اللحية لماذا

محمد إسماعيل المقدم

اللِّحيَة لِمَاذَا؟ إعداد محمد بن أحمد بن إسماعيل عفا الله عنه دار طيبة للنشر والتوزيع الرياض شارع السويدى العام - غرب النفق تليفون 4253737 - 4258866

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1413هـ - 1993م

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مُعِزِّ من أطاعه واتَّقاه، ومُذِلِّ من أضاع أمره وعصاه، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه الذين كان هواهم تبعًا لهداه. أما بعد فهذا مختصر "أدلة تحريم حلق اللحية" قرَّبتُه ليكون سهل التناول، بسيط العبارة، وحذفت منه البحوث المفصلة، والتخريجات المسهبة، والعزو الدقيق، وما إلى ذلك من الاستطرادات التي لا تناسب المقام، وأعدت صياغته في صورة مشوقة تناسب جميع القراء. والله أسأل أن يتقبله بقبول حسن، وأن ينفع به النفع العميم، في الدنيا ويوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والحمد لله رب العالمين.

بسم الله الرحمن الرحيم

إعفاء اللحية طاعة

إعفاء اللحية طاعة فقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الآية. [الأحزاب:36] وقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. [النور:63] ومما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إعفاءُ اللحى (¬1)، فقد روى ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ: «أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ، وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ» [رواه مسلم] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ» [رواه مسلم] ولما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رسولَىْ كسرى وقد حلقا لحاهما، وأعفيا شواربهما، كره أن ينظر إليهما، وقال: ¬

_ (¬1) وقد ورد هذا الأمر بصيغ مختلفة هي: (أعفوا، أوفوا، أرخوا، أرجوا، وفروا) اللحى، ومعناها كلها: تركها على حالها.

حلق اللحية معصية

"ويلكما من أمركما بهذا؟ "، قالا: "أمرنا بهذا ربنا" يعنيان كسرى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي، وقص شاربي". [حديث حسن] وصيغة الأمر تدل على وجوب امتثاله، بحيث يثاب فاعله، ويعاقب تاركه. حلق اللحية معصية قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36] وقال عز وجل: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن:23] وقد تقدم أمره - صلى الله عليه وسلم - بإعفاء اللحى، ومخالفتُه معصية محرمة، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. [الحشر:7] وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، فَاجْتَنِبُوهُ" [متفق عليه]. والأمر بإعفاء اللحى وتوفيرها، يستلزم النهي عن حلقها وتقصيرها بحيث تكون قريبة إلى الحلق، لأن الأمر بالشئ نهي عن ضده.

إعفاء اللحية سنة محمدية

قال - صلى الله عليه وسلم - "لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ ; فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ". [حديث حسن] ولا فرق بين نتفه من اللحية أو من الرأس، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: " يُكْرَهُ أَنْ يَنْتِفَ الرَّجُلُ الشَّعْرَةَ الْبَيْضَاءَ مِنْ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ" [رواه مسلم]، والذي يحلق لحيته قد كره الشعر الأسود فضلًا عن الأبيض الذي هو نور المسلم. وقد رُوي "أن عمر - رضي الله عنه - وابن أبي يعلى قاضي المدينة ردَّا شهادةَ مَن كان ينتف لحيته". وقال الغزالي والنووي عليهما الرحمة: "ونتفها -أي اللحية- في أول نباتها تشبه بالمُرْد (¬1)، ومن المنكرات الكبار". إعفاء اللحية سنة محمدية قال عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] ¬

_ (¬1) مُرْد: جمع أمرد، وهو الغلام طرَّ شاربه، وبلغ خروج لحيته، ولم تَبْدُ.

قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} الآية. [النساء:64] وقال - صلى الله عليه وسلم -: "وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - " [رواه مسلم]، وقد ثبت في صفته الخِلقية - صلى الله عليه وسلم - أنه كان كثَّ اللحية عظيمها، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كانت لحيته صلى الله عليه وسلم قد ملأت من هاهنا إلى هاهنا، وأمر يده على عارضيه" [رواه ابن عساكر في "تاريخه"]. وكان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون أنه يقرأ في الظهر والعصر «بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ» [رواه البخاري]. "وكَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ» [صحيح]، وفي ذلك أحاديث أخرى كثيرة كلها تؤكد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان عظيم اللحية، فيا عجبًا ممن يَدَّعون حُبَّه - صلى الله عليه وسلم -، ثم هم لا يحبون صورته، بل يفضلون صورة أعدائه، والله تعالى يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} الأية [آل عمران:31]. والمحبة التي لا تضطر صاحبها إلى اتباع المحبوب والتشبه

به إدعاء للمحبة وليست بالمحبة (¬1)، وقد قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: «كُنْت أَمْشِي وَعَلَيَّ بُرْدٌ أَجُرُّهُ فَقَالَ لِي رَجُلٌ: ارْفَعْ ثَوْبَك فَإِنَّهُ أَبْقَى وَأَنْقَى فَنَظَرْت فَإِذَا هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت إنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ فَقَالَ: مَا لَك فِي أُسْوَةٌ؟ قَالَ فَنَظَرْت فَإِذَا إزَارُهُ إلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ». [حسن لغيره] فيا حليق اللحية: ماذا يكون جوابك إذا أخذت تسرد المعاذير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقول لك: " أما لك فِيَّ أسوة؟ ". ¬

_ (¬1) فالتأسي به - صلى الله عليه وسلم - هو المحبوب لله تعالى في كل الشئون؛ وإن لم يكن واجبا، لأن المحب لا ينظر إلى الفرق الواجب وغير الواجب، بل هو يتبع المحبوب لأجل حبه له، فما بالك إذا كان واجبًا كإعفاء اللحية؟

حلق اللحية تطرف وانحراف

حلق اللحية تطرف وانحراف عن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}. [النساء:80] فإذا كانت سنته - صلى الله عليه وسلم - قولا وفعلا وصفةً إعفاء اللحية؛ كان حلقها إعراضًا عن طريقته المنيفة، ورغبة عن سنته الشريفة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " ... فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» [متفق عليه]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [رواه مسلم]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةِ غَيْرِنَا". [حسن] ولما أرسل كسرى رجلين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودخلا عليه وقد حلقا لحاهما، وأعفيا شواربهما، كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النظر إليهما، وقال: "ويلكما! من أمركما بهذا؟ " قالا: "أمرنا بهذا ربنا" -يعنيان كسرى- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

إعفاء اللحية فطرة إنسانية

"ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي، وقص شاربي". [حسن] فأنت أنت أيها الحليق، ماذا يكون شعورك إذا تأذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رؤية وجهك؟ بل ماذا يكون جوابك إذا أعرض عنك بوجهه الشريف قائلا: "ويلك! من أمرك بهذا؟! " إعفاء اللحية فطرة إنسانية قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ... } الآية. [الروم:30] والمعنى: فَسَدِّد وجهَكَ، واستمرَّ على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم، وأنت مع ذلك لازمٌ فطرتَك السليمةَ التي فطر اللهُ الخلقَ عليها، وهي معرفته تعالى وتوحيده، وتوابع ذلك من خصال الفطرة. وعن عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ "

قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ" [رواه مسلم]. وخصال الفطرة: هي الهيئة التي ابتدأ الله خَلْقَ عبادِه عليها، وغَرَسَ في طباعهم فِعلَها والميلَ إليها، واستحسانها، وجبلهم على النفور مما يضادها، بحيث لو ترك إنسان هذه الخصال لم تبق صورته على صورة الآدميين، فكيف من جملة أهل الإسلام الذي هو دين الفطرة؟! إن صاحب الفطرة السوية التي لم يطرأ عليها فساد بتأثير البيئة المحيطة يظل مدفوعا بفطرته إلى كراهية ما في جسده مما ليس من زينته، ومحبةِ هذه الخصال الجِبِلِّية لو لم يرد بها شرع منزَّل، فكيف وقد جاءت بها شرائع النبيين؟ قال الحافظ السيوطي رحمه الله: (وأحسن ما قيل في تفسير الفطرة: أنها السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جِبِلِّي فُطِروا عليه) اهـ.

حلق اللحية تغيير لخلق الله سبحانه

حلق اللحية تغيير لخلق الله سبحانه قال تعالى: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} قيل في تفسيرها: هي خبر بمعنى الطلب، أي لا تغيروا خلق الله، والهيئة التي فطركم عليها، وهي معرفة الله وتوحيده، وتوابع ذلك من خصال الفطرة. وقال تعالى حاكيا عن إبليس قوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}. [النساء:119] وهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله عز وجل بدون إذن من الشرع (¬1) إطاعة لأمر الشيطان، وعصيان للرحمن جل جلاله. ولعل في قوله تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} الآية [التغابن:3] ¬

_ (¬1) إذ ليس كل تغيير يعد تغييرا لخلق الله، فإن هناك تغييرا أذن فيه الشارع بل أوجبه أو استحبه (كحلق الرأس عند التحلل من الإحرام، وإزالة شعر العانة والإبط، والختان، وقص الأظفار، ... إلخ)، فالتغيير الذي تعبَّدَنا الله به ليس من التغيير المذموم، والله تعالى أعلم.

إعفاء اللحية من سمت الأنبياء

إشارة إلى الأمر بتحسين الهيئة والتنظيف، كأنه قال: قد فطركم الله في أحسن صورة وأكمل هيئة، فلا تغيروها بما يقبحها ويشوهها، أو: فحافظوا على ما يستمر به حسنُها، ولا تطيعوا الشيطان في أمره إياكم بتغيير خلق الله. وفي الحديث: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» [متفق عليه]. فذكر علة اللعن المستدل به على الحرمة في قوله: "المغيرات خلق الله". فحالقُ لحيتِهِ للحُسْن مغيرٌ خلق الله سبحانه بل دخوله في الوعيد من باب أولى، لأنه شرع لها من التزين أكثر مما شرع للرجل، وحلق اللحية في معنى النمص الذي هو إزالة شعر الوجه أو الحاجبين، من المرأة للحسن، وهو في حق الرجل أقبح. إعفاء اللحية من سمت الأنبياء عليهم السلام تقدم تفسير الفطرة بأنها سنة الأنبياء عليهم السلام، وقد قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ... } الآية [البقرة:142]

إعفاء اللحية سبيل المؤمنين

وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر الكلمات التي اختُبر بها إبراهيم عليه السلام بخصال الفطرة. كما دلَّ القرآن العظيم على أن هارون عليه السلام كان موفِّرَّا شعر لحيته. قال تعالى حاكيا عنه قوله لموسى عليه السلام: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ... } الآية [طه:94] فلو كان حالقا لما أراد أخوه الأخذ بلحيته. وقال تعالى بعد أن ذكر أسماء بعض الرسل الكرام ومنهم إبراهيم وهارون عليهما السلام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. [الأنعام:90] فأمر الله نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء بهم، وهو أمر لنا لأن أمر القدوة أمر لأتباعه. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] إعفاء اللحية سبيل المؤمنين قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ... } الآية. [آل عمران:110]

وقال سبحانه: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} الآية. [لقمان:15] وقال - صلى الله عليه وسلم - «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ... " الحديث، [متفق عليه]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» [صحيح] وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين المهديين وغيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنهم كانوا ذوى لحى كبيرة، فكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه "كث اللحية"، وكان عمر "كثير اللحية "، وكان عثمان "كبير اللحية"، وكان على رضى الله عنه "عريض اللحية، قد أخذت ما بين منكبيه"، فهؤلاء أعقل الأمة كلها بإجماع علمائها، ثم بعدهم الأتباع المحسنون، والمجاهدون الصادقون الذين أخذوا كنوز كسري وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها لم يكن فيهم حالق (¬1)، لو فتشت فى طول ¬

_ (¬1) ومن دعاء المؤمنين عباد الرحمن: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} قال بعض العلماء فى تفسيره: "اجعلنا مؤتمين بمن=

حلق اللحية تشبه بالكافرين

صفحات التاريخ الإسلامى وعرضها لم تجد من أئمة الهدى، ومصابيح الدجى من كان يحلق لحيته، وإنما تسربت إلينا هذه الضلالة، واستمرأها بعض المسلمين لما اتصلوا بالكفار حين احتلوا بلادنا، أو حين رحلوا إلى بلاد هؤلاء الكفار فاحتلوا عقولهم، وأعرضوا عن هدى سلفهم الصالح، واتبعوا غير سبيل المومنين حَذْوَ القُذَّةِ بالقذة، وافتتنوا بسَنن اليهود والنصارى، فحاكَوْهم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع. حلق اللحية تشبه بالكافرين قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18]، وهم كل من خالف شريعته - صلى الله عليه وسلم -، و"أهواؤهم" ¬

_ = قبلنا، فنصلح لأن يأتم بنا مَن بعدنا"، ولم ينقل عن أحد من السلف الصالح حلق لحيته لعدم جوازه عندهم، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها، قال الإمام ابن حزم رحمه الله فى "مراتب الإجماع": (واتفقوا أن حلق جميع اللحية مُثْلَةٌ لا تجوز) اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (يحرم حلق اللحية للأحاديث الصحيحة، ولم يُبِحْهُ أحد) اهـ.

ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذى هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك، فهم يهوونه، وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه. وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}. [الحديد: 16] وقوله تعالى: {وَلَا يَكُونُوا} نهى مطلق عن مشابهتهم، قال ابن كثير: " .. ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم فى شىء من الأمور الأصلية والفرعية". إن ترك التشبه بالكفار فى أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التى أسسها القرآن الكريم، وبيَّنها وفَصَّلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحققها فى أمور كثيرة من فروع الشريعة: فى الصلاة، والجنائز، والصيام، والأطعمة، واللباس والزينة، والآداب، والعادات، وغيرها، وقال - صلى الله عليه وسلم - "لَيْسَ مِنَّا مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةِ غَيْرِنَا"، [حسن] حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا فى مدينة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وشعروا أنه - صلى الله عليه وسلم - يتحرى أن يخالفهم فى كل شئونهم

الخاصة بهم، فقالوا: " مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ" [رواه مسلم]. وقال - صلى الله عليه وسلم - " .. وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" [صحيح] وعن الحسن قال: "قلما تشبه رجل بقوم إلا لحق بهم" يعنى فى الدنيا والآخرة. وقال بعض مشيخة الأنصار: "يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ -أي لحاهم- وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ. -أي شواربهم- قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ" [حسن] وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى» (¬1) متفق عليه، ¬

_ (¬1) ومما ينبغى التنبه إليه أن المشركين الموجودين فى زمن النبى - صلى الله عليه وسلم - كانوا ذوى لحى "انظر صحيح مسلم الحديث (1800) "، لأن العرب لم تترك زينة اللحى لا في الجاهلية ولا فى الإسلام، وقد أقرهم الإسلام عليها، ولعلهم توارثوها من دين إبراهيم عليه السلام، وكان الغربيون يعفون لحاهم إلى أن أشاع الملك بطرس ملك روسيا حلق اللحية فى أوربا فى أول القرن السابع عشر، ومنهم تسربت إلى المسلمين هده السنة السيئة فيما بعد. =

وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ» [رواه مسلم]. قال أبو شامة رحمه الله: (وقد حدث قوم يحلقون لحاهم، وهو أشد مما نقل عن المجوس من أنهم كانوا يقصونها). تنبيه: اعلم- رحمك الله- أنه لا يقدح فى استمرار هذا التعليل أن بعض المشركين اليوم يعفون لحاهم، وذلك لما يلى: أولًا: أن حلق اللحية سنةُ أكثرِهم، بل ما تسربت إلينا هذه البدعة إلا من طريقهم. ثانيًا: وأما من أعفى لحيته منهم باعتبار ذلك رجولة وفحولة، أو اقتداءً بأنبيائهم، فقد سلمت فطرته فى هذه الجزئية التى توافقت شريعتنا فيها ¬

_ = أما كيفية مخالفة المشركين مع إعفائهم لحاهم فى زمنه - صلى الله عليه وسلم - فبقص الشارب، وأخذ ما طال عن الشفة، أو بتوفير اللحى إذا كانوا يقصرونها، فالمخالفة هنا فى وصف الفعل، أما إذا حلقوا لحاهم، فنحن نخالفهم فى أصل الفعل بإعفاء اللحى.

مع شريعتهم، وإن كنا نخالفهم بقص الشوارب، وأخذ ما طال عن الشفة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا". [صحيح] وإذا كان بعض الكفار -كاليهود- اليوم يعفون لحاهم وآخرون يحلقونها، فنحن مأمورون بمخالفة الحالقين والمقصرين، لا بمخالفة من أعفاها، فلو كانت القاعدة أن ما يفعله الكفار يجب اجتنابه مطلقًا، لوجب علينا ترك الختان لأن اليهود يختتنون. ثالثا: كذلك لا يقدح فى استمرار التعليل بمخالفة المشركين أن أكثر المسلمين اليوم يحلقون لحاهم، لأن القرآن والسنة حجة عليهم، وقد دلَّا على تحريم تغيير خلق الله، والتشبه بالنساء، ودلت السنة على أن إعفاء اللحية من خصال الفطرة التى لا تتبدل بتبدلِ الأزمان، وانحرافِ البعض عنها، فلا يصح أن نرفض ما شرعه الله لنا، وفَطَرَنا عليه لمجرد أن يتلبس به بعض المخالفين لنا فى الدين، أو يُفَرِّطَ فيه بعض المنتسبين إليه.

إعفاء اللحية رجولة وفحولة

إعفاء اللحية رجولة وفحولة خلق الله عز وجل الذكر والأنثى، وجعل وجود الشعر سمة مشتركة بينهما فى مواضع ليس منها: اللحية والشارب، فإنه ميَّز بهما الرجل عن المرأة، ولَأن يلبس الرجل ملابس المرأة أخف من أن يحلق لحيته تشبهًا بها، لأن لحية الرجل هى الفارق الظاهر، والمميز الواضح بين الرجل والمرأة (¬1)، وقد شرع الله لكل من الزينة ما يناسب فطرته. وأباح الشرع للنساء التزين بالذهب والحرير، وحرمهما على ¬

_ (¬1) ومن المعلوم طبيَّا أن نمو اللحية فى وجه الرجل أثر من آثار هرمون الذكورة ( Testosterone)، وأن الأمراض التى تطرأ على بعض المرضى، وينشأ عنها نقص فى الرجولة ( Demasculinization) تكون مصحوبة لسقوط شعر اللحية من الوجه، وأن هذا الهرمون لو حُقن في أنثى فإنه يؤدى إلى اضمحلال الأنوثة ( Defeminization) وظهور أعراض الاسترجال ( Virilization) أو التذكير ( Masulinization)، ومن أوضح هذه الأعراض: الشَّعْرانية ( hirsutism) أي كثرة نمو الشعر فى مناطق لم تكن مشعرة كاللحية والشارب.

حلق اللحية تشبه بالنساء

الرجال لأنهما لا يناسبان كمال الرجولة، وكما أن من جمال المرأة أن تعدم اللحية والشارب فى وجهها، فإن جمال الرجل وهيبته ووقاره فى لحيته وشاربه. حلق اللحية تشبه بالنساء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» [رواه البخاري]. وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أنه رأى امرأة متقلدة قوسًا، وهى تمشى مِشية الرجل، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَا مَنْ تَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ» [صحيح] ولا شك أن مشابهة حالق اللحية للمرأة أوضح من مشابهة من تقلدت القوس بالرجال. وكما أن المرأة إن اتخذت لحية مصنوعة فى وجهها تكون متشبهة بالرجل، فكذلك الرجل الذى يطيح بلحيته التى زينه الله بها قد تشبه بالنساء، وأنت إذا سألت رجلًا من

عامة أهل السنة عن وجه الحليق من يشبه؟ لقال لك: "وجهَ المرأة، ووجه الصبي، ووجه اليهودي والنصراني"، وقد أطلق العلماء على مثل هذا التشبه لفظ "التخنث"، قال حافظ المغرب ابن عبد البر رحمه الله: (ويحرم حلق اللحية، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال) اهـ. تنبيهان: الأول: كما أن من صبغ أطرافه بالحناء قد تشبه بالنساء، ولو كان ذا لحية وشارب وعمامة، فكذلك من حلق لحيته قد تشبه بالنساء، ولو كان ذا شارب وقميص وعمامة. الثاني: التشبه من الأعمال التى لا يتوقف الاتصاف بها على القصد والنية كالإتلاف والقتل والضرب، فمن فعل ذلك اتصف به وإن لم يقصده، والمفسدة المترتبة على التشبة موجودة، وإن لم يكن له قصد فيها، ولذا نهى - صلى الله عليه وسلم - عن أعمال لم يقصد فاعلها التشبه، ولا خطر على باله، كالنهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس، وحين يستقل الظل

إعفاء اللحية زينة وتكريم

بالرمح، ووقت الغروب كيلا نتشبه بالكفار الذين يسجدون للشمس فى هذه الأوقات، مع أن المسلم لا يقصد بالسجود إلا الله تعالى. إعفاء اللحية زينة وتكريم قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} الآية، [الإسراء:70] قال بعض العلماء: "من تكريمه إياهم خلقه لهم على أكمل الهيئات وأحسنها". وذكر بعض العلماء من أمثلة هذا التكريم: تزيين الرجال. باللحى، النساء بالذوائب. وقد قال تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ... } الآية [البقرة:138] وقال عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8] وقال سبحانه وتعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} الآية [النمل:88]

وقال - صلى الله عليه وسلم -: " كُلُّ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ ". [صحيح] فهذه الهيئة التى خَلَقَنا الله عليها نعمة من الله سبحانه وتكريم لنا، فلا شك أن حلق اللحية والإطاحة بها كفر بهذه النعمة العظيمة، وانتكاس عن سنة مَن هديُه خير الهدى - صلى الله عليه وسلم -، وانحطاط إلى مستوى الكفرة الذين زُيِّن لهم سوء أعمالهم، فحسبوا أن التمدن والكمال فى القضاء على أكبر الفوارق الظاهرة بين الرجل والمرأة: يُقْضَى على المرءِ فى أيام محنته ... حتى يرى حَسَنًا ما ليس بالحَسَنِ وقد بلغ تعظيم الفقهاء إعفاء اللحية إلى أن قال الأئمة أبو حنيفة وأحمد والثورى: " إن اللحية إذا جُنِى عليها، فأزيلت بالكلية، ولم ينبت شعرها، فعلى الجانى دية كاملة كما لو قتل صاجها"، قال ابن مفلح رحمه الله: "لأنه أذهب المقصود، أشبه ما لو أذهب ضوء العين". ولم يكن لقيس بن سعد لحية، فقال الأنصار: "نِعم السيد قيس لبطولته وشهامته، ولكن لا لحية له، فوالله

حلق اللحية مهانة

لو كانت اللحية تُشْتَرى بالدراهم، لاشترينا له لحية ليكمل رجلًا". وقال بعض بنى تميم من رهط الأحنف بن قيس: "وِدِدْتُّ أنا اشترينا للأحنف لحية بعشرين ألفًا " فلم يذكر حَنَفَه وعَوَرَه، وذكر كراهية عدم اللحية، لأن مَن لا لحية له يُرى عند العقلاء ناقصًا. وذُكِر عن شريح القاضى أنه قال: "وددت لو أن لى لحية بعشَرة آلاف درهم"، فيا عجبًا من بعض أهل زماننا يود أحدهم لو بذل مالًا عظيمًا لِيُعْدَم لحيتَه إلى الأبد حتى لا يعاني حلقها! حلق اللحية مهانة وأئمة الإسلام لم يوجد من بينهم من حلق لحيته فى حياته مرة واحدة، بل إن بعض الأمراء الذين لم يكونوا متفقهين فى الدين كانوا إذا أرادوا أن يؤدبوا فردًا من أفراد الرعية لخطإِ ارتكبه يحلقون لحيته، ويُركبونه دابة، ويُجَوِّلونه بينَ الناس تعييرًا له، ولهذا نصَّ بعض الفقهاء على أنه "يجوز التعزير بحلق الرأس لا اللحية"، أى لأن حلقها حرام، ألا تلمح أنه سُنَّ حلقُ الرأس فى التحلل من

حلق اللحية مثلة

الإحرام، دون اللحية؟ وبلغ أيضًا من تعظيم السلف شأنها أن رتبوا على حلقها عقوبة اجتماعية قاسية ألا وهى رَدُّ الشهادة، جاء فى "المُيَسَّرِ على خليل" أن "مَنْ تعمَّد حلقها يؤدب، وترد شهادته". وقال العلامة الدسوقى: "يحرم على الرجل حلق لحيته أو شاربه، ويؤدَّب فاعلُ ذلك". حلق اللحية مُثْلَة عن عبد الله بن يزيد الأنصارى رضى الله عنه قال: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ"، [رواه البخاري]، والمُثْلَة: التشويه. وعن سمرة وعمران بن حصين رضى الله عنهما قالا: "مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً، إِلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، وَنَهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ" [جيد] وروى ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: "إن حلق اللحية مُثلة، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المثلة".

وقال الإمام ابن حزم رحمه الله فى "مراتب الإجماع": "واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز" اهـ. وإذا كان بعض العلماء عدَّ المبالغة فى قص اللحية مُثْلَة، وعد بعضهم استئصال الشارب بالحلق مثلة، فماذا يكون استئصال اللحية كلها؟ إن الوجه عضو مكرم لأنه مجمع المحاسن والحواس، فمن حقه الكرامة والصيانة لا المثلة والإهانة، وهذا ما عَلَّمَناه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فى قوله: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ»، وفى لفظ: "فلا يَلْطِمَنَّ الوجهَ" [رواه الشيخان]، ورأى سويد بن مقرِّن رضى الله عنه رجلًا لطم غلامه، فقال: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الصُّورَةَ مُحَرَّمَةٌ" [رواه مسلم]. فواعجبًا من أهل زماننا، يهنئون من يشوه خلقته، ويحلق لحيته بقولهم "نعيمًا"!

الخاتمة

الخاتمة وهذا آخر ما تيسر تهذيبه واختصاره، وأسأل الله عز وجل أن يرينى وسائر المسلمين الحقَ حقا، ويرزقَنا اتباعَه، وأن يُرِيَنا الباطِلَ باطلًا، ويرزقَنا اجتنابَه، وألا يجعلَه مشتبهًا علينا فنتبع الهوى، ونضل. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، والحمد لله رب العالمين. الإسكندرية فى 24 شعبان 1413 هـ 15 فبراير 1993 م

§1/1