند سيبويه؛ فالتّصغير القياسي عنده: (بُرَيْهِيم) و (سُمَيْعِيل) وهو الصّحيح الّذي سمعه أبو زيد وغيره من العرب، والتّرخيم: (بُرَيْهِم) و (سُمَيْعِل) . وادّعى المبرّد أصالة الهمزة؛ فالتّصغير القياسي عنده: (أُبَيْرِيه) و (أُسَيْمِيع) ، والتّرخيم: (أُبَيْرِه) و (أُسَيْمِع) . يُنظر: الكتاب 3/446، 476، والانتصار لسيبويه على المبرّد 223، 224، والتّعليقة 3/297، والنّكت 2/928، وشرح الشّافية 1/263، 264، 283، والارتشاف 1/191، والتّصريح 2/323، والهمع 6/153، والأشمونيّ 4/170، والتّعريف بفنّ التّصريف 43.

باب النسب

[بَابُ النَّسَبِ] :1 وَكُلُّ مَنْسُوبٍ إِلَى اسْمٍ فِي الْعَرَبْ ... أَوْ بَلْدَةٍ تَلْحَقُهُ يَاءُ النَّسَبْ النَّسب: يكون إذا قصد بإضافة الرّجل إلى أبٍ، أو قبيلة، أو بلد، أو صناعة، أو مذهب، أو نِحْلَة2؛ كُسِر آخر ذلك الاسم، وأولي ياء مشدّدة تكون حرف إعرابه، كقولك: (مصرِيّ) و (تميمِيّ) و (بصرِيّ) و (كسائِيّ) و (حنبلِيّ) . وتشديد الياء للفرق بين ياء النّسب، وياء المتكلّم. ويصير الاسم المنسوب إليه صفةً بعد ما كان علَمًا3، وإذا صار المنسوب إليه صفة عَمِلَ عَمَلَ الفعل وارتفع / به الاسم الظّاهر4،كقولك: (مررتُ برجلٍ هاشميٍّ أبوه) ، [و] 5 [كقولك] 6: (مررت برجلٍ قائم أخوه) .

وَتُحْذَفُ الهَاءُ بِلاَ تَوَقُّفِ ... مِنْ كُلِّ مَنْسُوبٍ إِلَيْهِ فَاعْرِفِ تَقُولُ: قَدْ جَاءَ الفَتَى البَكْرِيُّ ... كَمَا تَقُولُ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ اعلم أنّ الاسم المنسوب إليه إذا كان حرف إعرابه تاء تأنيث حُذِفَتْ مطلَقًا؛ ثالثةً كانت أو غير ثالثة، صائرة في الوقف هاء، أو غير صائرة، كقولك في (ثُبْة) و (مكّة) و (أُخْت) : ثُبِيّ1، ومَكِّيّ، وأَخَوِيَّ؛ هذا2مذهب سيبويه والخليل3، - أعني قولك في (أخت) : أَخَوِيّ -؛ ويونس4 يقول5: أُخْتِيٌّ.

ووجه حذف التّاء1: ما بينها وبين ياء النّسب من الشَّبه؛ وهو أنّ كُلاًّ منهما2 لا تقع3إلاّ متطرّفة4؛ ثمّ إنّها تصير حرفَ الإعراب5؛ فلهذا لم يُجمع بينهما، فحُذفت الهاء، وأُقرّتْ ياء النّسب الدّالّة على المعنى؛ فتقول: (درهم قلعيّ) و (رجل فزاريّ) . فإنْ كان الاسم المنسوب إليه مركّبًا غير مُضاف؛ حُذف عجُزه، ونُسب إلى صدره، كقولك في المنسوب إلى (بَعْلَبَك) و (تَأبَّطَ شَرًّا) : بَعْليٌّ، وتَأَبَّطِيٌّ6.

فإنْ كان كـ (ابن الزُّبَيْر) حُذف المضاف، ونُسب إلى المضاف إليه؛ فتقول: (زُبَيْرِيّ) 1. [114/ أ] وحكم ياء النّسب أن ينكسر ما قبلها؛ كقولك في النّسب إلى (بكر) : بكرِيّ. فإنْ كان ثاني الاسم الثّلاثيّ مكسورًا فُتِح [في النّسب] 2؛ كقولك3 في النّسب4 إلى النَّمِر: نَمَرِيّ - بفتح الميم -؛ والموجِبُ للفتح الاستثقال؛ لأنّها لو كُسِرَتْ لَتَوَالَى كسرتان، بعدهما ياء مشدّدة تُعَدُّ بياءَين.

وَإِنْ يَكُنْ مِمَّا عَلَى وَزْنِ فَتَى1 ... أَوْ وَزْنِ دُنْيَا أَوْ عَلَى وَزْنِ مَتَى2 فَأَبْدِلِ الحَرْفَ الأَخِيرَ وَاوَا ... وَعَاصِ مَنْ مَارَى3 وَدَعْ مَنْ نَاوَى4 تَقُولُ: هَذَا عَلَوِيٌّ مُعْرِقُ5 ... وَكُلُّ لَهْوٍ دُنْيَوِيٍّ مُوْبِقُ يُنسب إلى المقصور الثّلاثيّ بقلب ألِفه واوًا؛ كقولك في المنسوب إلى (ثرى) : ثرويّ. وسواءٌ كانت الألِف من ذوات الواو، أو6من ذوات الياء؛ فتقول في المنسوب إلى (قَفَا) و (قَنَا) 7- من ذوات الواو -: قَفَوِيّ،

وقَنَوِيّ، وإلى (رَحَىً) و (عصًا) - من ذوات الياء -: رَحَوِيّ، وعَصَوِيّ؛ فلم تُقلب هذه الألِف ياءً؛ لئلاَّ تتوالى الياءات1. [114/ب] وكذا المنقوص2 الثّلاثيّ كـ (يَدٍ) و (شَجٍ) 3؛ تقول في المنسوب إليه: يَدَوِيٌّ، وشَجَوِيٌّ. وكذلك الرُّباعيّ4 إنْ كانت ألِفُه لغير التّأنيث كـ (مرمى) و (موسى) ؛ [فتقول] 5: مَرْمَوِيٌّ، ومُوْسَوِيٌّ. وقد تُقلَب إنْ كانت للتّأنيث، وسكن6 ثاني ما هي فيه؛ فتقول في النّسب7 إلى (حُبْلَى) و (دُنْيَا) : حُبْلَوِيّ، ودُنْيَوِيّ؛ وقد يُقال: حُبْلاَوِيّ، ودُنْيَاوِيّ؛ وهذا أضعفُ الوجوه8.

وتجري الألِف الّتي لغير التّأنيث هذا المجرى؛ فيُقال: (عيساويّ) 1؛ وهذا2 قليل. وكذلك الهمزة الممدودة المبدلة من ألِف التّأنيث كـ (صحراء) و (جَلُولاَء) 3؛ فتقول في النّسبة إليهما4: صَحْرَاوِيّ، وجَلُولاَوِيّ5. فإن6لم تكن الهمزة بدل ألِف تأثنيث [جاز] 7 تصحيحها وإبدالُها، كـ (قَرَّائِيّ) و (كِسَائِيّ) و (عِلْبَائِيّ) 8؛ و (قَرَّاوِي) و (كِسَاوِيّ) و (عِلْبَاوِيّ) .

وتصحيح همزة (قَرَّاء) أجودُ من إبدالها؛ لأنّها أصليّة. وَانْسِبْ أَخَا الْحِرْفَةِ كَالْبَقَّالِ ... وَمَنْ يُضَاهِيهِ إِلَى فَعَّالِ النَّسَبُ إلى المصحوبات بأن يُستغنى عن ياء النّسب في الأكثر، وأن يُصاغ من اسمٍ [115/ أ] ما قُصِدَ به ذلك؛ (فَعَّالٌ) في ذي اللُّزوم1، و (فَاعِلٌ) في غيره. فذو اللّزوم: كالحِرْفة والصّناعة؛ كـ (بَزَّاز) 2 و (لبّان) و (زيّات) و (تمّار) 3 و (خبّاز) و (نجّار) . وغير [ذي] 4 اللّزوم: كـ (تَامِر) و (لاَبِن) و (رَامِح) 5. وتتعيّن6 الياء إِنْ خيف اللّبس؛ كـ (كِتَّانِيّ) 7 و (خاتِميّ) - لصانع الخواتم -. [وقد يغني (فَعّال) في غير ذي اللّزوم عن (فاعل) ؛ كـ (نَبّال) و (بَقَّال) و (سيّاف) ] 8.

وقد يُغني (فَعِل) 1 عن ذي الياء؛ كقولهم: (نَهِرٌ) بمعنى: نَهَارِيٌّ، وعليه قولُ الشّاعر: مَنْ يَكُ لَيْلَيًَا2 فَإِنِّي نَهِرْ ... لاَ أُدْلِجُ اللَّيْلَ وَلَكِنْ أَبْتَكِرْ3 وإذا نسبتَ إلى جماعة فالنّسب إلى واحدها؛ فتقول في النّسب إلى (الفرائض) : فَرَضِيٌّ، وإلى (البَطَائِح) : بَطَحِيّ؛ إلاّ أن يكون ذلك الجمع قد سُمِّي به احد بعينِه، فيُنسب إلى لفظ الجمع؛ كرجل سمّي (كلابًا) فالنّسب إليه: كِلاَبِيّ، وكالبلد المُسمّى بـ (المدائن) فالنَّسب إليه: مدائِنيّ. وفي ذلك شواذّ لا يُقاس عليه4؛ كقولهم في النَّسب إلى (الرَّيّ) :

رَازِيّ، وإلى (البَحْرين) : بَحْرَانِيّ، وإلى (السَّهْل) : سُهْلِيّ - بضمّ السّين-، وإلى (الرّقبة) و (اللّحية) : رَقَبَانِيّ1، ولِحْيَانِيّ2. وأمّا قولُهم: (رجل دُهْرِيّ) فإنْ عُنيَ به التّعطيل3كان النّسب بفتح الدّال على طرْد القياس؛ وإنْ عُنيّ به المُسِنُّ كان النّسب بضمّ الدّال ليفصل بينهما؛ [والله أعلم بالصّواب] 4. [115/ ب]

_ 1 الرَّقَبَانِيُّ: الغليظُ الرّقبة. اللّسان (رقب) 1/428. 2 اللِّحْيَانِيُّ: طويل اللّحية. اللّسان (لحا) 15/243. 3 المراد بالتّعطيل: نفي الصّفات الإلهيّة، وإنكارُ قيامها بذاته تعالى. فالرّجل الدّهريّ هو: الملحِد الّذي لا يؤمن بالآخرة؛ فهو معطِّلٌ لشريعة الله. 4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

باب التوابع

بَابُ التَّوَابِعِ: وَالْعَطْفُ وَالتَّأْكِيدُ1 أَيْضًا وَالبَدَلْ ... تَوَابِعٌ يُعْرَبْنَ إِعْرَابَ الأُوَلْ وَهَكَذَا الْوَصْفُ إِذَا ضَاهَى الصِّفَهْ ... مَوْصُوفُهَا مُنَكَّرًا أَوْ مَعْرِفَهْ تَقُولُ: خَلِّي الْمَزْحَ وَالمُجُونَا ... وَأَقْبَلَ الحُجَّاجُ أَجْمَعُونَا وَامْرُرْ بِزَيْدٍ رَجُلٍ ظَرِيفِ ... وَاعْطِفْ عَلَى سَائِلِكَ الضَّعِيفِ التّوابعُ خمسة؛ وهي: التّأكيد، والبَدَل، والوصف، وعطف البيان، وعطف الحرف. والتّابِع هو: المشارك ما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدّد2. فـ (المشارك ما قبله) : يشمل التّابع وغيره. [و] 3 قوله: (الحاصل والمتجدّد4) : يخرج خبر المبتدأ، والحال من المنصوب.

_ 1 في متن الملحة 42، وشرح الملحة 286: وَالتَّوْكِيدُ. 2 في أ: والمتحدّد، وهو تصحيف. وهذا هو تعريف شيخه ابن النّاظم 490. 3 العاطِف ساقطٌ من ب. 4 في أ: والمتحدّد، وهو تصحيف.

باب حروف العطف

[بَابُ] 1 حُرُوفِ العَطْفِ: وَأَحْرُفُ الْعَطْفِ جَمِيعًا عَشَرَهْ ... مَحْصُورَةٌ مَأْثُورَةٌ مُسَطَّرَهْ الْوَاوُ وَالْفَاءُ وَثُمَّ لِلْمَهَلْ ... وَلاَ وَحَتَّى ثُمَّ أَوْ وَأَمْ وَبَلْ وَبَعْدَهَا لَكِنْ وَإِمَّا إِنْ كُسِرْ ... وَجَاءَ لِلتَّخْيِيرِ فَافْهَمْ2 مَا ذُكِرْ [116/ أ] العطفُ؛ عطفُ3 النّسق [و] 4 هو: الجمعُ بين الشّيئين أو الأشياء في الإعراب والمعنى، أو الإعراب دون المعنى5. ويُعرّف بأنّه: التّابعُ المتوسّط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف؛ وهي عشرة6:

(الواو) و (الفاء) و (ثُمَّ) : وهذه الثّلاثة أخوات؛ لأنّها تَجمع بين الشيئين1 في الإعراب والمعنى. و (أَوْ) و (إِمَّا) و (أَمْ) 2: وهذه أخوات؛ لأنّهنّ3 لأحد الشّيئين أو الأشياء. و (بَلْ) و (لكن) 4: أُختان؛ لأنّ الاستدراك والإضراب يتقاربان.

و (لا) و (حتَّى) 1: منفردتان2؛ لاختلاف معناهما. وأمّا معانيها: فـ (الواو) معناه3: الجمع من غير ترتيب؛ فإنّك إذا قلتَ: (قَامَ زيدٌ وعمروٌ) احتمل ثلاثة4 معانٍ: أن يكون كلّ منهما قد تقدّم قبل صاحبه، وأن يكونا5 فعلاه [116/ ب] معًا، ومنه قولُه تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} 6. و (الواو) في كلام العرب على ستّة أضرُب7: (واوٌ جامعة عاطفة) ، و (واوٌ جامعة غير عاطفة) - وهي واوُ المفعول معه-،

و (واوُ قسم) ، و (واوُ رُبَّ) ، و (واو حالٍ) - وهي واو الابتداء، مثل: قام زيدٌ وهو ضاحك -، و (واوٌ تنصِبُ الفعل المستقبل) بإضمار (أَنِ) . و (الفاء) معناها: التّرتيب من غير مُهلة1، خلاف (الواو) ؛ لمجيئها جوابًا للشّرط، مثل: (إِنْ تَقُمْ فأنا أقوم2 معك) ؛ فلا تقع3 إلاّ بعد القيام الأوّل. وتقع متبعة عاطفة؛ مثل: (أكرمتُ زيدًا فَعَمْرًا) ؛ ومتبعة غير عاطفة في باب الشّرط والجزاء. وتقع للسّبب، كقولك: (سَافَر فغنم) . وتكونُ زائدة عند الأخفش4؛ لأنّه يُجيز5: (زيد فمنطلق) .

[و] 1 (ثُمَّ) معناها2 كمعنى (الفاء) ؛ إلاّ أنّ فيها مهلة3. وقيل4: خُصّت بذلك لأنّها أكثر من حرفٍ فتراخى معناها كتراخي لفظها. وقد تقع5 موقع الفاء، كقول الشّاعر: كَهَزِّ الرُّدَيْنِيِّ تَحْتَ الْعَجَاجِ ... جَرَى فِي الأَنَابِيْبِ ثُمَّ اضْطَرَبْ6 و (أو) 7 معناه: [أنّه] 8 يعطف به في الطّلب والخبر؛

فإذا عُطف1 بها [في الطّلب] 2 كانت إمَّا للتّخيير في كلّ ما أصله الحظر3؛ نحو: (خُذ هذا أو ذاك) 4؛ وإمّا للإباحة فيما ليس أصله الحظر؛ [117/ أ] نحو: (جَالِس الحَسَنَ أو ابنَ سيرين) 5. والفرق بينهما: أنّ التّخيير ينافي الجمع، والإباحة لا تأباه6. وإذا عُطف بها في الخبر فهي: إمّا للتّقسيم7، كقولك: (الكلمة اسمٌ8، أو فعلٌ، أو حرفٌ) .

وإمّا للإبهام على السَّامع، كقوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} 1، وكقولك: (قدم زيد راغبًا أو راهبًا) مع علم المتكلِّم كيف جاء. وإمّا لشكّ [المتكلِّم] 2في ذي النّسبة3، كقولك: (جاءني فلانٌ أو فلان) . أو للإضراب4، وهو كقوله تعالى: {إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} 5. أو للجمع6، كقول الشّاعر: جَاءَ الْخِلاَفَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ... كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ7

[و] 1 (إِمَّا) معناها كمعنى (أَوْ) في الأقسام الأربعة2؛ إِلاّ أنّها أقعد في المعنى من (أَوْ) ؛ مِن قِبَل أنّ الكلام من أوّل وَهْلَة يبنى على الشّكّ، أو للإباحة، أو للتّخيير3، مع (إِمّا) 4. ولا يُعطف بها إلاّ وهي مكرّرة، مثل: (قام [إمَّا] 5 زيد وإمّا عمرو) 6. وقد يُستغنى عن الثّانية بـ (إِلاّ) كقول الشّاعر: فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بِصِدْقٍ ... فَأَعْرِفَ مِنْكَ غَثِّي مِنْ سَمِيني وَإِلاَّ فَاطَّرِحْنِي وَاتَّخِذْنِي ... عَدُوَّاً أَتَّقِيكَ وَتَتَّقِينِي7 [117/ب]

[و] 1 (أَمْ) معناه: الاستفهام؛ وهي متّصلة، ومنفصلة منقطعة. فالمتّصلة يجتمع فيها ثلاث شرائط: تكون مع الألِف2 للاستفهام، وتكون مقدَّرة بـ (أي) ، ويكون جوابها معيّنًا؛ مثل: (أقام زيدٌ أَمْ3 عمرو؟) ، فالمعنى: أيُّهما قام؟، والجواب: التّعيين4. ولو كان بدل (أم) (أو) في قولك (أو عمرو) لم يكن جوابها تعيين5شخص؛ وإنّما جوابها (نعم) أو (لا) ؛ لأنّها مقدّرة بمعنى الأحديّة؛ فكأنّه قال: أحدُهما قام. وإنْ6 كانت بغير ألِف استفهام، أو بـ (هل) 7 فهي منقطعة

ولم تقتض تعيينًا، كقوله تعالى: {لاَرَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} 1 فهذه مقدّرة2 بـ (بل) والهمزة؛ [و] 3 المعنى: بل أيقولون4. وقول بعض العرب: (إِنَّهَا لإبلٌ أَمْ شَاء5) كأنّه قال: بَلْ أَهِيَ شَاء؛ وكأنّ الكلام الّذي بعدها قد انقطع ممّا قبلها؛ فلذلك سُمِّيت منقطعة. وقد تُفيد6 الإضراب وحده، كقول الشّاعر: عُوجُوا7 فَحَيُّوا أَيُّهَا السَّفْر ... أَمْ كَيْفَ يَنْطِقُ مَنْزِلٌ قَفْرُ8 أراد: بل كيف.

والمتّصلة ليستْ كذلك، بل ما قبلها وما بعدها لا يستغني [118/ أ] أحدُهما عن الآخر؛ لأنّهما مفردان تحقيقًا أو1 تقديرًا، و2 نسبة الحكم3 عند المتكلّم إليهما معًا، أو4 إلى أحدهما من غير تعيين. [و] 5 (بَلْ) معناه: الإضراب بعد إيجاب6 أو نفي7؛ كقولك: (ما جاءني زيدٌ بل عمرو) 8 و (جاءني9 خالدٌ بل سعيد) 10، وتقول: (لا تضرب خالدًا بل بِشْرًا) فتقرّر نهيَ المخاطَب عن ضرب (خالد) ، وتأمُره11 بضرب (بِشر) .

[و] 1 (لَكِنْ) معناه: الاستدراك بعد النّفي خاصّة؛ كقولك: (ما جاءني زَيْدٌ لَكِنْ عمرٌو) ، [ولا يجوز: (جاءني زيدٌ لكن عمرو) ] 2؛ لأنَّ (لَكِنْ) مدخلة على حروف العطف، و (بل) أقعد منها؛ فلذلك جاز فيها الوجهان. أو بعد النّهي، كقولك: (لاَ تَضْرِب زَيْدًا لَكِنْ عَمْرًا) . وتدخُل الواو على (لَكِنْ) ، كقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ} 3فتعرّى عن العطف4؛ لامتناع دُخول العاطِف على العاطِف. [و] 5 (لاَ) معناه6 في العطف: إخراجُ الثّاني ممّا دخل فيه الأوّل. ولا يُعطف7 بها إلاّ بعد إيجاب خلاف (لكن) ؛ تقولُ: (قامَ زيدٌ لا عمرو) ، ولا يجوز: (ما قام زيدٌ لا عمرو) 8. والمراد: قصر الحكم على ما قبلها9، كاعتقاد إنسانٍ أنّ زيدًا

كاتب وشاعر، وهو مخطئ في اعتقاد1 كونه شاعرًا، وأردتّ أن تردّه إلى الصّواب [118/ ب] فقلتَ: (زيدٌ كاتبٌ لا شاعرٌ) . وأَمّا (حَتّى) فمعناها: غاية في تعظيم شيء أو تحقيره؛ والمعطوف بها على شرطين2: أن يكون قليلاً بعد كثير3، وجنسًا له. وهو إما لارتفاع4، وإمّا لدناءة؛ فمعنى الارتفاع قولك5: (مات النّاسُ حتّى الأنبياء) ، ومعنى الدّناءة قولك: (قَدِمَ الحُجّاج حتّى الضُّعفاء) و (قام القومُ حتّى زيد) . ولا يجوز: (قام زيدٌ حتّى عمرو) 6، ولا يُقال: (خرج القوم حتّى الحمار) ؛ لعدم الجنسيّة، ويجوز جميع7 ذلك في (الواو) .

وقد عُطِف1 بـ (حَتَّى) الأقوى والأضعف معًا في قول الشّاعر: قَهَرْنَاكُمُ حَتَّى الكُمَاةَ فَكُلُّكُم ... يُحَاذِرُنَا حَتَّى بَنِينَا الأَصَاغِرَا2 وحكم هذه الحروف: أنّ جميعها تدخل3 الثّاني في إعراب4 الأوّل من رفع، ونصب، وجرّ، وجزم. ومنها: أنّها يُعطف5بها جميع الأسماء بعضها على بعضٍ، على اختلاف أجناسها من مذكّرٍ على مؤنّث، ومؤنّثٍ على مذكّر، ومعرِفةٍ على نكِرة، ونكِرةٍ على معرِفة، وظاهرٍ على مُضمَر، ومُضمَرٍ على ظاهر، ومنصرِفٍ على غير منصرف، وغير منصرفٍ على منصرف. وجميعُ حروف العطف إذا عطفت بها الاسم الظّاهر على المضمَر المجرور احتيج إلى إعادة حرف الجرّ مع الظّاهر، كقولك: (مررتُ بك وبزيد) 6. [119/أ]

وكذلك عطف المضمَر المجرور على الظّاهر، كقولك: (مررتُ بزيدٍ وبك) ؛ فإنْ عطفت بها على المضمَر المرفوع المتّصل بالأفعال لم يجز ذلك العطف إلا بعد تأكيد المضمَر المرفوع؛ مثل: (قمتُ أنا وزيد) و (زيدٌ قام هو وعمرو) ؛ لأنّ المضمَر المرفوع لَمّا اتّصل بالفعل اختلط به وصار كالجزء منه، فأتى بالتّأكيد إشعارًا بأنّ العطف على نفس الاسم المضمَر المرفوع. وكذلك لو عطفت على مضمَر متّصل منصوب1لم يحتج إلى تأكيد؛ لأنّه لم يتنزّل مع ما قبله منزلة الجزء منه. وحُروف العطف لا يجوز دخول بعضها على بعضٍ سوى (لا) و (لكن) و (إمّا) ؛ فإنّه يجوز دخول (الواو) عليهنّ؛ ويكون الحكم لـ (الواو) في العطف2، كقولك: (ما قام زيدٌ ولكن عمرو) فالعطف إنّما هو لـ (الواو) ، وإنّما دخلت (لكن) لمعناها3.

وكذلك: (قام إمّا زيدٌ وإمّا عمرو) فـ (الواوُ) هي العاطفة، ودُخول (إمّا) لمعناها1، وليست (إمّا) الأولى ولا الثّانية ههنا من حروف العطف2. وكذلك: (ما قام زيدٌ ولا عمرو) فـ (الواو) [119/ ب] عاطفة، و (لا) مؤكِّدة للنّفي. وَالْعَطْفُ قَدْ يَدْخُلُ فِي الأَفْعَالِ ... كَقَوْلِهِمْ: ثِبْ وَاسْمُ في الْمَعَالِي3 إذا عطفتَ فعلاً على فعل وَجَبَ أن يكون من نوع المعطوف عليه؛ كقولك: (قَامَ وقَعَدَ) و (قُمْ واقْعُدْ) و (زيدٌ يَصُومُ ويُصلِّي) و (لَمْ يتَّكِل ولم يَغْفُل) و (لن يبخل ولن يجبُن) ؛ [و] 4 هذا حكمه في المبنيّ والمعرب.

_ 1 وهو: التّخيير، أو الإباحة، أو التّقسيم، أو الإبهام، أو الشّكّ. يُنظر: ص 696 من هذا الكتاب. 2 لا يجوز أن تكون الأولى عاطفة؛ لأنّ حرف العطف لا يُبْتَدأُ به؛ ولا يجوز أن تكون الثّانية عاطفة؛ لأنّ معها (الواو) ، وحرفُ العطفِ لا يدخُل على مثله. 3 في ب: للْمَعَالِي. وقد ورد هذا البيتُ في آخر (باب التّوابِع) في متن الملحة 42، وفي أوّل هذا الباب في شرح الملحة 296. 4 العاطِف ساقطٌ من أ.

فصل التوكيد

فَصْلُ [التَّوْكِيدِ] :1 التَّوكيد: ويقال فيه: تأكيد، كما يقال في فعله: أكّدتّ، ووكّدتّ. والتّأكيد هو: تمكين معنى القول عند السّامع. وهو قسمان: لفظيٌّ ومعنويّ. فـ (اللّفظيّ) : إعادة المؤكِّد بلفظه، كقولك: (واللهِ إِنِّي ضعيفٌ إنّي ضعيف) ؛ وهذا يكون في الأسماء، والأفعال، والحُروف، والمفردات، والجُمل. و (المعنويّ) : هو إعادة الشّيء المؤكَّد بما يدلّ على معناه. وله تسعة ألفاظٍ؛ وهي: نفسه، [وعينه] 2، وكلّه، وكلاهما، وكلتاهما، وأجمع، وأجمعون، وجَمْعَاء، [وجُمَع] 3. فـ (النّفس) و (العين) : مقدَّمان على (كُلّ) 4؛ لأنّهما اسمان،

ولم يوضعا للتّأكيد1 في الأصل، في مثل: (طابت نفسه) [120/ أ] و (صحّت عينُه) فهما مضافان إلى ضمير المؤكّد، مطابِقًا له في الإفراد، والتّذكير، وفروعهما؛ تقولُ: (جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ) فترفع بذكر (النّفس) احتمالَ كون الجائي رسول زيد أو خبره؛ وكذلك إذا قلت: (لقيتُ زيدًا عَيْنَه) . ولفظهما في تأكيد المؤنّث كلفظهما في تأكيد2 المذكّر؛ تقول: (جاءت هندٌ نفسها) و (رأيتها عينها) . وأمّا في توكيد الجمع فيُجمعان على (أَفْعُل) ؛ تقول: (جاء الزّيدون3 أنفسُهُم) و (كلّمت الهندات أعيُنهنّ) 4. وكذا في توكيد المثنّى على المختار، تقول: (جاءَ الزّيدان أنفسُهما) و (لقيتُهما أعيُنهما) ؛ ويجوز فيهما الإفراد والتّثنية5. وكذا6 كلّ مثنّى7 في المعنى مضاف إلى متضمّنه، يُختار فيه لفظ الجمع على لفظ الإفراد8، ولفظ الإفراد على لفظ التّثنية، ومن ذلك9 قولُ الشّاعر:

حَمَامَةَ بَطْنِ الْوَادِيَيْنِ تَرَنَّمِي ... سَقَاكِ مِنَ الْغُرِّ الغَوَادِي مَطِيرُهَا1 و (كُلٌّ) 2: مقدَّمٌ على (أَجْمَع) ؛ لأنّ (كلاًّ) يُستعمل تأكيدًا، و3 يُستعمل اسمًا غير تأكيد، ويؤكَّد4به غير المثنّى ممّا له أجزاء يصحّ وُقوع بعضها موقعه، كقولك: (جاء الجيش كلّه) و (القبيلة كلّها) و (القومُ كلّهم) و (النّساء كلّهنّ) فامتنع كونُ [120/ ب] الجائي بعض المذكور. و (كِلاَ) و (كِلْتَا) : يؤكَّد بهما المثنّى؛ نحو: (جاء الزّيدان كلاهُما) (الهندان5 كلتاهما) . وأمّا (أَكْتَعون، أبصعون6، كُتَع، بُصَع، [أَكْتَع، أَبْصَع] 7،

كَتْعَاء، بَصْعَاء) فكلُّها اتباع لـ (أجمع) لا تُستعمَل1 إلاّ معه؛ هذا كلُّه تأكيد معنويّ. والغرض به: تمكينُ2 المعنى في نفس3 المخاطَب، وإزالة الشّكّ؛ فعلى هذا تقولُ: قام القوم أنفسُهم أعينهم [كلُّهم] 4 أجمعون أكتعون أبصعون5؛ وتقولُ: جاء الجيشُ كلّه أجمع أكتع أبصع، والقبيلة كلّها جمعاء كتعاء بصعاء، والهنداتُ كلّهنّ جُمَع كُتَع بُصع. ولا يحسُن: (قام القوم [كلُّهم] 6 أنفسهم أعيُنهم) أو (أجمعُهم كلّهم) 7. وجميعُ هذه يؤكّد بها ما يتبعّض، إلاّ النّفس والعين فإنّه يؤكَّدُ بهما ما يتبعّض وما لا يتبعّض؛ لأنّهما موضوعان لتحقيق الشّيء لا للإحاطة والعُموم.

وجميعُ هذه الأسماء لا يجوز أن تُقطع عن1 إعراب ما قبلها كما يفعل2 بالنّعت؛ لأنّه ليس فيها معنى مدح3 ولا ذمّ. وشَذَّ قولُ بَعْضِهِم4: "أَجْمَعُ أَبْصَعُ"5، وربّما أُكِّدَ بـ (أكتع) 6 [و] (أبصع) غير مسبوقين بـ (أجمع) ، ومنه قولُ الرّاجِز: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ صَبِيًّا مُرْضَعَا ... تَحْمِلُنِي الذَّلْفَاءُ7 حَوْلاً أَكْتَعَا إِذَا بَكَيْتُ قَبَّلَتْنِي أَرْبَعَا ... وَلاَ أَزَالُ الدَّهْرَ أَبْكِي أَجْمَعَا8 [121/ أ]

ففي هذا1 الرّجز إفرادُ (أَكْتَع) عن (أَجْمَع) ، وتوكيد النّكرة المحدودة، والتّوكيد بـ (أَجْمَع) غير مَسْبُوقٍ بـ (كلّ) . والكوفيّون2 يجيزون توكيد النّكرة المحدودة كـ (يوم) و (ليلة) و (شهر) و (حول) مِمَّا3 يَدُلُّ على مُدَّةٍ مَعْلومةٍ4. فإنْ كانت غير محدودة فلا يجيزون توكيدها كـ (حين) و (وقت) و (زمان) ؛ لأنَّه لا فائدة في توكيدها. ومنع البصريّون توكيدها محدودة5. وقولُ الكوفيّين أَوْلَى بالصّواب6؛ فَإنَّ مَنْ قال: (صُمْتُ شَهْرًا)

قد يُريد جميع الشّهر، و [قد] 1 يريد أكثره2. فإذَا قال: (صمتُ شهرًا كلّه) ارتفع الاحتمال، فصار كلامه نصًّا3. ولو لم يُسْمَع من العرب ذلك لكان جائزًا، لِمَا فيه من الفائدة، فكيف واستعمالُه ثابتٌ - كما تقدّم -4، وكقول الآخر: ................................... ... قَدْ صَرَّتِ5 الْبَكْرَةُ يَوْمًا أَجْمَعَا6

وكقول الآخر: لَكِنَّهُ شَاقَهُ أَنْ قِيلَ ذَا رَجَبُ ... يَا لَيْتَ عِدَّةَ شَهْرٍ1كُلِّهِ رَجَبُ2 والتّوكيدُ اللّفظيّ هو: تكرارُ معنى المؤكّد بإعادة لفظه؛ خوفًا من النّسيان، [121/ ب] أو عدم الإصغاء3.

وأكثرُ ما يجيء مؤكِّدًا لجُملة1، كقول الشّاعر: أَيَا مَنْ لَسْتُ أَقْلاَهُ ... وَلاَ فِي الْبُعْدِ أَنْسَاهُ لَكَ اللَّهُ عَلَى ذَاكَ ... لَكَ اللَّهُ لَكَ اللَّهُ2 وكثيرًا ما تقترن الجملة المؤكِّدة3بعاطِف، كقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ. [ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ] 4} 5، وكقوله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى. ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} 6. والمثنّى يؤكَّدُ بـ (كِلاَ) و (كِلْتَا) ، كقولك: (لَقيتُ7 الأميرين8

كليهما1) و (دخلتُ الجنّتين كلتيهما) ، وليس الألِفان ألفيْ2 تثنية3، بل صيغ لفظُهما لتأكيد4 المثنّى؛ [وهما عند البصريّين5اسمان مفردان أُضيفا إلى مثنّى] 6، والدّليل على إفرادهما قولُه تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} 7 ولم يقل: (آتتا) فإِفراد الخبر عنهما دليلٌ على أنّها مفردة. ويؤكّد بضمير الرّفع المنفصل الضّمير المستتر، كقوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} 8. والضّمير المتّصل9؛ مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا، نحو: (فَعَلْتَ أَنْتَ) و (رَأَيْتَنِي أَنَا) و (مَرَرْتُ بِهِ هُوَ) .

_ 1 في ب: كلتيهما، وهو تحريف. 2 في أ: ألفا، وهو سهوٌ. 3 في ب: التّثنية. 4 في أ: التّأكيد، وهو تحريف. 5 هذا مذهب البصريّين؛ فهما عندهم مفردان لفظًا، مثنّيان معنىً. أمّا الكوفيّون فعندهم مثنّيان لفظًا ومعنىً. تُنظر هذه المسألة في: الإنصاف، المسألة الثّانية والسّتّون، 2/439، والهمع 1/136، والأشمونيّ 1/77، 78. 6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ. 7 من الآية: 33 من سورة الكهف. 8 من الآية: 35 من سورة البقرة. 9 أي: يؤكّد الضّمير المتّصل بضمير الرّفع المنفصل، سواء كان المتّصل مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا.

فصل البدل

فَصْلُ [البَدَلِ] :1 البَدَلُ2 هو3: إِعلامُ السّامع بمجموعي الاسمين4 على جهة البيان من غير أن ينوى بالأوّل منهما5 الطّرح6. و7 أقسامُه أربعة:

الأوّل: بدل كُلّ من كُلّ؛ كقولك: (هذا زيدٌ أخوكَ) ، وكقوله تعالى: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللهِ} 1. [122/ أ] والثّاني: بدل بعض من كلّ؛ كقولك: (هذا زيدٌ وجهه) ، وكقوله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} 2. والثّالث: بدل الاشتمال3؛ كقولك4: (أعجبني زيدٌ عقلُه) ، وكقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 5 [أي: عن قتالٍ في الشّهر الحرام] 6. والرّابع: بدل الغلط والنّسيان7؛ ولا يقع شيءٌ من ذلك في القرآن،

ولا في الشّعر، ولا في فصيح الكلام؛ كقولك: (هذا زيدٌ عمرو) [و] 1 سبق اللّسان على وجه الغلط إلى ذكر زيد. وأحكام البدل: أنَّ جميعه يجري على ما قبله في إعرابه؛ لأنَّه في البيان كالنّعت. ومنها: أنّه يجوزُ في بدل الكُلّ ثمانية أشياء2: بدل معرفة من معرفة:؛ كقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ} 3. وبدل نكرة من نكرة:؛ كقوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابَا} 4.

وبدل نكرة من معرفة:؛ فلا تبدّل النّكرة من المعرفة إلاّ إذا كانت موصوفة1؛ كقوله تعالى: {لَنَسْفَعَا بِالنَّاصِيَةِ. نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} 2. وكقول الشّاعر: ................................... ... وَقَفْتُ بِالدَّارِ دَارٍ أُنْسُهَا بَانَا3 [122/ ب]

وبدل معرفة من نكرة:؛ كقوله [تعالى] 1: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللهِ} 2، ولا تلزم3 النّكرة ههنا الصّفة. وبدل ظاهر من ظاهر: - وهو كما تقدّم -. وبدل مضمَر من مضمَر:؛ كقولك: (قصدتُّكَ إيَّاكَ) 4؛ لأنّهم لا يجيزون: (ضربتُني) ، ويُجيزون: (إيّاي) بجريان الضّمير المنفصل5 مجرى الأجنبيّ6. وبدل ظاهر من مُضمَر:؛ مثل: (مررت به المسكين) ويجوز رفع (المسكين) ولا يكون بدلاً؛ [و] 7من ذلك قولُه تعالى: {وَمَا أَنْسَانِيْهُ إِلاَّ

الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} 1 فـ {أَنْ أَذْكُرَهُ} في موضع نصب بدلاً2 من الهاء. وبدل مضمَر من ظاهر: 3؛ كقولك: (أكرمتُ زيدًا إيّاه) . فهذا كلّه جائز في [بدل] 4 الكلّ من الكلّ، وكذلك جائزٌ في بدل البعض، وبدل الاشتمال، إلاّ مضمَرًا من ظاهر، ومضمَرًا من مضمَر5. وجميع المعارِف يجوز [أن يبدل] 6منها إلاّ ضمير المتكلّم والمخاطب؛ لأنّهما على غاية من الوُضوح، فلا يحتاجان إلى بيان بدل7.

وبين بدل البعض وبدل الاشتمال شبه ما؛ والفرق بينهما1: أنّ غالب بدل الاشتمال أن يكون بالمصادر، كـ (العقل) و (النّبل) و (الجود) [123/ أ] وما أشبه ذلك؛ وبدل البعض بأسماء الأجناس الجوامد، كـ (اليد) و (الرّجل) وما أشبهه2. وأمّا بدل الغلط فلا يُقاس عليه؛ لأنّه يقع على غير قصد، والأولى في مثل هذا إذا وقع في كلام الإنسان أن يأتي بـ (بل) ؛ ليُعلم أنّه غالط. والأفعال يبدل بعضها من بعض3 إذا كان في الفعل4 الثّاني معنىً من الأوَّل؛ كقولك: (من يأتني يمشي5 أكلّمْه) و (ومن يتّق الله يطلب رِضاه أعظّمْه) ؛

ومن ذلك قولُه تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ} 1 فـ {يُضَاعَفْ} بدلٌ2 من {يَلْقَ} ؛ ولذلك3 جُزِمَ. وقولُ الرّاجز: إِنَّ عَليَّ اللهَ4 أَنْ تُبَايِعَا5 ... تُؤْخَذَ6 كَرْهًَا أَوْ تَجِيءَ7 طَائِعَا8 فأبدل (تؤخذ) من (تُبَايِعا) .

ومن الأسماء ما يجوز حمله [تارةً] 1على التّأكيد، وتارةً على البدل، مثل: (ضُرِبَ زيد اليد والرجل) فجعله تأكيدًا من جهة الحصر والعُموم؛ وجعله بدلاً من جهة تفصيل البعض؛ تقول: (مُطرنا السَّهْلَ والجَبَلَ) ، [والسَّهْلُ والجَبَلُ] 2 فالرّفعُ على البدل تقديرُه: مُطِرَتْ أرضُنا سهلُها وجبلُها، والنّصبُ عند قومٍ على الظّرف، أو على حذف حرف الجرّ عند آخرين3. وممّا أنشد من البدل [قولُه] 4: [123/ ب] وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٍ صَحِيْحَةٍ ... وَأُخْرَى رَمَى فِيْهَا الزَّمَانُ فَشَلَّتِ5

شاهدٌ على إبدال النّكرة من النّكرة؛ وقد يجوز الرّفع على تقدير: (ومنهما رجل) أو (إحداهما1 رجل) ؛ وأمّا بيتُ الأعشى: لَقَدْ كَانَ فِي حَوْلٍ ثَوَاءٍ ثَوَيْتَهُ ... تَقَضِّي لُبَانَاتٍ وَيَسْأَمَ سَائِمُ2 فشاهدٌ على بدل الاشتمال؛ لأنّ (الثّواء) : الإقامة في الحول3، وهو مشتمل عليه؛ و (تَقَضِّي لُبَاناتٍ) اسم كان، فتَنصب4 (يسأمَ) بإضمار (أن) وترفعه5؛ فاسم6 كان على هذه الرّواية ضمير شأن

وقصّة، مضمَر1 في كان لا يظهر؛ و (تُقَضَّى لُبانات) جملةٌ في موضع نصب خبرًا لكان، و (يَسْأَمُ) فعل مرفوع معطوفٌ على مثله، و (في) متعلّقة بـ (تُقَضَّى) .

_ 1 في ب: يضمر.

فصل النعت

[فَصْلُ] النَّعْتِ: الغرض من النّعت1: تخصيص نكرة، أو إزالة اشتراك عارض في معرفة، أو ثناء، أو مدح، أو ذمّ وهجاء. فالنّعتُ هو: وصف المنعوت بمعنىً فيه2، أو في شيء من سببه3بالمشتقّات، أو ما ينزّل4منزلة المشتقّات. فالمشتقّات أسماء الفاعلين والمفعولين5، نحو: (هذا الرّجل الضّارب) و (الرّجل المضروب) 6. [124/أ] والمنزّل منزلة المشتقّ قولُك: (هذا ثوب خمسون ذراعًا) يقع موقع (طويل) 7.

والنّعتُ تابعٌ للمنعوت1 في عشرة2 أشياء: في رفعه، ونصبه، وجرّه، وتعريفه، وتنكيره، وإفراده، وتثنيته، وجمعه، وتذكيره، وتأنيثه. [و] 3 لا يختلف شيءٌ من ذلك من قبَل أن النّعت والمنعوت كالشّيء الواحد. والأسماء منها4: ما لا يوصف ولا يوصف به؛ وهي المضمَرات5كلّها6؛ لأنّها قد أشبهت الحروف ولم تُضمر إلاّ وقد عُرِفَتْ؛

فلا يجوز: (نزلتُ عليه الكريم) ولم يوصَف بها؛ [لأنّها] 1 ليست بمشتقّة. ومنها: ما يوصف ولا يوصَف به؛ وهي الأسماء الأعلام كلّها2؛ [و] 3 توصَف لإزالة الاشتراك العارِض، ولا يوصَف بها؛ لأنّها ليست بمشتقّة، ولا واقعة موقع المشتقّ. ومنها: ما يوصف بها ولا توصف؛ وهي الجُمل؛ كقولك: (هذا رجل عقلُه وافر) ، و (هذه امرأة حسن صوتُها) 4 و (مررت برجلٍ أبوه عالم) يوصف بها؛ لأنَّها تخصيص، وفيها معنى الفعل، ولا توصف؛ لأنّها بمنزلة الفعل والفاعل، والأفعال الصّناعيّة5لا توصف. ومنها: ما يوصف ويوصف به؛ وهي ثلاثة: أسماء الإشارة6، تقول (جاءني هذا الرّجل) و (جاءني زيدٌ هذا) بمنزلة: جاءني زيدٌ المُشار إليه. [124/ب]

والأسماء المضافة توصَف ويوصَف بها، كقولك: (جاءني غلام زيد العاقل) و (زيدٌ صاحبُ الدّار) . وما فيه الألِف واللاّم، تقول: (جاءني زيدٌ العاقل) و (الرّجل الكاتب) . وتوصف النّكرة بما يجانِسها من النّكرة، وبالمضاف الّذي إضافته غير محضة؛ كقولك: (جاءني رجلٌ قائلُ الحقِّ) ، وجاز ذلك مع كونه مضافًا إلى معرفة؛ لأنّ الإضافة غير محضة، والتّنوينُ فيها مقدَّر، إذْ أصلُ الكلام: (قائلٌ1 الحقَّ) ، ومنه قولُه تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} 2. وقد يقع الفعلان الماضي والمضارِع موقع الصِّفة النّكرة، كقولك: (رأيتُ كوكبًا طلع) و (أقبل رجلٌ يضحَكُ) . ويوصَف - أيضًا - بالجُمل، كقولك: (جاءني رجلٌ كريم أبوه) و3 لا بُدّ في الجملة الموصوف بها من ضمير ترتبط4 به5.

ويُوصف بالمصدر على تأويله بالمشتقّ، كقولهم: (رجلٌ عَدْلٌ) و (رِضًا) و (امرأةٌ رِضًَا) و (رجلان رِضًا) و (رجال رضًا) 1؛ والأصل: [رجل] 2 ذُو رِضًا، وامرأةٌ ذاتَ رِضًا، وجلان ذَوا رضًا، ورجالٌ ذَوُو رضًا3. ومتى ترادَفت النُّعوتُ لمدح أو ذمّ4 جاز أن يتبع بعضها الموصوف في إعرابه؛ وجاز أن يخالفه بقطع5 الأخير؛ إيذانًا وتنبيهًا على المدح أو6 الذّمّ. [125/أ]

و1 القطع بشيئين؛ بالنّصب، والرّفع. [فالنّصبُ] 2 بمقتضى ناصب لا يظهر. والرّفع بمقتضى3 تقدير رافع لا يظهر في اللّفظ، وعلى ذلك أنشدوا بيتَيْ الخِرْنِق، وهما4: لاَ يَبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِينَ هُمُ ... سُمُّ العُدَاةِ وَآفَةُ الجُزُرِ النَّازِلِيْنَ بِكُلِّ مُعْتَرَكٍ ... وَالطَّيِّبُونَ مَعَاقِدَ الأُزُرِ5

فلمّا تقدّم نعتٌ قد طالتْ1 صلته وفيه مدح قطع، فنصب (النّازلين) بإضمار (أعني) ، ورفع (الطّيّبين) بإضمار (هم) . وفي إعراب هذا البيت أربعة أوْجُه: رفعُهما2 جميعًا، ونصبُهما3، ورفع الأوّل ونصب الثّاني4، وعكسُه5؛ وعلى هذا6 قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ} 7

لأنّه قد اجتمع الشَّرْطان1. فصل: وقد يأتي النّعت لزيادة البيان؛ ومنه قولُه تعالى: {فَأمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ} 2. ولمجرّد المدح؛ كقوله تعالى: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} 3؛ أو الذّمّ كـ (أعوذُ باللهِ من الشّيطان الرّجيم) . [125/ب]

وقد يُحذف1 للعلم به؛ فيُستغنى بمعناه عن لفظه2، كقوله تعالى: { [قُلْ] 3 يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} 4 أي: على شيء نافع، ومنه قولُ الشّاعر: وَرُبَّ أَسِيْلَةِ الخَدَّيْنِ بِكْرٍ ... مُهَفْهَفَةٍ لَهَا فَرْعٌ وَجِيْدُ5 [أي: فَرْعٌ وَافِرٌ، وَجِيْدٌ طَوِيلٌ] 6.

_ 1 أي: النّعت؛ وكذلك يُحذف المنعوت إِنْ عُلِمَ، نحو قوله تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 11] أي: دُروعًا سابغات. ابن عقيل 2/190. 2 في ب: عن اللّفظ به. 3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب. 4 من الآية: 68 من سورة المائدة. 5 هذا بيتٌ من الوافر، وهو للمرقّش الأكبر. والشّاهدُ فيه: (لها فرعٌ وجِيْدٌ) على ما ذكر الشّارح. يُنظر هذا البيت في: المفضّليّات 224، وشرح عمدة الحافظ 1/552، وأوضح المسالك 3/18، والمقاصد النّحويّة 4/72، والتّصريح 2/119، والأشمونيّ 3/72. 6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

فصل عطف البيان

فَصْلُ عَطْفِ البَيَانِ: العطف في اللّغة1: الرُّجوع؛ فكأنّهم في عطف الاسم الثّاني على الأوّل رجعوا إلى الأوّل فأوضحوه بالثّاني، غير محتاجٍ إلى حرف كاحتياج عطف النّسق، كقول الشّاعر: وَلَقَدْ أَعْطِفُهَا كَارِهَةً ... حَيْثُ لِلنَّفْسِ مِنَ المَوْتِ هَرِيْرُ2 أي: أرجعها. هذا هو التّابع الموضّح المخصّص متبوعه غير مقصود بالنّسبة، ولا مشتقًّا، ولا مؤوّلاً بمشتقّ3؛ كقوله: أَقْسَمَ بِاللهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ4

فـ1 (الموضّح والمخصّص) : يخرج التّوكيد2، وعطف النّسق. و (غير مقصود بالنّسبة) : يخرج3 البدل؛ لأنّه في نيّة تكرار4 العامل. و (لا مشتقًّا ولا مؤوّلاً به) 5: [يخرج النّعت] 6. وعطف البيان لا يكون إلاّ جامِدًا، وإنْ كان كالصّفة كاشفًا حقيقة المقصود به. [126/أ] وشرط عطف البيان أن يُطابِق ما قبله في التّعريف والتّنكير7،

ويختصّ بالأسماء الأعلام والكُنى؛ وهما لا يوصف بهما؛ مثالُه: (رأيتُ أخاك زيدًا) و (لقيت أبا محمدٍ عمرًا) و (مررتُ بعليٍّ أبي الحسن) فـ (زيد) وأبو الحسن) و (أبو محمد) عطف بيان. وهو كالوصف، ووجه المشابهة1بينه وبين الصّفة: أنّ الصّفة تدلّ على الذّات باعتبار المعنى الّذي وضعت له. وعطف البيان يدلّ2 على الذّات من غير اعتبار معنى زائد على مفهوم الذّات3. والفائدة الحاصلة بعطف البيان: أنّه إذا كان المسمّى اسمًا ولقبًا4، أو اسمًا وكُنية، ثم حصل اشتراكٌ في أحدهما بيّنته بالآخر؛

[فإذا قلتَ: (جاء محمّد أبو عبد الله) ] 1 فقد بيّنت2 الأوّل بالثّاني3 كالصّفة. ومنهم مَن يجعل صفات أسماء الإشارة عطف بيان4؛ لعدم اشتقاقها؛ وكونها من أسماء الأجناس. ومن الفرق بين عطف البيان والبَدَل في اللّفظ؛ وذلك في موضعين: أحدهما: النّداء5. والثّاني: اسم الفاعل المعرّف بالألِف واللاّم إذا أُضيف إلى معرّف باللاّم، ثم عُطِف على المضاف إليه؛ [126/ب] وقد جاء الوجهان في قول الرّاجز6: ........................................ ... ............ يَا نَصْرُ نَصْرٌ نَصْرَا7

وفي قول الشّاعر: أَنَا ابْنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ وُقُوعَا1 أمَّا (نصر) الأوّل فمنادى2 مضموم، والثّاني عطف3 بيان؛ 1 هذا البيتُ من الوافر، وهو للمِرّار بن سعيد الأسديّ.

بدليل تنوينه، ولو كان بدلاً لوجب بناؤُه على الضّمّ؛ لأنّ العامل في البدل مرادٌ؛ وأمّا (نصر) الثّالث فمنصوب إمّا على المصدر، أي: (انصر نصرًا) ، وإمّا على عطف بيان على الموضع1. الثّاني2 في قوله: (أنا ابن التّارك البكريّ بشر) بالجرّ3؛ فإنَّه إذا نصب جاز أن يكون بدلاً من (البكريّ) 4؛ لأنّ موضعه نصب؛ ولأنّ البدل في حكم تكرير العامل، وإذا كرّرت لم يكن له في (بشر) إلا نصبه5، نحو: (التّارك بشرًا) ؛ لأنّ اسم الفاعل المعرّف باللاّم لا يُضاف إلى غير المعرّف إلاّ عند الفرّاء - على ما قيل-6. فـ (بشر) بالجرّ لا يجوز أن يكون بدلاً7 من (البكريّ) 8؛ فإن نصبته جاز أن يكون بدلاً، وأنّ النّاصب له (التّارك) مقدَّرًا9 قبله مكرّرًا، لا (التّارك) الأوّل.

_ 1 وقد رُوي في (نصر) الأوّل وجهان: ضمُّه، ونصبه. والثّاني رُوي فيه أربعة أوجُه: ضمُّه، ورفعُه، ونصبُه، وجرّه. والثّالث رُوي فيه وجهُ واحد؛ وهو: النّصب. يُنظر: شرح المفصّل 2/3، والخزانة 2/219 ـ 221. 2 في ب: والثّاني. 3 فـ (بشر) بالجرّ عطف بيان على (البكريّ) لا بدل؛ لأنّ البدل في نيّة تكرار العامل. 4 في ب: النّكرة، وهو تحريف. 5 في أ: إلاّ نصبٌ. 6 يُنظر: شرح عمدة الحافظ 2/605، وابن النّاظم 518، وأوضح المسالك 3/37، وابن عقيل 2/205، والتّصريح 2/133، والأشمونيّ 3/87. 7 في كلتا النّسختين: عطف بيان، وهو سهوٌ من النّاسخ، والصّواب ما هو مثبت؛ والعِلّة في عدم الجواز: لأنّ البدل في نيّة تكرار العامل. 8 في ب: النّكرة، وهو تحريف. 9 في ب: فتقدّر.

باب ما لا ينصرف

بَابُ مَا لاَ يَنْصَرِفُ: هَذَا وَفِي الأَسْمَاءِ مَا لاَ يَنْصَرِفْ ... فَجَرُّهُ كَنَصْبِهِ لاَ يَخْتَلِفْ وَلَيْسَ لِلتَّنْوِينِ فِيهِ مَدْخَلُ ... لِشِبْهِهِ1 الْفِعْلَ الَّذِي يُسْتَثْقَلُ [127/ أ] مِثَالُهُ أَفْعَلُ2 فِي الصِّفَاتِ كَقَوْلِهِمْ: أَحْمَرُ فِي الشِّيَاتِ الاسم أصلُه الصَّرْفُ؛ وهو الجرّ والتّنوين3. وقيل: صرفه عن شبه الفعل بوجهٍ؛ لأنّ في الأسماء ما شابه الفعل بعلّتين فرعيّتين من علل تسع، فامتنع لذلك4 ممّا5 يمتنع منه الفعل؛ وذلك

لأنّ في الفعل فرعيّة على الاسم في اللّفظ؛ وهي اشتقاقه من المصدر1، وفرعيّة في المعنى؛ وهي احتياجه إلى الفاعل، ونسبته إليه، والفاعلُ لا يكون إلاَّ اسما؛ فالاسم حينئذ أصل الفعل2، فمتى وافق الاسم الفعل في لزوم علّتين فرعيّتين امتنع من التّنوين والجرّ؛ لأنّهما لا يدخلان الفعل. والصَّرْفُ قيل: هو مَأخوذٌ من صَرِيْفِ البَكْرَةِ، أو من صريف ناب البعير3؛ لأنّ التّنوين قريب من ذلك. وموانع الصّرف هذه4: شَيْئَانِ مِنْ تِسْعَةٍ فِي اسْمٍ إِذَا اجْتَمَعَا ... لَمْ يَصْرِفَاهُ وَبَعْضُ الْقَوْلِ تَهْذِيبُ عَدْلٌ وَوَصْفٌ وَتَأْنِيثٌ وَمَعْرِفَةٌ ... وَعُجْمَةٌ ثُمَّ جَمْعٌ ثُمَّ تَرْكِيبُ وَالنُّونُ زَائِدَةً مِنْ قَبْلِهَا أَلِفٌ ... وَوَزْنُ فِعْلٍ وَهَذَا الْقَوْلُ تَقْرِيبُ5 [127/ ب] فالعدلُ فرعٌ على المعدول عنه، وهو تغيير اللّفظ مع بقاء ما كان

عليه من المعنى؛ وهو على ضربين: عدلٌ ملتزم بالصّفة، نحو: (مَثْنَى) و (ثُلاَث) و (رُبَاع) ؛ ويقال في هذا المعدول عن العدد: مَثْلَثْ، ومَرْبَعْ. وأجاز الكوفيّون، والزّجّاج1 قياسا على ما سُمِعَ: (خُمَاسَ) و (مَخْمَس) و (سُدَاسَ) و (مَسْدَس) ، وكذلك إلى (عُشَار) 2؛ ولم يَرِد ما سمع من ذلك إلاّ نكرة، كقوله تعالى: {أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} 3.

وكقول الشّاعر: وَلَكِنَّمَا أَهْلِي بِوَادٍ أَنَيْسُهُ ... ذِئَابٌ تَبَغَّى النَّاسَ مَثْنَى وَمَوْحَدُ1 ومن العدل المقابل مثل (أُخَر) في مقابلة (آخَرين) ، وهو جمع (أُخْرى) مؤنّث (آخِر) لا جمع (أُخْرَى) بمعنى (آخِرة) 2؛ لأنّ هذه غير معدولة.

الضَّرْبُ الثَّانِي: عارٍ من الصِّفة، ومنه علَمٌ للمذكّر؛ نحو: (عُمَر) و (زُفَر) عدلا عن عَامِر، وزَافِر. ومنه: (جُمَعَ) 1 لأنّه مغيّر عن صيغته2 الأصليّة وهي (جمعاوات) ؛ لأنّ (جَمْعَاء) مؤنّث (أَجْمع) 3؛ تقول: (مررتُ بالهندات كلّهنّ جُمَعْ) فلا4 يُصرف للتّأنيث [128/ أ] والعدل.

والوصفُ فرعٌ - على الموصوف والجُمود -؛ لأنّه مشتقٌّ، والمؤنّث فرعٌ على المذكّر؛ والتّنكير أصل، والتّعريف فرع عليه؛ والعُجمة فرعٌ على العربيّة؛ لاحتياجها إلى التّبيين بها، وبُعْدَ الاشتقاق من العربيّة أو عدمه؛ والجمع فرع على ما جُمع منه الإفراد؛ والتّركيبُ فرعٌ على ما رُكِّب1 منه؛ وما زيد في آخره ألِفٌ ونون فرعٌ على ما عُرّي من الزّيادة؛ ووزن الفعل كذلك. وجميع ما لا ينصرف أحد عشر ضرْبا؛ خمسةٌ منها لا تنوّن2 معرفة ولا نكِرة: أوّلها: وزن الفعل إذا كان صفة عاريا من لُحوق تاء التّأنيث به - وإن صغّر ك (أحيمر) لم تلحقه أيضا -، نحو: (أحمر) و (أبيض) و (أشهل) و (أحسن) ؛ احترازًا بتاء التّأنيث من (أَرْمَل) وهو الفَقير3، فضعف4 الشّبه، كقولهم: (امرأةأرملة) . و (أَرْبَعٌ) فهو أحقّ بالصّرف من (أرمل) ؛ لاعتراض الوصفيّة5.

ولم يصرف (أَدْهَم) 1- للقيد - نظرًا إلى كونه صفةً في الأصل. و (أَجْدَلٌ) للصّقر، و (أَخْيَلٌ) لطّائرٍ2 ذي خِيلان3، و (أَفْعًى) لضربٍ من الحيّات. فأكثرُ العربِ4 يصرفونه للتّجرّد عن الوصفيّة5؛ ومنهم6 مَن لا يصرفه لملاحظة معنى الوصفيّة، وهو في (أفعى) [128/ب] أبعد منه7 في (أجدل) و (أخيل) ؛ لأنّهما مأخوذان من (الجَدْلِ) وهو الشِّدّة8، ومن (المخيول)

وهو الكثيرُ1 الخيلان. و [أَمّا] 2 أفعى فلا مادّة [له] 3 في الاشتقاق، بل بذكره4. وممّا جاء فيه (أجدل) و (أخيل) غير مصروفين قولُ الشّاعر: كَأَنَّ العُقَيْلِيِّينَ يَوْمَ لَقِيتُهُمْ ... فِرَاخُ القَطَا لاَقَيْنَ أَجْدَلَ بَازِيا5 وقول الآخَر: ذَرِينِي وَعِلْمِي بِالأُمُورِ وَشِيمَتِي ... فَمَا طَائِرِي يَوْما عَلَيْكَ6 بِأَخْيَلاَ7

أَوْ جَاءَ فِي الْوَزْنِ مِثَالَ سَكْرَى1 ... أَوْ وَزْنَ دُنْيَا2 أَوْ مِثَالَ ذِكْرَى هذا ممّا فيه ألف التّأنيث مقصورة فهي تمنع صرف ما هي فيه؛ نكرةً كان، أو معرفة، أو اسما، أو صِفة، أو مفرَدًا، أو جمْعا، ك (ذكرى) 3 و (سكرى) 4 و (رضوى) و (مرضى) . وإنّما كانت وحدها سببا مانعا من الصّرف؛ لأنّهازيادة لازمة لبناء ما هي فيه5. ففي6 المؤنّث بها فرعيّة في اللّفظ؛ وهي لُزوم الزّيادة حتى كأنّها من أُصول الاسم، فإنّه7 لا يصحّ انفكاكها عنه.

وفرعيّة في المعنى [129/ أ] وهي الدّلالة على التّأنيث؛ ولا خِلافَ أنّه فرعٌ على التّذكير؛ لاندراج كلّ مؤنّث تحت مذكّر1، من غير عكس. أَوْ وَزْنَ فَعْلاَنَ الَّذِي مُؤَنَّثُهْ ... فَعْلَى كَسَكْرَانَ فَخُذْ مَا أَنْفُثُهْ2 هذا الاسم يمنع صرفَه الألفُ والنّون المزيدتان في (فَعْلاَن) صفةً لا تلحقه تاء التّأنيث، ك (سَكْرَان) و (غَضْبَان) و (عَطْشَان) ، ومؤنّثه على (فَعْلَى) ك (سَكْرَى) . فمنع الصّرف لتحقق3 العلّتين الفرعيّتين به، أعني: فرعيّة المعنى؛ لأنّ فيه الوصفيّة، وهي فرعٌ على الجُمود؛ لأنّ الصّفة تحتاجُ إلى موصوف يُنسب4 معناها إليه، والجامِدُ لا يحتاج إلى ذلك5. وأمّا فرعيّة اللّفظ فإنّ فيه الزّيادتين المضارعتين لألفي التّأنيث، من نحو: (حَمْرَاء) في أنّهما في بناء يخصّ6 المذكّر. كما أنّ ألفيْ (حَمْرَاء) في بناء يخصّ7 المؤنّث، وأنّهما لا يلحقهما التّاء؛ فلا يُقال: (سَكْرَانة) ولا (حَمْرَاءَة) .

أَوْ وَزْنَ فَعْلاَءَ وَأَفْعِلاَءَ ... كَمِثْلِ حَسْنَاءَ1 وَأَنْبِيَاءَ حكم الألِف الممدودة في امتناع [صرف] 2 ما يتّصل بها3 كحكم الألِف المقصورة [129/ ب] في كونه مفرَدًا، أو جمعا، أو مذكّرًا، أو مؤنّثا، أو نكِرة، أو معرفة، أو صِفة، أو اسما، ك (بَيْداء) و (أشياء) و (زكريّاء) و (حمراء) . ف (فَعْلاَءَ) نحو4: (طَرْفَاء) 5 و (كَرْمَاء) ، و (أفعلاء) ك (أنبياء) و (أصدقاء) ؛ فهذه الألِف - كما تقدّم - زيادة لازِمة لبناء ما هي [مزيدة] 6 عليه باعتبار التّأنيث. أَوْ وَزْنَ7 مَثْنَى وَثُلاَثَ فِي الْعَدَدْ ... إِذْ مَا رَأَى صَرْفَهُمَا قَطُّ أَحَدْ8 هذا قد تقدّم الكلامُ في الإشارة إليه بالعدد والمعدول؛ فقولهم: (جاء القومُ أُحَادَ) ، (جاءوا واحدًا واحدًا) ؛ وكذا (مَثْنَى) 9، (اثنين اثنين) ؛

وكذا1 (ثُلاَث) و (رُباع) ؛ وهذا غير مصروف2 لِمَا فيه من العدل والصّفة. وَكُلُّ جَمْعٍ بَعْدَ ثَانِيهِ أَلِفْ ... وَهْوُ3 خُمَاسِيٌّ فَلَيْسَ يَنْصَرِفْ4 وَهَكَذَا إِنْ زَادَ فِي المِثَالِ ... نَحْوُ: دَنَانِيرَ بِلاَ إِشْكَالِ هذا الجمعُ أيضا ممّا لا ينصرف إلاّ إذا كان معرفة بدخول الألِف واللاّم عليه أو أُضيف؛ وهو كلّ جمع على وزن5 (مفاعل) أو (مفاعيل) ممّا بعد ألِفه حرفان، ك (مساجد) و (دراهم) و (كواعب) 6 و (دوابّ) وأصله: دوابب7؛ أو ثلاثة8 [130/ أ] غير منويّ به، وبما بعده الانفصال، ك (مصابيح) و (دنانير) فإنّ الجمع المذكور9 متى كان بهذه الصّفة كان فيه فرعيّة اللّفظ بخروجه عن صيغ الآحاد العربيّة، وفرعيّة 1 في ب: كذلك.

المعنى بالدّلالة على الجمعيّة؛ فاستحقّ بذلك منع1 الصّرف. والإشارة بخروجه عن الآحاد العربيّة؛ لأنّك لا تجد مفرَدًا ثالثه ألِف بعدها حرفان، أو ثلاثة إلاّ وأوّلها مضموم، ك (عُذَافِر) 2 أو الألِف عوض عن إحدى يائي النّسب، ك (يمانٍ) 3 و (شآمٍ) 4، أو ما يلي الألِف ساكن، ك (عَبَالّ) 5، أو مفتوح، ك (بَرَاكَاءٍ) 6، أو مضموم، ك (تَدَارُكٍ) ، أو عارض الكسر لأجل اعتلال آخره، ك (توانٍ) 7 و (تدانٍ) 8، أو ثاني الثّلاثة متحرّك، ك (طواعيَة)

و (كراهية) ؛ ومن ثَمَّ صُرِفَ1 نحو: (ملائكة) و (صياقلة) 2. ول (سراويل) بهذا الجمع شبه؛ ومنهم3 مَن زعم أنّ (سراويل) اسم مفرَد أعجميّ [جاء] 4 على مثال (مفاعيل) ؛ فشبّهوه به ومنعوه من الصّرف. ومنهم5 مَن زعم أنّ فيه وجهين: الصَّرف، ومنعه. ومنهم6 مَن زعم [أنّ سراويل] 7 جمع (سِرْوالة) سمّي به المفرد، وأنشد: عَلَيْهِ مِنَ اللُّؤْمِ سِرْوَالَةٌ8 ... ..............................

وقيل: هذا مصنوع على العرب لا حُجّة فيه1. وكلّ ما سمّى به من (مفاعل) 2 / أو (مفاعيل) 3 فحقّه منعُ الصّرف. [130/ ب] فإنْ كان في آخر هذا الجمع ياء قبلها كسرة، نحو (جواري) و (ليالي) جَرَى مجرى الاسم المنقوص الّذي تحذف ياؤُه في الرّفع والجرّ وينوّن4؛ فتقول: (هؤلاء جوارٍ) و (مررتُ بجوارٍ) ، وتثبت في حال النّصب وتفتح، فتقول: (رأيتُ جواريَ) . فَهَذِهِ الأَنْوَاعُ لَيْسَتْ تَنْصَرِفْ ... فِي مَوْضِعٍ يَعْرِفُ هَذَا المُعْتَرِفْ أي: إنّ هذه الأنواع المتقدّم5 ذكرها لا تنصرف6 إلاَّ إذأ أُضيفت، أو دخل عليها الألِف واللاّم.

وَكُلُّ مَا تَأْنِيثُهُ بِلاَ أَلِفْ ... فَهْوَ إِذَا عُرِّفَ غَيْرُ مُنْصَرِفْ تَقُولُ: هَذَا طَلْحَةُ الْجَوَادُ ... وَ1 هَلْ أَتَتْ زَيْنَبُ أَو2 سُعَادُ وَإِنْ يَكُنْ مُخَفَّفا كَدَعْدِ ... فَاصْرِفْهُ إِنْ شِئْتَ كَصَرْفِ سَعْدِ فصل: قَدْ أَشَارَ هَهُنا إلى ما ينصرف في حال التّنكير؛ فمن ذلك [131/أ] ما يمنع الصّرف لاجتماع العلميّة والتّأنيث بالتّاء لفظا أو تقديرًا؛ فاللّفظيّ نحو: (حمزة) و (طلحة) ؛ ولم يُصرف3 لوُجود العلَميّة في معناه، ولُزوم علامة التّأنيث في لفظه؛ ف (التّاء) فيه بمنزلة الألِف في (حبلى) و (صحراء) ، بخلاف (التّاء) في الصّفة. وأمّا التّقدير ف (سُعاد) و (زينب) 4، أو في الأصل ك (عَنَاق) اسم رجل، أقاموا [تقدير] 5 العلامة مقام ظُهورها. والعلَم المؤنّث [المعنى] 6 على ضربين: ما يتحتّم فيه منع7 الصّرف؛ وهو ما كان زائدًا على ثلاثة أحرُف،

ك (سُعاد) ، نزّل1 الحرف الرّابع منه منزلة هاء التّأنيث، أو كان ثلاثيا متحرّك الأوسط، ك (سَقَر) 2؛ لأنّ حركة الوسط قامت مقام الحرف الرّابع، أو مسكّن الوسط وهو أعجميّ3؛ ك (مَاه) و (جُور) 4 في اسمي بلدتين5. الضّرب الثّاني: يجوز فيه الصّرف وتركُه؛ وهو الثُّلاثيّ السّاكن الأوسط غير الأعجميّ6، [ولا مذكّر الأصل] 7، ك (هند) و (دَعْد) ، والأعجميّ الثّلاثيّ العلَم، ك (نُوح) و (لُوط) 8؛ فمن صرفه نظر إلى خفّة اللّفظ وأنّها قد قاومت أحد السّببين، [ومن لم يصرفه - وهو المختار9- نظر إلى وُجود

السّببين] 1؛ وهما: العلَميّة والتّأنيث2، وأنشدوا بيتا يجمع [بين] 3صرفه ومنع صرفه [وهو] 4: لَمْ تَتَلَفَّعْ بِفَضْلِ مِئْزَرِهَا ... دَعْدٌ وَلَمْ تُسْقَ دَعْدُ فِي العُلَبِ5 [131/ب]

وَأَجْرِ مَا جَاءَ بِوَزْنِ الْفِعْلِ ... مُجْرَاهُ فِي الحُكْمِ بِغَيْرِ فَصْلِ فَقَوْلُهُمْ: أَحْمَدُ مِثْلُ أَذْهَبُ ... وَقَولُهُمْ: تَغْلِبُ مِثْلُ تَضْرِبُ وممّا يمنع الصّرف اجتماع العلَميّة ووزن الفعل الخاصّ به، أو الغالب فيه؛ بشرط كونه لازِما [غير] 1 مغيّر إلى مثالٍ هو للاسم2، وذلك نحو3: (أحمد) و (يزيد) و (يَشْكُر) و (يَعْلَى) . والمُرادُ بالوزن الخاصّ بالفعل: [ما] 4 لا يوجَد دون نُدورٍ في غير فعلٍ، أو علَم، أو أعجميّ؛ فالنّادر نحو: (دُئِل) 5 لدويبة6، و (يَنْجَلِبُ) لخرزة7، و (تُبَشِّر) 8 لطائر.

والعَلم نحو: (خَضَّم) 1 لرجل، و (شَمَّر) 2 لفرس. والأعجميّ ك (بَقَّم) 3 و (اسْتَبْرَق) 4. فلا يمنع وجدان هذه الأمثلة اختصاص أوزانها بالفعل؛ لأنّ النّادر والأعجميّ لا حكم لهما؛ ولأنّ العَلَم منقولٌ من فِعل؛ فالاختصاصُ فيه باق. والمُراد بالوزن الغالب: ما كان الفعل به أولى؛ إمّا5لكثرته ك (إِثْمِد) 6 و (إِصْبَع) 7 و (أُبْلُم) 8 فإنّ أوزانها تقلُّ في الاسم وتكثُر

في الأمر من الثُّلاثيّ1. وإمّا لأنّ أوَّله2 زيادة تدلّ على معنىً في الفعل، و3 لا تدلّ على معنىً في الاسم، ك (أَفْكَل) 4 و (أَكْلُب) فإنّ نظائرهما5 تكثُر في الأسماء والأفعال، لكن الهمزة في (أَفْعَل) و (أَفْعُل) تدلّ على معنىً في الفعل6، و7 لا تدلّ على معنىً في الاسم، وما هي فيه دالّة على معنىً، أصلٌ لِمَا لم تدلّ فيه على [معنى] 8. [132/أ]

واشتُرط في وزن الفعل كونُه لازما؛ لأنّ نحو: (امرئ) لو سُمّي به انصرف؛ لأنّ عينه تتبع1 حركة لامه؛ فهو وإن لم يخرج2 بذلك عن وزن الفعل مخالِف له في الاستعمال، إذِ الفعلُ لا اتباع فيه، فلم يُعتبر في (امرئ) 3 الموازنة، ولم يجز فيه إلاّ الصّرف. واشتُرط - أيضا -: كونُ الوزن غير مغيّر إلى مثال هو للاسم4؛ لأنّ نحو: (رُدّ) و (قِيل) لو سّمي بهما انصرفا؛ لأنّهما - وإنْ كان أصلُهما: (رُدِدَ) و (قُوِل) - قد خرجا بالإعلال [والإدغام] 5 إلى مشابهة (بُرْد) و (عِلْمٍ) فلم يُعتبر فيهما الوزن الأصليّ. وَإِنْ عَدَلْتَ فَاعِلاً إِلَى فُعَلْ ... لَمْ يَنْصَرِفْ مُعَرَّفا6 مِثْلُ: زُحَلْ يمنع من الصّرف اجتماعُ التّعريف والعدل؛ وهذا اسم عُدِل به7 عن صيغة (فَاعِل) إلى (فُعَل) ، نحو: (مُضَر) المعدول به عن (مَاضِر) وهو مازِجُ8 اللّبن بالماء9، و (جُشَم) 10 المعدول به عن (جَاشِم)

وهو الّذي يفعل الشّيء على استثقال، و (دُلَفَ) المعدول [132/ب] به عن (دَالِف) وهو المتأخّر الخَطْو1، و (زُحَلْ) 2 [و] 3 هو النّجم المعروف بالطّارِق، عُدِل به عن (زَاحِل) ؛ لأنّه أبعدُ الكواكب السّيّارة؛ و (عُمَر) المعدول به عن (عامِر) . فهذه الأسماء لا تنصرف معرفة، وتنصرف نكِرة؛ كقولهم: (ما كلّ عُمَرٍ أبا حفصٍ) . ولا يحسُن أن تقول4 في: (مضر) 5 و (زحل) و (دلف) : المضر، والزّحل، والدّلف6. ويجوز في (فُعَل) الّذي من غير هذا الباب، وذلك من أحد ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون اسم جنسٍ، نحو: (صُرَد) 7 و (رُطَب)

و (جُعَل) 1؛ أو صفة نحو: (حُطَم) 2 و (لُبَد) 3؛ أو جمعا نحو: (زُبَر) و (عُمَر) جمع: زُبْرَة4، وعُمْرَة5؛ فهذه الأنواع تنصرِفُ بكلّ حالٍ. وأمّا (جُمَع) في قولك: (مررت بالهندات جُمَع) فلا ينصرفُ للتّعريف والعدل، وصار (جُمَع) كالعلَم في كونه معرفة بغير قرينة لفظيّة؛ فأثّر تعريفُه في منع الصّرف كما تؤثِّر6 في العلميّة. وَالأَعْجَمِيُّ مِثْلُ7: مِيكَائِيلاَ ... كَذَاكَ فِي الحُكْمِ وَإِسْمَاعِيلاَ وممّا لا ينصرف: ما فيه فرعيّة المعنى بالعلَميّة، وفرعيّة اللّفظ بالعجميّة؛ [133/أ] وذلك أن يكون أعجميّ العلَميّة، كـ (إبراهيم) و (إسماعيل)

فإنْ كان عربيّ العلَميّة، كـ (لجام) 1- اسم رجل - انصرف؛ لأنّه قد نقل عمّا وضعته2 العجم له فألحق بالأمثلة العربيّة3. وأن يكون زائدًا على ثلاثة أحرُف؛ فإنْ كان ثُلاثيا ضعف فيه فرعيّة اللّفظ [بـ] 4 مجيئه على أصل ما تبنى عليه الآحاد العربيّة5 وصُرِفَ، نحو: (نوح) و (لوط) ؛ ولا فرق في ذلك بين ساكن الوسط ومتحركة6.

ومنهم1 مَن زعم أنّ [الثُّلاثيّ] 2 السّاكن3 الوسط ذو وجهين، والمتحرّك4 الوسط ممتنعُ الصّرف دائما5. وَهَكَذَا الاِسْمَانِ حِينَ رُكِّبَا ... كَقَوْلِهِمْ: رَأَيْتُ مَعْدِي كَرِبا وممّا لا ينصرف معرفة وينصرف نكرة: العلَم المركّب تركيب المزج، نحو: (بعلبك) و (حضرموت) و (معدي كرِب) ؛ لأنّه لا ينصرف لاجتماع فرعيّة المعنى بالعلَميّة، وفرعيّة اللّفظ بالتّركيب. والمُراد بتركيب المزْج: أن يجعل6 الاسمين اسما واحدًا، لا بالإضافة ولا بالإسناد، بل يتنزّل عجزه من الصّدر بمنزلة تاء التّأنيث.

ولذلك1 التزم فيه فتح آخر الصّدر، إلاّ إذا كان معتلاًّ [فإنّه] 2 يسكّن، نحو: (معدي كرِب) [133/ب] ؛ لأنّ ثقل3 التّركيب أشدّ من ثقل4 التّأنيث؛ فناسَب أن يختصّ بمزيد التّخفيف؛ فسكّنوا منه ما كان معتلاًّ. وقد يُضاف صدر المركّب5 إلى عجزه فيعربان: يعرب6 صدُره بما يقتضيه العامل، ويعرب عجزه بالجرّ للإضافة7. فإنْ كان فيه مع التّركيب عُجمة، ك (رَامَ هُرْمُز) 8 امتنع من الصّرف، وإلاّ كان مصروفا، كقولك: (هذه حضرُموتٍ) 9 و (رأيت حضرَموتٍ) و (نزلتُ بحضرِموتٍ) ؛ ومن العرب10 مَن يقول: (هذا11 معدِ يكربَ) و (رأيت معد يكرب) و (مررتُ بمعد يكرب) يمنعه12

من الصّرف1؛ لأنّه عنده مؤنّث2. وَمِنْهُ مَا سُمِّي3 عَلَى فَعْلاَنا ... عَلَى اخْتِلاَفِ فَائِهِ أَحْيَانا تَقُولُ: مَرْوَانُ أَتَى كِرْمَانا ... وَرَحْمَةُ اللهِ عَلَى عُثْمَانا اعلم أنّ كلّ علَم في آخِره ألِف ونون مزيدتان على أيّ وزن كان، فإنّه لا ينصرف للتّعريف والزّيادتين المضارعتين لألفيْ التّأنيث، وذلك نحو: (مروان) و (غطفان) و (إصفهان) . فإن نُكِّر انصرف؛ فإن دلّ دليل على أنّ [النّون] 4من/ أصل الكلمة كان الاسم منصرفا، ك (حَسَّان) من الحُسْنِ، و (سَمَّان) من السّمْنِ، و (تَبّان) 5 من التِّبْن6، و (علاّن) من العَلَن7، و (شيطان) [134/أ]

من الشَّطْنِ1- أي: بَعُدَ - فوزنها على (فَعَّال) . وإنْ2 كان (حَسَّان) من الحِسِّ، و (سَمّان) من السَّمِّ، و (تَبّان) من التَّبّ - وهو الخُسران -، و (عَلاَّن) من العَلِّ3- إذا شرِب ثانيا -، و (شيطان) من شَاطَ إذا التهب؛ فالنّون زائدة، ووزنُه (فَعْلاَن) فلا ينصرف4. فَهَذِهِ إِنْ عُرِّفَتْ لاَ تَنْصَرِفْ ... وَمَا أَتَى مُنَكَّرًا مِنْهَا صُرِفْ يعني: أنّ كلّ ما كان مَنعٌ صرفِه موقوفا5 على التّعريف إذا نُكِّر انصرف لذهاب جزء السّبب؛ وذلك فيما المانع من صرفه6 التّعريف مع التّأنيث بالهاء لفظا أو تقديرًا، أو العُجمة، أو العدل في (فُعَل) ، أو وزن الفعل في غير باب (أَحْمَر) أو التّركيب، أو زيادة الألِف والنّون؛ تقول: رُبَّ طَلْحَةٍ وسُعادٍ وإبراهيمٍ وعمرٍ ويزيدٍ7 ومعدي كرِبٍ وعمرانٍ لقيتُهم؛ فتُصرف لذهاب الموجِب لمنع الصّرف.

وما سوى ما ذُكِرَ1 ممّا لا ينصرف وهو معرفة؛ نحو: ما فيه العلميّة / مع وزن الفعل في باب (أَحْمر) ، أو مع2 صيغة منتهى الجُموع، أو مع العدل في أسماء العدد. [134/ب] و (أُخَر) فإنّه إذا نُكّر بقي على منع الصّرف؛ لأنّه كان قبل التّعريف ممنوعا منه، فإذا طرأ عليه أشبه الحال التّي كان عليها قبل التّعريف؛ فلو سمّيت رجلاً بـ (أَحْمَرَ) لم تصرفه للعلَميّة ووزن الفعل، فلو نكّرته3لم تصرفه أيضا لأصالة الوصفيّة ووزن الفعل. وَإِنْ عَرَاهَا أَلِفٌ وَلاَمُ ... فَمَا عَلَى صَارِفِهَا مَلاَمُ وَهَكَذَا تَصْرِفُ فِي4 الإِضَافَهْ ... نَحْوُ: سَخَا بِأَطْيَبِ الضِّيَافَهْ قد تقدّم أنّ منع الصّرف لشبه الفعل؛ فإنْ دخل الاسمَ الّذي

لا ينصرف الألِفُ واللاّمُ أو أُضيف، كـ (الأحمر) و (الحمراء) و (مساجد المدينة) و (عمركم) و (عثماننا) انصرف؛ لخُروجه بالإضافة والتّعريف عن شبه الفعل. وَلَيْسَ مَصْرُوفا مِنَ الْبِقَاعِ ... إِلاَّ نَوَاحٍ1 جِئْنَ فِي السَّمَاعِ مِثْلُ: حُنَيْنٍ ومِنًى وَبَدْرِ ... وَوَاسِطٍ وَدَابِقٍ وَحَجْرِ /الغالبُ على أسماء البِقاع التّأنيث؛ فلا تنصرف2 في المعرفة؛ إلاّ أنّه قد جاء في كلام العرب تذكير3 ثلاثة فصرفوها؛ وهي: (وَاسِطٌ) و (بَدْرٌ) و (فَلْجٌ) 4. [135/أ] وجاء عنهم التّذكير والتّأنيث في خمسة؛ وهي: (منى) و (دَابِق) 5 و (هَجَر) و (حنين) و (حَجْر) - وهو قصبة اليمامة -؛ فيجوز صرفها وترك صرفها، وما عدا هذه المواضع الثّمانيّة6 فالغالبُ تركُ صرفه. وَجَائِزٌ فِي صَنْعَةِ الشِّعْرِ الصَّلِفْ ... أَنْ يَصْرِفَ الشَّاعِرُ مَا لاَ يَنْصَرِفْ

فصل: واعلم أنّ صرف الاسم المستحقّ1 لمنع الصّرف جائز؛ لاضطّرار الشّاعر لإقامة الوزن بلا خلاف. فمن2ذلك قولُ الشّاعر في وزن (مَفَاعِيل) : كَأَنَّ دَنَانِيرًا عَلَى قَسَمَاتِهِمْ ... وَإِنْ كَانَ قَدْ شَفَّ الوُجُوهَ لِقَاءُ3 فالوزن هو محلّ ضرورة. فلنذكر ما4 جُوِّز للشّاعر ممّا ورد من كلام العرب للضّرورة؛ فمن ذلك قطعُ ألِفُ الوصل [في] 5 قولُ حسّان:

لَتَسْمَعَنَّ1 وَشِيكا فِي دِيَارِهِمُ ... اللَّهُ أَكْبَرُ يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَا2 وصل3 ألف القطع: [135/ب] أَلاَ أَبْلِغْ حَاتِما وَأَبَا عَلِيٍّ ... بِأنَّ عُرَابَةَ الضَّبْعِيِّ فَرَّا4 تذكير المؤنّث: فَلاَ مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ... وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا5

ومنه أيضا: قَامَتْ تُبَكِّيهِ عَلَى قَبْرِهِ ... مَنْ لِي مِنْ بَعْدِكَ يَا عَامِرُ تَرَكْتَنِي فِي الدَّارِ ذَا وَحْشَةٍ ... قَدْ ذَلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ نَاصِرُ1 تَأنيث المذكّر: لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ ... سُورُ المَدِينَةِ وَالجِبَالُ الخُشَّعُ2

تشديد المخفَّف: ضحْمٌ يُحِبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا1 تخفيف المشدّد: أَزُهَيْرُ إِنْ يَشِبِ القَذَالُ فَإِنَّهُ2 ... رُبَ هَيْضَلٍ لَجِبٍ لَفَفْتُ بِهَيْضَلِ3

وتخفيفُ (رُبَّ) لغة1. إظهار المدغم: مَهْلاً أَعَاذِلَ قَدْ جَرَّبْتِ مِنْ خُلُقِي ... أَنِّي أَجُودُ لأقْوَامٍ وَإِنْ ضَنِنُوا2 [136/أ] رَفْعُ المَنْقُوصِ: تَرَاهُ وَقَدْ فَاتَ الرُّمَاةَ كَأَنَّهُ ... أَمَامَ الْكِلاَبِ مُصْغيُ الخَدِّ أَصْلَمُ3

جَرَّهُ1: لاَ بَارَكَ اللهُ فِي الغَوَانِيِ هَلْ ... يُصْبِحْنَ إِلاَّ لَهُنَّ مُطَّلَبُ2 آخر الفعل المعتلّ: أَ3 لَمْ يَأْتِيكَ وَالأَخْبَارُ تَنْمِي ... بِمَا لاَقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادِ4 تسكين الواو المفتوحة: فَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ ... أَبَى اللهُ أَنْ أَسْمُوْ بِأُمٍّ5 وَلاَ أَبِ6

تسكين الياء: تَرَكْنَ رَاعِيْهِنَّ مِثْلَ الشَّنِّ1 إشباع الحركات حتَّى يَصِرْنَ حروفا؛ كالألِف: قَالَتْ وَقَدْ خَرَّتْ عَلَى الْكَلْكَالِ2

[أَراد] 1: الكَلْكَلْ. الياء2: تَنْفِي يَدَاهَا الحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةٍ3 ... نَفْي الدَّرَاهِمِ تَنْقَادُ4 الصَّيَارِيفِ5 [136/ب] إشباعُ الواو: وَأَنَّنِي حَيْثُمَا يَثْنِي الْهَوَى بَصَرِي ... مِنْ حَيْثُمَا سَلَكُوا أَدْنُو فَأَنْظُورُ6

حذف النّون مِنْ (مِنْ) : وَكَأَنَّ الخَمْرَ المُدَامَةَ مِ الأَسْ1 ... فَنْطِ مَمْزُوجَةً بِماءٍ زُلاَلِ2 وحذفها من (لَكِنْ) : وَلَسْتُ بِآتِيْهِ وَلاَ أَسْتَطِيْعُهُ ... وَلاَكِ اسْقِنِي إِنْ كَانَ مَاؤُكَ3 ذَا فَضْلِ4

حذف الياء من (الّذي) : كَاللَّذْ1 [تَزَبَّى] 2 زُبْيَةً3 فَاصْطِيْدَا4 ومن تثنية (الّذي) : أَبَنِي كُلَيْبٍ إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا ... قَتَلاَ5 الْمُلُوْكَ وَفَكَّكَا6 الأَغْلاَلاَ7

وحذفُها من (الّذين) : فَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ ... هُمُ الْقَومُ كُلُّ الْقَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ1 حذف الواو [من (هو) ] 2: فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ قَالَ قَائِلٌ ... لِمَنْ جَمَلٌ رِخْوُ المِلاَطِ نَجِيبُ3 [137/أ]

حذف الياء1 من (هي) : دَارٌ لِسَلْمى إِذْ هِ مِنْ هَوَاكا2 حذفُ [حركة هاء] 3 الضّمير: لَهُ زَجَلٌ كَأَنَّهْ صَوْتُ حَادٍ4 ... ...............................

استعمال التّرخيم في غير النّداء: لَنِعْمَ الْفَتَى تَعْشُو1 إِلَى ضَوْءِ نَارِه ... ِطَرِيفُ بنُ مَالٍ لَيْلَةَ الْجُوعِ وَالْخَصَرْ2 نصب المُضارِع بالفاء [في الإيجاب] 3: سَأَتْرُكُ مَنْزِلِي لِبَنِي تَمِيمٍ ... وَأَلْحَقُ بِالْحِجَازِ فَأَسْتَرِيحا4

حذفُ الفاء من جواب الجزاء: مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا ... وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللهِ مِثْلاَنِ1 تنوينُ العلَم المنادى: سَلاَمُ اللهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا ... وَلَيْسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ السَّلاَمُ2 تقديمُ المعطوف على الأوّل3: أَلاَ يَا نَخْلَةً مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ ... عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ السَّلاَمُ4

إلحاق النّون بالفعل الموجِب: [137/ب] رُبَّمَا أَوْفَيْتُ فِي عَلَمٍ ... يَرْفَعنْ ثَوْبِي شَمَالاَتُ1 وله أن يجعل اسم (كان) نكِرة والخبر معرِفَة: قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ضُبَاعَا ... وَلاَ يَكُ2 مَوْقِفٌ مِنْكِ الْوَدَاعَا3 ويجوز له جمع (فاعل) على (فواعل) صفةً4لمذكّر، كقوله: وَإِذَا الرِّجَالُ رَأَوا يَزِيدَ رَأَيْتَهُمْ5 ... خُضُعَ الرِّقَابِ نَوَاكِسَ الأَبْصَارِ6

وقصر الممدود: كَسَتْهَا عَجَاجَ الْبُرْقَتَيْنِ1 وَرَاوحَتْ ... بِذَيْلٍ2 مِنْ الدَّهْنَا عَلَى الدَّارِ مُرْفَلِ3 وهذا متّفقٌ عليه بردّه4 إلى الأصل5.

ومدّ المقصور مختلَفٌ1 فيه؛ ومنه: سَيُغْنِيني الَّذِي أَغْنَاكَ عَنِّي ... فَلاَ فَقْرٌ يَدُومُ وَلاَ غِناءُ2 ويجوزُ له أن ينقص من الكلمة نقصانا لا يتغيّر معناها به.

فالزّيادة: إِلَى الجُودِيِّ حَتَّى صَارَ حِجْرًا ... وَحَانَ لِتَالِكَ1 الغُمَرِ انْحِسَارُ2 زاد (ألِفا) في (تِلْكَ) 3. ومن النّقص: في لُجَّةٍ أَمْسِكْ فُلاَنا عَنْ فُلِ4

حَذَفَ الأَلِفَ والنُّونَ. [138/أ] وأجازوا1 ما هو أقبحُ من ذلك، وهو: قَوَاطِنا2 مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الْحَمِي3 قيل: إنّه حَذَفَ الميم، فبقي (الحَمَا) فأبدل من الألِف ياء4. وقال السّيرافيّ5: "حَذَف الألِف والميم جميعا، ثمّ أطلق معوّضا بالياء"6.

مخاطبة الاثنين بلفظ الواحد: منه: لَيَالِيَ سَمْعُ الْغَانِيَاتِ وَطَرْفُهَا ... إِلَيَّ وَإِذْ رِيحِي لَهُنَّ هُبُوبُ1 إثبات نون الجمع مع الضّمير، كقوله: هُمُ الْفَاعِلُونَ الْخَيْرَ وَالآمِرُونَهُ2 ... ................................... إثباتُ نون مئتين ونصب ما بعدها، كقوله: إِذَا عَاشَ الْفَتَى مِائَتَيْنِ عَاما3 ... ...................................

إسْكانُ لام الفعل من غير جازم، كقول الشّاعر: فَالْيَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ1 ... إِثْما مِنَ اللهِ وَلاَ وَاغِلِ2

حذف لام الأمر للمخاطب، كقول الشّاعر: مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلَّ نَفْسٍ1 ... ................................... مخاطَبة الواحد بلفظ الجمع، كقول الشّاعر: لَوْ كَانَ مِدْحَةُ حَيٍّ مُنْشِرًا أَحَدًا ... أَحْيا أَبَاكُنَّ يَا لَيْلَى الأَمَادِيحُ2

مخاطَبة الواحد بلفظ التّثنية: فَإِنْ تَزْجُرَانِي1 يَا بْنَ عَفَّانَ أَنْزَجِرْ ... وَإِنْ تَتْرُكَانِي أَحْمِ عِرْضا مُمَنَّعا2 [138/ب] صرف مفاعل: فَاقْرِ الهُمُومَ قَلاَئِصا عَبْدِيّةً ... تَطْوِي الْفَيَافِي بِالْوَجِيْفِ الْمُعْنِقِ3

منع صرف ما ينصرف1: طَلَبَ [الأَزَارِقَ] 2 بِالْكَتَائِبَ إِذْ هَوَتْ ... بِشَبِيْبَ3 غَائِلَةُ النُّفُوسِ غَدُورُ4 ويجوز أن يصرف ما لا يستحقّ5 الصّرف للتّناسُب، كقراءة6

نافع1 والكسائيّ: {سَلاَسِلاً} 2 و {قَوَارِيرًا} 3. وكقراءة4 الأعمش5: {وَلاَ يَغُوثا وَيَعُوقا} 6 صرفهما لِيُنَاسِبا: {وَدًّا} و {سُوَاعا} و {نَسْرًا} 7. الجمع بين أحرُف النّداء [والميم] 8 المشدّدة: أَقُولُ: يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُما9

.......................................................................

_ = إِنِّي إِذَا مَا حَدَثٌ أَلَمَّا والشّاهدُ فيه: (يا اللهمّ يا اللهمّا) حيث جمع بين حرف النّداء والميم المشدّدة الّتي يُؤتَى بها للتّعويض عن حرف النّداء، وذلك ضرورة عند البصريّين. أمّا الكوفيّون فذهبوا إلى أنّ الميم المشدّدة في (اللهم) ليستْ عِوضًا من (يا) الّتي للتّنبيه في النّداء؛ إذْ لو كانت كذلك لَمَا جاز أن يُجمع بينهما؛ لأنّ العوض والمعوّض لا يجتمعان. يُنظرُ هذا البيتُ في: نوادر أبي زيد 165، والمقتضب 4/242، وشرح أشعار الهذليّين 3/1346، والبغداديّات 159، واللّمع 175، والتّبصرة 1/356،وأمالي ابن الشّجريّ 2/340، والإنصاف 1/341، وشرح المفصّل 2/216، وضرائر الشّعر 57.

باب العدد

بَابُ الْعَدَدِ: وَإِنْ نَطَقْتَ بِالْعُقُودِ فِي الْعَدَدْ ... فَانْظُرْ إِلَى الْمَعْدُودِ لُقِّيتَ الرَّشَدْ فَأَثْبِتِ الْهَاءَ مَعَ الْمُذَكَّرِ ... وَاحْذِفْ مَعَ الْمُؤَنَّثِ الْمُشْتَهِرِ تَقُولُ: لِيْ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ جُدُدْ ... وَازْمُمْ لَهُ تِسْعًا مِنَ النُّوقِ وَقُدْ فصل: [139/أ] العدد له أربع مراتب؛ وهي: آحادٌ، وعشرات، ومئون1، وأُلوف. والأصل: الأحاد؛ فيجب أن يقدّم الكلامُ عليها. فالواحد والاثنان لا يُضافان، بل يُستعملان2 بانفرادهما3؛ لقوّة دلالتهما على المعنى، إلاّ في الضّرورة4 من الشّعر، كقوله: ................................... ... ظَرْفُ جِرَابٍ فِيْهِ ثِنْتَا حَنْظَلِ5

وإذا صرت1 إلى الثّلاثة لم يكن بُدّ من ذِكْر العدد والمعدود جميعًا. والعددُ هو2: الاسم الأوّل، وينبغي أن يكون بتاء التّأنيث مع المذكّر، وبغير تاء التّأنيث مع المؤنّث، وكان كذلك؛ لأنّ الأعداد قبل تركيبها مؤنّثة، من نحو: (ثلاثة) و (أربعة) . والمعدود نوعان: مذكّر، ومؤنّث؛ فيسبِق3 المذكّر بحكم الأصل، والتزم العلامة، ثم جاء المؤنّث فكان تركُ العلامة علامةً له. وقيل4: كان حقّ هذه الأعداد أن تُستعمَل بالتّاء مطلَقًا؛ لأنّ مسمّاها جُموع، والجُموع غالبٌ عليها التّأنيث؛ لكن أرادوا5 التّفريق بين عدد المذكّر والمؤنّث فجاءوا بعدد المذكّر لكونه أصلاً بالتّاء6 على القياس، وبعدد المؤنّث بغير التّاء للتّفريق؛ فتقولُ مِن ذلك: (عندي ثلاثةُ أَعْبُدٍ، وخَمْسُ جَوَارٍ) بإضافته إلى جمع يُعلَم به المعدود.

وجميعُ هذا العدد يجري على هذا الحُكْم بوجوه الإعراب إلى العشرة، إلاّ لفظ (ثمان) إذا أُضيف إلى مؤنّث فإنّه يجري مجرى قاضٍ لنقصانه1؛ فتقول: (هذه ثمانيْ نسوة) و (رأيتُ ثمانيَ نسوة) و (مررت بثمانيْ نسوة) 2. [139/ب] وجميعُ هذا العدد لا يختلف ما قبل آخره إلاّ عشرة، فإنّ شِيْنَهُ تكونُ3 مفتوحة مع المذكّر، ومسكّنة4مع المؤنّث؛ تقولُ: ( [عندي] 5 عَشَرةُ رجالٍ، وعَشْرُ6 نِسَاءٍ) . وإذا أردتّ تعريف هذا العدد: أدخلتَ الألِف واللاّم على الاسم7 الثّاني؛ تقولُ: (هذه ثلاثة الأثواب) و (عشرة الدّراهم) تُعرّف8 الثّاني

بالأوّل على قياس1 (غلام الرّجل) 2، وعليه قولُ ذي الرُّمّة3: وَهَلْ يَرْجِعُ التَّسْلِيْمَ أَوْ يَكْشِفُ الْعَمَى ... ثَلاَثُ الأَثَافِي وَالدِّيَارُ البَلاَقِعُ4 والثّلاثة الأثواب5 مختَلفٌ فيه6.

وممتنع بلا خلاف قولُك: (الثّلاثة أثواب) ؛ لامتناع الغلام رجل في الإضافة1. وَإِنْ ذَكَرْتَ الْعَدَدَ المُرَكَّبَا ... وَهْوَ الَّذِي اسْتَوْجَبَ أَلاَّ يُعْرَبَا فَأَلْحِقِ الْهَاءَ مَعَ المُؤَنَّثِ ... بِآخِرِ الثَّانِي وَلاَ تَكْتَرِثِ مِثَالُهُ: عِنْدِي ثَلاَثَ عَشْرَةْ ... جُمَانَةً مَنْظُومَةً وَدُرَّةْ فصل: [140/أ] هذه المرتبة الثّانية وهي العشَرات، وهذا هو المركّب من أحَد عشر إلى تسعة عشر. وهو يخالِف ما قبله ويصير مبنيًّا بعد أنْ كان معربًا سوى (اثني عشر) . وبناؤُه وتركيبُه لضربٍ من الاختصار والإيجاز، وإزالة اللّبس والإبهام؛ ألا ترى أنّ (أحدَ عَشَرَ) أخصرُ2 لفظًا من قولك: (واحد

وعشرة) ، وربّما ألبس قولُ القائل: (اشتريت هذا الثّوب بواحدٍ وعشرة) أنّه ابْتَاعَهُ بواحدٍ في زمان وبعشرة1 في زمان آخر؛ فلذلك2صار مركّبًا بعد أنْ كان معطوفًا. ولَمّا كان مركّبًا تضمّن معنى حرف3 العطف، وبني على حركة لأصالته في التّمكّن، [واختصّ بالفتحة طلَبًا للخفّة] 4. ومخالفة5 أُخرى وهي: أنّ (العشرة) بغير تاء مع المذكّر وبتاء مع المؤنّث خلافًا للعشرة في حال إضافتها؛ لأنّ الشّيء يكون له حكم في التّركيب يخالِف حكمه قبله؛ ألا ترى أنّ (لو) حرف معناه6 امتناع الشّيء لامتناع غيره؛ فإذا ركّبتَ7 معه (لا) صار معناه: امتناع الشّيء لوُجود غيره. وكذلك (أحد عشر) لَمّا ركّبت8 تغيّرت كلمتاه؛ فـ (أحد) تغيّرت عن واحد، و (عشر) 9 تغيّرت عن عشرة؛ وكذلك10 المؤنّث.

والهمزة في (أَحَد) منقلبَة عن (واو) 1، وكذلك في (أحد وعشرين) ، وكذلك هي في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} 2 لأنّ المعنى في هذا كلّه معنىً واحد. [140/ب] وأتى به النّابِغة على الأصل3 فقال: ...................................... ... ......... عَلَى مُسْتَأْنِسٍ وَحَدِ4 ويُجمع على (أفعال) فيقالُ: (آحاد) . فإذا استُعملَت في النّفي من قولك: (ما بالدّار من أحد) فهمْزَتُهَا أصليّة غير مبدلة، ولا تُجمع5، ولا يجوز استعمالها في العدد، ولا في الواجب.

وقولُه: (كلّ أحدٍ في الدّار) هي الّتي تُستعمَل1 في العدد دون2 النّفي؛ [وأمّا قولُ الشّاعر:] 3 حَتَّى ظَهَرْتَ فَمَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ... إِلاَّ عَلَى أَحَدٍ لاَ يَعْرِفُ القَمَرَا4 فالأوّل: همزته أصليّة. والثّاني: همزته مبدلة، كأنّه قال: إلاّ على واحد. والهمزة في (إِحْدى) منقلبة عن واو مكسورة، [و] 5 وزنُها (فِعْلَى) ، ومنه قولُه تعالى: {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} 6. وأمّا (اثنا7 عشر) فمعرب؛ لأنّ فيه حرف الإعراب، و (عشر) فيه

واقعة موقع النّون من (اثنين) ، ولم يقل أحدٌ أنّه مبنيّ إلاّ ابن دَرَسْتَوَيْه1 فإنّه كان يجعَله هو وأخواته مبنيًّا إلى تسعة عشر2. وتقول في المؤنّث: (اثنتا عشرة جارية) فتجمع3 بين علامتي تأنيثٍ بلفظٍ واحد؛ لأنّ إحدى الكلمتين مبنيّة، والأخرى معربة فتباينا. ومن (ثلاثة عشر) إلى (تسعة عشر) فالاسم جارٍ على قياسِ4 ما دون [141/أ] العشرة من ثبات التّاء مع المذكّر، وحذفها مع المؤنّث؛ وليس كذلك الاسم الثّاني لحدوث التّركيب؛ فتقول: (جاءني ثلاثة عشر رجلاً، وثلاث عشرة امرأة) فـ (الرّجل) منصوبٌ على التّمييز، والأصلُ فيه: أحد عشر من الرّجال. وكذلك: (أحد وعشرون درهمًا) ؛ لأنّ ما قبله قد ثبت أنّه يفسّر بالجمع لا بالواحد، فكان هذا مثله.

ووُجوب نصبه لكون1 التّنوين متضمّنًا لعدد؛ والعامِل في نصبه ما تضمَّنَهُ معنى العدد من الإبهام المقتضي له، ووُجوب تنكيره لكونه2 فضلة كالحال. وأمّا (العشرون) وما بعده من العُقود فإنّ المذكّر والمؤنّث فيه بلفظٍ واحد؛ وذلك لأنّ3 عشرين ليس بجمع لعشرة4؛ ودليلُ ذلك: فتح العين من عَشرة، وكسرها من عِشرين، والاعتماد على التّمييز في الفرق بين المذكّر والمؤنّث، وكسر عين عشرين لخُروجه عن الجمع السّالم؛ أو لأنّ العين في مقابَلة الهمزة من اثنين ثاني الواحد؛ فكُسرت العين لذلك، واستمرّ الحكم إلى التّسعين. وإذا عرّفتَ هذا النّوع أدخلت الألِف واللاّم عليهما؛ فتقول: (رأيت الثّلاثة والعشرين رجلاً، والتّسع5 والتّسعين امرأة) 6.

وأمّا (مائة) فاسم مؤنّث يُستعمَل بلفظ واحد للمذكّر والمؤنّث كما استعملت العشرون؛ لأنّ (المائة) أخذَت شبَهًا من الآحاد من حيث كانت عشرة عشرات، كما أنّ العشرة عشرة آحاد. [141/ب] وشبَهًا من العُقود من1 حيث2 كانت اسمًا لهذا الجمع يشمَل المذكّر والمؤنّث؛ فلذلك خالفتْ الآحاد والعُقود. فكلّ عددٍ مضافٍ إلى نفس المائة، والمائة مؤنّثة؛ فتقول3: (عندي ثلاثمائة ثوب، وخمسمائة ناقة) . وإن أردتّ تعريف هذا النّوع أدخلت الألِف واللاّم على المضاف إليه؛ فتقول: (ما فَعَلَتْ مائةُ الدّراهِم) . وعكس حكمها (الألف) مذكّرة؛ [و] 4 لذلك كان كلّ عدد يُضاف5 إليه بإثبات الهاء؛ فتقول6: (عندي ثلاثة آلاف امرأة، وثلاثة آلاف7 رجل) ، وكذلك الحكم إلى تسعمائة، وفي الألْف إلى عشرة الآف،

وهذا نهاية الأعداد، وما بعده يتكرّر1على الأُصول المتقدِّمة بالغاً ما بلغت، إلاَّ أنّ (الألف) يكون مضافًا إلى ما بيّنته من أنواعه؛ فتقول: (عندي أحد عشر ألف رجل) فـ (ألْف) منصوبٌ على التّمييز، وهو مضافٌ للتّبيين2، وكذلك: (عشرون ألف رجل) و (ألف ألف رجل) . ومن تعريف العدد: أنّه كلّ إضافة قَصُرَتْ أو طالتْ فإنّك تعرِّف الاسم الآخر فَيَسْرِي تعريفُه إلى الاسم الأوّل؛ تقول: (ما فَعَلَت [مائة] 3 ألف4 الدّرهم5) فعلى هذا فَقِسْ. [142/أ] وَقَدْ تَنَاهَى الْقَوْلُ فِي الأَسْمَاءِ ... عَلَى اخْتِصَارٍ وَعَلَى اسْتِيْفَاءِ يُشير بهذا البيت إلى تناهي كلامه فيما قصده من تعريف ما يلزم المتكلّم من مراعاةِ لفظه وإصلاحِه بما أصّله مشايِخُ هذا العلم من تتبُّع أوضاع ما نطقتْ به العرب واستعمَلَتْهُ في تفريع مفردات الكلِم وجُمل الكلام وأحكام ثَرَاء الكلمات. وأكتفي بذكر الأسماء؛ لاندراج الأفعال تحتها؛ لامتناع وُجود فعلٍ إلاّ مع اسم ظاهرٍ أو مُضْمَرٍ، أي: إنّه قد شرح ذلك فقال بعده مُشيرًا إلى الفِعْل:

وَحُقَّ أَنْ1 نَشْرَحَ2...................................... وقال: (على اختصار) بمقتَضَى عدد أبياته3؛ وذلك لِمَا أَوْدَعَهَا بأبوابها مِنَ المعاني. و (على استيفائه) لِمَا ذكره، لا لِمَا لمْ يذكره بهذا المختصر من التّصريف، والحِكاية، والوقف، والإِمالة، والإدغام.

_ 1 في أ: يشرح. 2 تكملة هذا النّظم كما سيذكُره الشّارح في أوّل باب نواصب الفعل: 3 في ب: اثباته، وهو تصحيف.

باب نواصب الفعل

بَابُ نَوَاصِبِ الْفِعْلِ: [142/ب] / وَحُقَّ أَنْ نَشْرَحَ1 شَرْحًا يُفْهَمُ ... مَا ينُْصِبُ الْفِعْلَ وَمَا قَدْ يَجْزِمُ فَيَنْصِبُ الْفِعْلَ السَّلِيمَ: أَنْ وَلَنْ ... وَكَيْ وَكَيْمَا ثُمَّ كَيْلاَ وَإِذَنْ2 وَاللاَّمُ حِينَ تَبْتَدِي بِالْكَسْرِ ... وَهْيَ إِذَا فَكَّرْتَ لاَمُ الْجَرِّ3 وَالْفَاءُ إِنْ جَاءَتْ جَوَابَ النَّهْيِ ... وَالأَمْرِ وَالْعَرْضِ مَعًا وَالنَّفْيِ وَفِي جَوَابِ لَيْتَ لِي وَهَلْ فَتَى ... وَأَيْنَ مَغْذَاكَ وَأَنَّى وَمَتَى وَالْوَاوُ إِنْ جَاءَتْ بِمَعْنَى4 الْجَمْعِ ... فِي طَلَبِ الْمَأْمُورِ أَوْ فِي الْمَنْعِ وَيُنْصَبُ الْفِعْلُ بِ (أَوْ) وَ (حَتَّى) ... وَكُلُّ ذَا أُودِعَ كُتْبًا شَتَّى تَقُولُ: أَبْغِي يَا فَتَى أَنْ تَذْهَبَا ... وَلَنْ أَزَالَ قَائِمًا أَوْ تَرْكَبَا وَجِئْتُ كَيْ تُولِينِيَ الْكَرَامَهْ ... وَسِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَ الْيَمَامَهْ وَاقْتَبِسِ الْعِلْمَ لِكَيْ مَا تُكْرَمَا ... وَعَاصِ أَسْبَابَ الْهَوَى لِتَسْلَمَا

وَلاَ تُمَارِ جَاهِلاً فَتَتْعَبَا ... وَمَا عَلَيْكَ عَتْبُهُ فَتُعْتَبَا / وَهَلْ صَدِيقٌ مُخْلِصٌ فَأَقْصِدَهْ ... وَلَيْتَ لِي كَنْزَ الْغِنَى فَأَرْفِدَهْ وَزُرْ لِتَلْتَذَّ1 بِأَصْنَافِ الْقِرَى ... وَلاَ تُحَاضِرْ2 فَتُسِيءَ3 الْمَحْضَرَا وَمَنْ يَقُلْ: إِنِّي سَأَغْشَى حَرَمَكْ ... فَقُلْ لَهُ: إِنِّي إِذَنْ أَحْتَرِمَكْ وَقُلْ لَهُ فِي الْعَرْضِ: يَا هَذَا أَلاَ ... تَنْزِلُ عِنْدِي فَتُصِيبَ مَأْكَلاَ4 فَهَذِهِ نَوَاصِبُ الأَفْعَالِ مَثَّلْتُهَا ... فَاحْذُ عَلَى تَمْثَالِي5 [143/أ] الفعل المضارع يرتفع لتجريده6 من7 النّاصب والجازم، وحُلوله محلّ الاسم8.

فإنْ كان فعل الزّمان الحاضر وهو الحال كان مرفوعًا أبدًا، ولم يدخُل عليه عوامِل النّصب، ولا عوامِل الجزْم1؛ لأنّ عوامِل2 النّصب تدلّ على استقبال الزّمان، وفي عوامل الجزْم3 ما ينقل معنى المضارِع إلى الماضي؛ نحو: (لم) و (لَمّا) ، وفيه ما يدلّ على وُقوعِه في المستقبَل،

فنافت1 معانيها معنى الموضوع للزّمان [143/ب] الحاضر2. وجُملة الحروف الّتي تَنصب تسعة3؛ وهي الّتي تقدّم ذكرها. فمنها: [ما] 4 ينصب بنفسه؛ وهي: (أنْ) و (لَنْ) و (كَيْ) و (إِذَنْ) . ومنها: ما ينصب بإضمار حرف بعده مقدّر؛ وهي: (حتَّى) و (الفاء) و (الواو) و (لام تأكيد النّفي) 5. ومنها: ما ينصب بنفسه تارةً، وبإضمار حرفٍ تارة؛ وهي: (لام الإيجاب) . وأصلُ هذه الحروف: (أَنْ) ؛ لأنّها تنصِب ظاهرة ومقدّرة، ويتّسع فيها ما لا يتّسع في غيرها. واختصّت بعمل النّصب دون غيره؛ لأنّها أشبهت (أنّ) لفظًا وتقديرًا6؛ فاللّفظ كونها على بعض حروفها، والمعنى وُقوعها وما عملت فيه موقع المصدر.

والشَّبَهُ بينها وبين أخواتها: أنّ كلّ واحدٍ من أخواتها تنقل الفعل نقلين كما تنقُله؛ فـ (لن) تنقُل الفعل إلى الاستقبال بعد أنْ كان حالاً، وإلى النّفي بعد أنْ كان موجِبًا. و (إِذن) تنقل الفعل إلى الجواب والجزاء بعد أنْ لم يكن كذلك، وإلى الاستقبال أيضًا. و (كي) تنقله إلى العلّة مع الاستقبال أيضًا؛ ولذلك1 عملت. والفعل الواقِع قبل (أَنْ) لا يخلو [من] 2 أن يكون فعلاً غير متيقّن، كالخوف، والطّمع، والرّجاء، والأمل، والتّمنّي؛ فتكون (أنْ) النّاصبة للفعل، كقولك: (أريد أَنْ تَحْفَظَ) [144/أ] و (أَرْجُو أَنْ تَعْلَمَ) و (أَخْشَى أَنْ تَنْدَمَ) و (أَرْجُو ألاَّ تَسْأَمَ) ، ومنه قولُه تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} 3. وإنْ كان الفعل الّذي قبلها فعلاً ثابتًا متيقّنًا4، كالعلم، والرّؤية، والإنباء، والوجدان، كانت المخفّفة من الثّقيلة، وكان الفعل المستقبل بعدها مرفوعًا؛ وذلك كقولك: ( [قد] 5 علمت ألاَّ تخرجُ) ، و (ما علمت أَلاَّ يركبُ زيد) ، و (ستعلم6 ألاَّ يتحدث بكر) ، وكقوله

تعالى: {لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّنْ فَضْلِ اللهِ} 1 فأثبت النّون، وكقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى} 2. [وإنْ] 3 كان الفعل الّذي قبلها فيه طرفٌ مّن الشّكّ، وطَرَفٌ من العلم كنتَ مخيّرًا إنْ شئتَ جعلتها النّاصبة [للفعل] 4، وإنْ شئت جعلتها المخفّفة من الثّقيلة، ورفعت الفعل بعدها، كقولك: (ما أظنّ أَلاَّ يخرج زيد) و (أَحْسِبُ ألاَّ تكون فتنة) ، قال تعالى: {وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ} 5، وهي قراءة أبي عمرو6، وحمزة7، والكسائيّ، ويعقوب8

بالرّفع1؛ وقراءة الباقين2 بالنّصب؛ لأنّ المشدّدة معناها التّأكيد، والمخفّفة منها بمنزلتها في العمل فجُعلت كذلك مع أفعال العلم؛ وليس كذلك النّاصبة؛ لأنّها تنقل الفعل من حالٍ إلى حالٍ، ولا يجوز أن يتقدّم3 معمولها [144/ب] عليها. وأمَّا (لَنْ) فهي عند سيبويه4 مفرَدة، وعند الخليل5 مركّبة؛ وأصلُها عنده: (لا أن) 6 فحذفت الهمزة تخفيفًا والتقى ساكنان؛ وهما: الألِف والنّون؛ فحذفت الألِف لذلك، وبقي (لَنْ) 7؛ والصّحيح ما ذهب إليه سيبويه.

وهي لفظةنفي وُضِعَت لجواب الفعل المقتَرن1 بأحد حرفي التّنفيس؛ وهما: السّين وسوف، فـ (لن يخرُج زيد) جوابُ مَن قال: سوف يخرُج، أو سيخرُج. وتختصّ (لن) دون أخواتها بأن يتقدّم2 عليها مفعول الفعل الّذي نصبته3، كقولك: ( [زيدًا] 4 لن أضرب) وأجمعوا على ذلك، وعلى أنّ معناها نفي الفعل المستقبل. وأمّا (إِذَنْ) فهي مفرَدة عند سيبويه5، ومركّبة عند الخليل6 من (إِذْ) و (أَنْ) 7.

ولها ثلاثة مواضع: موضع تَعمل فيه لا غير: وذلك إذا كانت مبتدأة1 جوابًا، ولم يعتمد ما بعدها على ما قبلها، ويكون الفعل مستقبلاً؛ مثالُه: أن يقول لك قائلٌ: (أنا أزورُك2 اليوم) فتقولُ: إذن أكرمَك؛ ووجب عملها بهذه الشّرائط؛ لأنّ كونها أوّلاً يلحقها3 بالعوامل الّتي مِن شأنها التّقدّم على المعمول. وكونُ ما بعدها [غير] 4 معتمد على ما قبلها، يخرجها من أنْ تكون حشوًا، ويكون5 الفعل بعدها مرفوعًا، وتكون ملغاة. [145/أ] وهذا الموضع الثّاني: وذلك أن يكون الفعل حالاً، كقول قائل: (أنا أحدّثك بكذا وكذا) 6فتقول [له] 7: إذن أظنّك صادقًا، وكذلك إذا اعتمد ما بعدها على ما قبلها بكونه8 خبر مبتدأ9، أو جوابًا لشرط، أو جوابًا لقَسَم لم تعمل، تقول: (أنا إذن أقوم) و (إنْ

تقم إذن أقم) ، (والله إذن أقم) 1، وأمّا قولُ الشّاعر: ارْدُدْ حِمَارَكَ لاَ يَرْتَعْ بِرَوْضَتِنَا ... إِذَنْ يُرَدَّ2وَقَيْدُ الْعَيْرِ مَكْرُوبُ3 فالواجبُ رفعُه، ولكنّه [نزّله] 4منزلة مَنْ خالَف الأمر، وقال: لا أردّه، فقال: إذن يُرَدَّ5. وأمّا قول الآخر: لاَ تَتْرُكَنِّي فِيهِمُ شَطِيرَا ... إِنِّي إِذَنْ أَهْلِكَ أَوْ أَطِيْرَا6

يجرون (إذن) مُجْرى (لن) وهو الصّحيح؛ ويقدّرون محذوفًا1، كأنّه قال: إِنِّي أهلك إذن أهلك أو أطيرَا. والموضع الّذي2 تعمَل فيه وتلغى: هو3 إذا تقدّمها (فاء) أو (واو) من حروف العطف، كمن يقول: زيد4 يقوم، فتقول: فإذن أَخْرُجُ،

[وإذن أَخْرُجَ] 1؛ فمن رفع كان عاطِفًا لها على الجُملة الصّغرى. ومَن نصب كان عاطفًا على الجُملة الكبرى؛ وبه2قرأ القُرّاء السّبعة في قوله تعالى: {وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلاَفَكَ} 3) . [145/ب] وفي بعض المصاحف: {وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُوا} 4 والأكثر الرّفع5، كقوله تعالى: {َإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} 6) .و (إِذَنْ) عند سيبويه في عوامِل الأفعال بمنزلة (ظننت) في عوامِل الأسماء؛ ولذلك7 تقع أوّلاً، ووسطًا، وآخِرًا؛ إلاّ أنّها إذا وقعتْ آخِرًا بَطَل عملها لا غير8.

وأمّا (كي) 1 فتكونُ في موضعٍ ناصبةً بنفسها، وفي موضعٍ ناصبةً بغيرها. فإذا دَخَلَتْ عليها لامُ الجرّ، كقوله2 تعالى: {لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} 3 كان النّصب بها بنفسها4، ولم تكن5 حرف جرّ؛ لأنّ حَرْفَ6 الجَرِّ لا يدخُل على مثله غالبًا؛ فإذا قلتَ: (جئتُ لكيْ أُكرمَك) فالتّقديرُ: لأنْ أُكرِمَك7. وإظهارُ اللاّم بعدها تنبيهٌ على أنّ النّصب بـ (أنْ) مضمَرة؛ فالموضع الّذي تنصب فيه بإضمار (أن) هو الموضع الّذي تكون فيه كاللاّم، كقولك:

(جئتُ كَيْ أُكلِّمَك) 1؛ فهي هُنا2 بمنزلة لام الجرّ، كأنّك قلتَ: (جئتُ لأُكلّمَك) ؛ فإنْ جئتَ باللاّم كان النّصب بإضمار (أنْ) لا باللاّم؛ لأنّها حرف جرّ. فهي حرف وضع لمعنى3 العلّة4 والغَرض لوُقوع ذلك الفعل؛ ففيها شبَه من المفعول له. ويجوز إدخال (ما) و (لا) عليها مع (اللاّم) وبغير اللاّم؛ تقول: زُرْتُك لتُكرِمني، و [كيما] 5، ولكيما [146/ أ] تُكرِمَني، وجئتُك كيلاَ تغضَب، ولكيلاَ تغضب؛ فهذه الأربعة أُصولٌ ناصبة بأنفسها. وأمّا الحروف النّاصبة بغيرها فيجوز فيما بعدها وجهان؛ الرّفع والنّصب على تقديرين مختلِفين ما خلاَ اللاّم في النّفي؛ فإنّ6 الفعل لا يكون بعدها إلا منصوبًا بالفاء7

إذا1 وقعت جوابًا لأحد ثمانية أشياء؛ الاستفهام، والأمر، والنّهي، والجحد، والعرض، والتّمنّي، والتّحضيض، والدّعاء. وإنْ كان أحدُ الفعلين سببًا للآخر كان ذلك الفعل2 منصوبًا، مثل: (أتقوم فتحدّثنا) بمعنى أيكون قيامُك سببًا لحديثنا3، وتلخيصه الجمع بين قيام وحديث؛ فالفعل4 الّذي قبل الفاء بمنزلة الشّرط، والفعل الّذي [دخلت] 5 عليه الفاء بمنزلة الجزاء؛ إذا قلتَ: (لا تقم فأغضب عليك) فالمعنى: إن تقم أغضب عليك. فالنّصب بعد الفاء المسبوقة بنفي حقيقيّ، نحو: (ما استغثتَ فتُغاث) ، وبنفي مؤوّل، نحو: (هل تأتينا6 فتحدّثَنا) ؛ لأنّ المعنى: ما تأتينا، ومنه قولُه تعالى: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ} 7.

والاستفهام1، كقوله تعالى: {َهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا} 2، ومنه3 قولُ الشّاعر: هَلْ تَعْرِفُونَ لُبَانَاتِي فَأَرْجُوَ أَنْ تُقْضَى ... فَيَرْتَدَّ بَعْضُ الرُّوحِ فِي الجَسَدِ4 والأمر، نحو: (زُرْني فَأَزُورَك5) ، ومنه قولُ الرّاجز6: [146/ب] يَانَاقُ سِيرِي عَنَقًا فَسِيحًا ... إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا7

والنّهي، كقوله تعالى: {لاَ تَطَغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} 1، ومنهُ قولُ الآخر: وَلاَ تُخَالِفْ ثِقَةً فَتَنْدَمَا2 والعرض، (أَلاَ تَنْزِلُ عِنْدَنَا فَتُصِيْبَ خَيْرًا) ، ومنه قولُ الشّاعر: يَا ابْنَ [الْكِرَامِ] 3 أَلاَ تَدْنُوا4 فَتُبْصِرَ مَا ... [قَدْ] 5 حَدَّثُوكَ فَمَا6 رَاءٍ كَمَنْ سَمِعَا؟ 7

والتّمنّي، كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} 1. ومنهُ قولُ الشّاعر: يَا لَيْتَ أُمَّ خُلَيْدٍ وَاعَدَتْ فَوَفَتْ ... وَدَامَ لِي مَعَهَا عُمْرٌ فَنَصْطَلِحَا2 والتّحضيض، كقوله تعالى: {لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} 3. وحرُوف التّحضيض أربعة؛ وهي: (هَلاَّ) و4 (أَلاَ) و (لَوْلاَ) و (لَوْمَا) . والدّعاء، كقول الشّاعر: رَبِّ وَفِّقْنِي فَلاَ أَعْدِلَ عَنْ ... سَنَنِ السَّاعِينَ فِي خَيْرِ سَنَنْ5

ولا ينصب1 الفعل بعد الفاء غير مسبوقةً بنفي2 أو طلب إلا لضرورة الشّعر؛ كقول الشّاعر: [147/أ] سَأَتْرُكُ مَنْزِلِي لِبَنِي تَمِيمٍ ... وَأَلْحَقُ بِالْحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا3 ولا يجوز النّصب بعد شيءٍ من ذلك إِلاَّ بثلاثة شروط: الأوّل: أن يكون النّفي خالِصًا من معنى الإثبات. الثّاني: أن [لا] 4 يكون الطّلب باسم فعل، ولا بلفظ الخبر؛ ولذلك5 وجب رفع ما بعد الفاء6 في نحو: (ما أنتَ إِلاَّ تأتينا فتحدّثنا) و (مَا تَزَالُ تَأتينا7 فتحدّثُنا8) ، وكقول الشّاعر: وَمَا قَامَ مِنَّا قَائِمٌ فِي نَدِيِّنَا ... فَيَنْطِقُ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَعْرَفُ9

و (حسبُك الحديث فينامُ1 النّاس) . الثّالث: أن يقصد بالفاء الجزاء2 والسّببيّة، ولا يكون الفعل بعدها مبنيًّا على مبتدأ محذوف. فإنْ كان كذلك3 وجب الرّفع، كقولك: (ما تأتينا فتحدّثُنا) بمعنى:

ما تأتينا فما تحدّثُنا، أو ما تأتينا فأنت تحدّثُنا، قال الله تعالى: {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} 1 أي: فهم يعتذرون. وجميع المواضع الّتي ينصب2 فيها المضارِع بإضمار (أَنْ) بعد الفاء ينتصب3 فيها بذلك بعد (الواو) 4 إذا قُصد بها المصاحبة؛ ومنه قولُ الشّاعر: [147/ب] فَقُلْتُ ادْعِي وَأَدْعُوَا إِنَّ أَنْدَى ... لِصَوْتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ5

وإذا قلتَ: (لا تأكل السّمك وتشربَ اللّبن) كان [المعنى] 1: النّهي عن الجمع بينهما2، ولم يكن ناهيًا3عن استعمال أحدهما على انفراده4؛ ومنه قولُ بعضِ5 العرب: (لاَ يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزَ عَنْكَ) بالنّصب، ولو رفع لاستحال6 المعنى؛ لأنّه لا يجوز أَنَّ كلّ الأشياء [لا] 7 تسعه، وكلّ الأشياء لا تعجز8 عن صاحبه، وهذا مُحال.

وانتصابُ الفعل بعدها بإضمار (أَنْ) ، وعلى هذا أنشدوا: لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ1 أي: لا تجمع بين النّهي عن القبيح وفعله2؛ ولم يرد نهيُه عن الفعلين، ومن ذلك: لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ3 فالفعل منصوبٌ بتقدير: (أَنْ) ؛ لأنّه معطوفٌ على اسم، فلو رفعه

لم يحسن؛ لعطفِه فعلاً صريحًا على اسم صريح. وقولُه تعالى: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} 1 في قراءة2 حمزة3، وحفص4؛ وقراءة الباقين5 (ونَكونُ) على معنى: ونحن نكون. [148/أ] وأمّا (أو) 6 فتَنصب الفعل المستقبَل على ضربين: أحدهما: بمعنى (إِلاَّ أَنْ) ، كقولك: (لأَلْزَمَنَّكَ أوْ تُعطيني حقِّي) ،

ومعناه: تقريرُ وُجود فعلٍ إِنْ لم يعرض له مانع فيرتفع به وُجوده، وهو: ليكن منّي1 لك لُزومٌ إِلاَّ أَنْ يكون منك إعطاء2. [ثانيهما] 3 بمعنى (حتّى) 4، ومنهُ قولُ الشّاعر: لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ المُنَى ... فَمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إِلاَّ لِصَابِرِ5 وفي قول الذّريح6 لابنه قيس7 وقد أمَره بطلاق زوجته فلم يفعل 1 في ب: لك منّي.

لمحبّته إيّاها، فطرح نفسه على1 الرّمضاء قائلاً: "وَاللهِ لاَ أَريمُ هَذَا المَوْضِعَ أَوْ أَمُوتَ أَوْ تُخَلِّيهَا"2. فالأولى بمعنى: (حَتَّى) ، والثّانية بمعنى: (إِلاَّ3 أَنْ) ، وكقوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ [عَلَيْهِمْ] 4} 5. وهي بمعنى (حتّى) في قوله: فِرَاقُ أَخٍ لَنْ6 يَبْرَحَ الدَّهْرَ ذِكْرُهُ ... يُهَيِّمُنِي مَا عِشْتُ أَوْ يَنْفَدَ العُمْرُ7 (أو) 8 بمعنى: (كَيْ) في قوله: وَكُنْتُ إِذَا غَمَزْتُ قَنَاةَ قَوْمٍ ... كَسَرْتُ كُعُوبَهَا أَوْ تَسْتَقِيْمَا9

وأمّا (حَتَّى) فقد تقدّم الكلامُ في عملها في أبوابِها. [148/ب] وهي إذا نصبت1 الفعلَ المستقبَل فعلى أحد معنيَيْن:

معنى (كَيْ) ، أو (إلى أَنْ) ، كقولك: (سِرْتُ حتّى أدخلَ المدينة) ، و (صُمْ حتّى تغرُبَ الشّمس) ، وتقديرُ الكلام: إلى أنْ تغرُبَ الشّمس، و (أَطِعِ الله حتّى يرحمَك) أي: كَي يرحمَك. وكُلُّ موضعٍ كان الفعل الثاني غاية للأوّل1كانت بمعنى (إلى أنْ) . وكُلُّ موضعٍ كان الأوّل سببًا للثّاني كانت بمعنى (كَيْ) . وإِنْ كان الفعلُ بعد (حَتَّى) حالاً فيه حَرْفُ ابتداء، والفعلُ بعدَها لازمُ الرّفع؛ لخُلُوِّه عن ناصبٍ أو جازم، كقولك: (سِرْتُ البارحةَ حتى أدخلُها الآن) أي: سِرْت حتى أنا الآن أدخلها؛ ومنه قولُهم: (مَرِضَ فلانٌ حتّى لا يَرْجُونَه) فما لـ (كي) ههنا معنى2، و (سألتُ عنه حتى لا أحتاج إلى سؤال) . والحال المقدّرة أن يكون الفعلُ قد وقع فيقدَّرُ المُخْبَر به اتّصافُه بالدُّخول فيه فيُرفع3؛ لأنّه حالٌ بالنّسبة إلى تلك الحال؛ وقد يقدّر4اتّصافُه بالعزم عليه فيُنصب؛ لأنّه مستقبَل بالنّسبة إلى تلك الحال؛ ومنه قولُه تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} 5 قَرَأهُ نافعٌ بالرّفع6،

والباقون بالنّصب1. و (اللاّم) الّتي بمعنى (كَيْ) 2، كقولك: (قصدتُّكَ لتقوم معي) ؛ فهي لامُ التّعليل، كقوله3تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} 4. [149/أ] وقد تأتي بمعنى العاقبة؛ كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} 5. أو زائدة؛ كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} 6.

وأمّا الّتي لتأكيد النّفي؛ كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} 1، و {لمَْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} 2؛ فهي3 الدّاخلة على الخبر بعد (ما كان) أو (لم يكن) ؛ وتسمّى (لام الجُحود) ؛ فتُنصب بإضمار (أَنْ) 4؛ وهاتان اللاّمان مكسورتان كلام الجرّ. وَإِنْ يَكُنْ5 خَاتِمَةُ الْفِعْلِ أَلِفْ ... فَهْيَ عَلَى سُكُونِهَا لاَ تَخْتَلِفْ تَقُولُ: لَنْ يَرْضَى أَبُو السُّعُودِ ... حَتَّى يَرَى نَتَائِجَ الْوُعُودِ فصل: [الكلام] 6 ههنا على الفعل المعتلّ اللاّم: فإنْ كان آخِر الفعل المستقبل واوًا، كـ (يدعو) ، [أو (يغزو) ] 7،

أو ياء، كـ (يرمي) 1 حَرَّكْتَها بالفتح في حال النّصب، فتقول: إنّ زيدًا لن يدعوَ، ولن يرميَ2. فإنْ3 كان آخرُه ألفًا أَبْقَيْتَهَا على سُكونِها؛ لأنّ الأَلِف لا يمكن تحريكُه، [فتقول:] 4 لن يرضى زيد، [ولن يخشى] 5؛ فآخر هذين الفعلين الألِف، وإن كتبا بالياء.

_ 1 في ب: كرحى، وهو تحريف. 2 في ب: إنّ زيدًا لن يرميَ ولن يدعوَ بفتح الياء. 3 في ب: وإن. 4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ. 5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

باب الأفعال التي رفعها بثبات النون

بَابُ الأَفْعَالِ الَّتِي رَفْعُهَا بِثَبَاتِ1 النُّونِ: [149/ب] وَخَمْسَةٌ تَحْذِفُ2 مِنْهُنَّ الطَّرَفْ ... فِي نَصْبِهَا فَأَلْقِهِ وَلاَ تَخَفْ وَهْيَ - لَقِيتَ الخَيْرَ - تَفْعَلاَنِ ... وَيَفْعَلاَنِ فَاعْرِفِ الْمَبَانِي وَتَفْعَلُونَ ثُمَّ يَفْعَلُونَا ... وَأَنْتِ يَا أَسْمَاءُ تَفْعَلِينَا فَهَذِهِ يُحْذَفُ3 مِنْهَا النُّونُ ... فِي نَصْبِهَا لِيَظْهَرَ المَكْنُونُ4 تَقُولُ لِلزَّيْدَيْنِ5: لَنْ يَنْطَلِقَا6 ... وَفَرْقَدَا السَّمَاءِ لَنْ يَفْتَرِقَا وَجَاهِدُوا يَا قَوْمِ حَتَّى تَغْنَمُوا ... وَقَاتِلُوا الكُفَّارَ كَيْمَا يُسْلِمُوا7 وَلَنْ يَطِيبَ العَيْشُ حَتَّى تَسْعَدِي ... يَا هِنْدُ بِالْوَصْلِ الَّذِي يُرْوِي الصَّدِي فصل: هذه الأفعال رفعها بثبات8 النّون؛ وهي ثلاثةُ أفعال:

فعلٌ لجمع المذكّر العاقل، وفعلٌ للمثنّى1، وفعلٌ للمفرد المؤنّث، لكن بالحضور والغيبة [150/أ] اللّذين يختصّان بالجمع والمثنّى، صارت خمسة؛ فمتى دخل عليها ناصب حذف النّون منها، تقولُ: أريد أَنْ تطيعوا، وأن تعلما، ولن يذهبوا،2 ولن يخرُجا3، ولن تفعلي4 يا هِنْدُ.

_ 1 في أ: للتّمنّي، وهو تحريف؛ وفي ب: المثنّى. 2 في ب: تذهبوا. 3 في ب: كيْ تخرُجا. 4 في أ: لن تفعلين يا هذه.

باب الجوازم

بَابُ الْجَوَازِمِ: وَيُجْزَمُ1 الْفِعْلُ بِ (لَمْ) فِي النَّفْيِ ... وَاللاَّمُ فِي الأَمْرِ وَ (لاَ) فِي النَّهْيِ وَمِنْ حُرُوفِ الْجَزْمِ أَيْضًا (لَمَّا) ... وَمَنْ يَزِدْ فِيهَا يَقُلْ: أَلَمَّا تَقُولُ: لَمْ تَسْمَعْ2 كَلاَمَ مَنْ عَذَلْ3 ... وَلاَ تُخَاصِمْ مَنْ إِذَا قَالَ فَعَلْ وَخَالِدٌ لَمَّا يَرِدْ مَعْ مَنْ وَرَدْ ... وَمَنْ يَوَدَّ فَلْيُوَاصِلْ مَنْ يُوَدّ فصل: يجزم الفعل المضارع4بـ (لم) ، و (لَمَّا) - وهما أختان -، و (لام الأمر) ، و (لا) في النّهي. فأمّا (لَمْ) فهو حرف وضع لنفي فعل ماض، فإذا قال5قائل: (فعل زيد) فنفيه: (لم يفعل) ؛ وقد تحمل6على (ما) فترفع7 الفعل

بعدها1؛ ومنه قولُ الشّاعر: لَوْلاَ فَوَارِسُ مِنْ نُعْمٍ وَأُسْرَتُهَا ... يَوْمَ الصُّلَيْفَاءِ2 لَمْ يُوفُونَ بِالجَارِ3 (لَمّا) حرفُ نفيٍ لفعلٍ معه (قد) ، كمن قال: (زيدٌ [قد] 4 فعل)

فنفيُه: لَمَّا يفعل. وهي مركّبة1 من (لَمْ) و (مَا) 2 فأُدغمت ميمُ (لَمْ) في ميم3 (ما) . [150/ب] ووجه الزّيادة4: أنّهم لَمّا زادوا حرفًا في الإثبات وهو (قَدْ) ، زادوا حَرْفًا في النّفي وهو5 (ما) . وكلاهُما6 يجزمان الفعل المستقبَل؛ فإنْ كان معتلاًّ سقط منه حرفُ العلّة، كقولك: (لَمْ يغزُ) و (لم يرمِ) و (لم يخش) و (لم يقم) و (لَمّا يغزُ) و (لَمّا يرمِ) و (لَمّا يخش) و (لَمّا يقم) ، قال اللهُ تعالى: {كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} 7. فإنْ كان سالمًا سكن آخره، كقوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} 8،

و (لَمّا يذهب) ، [و] 1 قال الشّاعر: فَإِنْ كُنْتُ مَأْكُولاً فَكُنْ خَيْرَ2 آكِلٍ ... وَإِلاَّ فَأدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ3 والفرقُ بين (لَمْ) و (لَمّا) من وجهين: أحدُهما: أَنّ (لَمّا) تُفيد امتداد انتفاء الفعل إلى وقت حديثك، تقول: (ندم زيد ولم ينفعه النّدم) أي: عقيب ندمه؛ فإنْ قلتَ: (ولَمّا ينفعه) كان معناه أنّه لم ينفعه إلى وقته هذا، قال اللهُ تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيْمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} 4 المعنى: إنّهم إلى وقت الإخبار عنهم كانوا غيرَ مؤمنين. الثّاني: أنّه يوقف على (لَمّا) دون الفعل، كقولك: (خرج زيد ولَمَّا) أي: [و] 5 لَمّا يخرج.

وقد حملت (لَمْ) على (لَمَّا) في الشِّعر [فَوُقِفَ عليها] 1،كقول2 الشّاعر: [151/أ] اُرْدُدْ وَدِيْعَتَكَ3 الَّتِي اسْتُودِعْتَهَا4 ... يَوْمَ الأَحَارِبِ إِنْ وَصَلْتَ وَإِنْ لَمِ5 أي: وإن لم تصل. وَأمّا (أَلَمْ) فهي (لَمْ) زيدتْ عليها همزة الاستفهام؛ فلمّا رُكِّب النّفي مع الاستفهام [أفاد] 6 تقريرًا؛ كقوله [تعالى] 7: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 8، ويصير الفعل الَّذي يدخلان عليه في معنى الماضي9؛ لأنّه

يحسُن أن نقول: (لم يخرُج زيد أمس) و (لَمّا يذهب أمس) 1. وقد يدخُل بين الجازم والهمزة الواو والفاء2، كقوله تعالى: {أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ} 3، و {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ} 4. وقد تكون5 (لَمّا) اسمًا ظرفيًّا بمعنى (حين) 6؛ وذلك

إذا وَلِيَها الفعل الماضي، كقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا} 1. وتكون بمعنى (إلاّ) للتّحضيض2، نحو: (عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَمَّا فَعَلْتَ) أي: إلاّ فعلت. و (لام) الأمر، و (لا) في النّهي يفهمان3 الطّلب؛4 وأصل اللاّم السّكون، وحرّكت لامتناع الابتداء بها ساكنة، وكُسرت5 للفرق بينها وبين لام التّوكيد6.

وقيل: أشبهت لام الجرّ المختصّة بالاسم في اختصاصها بالفعل1. وهي تستعمل في أمرٍ، أو دعاءٍ2، كقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} 3، [151/ ب] و {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} 4. وتكون5 للغائب، كقول الشّاعر: [وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي كَفِّهِ غَيْرُ نَفْسِهِ ... لَجَادَ بِهَا] 6 فَلْيَتَّقِ اللهَ سَائِلُهْ7

ويُختار1 تسكينُها بعد الواو والفاء، كقوله تعالى: {فَلْيَتَقّوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا} 2. وإنْ دخلت ثمّ [عليها] 3 فالكسر المختار؛ لأنّها كلمة منفصلةٌ عن اللاّم4. وعلى هذا قرأ أبو عمرو5 {ثُمَّ لِيَقْطَعْ} 6 [بكسر اللاّم] 7؛

فالواو والفاء يمتزجان [باللاّم كما يمتزجان] 1 بالهاء في دخولهما2 على المُضْمَر، وتسكين الهاء منه، كقولك3: (قال محمّد وَهْو صادق) و (سارت النّاقة وهي مثقَلة) ، وقوله [تعالى] 4: {فَهِيَ خَاوِيَةٌ [عَلَى عُرُوشِهَا] 5} 6. ويجوزُ في الشّعر أن تحذف اللاّم، ويبقى جزمُها، كقوله: مُحَمَّدٌ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ ... إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ شَيْءٍ تَبَالاَ7 (لا) النّاهية: استعمالها في النّهي أو الدّعاء8؛ كقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ} 9، و {لاَ تُؤَاخِذْنَا} 10.

وتصحب فعل المخاطب، والغائب كثيرًا، وقد تصحب1 فعل المتكلِّم، كقول الشّاعر: إِذَا مَا خَرَجْنَا مِنْ دِمَشْقَ فَلاَ نَعُدْ ... لَهَا2أَبَدًا مَا دَامَ فِيْهَا الجُرَاضِمُ3 وعملت هذه الحُروف الجزم؛ لأنّ (لَمْ) تقلبُ معنى المستقبَل إلى الماضي، والفعل ثقيل، وقد ازداد ثقلاً بقلب4 معناه؛ فناسب أن يُحذَف منه شيء ليخفّ5؛ وكذلك القولُ في (لَمّا) . [152/أ] وأمّا (لام الأمر) فإنّما جَزَمت؛ لأنّ الأمر الصّريح موقوف الآخِر،

كقولك: (اضْرِبْ) ؛ فجعل لفظَ المعرب كلفظ المبنيّ؛ لاشتراكِهما في المعنى. وأمّا النّهي فهو مثل الأمر؛ لأنّه طلب التَّرْك؛ كما أنّ الأمر طلب الفعل، فكانا كذلك1 في العمل متساويين2. وَإِنْ تَلاَهُ أَلِفٌ وَلاَمُ ... فَلَيْسَ غَيرُ الْكَسْرِ وَالسَّلاَمُ تَقُولُ: لاَ تَنْهَرِ3 الْمِسْكِينَا ... وَمِثْلُهُ: لَمْ يَكُنِ الَّذِيْنَا المُراد بهذا الكلام: أنّه لاَ يُجمع بين ساكنين؛ ومتى التقى ساكِنان4 في المجزوم أو في غيرِه كُسِرَ الأوّل منهما. أمّا الفعلُ فهو5 إذا أتى بعدَه6 الألِفُ واللاّم، كقوله7 تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ} 8، وكان الأصل [فيه] 9 تسكين النّون10 كما سكنت في قوله: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ} 11، ولكن لَمّا التقت (النّون)

- وهي ساكنة - بلام (الّذين) 1 كُسرت؛ فِرارًا من اجتماع ساكنين، ولا اعتبار بالألف2؛ لسُقوطها عند اندراج الكلام. وكذلك3 فعلُ الأمر، كقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} 4. [152/ب] وكذلك حكم الأسماء المبنيّة على السّكون، كقولك: (كَمِ المال) و (سِرْتُ عن المدينة) . وشَذَّ مِنْ ذلك فتح نون (من) من قولك5: (سمعتُ مِنَ الشّيخِ حديثًا) ؛ وذلك لكسرة الميم؛ فكرهوا أن يتوالى كسرتان على حرفين6. وَإِنْ تَرَ المُعْتَلَّ فِيهَا رِدْفَا ... أَوْ آخِرَ الْفِعْلِ فَسِمْهُ الْحَذْفَا تَقُولُ: لاَ تَأْسَ7 وَلاَ تُؤْذِ وَلاَ ... تَقُلْ بِلاَ عِلْمٍ وَلاَ تَحْسُ8 الطِّلاَ9

وَأَنْتَ يَا زَيْدُ فَلاَ تَهْوَ1 الْمُنَى2 ... وَلاَ تَبِعْ إلاَّ بِنَقْدٍ فِي مِنَى وَالْجَزْمُ فِي الْخَمْسَةِ مِثْلُ3 النَّصْبِ ... فَاقْنَعْ بِإِيجَازِي وَقُلْ لِي: حَسْبِي [فصل] 4: إذا كان آخرُ الفعل حرفًا من حروف العلّة، أو ما قبل آخره وهو الرِّدْفُ5 ودخل عليه عاملُ جَزْمٍ يُحذف حرف الاعتلال؛ لأنّ مِن شرط الجزْم

أن يسكّن المتحرِّك؛ فإذا صادف حرفًا ساكنًا حذفه ليؤثّر دُخولُه على الفعل، ويظهر عمله؛ فتقولُ1 فيما لامُه حرفُ علّة كـ (يخشى) : (لَمْ يَخْش) بِرَوْمِ حركةٍ تدلّ على الحرف المحذوف. وكذا المعتلّ العين [مثل: يقول] 2، فتقول: (لم يقل) بسقوط الحرف المعتلّ كيلا يجتمع ساكنان. وتسقُط النّون من الأفعال الخمسة لدخول الجازم عليها، كقولك: (لَمْ يقوموا) و (لَمّا تقوموا) و (لَمْ تقومي) فتسقُط النّون منها بعامل الجزم كما تسقُط بعامل النّصب. [153/أ] والمنصوب من هذه الأفعال محمولٌ على المجزوم، كما حُمِلَ المنصوب في التّثنية والجمع على المجرور؛ حملاً في باب الاسم على خاصّة، وفي باب الفعل3 على خاصّة4.

_ 1 في ب: تقول. 2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ. 3 في ب: افعل، وهو تحريف. 4 لأنّ الجزم في الأفعال نظير الجرّ في الأسماء. الكتاب 1/19.

باب إن في الشرط والجزاء

بَابُ إِنْ فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ هَذَا وَ (إِنْ) فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ... تَجْزِمُ فِعْلَيْنِ بِلاَ امْتِرَاءِ وَتِلْوُهَا1 (أَيٌّ) وَ (مَنْ) وَ (مَهْمَا) ... وَ (حَيْثُمَا) أَيْضًا وَ (مَا) وَ (إِذْمَا) وَ (أَيْنَ) مِنْهُنَّ وَ (أَنَّى) وَ (مَتَى) ... فَاحْفَظْ جَمِيْعَ الأَدَوَاتِ يَا فَتَى [وَزَادَ قَوْمٌ (مَا) فَقَالُوا: إِمَّا ... وَأَيْنَمَا كَمَا تَلَوْا أَيَّامَا] 3 تَقُولُ: إِنْ تَخْرُجْ تُصَادِفْ رُشْدَا ... وَأَيْنَمَا تَذْهَبْ تُلاَقِ سَعْدَا وَمَنْ يَزُرْ أَزُرْهُ بِاتِّفَاقِ ... وَهَكَذَا تَصْنَعُ فِي البَوَاقِي فَهَذِهِ جَوَازِمُ الأَفْعَالِ ... جَلَوْتُهَا مَنْظُومَةَ الَّلآلِي فَاحْفَظْ - وُقِيْتَ السَّهْوَ - مَا أَمْلَيْتُ ... وَقِسْ عَلَى الْمَذْكُورِ مَا أَلْغَيْتُ [153/ب] فصل: اعلم أَنّ الشّرطَ وجوابُه جُملتان يعتمد على استعمالهما لِمَا تقتضيه الحال. وتعلّق الجواب بالشّرط كتعلُّق الخبر بالمبتدأ، والعامل4 فيه (إِنْ) ؛

لأنّها تعلّق في الاستقبال جملة بجملة، تسمّى الأولى شرطًا، والثّانية جزاء. ومن حقِّها: [أنْ يكونا] 1 فعليّتين؛ فإنْ كانا مضارعين جزمتهما؛ لاقتضائهما العمل فيهما. وأشبهها في ذلك تسع2 أخوات؛ وهي: (مَنْ) و (مَا) و (أيّ)

و (مَهْمَا) 1؛ وهذه أسماءٌ صريحة؛ و (مَتَى) و (أَيْنَ) و (أَنَّى) 2 و (حَيْثُما) ؛ وهذه ظُروف؛ و (إِذْمَا) وهو حرف3. فهذه تعمل عملها لتضمُّنها معناها4. وإذا كان الشّرط وجوابُه فعلين جاز أن يكونا مضارعين؛ وهو الأصل5، نحو قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ} 6.

والشّرطُ في اللّغة1هو: العلامة؛ فكان وُجود الفعل الأوّل في هذا الباب علامة لوُجود الفعل الثّاني. والظُّروف2 على ضربين: زمانيّة، ومكانيّة. فالزّمانيّة: (مَتَى) و (أَيَّان) 3 و (إِذْمَا) 4. والمكانيّة: (أَيْنَ) و (أَنَّى) و (حَيْثُمَا) 5. [154/أ] وتوجيهُ الجزم: قيل: (إِنْ) [وإن] 6 جزمت الشّرط، والشّرط جزم الجواب؛ لأنّه يقتضيه فوجب أن يكون عاملاً [فيه] 7. وأُجيب عن ذلك بأنّ كلّ واحدٍ منهما يعمل في الآخر؛ فليس أحدهما بأولى من الآخر في العمل8.

وقيل: حصل للشّرط مزيّة بالتّقدُّم. وقيل1: إنّ حرف الشّرط اقتضاهما فعمل فيهما معًا. وفائدة الأسماء: الاختصار لِمَا فيها من العُموم لِمَا وُضعت له. فـ (مَنْ) يعمُّ ذوي العلم، كقولك: (مَنْ يقم أقم معه) . و (مَا) تعمُّ2 غير ذوي العلم. و (أَيّ) 3 تعمّ الأبعاض من ذوي العلم وغيرهم؛ فجعلت شرطًا في تلك الأبعاض، نحو: (أيّ الرّجال يقم أقم معه) و (أيّ الدّوابّ تركب4 اركب) . و (مَهْمَا) 5 بمعنى (مَا) ؛ فإذا قلت: (مَهْمَا تفعل أفعَل) فمعناه:

لا أصغُر [عن] 1 كبير فعلِك، و2 لا أكبر عن صغيره. وقال الخليل3: "هي (مَا) زيدت عليها (مَا) أُخرى4، فكرهوا أن يوالوا بينهما في قولهم: مَا مَا تفعل أفعل، فأبدلوا الألِف الأولى ها". وقيل5: أصلُها (مَهْ) الّتي للكَفّ، ضُمَّ إليها (ما) من6 التّركيب؛ وهي الشّرط7. والدّليل على اسميِّتها: عودُ الضّمير إليها في قوله تعالى: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} 8، وكقول زُهير: وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ... وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ9 [154/ب]

ومِنَ العرب1 مَن يقول: (مَهْمَنْ) فيزيد عليهما (مَنْ) الّتي لمن يعقل، قال الشّاعر: أَمَاوِيَّ2 مَهْمَنْ يَسْتَمِعْ3 فِي صَدِيقِه ... َأَقَاوِيلَ4 هَذَا النَّاسِ مَاوِيَّ يَنْدَمِ5

وأمّا قولُ الرّاجز1: مَهْمَا لِيَ اللَّيْلَةَ2 مَهْمَا لِيَهْ ... أَوْدَى بِنَعْلَيَّ وَسِرْبَاليَهْ3 فإنّ (مَا) 4 الأولى استفهاميّة؛ فقلبت ألفُها هاءً؛ لزيادة (ما) الثّانية عليها. وأمّا (إِذْ) فلا يجازى بها إلاّ مقرونةً بـ (ما) ، كـ (حيث) ؛ لِتُعَزِّزَ5 زمانها وهو الماضي إلى المستقبَل؛ تقول: (إذْ ما تفعل أفعل) . وهي حرف عند سيبويه6 إذا جُوزِيَ بها؛ لأنّها صارت تدلّ على خلاف ما وُضعت له؛ لأنّها وُضعت للماضي، والشّرطُ يدلّ على المستقبَل.

والشّرطُ يكون مضارِعًا، والجواب1 ماضيًا، [ومنه] 2: إِنْ تَصْرِمُونَا وَصَلْنَاكُمْ وَإِنْ تَصِلُوا ... مَلأْتُمُ أَنْفُسَ الأَعْدَاءِ إِرْهَابَا3 وأكثرُ النّحويِّين4يخصّون هذا النّوع بالضّرورة، وليس بصحيح5؛ بدليل ما رواه6 البخاريّ78 من قول النّبي - صلّى الله عليه9 وسلّم: "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ" 10. [155/أ]

وأن1 يكونا ماضيين، نحو قوله تعالى: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} 2. وأن3 يكون الشّرطُ ماضيًا والجوابُ مضارِعًا؛ فيقدَّرُ4 جزمُ الأوّل5؛ وجزم الثّاني6 مختار، والرّفع [كثيرٌ] 7 حسن. قال زُهير: وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ ... يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي8 وَلاَ حَرِمُ9

فرفع (يقول) 1؛ لأنّ الشّرط غير معرب؛ وعلّلوا هذه بعدم ظهور تأثير2 العامل في الشّرط، لم يظهر له أثرٌ في الجزاء لتقع3 المناسبة. وقد جاء الجواب مرفوعًا والشّرطُ مضارِعًا4، كقول الرّاجز: يَا أَقْرَعُ بنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ ... إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ5

وقول1 الآخر: فَقُلْتُ تَحَمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ إِنَّهَا ... مُطَبَّعَةٌ2مَنْ يَأْتِهَا لاَ يَضِيرُهَا3 وأمّا المجزوم [بعد متى] 4 فهو كقول الحُطَيئة5:

مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ1 وبعد (أَنَّى) 2: [155/ب] فَأَصْبَحْتَ أَنَّى3 تَأْتِهَا4 تَلْتَبِسْ بِهَا ... كِلاَ مَرْكَبَيْهَا تَحْتَ رِجْلِكَ شَاجِرُ5

وبعد (حَيْثُمَا) ، [كما قال:] 1 حَيْثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لَكَ اللَّـ ... ـهُ نَجَاحًا فِي غَابِرِ الأَزْمَانِ2 وبعد (أَيَّامَا) ، كقوله تعالى: {أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 3، ومنه قولُ الشّاعر: إِذَا النَّعْجَةُ العَيْنَاءُ كَانَتْ بِقَفْرَةٍ ... فَأَيَّامَا4 تَعْدِلْ بِهَا الرِّيحُ تَنْزِلِ5

وبعد (أَيْنَمَا) : صَعْدَةٌ نَابِتَةٌ فِي حَائِرٍ1 ... أَيْنَمَا الرِّيحُ تُمَيِّلْهَا تَمِلْ2 وبعد (إِذْ مَا) ، كقول الشّاعر3: وَإِنَّكَ إِذْ مَا تَأْتِ4 مَا أَنْتَ آمِرٌ ... بِهِ تُلْفِ5 مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتِيَا6

وبعد (أَيَّانَ) بمعنى (متى) ، [كقوله] 1: أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ2 تَأْمَنْ3 غَيْرَنَا وَإِذَ ... لَمْ تُدْرِكِ الأَمْنَ4 مِنَّا لَمْ تَزَلْ حَذِرَا5 ومن الجزم بـ (إذا) 6 [كقول الشّاعر] 7: اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّكَ بِالْغِنَى ... وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ8 [156/أ]

والجزم بـ (مَنْ) كقوله تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوْءًا يُجْزَ بِه} 1، و {مَن كَان يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} 2. [وبـ (ما) ] 3: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ} 4. و [بـ (أينما) ] 5: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ} 6.

فصل: وأمّا جواب الشّرط فثلاثة أشياء: الفعل، والفاء، وإذا. أمّا الفعل فقد تقدّم. وأمّا الفاء فإذا كانت الجملة اسميّة فلا بُدّ من الفاء، نحو: (إِنْ يقم زيدٌ فهو مكرم) ؛ لأنّ الجملة الاسميّة كلامٌ مستقلٌّ بنفسه فاحتاجتْ إلى رابط؛ بخلاف الجملة الفعليّة؛ لأنّ حرف الشّرط يربط بين الجملتين الفعليّتين، ولا يربط بين [الجملة] 1 الفعليّة والاسميّة2؛ لأنّه لا يصحّ دُخوله على الاسميّة، وكانت الفاء أولى من الواو؛ لكونِها للتّعقيب بغير مهلة، وجوابُ الشّرط كذلك؛ لأنّه يقع عقيب الشّرط بلا مهلة؛ قال الله تعالى: {فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْسًا} 3 أي: فهو لا يخاف؛ فحذف المبتدأ للعلم به. واعلم أنّه إذا صحّ أن يُجعل الجوابُ شرطًا، وذلك إذا كان ماضيًا، متصرِّفًا، مجرَّدًا عن4 (قد) ، أو مضارِعًا، مجرَّدًا، أو منفيًّا5، فالأكثرُ خُلُوُّهُ من الفاء6. [156/ب]

ومتى لم يصحّ أن يُجعل الجوابُ شرطًا وذلك إذا كان جملة اسميّة، أو طَلَبيّة، أو فعلاً غير متصرّف، أو مقرونًا بـ (السّين) 1 أو (قد) ، أو منفيًّا [بـ (ما) ] 2، أو (لن) 3؛ فإنّه يجب اقترانُه بـ (الفاء) 4، نحو قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ} 5، و {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي} 6، و {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} 7،

و {إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ} 1. فـ (الفاء) في هذه الأجوِبَة ونحوها2 - ممّا لا يصلح3 أن يُجعل شرطًا - واجبة الذّكر، ولا يجوز تركُها إلاّ في ضرورة، أو نُدُور. فحذفها في الضّرورة كقول الشّاعر: مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا ... وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللهِ مِثْلاَنِ4 وحذفُها في النُّدور كما أخرجه البخاريّ من قولِه - صلّى الله عليه

وسلّم - لأُبيّ ابن كَعْب1: "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ2 اسْتَمْتِعْ بِهَا "3. وتقوم4 مقام الفاء في الجملة الاسميّة (إذا) المفاجأة، كقوله تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} 5، وذلك لأنّ [إذا] 6 المفاجأة لا يُبتدأُ بها، ولا تقع إلاّ بعد ما هو معقّب بما بعدها، فأشبهت الفاء؛ فجاز أن تقوم مقامَها.

فصل: إذا دخلت الفاء في جواب الشّرط فإنْ كان مرفوعًا مثل: (مَنْ يقم فأقومَ معه) ، تقديرُه: فأنا أقومُ معه؛ فهو يكونُ أبدًا على [تقدير] 1 مبتدأ، ولا يجوزُ نصبُه، ولا جَزْمُه؛ إلاّ أن يأتيَ بعد جواب الشّرط المجزوم مضارِعٌ مقرون بالفاء أو الواو2، فيجوز جزْمُه عطفًا على الجواب، ورفعه على الاستئناف، ونصبُه على إِضْمَار (أَنْ) ، مثل: (إِنْ تُكرمني أكرمك وأُكافئك) 3. [157/أ] وإذا تقدّم على الشّرط ما هو الجواب في المعنى أغنى ذلك عن ذكره، نحو: ( [تصدّق] 4 إِنِ استطعتَ [أَنْ] 5 تتصدّق) 6 يريد7: فتصدّق. وإذا لم يتقدّم على الشّرط ما هو الجوابُ في المعنى فلا بُدَّ من ذكره إلاّ إذا دَلَّ عليه دليلٌ فإنّه - حينئذ - يسوغُ حذفُه؛ كما في قوله تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} 8 تتمّتُه: ذهبتْ9 نفسُك عليهم10

حسرة1، فحُذف لدلالة {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} 2. وإذا دلّ على فعل الشّرط دليل فحذفُه بدون (إِنْ) قليل، وحذفُه معها كثير. فمِن حذفِه بدون (إِنْ) قوله: فَطَلِّقْهَا فَلَسْتَ لَهَا بِكُفْءٍ ... وَإِلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسَامُ3 [157/ب] يريد: وَإِلاَّ تُطَلِّقْهَا يَعْلُ. ومِن حذف الشّرط مع (إِنْ) قولُه تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} 4، تقديرُه: إِنْ افتخرتُم بقتلهم فلم تقتُلوهم أنتم {وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ} 5.

وقد يُحذف الشّرط والجزاء ويكتفى بـ (إِنْ) ؛ كقوله: قَالَتْ بَنَاتُ العَمِّ يَا سَلْمَى وَإِنْ ... كَانَ فَقِيرًا مُعْدَمًا قَالَتْ: وَإِنْ1 فالشّرطُ في احتياجِه إلى جواب، وجوابُ القَسَم يؤكَّد بـ (إِنَّ) و (اللاّم) أو حرف نفي2؛ فإذا اجتمع الشّرطُ والقسَمُ اكتُفيَ بجواب أحدهما عن جواب الآخر. فإن لم يتقدّمهما ما يحتاج إلى خبر اكتُفيَ بجواب السّابق منهما؛ فيُقال في تقدُّم الشّرط: (إِنْ تقُمْ والله أَقُمْ) ، وفي تقدُّم القسَم: (والله إِنْ تَقُمْ لأقُومَنَّ) . وإنْ تقدّم عليهما3 ما يحتاج إلى خبر فاعتبار الشّرط4 مرجَّحٌ على

القسَم؛ تقدّم عليها أو تأخّر، فيُقال1: (زَيْدٌ والله إِنْ تُكرمه2 يُكْرِمْكَ) بالجزم3 لا غير. وفعلُ الأمر يكون جوابه4 مجزومًا؛ لأنّه مضمَّنٌ5 معنى الشّرط؛ وذلك إذا جازيتَه على فعل الأمر، كقولك: (اطع الله يرحمك، واشكُره يزدك) ، تقديرُه: إِنْ تشكُره يزدك. ولا يجوز أن يُجعل النّهي جواب مجزوم، إلاّ إذا كان الشّرطُ المقدَّر موافِقًا للمطلوب فيصحّ أن يدلّ6 عليه؛ وعلامةُ ذلك: أن يصحّ7 المعنى بتقدير دُخول (إِنْ) على: (لا تَدْنُ من الأَسَدِ تَسْلَمْ) ، والنّهي - هنا - جوابٌ مجزوم؛ لأنّ المعنى يصحّ بقولك: (إن لا تدن من الأسد تسلم) ، بخلاف قولك: (لا تدن من الأسد يأكلك) فإنّ الجزم ممتنع فيه؛ لعدم صحّة المعنى، تقول: (إن لا تدن من الأسد يأكلك) فتجعل تباعُده من الأسد سببًا لأكله. [158/أ] وأجاز الكسائيّ [جزم] 8 جواب النّهي مطلَقًا9؛

[و] 1 مِمّا يُحتجّ له به من نحو قولِ الصّحابي2: "يَا رَسُولَ اللهِ لاَ تُشْرِفْ يُصِبْكَ سَهْمٌ"3 فهو مُخَرَّجٌ على الإبدال من فعل النّهي، لا على الجواب. وإذا لم يجز جوابُ النّهي فأحرى وأولى أن لا يجوز جوابُ النّفي. وألحق الفرّاءُ الرَّجاءَ بالتّمنِّي، فجعلَ له4 جوابًا منصوبًا5.

ويجب قبوله لثُبوته سماعًا، لقراءة1حفص عن2عاصم3: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} 4. وقد يُنصب5 بـ (أَنْ) المضمرة، وهو قليل ضعيف؛ وممّا روي من ذلك قولُ بعض العرب6: "خُذِ اللِّصَّ قَبْلَ يَأْخُذَكَ"7، تقديرُه: قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَكَ.

_ 1 قرأ العشرة إلاّ عاصمًا في رواية حفص برفع {فَأَطَّلِعُ} عطفًا على {أَبْلُغُ} . وقرأ حفصٌ بالنّصب على أنّه جواب للتّمنِّي تشبيهًا لـ (لعلّ) بـ (ليْت) ؛ لأنّ (ليت) في التّمنّي أخت (لعلّ) في التّرجِّي. يُنظر: السّبعة 570، والمبسوط 390، وحجّة القراءات 631، والكشف 2/244، والتّيسير 155، والإتحاف 2/437. 2 في كلتا النّسختين: وعاصم، والتّصويب من ابن النّاظم. 3 هو: عاصم بن بَهْدَلَة بن أبي النُّجُود، الأَسَديّ - ولاءً -: شيخُ الإِقراء بالكوفة، وأحدُ القُرّاء السّبعة؛ أخذ القراءة عن أبي عبد الرّحمن السُّلَمِيّ؛ توفّي سنة (129هـ) . يُنظر: معرفة القُرّاء 1/88، وغاية النّهاية 1/346. 4 من الآيتين: 36، 37 من سورة غافِر. 5 في أ: تُنصب. 6 في أ: قولهم. 7 يُنظر: مجمَع الأمثال 1/462، بإظهار (أَنْ) .

باب المبني

بَابُ الْمَبْنِيِّ: ثُمَّ تَعَلَّمْ أَنَّ فِي بَعْضِ الْكَلِمْ ... مَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى وَضْعٍ رُسِمْ1 فصل: [158/ب] الكلمات قسمان: معرب، ومبنيّ. فالمعرب: ما تغيَّرَ آخرُه لتغيُّر العوامِل2 الدّاخلة عليه، لفظًا أو تقديرًا. والبِنَاء: يقع في بعض الأسماء؛ لشبه3 الحروف، ويقع في الأفعال، وجميع الحروف. فَسَكَّنُوا مَنْ إِذْ بَنَوْهَا وَأَجَلْ ... وَمُذْ وَلَكِنْ وَنَعَمْ وَكَمْ وَهَلْ أصلُ البناء: هو سكون4 آخر المبنيّ؛ فإنْ وُجِدَ متحرّكًا فالسّؤال لِمَ حُرِّكَ؛ ثمّ اختُصَّ بتلك الحركة دون غيرها. فـ (مَنْ) و (كَمْ) اسمان، ووجهُ بنائهما وُقوعهما موقع همزة الاستفهام؛ لأنّ (مَن) يُستفهم به عمّن يعقل، كقولك: (مَنْ أخوك؟) ، وتُستعمل في الشّرط، نحو: (مَنْ يكرمني أُكرمه) ؛ وبمعنى الّذي مبتدأة،

كقولك: (مَنْ قصدني زيدٌ) ، ونكرة موصوفة، كقول الشّاعر: يَا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أَذْوَادَنَا ... رُحْنَ عَلَى بَغْضَائِهِ وَاغْتَدَيْنْ1 وكقول الآخر: يَقُولُونَ لاَ تَبْعُدْ وَهُمْ يَدْفُنُونَهُ ... بَلَى2 كُلُّ مَنْ تَحْتَ التُّرَابِ بَعِيْدُ3 (كَمْ) اسم يُستفهم4به عن عدد مجهول، وتكون خبريّة تَجُرُّ5

النّكرات بالإضافة، وتكون (كَأيَّن) بمعناها، نحو: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا} 1 أي: وكم من قرية. وفيها لغتان2: التّشديد3، والتّخفيف؛ كقول الشّاعر: [159/أ] وَكَائِنْ بِالأَبَاطِحِ4 مِنْ صَدِيقٍ5 ... ................................... فهذه لم يبق عنها سؤال؛ لبنائها على السّكون.

ومن ذلك في فعل الأمر1، نحو: (اكتُب) و (قُمْ) . وفي الحروف نحو: (هل) و (بل) للإضراب. و (هل) تكون استفهامًا، [و] 2 بمعنى (قد) 3 كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} 4؛ ويدخلها من معنى التّقرير5 والتّوبيخ ما يدخل الألِف الّتي يُستفهَمُ بها، كقوله تعالى: {هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} 6؛ فهذه7 استفهامٌ فيه تقرير وتوبيخ.

وتكون بمعنى (مَا) ، كقوله تعالى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} 1. و2 (مُذْ) اسمٌ يرفع ما بعدَه، وذهب [بعضُهم] 3 إلى حرفيّته بِجَرِّه4 ما أتت فيه من الزّمان5. و (لَكِنْ) للاستدراك6 بعد جَحْد. و (أَجَلْ) بمعنى (نعم) ، وهو حرفُ تصديق في الخبر خاصّة7، ولا يُستعمَل8 في جواب الاستفهام9. و (نَعَمْ) عِدَةٌ [و] 10 تَصْدِيقٌ11؛ وهي تقع12 جوابًا للسّؤال

الموجود، كقولك: (أَخَرَجَ زيد؟) ، فيُقال: نعم. ولا تقع1 جوابًا للنّفي2، كما أنَّ (بَلَى) لا تقع3 جوابًا للواجب4. [و] 5 ممّا بُني على الضّمّ: وَضُمَّ فِي الغَايَةِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ... بَعْدُ وَأَمَّا بَعْدُ فَافْقَهْ وَاسْتَبِنْ6 وَحَيْتُ ثُمَّ مُنْذُ ثُمَّ نَحْنُ ... وَقَطُّ فَاحْفَظْهَا عَدَاكَ اللَّحْنُ [159/ب] وُجوب بناء (قَبْلُ) و (بَعْدُ) من اقتطاعها عن الإضافة، وجعلِها7 غاية بمعنى آخر الكلام، صارت كأنّها بعض الكلمة8. ولأنّ الفتح والكسر9 قد يدخلان فيهما عند الإضافة، كقولك: قصدتّك قبلَ طلوع الشّمس، من قبلِ سفر زيد، ومن بعدِ تجهيزه.

فلمّا كانت الفتحة والكسرة [حركتي] 1 إعراب لـ (قبل) و (بعد) وَجَب بناؤُهما؛ لانقطاعهما2 وبنيا3 على الحركة الّتي لم تكن4 لهما قطّ - وهي الضّمّة -. وقيل5: الضّمّ عِوَضٌ بنقلهما عن المضاف إليهما6. وكذلك قولُهم: (مِن قُدَّامُ) ، قال الشّاعر: لَعَنَ الإِلَهُ تَعِلَّةَ بْنَ مُسَافِرٍ ... لَعْنًا يُصَبُّ عَلَيْهِ مِنْ قُدَّامُ7

وقيل1: يُعرب2 إذا لم ينو المضاف إليه، كقوله: فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلاً3 ... أَكَادُ أَغَصُّ بِالْمَاءِ الزُّلاَلِ4

[وأَمَّا] 1 بعد: فمعناه: (أمّا بَعْدَ حَمْدُ الله، والصَّلاةُ على نبيِّيهِ؛ فقد كان كذا) على ما يقتضي الكلام؛ فلمّا قُطِعَ2 المضاف إليه جُعل غاية. [160/أ] (حَيْثُ) تُستعمل ظرفًا من نحو: (أكون حيث تكون) ، وتُستعمَل اسمًا، كقوله تعالى: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالاَتِهِ} 3؛ فليست (حيث) هُنا ظرفًا؛ لأنّ القديم4- سبحانه - لا يكون أعلم في مكان ولا جهة من الجهات دون جهة ولا دون مكان؛ لخُروجه عن حيِّز المحدودات والمجسَّمات؛ فثبت أنّها اسم. وكقولك: (أنا5 أرمي حيث ترمي) 6 أي: إنّك ترمي نفس المكان

الّذي يرمي فيه غيرُك، لا أن ترمي فيه1؛ فيكون مفعولاً؛ وتقول: (أقمتُ حيثُ أمرتني) . وأمّا إضافتها إلى المفرد فكقول الشّاعر: وَنَطْعَنُهُمْ حَيْثُ الحُبَا بَعْدَ ضَرْبِهِمْ2 ... بِبِيضِ المَوَاضِي حَيْثُ لَيِّ العَمَائِمِ3 ذكر ذلك ابن بابشاذ4. وأمّا استعمالُها ظرفَ زمان فكقول5 الشّاعر: لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ ... حَيْثُ تَهْدِي6 سَاقَهُ قَدَمُهْ7

وهي مبنيّة على الضّمّ من أنّها أشبهت الغايات من حيث ملازمتها الإضافة1. ويُقال: (حَيْثُ) و (حَيْثَ) معًا، والكسائيّ حكى كسرَها، وقيل فيها: (حَوْث) 2 معًا؛ وأشهر لغاتها الضّمّ3. ولا تُضاف إلى غير الجملة إلاّ ما روي: أَمَا4 تَرَى حَيْثُ سُهَيْلٍ طَالِعَا5 ... ……………………. [160/ب] أي: مكان سُهيل.

(نَحْنُ) بُنِيَتْ1 لكونها كناية عن جمع كالواو الّتي2 تدلّ على الجمع من قولك: (فَعَلوا) ؛ وبُنِيَتْ على حركة؛ لالتقاء3 السّاكنَيْن. واختصّت بالضّمّ؛ لقُربها من الواو4. (مُنْذُ) ذُهِبَ إلى حرفيّته5، ولم يُبْنَ من الحروف على الضّمّ سواه6؛ وبُنِيَتْ لوُقوعها لابتداء الغاية في معنى الحرف7.

و (مُنْذُ) هو أصل (مُذْ) 1؛ وإذا كانا اسمين فالكلام جملتين، وإذا كانا حرفين فهو جملة. و (قَطّ) و (عَوْضُ) معًا: هما لزمانيّ الماضي والاستقبال على سبيل الاستغراق2؛ تقول: (ما رأيتُه قَطّ) ، و (لا أفعَلُه عَوْض) ؛ ولا يُستعملان إلاّ في النّفي. وحُكي (قُطُّ) بضمّ القاف، و (قَطُ) بتخفيف الطّاء3.

ويقال: (عَوْضَ العَائِضين لا أفعل) 1، كقولك: دَهْرَ الدَّاهِرين. وَالْفَتْحُ فِي أَيْنَ وَأَيَّانَ وَفِي ... كَيْفَ وَشَتَّانَ وَرُبَّ فَاعْرِفِ وَقَدْ بَنَوْا مَا رَكَّبُوا مِنَ الْعَدَدْ ... بِفَتْحِ كُلٍّ مِنْهُمَا حِينَ يُعَدّ المبنيّ على الفتح من الأسماء، والأفعال، والحُروف: فالأسماء نحو: (أين) و (أَيَّان) [161/أ] و (كيف) و (شتّان) . بُنِيَتْ لتضمُّنها معنى [همزة] 2 الاستفهام. [فـ (أَيْنَ) ] 3 يُستفهم4 به عن مكان مجهول. و (أيّان) بمعنى (متى) 5، عن زمان مجهول، كقوله تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} 6.

و (كيف) يُستفهم به عن حال مجهول، وتقع بمعنى التّعجُّب، كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} 1. وحُرِّكت2 الفاء فَرارًا من التقاء السّاكنَيْن، واختِير لها أخفّ الحركات وهي الفَتْحَة3. و (شَتَّان) بُني لوُقوعه موقع الفعل الماضي بمعنى (بَعُدَ) ؛ وهو من التّفريق. و (الآن) 4 وهو الزّمان الّذي يقعُ فيه كلامُ المتكلِّم، وزمان فعل الفاعل، وعلّة البناء لُزومها الألِف5 واللاّم6.

والعدد المركّب هو: من أحد1 عشر إلى تسعة عشر2؛ الأصل: أن يُعطف الآخر على الأوّل، فيُقال: (عندي أحد وعشر) ، فلمّا حُذف حرف العطف، وجُعل الاسمان بمنزلة اسم واحد بُنيا للتّركيب، واختِير لهما الفتح طلَبًا للخِفّة. ومن ذلك (بَيْنَ بَيْنَ) 3 أي: بين الجيِّد والرّدي؛ و (لقيتُه صباح مساء) إذا أردتّ أنّك لقيتَه صباحًا ومساءً؛ فحصل التّركيبُ بحذف الواو، وبُنيا على الفتح كـ (خمسة عشر) . والبناء في الأفعال على الفتح يختصّ بالماضي، وحُرِّك لوُقوعه [161/ب] موقع المتحرِّك؛ وهو المضارِع من قولك: (زيدٌ قام) 4 و (زيد يقوم) ؛ فوقع5 خبرًا كالفعل المضارع، [و] 6 كقولك: (إنّ زيدًا يفعل) و (إنّ عمرًا فعل) فبُنِي على أخفّ الحركات؛ وهي الفتحة إذا كان خاليًا من الضّمائر،

قلّت حروفه أو كثُرت، نحو: (ضرب) و (انطلق) و (استخرَج) ، وبناؤُه لازم. والفعل المضارع يبنى على الفتح إذا دخلت عليه نون التّوكيد؛ مشدّدة كانت أو مخفّفة، كقولك: (لا يستخفنَّك باطل، ولا تُسرعنّ إليه) ، وكقوله [تعالى] 1: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً} 2. والمبنيّ من الحُروف على الفتح: (رُبَّ) و (ثُمَّ) و (إنّ) 3 وأخواتها؛ وقد تقدّم فيهنّ الكلام. وَأَمْسِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ فَإِنْ4 ... صُغِّرَ صَارَ مُعْرَبًا عِنْدَ الْفَطِنْ وَجَيْرِ أَيْ: حَقًّا وَهَؤُلاَءِ ... كَأَمْسِ فِي الْكَسْرِ وَفِي الْبِنَاءِ فصل: البناء على الكسر يقع في الأسماء، والحروف، ولا يدخل الأفعال إلاَّ فيما يحتمل الجمع بين ساكنين. فـ (أمس) 5 مبنيّ على الكسر لتضمُّنِه لام التّعريف، فلمّا تضمّن معنى المبنيّ بُنِي؛ هذا عند الحجازيّين6، وبنو تميم

يمنعونها1 الصّرف، فيقولون: (ذهب أمسُ بما فيه) و (ما رأيتُه مُذْ أمسُ) ، قال الرّاجز: إِنِّي رَأَيْتُ عَجَبًا مُذْ أَمْسَا ... عَجَائِزًا مِثْلَ السَّعَالِي خَمْسَا يَأْكُلْنَ مَا فِي رَحْلِهِنَّ هَمْسَا ... لاَ تَرَكَ اللهُ لَهُنَّ ضِرْسَا2 [162/أ]

و (أمس) إذا نُكِّر، أو أُضيف، أو دخل عليه الألِف واللاّم أُعرب1. (جَيْرِ) حرف2 بمعنى (حقًّا) ، وقيل: بمعنى (نعم) 3؛ وحُرِّك لالتقاء السّاكنَين4، وكسر ككسر بعض الحروف؛ وهي: (الباء) و (اللاّم) ، نحو: (بزيد) و (لزيد) ؛ إذْ هما مبنيّان على الكسر.

ومجيئُه بمعنى (نعم) قولُ الشّاعر: إِذَاً تَقُولُ (لاَ) ابْنَةُ1 العُجَيْر2 ... تَصْدُقُ (لاَ) إِذَا تَقُولُ3 جَيْرِ4 أي: لا [إذا] 5 تقول نعم.

وَقِيلَ فِي الْحَرْبِ: نَزَالِ مِثْلَ مَا ... قَالُوا: حَذَامِ وَقَطَامِ فِي الدُّمَى [فصل] 1: المعدول إلى (فَعَالِ) 2 مبنيّ على الكسر؛ وهو يأتي على أضرُب3: أحدها4: بمعنى الأمر5، كقولك6: (نَزَالِ) بمعنى: انزل، و (تَرَاكِ) بمعنى: اترُك؛ قال الشّاعر: وَلَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أَنْتَ إِذَا ... دُعِيَت: نَزَالِ وَلُجَّ فِي7 الذُّعْرِ8

الثّاني: أسماء لا تُستعمل إلاّ في النّداء؛ كقولك: (يَا لَكَاعِ) و (يَا فَجَارِ) و (يا خَبَاثِ) ؛ يقولون ذلك للمرأة اللُّكَعَةِ1- أي: الوسِخة -، وكذلك الفاجرة، والخبيثة، عَدْلاً عن هذه الألفاظ للمبالغة؛ وقد [جاء] 2 (لَكَاعِ) مبنيًّا على الكسر في غير النّداء في قول الشّاعر: [162/ب] أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي ... إِلَى بَيْتٍ قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ3 الثّالث: اسم المصدر، نحو: (فَجَارِ) و (يَسَارِ) ؛ قال الشّاعر: فَقُلْتُ امْكُثِي حَتَّى يَسَارِ لَعَلَّنَا نَحُجُّ مَعًَا قَالَتْ أَعَامًَا وَقَابِلَهْ4

الرّابع: منه ما عُدِل عن (فَاعِلَةٍ) ، كـ (حَذَامِ) و (قَطَامِ) و (رَقَاشِ) 1 و (غَلاَبِ) ؛ وهذا الضّرْب فيه خلاف2؛ أمّا أهل الحجاز فيستعملونه مبنيًّا على الكسر، وعليه قوله: إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا ... فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ3 وبنو تميم يجرون هذا بوُجوه الإعراب، ولا يرون صرفه؛ تقول: جَاءَتْ حَذَامُ، وقَطَامُ، ورَقَاشُ؛ بالضّمّ في الرّفع، وبالفتح في الجرّ

والنّصب؛ للعدل والعَلَميّة1. فإنْ كان هذا النّوع آخِرُه راء، فإنّ الكلّ2 قد أجمعوا على بنائه؛ وذلك قولُهم: (حَضَارِ) 3 في اسم كوكب، و (سَفَارِ) 4 في اسم ماءٍ. وإنّما وافق بنو تميم أهلَ الحجاز على بناء مثل هذا؛ لأنّ من مذهب بني تميم الإمالة، والرّاء المضمومة والمفتوحة تمنع الإمالة5؛ فلو [163/أ]

أُعرب ولم يُصرف لم يكن طريقٌ إلى إمالته، فجنحوا1 إلى لغة غيرهم، فكسروا الرّاء لتصحّ الإمالة؛ فهذه العلّة الّتي لأجلها وقع الإجماع2. وَقَدْ بُنِيَ يَفْعَلَنْ فِي الأَفْعَالِ ... فَمَا لَهُ مُغَيِّرٌ بِحَالِ تَقُولُ مِنْهُ: النُّوقُ يَسْرَحْنَ وَلَمْ ... يَسْرَحْنَ3 إِلاَّ لِلَّحَاقِ بِالنَّعَمْ اعلم أنّه إذا كان الفعل لجمع [مؤنّث] 4يلتحق بآخره نونٌ خفيفة، كقولك: (الهندات يقمن) و (لن5 يقمن) [و (لم يقمن) ] 6، فيستوي لفظُ المرفوع والمنصوب والمجزوم. فالنّون ههنا دالّة على جمع التّأنيث، وليست هذه النّون كالنّون الّتي بعد الياء في (تذهبين) 7، ولا هي بعلامة شيء من الإعراب؛ ولا يجوز سقوطُها في النّصب والجزم. فإذا لحقت الفعل الماضي سُكِّن آخره، كقولك: (النّساء خرجن) .

وإن لحقت الفعل المضارِع أوجبت بناءه1 بعد أنْ2 كان معربًا، والبناء فيه عارض؛ لأنّه يزول بزوال نون ضمير جمع [163/ب] التّأنيث، وتعود لام الفعل منه على حدٍّ واحدٍ ساكنًا3 في الرّفع والنّصب والجزم. وكذلك إذا كان آخر الفعل معتلاًّ فيبقى على حالته، كقولك: (الهندات يعفون) 4 و (يرمين) 5 و (لن يعفون) 6 و (لم يرمين) . وكذلك حكم نوني7 التّأكيد الخفيفة8 والثّقيلة إذا اتّصلت بالفعل المضارِع فإنّه يبنى9 بناءً عارضًا؛ فمتى انفصل من النّون عاد إلى إعرابِه. فَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ مِمَّا بُنِي10 ... جَائِلَةٌ دَائِرَةٌ فِي الأَلْسُنِ وَكُلُّ مَبْنِيٍّ يَكُونُ آخِرُهْ عَلَى ... سَوَاءٍ فَاسْتَمِعْ مَا أَذْكُرُهْ

فصل: البناء: هو لُزوم آخر الكلمة إمّا بحركة، وإمّا1 بسكون، فلا يتغيّر2 بحالٍ مع وُقوعه موقع رفع، أو نصب، أو جرّ، أو جزم، أو عطفه على ما قبله. وكذلك3 الأعداد فإنّك تبنيها مع التّركيب، فإذا زال عنها بالعطف أعربت، وتقول: (واحد، واثنان، وثلاثة) ، تعطف بعضَها على بعض. وكذا إذا وصفتها4، كقولك: (تسعة أكثر من ثمانية) . فإنْ ذكرتها مرسلة بغير حرف [عطف] 5 بنيتها، فتقول: (واحد، اثنان، ثلاثة) . وهكذا حروف6 الهجاء، إنْ أجريتها مُجْرى الاسم [أعربتها، تقول: (كتبتُ عينًا مخفّفة، وألِفًا مستوية) . وإنْ سردتها بنيتها على السّكون، فتقول: (أَلِفْ، بَاءْ، جِيمْ) ] 7.

وَقَدْ تَقَضَّتْ مُلْحَةُ الإِعْرَابِ ... مُودَعَةً بَدَائِعَ الإِغْرَابِ1 [164/أ] المُلْحَةُ2: هي الشّيء اليسير، يقال3: أصبنا مُلْحَةً من الرّبيع، أي: شيئًا يسيرًا. وهذا البيتُ من أنواع البديع، تجنيس التّصحيف4؛ وهو من الإغراب5 والإعراب. ومعناه: أنَّ الشّيخ أبا القاسم6- رحمه الله [تعالى] 7- قصد بصدر البيت تقليل ما يشتمل عليه نظمُها، لكنّه كثّر8 أمرها إذْ جعلها حاوية من الإعراب9 بدائعه. ويُقال: هذا أبدع في فعله، عمّن يأتي بشيء لم يتّبع في وضعه إيّاه غيره.

ويقال: (أغرب1 في الأمر) إذا2 جاء بغريب3. فَانْظُرْ إِلَيْهَا نَظَرَ الْمُسْتَحْسِنِ ... وَحَسِّنِ الظَّنَّ بِهَا وَأَحْسِنِ4 يقول: انظر إليها بعين رضًا، لا بعين عناد، كما قيل: وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ5 كَلِيلَةٌ6 ... وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاوِيَا7 وأحسن الظَّنَّ بما قد جمعتُه من الفوائد، وحَسِّن ظنّ غيرك [كذلك] 8 بها9. وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الْخَلَلاَ ... فَجَلَّ مَنْ لاَ عَيْبَ فِيهِ10 وَعَلاَ يقول - مشيرًا إلى [أنّ] 11 كلّ ما في الوُجود -: لم يوصَف

شيء منه1 بالكمال إلاّ على سبيل [164/ب] المجاز، لِمَا يعتريه من النّقص والتّغيير والزّوال؛ فما هذا الكمال2حتى لا يؤاخذ قائله بما هو متحمّل3من الخلل، فقال لذلك4: (فَإِنْ وَجَدتَّ عَيْبًا فَسُدَّ خَلَلَهُ) ، بتوجيه عذر؛ ٍ إمّا لاختصار وإيضاح لمناسبة مَن وُضعت5له كما قيل، أو لإهمال ما أهمله من أجل أنّه لو وسّع في العبارة لم تكن6 موافِقةً لمن7 وُضعت له؛ لأنّ الثّوب لا يفصّل إلاّ على مقدارٍ يُنتَفعُ8 به؛ ففي زيادته أو نقصه عدم النّفع به؛ [أو] 9 لضيق نطاقها بما10 وسمها به من الملحة عن استيفاء ما يلتزم به أبوابها من لوازم الصّناعة؛ فاعترف بذلك، فقال11: (فَجَلَّ12 مَنْ لاَ عَيْبَ فِيهِ وَعَلاَ) فهو13 سبحانه وتعالى.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَى ... فَنِعْمَ مَا أَوْلَى وَنِعْمَ الْمَوْلَى قد ختم كلامه بحمد الله [تعالى] 1، [فهو سبحانه] 2 الموجب حمده على كلّ ناطق بما أفاض من كلّ خيرٍ لا يتناهى، خصوصًا العقل الّذي به الوُصول إلى إدراك كلّ شيء أبداه سبحانه في أحسن3 تقويم. [يقول] 4: فنعم ما أولانا بكرمه5، ونعم المولى هو تبارك وتعالى [وتقدّس اسمه] 6. ثُمَّ الصَّلاَةُ بَعْدَ حَمْدِ الصَّمَدِ ... عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ7 ... مَا انْسَلَخَ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ8

تمّ1 بحمد الله وعونه. وافق الفراغ في ثامن عشر شهر رمضان المعظَّم، سنة (864هـ) . كاتبه العبد الفقير إلى الله تعالى2: إبراهيم بن عبد العالي محمود.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع: أ- المخطوطات: 1- التذييل والتكميل في شرح التسهيل، لأبي حيان الأندلسي، مصوّرة الدّكتور حسّان الغنيمان، والأصل في دار الكتب المصرية، تحت رقم 6016/هـ. 2- شرح جمل الزّجّاجي، لابن بابشاذ، مصوّرة فليلميّة بمركز البحث وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أمّ القرى، تحت رقم 176ف، والأصل في دار الكتب الظّاهريّة، تحت رقم 1687. 3- شرح كتاب سيبويه، لأبي سعيد السّيرافيّ، مصوّرة فيلميّة بالجامعة الإسلامية، تحت رقم 6330ف، ورقم 8204ف، والأصل في مكتبة عارف حكمت، تحت رقم 133/415، ورقم 2616. 4- شواذ القراءة واختلاف المصاحف، لأبي نصر الكرماني، مصوّرة فيلميّة بالجامعة الإسلامية، تحت رقم 189ف، والأصل في المكتبة الأزهرية، تحت رقم 244/22251. 5- عقود الجمان وتذييل وفيات الأعيان، لبدر الدّين الزّركشي، مصوّرة فيلمية بالجامعة الإسلامية، تحت رقم 8329ف، والأصل في مكتبة عارف حكمت، تحت رقم 154/900. 6- المنهل الصّافي والمستوفي بعد الوافي، لابن تغري بردي، مصوّرة فيلميّة بالجامعة الإسلامية، تحت رقم 6274ف، والأصل في مكتبة

عارف حكمت، تحت رقم 239/900. 7- النّحو القرآني بين الزّجّاج وأبي عليّ الفارسي، رسالة دكتوراه، إعداد عبد العظيم فتحي خليل، جامعة الأزهر، كلّيّة اللّغة العربيّة، 1402هـ.

ب- المطبوعة: 1- القرآن الكريم. 2- ائتلاف النصرة في اختلاف نُحاة الكوفة والبصرة، لعبد اللطيف بن أبي بكر الزبيدي، تحقيق الدّكتور طارق الحنابيّ، عالم الكتب، ومكتبة النهضة العربية، بيروت، ط (1) 1407هـ. 3- إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر، للبنّا، تحقيق الدّكتور شعبان محمّد إسماعيل، عالم الكتب، بيروت ط (1) 1407هـ. 4- الإتقان في علوم القرآن، للسيوطيّ، دار المعرفة، بيروت، (د. ت) . 5- أخبار النحويين البصريين، لأبي سعيد السّيرافيّ، تحقيق الدّكتور محمّد إبراهيم البنّا، دار الاعتصام، القاهرة، ط (1) 1405هـ. 6- أدب الكاتب، لابن قتيبة، تحقيق محمّد الدّاليّ، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (1) 1402هـ. 7- الأدب المفرد، للبخاريّ، ترتيب وتقديم كمال الحوت، عالم الكتب، بيروت ط (1) 1404هـ. 8- ارتشاف الضّرب من لسان العرب، لأبي حيّان الأندلسي، تحقيق وتعليق الدّكتور مصطفى أحمد النّمّاس، مطبعة المدنيّ، القاهرة، ط (1) 1404هـ.

9- الإرشاد إلى علم الإعراب، لشمس الدّين الكيشيّ، تحقيق الدّكتور عبد الله الحسينيّ والدّكتور محسن العميريّ، مؤسسة مكة للطباعة والإعلام، مكة المكرّمة، ط (1) 1410هـ (من مطبوعات معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أمّ القرى) . 10- الأزهيّة في علم الحروف، لعليّ بن محمّد النّحوي الهرويّ، تحقيق عبد المعين الملّوحيّ، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1413هـ. 11- أساس البلاغة، للزّمخشريّ، تحقيق عبد الرحيم محمود، دار المعرفة، بيروت، (د. ت) . 12- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، تحقيق الشّيخ عليّ محمّد معوّض والشيّخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط (1) 1415هـ. 13- أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعزّ الدّين بن الأثير، تحقيق الدّكتور محمّد إبراهيم البنّا وآخرين، دار الشّعب، القاهرة، 1970م. 14- أسرار العربية، لأبي البركات الأنباري، تحقيق محمّد بهجة البيطار، مجمع اللغة العربية، دمشق، (د. ت) . 15- إشارة التّعيين في تراجم النحاة واللغويين، لعبد الباقي بن عبد المجيد اليماني، تحقيق الدّكتور عبد المجيد دياب، شركة الطباعة العربية السّعودية، الرياض، ط (1) 1406هـ.

16- الأشباه والنّظائر، للخالديّين، حقّقه وعلّق عليه الدّكتور السّيّد محمّد يوسف، لجنة التّأليف والترجمة والنّشر، القاهرة، 1958م. 17- الأشباه والنّظائر، للسيوطيّ، تحقيق الدّكتور عبد العال سالم مكرّم، مؤسسة الرسالة، بيروت ط (1) 1406هـ. 18- الاشتقاق، لابن دُريد، تحقيق عبد السّلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط (3) د. ت. 19- اشتقاق أسماء الله، لأبي القاسم الزّجاجيّ، تحقيق الدّكتور عبد الحسين المبارك، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط (2) 1406هـ. 20- الإصابة في تمييز الصّحابة، لابن حجر، تحقيق عادل عبد الموجود، وعليّ معوّض، دار الكتب العلميّة بيروت، ط (1) 1415هـ. 21- إصلاح المنطق، لابن السّكّيت، تحقيق أحمد شاكر وعبد السّلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط (4) 1987م. 22- الأصمعيّات، للأصمعيّ تحقيق أحمد شاكر وعبد السّلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط (5) 1979م. 23- الأصول في النّحو، لابن السّرّاج، تحقيق الدّكتور عبد الحسين الفتليّ، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (3) 1408هـ. 24- إعراب القراءات السّبع وعللها، لابن خالويه، تحقيق الدّكتور عبد الرحمن العثيمين، مكتبة الخانجيّ، القاهرة، ط (1) 1413هـ.

25- إعراب القراءات الشواذ، لأبي البقاء العكبريّ، تحقيق محمّد السّيّد عزّوز، عالم الكتب، بيروت، ط (1) 1417هـ. 26- الأعلام، للزّرِكْلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط (11) 1995م. 27- أعلام النّساء، لعمر رضا كحّالة، مؤسسة الرّسالة، بيروت ط (3) 1397هـ. 28- الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، شرحه وكتب هوامشه عبد مهنّا وسمير جابر، دار الكتب العلميّة، بيروت ط (1) 1407هـ. 29- الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب، لأبي نصر الفارقيّ، تحقيق سعيد الأفغانيّ، 1394هـ. 30- الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب، لابن السيد البطليوسيّ، دار الجيل، بيروت، 1973م. 31- الإقناع في القراءات السّبع، لابن الباذش، تحقيق الدّكتور عبد المجيد قطامش، دار الفكر، دمشق، ط (1) 1403هـ (من مطبوعات مركز البحث العلميّ وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أمّ القرى) . 32- أمالي ابن الشّجريّ، تحقيق الدّكتور محمود الطّناحيّ، مكتبة الخانجيّ، القاهرة، ط (1) 1413هـ. 33- الأمالي، لأبي عليّ القاليّ، بتحقيق عبد الجوّاد الأصمعيّ، دار الحديث، بيروت، ط (2) 1404هـ.

34- أمالي الزّجاجيّ، تحقيق عبد السّلام هارون، دار الجيل، بيروت، ط (2) 1407هـ. 35- أمالي المرتضى، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، القاهرة، ط (1) 1373هـ. 36- الأمالي النّحويّة (أمالي القرآن الكريم) ، لابن الحاجب، تحقيق هادي حسن حمّودي، عالم الكتب، ومكتبة النّهضة العربيّة، بيروت، ط (1) 1405هـ. 37- إنباه الرواة على أنباء النّحاة، للقِفْطِيّ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ومؤسسة الكتب الثّقافية، بيروت، ط (1) 1406هـ. 38- الانتصار لسيبويه على المبرّد، لابن ولاّد، تحقيق الدّكتور زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (1) 1416هـ. 39- الإنصاف في مسائل الخلاف بين النّحويين والبصريين والكوفيين، لأبي البركات الأنباري، بعناية محمّد محي الدّين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا وبيروت، 1407هـ. 40- أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك، لابن هشام، بعناية محمّد محيّ الدّين عبد الحميد، دار إحياء التّراث العربي، بيروت، ط (6) 1980م. 41- إيضاح الشّعر، (شرح الأبيات المشكلة الإعراب) ، لأبي عليّ

الفارسي، تحقيق الدّكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، ودارة العلوم الثقافية، بيروت، ط (1) 1407هـ. 42- إيضاح شواهد الإيضاح، لأبي عليّ الحسن بن عبد الله القيسيّ، دراسة وتحقيق الدّكتور محمّد بن حمود الدّعجانيّ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط (1) 1408هـ. 43- الإيضاح العضديّ، لأبي عليّ الفارسي، تحقيق الدّكتور كاظم بحر المرجان، عالم الكتب، بيروت، ط (2) 1416هـ. 44- الإيضاح في شرح المفصّل، لابن الحاجب، تحقيق الدّكتور موسى بناي العليلي، مطبعة العاني، بغداد، 1982م. 45- الإيضاح في علل النّحو، لأبي القاسم الزّجّاجيّ، تحقيق الدّكتور مازن المبارك، دار النّفائس، بيروت، ط (5) 1406هـ. 46- إيضاح المكنون في الذّيل على كشف الظّنون، لإسماعيل باشا البغداديّ، مكتبة المثنّى، بغداد، (د. ت) . 47- البحر المحيط، لأبي حيّان الأندلسيّ، بعناية الشيخ عرفات العشا حسّونه، دار الفكر، بيروت، 1412هـ. 48- البداية والنهاية، لابن كثير، تحقيق الدّكتور أحمد أبو ملحم وآخرين، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط (4) 1408هـ. 49- البدور الزّاهرة في القراءات العشر المتواترة، لعبد الفتّاح القاضي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط (1) 1401هـ.

50- البرهان في علوم القرآن، للزّركشي، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار التّراث، القاهرة، (د. ت) . 51- البسيط في شرح الجمل، لابن أبي الرّبيع الإشبيلي، تحقيق الدّكتور عيّاد بن عيد الثّبيتيّ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط (1) 1407هـ. 52- البغداديّات، لأبي عليّ الفارسي، تحقيق صلاح الدّين عبد الله السّنكاوي، مطبعة العاني، بغداد، 1983م. 53- بغية الوُعاة في طبقات اللّغويين والنحاة، للسيّوطيّ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، صيدا وبيروت (د. ت) . 54- البلغة في تراجم أئمة النّحو واللّغة، للفيروزآبادي، تحقيق محمّد المصريّ، مركز المخطوطات والتراث، الكويت، ط (1) 1407هـ. 55- بهجة المجالس وأنس المجالس وشحذ الذّاهن والهاجس، لابن عبد البرّ، تحقيق محمّد مرسي الخولي، دار الكتب العلميّة، بيروت، (د. ت) . 56- البيان في غريب إعراب القرآن، لأبي البركات الأنباريّ، تحقيق الدّكتور طه عبد الحميد طه، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، 1400هـ. 57- تاج التّراجم، لابن قطلوبغا، تحقيق محمّد خير رمضان يوسف، دار القلم، دمشق وبيروت/ ط (1) 1413هـ. 58- تاج العروس من جواهر القاموس، للزّبيديّ، بتحقيق جماعة من

المحقّقين في تواريخ مختلفة، مطبعة حكومة الكويت. 59- تاريخ ابن الورديّ، منشورات المطبعة الحيدريّة، النّجف، 1389هـ. 60- تاريخ آداب اللّغة العربيّة، لجرجي زيدان، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت ط (2) 1978م. 61- تاريخ الأدب العربي، لبروكلمان، ترجمة الدّكتور عبد الحليم النّجّار، دار المعارف، القاهرة، ط (5) 1983م. 62- تاريخ الأدب العربي، لعمر فرّوخ، دار العلم للملايين، بيروت، ط (5) 1984م. 63- تاريخ الرسل والملوك، للطبريّ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط (2) 1971م. 64- تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، شرحه ونشره السّيّد أحمد صقر، دار التّراث، القاهرة، ط (2) 1393هـ. 65- التبصرة والتذّكرة، للصّيمريّ، تحقيق الدّكتور فتحي أحمد مصطفى عليّ الدّين، دار الفكر، دمشق، ط (1) 1402هـ. (من مطبوعات مركز البحث العلميّ وإحياء التّراث الإسلامي بجامعة أمّ القرى) . 66- التّبيان في إعراب القرآن، للعكبري، تحقيق عليّ محمّد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط (2) 1407هـ. 67- التّبيان في شرح الدّيوان، المنسوب - خطأً - للعكبريّ ضبطه

وصحّحه ووضع فهارسه مصطفى السّقا وزميلاه، دار المعرفة، بيروت، (د. ت) . 68- التّبيين عن مذاهب النّحويين البصريين والكوفيين، لأبي البقاء العكبري، تحقيق الدّكتور عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط (1) 1406هـ. 69- التتمّة في التصريف، لأبي عبد الله محمّد بن القبيصي، تحقيق الدّكتور محسن العميريّ النادي الأدبي، مكة المكرمة، ط (1) 1414هـ. 70- تحصيل عين الذّهب من معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب، للأعلم الشّنتمريّ، حقّقه وعلّق عليه الدّكتور زُهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرّسالة بيروت، ط (2) 1415هـ. 71- تحفة الأحباب وطرفة الأصحاب، لبحرق الحضرميّ، دار الفكر، بيروت، (د. ت) . 72- تخليص الشّواهد وتلخيص الفوائد، لابن هشام الأنصاري، تحقيق الدّكتور عبّاس مصطفى الصّالحي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط (1) 1406هـ. 73- التّذكرة الحمدونيّة، لابن حمدون، تحقيق الدّكتور إحسان عبّاس وبكر عبّاس، دار صادر، بيروت، ط (1) 1996م. 74- التّذكرة السّعدية في الأشعار العربية، للعبيدي، تحقيق الدّكتور

عبد الله الجبّوري، مطابع النّعمان، النّجف، 1972م. 75- تذكرة النّحاة، لأبي حيّان الأندلسي، تحقيق الدّكتور عفيف عبد الرّحمن، مؤسسة الرّسالة، بيروت ط (1) 1406هـ. 76- التّذييل والتّكميل في شرح كتاب التسهيل، لأبي حيّان الأندلسي، تحقيق الدكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، ط (1) 1418هـ. 77- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، لابن مالك، تحقيق الدّكتور محمّد كامل بركات، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1387هـ. 78- التّصريح بمضمون التّوضيح، للشيخ خالد الأزهري، دار الفكر، بيروت، (د. ت) . 79- التّعريفات، للشريف الجرجاني، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط (2) 1413هـ. 80- التّعريف بفنّ التّصريف، بقلم الدّكتور عبد العظيم الشّناويّ. 81- التعليقة على كتاب سيبويه، لأبي عليّ الفارسي، تحقيق الدّكتور عوض القوزي، مطبعة الأمانة، القاهرة، ط (1) من 1410هـ إلى 1417هـ. 82- تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد، للدّماميني، تحقيق الدّكتور محمّد عبد الرحمن المفدي، ط (1) 1403هـ.

83- تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، تحقيق أبي الأشبال صغير أحمد الباكستاني، دار العاصمة، الرّياض، ط (1) 1416هـ. 84- التّقفية في اللّغة، لأبي بشر البندنيجي، تحقيق الدّكتور خليل العطية مطبعة العاني، بغداد، 1976هـ. 85- التّكملة، لأبي عليّ الفارسي، تحقيق الدّكتور حسن شاذلي فرهود، شركة الطباعة العربية السعودية، الرياض، ط (1) 1401هـ. (من مطبوعات جامعة الرياض) . 86- التنبيه والإيضاح عمّا وقع في الصّحاح، لابن برّيّ، تحقيق مصطفى حجازي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط (1) 1980م. 87- تهذيب اللغة، للأزهري، بتحقيق عبد السّلام هارون وآخرين، القاهرة، من 1964م إلى 1975م. 88- التّهذيب الوسيط في النّحو، لسابق الدّين محمّد بن عليّ الصنعاني، تحقيق الدّكتور فخر صالح قداره، دار الجيل، بيروت، ط (1) 1411هـ. 89- توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، للمرادي، تحقيق الدّكتور عبد الرحمن عليّ سليمان، مكتبة الكلّيات الأزهرية، القاهرة، ط (1) 1975م. 90- التوطئة، لأبي عليّ الشلوبينيّ، تحقيق الدّكتور يوسف أحمد المطوّع،

دار التراث العربي، القاهرة، ط (2) 1401هـ. 91- التّيسير في القراءات السّبع، لأبي عمرو الدّاني، عُني بتصحيحه أو تويرتزل، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط (1) 1416هـ. 92- ثمرات الأوراق، لابن حجّة الحمويّ، صحّحه وعلّق عليه محمّد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط (1) 1971م. 93- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، تحقيق محمود شاكر، دار المعارف، القاهرة، ط (2) 1969م. 94- الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1413هـ. 95- الجمل في النّحو، لأبي القاسم الزّجّاجي، تحقيق الدّكتور عليّ توفيق الحمد، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ودار الأمل، الأردن، ط (2) 1405هـ. 96- الجمل في النحو، المنسوب - خطأً - للخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق الدّكتور فخر الدّين قباوة، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (2) 1407هـ. 97- جمهرة أشعار العرب، لأبي زيد القرشي، تحقيق الدّكتور محمّد الهاشميّ، دار القلم، دمشق، ط (2) 1406هـ. 98- جمهرة الأمثال، لأبي هلال العسكري، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، وعبد المجيد قطامش، دار الجيل، بيروت، ودار الفكر، دمشق

وبيروت، ط (2) 1408هـ. 99- جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط (5) 1982م. 100- جمهرة اللّغة، لابن دُريد، تحقيق الدّكتور رمزي بعلبكّي، دار العلم للملايين، بيروت، ط (1) 1987م. 101- جنان الجناس، للصفدي، تحقيق سمير حسين حلبي، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط (1) 1407هـ. 102- جنى الجناس، للسيوطي، تحقيق الدّكتور محمّد عليّ رزق الخفاجي، الدّار الفنّيّة للطباعة والنشر، 1986م. 103- الجنى الدّاني في حروف المعاني، للمرادي، تحقيق الدّكتور فخر الدّين قباوة ومحمّد نديم فاضل، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط (1) 1413هـ. 104- جواهر الأدب في معرفة كلام العرب، لعلاء الدّين عليّ الإربلي، صنعة الدّكتور إميل بديع يعقوب، دار النّفائس، بيروت، ط (1) 1412هـ. 105- حاشية ابن حمدون على شرح المكوديّ للألفية، دار الفكر، بيروت، 1415هـ. 106- حاشية الصّبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، (د. ت) .

107- حاشية ياسين على التّصريح، دار الفكر، بيروت، (د. ت) . 108- حاشية ياسين على شرح الفاكهي لقطر الندى، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط (2) 1390هـ. 109- حجّة القراءات، لابن زنجلة، تحقيق سعيد الأفغاني، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (4) 1404هـ. 110- الحجّة في القراءات السّبع، لابن خالويه، تحقيق وشرح الدّكتور عبد العال سالم مكرّم، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (6) 1417هـ. 111- الحجّة للقراء السبعة، لأبي عليّ الفارسي، تحقيق بدر الدّين قهوجي وبشير جويجاني، دار المأمون، دمشق، ط (1) 1404هـ. 112- حروف المعاني، للزّجّاجي، تحقيق الدّكتور عليّ توفيق الحمد، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ودار الأمل، الأردن، ط (2) 1406هـ. 113- الحلل في شرح أبيات الجمل، لابن السيد البطليوسي، تحقيق الدّكتور مصطفى إمام، مطبعة الدار المصرية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط (1) 1979م. 114- الحماسة، لأبي تمّام، تحقيق الدّكتور عبد الله عبد الرحيم عسيلان، طبع مطابع دار الهلال للأوفست، الرياض، 1401هـ. (من منشورات جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية) . 115- حماسة البحتري، بضبط كمال مصطفى، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1929م.

116- الحماسة البصرية، لصدر الدّين البصري، تحقيق الدّكتور مختار الدين أحمد، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدّكن، الهند، ط (1) 1383هـ. 117- حياة الحيوان الكبرى، للدّميري، دار الفكر، بيروت، (د. ت) . 118- الحيوان، للجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، دار إحياء التّراث العربي، بيروت، ط (3) 1388هـ. 119- خريدة القصر وجريدة العصر، لعماد الدّين الأصبهاني، تحقيق محمّد بهجة الأثري، دار الحريّة للطباعة، بغداد، 1393هـ. 120- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، للبغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، من 1403هـ إلى 1409هـ. 121- الخصائص، لابن جنّي، تحقيق محمّد عليّ النّجّار، عالم الكتب بيروت، ط (3) 1403هـ. 122- دراسات لأسلوب القرآن الكريم، لمحمّد عبد الخالق عضيمة، دار الحديث، القاهرة، (د. ت) . 123- درّة الحجال في أسماء الرّجال، لابن القاضي، تحقيق محمّد الأحمدي، دار التراث، القاهرة، والمكتبة العتيقة، تونس، ط (1) 1390هـ. 124- درّة الغواص في أوهام الخواصّ، للحريري، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، 1975م.

125- الدّرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلاني، تحقيق محمّد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط (2) 1385هـ. 126- الدّرر اللوامع على همع الهوامع، لأحمد بن الأمين الشنقيطي، تحقيق الدّكتور عبد العال سالم مكرّم، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط (2) 1414هـ. 127- الدّر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسّمين الحلبي، تحقيق الدّكتور أحمد الخرّاط، دار القلم، دمشق، ط (1) 1406هـ. 128- دلائل الإعجاز، لعبد القاهر الجرجاني، قرأه وعلّق عليه محمود شاكر، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1984م. 129- الدّليل الشافي على المنهل الصّافي، لابن تغري بردي، تحقيق فهيم شلتوت، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1983م. (من مطبوعات مركز البحث العلميّ وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أمّ القرى) . 130- ديوان ابن دُريد، تحقيق عمر بن سالم، الدار التونسيّة للنشر، تونس، 1973م. 131- ديوان أبي الأسود الدّؤلي، صنعة السّكري، تحقيق محمّد حسن آل ياسين، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط (1) 1974م. 132- ديوان أبي تمّام بشرح التبريزي، تحقيق محمّد عبده عزّام، دار المعارف، القاهرة، 1964م.

133- ديوان أبي دؤاد الإيادي، ضمن كتاب (دراسات في الأدب العربي) لغوستاف فون قربناوم، زاد في تخريجه وتحقيقه الدّكتور إحسان عبّاس، بيروت، 1959م. 134- ديوان أبي محجن الثقفي، صنعة أبي هلال العسكري، تحقيق الدّكتور صلاح الدّين المنجّد، دار الكتاب الجديد، بيروت ط (1) 1389هـ. 135- ديوان أبي النّجم العجلي، صنعة علاء الدّين أغا، النّادي الأدبي، الرياض، 1401هـ. 136- ديوان الأعشى الكبير، (ميمون بن قيس) ، شرح وتعليق الدّكتور محمّد محمّد حسين، مكتبة الآداب بالجماميز، القاهرة، (د. ت) . 137- ديوان امرئ القيس، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط (5) 1990م. 138- ديوان أميّة بن أبي الصّلت، تحقيق الدّكتور عبد الحفيظ السّطلي، المطبعة التعاونيّة، دمشق، ط (2) 1977م. 139- ديوان أوس بن حجر، تحقيق الدّكتور محمّد يوسف نجم، دار صادر، بيروت، ط (3) 1399هـ. 140- ديوان توبة بن الحُميّر، تحقيق الدّكتور خليل إبراهيم العطيّة، دار صادر، بيروت، ط (1) 1998م. 142- ديوان جرير بشرح ابن حبيب، تحقيق الدّكتور نعمان طه،

دار المعارف، القاهرة، ط (3) 1986م. 142- ديوان جميل، دار صادر، بيروت، (د. ت) . 143- ديوان حسان، تحقيق الدّكتور وليد عرفات، دار صادر، بيروت، 1974م، وطبعة أخرى بتحقيق الدّكتور سيّد حنفي حسين، دار المعارف، القاهرة، 1983م. 144- ديوان الحطيئة برواية وشرح ابن السّكّيت، تحقيق الدّكتور نعمان طه، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط (1) 1407هـ. 145- ديوان حميد بن ثور الهلالي، صنعة عبد العزيز الميمني، الدّار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1384هـ. (نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب سنة 1371هـ. 146- ديوان الخرنق، رواية أبي عمرو بن العلاء، تحقيق يسري عبد الغني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط (1) 1410هـ. 147- ديوان الخوارج، جمع وتحقيق الدّكتور إحسان عبّاس، دار الشروق، بيروت، ط (4) 1402هـ. 148- ديوان دُريد بن الصّمّة، جمع وتحقيق محمّد خير البقاعيّ، دار قتيبة، دمشق، 1401هـ. 149- ديوان ذي الرّمّة، تحقيق الدّكتور عبد القدّوس أبو صالح، مؤسسة الإيمان، بيروت، ط (1) 1982م. 150- ديوان رؤية (مجموع أشعار العرب) ، بعناية وليم بن الورد،

دار ابن قتيبة، الكويت، (د. ت) . 151- ديوان سلامة بن جندل، صنعة محمّد بن الحسن الأحول، تحقيق الدّكتور فخر الدّين قباوة، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط (2) 1407هـ. 152- ديوان شعر حاتم بن عبد الله الطائي وأخباره، صنعة يحيى بن مدرك الطائي، تحقيق الدّكتور عادل سليمان جمال، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط (2) 1411هـ. 153- ديوان الشّمّاخ، تحقيق صلاح الدّين الهادي، دار المعارف، القاهرة، 1977م. 154- ديوان طرفة بشرح الأعلم، تحقيق دُريّة الخطيب ولطفي الصّقّال، مجمع اللّغة العربيّة، دمشق، 1395هـ. 155- ديوان الطّرمّاح، تحقيق الدّكتور عزّة حسن، دار الشرق العربي، بيروت وحلب، ط (2) 1414هـ. 156- ديوان عامر بن الطّفيل، دار صادر، ودار بيروت، بيروت، 1383هـ. 157- ديوان العبّاس بن مرداس، جمعه وحقّقه الدّكتور يحيى الجبّوري، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (1) 1412هـ. 158- ديوان عبد الله بن رواحة، جمع الدّكتور وليد قصّاب، دار الضّياء، الأردن، ط (2) 1408هـ.

159- ديوان عُبيد الله بن قيس الرّقيّات، تحقيق الدّكتور محمّد يوسف نجم، دار صادر، بيروت، (د. ت) . 160- ديوان العجّاج بشرح الأصمعي، تحقيق الدّكتور عزّة حسن، دار الشرق العربي، بيروت وحلب، 1416هـ. 161- ديوان عديّ بن زيد العباديّ، تحقيق محمّد جبّار المعيبد، دار الجمهورية للنشر والطبع، بغداد، 1965م. 162- ديوان العرجيّ، رواية ابن جنّي، تحقيق خضر الطائي ورشيد العبيدي، الشركة الإسلامية للطباعة، بغداد، ط (1) 1375هـ. 163- ديوان علقمة الفحل بشرح الأعلم، تحقيق لطفي الصّقّال ودريّة الخطيب، دار الكتاب العربي، حلب، ط (1) 1389هـ. 164- ديوان عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، جمعه وشرحه الأستاذ نعيم زرزور، دار الكتب العلميّة، بيروت، (د. ت) . 165- ديوان عمر بن أبي ربيعة، بشرح محمّد محي الدّين عبد الحميد، دار الأندلس، بيروت، (د. ت) . 166- ديوان عمرو بن قميئة، تحقيق الدّكتور خليل العطيّة، دار صادر بيروت، ط (2) 1994م. 167- ديوان عنترة، تحقيق محمّد سعيد مولوي، المكتب الإسلامي، بيروت ودمشق، ط (2) 1403هـ. 168- ديوان الفرزدق شرح، شرح وتصحيح عبد الله بن إسماعيل

الصّاوي، المكتبة التّجارية الكبرى، القاهرة، 1354هـ، وطبعة أخرى بشرح مجيد طراد، دار الكتاب العربي بيروت، ط (1) 1412هـ. 169- ديوان القطاميّ، تحقيق إبراهيم السّامرائي وأحمد مطلوب، دار الثقافة، بيروت، 1960م. 170- ديوان قيس بن الخطيم، تحقيق الدّكتور ناصر الدّين الأسد، دار صادر، بيروت، ط (2) 1387هـ. 171- ديوان قيس بن ذريح، جمعه وحقّقه الدّكتور إميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي، بيروت، ط (1) 1414هـ. 172- ديوان كثّير، جمعه وشرحه الدّكتور إحسان عبّاس، دار الثقافة، بيروت، 1971م. 173- ديوان كعب بن مالك الأنصاري، دراسة وتحقيق الدّكتور سامي مكّي العاني، عالم الكتب، بيروت، ط (2) 1417هـ. 174- ديوان لبيد بن ربيعة العامري، دار صادر، بيروت، (د. ت) . 175- ديوان المتلمّس، تحقيق حسن كامل الصّيرفي، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1390هـ. 176- ديوان المثقّب العبدي، تحقيق حسن كامل الصّيرفي، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1391هـ. 177- ديوان المجنون (قيس بن الملّوح) تحقيق عبد الستّار أحمد فرّاج،

مكتبة مصر، القاهرة، 1979م. 178- ديوان المعاني، لأبي هلال العسكري، عالم الكتب، بيروت، (د. ت) . 179- ديوان النابغة الذبياني، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط (3) 1990م. 180- ديوان الهذليين، ترتيب وتعليق محمّد محمود الشنقيطي، الدّار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1385هـ. (نسخة مصوّرة عن طبعة دار الكتب في السّنوات 64-67-1369هـ) . 181- رصف المباني في شرح حروف المعاني، للمالقي، تحقيق الدّكتور أحمد الخرّاط، دار القلم، دمشق، ط (2) 1405هـ. 182- الزّهرة، لأبي بكر محمّد بن داود الأصبهاني، تحقيق الدّكتور إبراهيم السّامرّائي، والدكتور نوري القيسي، مكتبة المنار، الأردن، ط (2) 1406هـ. 183- السّبعة في القراءات، لابن مجاهد، تحقيق الدّكتور شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط (3) 1988م. 184- سرح العيون شرح رسالة ابن زيدون، لابن نباتة المصري، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط (1) 1377هـ. 185- سرّ صناعة الإعراب، لابن حنّي، تحقيق الدّكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، ط (1) 1405هـ.

186- سلسلة الأحاديث الصحيحة، للألباني المكتب الإسلامي، بيروت ودمشق، ط (1) 1405هـ. 187- السّلوك لمعرفة دول الملوك، للمقريزي، نشره محمّد مصطفى زياد، لجنة التّأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1971م. 188- سمط اللآلي، لأبي عبيد البكري، تحقيق عبد العزيز الميمني، دار الكتب العلميّة، بيروت، (د. ت) . 189- سنن ابن ماجه، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، مطبعة إحياء الكتب العربية، القاهرة، (د. ت) . 190- سنن أبي داود (ومعه معالم السنن للخطابي) ، إعداد وتعليق عزّت عُبيد الدّعّاس وعادل السّيّد، دار الحديث، حمص وبيروت، ط (1) 1388هـ. 191- سنن الترمذي، تحقيق وشرح أحمد شاكر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط (2) 1398هـ. 192- سنن النّسائي (بشرح السيوطي وحاشية السندي) ، دار الريّان للتراث، القاهرة، (د. ت) . 193- سير أعلام النبلاء، للذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (8) 1412هـ. 194- السيرة النّبوية، لابن هشام، تحقيق مصطفى السّقا وآخرين، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط (2) 1375هـ.

195- شذرات الذّهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي المكتب التّجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، (د. ت) . 196- شرح أبيات سيبويه، للسِّيرافي، تحقيق الدّكتور محمّد علي سلطاني، دار المأمون للتراث، دمشق، 1979م. 197- شرح أبيات سيبويه، للنّحّاس، تحقيق الدّكتور وهبة متولّي، مكتبة الشباب، القاهرة، ط (1) 1405هـ. 198- شرح أبيات مغني اللّبيب، للبغدادي، تحقيق عبد العزيز رباح ويوسف الدّقاق، دار المأمون للتراث، دمشق، ط (1) 1393هـ. 199- شرح أدب الكاتب، للجواليقيّ، دار الكتاب العربي، بيروت، (د. ت) . 200- شرح أشعار الهذليين، للسّكّري، تحقيق عبد السّتار فرّاج، دار العروبة، القاهرة، ط (1) 1384هـ. 201- شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، (د. ت) . 202- شرح الألفية، لابن عقيل، تحقيق محمّد محيّ الدّين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا وبيروت، 1411هـ. 203- شرح الألفية، لابن الناظم، تحقيق الدّكتور عبد الحميد السيّد، دار الجيل، بيروت، (د. ت) . 204- شرح ألفية ابن معطي، لابن القوّاس، تحقيق الدّكتور عليّ موسى

الشوملي، مكتبة الخريجي، الرياض، ط (1) 1405هـ. 205- شرح التحفة الوردية، لابن الوردي، تحقيق الدّكتور عبد الله عليّ الشلاّل، مكتبة الرشد، الرياض، 1409هـ. 206- شرح التسهيل، لابن مالك، تحقيق الدكتور عبد الرحمن السيّد والدّكتور محمد بدوي المختون، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط (1) 1410هـ. 207- شرح جمل الزّجّاجي، لابن عصفور الإشبيلي، تحقيق الدّكتور صاحب أبو جناح، طبع بمطابع مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر، 1400هـ. 208- شرح الحدود النحوية، للفاكهي، تحقيق الدكتور محمّد الطيّب الإبراهيم، دار النفائس، بيروت، ط (1) 1417هـ. 209- شرح ديوان الحماسة، للتبريزي، دار القلم، بيروت، (د. ت) . 210- شرح ديوان الحماسة، للمرزوقي، تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ط (2) 1387هـ. 211- شرح ديوان زهير، لثعلب، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1384هـ. (مصورة عن طباعة دار الكتب 1363هـ) . 212- شرح السنّة، للبغوي، تحقيق شعيب الأرناوؤط ومحمد زُهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت ودمشق، ط (2) 1403هـ. 213- شرح السيوطي على الفية ابن مالك، (المسمى بالبهجة المرضية) ،

دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، (د. ت) . 214- شرح شافية ابن الحاجب، للرضى الاستراباذي، تحقيق محمد نور الحسن وزملائه، دار الكتب العلمية، بيروت، 1402هـ. 215- شرح الشافية، للجاربردي، عالم الكتب، بيروت، ط (3) 1404هـ. 216- شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، لابن هشام الأنصاري، بعناية محمد محيّ الدّين عبد الحميد، المكتبة العصرية صيدا وبيروت، 1409هـ. 217- شرح شواهد ابن عقيل على ألفية ابن مالك، لعبد المنعم الجرجاوي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، (د. ت) . 218- شرح شواهد الإيضاح، لأبي عليّ الفارسي، لابن برّيّ، تحقيق الدكتور عيد مصطفى درويش، الهيئة العامّة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة، 1405هـ. 219- شرح شواهد الشافية، للغدادي، تحقيق محمد نور الحسن وزملائه، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1402هـ. 220- شرح شواهد المغني، للسيوطي، تصحيح وتعليق الشيخ محمد محمود الشنقيطي، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، (د. ت) . 221- شرح عمدة الحافظ وعدّة اللاّفظ، لابن مالك، تحقيق عدنان الدّوري، مطبعة العاني، بغداد، 1397هـ.

222- شرح عيون الإعراب، للمجاشعي، تحقيق الدكتور حنّا حداد، مكتبة المنار، الأردن، ط (1) 1406هـ. 223- شرح الفريد، لعصام الدين، الإسفراييني، تحقيق نوري ياسين حسين، المكتبة الفيصلية، مكة المكرّمة، ط (1) 1405هـ. 224- شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، لأبي بكر الأنباري، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط (2) 1969م. 225- شرح قطر الندى وبلّ الصّدى، لابن هشام، بعناية محمد محي الدّين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا وبيروت، 1409هـ. 226- شرح الكافية، للرّضي الاستراباذي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ. 227- شرح الكافية الشافية، لابن مالك، تحقيق الدكتور عبد المنعم أحمد هريدي، دار المأمون للتراث، دمشق، ط (1) 1402هـ. (من مطبوعات مركز البحث العلميّ وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أمّ القرى) . 228- شرح اللمحة البدرية في علم اللّغة العربية، لابن هشام، تحقيق الدكتور هادي نهر، مطبعة الجامعة، بغداد، 1397هـ. 229- شرح اللمع، لابن برهان العكبري، تحقيق الدكتور فائز فارس، مطابع كويت تايمز، الكويت، ط (1) 1404هـ. 230- شرح مختصر التصريف العزّي في فنّ الصّرف، للتفتازاني، تحقيق

الدكتور عبد العال سالم مكرّم، ذات السّلاسل، الكويت، ط (1) 1983م. 231- شرح المعلقات السّيع، للزّوزني، دار الكتب العلمية، بيروت، (د. ت) . 232- شرح المفصّل، لابن يعيش، عالم الكتب، بيروت، (د. ت) . 233- شرح المفصّل في صنعة الإعراب الموسوم بالتخمير، للخوارزمي، تحقيق الدكتور عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط (1) 1990م. 234- شرح المقدّمة الجزوليّة الكبير، لأبي عليّ الشلوبيني، تحقيق الدكتور تركي ابن سهو العتيبي، مكتبة الرشد، الرياض، ط (1) 1413هـ. 235- شرح المقدّمة المُحْسِبَة، لابن بابشاذ، تحقيق خالد عبد الكريم، المطبعة العصرية، الكويت، ط (1) 1976م. 236- شرح مقصورة ابن دُريد، لعيد الوصيف محمد، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط (1) 1358هـ. 237- شرح ملحة الإعراب، للحريري، تحقيق الدكتور أحمد قاسم، مكتبة دار التراث، المدينة المنورة، ط (2) 1412هـ. 238- شرح الملوكيّ في التصريف، لابن يعيش، تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، المكتبة العربية، حلب، ط (1) 1393هـ.

239- شرح هاشميات الكميت، بتفسير أبي رياش القيسي، تحقيق الدكتور داود سلّوم والدكتور نوري حمّودي القيسي، عالم الكتب، ومكتبة النّهضة العربية، بيروت، ط (2) 1406هـ. 240- شعراء بني عُقيل وشعرهم في الجاهلية والإسلام حتى أواخر العصر الأموي، جمع وتحقيق ودراسة الدّكتور عبد العزيز الفيصل، الرياض، ط (1) 1408هـ. 241- شعر إبراهيم بن هرمة القرشي، تحقيق محمّد نفّاع وحسين عطوان، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1389هـ. 242- شعر أبي حيّة النّميري، جمع وتحقيق رحيم صخي التويلي، مجلّة المورد، م 4/ع1. 243- شعر أبي عطاء السّندي، جمع وتحقيق قاسم مهديّ، مجلّة المورد م 9/ع2. 244- شعر الأحوص الأنصاري، تحقيق عادل سليمان جمال، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط (2) 1411هـ. 245- شعر الأخطل، صنعة السّكري، تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، دار الفكر، دمشق وبيروت، ط (3) 1416هـ. 246- شعر الأشهب بن رميلة، ضمن كتاب (شعراء أمويون - القسم الرابع) جمع وتحقيق الدّكتور نوري حمّودي القيسي، عالم الكتب، ومكتبة النّهضة العربية، بيروت، ط (1) 1405هـ.

247- شعر جحدر بن معاوية المحرزي، ضمن كتاب (شعراء الأمويّون - القسم الأول) جمع وتحقيق الدكتور نوري حمّودي القيسي، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1396هـ. 248- شعر خفاف بن ندبة السّلمي، ضمن كتاب (شعراء إسلاميّون) جمع وتحقيق الدّكتور نوري حمّودي القيسي، عالم الكتب، ومكتبة النّهضة العربية، بيروت، ط (2) 1405هـ. 248- شعر الراعي النميري وأخباره، جمعه ناصر الحاني، مجمع اللّغة العربية، دمشق، 1383هـ. 250- شعر ربيعة بن مقروم الضّبّي، ضمن كتاب (شعراء إسلاميّون) جمع وتحقيق الدّكتور نوري حمّودي القيسي، عالم الكتب، ومكتبة النّهضة العربية، بيروت، ط (2) 1405هـ. 251- شعر زُهير بن أبي سُلمى، صنعة الأعلم الشنتمريّ، تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، دار الكتب العلمية، بيروت ط (1) 1413هـ. 252- شعر زياد الأعجم، جمع يوسف حسين بكّار، دار المسيرة، بيروت، ط (1) 1403هـ. 253- شعر زيد الخيْل الطائي، جمع ودراسة وتحقيق الدكتور أحمد مختار البزرة، دار المأمون للتراث، دمشق، ط (1) 1408هـ. 254- شعر شعر طيّء وأخبارها في الجاهليّة والإسلام، جمع وتحقيق الدكتور وفاء فهمي السنديوني، دار العلوم، الرياض، ط (1) 1403هـ.

255- شعر عبد الله بن الزبير الأسد، جمع وتحقيق الدكتور يحيى الجبّوري، دار الحريّة، بغداد، 1394هـ. 256- شعر عبد الله بن معاوية، جمعه عبد الحميد الراضيّ مؤسسة الرسالة، بيروت، ط (2) 1402هـ. 257- شعر عبد الله بن همام السّلولي، جمع وتحقيق ودراسة وليد محمّد السّراقبي، مطبوعات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، دبيّ، ط (1) 1417هـ. 258- شعر عبد الرحمن بن حسّان، تحقيق الدكتور سامي مكّي العاني، مطبعة المعارف، بغداد، 1971م. 259- شعر العجير السّلوليّ، جمع وتحقيق محمّد نايف الدّليميّ، مجلّة المورد، م 8/ع1. 260- شعر عمرو بن أحمد الباهلي، تحقيق الدكتور حسين عطوان، مجمع اللّغة العربية، دمشق، (د. ت) . 261- شعر عمرو بن معد يكرب الزّبيدي، جمعه ونسّقه مطاع الطّّرابيشي، مكتبة دار البيان، دمشق، ومكتبة المؤيّد، الرياض، ط (3) 1414هـ. 262- شعر الكميت بن معروف الأسدي، ضمن كتاب (شعراء مقلّون) جمع وتحقيق الدكتور حاتم الضّامن، عالم الكتب، ومكتبة النّهضة العربية، بيروت، ط (1) 1407هـ.

263- شعر المخبّل السّعدي، ضمن كتاب (شعراء مقلّون) جمع وتحقيق الدكتور حاتم الضّامن، عالم الكتب، ومكتبة النّهضة العربية، بيروت، ط (1) 1407هـ. 264- شعر المرّار الفقْعسيّ، ضمن كتاب (شعراء أمويّون - القسم الثّاني) جمع وتحقيق الدّكتور نوري حمّودي القيسي، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1396هـ. 265- شعر مزاحم العقيليّ، جمع وتحقيق الدكتور نوري حمّودي القيسي والدّكتور حاتم الضّامن، مجلّة معهد المخطوطات العربية، م 22/ج1. 266- شعر المغيرة بن حبناء التّميميّ، ضمن كتاب (شعراء أمويّون - القسم الثّالث) جمع وتحقيق الدكتور نوريّ حمّوديّ القيسي، المجمع العلميّ العراقي، بغداد، ط (1) 1402هـ. 267- شعر النجاشي الحارثي، جمع وتحقيق الدكتور سليم النعيمي، مجلّة المجمع العلميّ العراقيّ، م 13. 168- شعر نصيب بن رباح، جمع وتقديم الدكتور داود سلّوم، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1967م. 169- شعر النّمر بن تولب، صنعة الدّكتور نوري حمّودي القيسي، مطبعة المعارف، بغداد، (د. ت) . 170- شعر يزيد بن الصّعق، ضمن كتاب (أشعار العامريين الجاهليّين) جمع وتحقيق الدّكتور عبد الكريم يعقوب، دار الحوار، اللاّذقيّة، ط (1) 1982م.

271- الشعراء والشعراء، لابن قتيبة، تحقيق الدّكتور مفيد قميحة، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط (2) 1405هـ. 272- شفاء العليل في إيضاح التّسهيل، لأبي عبد الله محمّد بن عيسى السّليليّ، تحقيق الدكتور الشّريف عبد الله عليّ الحسيني، مكتبة الفيصليّة مكّة المكرّمة ط (1) 1406هـ. 273- شواهد التوضيح والتّصحيح لمشكلات الجامع الصّحيح، لابن مالك، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، عالم الكتب، بيروت، ط (3) 1403هـ. 274- الصّاحبيّ، لابن فارس، تحقيق السيّد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1977م. 275- الصُّبح المنير في شعر أبي بصير (الأعشى ميمون) والأعشين الآخرين، تحقيق رودلف جاير، مكتبة ابن قتيبة، الكويت، ط (2) 1993م (بالأوفست عن طبعة قينّا 1927م) . 276- الصّحاح، للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت، ط (3) 1404هـ. 277- صحيح البخاري، عالم الكتب، بيروت ط (5) 1406هـ. 278- صحيح الجامع الصّغير وزيادته، للألبانيّ، المكتب الإسلامي، بيروت ودمشق، ط (2) 1406هـ. 279- صحيح مسلم، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث

العربي، بيروت، (د. ت) . 280- ضرائر الشعر، لابن عصفور، تحقيق السّيد إبراهيم محمد، دار الأندلس للطباعة والنشر، بيروت ط (1) 1980م. 281- طبقات الشّافعيّة، للأسنويّ، تحقيق عبد الله الجبّوري، مطبعة الإرشاد، بغداد، ط (1) 1390هـ. 282- طبقات الشّافعية الكبرى، للسّبكي، تحقيق محمود الطناحيّ وعبد الفتّاح الحلو، دار إحياء الكتب العربيّة، القاهرة، 1976م. 283- طبقات فحول الشعراء، لابن سلاّم، قرأه وشرحه محمود شاكر، مطبعة المدنيّ، القاهرة، 1394هـ. 284- طبقات النّحاة واللّغويّين، لابن قاضي شُهبة، تحقيق الدّكتور محسن غيّض، مطبعة النّعمان، النّجف، 1974م. 285- طبقات النّحويّين واللّغويّين، للزبيدي الأندلسي، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط (2) 1984م. 286- العبر في خبر من غبر، للذهبي، تحقيق أبي هاجر محمّد السّعيد زغلول، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط (1) 1405هـ. 287- العقد الفريد، لابن عبد ربّه، تحقيق الدّكتور عبد المجيد التّرحيني، دار الكتب العلميّة بيروت، ط (1) 1407هـ. 288- العوامل المائة النّحويّة في أصول علم العربية، للجرجاني، شرح الشيخ خالد الأزهري، تحقيق وتقديم وتعليق الدّكتور البدراويّ

زهران، دار المعارف، القاهرة، ط (1) 1983م. 289- العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق الدّكتور مهدي المخزوميّ والدّكتور إبراهيم السّامرّائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط (1) 1408هـ. 290- عيون الأخبار، لابن قتيبة، تحقيق الدّكتور يوسف عليّ الطّويل، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط (1) 1406هـ. 291- غاية النّهاية في طبقات القرّاء، لابن الجزري، تحقيق براجسنزاسر، مطبعة السّعادة، القاهرة، 1352هـ. 292- غريب الحديث، لأبي عُبيد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط (1) 1406هـ. 293- الفرائد الجديدة، للشيخ عبد الرحمن الأسيوطيّ، تحقيق الشيخ عبد الكريم المدرّس، مطبعة الإرشاد، بغداد 1397هـ. 294- فُرحة الأديب، للأسود الغندجاني، تحقيق الدّكتور محمّد عليّ سلطاني، دار قتيبة، دمشق، ط (1) 1401. 295- الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمداني، تحقيق الدّكتور فهمي حسن النّمر، والدّكتور فؤاد عليّ مخيمر، دار الثقافة، الدّوحة، ط (1) 1411هـ. 296 الفصول الخمسون، لابن معطي، تحقيق الدّكتور محمد الطّناحي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1977م.

297- فهرس مخطوطات دار الكتب الظّاهريّة (الشعر) ، وضعه الدّكتور عزّة حسن، مجمع اللّغة العربيّة، دمشق، 1384هـ. 298- فهرس النّحو، (المصوّرات الميكروفيلميّة الموجودة بمكتبة الميكروفيلم بمركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أمّ القرى) إعداد: قسم الفهرسة بالمركز، (د. ت) . 299- الفوائد الضّيائيّة في شرح كافية ابن الحاجب، لنور الدّين عبد الرحمن الجاميّ، تحقيق الدّكتور أُسامة طه الرّفاعي، مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدّينيّة، بغداد، 1403هـ. 300- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، للشوكاني، تحقيق عبد الرحمن المعلّميّ، المكتب الإسلامي، بيروت، ط (3) 1407هـ. 301- فوات الفيات، لابن شاكر الكُتبي، تحقيق الدّكتور إحسان عبّاس، دار صادر بيروت، 1974م. 302- القاموس المحيط، للفيروزآبادي، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (1) 1406هـ. 303- القوافي، للأخفش، تحقيق الدّكتور عزّة حسن، وزارة الثّقافة، مديريّة إحياء التراث القديم، دمشق، 1390هـ. 304- القوافي، للتّنوخي، تحقيق الدّكتور عوني عبد الرّءوف، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط (2) 1978م. 305- الكافي في العروض والقوافي، للخطيب التّبريزي، تحقيق الحسّانيّ

حسن عبد الله، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط (3) 1415هـ. 306- الكافي في علم القوافي، لأبي بكر الشّنتريني، تحقيق الدّكتور محمّد رضوان الدّاية، المكتب الإسلامي، بيروت ودمشق، ط (2) 1391هـ. 307- الكافية في النّحو، لابن الحاجب، تحقيق الدّكتور طارق نجم عبد الله، مكتبة دار الوفاء للنّشر والتوزيع، جدّة، ط (1) 1407هـ. 308- الكامل، للمبرّد، تحقيق الدّكتور محمّد الدّاليّ، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (2) 1413هـ. 309- الكامل في التأريخ، لابن الأثير، دار الكتاب العربي، بيروت، ط (3) 1403هـ. 310- الكتاب، لسيبويه، تحقيق عبد السّلام هارون مكتبة الخانجي، القاهرة، ط (3) 1408هـ. 311- كتاب الأمثال، لأبي عبيد القاسم بن سلاّم، تحقيق الدّكتور عبد المجيد قطامش، دار المأمون، دمشق، ط (1) 1400هـ. (من مطبوعات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلاميّ بجامعة أمّ القرى) . 312- كتاب الفصول في العربية، لابن الدّهّان، تحقيق الدّكتور فائز فارس، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ودار الأمل، الأردن، ط (1) 1409هـ. 313- كتاب الأفعال، لابن القطّاع، عالم الكتب، بيروت، ط (1) 1403هـ.

314- كتاب المعمّرين من العرب، لأبي حاتم السّجستاني، تحقيق محمّد إبراهيم سليم، دار الطّلائع، القاهرة، (د. ت) . 315- الكشاف، للزّمخشريّ، دار المعرفة، بيروت، (د. ت) . 316- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على السنة الناس، للعجلوني، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط (3) 1408هـ. 317- كشف الظّنون، لحاجّي خليفة، مكتبة المثنّى، بغداد، (د. ت) . 318- الكشف عن وُجوه القراءات السّبع وعللها وحججها، لمكّي بن أبي طالب، تحقيق الدّكتور محي الدّين رمضان، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (4) 1407هـ. 319- كشف المشكل في النّحو، لعليّ بن سليمان الحيدرة اليمني، تحقيق الدّكتور هادي عطيّة مطر، مطبعة الإرشاد، بغداد، ط (1) 1404هـ. 320- الكليّات، لأبي البقاء الكفوي، تحقيق الدّكتور عدنان درويش ومحمّد المصري، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (2) 1413هـ. 321- كنز الحفّاظ في كتاب تهذيب الألفاظ لابن السّكّيت، لأبي زكريا التّبريزي، بعناية لويس شيخو، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة، (د. ت) .. 322- اللاّمات، للزّجّاجيّ، تحقيق الدّكتور مازن المبارك، مجمع اللّغة

العربية، دمشق، 1389هـ. 323- اللاّمات، للهروي، تحقيق الدّكتور أحمد عبد المنعم الرّصد، مطبعة حسّان، القاهرة، 1404هـ. 324- لباب الإعراب، لتاج الدّين الإسفراييني، تحقيق بهاء الدّين عبد الوهاب عبد الرحمن، دار الرفاعي، الرياض، ط (1) 1405هـ. 325- اللّباب في علل البناء والإعراب، للعكبري، تحقيق غازي مختار طليمات والدّكتور عبد الإله نبهان، دار الفكر، دمشق، ط (1) 1416هـ. 326- لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت، ط (1) 1410هـ. 327- اللّمع في العربيّة، لابن جنّي، تحقيق حامد المؤمن، عالم الكتب، ومكتبة النّهضة العربية، بيروت، ط (2) 1405هـ. 328- المؤتلف والمختلف، للآمدي، تحقيق عبد السّتّار فرّاج دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1381هـ. 329- مالك ومتمّم ابنا نويرة اليربوعي، لإبتسام مرهون الصّفار، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1968م. 330- ما يجوز للشاعر في الضّرورة، للقزاز القيرواني، تحقيق الدّكتور محمد زغلول سلاّم والدّكتور محمّد مصطفى هدارة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1994م. 331- ما يحتمل الشعر من الضرورة، للسّيرافي، تحقيق الدّكتور عوض

القوزي، طبع بمطابع دار المعارف، القاهرة، ط (2) 1412هـ. 332- ما ينصرف وما لا ينصرف، للزّجّاج، تحقيق الدّكتورة هدى قرعة، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط (2) 1414هـ. 333- المبسوط في القراءات العشر، لأبي بكر أحمد بن الحسين الأصبهاني، تحقيق سبيع حمزة حاكمي، مجمع اللّغة العربية، دمشق، (د. ت) . 334- مجاز القرآن، لأبي عُبيد، تحقيق الدّكتور محمد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1988م. 335- مجالس ثعلب، تحقيق عبد السّلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط (5) 1987م. 336- المجتنى، لابن دُريد، بعناية الدّكتور محمّد عبد المعيد خان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدّكن، الهند، ط (3) 1382هـ. 337- مجمع الأمثال، للميداني، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1978م. 338- مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمّد بن صالح العثيمين، جمع وترتيب فهد بن ناصر السّليمان، دار الوطن للنشر، الرّياض ط (الأخيرة) 1413هـ. 339- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطيّة الأندلسي،

تحقيق عبد السّلام عيد الشافي محمّد، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط (1) 1413هـ. 340- المحتسب في تبيين وجوه شواذّ القراءات والإيضاح عنها، لابن جنّي تحقيق عليّ النّجديّ ناصف، والدّكتور عبد الحليم النّجار والدّكتور عبد الفتّاح شلبي، دار سزكين للطباعة والنشر، إستانبول، ط (2) 1406هـ. 341- مختصر في شواذّ القراءات، لابن خالويه، نشره براجستراسر، دار الهجرة، (د. ت) . 342- المخصّص، لابن سيده، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (مصوّرة عن طبعة بولاق 1318هـ) . 343- المذكّر والمؤنّث، لأبي بكر الأنباري، تحقيق الدّكتور طارق الجنابيّ، مطبعة العاني، بغداد، ط (1) 1978م. 344- المذكّر والمؤنّث، لأبي حاتم السّجستاني، تحقيق الدّكتور عزّة حسن، دار الشرق العربي، بيروت، وحلب، (د. ت) . 345- المذكّر والمؤنّث، للفراء، تحقيق الدّكتور رمضان عبد التّواب، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط (2) 1989م. 346- مراتب النّحويّين، لأبي الطّيّب اللّغوي، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ط (2) 1394هـ. 347- المرتجل في شرح الجمل، لابن الخشاب، تحقيق ودراسة عليّ حيدر، دمشق، 1392هـ.

348- المزهر في علوم اللّغة وأنواعها، للسّيوطي، تحقيق محمّد أحمد جاد المولى وزملائه، دار التراث، القاهرة، ط (3) د. ت. 349- المسائل البصريّات، لأبي عليّ الفارسي، تحقيق الدّكتور محمّد الشّاطر أحمد، مطبعة المدني، القاهرة، ط (1) 1405هـ. 350- المسائل الحلبيّات، لأبي عليّ الفارسي، تحقيق الدّكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، ودار المنارة، بيروت ط (1) 1407هـ. 351- مسائل خلافية في النّحو، لأبي البقاء العكبري، تحقيق محمد خير الحلواني، دار الشرق العربي، بيروت وحلب، ط (1) 1412هـ. 352- المسائل العسكرية، لأبي عليّ الفارسي، تحقيق الدّكتور محمّد الشّاطر أحمد، مطبعة المدني، القاهرة، ط (1) 1403هـ. 353- المسائل العضديّات، لأبي عليّ الفارسي، تحقيق الدّكتور عليّ جابر المنصوريّ، عالم الكتب، ومكتبة النّهضة العربية، بيروت، ط (1) 1406هـ. 354- المساعد على تسهيل الفوائد، لابن عقيل، تحقيق الدّكتور محمّد كامل بركات، دار الفكر، دمشق، 1400هـ. (من مطبوعات مركز البحث العلميّ وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أمّ القرى) . 355- المستقصى في أمثال العرب، للزمخشري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط (2) 1408هـ. 356- مسند الإمام أحمد، المكتب الإسلامي، بيروت، ط (1) 1389هـ.

357- مشكل الآثار، للطّحاوي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدّكن، الهند، 1333هـ. 358- مشكل إعراب القرآن، لمكّي بن أبي طالب، تحقيق الدّكتور حاتم الضّامن، مؤسسة الرّسالة، بيروت ط (3) 1407هـ. 359- المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، لعليّ القاري الهرويّ، تحقيق عبد الفتّاح أبو غدّة، مكتب المطبوعات الإسلامية، بيروت ط (4) 1404هـ. 360- معاني الحروف، للرّمّاني، تحقيق الدّكتور عبد الفتّاح شلبي، مكتبة الطّالب الجامعي، مكّة المكرّمة، ط (2) 1407هـ. 361- معاني القرآن، للأخفش، تحقيق الدّكتور عبد الأمير محمّد أمين، عالم الكتب بيروت، ط (1) 1405هـ. 362- معاني القرآن، للفراء، تحقيق محمّد عليّ النّجار وأحمد نجاتي، الدّار المصرية للّتأليف والترجمة، القاهرة، (د. ت) . 363- معاني القرآن وإعرابه، للزّجّاج، تحقيق الدّكتور عبد الجليل شلبي، عالم الكتب، بيروت، ط (1) 1408هـ. 3648- المعاني الكبير، لابن قتيبة، تحقيق كرنكو وعبد الرحمن اليماني، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1405هـ. 365- معجم الأدباء، ليقوت الحمويّ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د. ت) .

366- معجم البلدان، ليقوت الحمويّ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1399هـ. 367- معجم الشعراء، للمرزباني، تصحيح كرنكو، دار الجيل، بيروت، ط (1) 1411هـ. 368- معجم المؤلفين، لعمر رضا كحّالة، مكتبة المثنى، ودار إحياء التراث العربي، بيروت، (د. ت) . 369- معجم ما استعجم، لأبي عُبيد البكري، تحقيق مصطفى السّقا، عالم الكتب، بيروت، ط (3) 1403هـ. (بالأوفست عن طبعة لجنة التّأليف والترجمة والنشّر) . 370- معجم المطبوعات العربية والمعربّة، جمع وترتيب يوسف إليان سركيس، مكتبة الثّقافة الدّينية، مصر، (د. ت) . 371- معجم المعاجم، لأحمد الشرقاوي إقبال، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط (2) 1993م. 372- معجم مقاييس اللّغة، لابن فارس عبد السّلام هارون دار الجيل، بيروت، ط (1) 1411هـ. 373- المعرّب، للجواليقي، تحقيق الدّكتور ف. عبد الرحيم، دار القلم، دمشق وبيروت، ط (1) 1410هـ. 374- معرفة القراء الكبار على الطّبقات والأعصار، للذّهبي، تحقيق بشّار عوّاد معروف وزملائه، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (2) 1408هـ.

375- مغني اللّبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام الأنصاري، تحقيق الدّكتور مازن المبارك ومحمّد عليّ حمد الله، دار الفكر، بيروت ط (5) 1979م. 376- المغني والشرح الكبير على متن المقنع، للإمامين موفّق الدّين وشمس الدّين ابني قدامة، دار الفكر، بيروت، ط (1) 1404هـ. 377- مفتاح العلوم، للسّكاكيّ، تحقيق نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت ط (2) 1407هـ. 378- المفصّل في علم العربية، للزّمخشري، دار الجيل، بيروت، (د. ت) . 379- المفضّليّات، للمفضّل الضّبّي، تحقيق أحمد شاكر وعبد السّلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط (6) 1979م. 380- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، للسّخاوي، تحقيق محمّد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت ط (1) 1405هـ. 381- المقاصد النّحويّة في شرح شواهد الألفية، للعيني، طبع بهامش (خزانة الأدب) طبعة بولاق 1299هـ. 382- المقتصد في شرح الإيضاح، لعبد القاهر الجرجاني، تحقيق الدّكتور كاظم بحر المرجان، وزارة الثّقافة والإعلام، دار الرّشيد للنّشر، بغداد، 1982م. 383- المقتضب، للمبرّد، تحقيق محمّد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب بيروت، (د. ت) .

384- مقدّمة في النّحو، للشيخ محمّد بن أبي الفرج الصّقلّي، تحقيق الدّكتور محسن العميري، مكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، 1405هـ. 385- المقرّب، لابن عصفور، تحقيق أحمد الجواري، وعبد الله الجبّوري، مطبعة العاني، بغداد ط (1) 1391هـ. 386- المقصور والممدود، لابن ولاّد، عُني بتصحيحه بدر الدّين النّعساني، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط (2) 1413هـ. 387- الملاحن، لابن دُريد، تصحيح إبراهيم الجزائري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط (1) 1407هـ. 388- ملحة الإعراب، للحريري، مكتبة دار العليّان، بريدة، ط (1) 1407هـ. 389- الملخّص في ضبط قوانين العربية، لابن أبي الرّبيع الإشبيلي، تحقيق أ. د عليّ بن سلطان الحكمي، ط (1) 1405هـ. 390- المنتخب من غريب كلام العرب، لأبي الحسن الهُنائي (المعروف بكُراع النَّمْل) تحقيق الدّكتور محمد بن أحمد العمري، ط (1) 1409هـ (من مطبوعات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلاميّ بجامعة أمّ القرى) . 391- الممتع في التصريف، لابن عصفور الإشبيلي، تحقيق الدّكتور فخر الدّين قباوة، دار المعرفة، بيروت، ط (1) 1407هـ. 392- منار السّبيل، لابن ضويّان، تحقيق زُهير الشّاويش، المكتب

الإسلامي، بيروت ودمشق، ط (6) 1404هـ. 393- المنتظم، لابن الجوزي، تحقيق محمّد عطا ومصطفى عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط (1) 1412هـ. 394- المنصف في شرح التصريف، لابن جنّي، تحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين مكتبة مصطفى البابي الحلبي القاهرة، ط (1) 1373هـ. 395- المنقوص والممدود، للفراء، تحقيق عبد العزيز الميمني، دار المعارف، القاهرة، ط (3) 1986م. 396- المهذّب في القراءات العشر، للدّكتور محمّد سالم محيسن، مكتبة الكليّات الأزهرية، مصر، ط (2) 1389هـ. 397- الموطّأ، لمالك بن أنس، دار الكتب العلمية، بيروت، ط (1) 1405هـ. 398- نتائج الفكر في النّحو، للسّهيلي، تحقيق الدّكتور محمّد إبراهيم البنّا، دار الرّياض للنشر والتوزيع، الرياض، ط (2) 1404هـ. 399- النّجوم الزّاهرة، لابن تغري بردي، المؤسسة المصريّة العامّة للتأليف والترجمة والطباعة والنّشر، القاهرة. (مصوّرة عن طبعة دار الكتب 1962م) . 400- نُزهة الألبّاء في طبقات الأدباء، لأبي البركات الأنباري، تحقيق الدّكتور إبراهيم السّامرّائي، مكتبة المنار، الأردن، ط (3) 1405هـ.

401- النّشر في القراءات العشر، لابن الجزري، تحقيق الدّكتور محمّد سالم محيسن، مكتبة القاهرة، (د. ت) . 402- النّقائض (نقائض جرير والفرزدق) لأبي عُبيدة، بعناية المستشرق بيفان، مطبعة بريل، ليدن، 1905م. 403- النّكت الحسان في شرح غاية الإحسان، لأبي حيّان الأندلسي، تحقيق الدّكتور عبد الحسين الفتليّ، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (2) 1408هـ. 404- النّكت في تفسير كتاب سيبويه، للأعلم الشّنتمريّ، تحقيق زُهير عبد المحسن سلطان، منشورات معهد المخطوطات العربية، الكويت، ط (1) 1407هـ. 405- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، للقلشندي، دار الكتب العلميّة، بيروت، (د. ت) . 406- النّوادر في اللّغة، لأبي زيد الأنصاري، بتحقيق سعيد الشّرتوني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط (2) 1387هـ. 407- نوادر المخطوطات العربيّة في مكتبات تركيا، جمعها الدّكتور رمضان ششن، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط (1) 1975م. 408 هديّة العارفين، لإسماعيل باشا البغدادي، مكتبة المثنّى، بغداد. (بالأوفست عن طبعة إستانبول 1951م. 409- همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، للسّيوطي، تحقيق الدّكتور

عبد العال سالم مكرّم، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط (2) 1407هـ. 410- الوافي بالوفيات، للصّفدي، بعناية س. ديدر ينغ، فرانز شتاينر، قيسبادن، 1394هـ. 411- الوافي في العروض والقوافي، للخطيب التبريزي، تحقيق الدّكتور فخر الدّين قباوة، دار الفكر، دمشق، ط (4) 1407هـ. 412- الوجيز في علم التّصريف، لأبي البركات الأنباري، تحقيق الدّكتور عليّ حسين البوّاب، دار العلوم للطباعة والنشر، الرّياض، ط (1) 1402هـ. 413- الوحشيّات (الحماسة الصّغرى) لأبي تمّام، تحقيق عبد العزيز الميمني، وزاد في حواشيه محمود شاكر، دار المعارف، القاهرة، ط (3) 1987م. 414- وفيات الأعيان، لابن خلكّان، تحقيق الدّكتور إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت، (د. ت) .

§1/1